سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعمنوعات

عن الإعلام الرسمي السوري: قبل 8 ديسمبر وبعده/ صبري عيسى

في اليوم التالي لانقلاب البعث في 8 آذار/مارس 1963، قام الحزب المستولي على السلطة بالتنكر لخطابه العقائدي، كما كانوا يسمون منطلقاتهم النظرية التي عومتهم كحزب يحمل أيديولوجية محددة بشعاراته، التي كان أعضاؤه يرددونها منذ تأسيسه عام 1947، وهي ثلاثيته الشهيرة التي أطلقها وهي الوحدة والحرية والاشتراكية، مرفقة بالرسالة الخالدة، وكان يتمتع بكل حرية قبل انقلابه أيام حكومات ما قبل عام 1958 واستفاد من أجواء الديمقراطية للتغلغل والانتشار وسط الشباب السوري لنشر رسالته الخالدة، أيام الرجعية السورية كما كان يصفها الرفاق.

في اليوم التالي لانقلاب البعث قامت حكومته بإيقاف كل الصحف الخاصة ومصادرة مطابعها وفرض الحظر السياسي على رؤساء تحريرها وأصحابها، وكل السياسيين في ذلك الوقت، وأسس صحفا موالية له تنطق باسمه وتدافع عن سياساته، واختار لها رؤساء تحرير مارسوا عملهم كرؤساء مخافر، كانت مهمتهم منع انتقاد سياساتهم وحكوماتهم المتعاقبة، وتم تعيين كوادر صحافية من الموالين له، ومعظمهم يفتقد الحرفية المهنية، وبسبب انتهازية البعض وحرصهم على التدرج الوظيفي تحولوا إلى كتبة تقارير بحق زملائهم، واستمرت المسيرة واعتاد الناس على غياب صحافة حرة تنطق باسمهم.

النافذة الوحيدة للراغبين بقراءة الصحف هي الصحافة المقبلة من خارج الحدود، التي كانت تخضع لرقابة مشددة من قبل شرطة وزارة الإعلام، وفي مرات كثيرة كان يتم تمزيق عدة صفحات منها تحمل أخبارا ومقالات تتعارض مع الخطاب الإعلامي الرسمي، وانتهى الحال بإيقاف إدخال هذه الصحف ومنعها من التداول، وعندما بدأ البث التلفزيوني عبر المحطات الأرضية، قامت وزارة الإعلام باستيراد أجهزة تشويش لمنع رؤية المحطات التلفزيونية الأرضية، التي كانت تبث من الدول المجاورة لسوريا. بعد ظهور الأقمار الصناعية، التي تبث النقل التلفزيوني الفضائي، مع انتشار واسع للفضائيات خرج البث التلفزيوني عن التغطية، وأصبح انتشار الأخبار والمعلومات خارج رقابة وزارة الإعلام وسيطرتها على البث التلفزيوني، وبعد انتشار وسائل الاتصال لم يعد لوزارة الاعلام أي دور، خاصة بعد توقف الطباعة الورقية لصحفها الرسمية، التي تحولت إلى صفحات تفشل في منافسة صفحات فيسبوك.

بعد 8 ديسمبر 2024، يوم سقوط نظام بشار الأسد، توقف نشاط وزارة الإعلام وتوقفت محطاتها التلفزيونية عن البث، ودخلت الساحة فضائيات سورية وعربية كانت تبث من الخارج، وتغطي اهتمامات المواطن السوري، الذي أصبح يتلهف على معرفة ما يجري في بلده عبر الفضائيات ومواقع التواصل، التي حولت المتلقي السوري إلى شاهد إثبات يشاهد عبرها بشكل مباشر وقائع كل حدث حتى لو كان شجارا بين اثنين في أي شارع في بلده. تعدد الفضائيات والخطاب الإعلامي لها، يرتبط دائما برؤية الممول لها، سواء كانت دولا أو أفرادا، وأصبحت هناك فضائيات موالية وأخرى معادية، تعتمد الخطاب الإعلامي وفق مصالح مموليها، وأصبح المشاهد السوري حريصا على رؤية أكثر من فضائية للمقارنة ومعرفة حقيقة ما يجري. أصبح النظام الجديد يعتمد في نقل أخباره وإعلان مواقفه السياسية والمحلية عبر فضائيات أخرى، ووسائل تواصل معروفة يثق بها، ولم يؤسس لوسائل إعلام باسمه، وبسبب خياراته في تأسيس حكومته الأولى والثانية واعتماده على الموالين له فقط ممن يثق فيهم في تجربته في حكم إدلب، وقع في فخ اختيار الموالين له، دون أي اعتبار لخبراتهم والمقياس الوحيد كان ثقته بهم فقط، وتم تعيين رؤساء تحرير ومديرين لمؤسساته الإعلامية من لون واحد، لا يملكون الخبرة التي يحتاجها النظام الجديد لتسويق سياساته، ومواقفه للرأي العام السوري والخارجي. وعدنا إلى تكرار ما كان يجري قبل 8 ديسمبر وهي اختيار الموالين ومن يثق فيهم فقط. وهذا ينطبق على وسائل الإعلام من فضائيات وصحف ومواقع إخبارية تلتزم بالخطاب الرسمي.

بقيت معاناة السوريين مستمرة بوتيرة أقل مع انخفاض الأسعار وزيادة ساعات الوصل الكهربائي، والتأخر الطويل في دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، وتدني دخل السوريين أصبح مشكلة مستعصية على الحل، رغم الوعود بزيادة الرواتب، لكن فرحهم بالتخلص من نظام البعث والأسدين تحول إلى أمل بأن سوريا جديدة تولد من جديد، وعلى الجميع دعم النظام الجديد، ولم يشكل غياب الإعلام الرسمي أي نقص في معرفة ما يجري في البلد، وبقي الجميع ينتظر إعلاما جديدا ينطق باسمه ويعبر عن معاناته، لكن التعيينات الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة على رأس المؤسسات الإعلامية لم تكن موفقة، لأنها اعتمدت على الآلية التي اعتمدها النظام السابق نفسها وهي الولاء بلا شروط ، وتأتي الخبرات المهنية في آخر اهتمامات أصحاب القرار.

تجربة البث الأولى للإخبارية السورية، كانت مثالا حيا على التخبط في اختيار المهنيين، وكانت تجربة فاشلة لا تختلف في مضمونها وشكلها عن إخبارية نظام الأسد البائد، مع أن هناك خبرات سورية مهمة، سواء داخل البلد أو خارجه وهم يمتلكون الخبرة المهنية، التي أفادت منها صحف وفضائيات عربية ناجحة بامتياز، ودعوتهم إلى المشاركة في التأسيس لإعلام وطني يتصالح مع الناس ويعبر عن معاناتهم ومصلحة الوطن، أصبح ضرورة، وانا متأكد أنهم سيلبون أي نداء بالعودة للعمل في إعلام بلدهم الوطني. توسيع دائرة الثقة بأصحاب الخبرات من غير المحسوبين مباشرة على النظام، وليسوا من أصحاب اللحى الطويلة والقصيرة ضرورة وطنية عاجلة.

صحافي سوري

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى