أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

رسائل من الجزيرة السورية/ بشير البكر

10 مايو 2025

عرب الجزيرة السورية عاتبون على الرئيس أحمد الشرع لأنه لم يخصّهم بخطاب، أو تصريح مفصّل، يقدّم فيه تصوّره لمستقبل منطقتهم، التي تمثل قرابة ثلث مساحة سورية، ومصدر ثرواتها من النفط والغاز والحبوب والقطن. هم يدركون أن زيارته محافظاتهم الثلاث (الرقّة ودير الزور والحسكة) غير ممكنة في الوقت الحاضر، لأنها تحت سلطة الأمر الواقع المتمثلة في قوات سوريا الديموقراطية (قسد). ولكن ليس هناك ما يمنع رئيس الدولة من أن يخاطب ذلك الجزء المنسيّ من شعبه، الذي يعيش في غياب الدولة السورية منذ بداية الثورة عام 2011، وينتظر (بإلحاح) رؤيتها، لا سيّما أن مصير الجزيرة يتقرّر في هذه الفترة على طاولة مباحثات بين ممثّلين عن الحكومة و”قسد”. يريد عرب الجزيرة، بدءاً من أعلى مسؤول في الدولة أو من ينوب عنه، أن يكسر الرئيس حاجز الصمت ويخاطبهم بصراحة عن مآل هذا الجزء الكبير والغني من سورية، سياسياً واقتصادياً، وهم يطالبون بأن تكون لهم كلمة ذات وزن، ودور أساس في القرار وآلية إعمار محافظاتهم ومصير ثرواتها، وهذا يعزّز من موقع الدولة بوجه التدخّلات الأجنبية، التي تعمل على فرض حلول من الخارج.

عرب الجزيرة عاتبون على النُخب ووسائل الإعلام التي تولي عنايةً خاصّةً بمتابعة قضايا أهل الساحل والجنوب، وتنسى أن هناك عدّة ملايين من الشعب السوري تسكن في الجانب الآخر من الخريطة، لا تجد من يتحدّث عن أوضاعها السياسية والاقتصادية الصعبة، والمعاناة التي تعيشها بسبب غياب سلطة الدولة، ما ينعكس على الأحوال المدنية وخدمات الصحّة والتعليم والزراعة، التي تتنظر حلولاً عاجلةً للجفاف الزاحف منذ حوالي ثلاثة عقود. ولا يستثني العتب بقية المحافظات السورية الأخرى، التي تتعامل مع محافظاتهم باعتبارها مصدراً للثروة فقط، وتنسى أنها جزء من البلد يحتاج اليوم إلى الدعم بعد أن قدّم كثيراً من أجل بناء سورية الحديثة. آن الأوان لأن يتم الإقلاع عن النظرة الفوقية لهذه المنطقة، وأن تنال حقّها من معاملة متساوية مع محافظات الداخل على مستوى الخدمات والبنى التحتية.

وتتحمّل نخب الجزيرة السياسية والثقافية قسطاً من المسؤولية عن التقصير الذي نالت منه المنطقة، وما تعانيه من إهمال وتمييز تاريخي يعود إلى زمن سبق قيام الثورة، حينما حوّلها نظام آل الأسد إلى ديار للنهب، بعد أن نجح في تمزيق نسيجها العام، وجعل من نُخبها فئةً من التابعين، اشترى ولاءها بمنافع ذاتيه. ومن المؤسف أنّ هذا الحال المزري لم يتغيّر بعد الثورة وسقوط النظام، إذ لم تتشكّل هيئة عربية واحدة ذات وزن، على غرار تنظيم المكوّن الكردي نفسه، وفرض سيطرته السياسية والأمنية.

عانت الجزيرة خلال فترة الثورة من الإهمال، ولم تتعامل معها الهيئات التي تصدّرت القيادة بنحو يختلف عن النظام، ولم يتم الاهتمام الجاد بمصيرها بعد أن سلّم النظام بعض المناطق إلى حزب العمال الكردستاني، ومن ذلك آبار النفط في منطقة الرميلان. وقد أدت سياسة الفراغ وإشاعة الفوضى إلى انتشار تنظيم “داعش”، الذي أعلن مدينة الرقة عاصمة لدولته المزعومة. ولو أن القيادات العسكرية التابعة للائتلاف تحرّكت لسد الفراغ الذي تركه النظام، لما واجهت المنطقة المصير الذي عرفته بعد ذلك، من نمو قوّة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومن ثمّ الحرب الأميركية على الإرهاب، وتشكيل “قسد” في سياق ذلك. والمطلوب اليوم عدم التفريط بهذه المنطقة مرّةً أخرى، والتعامل معها من منظور وطني سوري، وهذا يتطلّب حلّ المسألة الكردية دستورياً بوصفها قضيةً سورية، وليس من خلال عقد صفقة مع حزب العمّال الكردستاني على حساب أهل المنطقة من العرب وبقية المكوّنات.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى