ميرا أكثر من فتاة.. وأقل من خلاص/ رائد وحش

9 مايو 2025
كما يليق بالقصص التي تهزّ الضمير العام تحوّلت ميرا جلال ثابت إلى قصّة عاصفة، وهزّت بلدًا خلناه فقد القدرة على الذهول.
وفي ظل السيل العارم من الكتابات والتعليقات لم تعد القصة عن فتاة فقط، إنما عن بلد كامل يتعثر في تعريف الكرامة، ويرتبك في تحديد الحقيقة، وينبهر من أنه لا يزال بوسع الكوارث إضافة المزيد من المرارات.
اتفقت الغالبية على الإدانة الأخلاقية والاجتماعية لما جرى، ورفض الصمت، وذهبوا للمطالبة بالحقيقة والمحاسبة. لكن كل هذه الإدانة، على ما فيها ضرورة ملحة، لا تعني أن هناك اتفاقًا على الفهم. فلا تزال السرديات متعددة: هل ما حدث خطف أم هروب؟ زواج أم سبي؟ انتقام طائفي أم قصة حب؟ فكل أحد يصوغ القصة انطلاقًا من هويته السياسية أو الطائفية. ظهرت رواية شبه رسمية تقول إنها “خطيفة”، وان لقاءها بأهلها كان صلحة عائلية. ثم جاء الاعتراض على هذه الرواية من زوايا متعددة: البعض من منطلق رفض انتهاك كرامة المرأة، والبعض الآخر من خوفه من الجماعات الإسلامية، وغيرهما من موقع الرثاء لما وصلت إليه سوريا.
ومع غياب إعلام محترف، لم يعد في وسع الحقيقة أن تكون واضحة وحسب، بل تحولت إلى ساحة صراع أيضًا. فالروايات المتضاربة تزيد المشهد ضبابية، وتترك النفسية العامة تواجه مزيدًا من الهشاشة والانكسار.
والمرعب في القصة أن سيناريو السبي، الذي ظنناه مدفونًا في قصص الماضي أو محصورًا في الحروب المجاورة، بات قريبًا بما يكفي ليتسلل إلى الواقع، مدعومًا بروايات محلية متكررة.
وفي داخل هذا الواقع القاسي، تقف المرأة بوصفها الكائن الذي يُعاد إنتاج العنف ضده عبر سرديات متناقضة في ظاهرها، لكنها متواطئة في جوهرها: دينية وتقليدية، وثورية أيضًا. في كل هذه السرديات، لا يُسمح لها أن تكون فاعلة أو صاحبة قرار، بل تُختزل في تمثيل جماعي: عرض العائلة والقبيلة، أو غنيمة باسم الشريعة، أو متهورة ضلّت الطريق. وطبعًا تشترك هذه التوصيفات جميعها، مهما اختلفت نبرتها، في شيء واحد: نزع إرادة المرأة، واستعمال جسدها حيزًا رمزيًا تتصارع عليه الأفكار الذكورية. ولعل ما هو أكثر خطورة من العنف الجسدي المباشر هو العنف التأويلي: كيف يُفسّر فعلها؟ ومن يحتكر حق تسمية ما جرى لها؟ أكان حبًا أم قهرًا؟ هروبًا أم سبيًا؟
هذا النوع من السيطرة هو جوهر البنية العقلية الذكورية، تلك التي لا تعترف بحق اختيار المرأة، ولا بحقها في السرد، وفي كل ما قيل وسيُقال، نادرًا ما أبدى أحد أي اهتمام بأن تُروى القصة بوصفها حقًا للضحية في الكلام، لا بوصفها سردًا جاهزًا يُنتزع منها، سواء أجبرت على الكلام أو الصمت، ومثلما أنه ليس مطلوبًا منها أن تنطق مطلوب أيضًا ألا يُنتزع منها المعنى وهي صامتة.
ولنكن صريحين مع بعضنا البعض هنا، ولنقل إنه لا حاجة لأن تكون القصة مفهومة وواضحة، بمقدار الحاجة إلى نكف عن الاستيلاء عليها. فكل محاولة فهم دون اعتراف بسيادة الضحية على قصتها، حتى في صمتها، تظل عنفًا في صيغة مهذبة.
ليست المسألة، في النهاية، ما حدث لها بالضبط، من عنف داخلي او خارجي، لأن هذا ما يحدث للنساء طوال الوقت، في جو الحرب وغيره، عندنا وعند سوانا؛ ما يهم هنا هو أن نفهم لماذا يكون مثل هذا الحدث ممكنًا بهذا الشكل، وبهذه السهولة.
