مقالات تناولت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لفرنسا تحديث 10 أيار 2025

مقالات تناولت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لفرنسا تحديث 06 أيار
——————————
الشرع في باريس: أن يصل ماكرون متأخراً…/ صبحي حديدي
في استهلال مؤتمره الصحافي مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، خلال أوّل زيارة يقوم بها الأخير إلى دولة أوروبية، وكبرى في هذا المضمار؛ حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إعطاء الانطباع بأنه، وبلده فرنسا، ليس في وارد إسداء النصائح وإعطاء الدروس، لأنّ هذا «ليس الدبلوماسية التي نمارسها» كما قال، والغاية في المقابل هي «التفكير في الشعب السوري الذي واجه كلّ التحديات».
الانطباع المرادف، المنتظَر تلقائياً وذاتياً بالطبع، كان منح فرنسا شهادة حسن سلوك تامة في العلاقة مع نظام بشار الأسد، لا تشوبها شائبة بعد سنة 2011 وانطلاق الانتفاضة الشعبية السورية؛ ليس، في المقابل، من دون إغفال تاريخ العلاقات ذاتها أثناء 30 سنة من نظام حافظ الأسد، والعقد الأوّل من حكم وريثه بشار، حيث السجلّ لا يؤكد النقائض وحدها، بل الوقائع المخزية والمعيبة.
وبالطبع، كان بعيداً تماماً عن الانتظار أن يعود ماكرون نفسه إلى مواقفه الشخصية، في سنة 2017 خلال رئاسته الأولى، حين كانت هويته الإيديولوجية الأوضح هي الذرائعية الباردة على الطريقة الأمريكية الأثيرة؛ التي صقلتها فترة عمله كمستشار استثماري لدى مصارف روتشيلد. ففي صيف ذلك العام، وخلافاً للسياسة الرسمية المناهضة للنظام السوري كما اعتمدها سلفه فرنسوا هولاند، قال ماكرون: «منظوري الجديد بشأن هذه المسألة، هو أنني لم أقل إنّ رحيل بشار الأسد شرط مسبق لكل شيء، لأني لم أر بديلاً شرعياً»، وكذلك: «الأسد عدو للشعب السوري لكن ليس عدواً لفرنسا، وأولوية باريس هي الالتزام التام بمحاربة الجماعات الإرهابية».
بذلك فإنّ ماكرون احتاج إلى ثماني سنوات لاحقة، ولكن توجّب أيضاً أن يسقط نظام «الحركة التصحيحية» ويتفكك تباعاً إرث الأسدَين الأب والابن معاً؛ كي يستذكر، خلال مؤتمره الصحافي مع الشرع في باريس مؤخراً، حقيقة أولى ساطعة وفارقة: أنّ دمشق على أبواب فرنسا، ومنها يمكن الوصول إلى باريس سيراً على الأقدام، حسب تعبيره. وأياً كان مقدار المجاز في هذه العبارة، فإنّ مؤشرات الواقع الفعلي وأشدّ واقعية في معظم ما يخصّ مقادير المسافات الجيو ـ سياسية والجيو ــ أمنية، ومثلها الجيو ـ اقتصادية والجيو ـ اجتماعية والجيو ـ تاريخية والجيو ـ ثقافية… بين دمشق وسائر أوروبا.
ذلك، من جانب آخر، لا يُبطل إلا النزر القليل ربما، من نهج إعطاء الدروس الذي طبع استقبال فرنسا للشرع، على نحو يمكن وصفه بـ«الناعم» غالباً، المبطّن بدبلوماسية لم تفتقد إلى الصراحة وبعض الأستذة (حول الأقليات، والمكوّنات، و«قسد» خصوصاً)؛ عبّر عنها أوّلاً، بلسان رئيسه ضمناً وأصولاً بالطبع، وزيرُ الخارجية الفرنسي جان ـ نويل بارو خلال زيارة أولى مبكرة إلى دمشق، مطلع كانون الثاني (يناير) هذه السنة، ثم أعقبه ماكرون نفسه بعد شهر على هامش مؤتمر دولي احتضنته باريس بهدف دعم الانتقال السياسي في سوريا. «نعومة» الدروس اتخذت هذه المرّة وجهة تأييد جهود سلطة الشرع في تلك الميادين، من جهة أولى؛ ثمّ ربط المساندة الفرنسية بتفكير رغبوي أن تُنفّذ تطلعات باريس، من دون اشتراط أو إرغام، من جهة ثانية.
ولعلّ المراقب العادي، المتمرس قليلاً فقط بخيارات ماكرون في ملفات شتى داخلية وخارجية عموماً وشرق ــ أوسطية ومشرقية خصوصاً، وليس بالضرورة ذلك المراقب المتعمق الضليع المتفذلك؛ لا يفوته الأصل في المبادرة الفرنسية (غير البعيدة أيضاً عن توجّه ألماني، عكسته زيارتا وزيرة الخارجية إلى دمشق) أي النيابة عن أوروبا في الانفتاح على الرئيس السوري الانتقالي، وريادة ما سيأتي من مكاسب اقتصادية واستثمارية هائلة تحت بند إعادة الإعمار. وليس الوصول مشياً على الأقدام من دمشق إلى باريس، أو إلى برلين استطراداً، سوى كناية عن عقود أشغال ماراثونية آتية، تخدم الاقتصاد والأعمال والوظائف.
للرئيس ماكرون فضيلة المبادرة إلى تمكين الشرع من زيارة أوروبا، عبر بوابة غير عادية وغير هامشية مثل فرنسا، خاصة وأنّ ملابسات سفر الرئيس السوري الانتقالي تكشفت عن حقيقة أخرى مريرة بصدد العقوبات المفروضة على سوريا وتراث الفصائل الجهادية في البلد؛ إذْ اتضح أنّ في عدادها أيضاً منع الجولاني/ الشرع من السفر بقرار أممي ساري المفعول حتى بعد سقوط النظام، اقتضى من فرنسا استصدار إذن خاصّ من المنظمة الدولية. لا يخفى، كذلك، أنّ لماكرون فضيلة الاتكاء على خطاب جديد بصدد الانتفاضة السورية، أكثر تسيّساً بالمعنى النضالي (إشارة الإطراء إلى فتية درعا والكتابة على الجدران)؛ ولكن ليس أقلّ انحيازاً، في الآن ذاته، إلى شخصيات علمانية التوجّه أمثال بسمة قضماني وعمر عزيز، حيث امتزج الرحيل الطبيعي بالتصفية تحت التعذيب في أقبية النظام السوري.
فإذا وضع المرء جانباً أدوات المراقب المحترف في تحليل الخطاب وتركيب المعطيات، وانتقل إلى بلاغة الصورة الفوتوغرافية ولغة الجسد، فالأرجح أنّ شرائح واسعة من السوريات والسوريين توقفت عند شريط الفيديو الختامي عند مغادرة الشرع قصر الإليزيه، حيث المصافحة الحارّة المطوّلة اقترنت بطراز من الجذل وطلاقة الأسارير لدى ماكرون؛ ولعلها قارنت، في المقابل، سلوك الحدود الدنيا المطلوبة من اللباقة، التي طبعت الاستقبال ساعة وصول الشرع إلى القصر الرئاسي. غير مستبعد، استطراداً، أن يكون ماكرون قد لمس من الشرع ما هو أكثر طمأنة من التقارير الدبلوماسية والأمنية الفرنسية التي وُضعت على مكتبه؛ أو أنّ نرجسية الرئيس الفرنسي، الأثيرة، شاءت الطفو على خواتيم اللقاء، فخال ماكرون أنه نجح في إيصال رسالة باريس.
وفي كلّ حال، قد يكون من الإنصاف المبدئي الافتراض بأنّ الشعبين، السوري والفرنسي، باتا خلال زيارة الشرع إلى باريس على مبعدة ملموسة، قد تكون كبيرة واسعة أيضاً، عن أزمنة سابقة في علاقة قصر الإليزيه بآل الأسد، الأب الدكتاتور مجرم الحرب مثل الابن وريث الدكتاتورية والإجرام. وللمرء أن يدع جانباً «مآثر» فرنسوا ميتيران، أوّل رئيس اشتراكي في الجمهورية الخامسة، صاحب التوجيه بحسن وفادة رفعت الأسد، مجرم الحرب الآخر من آل الأسد؛ أو نيكولا ساركوزي، الرئيس المتهم بالفساد وحامل السوار القضائي، الذي دعا الأسد الابن إلى احتفالات الثورة الفرنسية؛ إذْ يكفي الذهاب إلى جاك شيراك، السبّاق إلى ثلاث في تلميع استبداد آل الأسد.
الأولى استقبال الأسد الابن، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1999، حين كان الأخير لا يشغل أيّ منصب حكومي رسمي، بل لا شغل له علانية سوى رئاسة «الجمعية المعلوماتية السورية»؛ وذلك تلبية لرغبة رفيق الحريري، الذي سوف تشاء الأقدار أن يتمّ اغتياله بأوامر من ضيف الإليزيه، الأسد الأبن. الثانية مشاركة شيراك في جنازة الأسد الأب، حزيران (يونيو) 2000، وكان بذلك الرئيس الوحيد الأوروبي، وممثل قوّة عظمى وديمقراطية عريقة؛ فصرّح يومها أنّ «الأسد طبع التاريخ على مدى ثلاثة عقود، وكان رجل دولة متمسكاً بعظمة بلاده». الثالثة كانت استقبال الأسد الابن مجدداً، صيف 2001، بعد أقلّ من سنة على الكرنفال السياسي والدستوري والبرلماني الذي انتهى إلى تنصيب الأخير وريثاً لأبيه في حكم سوريا.
وأن يصل ماكرون متأخراً إلى مسافة نأي عن أسلافه الرؤساء، ثمّ عن نفسه أيضاً، أمر قد يمنحه قصب سبق من طراز ما، بالقياس إلى معظم ساسة الغرب، من دون أن يجنّبه استحقاق اقتران النوايا الحسنة بالأفعال الملموسة؛ تجاه سوريا جديدة يصعب أن تحتمل المزيد من سياسات الكيل بمكاييل شتى، ودغدغة الطغاة.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
———————————————–
الشرع في الإليزيه/ وائل قنديل
09 مايو 2025
من قصر الأليزيه، تحدّث أحمد الشرع، بعد أن صار الرئيس السوري أحمد الشرع، عن مفاوضات مع الكيان الصهيوني تدور عبر وسطاء من أجل وقف التدخّلات الإسرائيلية في الشأن الداخلي السوري، وسئُل كذلك عما جرى في الساحل السوري من مجازر بحقّ مواطنين (كان السؤالان من مراسلة التلفزيون العربي) فردّ بأنه شُكّلت لجان تحقيق.
