حكاية هدم البيوت في حي بابا عمرو/ عامر السيد علي

09 مايو 2025
عمدت قوات نظام بشار الأسد إلى تدمير حي بابا عمرو جنوبي مدينة حمص وسط سورية. وكانت خطتها تستهدف المباني الفارغة التي لم يعد السكان إليها بعد تهجيرهم من الحي، عقب واحدة من أعنف الحملات العسكرية التي شهدتها المدينة، والتي انتهت بتهجير سكان الحي عام 2012.
وارتبط مشروع هدم الحي، الذي بدأ عملياً بإشراف الفرقة الرابعة في جيش نظام بشار الأسد، بمشروع سابق هو “حلم حمص”، الذي أطلقه إياد غزال منذ توليه منصبه في المحافظة عام 2005. الهدف المعلن منه هو التطوير العمراني في المحافظة، لكن بدا أن الهدف الخفي هو إجراء تغيير ديمغرافي ضمن المدينة.
وشمل المشروع مصادرة أراضٍ وممتلكات في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، منها حي بابا عمرو وحي جوبر القريب منه، وهي أحياء كانت ضمن المخطط التنظيمي للمدينة، وليس فيها أبنية عشوائية.
ويربط فيصل زعيب، أحد وجهاء الحي والعضو السابق في مجلس محافظة حمص، بين المشروع وبين عملية الهدم التي بدأت قبل نحو عام من سقوط نظام بشار الأسد، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “هدف مشروع حلم حمص إلى إنشاء مخطط تنظيمي جديد لحي بابا عمرو، عبارة عن أبنية مؤلفة من مجموعة طوابق، وإزالة كل الأبنية الموجودة في الحي. وقد أثار هذا المشروع غضب المواطنين وخصوصاً أن جميعهم من الطبقة العاملة والفلاحين”.
في بداية الثورة، خرج أهالي حي بابا عمرو رفضاً لتنفيذ هذا المشروع الذي يؤدي إلى تهجيرهم ونسف أبنيتهم، وفق زعيب. يضيف: “يعد حي بابا عمرو منظماً، وهناك مخطط تنظيمي وضبط للبناء. وفي الحي عشرون مدرسة، ومستوصف، وعيادات شاملة، ومساجد، وبنية تحتية متكاملة من كهرباء ومياه وهواتف، وشوارع معبّدة”. ويشير إلى أنه من بين الأمور المهمة أيضاً، إطلاق أسماء على الشوارع وتسمية المنازل، وهذا ليس بالأمر السهل تنظيمياً. فالحي كان منظماً ومتكاملاً، وهو ما أتاح للمواطنين العيش فيه.
يتابع زعيب أنه “في عام 2011، بدأت الثورة في وجه ما كان يُخطط لبابا عمرو ولغيره من الأحياء. خرجت الجماهير تنادي بالحرية وترفض الظلم وهدم الحي، ما أدى إلى مقتل مجموعة من الأهالي. هذا الأمر أجّج الأوضاع. وبدلاً من أن تعالج السلطات الأمور بهدوء، بدأت بقتل الناس وقصف البيوت والمنازل بالطائرات الحربية والمدفعية. حدث القتل والدمار الكامل ما أدى إلى تهجير المواطنين”.
يضيف زعيب: “للأسف الشديد، وفي الفترة التي سبقت سقوط النظام، دخلت الفرقة الرابعة ومجموعات تابعة للواء رياض شاليش (كان المدير التنفيذي لشركة الإنشاءات العسكرية)، وبدأوا هدم القرية القديمة أي قرية بابا عمرو، وهي عبارة عن حي أثري قديم يعود لمئات السنين، ويحتوي على ضريح الشهيد العربي المسلم عمر بن معدي كرب الزبيدي. كما هدموا المسجد وكل الدور القديمة، وبدأوا بإزالة الحجارة السوداء وأخذ الحديد من أسطح المنازل”.
منزل مهدّم في بابا عمرو (العربي الجديد)
منزل مهدّم في بابا عمرو (العربي الجديد)
ويوضح زعيب: “انتقلوا بعدها إلى حي السلطانية، حيث بدأت عملية الهدم من قبل الفرقة الرابعة ومجموعات رياض شاليش. هدمت أبنية مؤلفة من أربعة طوابق بالكامل، وأخذ الحديد وبعض الحاجيات من المنازل. ما حدث كان معيباً جداً وأثر سلباً على حياة المواطنين. تلك الأبنية كانت ملكاً لهم وقد باتوا مهجرين”.
عندما عاد الناس، لم يجدوا بيوتهم، وفق زعيب. ويسأل: “هل كان يجب هدم هذه البيوت؟ بعض المنازل لا تزال قائمة حتى الآن، وهي ذات بنية إنشائية متكاملة، ولا يظهر عليها خطر الانهيار أو التصدعات”. ويختم حديثه قائلاً: “أنتم تلاحظون أن بعض الأبنية التي كان يُفترض أن تهدم لا تزال قائمة ومتماسكة جداً. أما الأبنية الأخرى، التي لم يكن أصحابها محظوظين، فقد تأثرت وهُدمت، وعاد أصحابها ليجدوا الأرض خالية من أي بناء”.
أما محمد شهاب، الذي يقيم في منزل قريب من تل بابا عمرو الأثري، فيوضح خلال حديثه لـ”العربي الجديد” أن المنزل نجا من الهدم، كون والدته عادت مبكراً إليه عقب تهجير السكان. ويقول: “عندما بدأ القصف على حي بابا عمرو أثناء الحصار، انتقلنا إلى منزل جدي في منطقة الحصوية، وبقينا هناك مدة عامين. بعد ذلك، بدأت المشاكل في الحصوية، فانتقلنا إلى قريتنا الواقعة قرب منطقة الفرقلس، واسمها المُجَيِّرين، وهي منطقة صحراوية مكثنا فيها سنوات”.
يتابع شهاب: “في وقت لاحق، سمعنا أنهم ينوون هدم المنازل. بدأ أخي الأكبر بالتواصل معنا ليقنعنا بالعودة إلى منزلنا. كان مطلوباً للخدمة الاحتياطية، ولم يكن في إمكانه الخروج. عدنا إلى المنزل قبل التحرير بستة أشهر، وأقمنا فيه، ثم بدأوا بالمجيء استعداداً للهدم. كانوا ينوون البدء بمنازلنا والتوجه نحو الطريق العام، فسألناهم: ماذا عن منازلنا؟، فأجابوا: المنزل الذي تقيمون فيه هو أرض فقط، وليس ملكاً لكم. لكن إحدى المهندسات التي كانت مع فريق الهدم قالت لنا أن نضع أي شيء داخل البيت يدل على أننا نقيم فيه كي لا يُهدم، وهذا ما حصل”. يضيف شهاب: “أخبرناهم أن بيوتنا بلا أبواب ولا نوافذ، فكيف سنعيش فيها؟ ثم وضعنا أغطية نايلون مكان النوافذ وأقمنا فيها”.
العربي الجديد