لم يتوقّف جمهور الشرع عند كارثية الإعلان عن التفاوض مع العدو الذي كان أول من احتفل بسقوط بشّار الأسد، الطاغية القاتل مرتكب الجرائم ضدّ الإنسانية، قل ما شئت فيه، لكن لا تنسى أن الصهاينة لا يكفّون عن ادّعاء أنهم أطاحوا بشّار، الصهاينة الذين وسّعوا احتلالهم الأراضي السورية في زخم الاحتفالات بصعود الشرع/ سقوط بشار. لم يصدم أحد من وصف رئيس سورية الجديد العدوان العسكري لاحتلال مزيد من الأرض وقصف قصر الرئيس بأنه مجرّد تدخّل في الشؤون السورية، ولم ينزعج أحدٌ من اقتراب دخول دمشق نادي التطبيع وأرضها محتلّة، إذ تبدأ المسألة عادة باتصالات سرّية، ثمّ سرعان ما تصير علنيةً، عبر وسطاء، ثمّ تتطوّر إلى اللقاءات المباشرة.
انزعج جمهور الشرع وأرعد وأبرق وأرغى وأزبد منتفضاً ضدّ مراسلة التلفزيون العربي، وسبّها وسبّ المؤسّسة التي تعمل بها لأنها استخدمت تعبير”مجزرة” في وصف مقتلةٍ أسفرت عن جريان الدم السوري بالسلاح السوري في اشتباكاتٍ طائفيةٍ مجنونةٍ في منطقة الساحل، التي يواجه أهلها اتهاماتٍ من مؤيّدي الرئيس الجديد بأنهم فلول النظام السابق، ويتحمّلون المسؤولية عن سقوط هذا العدد كلّه من الضحايا.
مثير للدهشة والأسى أن يحاول أحد اختراع وصفٍ آخر غير المجزرة أو المذبحة لإزهاق أرواح عدّة مئات من البشر، قتلاً على الهُويَّة، مهما كانت الأسباب التي أدّت إلى سقوط هذا العدد من الضحايا، فإذا لم تكن هذه مجزرة، فليتفضل رافضو التسمية أن يقدّموا وصفاً آخر لما جرى، يحترم العقل ويتوخّى الإنصاف والعدل، ويتحدّث عن الوقائع كما جرت.
فكرة استخدام فزّاعة الحنين للنظام الساقط في وجه كلّ من يأسى على وقوف الحكومة السورية الحالية عاجزةً أمام الاعتداءات الإسرائيلية المُهينة، ثمّ ذهابها في اتجاه التطبيع، وكذلك في كل وجه من يعبّر عن حزنٍ أو غضبٍ من دوّامة القتل على الهُويَّة واعتبارها جريمةً، هي واحدةٌ من أسوأ الأفكار اللصيقة بتاريخ نشوء الاستبداد وتمدّده، حتى يستفحل وينسف القيم والمعاني كلّها، التي فجّرت ثورات شعبية تحوّلت مع الوقت ديكتاتوريةً جديدةً لا تختلف كثيراً عما ثارت عليه.
إن أحداً لا يتمنّى للتجربة السورية أن تتعثّر أو تفشل، غير أن النجاح لن يأتي بالسكوت عن الأخطاء أو التغاضي عن انتهاكاتٍ بحجّة رخاوة الأوضاع المستجدّة، والأخطر أن تسلّم ثورة نفسها لنظام رسمي عربي يستدرجها إلى كهوف التطبيع مع الاحتلال، وما يستتبعه ذلك من تطبيعٍ مع حزمة القيم التي تعتنقها هذه الأنظمة، وتعتبرها الضمانة الأولى للبقاء والاحتفاظ بالسلطة، وفي صدارة هذه القيم التحوّل إلى الاستبداد بحجّة حماية الوطن من الخطر الخارجي.
مرّة أخرى، ليس معنى أن سورية كانت مستباحةً من العدو الصهيوني في ظلّ حكم الطاغية المخلوع بشّار الأسد، أن يصبح إبداء القلق من استمرار الاستباحة ذاتها في ظلّ الإدارة السورية الجديدة تربّصاً بهذه الإدارة، أو طعناً فيها، أو حنيناً لزمن الطاغية الهارب، على نحو ما تفعل مجموعات هستيريا الابتزاز والاستقطاب التي كانت المسمار الأول في نعش تجارب سابقة، ساهم في إفشالها مؤيّدوها بالقدر ذاته الذي فعله خصومها.
وبالقياس ذاته، ليس انحياز النظام الساقط لطائفة وقمعه باقي مكوّنات الشعب مبرّراً لتكرار القمع نفسه في الاتجاه العكسي، ذلك أن ما كان يحلم به محبّو سورية هو القطيعة مع إرث نظام أذاق شعبها الويلات، غير أن هذه القطيعة لا ينبغي أن تمتدّ لتشمل التغيير في التعاطي مع العدو التاريخي لسورية، سواء سورية الأسد أو سورية الشرع.
العربي الجديد
———————————–
سوريا: هل تمنع نجاحات الدبلوماسية أخطار الداخل؟
رأي القدس
ازدحمت أحداث الواقع السوري هذا الأسبوع بشدة فبدت البلاد، في عيون أهلها والعالم، مثل سفينة تتلقى موجات تدفعها بعضها إلى الوراء وموجات أخرى تتقدم بها بسرعة نحو وجهتها.
أدت «موجة» اضطرابات داخلية إلى اشتباكات بين مسلحين من فصائل سنية ونظراء لهم من الطائفة الدرزية في ريف دمشق (جرمانا ثم أشرفية صحنايا وريف السويداء) فوسّعت إسرائيل تدخلاتها العسكرية التي لم تنقطع منذ سقوط نظام بشار الأسد، لكنها أكدت، هذه المرة، أنها تقوم بذلك لـ»حماية الدروز».
من المفروغ منه أن تحرّكات إسرائيل تقوم على خطط استراتيجية خطيرة أبعد بكثير من هذه المزاعم تجاه سوريا والأردن ولبنان (وفلسطينيي الضفة وغزة بطبيعة الحال) لكن ذلك لا يعني عدم وجود وضعية خاصة لدروز سوريا، الذين عانوا، مثل غيرهم من السوريين، من آثار 14 سنة حرب، فاعتمد عدد كبير منهم على الدعم القادم من أشقائهم خلف أسلاك إسرائيل الشائكة على الحدود، وأن هذا الدعم تضافر مع خوف الأقلية الصغيرة من العصبية السنّية لفصائل السلطة الجديدة، ليصنع رابطا قويا مع أولاد عمومتهم في فلسطين التاريخية، الذين يشكلون عنصرا داخليا مهما في تركيبة إسرائيل التي جنّدت أفراد الطائفة (حوالى 150 ألف نسمة حاليا) منذ إنشائها عام 1948، ضمن قواتها العسكرية والشرطية.
شهدنا في المقابل موجة نجاح دبلوماسي مهم للسلطات السورية الجديدة تمثّلت بدعوة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس ولقائه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وجّه انتقادات مهمة فيما يخصّ معاملة دمشق للدروز والعلويين والكرد لكنه وعد في المقابل بالسعي لوقف العقوبات الأوروبية على سوريا، والضغط على أمريكا بالاتجاه نفسه، الأمر الذي بدأت تباشيره بالتحقق بسرعة مع إعلان موافقة واشنطن على مبادرة قطر لتمويل القطاع العام السوري مما يوفر شريان حياة مالي للحكومة السورية الجديدة الساعية لإعادة دولة دمرها الصراع.
يحاول «ربان السفينة» السورية الجديد، بوضوح، بلورة مزيد من السعي الدبلوماسي مستفيدا من التوقيت المناسب لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، فحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية فإن الشرع يعمل على إقناع إدارة ترامب «المتشككة» من تاريخه الجهادي السابق بأن التغير الذي طرأ على مفاهيمه حقيقي، وأنه يرغب في كسب دعم واشنطن في إعادة إعمار سوريا متخذا، في هذا السياق، إجراءات ملموسة لتلبية المطالب الأمريكية، بما في ذلك التواصل مع إسرائيل عبر وسطاء، وأن الشرع أعرب عن رغبته في لقاء ترامب لإقناعه بنجاعة «خطة مارشال» أمريكية لسوريا.
كان هناك تحرّك آخر على الأرض في هذا الاتجاه، كما تقول الصحيفة، حيث أن رئيس شركة أمريكية للغاز الطبيعي المسال، مقرّب من ترامب، عرض على الشرع خطة لتطوير موارد الطاقة في البلاد، وأن الرئيس السوري رد على الاقتراح بشكل إيجابي، مشيرا، في الوقت نفسه، أن تنفيذ ذلك يستلزم تخفيف العقوبات الأمريكية على البلاد، فيما أكد مسؤولون سوريون آخرون لرجل الأعمال أن «دمشق تأمل أن تصبح حليفة مهمة لواشنطن»، مع تقديم وعود لإخراج الروس والإيرانيين والصينيين من سوريا و«إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية».
تزامنت هذه التطوّرات المتلاحقة مع حدث مهم أيضا تمثل في محادثات بدأت أمس الخميس بين الجانبين التركي والإسرائيلي في العاصمة الأذربيجانية باكو بشأن الملف السوري. حسب المصادر الإسرائيلية فإن تل أبيب ستطرح مطالب تتضمن «عدم وجود قوة عسكرية قرب الحدود»، و«خلو سوريا من أسلحة استراتيجية»، و«عدم تشكيل سوريا تهديدا مباشرا لإسرائيل»، وكذلك مع إعلان صحيفة «هآرتس» اليسارية الإسرائيلية عن فتح دمشق «قناة اتصال» مع إسرائيل بوساطة من دولة الإمارات.
تشير هذه الأحداث إلى توجّه استراتيجي لدى السلطات السورية الجديدة يناقض بشكل جذري استراتيجيات نظام الأسد، وإلى إرادة براغماتية كبيرة لتجاوز العوائق الأيديولوجية المكرّسة حول تاريخ فصائلها الجهادي، وإلى إدراك واضح أن أخطار الداخل متراكبة بشكل كبير مع أخطار الخارج.
يثير هذا التوجه، بغض النظر عن دوافعه، التساؤل عن الحكمة في تواصل حكومة دمشق مع إسرائيل في ظل القصف الذي لم ينقطع ضد سوريا، وعن تجاهل السلطات السورية لسياسة الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وخططها للتطهير العرقي للفلسطينيين، ومنها خطط لتهجيرهم إلى سوريا نفسها.
القدس العربي
—————————————-
فرنسا تقود عملية إعادة تأهيل سورية دولياً/ بشير البكر
10 مايو 2025
تشكّل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى باريس يوم الأربعاء الماضي حدثاً مهماً، في سياق التحوّل الجديد الذي تشهده سورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ باتت أبواب أوروبا مفتوحة رسمياً أمام سورية بعد أكثر من عقد على القطيعة والتوتر، الأمر الذي يمهّد لبناء علاقات دولية على أسس جديدة، يتحدد فيها توجّه النظام السوري الجديد سياسياً واقتصادياً.
الانفتاح الفرنسي على سورية يشكّل خطوة رمزية، تتجاوز تقديم الدعم المباشر، إلى ما يشبه الرعاية للدولة الجديدة حتى تخرج من غرفة الإنعاش، وتنهض لتقف على قدميها. هي محاولة للوقوف إلى جانب السوريين من أجل التقاط الأنفاس، ومواكبة خطواتهم في المرحلة الانتقالية عن كثب، وتبادل مصالح سياسية واقتصادية وأمنية، يقدّم من أجلها كل طرف تنازلات للطرف الآخر، ريثما تستقر السلطة السورية الجديدة.
علاقات سورية وفرنسا
الصلات بين سورية وفرنسا تتسم بالمتانة، وذات حمولة تاريخية، تعود إلى ما قبل الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان بعد الحرب الثانية، وهي بعيدة ومتشابكة في أواصر الجوار، وتمتد إلى المشتركات في تاريخ وثقافة حوض البحر الأبيض المتوسط، ونظرة فرنسا الوجدانية والسياسية نحو الشرق بموروثه الديني والثقافي، التي تعكس نفسها في الأدب الفرنسي، وزوايا نظر السياسيين من نابليون بونابرت إلى الجنرال شارل ديغول تجاه هذه المنطقة من العالم العربي، وعلى هذا لم يشذّ رئيس فرنسي عن هذه القاعدة السياسية الاستراتيجية ذات البعد العاطفي، وكلما بدا أنّ حماس فرنسا المشرقي يتراجع ويخفت، فإنّ المؤشر يرتفع من جديد، ولذلك يظهر أن هناك فروقات في درجة هذه العاطفة بين رئيسين كفرانسوا ميتران البارد، وجاك شيراك الحار والودود.
سورية لا تهم فرنسا وحدها، بل عموم أوروبا، خصوصاً تلك التي ترتبط مع العرب والمسلمين بتماس قريب في المصالح وتاريخ مشترك كبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا. وليست مصادفة أنّ بلدان الاتحاد الأوروبي حريصة على معرفة خيارات النظام السوري الجديد وتوجّهاته السياسية والثقافية والاقتصادية، بما يتجاوز المخاوف المباشرة التي يروّج لها إعلام اليمين المتطرف القائمة على الإسلاموفوبيا، إلى منطق الشراكة المتوسطية التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي في مبادرة برشلونة لعام 1995، التي وضعت أسساً لعلاقات إقليمية جديدة، تمثّل نقطة تحوّل في العلاقات الأوروبية المتوسطية، وهدفت لبناء علاقات جوار جغرافي بكل ما تحمله من أبعادٍ ثقافية وأمنية واقتصادية، وكانت تطمح لتأسيس منطقة مشتركة للسّلام والاستقرار، عبر تعزيز حوار في حوض البحر المتوسط، يراعي الخصوصيات الجغرافية والتاريخية والثقافية بين الضفتَين.
وفي إطار هذه الروحية، سارعت فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا للاتصال مع الإدارة السورية الجديدة بمجرد وصولها إلى دمشق، والخلفية الفعلية لهذا التحرك الأوروبي تقوم على إدراك أهمية أن البيئة المتوسّطية غير مستقرّة في الاتجاهَين، بسبب غياب آليات للتعاون والتنسيق، ولا يمكن لذلك أن يجري إلّا على أساس من الندية والتعاون القائم على الشراكة بين الضفتَين، وهو المبدأ ذاته الذي كان هدف الاتحاد الأوروبي في مرحلة التسعينيات، لإقامة تكامل متوسّطي بنّاء، يحترم خصوصيات الدول في الضفة الجنوبية، ومساعدتها على تجاوز التحدّيات الاقتصادية والتنموية، بما يخدم الاستقرار السياسي، والحوكمة الرشيدة، وبناء تجارب محلية، تحول دون حصول حروبٍ وموجات هجرة داخلية وخارجية.
لعبت فرنسا في تلك المرحلة دور المحرّك لمبادرة برشلونة، وعمل الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك على إعطاء سورية موقعاً خاصاً في تلك الشراكة، لكنّ الجانب السوري لم يلاقه في منتصف الطريق، وحصلت المواجهة بينه وبين رئيس النظام السابق بشار الأسد عام 2004 بسبب القرار 1559، القاضي بانسحاب القوات السورية من لبنان، وأدى ذلك إلى شرخ كبير في العلاقات الثنائية لم يجرِ إصلاحه حتى سقوط الأسد.
استراتيجية ماكرون تجاه سورية
يتّبع الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون استراتيجية عمل خاصة بسورية، تسير في اتجاهات عدّة؛ فرنسي سوري، فرنسي عربي، فرنسي دولي. وعلى المستوى الثنائي تتعدد انشغالات فرنسا تجاه سورية بين سياسية، واقتصادية، وثقافية، وأمنية. وتولي باريس اهتماماً خاصة ببناء شراكة متطورة على هذه الصعد، ولذلك عيّنت سفيراً في دمشق هو السفير الفرنسي في الدوحة جان باتيست فافر، الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة، كي يتواصل مباشرة مع المسؤولين السوريين، وسوف يباشر مهامه في الفترة القريبة، إذ قام بإجراءات التوديع في الدوحة. وحسب مصادر فرنسية من وزارة الخارجية تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإنّ باريس بصدد ترجمة النتائج التي توصل إليها لقاء ماكرون مع الشرع على نحو سريع، من خلال إطلاق سلسلة من المبادرات لدعم مساعي سورية من أجل النهوض، ومن المنتظر تقديم مساعدات عاجلة في مجالات عدّة كالتعليم والصحة والأمن. واستبقت دمشق الزيارة بتوقيع عقد لمدة 30 عاماً مع شركة فرنسية ستدير ميناء اللاذقية وتعمل على تطويره، وبعائدات أقل من التي كانت تدفعها الشركة عندما كانت تستثمر الميناء زمن نظام الأسد منذ عام 2009.
وبدأت باريس منذ وصول الإدارة السورية الجديدة خطوات مهمة على هذا الطريق، إذ قامت في 12 فبراير/ شباط الماضي بترتيب مؤتمر دولي حول الانتقال السياسي والتحديات الأمنية والاقتصادية الكبيرة التي تواجهها سورية بعد سقوط الأسد، وذلك بمشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وهي أول زيارة رسمية له لدولة في الاتحاد الأوروبي، بعدما شارك في منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا في يناير/ كانون الثاني الماضي، كما شاركت الدول العربية على مستوى الوزراء فضلاً عن تركيا ودول مجموعة السبع ودول أوروبية، وكذلك الولايات المتحدة بصفة مراقب. وكان الهدف من المؤتمر حسب تصريحات ماكرون، إقامة “طوق أمان” لحماية العملية الانتقالية السورية من التدخّلات الأجنبية وتنسيق المساعدات وتمرير رسائل إلى السلطة السورية الجديدة، وإلى دعم القضاء الانتقالي ومكافحة الإفلات من العقاب.
ولم تقف باريس أمام حملات التحريض ضدّ الإدارة السورية الجديدة، بل حاولت موازنة موقفها، ومن أجل الرد على وسائل الإعلام التي أثارت مسألة الخلفية الجهادية للشرع، قال السفير الفرنسي السابق لدى سورية ميشال دوكلو “لم يرتكب الشرع حتى الآن أي خطأ”. وعلى هذا المنوال جاءت إجابة ماكرون على سؤال بهذا الصدد خلال زيارة الشرع لباريس، وهو ما ينسجم مع مواقف كل من أوروبا والولايات المتحدة، التي قرّرت فتح صفحة جديدة مع الإدارة السورية، تقوم على طلبات وشروط عدّة بخصوص الوضع الداخلي، وهي مرتبطة بخطوات الانفتاح الغربية تجاه سورية، وتسير معها خطوة بخطوة، وهذا هو تفسير الرفع التدريجي للعقوبات التي تحدث عنها أكثر من طرف دولي.
وفي ما يخصّ الجانب الفرنسي العربي، تعمل باريس مع الدوحة والرياض من أجل فتح الأبواب أمام سورية على الصعيد الدولي، والعمل معاً لتعزيز وضع الإدارة الجديدة، بما يمكّنها من تجاوز التحديات الصعبة، وخصوصاً على المستوى الاقتصادي. وقد لوحظ أن وسائل الإعلام الفرنسية المقربة من اليمين المتطرف الموالي لإسرائيل، هاجمت زيارة الشرع لباريس، ومن بين ما تحدثت عنه هو الدور القطري في ترتيبها، وادّعت أن الدوحة هي التي أقنعت ماكرون باستقبال الشرع.
ويتوجّه الجهد العربي الفرنسي المشترك إلى العمل على الساحة الدولية، وهو يخاطب الولايات المتحدة وأوروبا من أجل رفع العقوبات الاقتصادية على نحو يسهّل ضخ مساعدات واستثمارات مالية في الاقتصاد السوري المنهك. ولوحظ أن الاجتماع الفرنسي السوري جاء في اليوم ذاته الذي شهد زيارة المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرز إلى باريس، وانعقاد سلسلة اجتماعات مع ماكرون وجزء من حكومته. وقد حضرت سورية في الاجتماع، وحصل توافق بين الطرفَين على تقديم الدعم لسورية من أجل تسريع عملية إعادة التعافي الاقتصادي، بما يساعد على عودة طوعية للاجئين السوريين.
يشار هنا إلى أن هناك نتيجة إيجابية تحققت بفضل المساعي العربية الأوروبية، وهي الحصول على موافقة أميركية لتمويل دولة قطر جزءاً من رواتب موظفي الدولة السورية بمعدل 29 مليون دولار شهرياً، وذلك يعدّ خطوة أولى، إذ من المنتظر تقديم مساعدة مالية مهمة من الدوحة والرياض. ومن الناحية السياسية هناك اتصالات مع البيت الأبيض من أجل ترتيب اجتماع للشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء زيارته العاصمة السعودية الأسبوع المقبل، وفي حال نجاح هذا المسعى الدبلوماسي، فإن حملاً كبيراً يُزاح عن كاهل الإدارة السورية التي تسعى للحصول على اعتراف دولي كامل وتطبيع علاقاتها مع دول العالم كافة.
يبقى أن زيارة الشرع تساعد دمشق في تسهيل حل عقدة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تسيطر على منطقة الجزيرة السورية بمحافظاتها الثلاث؛ الرقة، ودير الزور، والحسكة. وما تسعى له الإدارة الجديدة هو التوصل إلى استعادة هذا الجزء من سورية من دون حرب، وفي وسع باريس أن تساعد على ذلك، بما تملكه من علاقات جيدة ونفوذ على “قسد”.
العربي الجديد
———————————–
هل تريد دمشق نجاح زيارة الشرع إلى باريس؟/ عمر قدور
السبت 2025/05/10
لا تنقص ماكرون مهارات الدبلوماسية الغربية، فهو أجّل رسالته الأساسية ليقولها في ختام مؤتمره الصحافي مع الشرع. حيث كانت له الكلمة الأخيرة، وفيها ردّ على منتقديه في فرنسا بسبب دعوته الشرع إلى باريس، موضّحاً أن من مقتضيات العمل الدبلوماسي استقبال من لا يكون ثمة اتفاق معه، وأنه أجرى مع ضيفه حواراً مفيداً، لكنه صارم. لينهي مداخلته بالقول: سنرى ما سيحدث في الشهور الستة المقبلة.. إن لم تأتِ الأفعال وفقاً للأقوال سنعيد النظر.
قبل ذلك، نوّه ماكرون بإجراءات اتخذها ضيفه، منها التصدي لحزب الله، والتصدي لداعش، وخفض كبير في إنتاج الكبتاغون. والملفت في الأمر أنه أشار بذلك إلى إنجازات لا تخص الداخل السوري، على الأرجح في دلالة على عدم الرضا باستثناء إشارته إلى اتفاق الشرع مع قسد، وهو ما أشار إليه أيضاً في كلمته السابقة على أخذ أسئلة الصحافيين. وكان في كلمته الافتتاحية تلك قد ركّز على الشأن الداخلي السوري، مطالباً بمشاركة سياسية أوسع للسوريين، وبمحاكمة مرتكبي المجازر الأخيرة.
أشار ماكرون إلى رمزية أن تكون باريس أول عاصمة غربية تستقبل الشرع، ولا شكّ في أن هذه الرمزية كانت طاغية من خلال الاهتمام الإعلامي المواكب لها. وهي محمّلة بالتأكيد بالوضع الخاص للضيف، فهناك قادة أحزاب عبّروا صراحة عن اعتراضهم على دعوة الشرع، واسترجعوا تاريخه الجهادي كوصمة يُفترض بها منع استضافته، وإن كان بعض الانتقادات لا يصدر حقاً عن مبدئية سواء إزاء حقوق السوريين في عهد الأسد، أو إزاء فكرة الإرهاب نفسها، فبعض المعترضين يكنّ الودّ لبوتين من دون حساسية إزاء ما فعله في الشيشان وفي سوريا وأوكرانيا… إلخ. هذا ما دفع ماكرون إلى القول أن الاعتراض على دعوته الشرع هو للتكسب السياسي الداخلي ليس إلا.
لكن تبقى رمزية الزيارة هي الأكثر طغياناً على الجانب السوري، حتى يصح تماماً القولُ إن السوريين لم يُظهروا اكتراثاً بمجريات اللقاء نفسه، أو بالمؤتمر الصحافي الذي تلاه، أو حتى بالنتائج المتوقَّعة لاحقاً. المهم من وجهة النظر هذه أن دعوة الشرع تنطوي على الاعتراف به، أي منحه شرعية دولية، وهذا بالطبع ما يرضي أنصاره ويزعج الخصوم. وفي الخلفية ثمة ما يجعل الرمزية ذات مغزى إضافي مع استذكار استقبال بشار الأسد من قبل شيراك، في الإليزيه قبل وفاة أبيه وتسلمه الرئاسة بشهور، وقد حدث ذلك حينها بوساطة من الرئيس الراحل رفيق الحريري، وأثار استياء في الأوساط السياسية الفرنسية.
المزاج السوري السائد إزاء فرنسا كان سلبياً بمعظمه خلال السنوات الماضية، فمنذ الثورة انتعشت محاولات تأريخ جديدة، ترمي على فرنسا بمسؤولية تمكين الأقليات من الحكم في سوريا أثناء مرحلة الانتداب، بل تنص على أن الجيش السوري أنشئ على نحو طائفي منذ أيام جيش الشرق في الحقبة ذاتها. للإسلاميين أيضاً أسبابهم ومن المعتاد، باستثناء هجوم الحادي عشر من سبتمبر، أن تُهاجَم السياسة الأميركية من قبل الجهاديين، في حين ينفّذون عملياتهم الإرهابية في فرنسا. في خلفية هذا العداء لفرنسا هناك التاريخ الذي بموجبه توقفت الفتوحات الإسلامية عند بواتييه في فرنسا، والحافز الآخر المباشر أن العلاقة بين إسلاميي تركيا وفرنسا ليست جيدة، وهو ما يؤثّر بالسوريين المقرّبين من أنقرة.
يُذكر أن العلاقة بين الأسد وفرنسا لم تكن أيضاً على ما يرام، فهي علاقة الضرورة منذ أدخل قواته إلى لبنان في منتصف السبعينات برضا أميركي آنذاك، وصار اللاعب الأكبر في الساحة التي ترعاها فرنسا تقليدياً. لا توجد في سوريا منجزات ذات وزن تدل على علاقة جيدة مستدامة مع فرنسا، وعيْن الأسد الأب ثم الابن كانت طوال الوقت على واشنطن وتل أبيب. ومن المعلوم أن الابن تحديداً كان سخيّاً في الوعود التي قدّمها لفرنسا قبل وبعد تسلّمه الرئاسة، إلا أنه تنصّل منها كلها؛ على صعيد الإصلاح السياسي والإداري، وعلى صعيد الاستثمارات في مجال النفط، وغير ذلك مما كذب فيه.
والحق أن المزاج نفسه كان حاضراً مؤخراً بين نسبة كبرى من السوريين ترى أن المباركة الفرنسية للعهد الجديد خطوة مفيدة معنوياً، بينما الاهتمام منصرف بثقله إلى المباركة الأميركية التي يُنظر إليها كجائزة حقيقية وتطويب للسلطة الجديدة. أيضاً هذا التصور معطوف على رأي راج خلال السنوات الماضية يرى أن باريس كانت بوابة بشار الأولى إلى الغرب، أما تطويبه الفعلي فتمّ في الاجتماع المغلق بينه وبين مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية، لمناسبة حضورها لتقديم العزاء بأبيه.
وثمة فيما قاله ماكرون في المؤتمر الصحافي ما يوحي بخلاف مع واشنطن حول الأولويات، مما لا يروق لنسبة كبيرة من مؤيدي السلطة التي لا تُعرف حتى الآن توجهاتها. فماكرون أعلن عن نيّته التوسّط لدى واشنطن من أجل رفع العقوبات الأميركية، في حين أفصح عن تفضيله بقاء القوات الأميركية التي يشكّل وجودها مظلة حماية لقسد. وكانت الأخبار الواردة من واشنطن مؤخراً قد أفادت بأن إدارة ترامب تفكّر في سحب قواتها من شرق الفرات، ومنح دمشق إعفاءات مضبوطة من العقوبات الأميركية، بعضها لمدة ستة شهور قابلة للتمديد، وبعضها الآخر بموجب استثناءات تُمنح لمرات محدودة.
كان واضحاً في المؤتمر الصحافي أن ماكرون يعلن عن توقعاته من الحكم الجديد في سوريا، وموضوع التغيير في هذه الحالة يمكن وصفه بأنه حقاً بِناءٌ جديد للعلاقة بين الجانبين. أهم ما في الأمر أن العلاقة المستجدة هي بطبيعة الحال متحررة من وطأة التأثير السوري في لبنان، وحساباته المرجِّحة تالياً في الدبلوماسية الفرنسية، حتى يجوز القول إن العديد من السياسات الفرنسية “القذرة” من منظور السوريين كانت بتأثير المصالح الفرنسية في لبنان. لقد ظلّ ذلك الشبح مخيّماً حتى مع انسحاب القوات السورية من لبنان، إذ بقي نفوذ الأسد موجوداً رغم رحيل قواته، ولو أنه كان مسنوداً في جانب مهم منه بسطوة حزب الله.
الفصل بين سوريا ولبنان يعطي المسعى الفرنسي الحالي جدية أكبر، وإن وُضعت في واجهته مصالح فرنسية تتعلق بالأمن ومحاربة داعش، وملف اللاجئين الحاضر في حسابات الاتحاد الأوروبي ككل. البعض في سوريا يعتقد أن باريس تسعى إلى حصة من كعكة إعادة الإعمار، وهو ما قد يحتمل الصواب بالإضافة إلى مشروعيته في عالم المصالح. الأهم في جميع الملفات ما أشار إليه ماكرون بدبلوماسية إذ قال إنه يثق بالشرع ويعتمد عليه، فالعلاقات الفرنسية مع الأسد تخللها الكثير من انعدام الثقة، وباريس بحاجة إلى مناخ الثقة لبناء علاقة مستدامة.
بالطبع، يتمنى ماكرون النجاح لمسعاه، لكن ذلك يتوقف على الحكم في دمشق، وما تسمح به طبيعته. الأمر ليس كما كانت تصوِّره الثقافة السياسية الدارجة لجهة وجود مطالب يمسّ بعضها بالسيادة الوطنية، أو كما تصوّرها انتهازية العلاقة مع الخارج والحصول على أمكن من مكاسب بَخْسة مع قصر نظر فيما يخص علاقات أكثر رسوخاً. المحك هو في الخلاص من ذلك الإرث، وفي القدرة على أن تكون سوريا جزءاً من العالم، ومن ثقافة العصر، وأن تبني علاقات خارجية متوازنة بناء على ذلك، وهذا استحقاق تأخر عقوداً بسبب رغبة الأسد في تسوير سوريا كمزرعة خاصة به.
لم يكن بلا مغزى قولُ ماكرون: “كنا دائماً إلى جانب الكرد لأنهم كانوا دائماً إلى جانبنا”. فهو يشير إلى طبيعة العلاقة التي يريدها مع دمشق. هي من هذه الزاوية فرصة حقيقية تتجاوز الحمولة المعنوية الحالية، والقرار المنتظر من دمشق مزدوج، لأنه يقتضي الإرادة وتحدي القدرة على التغيير.
المدن
——————————–
كيتش سوري في باريس: “أدونيسيون” و”مُطبّلون” يتوسّطهم صدّام حسين!/ عمّار المأمون
09.05.2025
أثناء التظاهرات والتجمّعات السورية في باريس، سواء كانت مع أو ضد زيارة أحمد الشرع، ردد المحتشدون شعار “واحد واحد واحد… الشعب السوري واحد”، تناقضات هائلة وقع فيها السوريون يكشفها تكرار هذا الشعار ضمن سياقات كانت متناقضة ومتباينة حد الخصومة الجذرية.
استنفر السوريون سكّان باريس منذ إعلان زيارة أحمد الشرع؛ الرئيس المؤقت لسوريا، إلى فرنسا، أولئك الذين جعل بعضهم من المدينة عاصمة منفاهم، إذ استقبلت تظاهراتهم ضدّ الأسد، وشجاراتهم مع موظّفي سفارة الأسد، وفيها رفعوا قضاياهم ضدّ نظام الأسد، ويحضر فيها تمثال المعرّي شاهداً حجرياً على الفظاعات في سوريا. واليوم، يزور باريس “رئيس” تختلف الآراء حوله بشدّة، حدّ تداخل التصنيفات التي تلخَّص بسؤال أصبح أقلّ وضوحاً عمّا كان عليه، سؤال من المعارض والموالي الآن؟
سؤال يطرحه كثيرون، خصوصاً مع تغيّر الاصطفافات السياسية بين محبّي أحمد الشرع، وكارهي أبو محمد الجولاني، وتشكّل أجسام مدنية وسياسية جديدة، لا ترى في الشرع “محرّراً” بل قائد ميليشيا سيطرت على “الدولة”.
أول ملامح الإجابة عن هذا الانقسام تتّضح في أنواع التظاهرات التي شهدتها المدينة منذ مجازر العلويين في الساحل، والتي صادف أنها تزامنت مع تظاهرات داعمة لأحمد الشرع؛ نتفادى كلمة “مؤيّدة” لحساسيتها لدى السوريين، ويوم زيارة الشرع، انقسمت التجمّعات والتظاهرات أيضاً، واختلفت فيها الآراء والصور وأحياناً الأعلام.
تحوّلات علم الثورة: بين ساحة القدّيس أوغسطين وساحة الجمهورية
الاحتشاد الأوّل كان في ساحة القدّيس أوغسطين، التي لا تبعد إلا مسير دقائق عن قصر الإليزيه، هناك اجتمع سوريون، وحملوا أعلام الثورة، بانتظار الموكب الرئاسي، حينها وقبل تجمّع الناس، كان “نجم” الموجودين رجل جاء من أقصى المدينة يسعى، رجل يحمل علماً سوريالياً، علم الثورة وعليه عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وصورتا عبد الباسط الساروت وصدّام حسين. مشهد أذهل الكثيرين، لكن لم يتجرّأ أحد على انتقاده، ظننا أنه سيُستبعد أو يقف وحيداً، لكنّ كثير من المتحمّسين للشرع، سارعوا إلى التقاط الصور معه، كانت هذه الصدمة الأولى بيننا أسود للسنّة، لا أسد واحد!
كنت مع مجموعة قرّرنا الابتعاد عن الحشود، والمراقبة من بعيد، خصوصاً أن الصورة في أي مظاهرة الآن أصبحت تهمة، إما “أدونيسيون” وإما مطبّلون، والحلّ هو المسافة وتفادي الكاميرات، لكن هناك المؤثّرون و”التيكتوكرز” في كلّ مكان، والحذر قد لا ينفع أحياناً أمام عدساتهم!
“زيّن” الحشد أبيات شعر كُتبت على لافتة على سور الكنيسة في الساحة، أبيات شديدة الابتذال نطقها وزير الثقافة المُكلّف محمد ياسين في خطاب تولّيه منصبه: “لقد صمنا عن الأفراح دهراً… وأفطرنا على طبق الكرامة”،كيتش سوري بامتياز.
تضخّم الحشد وبدأ الهاتفون بالهتاف، وأبرز شعار رُفع “واحد واحد واحد… الشعب السوري واحد”، الشعار الذي اتّضح منذ العام 2011 أنه غير واقعي، واشتدّ معناه المتخيّل والإقصائي بعد سقوط النظام، مع تعالي الهتافات وانتظام شكل الجمع وأطياف من فيه، اتّجهت ومن معي نحو ساحة الجمهورية.
في ساحة الجمهورية مظاهرة أخرى ضدّ زيارة أحمد الشرع، لكنّها مظاهرة أخطر، إذ نظّمها بعض المعروفين بكونهم من شبّيحة النظام السابق الذين اعتدوا على المتظاهرين بالضرب خلال سنوات الثورة الأولى، لكن الآن، الأمر اختلف، هم يرفعون صور الضحايا من العلويين، ويهتفون ضدّ الشرع وضدّ زيارته، بل إن أحدهم بدأ يدعو الناس إلى عدم رفع علم الثورة، كونه علم الانتداب!
لكن من أين جاء علم الثورة؟ كان هناك مظاهرة أخرى، ترفع “علم الحدود الخمسة” الخاصّ بالطائفة الدرزية، وتندّد أيضاً بزيارة الشرع، وتشير إلى مجازر الساحل والهجمات على الدروز، لكنّ القائمين عليها أصرّوا على رفع علم الثورة، كونه “ليس علم الجولاني!”.
بدأت المناوشات بين الطرفين، وانفصل الحشدان، وجاءت الشرطة لمحاولة فهم ما يحصل، ولم يفهموا بدقّة، لكنّهم تركوا الحشدين، قسم وقف دقيقة صمت على أرواح الضحايا، وقسم هتف ضدّ الشرع.
المفارقة أنه في كلّ التظاهرات والتجمّعات، ردّد كلّ الأطراف، شعار “واحد واحد واحد… إلخ”، تناقضات هائلة وقع فيها السوريون يكشفها تكرار هذا الشعار، أي شعب واحد هذا الذي اتّفق على شعار غامض، لم يعد له معنى في ظلّ الانفلات الأمني الذي تشهده سوريا.
الطريق نحو الإليزيه
اتّجهنا نحو قصر الإليزيه، بانتظار وصول موكب الشرع، الذي مرّ لاحقاً من قرب تجمّع ساحة القدّيس أوغسطين، وارتمى أحدهم في سيارته، بينما نحن نتأمّل القصر، وطوابير الصحافيين الذين ينتظرون الدخول، كنّا نحن في الخارج، نضحك مع الأصدقاء، ليفاجئنا موسى العمر بالظهور في ساحة القدّيس أوغسطين، وكأنه اختار أن يسرق الأضواء من الشرع، بينما يتّجه الأخير نحو القصر الرئاسي، حيث التقى سابقاً، فريد المذهان (قيصر) صورة رمزية تثير القشعريرة، وكأن المذهان يحمّل صرخات الضحايا ومطالبهم بالعدالة لرجل لا نعلم قدر التزامه بتحقيقها!
طلب منّا حرس القصر الرئاسي الابتعاد، فقد وصل الشرع، والمؤتمر الصحافي والمراسم على وشك أن تبدأ، هنا كلّ واحد التقف هاتفه المحمول، لمشاهدة المؤتمر الصحافي، الذي قال فيه ماكرون عبارة مسّت الكثيرين منّا ، إذ ذكر ماكرون أسماء ثلاثة سوريين: حسّان عبّاس، بسمة قضماني، عمر عزيز… ثلاثة لا يشبهون أبو محمد بشيء.
أمام الإنتركونتيننتال
علمنا لاحقاً أن الشرع سيلتقي مساء مع “الجالية السورية”؛ الكلمة الغامضة في باريس وفرنسا، كونه لا توجد جالية بالمعنى الرسمي والتمثيلي، هناك أفراد وجماعات وتيّارات مختلفة، لكن لا يهمّ، انتظرنا عند باب الإنتركونتيننتال قرب أوبرا غارنييه في باريس، سبقنا إلى هناك مجموعة من الشبّان والشابّات، “تيكتوكرز” ومؤثّرين ومحبّين للشرع، حين سألت أحدهم: “لِمَ أنتم هنا؟”، أجاب: “لالتقاط صورة مع السيّد الرئيس”، قلت له: “الرئيس غير المنتخب تقصد”، فامتعض، واتّهمني بصورة غير مباشرة بأني من فلول النظام السابق!
“إنفلونسرز” ومعجبون وصحافيون ومدعوّون، كلّهم كانوا أمام الفندق، لا يتجاوز عددهم الثلاثين، لكن ما زال هناك قرابة ساعتين، ولا منطق لدخول البناء الآن، وفجأة، ظهر موسى العمر مرّة أخرى أمامنا، تراكض محبّو الصور إليه فالتقطوا ما يمكن التقاطه من صور، ثم بدأت الأسئلة، متى يصل الشرع؟ من مسموح له بالدخول!؟
موسى العمر لا يملك إجابات واضحة، مرّة يقول “ستدخلون جميعاً بنور الله”، ومرّة أخرى “حادثت الشيباني وقال ستدخلون”، في هذه الأثناء بدأ يتوافد المدعوّون الذين كنّا منهم! وحين بحثنا عن أسمائنا في قائمة المدعوّيين مع أمن الفندق، قالوا إن اسمي وأسماء آخرين معي غير موجودة!
كثير من المنتظرين خارجاً لم تكن أسماؤهم موجودة، بعضهم قدم من مدن أخرى، وترك عمله ليجد نفسه ينتظر خارجاً، وبالطبع كلّ يتّصل بمن يعرفه علّه يستطيع إدخاله، لنكتشف لاحقاً أن قائمة المدعوّين تغيّرت عدّة مرات، من دعتهم الخارجية الفرنسية غير الذين دعاهم وفد الشرع، الذي تدخّل في أسماء المدعوّين، طبعاً المفارقة، أن برهان غليون نفسه، لم يجد اسمه في قائمة المدعوّين! فاتّصل بأحدهم ودخل.
دخلت أيضاً أسر بكاملها، ومحسوبون على “الإخوان المسلمين”، أصدقاء وخصوم، و”إنفلونسرز” وصنّاع محتوى، الواضح أن علاقات القوّة لعبت دوراً في من يدخل ومن لا يدخل، وبينما ننتظر وصول “أبو محمد”؛ لم نعد نناديه أحمد الشرع بعد ساعات الانتظار، حاولنا الالتفاف ودخول الفندق من باب خلفي، ففشلنا، وبعد فقدان الأمل، قلنا لننتظر خارجاً على الأقلّ نراه داخلاً، ليتبيّن أنه دخل من باب آخر!
غضبنا، حاولنا الدخول، تواصلنا مع الأصدقاء في الداخل أثناء الاجتماع مع الشرع، أخبرنا بعضهم أن هناك الكثير من المقاعد فارغة، ادخلوا! لكن لا جدوى، ومع فقدان الأمل بدأت السخرية، أكثر من 10 سيّارات لحماية أحمد الشرع ومن معه، ضحكنا، منذ نحو 6 أشهر فقط، كان الرجل مطلوباً عالمياً، مكروهاً من طيف واسع من السوريين، اليوم، في الإنتركونتيننتال مع مرافقة، أُحبطنا إثر تأخّر الشرع في النزول، فقرّرنا المغادرة للأكل، وأنشد بعضنا سخرية: “سلامي على النصرة، على الكفر منتصرة… قايدها جولاني، أهديه ألحاني”.
ملاحظة: انتشرت شائعة أثناء اتّجاهنا للأكل، أن الشرع سيحضر النصف الثاني من مباراة فريق “باري سان جيرمان” ضدّ “أرسنال”، لكن تبيّن أنه اتّجه إلى ساحة تروكاديرو كي يشاهد السيّدة الحديدية، أو برج إيفيل، هناك قرب متحف الإنسان، حيث تقبع جمجمة سليمان الحلبي.
درج
——————————————–
الشرع يقبل «الامتحان» الفرنسي: هل النجاح ممكن؟/ عبد المنعم علي عيسى
السبت 10 أيار 2025
في دولة مثل فرنسا، لا تغيب عن غرف صناعة القرار ذهنية “التفكير الإمبراطوري” الراغبة في استعادة “المجد” الضائع. فمشاريع الدول عندما تتحطّم – ومشاريع فرنسا جرى تحطيمها تماماً، رفقة بريطانيا، خريف عام 1956 -، لا تستسلم بسهولة، بل تعاود الكرّة على نحو ما يظهر عبر منظمة “الفرنكوفونية” التي اجترحتها باريس عام 1970، كوسيلة للتمدّد، أو المحافظة على “النفس” الإمبراطوري، في موازاة الخيار البريطاني الذي راح في اتجاه تعزيز الجنيه الإسترليني، الذي هوت سيطرته بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بعدما دامت لنحو قرنين من الزمن.
واقع الأمر أن باريس كانت قد استندت زمن انتدابها على سوريا (1920 – 1946)، إلى تركيبة بسيطة تقوم على استمالة البرجوازية السنيّة مع تعويم دور الأقليات، خصوصاً في مجال العسكرة، حيث كان الميْل واضحاً عند الأخيرة إلى الانخراط في ذلك المجال لاعتبارات اقتصادية بالدرجة الأولى، الأمر الذي خلق نوعاً من “الوشائج” بين باريس وتلك الأقليات، حتى بعد مغادرتها سوريا. لكنّ “الخيبة” الفرنسية راحت تتدحرج بعد وصول حزب “البعث” إلى السلطة عام 1963، وكبُرت مع انقلاب حافظ الأسد عام 1970.
فالرجل الذي اشتهر باللعب على التوازنات الدولية، كانت عينه على واشنطن، ولم تكن علاقته بباريس أكثر من جسر عبور إلى الأولى، وهو حارب بشدة “الفرنكوفونية” في سوريا، بل وفي لبنان الذي دخله جيشه صيف عام 1976 بضوء أخضر أميركي. أما زمن ابنه بشار، الذي استقبله جاك شيراك في الإليزيه وهو لم يكن يحمل أي منصب رسمي بعد، فكانت الخيبة أكبر، خصوصاً عندما راح الرئيس السابق يعمل على “هندسة” المشهد اللبناني وفق سياسات كاسرة للكثير من التقاطعات والمصالح، بل وكاسرة أيضاً للتوافقات الداخلية اللبنانية التي أرسيت في ميثاق 1943 وفي “اتفاق الطائف” عام 1989.
هنا، قد يصح القول إن خيارات باريس كانت ماضية نحو استغلال فرصة سانحة لاستعادة نفوذها في بقعة إستراتيجية تشهد أهم تحوّل جيوسياسي منذ اتفاقية “سايكس بيكو” التي أثبتت، حتى الآن، أنها عصية على الاختراق، وإن كان الكثير من التباشير التي تلوح في الأفق يفيد بأنها لم تعد كذلك. وعليه، كان استقبال الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، في الإليزيه، يندرج في الإطار المشار إليه، على رغم المحاذير الكبرى التي يحملها هذا الاستقبال. فدولة مثل فرنسا، ذات الثقل الأوروبي الوازن، ناهيك عن الحمولات التي فرضها رفع رايات التنوير ومناصرة حقوق الإنسان، تُخضِع خطواتها لمعايير محسوبة بمقاييس لا تصح معها “مسطرة” الذهنية الآنفة الذكر.
بزيارة الشرع إلى فرنسا، وهي لم تكن خياراً لأنها الدعوة الأوروبية الوحيدة التي وُجهت إليه، يمكن الجزم بأن الأخير قرّر “الانكفاء” إلى الوراء، ومراجعة حساباته في ما يخص”خارطة الطريق الفرنسية” التي سبق أن رفضها قبل أشهر. ويرمي هذا الانكفاء إلى تعديل بعض البنود التي أُوحي إليه أنها تهدف إلى زعزعة استقرار سلطته، مثل “إنشاء مجلس عسكري متنوّع على أن تُنقل إليه الصلاحيات الأمنية والعسكرية”، و”إجراء انتخابات رئاسية شاملة خلال عام”.
ومن يراقب الأيام القليلة التي سبقت الزيارة، يرى أن السلوك الفرنسي كان ضاغطاً بدرجة ترمي إلى وضع الشرع أمام “الخيار صفر”، الذي يعني قبول الخارطة من دون تحفّظات تُذكر. وفي الإعلام الفرنسي، راحت تتكاثر التقارير التي تُظهر “الخلفية الجهادية” للرئيس السوري، ما يحول بين الفرنسيين و”الثقة فيه”، وهو ما ورد حرفياً على لسان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده مع الشرع.
والبعض من هذه التقارير كان يقذف الشرع بسلسلة لا تنتهي من الانتهاكات المرتكبة بحق الدروز والعلويين، ويقول إن “الأقمار الصناعية رصدت مقاطع تفوق تلك التي رصدتها كاميرات الجوالات الميدانية”، فيما دعا البعض الآخر إلى “اشتراط خروج الشرع من العقلية الفصائلية إلى عقلية الدولة، التي، وإن أعلن عنها، لكنّ الأمر بقي عند تخوم الإعلان فحسب، وهو ما تؤيده الوقائع اليومية”.
وكل هذا، جنباً إلى جنب مؤشرات عدة من نوع طريقة الاستقبال مثلاً، يرمي إلى خلق مناخ ضاغط، نجح في تحقيق الكثير مما يرمي إليه. فوفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، تحفّظ الرئيس السوري فقط على الطرح الفرنسي (وهو أميركي أكثر) المتعلّق بملف المقاتلين الأجانب وطرق حلّه، وهو قال إن “هذا ملف سيادي تصعب مناقشته”، مضيفة أن “ماكرون أبلغ الشرع أنه تحت رقابة غربية دقيقة، وأن الوقت يضيق”.
المؤكّد الآن هو أن الشرع قد تخلّى عن فكر “السلفية الجهادية”، بل إن العديد من المؤشرات يقول إنه تخلى عنه منذ وقت غير قصير قبل وصوله إلى السلطة، لكنه لا يستطيع الدخول في صدام معه لأنه ببساطة يمثّل الركيزة الأساسية التي يقوم عليها حكمه الآن، وهو يدرك أن ظهوره بنموذج “الوسطي الإسلامي”، المطلوب داخلياً وإقليمياً ودولياً، إنما يمثّل الخطر الأول الداهم عليه.
ولعل ما يؤكد ذلك أكثر هو السلوك الذي تمارسه الجماعات المتشدّدة بصور شتى من دون القدرة على ردعها، ضاربة عرض الحائط برزمة القرارات “الخجولة” التي صدرت كمحاولة للحد من تأثيراتها، بل وبفتوى “تحريم الدم السوري” التي أطلقها مفتي الجمهورية، الشيخ أسامة الرفاعي، قبل أيام. ومن دون شك، تدخل التجربتان المصرية 2012 – 2013، والتونسية التي استمرت بعدها ثماني سنوات، في صلب حسابات الشرع، فما أسقطهما هو عدم القدرة على احتواء التطرّف، ومنْع تحوّله إلى قوة معطّلة لمشروع بناء الدولة، لكنّ السؤال الذي لا إجابة عليه هو: ما السبيل إلى ذلك؟
الأخبار
———————————————-
فرنسا تفتح أبواب أوروبا أمام الرئيس الشرع: ماذا تقدم سوريا في المقابل؟
عقد فرنسي لتطوير ميناء اللاذقية.. وبوادر شراكة اقتصادية بين باريس ودمشق
أعطت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى فرنسا زخما كبيرا لمساعي الحكومة السورية الجديدة في انتزاع اعتراف دولي لشرعيتها لا يزال يتأرجح على زئبق المصالح الدولية وتناقضاتها.
وإذا كانت واشنطن قد أمعنت في إملاء شروطها على الحكم الجديد الذي أبدى انفتاحه على مناقشة كل الملفات الجدلية والحساسة العالقة فإن زيارة الشرع إلى فرنسا قد تفتح أمامه أبواب أوروبا دون إغفال لحزمة الشروط التي لوحت بها فرنسا قبيل الزيارة وأعاد رئيسها ماكرون ترديدها على مسامع الرئيس الضيف.
زيارة وبصرف النظر عن الملاحظات التي أحاطت بها على مستوى الشكل والبروتوكول ودعوة البعض إلى عدم تحميلها ما لا تحتمل من مفاعيل إيجابية ربطا بكونها بالون اختبار ليس إلا فإنها سجلت نقطة هامة في رصيد دمشق، فالثقل الاستراتيجي الذي تتمتع به فرنسا دولياً وأوروبا قد يشجع دولا غربية أخرى على سلوك المسار نفسه خاصة إذا ما نجحت دمشق بالإيفاء بوعودها للغرب أو الوصول معه إلى تسويات بشأنها تعزز الثقة وتؤسس لمسار مختلف.
الشرع يغتنم الموقف الفرنسي
يرى المحلل السياسي فهد العمري أن استقبال رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في فرنسا جاء استكمالاً لما بدأته باريس من مسار الانفتاح السياسي على دمشق والذي بدأ مع إرسال وزير خارجيتها جان نويل بارو رفقة نظيرته الألمانية إلى العاصمة السورية حيث كانت فرنسا من أوائل الدول الأوروبية التي اعتقدت بوجوب الرهان على الحكم الجديد وانتظار ما يمكن البناء عليه من مرونة سياسية طبعت أداءه السياسي خلال المرحلة الماضية.
وفي تصريح له أكد العمري أن باريس تأخذ على محمل الجد رغبة وقدرة الحكومة السورية الجديدة على بناء منظومة علاقات دولية تقطع مع كل مسببات العزلة التي فرضتها سياسة النظام السابق وهي تضع نصب عينيها رفع العقوبات المفروضة عليها من خلال ولوج البوابة الفرنسية التي قد تختصر عليها الطريق إلى بناء الشراكة الحقيقية مع الغرب من خلال التزكية الفرنسية المنتظرة بعد اجتياز امتحان الشروط التي تواضع الغرب على وضعها كمجاز لمرحلة بناء الثقة مشيرا إلى أن النظام الحاكم في دمشق اليوم أمام فرصة يجب اغتنامها لجهة استغلال الغزل الفرنسي الحالي به وإن كان مشروطا في مسألة رفع العقوبات والتعافي المبكر وإعادة الإعمار واستقبال المساعدات والهبات التي تحتاجها سوريا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
ووفقاً للعمري فإن رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع قد نجح من على المنبر الفرنسي الهام في الإسهاب بشرح المخاطر الكبيرة التي قد تحيط بالمجتمع الدولي إذا تمنع عن لعب دور جدي في إسناد الحكومة السورية التي عرفت كيف تسوق للأمر من باب النصيحة المسؤولة لا التهديد الضمني مشيرا إلى أن دمشق اليوم أحوج ما تكون إلى دعم دولي في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد وهي قد تجد في باريس ضمانتها الحقيقية في إلزام تل أبيب بوقف اعتداءاتها على سوريا بعد طمأنة هذه الأخيرة بشأن نواياها الإيجابية تجاه الدولة العبرية التي تقضم في الجنوب وتعربد في السماء السورية.
هذا ما تريده فرنسا
واستدل المحلل السياسي على تلاقي المصالح الحالية بين دمشق وباريس من خلال سعي هذه الأخيرة لإحياء دورها التاريخي المنكفئ في الشرق الأوسط عبر بوابة كل من سوريا ولبنان ولعل هذا ما يفسر مسارعة ماكرون إلى تهنئه الرئيس الشرع بانتخابه وإعادة افتتاح السفارة الفرنسية في دمشق وتعيين قائم بالأعمال الفرنسي هناك واحتضان المؤتمر الدولي حول سوريا الذي عقد في شباط الماضي بمشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني فيما بدا أنه مسعى أوروبي بقيادة فرنسا لرعاية عملية القطيعة النهائية لسوريا مع الاستبداد والإرهاب.
وقلل العمري من خطورة الحديث الفرنسي عن الشروط المسبقة التي قد تمهد لعودة سوريا إلى لعب دورها المنشود على المستوى الدولي من قبيل عدم التمييز بين مكونات المجتمع السوري ومشاركة جميع الأقليات الدينية والعرقية في حكم البلاد ووقف الانتهاكات التي حصلت بحق العلويين والدروز وإقصاء المقاتلين الأجانب عن المراكز القيادية في الجيش والمؤسسات الأمنية مشيرا إلى أنها لزوم تمرير الزيارة بعيداً عن الصخب الإعلامي الذي لا زال يبحث في تاريخ جهادي منسي عند قيادة سورية قررت القطيعة مع الماضي والأخذ بالأسباب التي تجعل منها دولة مدنية متحضرة في حين أن دولة كفرنسا تفخر بأنها بلد الحرية لا يمكنها أن تسقط من الزيارة عناوين العدالة والمساواة بين السوريين في حين أنها تعلم أن قرار الانفتاح على دمشق قد اتخذ وبصرف النظر عن السرديات الكلاسيكية المتعلقة بمعاني العدالة والحرية التي تفخر بها عاصمة النور الفرنسية.
وشدد المحلل السياسي السوري على أن فرنسا تدرك خطورة نشاط “داعش” على الساحة السورية وهذا ما دفعها لحث الشرع على التعاضد مع قوات سوريا الديمقراطية في قتال التنظيم التكفيري بعد اشراكها الفعلي في الحكومة السورية كما أن باريس تخشى من عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا و تجتهد في إبقاء سوريا بعيدة عن روسيا ولهذا فإنها تحرص على استقطاب الشرع الذي لم يظهر مواقف متشددة تجاه موسكو على النحو الذي يتمناه الغرب.
وختم العمري حديثه بالإشارة إلى أن فرنسا ترغب في أن يكون لها دور اقتصادي بارز في سوريا من خلال المشاركة الكبيرة للشركات الفرنسية في مرحلة إعادة الإعمار المرتقبة وقد بدأت بالفعل في جني ثمار سياستها السورية هذه من خلال العقد الذي وقعته” الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية” مع شركة “سي إم إيه سي جي إم” الفرنسية لمدة ثلاثين عاما ويقضي بقيام الشركة الفرنسية بتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية بقيمة 230 مليون يورو الأمر الذي يجعل من استقرار سوريا حاجة فرنسية ملحة على مختلف الأوجه السياسية والأمنية والاقتصادية.
ايلاف
—————————-
زيارة الشرع إلى فرنسا تبشر بمكاسب متعددة الأوجه/ حسن الشاغل
2025.05.10
تُعد زيارة الرئيس السوري الشرع إلى فرنسا أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى أوروبا منذ عام 2011.
وتمثل الزيارة نقطة تحول مهمة في مسار العلاقات السورية الفرنسية – والسورية الأوروبية. وتأتي هذه الزيارة في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي. وتُشير هذه الزيارة إلى وجود نية متبادلة لتجاوز مرحلة الجمود والانفتاح على فرص التعاون المشترك. ولا تقتصر أهمية الزيارة على بعدها الرمزي في كسر العزلة السياسية، بل تتعداها إلى آفاق ومكاسب متعددة الأوجه، تشمل الجوانب الاقتصادية، والاستثمارية، والسياسية والأمنية.
وتأتي الزيارة في وقت حساس من عدة نواح، حيث تشهد سوريا توترات داخلية، وبعد تشكيل الحكومة المؤقتة والإعلان الدستوري واستعداد السلطة الجديدة في سوريا على التموضع في المنظومة العالمية والاقليمية، وتوترات مع اسرائيل.
ويُنتظر أن تفتح هذه الخطوة الباب أمام مرحلة جديدة من التفاعل السوري-الأوروبي، تقوم على المصالح المتبادلة، والاستقرار الإقليمي. ومن هذا المنطلق، تهدف هذه المقالة إلى مناقشة المكاسب المحتملة من جراء زيارة الرئيس الشرع إلى فرنسا.
ضبط الحالة الأمنية
لا يمكن إغفال الدور الأمني الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط. ففي آخر اجتياح إسرائيلي للبنان بعد طوفان الاقصى، ضغطت فرنسا بجدية على إسرائيل لإنهاء العمليات العسكرية البرية، وإلى تراجع قواتها، بما يضمن استقرار لبنان، وعدم جرها إلى حرب مفتوحة مدمرة تخلط الموازين الداخلية. وهذا المقاربة التي تبنتها فرنسا تجاه لبنان ليست ببعيدة عن مقاربتها تجاه سوريا، وقد تحاول باريس أن تتدخل في الملف السوري الأمني المرتبط بإسرائيل، من خلال لعبها دوراً في التنسيق أو التفاوض غير المباشر بين الدولة السورية وإسرائيل، لوضع الخطوط العريضة التي تضمن الأمن على حدود الطرفين، ويمنع الانزلاق في حرب قد تدخل المنطقة في حالة عدم استقرار كبيرة.
ومن المهم التنويه له، أن إسرائيل تعمل من خلال الضربات العسكرية الجوية على إضعاف “نسبي” قوة الحكومة في المركز الممثلة بحكومة دمشق الحالية لصالح الأطراف الممثلين بقوات قسد، والفصائل الدرزية، وفلول النظام في الساحل، إلا أنها حذرة بذلك ولا تريد إسقاط حكومة الشرع، الذي يعد الشخصية الوحيدة القادرة على ضبط الحالة الأمنية في البلاد، وهنا لا نقصد فقط فلول النظام وقوات قسد والقوات الدرزية، بل ضبط الحالة الفصائلية التي كانت منتشرة في سوريا.
وإذا ما تدخلت فرنسا لضبط سلوك إسرائيل تجاه سوريا من عمليات قصف واحتلال أجزاء من محافظة القنيطرة، فإن ذلك سيساعد في استقرار البلاد، ويبدد حالة التخوف بين الطرفين، وينهي حالة التمرد لبعض الأطراف داخل سوريا، ويقطع الطريق أمام حصولهم على الدعم الإسرائيلي.
مكاسب اقتصادية
قبل عام 2011، كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لسوريا، بحجم تبادل تجاري بلغ نحو 7.18 مليار يورو عام 2010. لكن بعد اندلاع الثورة السورية، فرض الاتحاد عقوبات صارمة شملت حظر استيراد النفط، وتجميد الأصول، وفرض قيود على التصدير والاستثمار، مما أدى إلى تراجع كبير في التبادل التجاري إلى 396 مليون يورو بحلول عام 2023.
في فبراير 2025، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة نوعية بتعليق بعض العقوبات الاقتصادية، خصوصاً في قطاعات الطاقة، النقل، والمؤسسات المالية، في إطار السعي لإعادة دمج سوريا في المنظومة الاقتصادية العالمية.
وبعد انتهاء زيارة الرئيس السوري الشرع إلى فرنسا صرّح وزير الخارجية أسعد الشيباني “أن الزيارة مثلت نقطة تحول نحو رفع العقوبات، وتعزيز السلام والاستثمار في المنطقة”.
رفع العقوبات وإحياء الشراكة السورية الأوروبية سيفتح المجال أمام سوريا لتصدير صناعتها الرائدة في قطاع الصناعات النسيجية والزراعية إلى الأسواق الأوروبية مجدداً.
وفيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 300 مليار دولار، يُعد فرصة اقتصادية واعدة لكل من سوريا والدول الأوروبية، من خلال تبادل الاستثمار والخبرات. ومشاركة الدول الأوروبية سينعش السوق السورية.
وسوريا في موقع جغرافي يسمح لها بأن تكون عقدة لطرق التجارة الدولية البرية والبحرية، فهي تعد حلقة الوصل بين قارتي آسيا وأوروبا وبين أسواق الخليج العربي وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وهذا الموقع يوفر للبلاد المرونة والسهولة للوصول إلى الأسواق الدولية المنتجة والمستهلكة، وأن تكون معبراً للسلع الأوروبية المتجهة لأسواق الخليج العربي، ما يمنح سوريا مصدر دخل كبيراً من خلال رسوم تجارة الترانزيت.
ويمكن أن تكون سوريا ممراً لخطوط الأنابيب القادمة من دول الخليج العربي إلى دول الاتحاد الأوروبي. وبحسب منصة الطاقة المتخصصة، تسعى السعودية لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى دول الاتحاد الأوروبي. وهو ما يكسب سوريا أهمية جيواستراتيجية للدول الأوروبية، ويكسب سوريا إيرادات مرور خط الأنابيب.
شرعية دولية
لا شك أن الزيارة ستكون بمثابة اختبار لمستوى الانفتاح الذي يمكن أن تحظى به حكومة الشرع حالياً ولجدية واستعداد الدول الغربية للتعامل مع القيادة السورية الجديدة. وفي الغالب ستشكل هذه الزيارة نقطة تحول في العلاقات بين سوريا وأوروبا، وقد تفتح الباب أمام إعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي، وفق معايير وشروط معينة قد أثارتها فرنسا.
وتأتي هذه الزيارة بعد تعيين قائم بالأعمال فرنسي في دمشق مؤخراً، والذي يمثل اعترافاً رسمياً بالحكومة السورية، والذي سيكون له انعكاس إيجابي على سياسة الدول الأوروبية تجاه سوريا، وقد نشهد في الأيام المقبلة جنوح الدول الأوروبية الأخرى للتعامل الرسمي مع الدولة السورية.
في الخلاصة، يمثل التقارب الفرنسي السوري تحركاً استراتيجياً يحمل أبعاداً أمنية واقتصادية وسياسية. تسعى فرنسا لضبط الاستقرار الإقليمي عبر الحد من التصعيد الإسرائيلي، فيما تفتح الخطوات الأوروبية نحو رفع العقوبات باباً لفرص اقتصادية واسعة تشمل إعادة الإعمار والتبادل التجاري. أما دبلوماسياً، فإن هذا الانفتاح يمنح الحكومة السورية اعترافاً متزايداً ويمهّد لإعادة دمجها في المجتمع الدولي وفق شروط متوازنة.
تلفزيون سوريا،
————————————-
زيارة الشرع إلى فرنسا: دبلوماسية طموحة وسط رهانات سياسية وإقليمية
في خطوة دبلوماسية طموحة لكن محفوفة بالتحديات السياسية والإقليمية، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس السوري أحمد الشرع في باريس يوم 7 أيار/ مايو 2025، في أول زيارة له إلى دولة أوروبية منذ توليه السلطة عقب سقوط النظام البائد وفرار بشار أسد إلى روسيا في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
الزيارة، التي تطلبت موافقة خاصة من الأمم المتحدة بسبب إدراج الشرع سابقًا على قوائم مكافحة الإرهاب لقيادته هيئة تحرير الشام، تهدف إلى تمهيد إعادة دمج سوريا دوليًا، لكنها أثارت جدلاً داخليًا حادًا في فرنسا وتساؤلات حول قدرة الشرع على تنفيذ إصلاحات وسط توترات إقليمية.
مباحثات دبلوماسية ورهانات استراتيجية
استقبل ماكرون الشرع، الذي وصل برفقة وزيري الخارجية والطوارئ، في قصر الإليزيه، وفق وكالة فرانس برس. ركزت المباحثات على إعادة إعمار سوريا، رفع العقوبات، وحماية الأقليات. أيدت فرنسا رفع بعض العقوبات القطاعية الأوروبية، معتبرة أن الإجراءات الأمريكية “تثقل كاهل السلطات الانتقالية في إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات”، لكنها ترى أن إزالة الشرع من قائمة عقوبات الأمم المتحدة سابق لأوانه. طالب ماكرون بحماية العلويين والدروز بعد انتهاكات مارس 2025، وحث الاتحاد الأوروبي على معاقبة الجناة.
قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو: “عدم الحوار مع السلطات الانتقالية غير مسؤول تجاه الشعب الفرنسي، ويمهد لعودة داعش”، مشيرًا إلى دور سوريا في مكافحة الإرهاب، السيطرة على الهجرة، تهريب المخدرات، واستقرار لبنان. وصف ماكرون الشرع بأنه “قائد موجود في مكانه” بعد “حرب دموية”، لكنه انتقد الضربات الإسرائيلية في سوريا، واصفًا إياها بـ”ممارسة سيئة”، وقال: “لا يمكنك ضمان أمن بلدك بانتهاك أراضي جيرانك”.
رد الشرع أن العقوبات “تعاقب الشعب السوري”، واعدًا بتحقيق دولي في الانتهاكات الطائفية. وأكد: “بتحرير سوريا، أنقذنا المنطقة من إرهاب محتمل كان يجثم على السوريين”، مضيفًا: “لن نسمح بالفتن الطائفية أو بانتهاك سيادة سوريا، ومستقبلها لن يُقرر في عواصم بعيدة”. كشف عن مباحثات غير مباشرة مع إسرائيل لوقف الغارات المستمرة منذ ديسمبر 2024، واصفًا إياها بـ”انتهاك اتفاق 1974″.
أعلن الشرع تبادل التمثيل الدبلوماسي مع فرنسا، وهي خطوة رمزية لتعزيز العلاقات. في سياق منفصل، نشر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على حسابه الرسمي في إكس أن الزيارة “شكلت نقطة تحول لرفع العقوبات، تعزيز الأمن الإقليمي، وخلق بيئة للسلام والاستثمار”.
مؤكدا أن نجاح هذه الزيارة لا يقتصر على المستوى السياسي فقط، بل يعكس أيضًا الإرادة المستمرة في تعزيز بناء علاقاتنا الدولية على أسس قوية من التعاون المشترك والاحترام المتبادل مع الجميع.
التقى الشرع نخبًا سورية، بما في ذلك “قيصر”، لمناقشة الوحدة الوطنية.
رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع ووزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني يلتقيان السيد فريد المذهان المعروف بـ “قيصر” على هامش زيارتهما إلى جمهورية فرنسا.
مؤتمر صحفي تحت المجهر
في مؤتمر صحفي مشترك، واجه الشرع أسئلة حادة عكست تعقيدات ماضيه وتحديات الحاضر. سأل صحفي: “كيف تثق فرنسا بقائد كان مدرجًا على قوائم مكافحة الإرهاب؟” رد الشرع: “كافحنا نظامًا مجرمًا أسقط براميل كيميائية على شعبه، ولم نشارك في أي أعمال إرهابية في أوروبا”. عن مصير الجهاديين الأجانب، قال: “إنهم جاءوا فرادى وليس جماعات، وسيخضعون للقانون، مع إمكانية تجنيسهم إذا تزوجوا سوريات وأنجبوا أطفالًا، وهو حل كريم لمن قاتلوا إلى جانب الشعب السوري”.
وعن الانتهاكات الطائفية، أكد: “لن نسمح بالفتن الطائفية ولا بانتهاك سيادة سوريا من أطراف خارجية ومستقبل سوريا لن يصاغ في غرف مغلقة ولن يقرر في عواصم بعيدة
أثارت الزيارة عاصفة سياسية في فرنسا. قالت مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني: “ذهول وذهول”، واصفة الاستقبال بـ”الفضيحة”. أكد لوران فوكييه، زعيم نواب الجمهوريين: “نحن لا نستقبل قادة إرهابيين سابقين وأعضاء منظمات تريد مهاجمة فرنسا”. . ردت الرئاسة أن الحوار ضرورة استراتيجية.
———————————-
—————————–