في لحظات الصدمة، تطفو على السطح أفكار عبثية تطلب من الجميع إعلان البراءة من كل من يشبههم بالهوية أو الخلفية. لكن هل يصنع هذا المنطق عدالة أم أنه يعمّق الشعور الجماعي بالضياع؟
لا تُقاس المسؤولية الأخلاقية إلا بفهم السياق، أي أن هذا العنف لم يولد من فراغ، إلا أنه حصيلة عقود من الانحدار الأخلاقي والسياسي، تعمّق تحت حكم الأسد الدموي، وظهر اليوم على جسد امرأة.
ومن علامات هذا الانحدار الأخلاقي انزلاق الخطاب العام حول القضية إلى الطائفية: من أي طائفة هي؟ ومن أي طائفة هو؟ وكأن الجريمة تُفسَّر لا بما حدث، بل بمن حدثت لهم. وبذلك يمكن إيجاز كل شيء على أنه صراع هويات، أما صوت الضحية فيسكت لحساب شرف الجماعة.
مطالبة الآخرين بأن يدينوا العنف، بالطريقة والنبرة التي نريدها، هي مجرد انتقائية في الأخلاق. نحتاج إلى جرأة سياسية وأخلاقية لطرح عقد وطني جديد، ينهي منطق التهديد والصمت، ويعيد الاعتبار للكرامة والعدالة، ولا نحتاج إلى ملامات أو مزايدات.
والآن، بعد أن تبين أن ميرا لم تكن “مسبية”، وأنها هربت مع من تحب، تتضاعف الصدمة. لأن كل هذا الصراخ، وهذه الفوضى التأويلية، لم تكن دليلًا على التعاطف والتضامن، لكنها شهية مفتوحة للوصاية عبر إنتاج رواية عن المرأة بوصفها إما ضحية يجب إنقاذها، أو عارًا يجب تطهيره.
كشفت القصة أننا نحتاج دائمًا إلى مأساة لنستدعي أسوأ ما فينا. وتكفي شبهة، أو إشاعة، لننقضّ على الحقيقة ونفرمها باسم العدالة والحرية، لأننا نشعر أننا نمتلك كلًّا من الحقيقة والعدالة والحرية معًا.
ما اختبرته هذه القصة هو مرضنا الجماعي، وقابليتنا للانفجار تحت مسميات أخلاقية، ومن أجل ماذا؟ من أجل امرأة لم تطلب منا سوى أن نتركها بسلام.
الترا سوريا
—————————-
“لا خطف ولا إجبار”.. ميرا وأحمد يرويان لتلفزيون سوريا تفاصيل قصتهما
2025.05.09
روت الفتاة ميرا جلال ثابات، والشاب أحمد، في لقاء حصري مع تلفزيون سوريا، تفاصيل قصتهما التي أثارت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن ما حدث بينهما كان نتيجة لعلاقة حب تحوّلت إلى زواج، نافيَين بشكل قاطع صحة الروايات المتداولة التي تحدثت عن “خطف” أو “إجبار”.
بداية العلاقة
قالت ميرا إنها تعرفت إلى أحمد منذ نحو عامين ونصف، وبدأت العلاقة بشكل عادي قبل أن تتطوّر إلى ارتباط عاطفي جدي.
وأوضحت أنها عانت من مشكلات وضغوط داخل عائلتها بسبب اختلاف الطائفة، ما دفعها إلى اتخاذ قرار بمغادرة منزلها يوم 27 من الشهر الماضي، بحجة أنها ذاهبة إلى امتحان، في حين كانت قد قررت لقاء أحمد ووضعه أمام خيارين: إما أن تمضي وحدها، أو أن يقررا الارتباط بشكل علني.
توضيح بشأن مزاعم “الخطف”
نفى الطرفان بشكل قاطع ما تم تداوله من مزاعم حول خطف ميرا، وأشارت الأخيرة إلى وجود تسجيلات كاميرا تُظهر أنها لحقت بأحمد طوعاً. وأضافت: “لو كنت مخطوفة، لكان هناك سلاح أو سيارة أو إجبار، لكنني خرجت بإرادتي”.
وتحدثت ميرا عن لحظة لقائها بأهلها بعد الحادثة، وقالت إن ظهورها في بعض الصور وهي تبكي كان بسبب تأثرها برؤية شقيقها الصغير وتوترها من رد فعل والدتها.
موقف أحمد: “ميرا زوجتي بموجب القانون والشريعة”
من جانبه، أكّد أحمد أن زواجه من ميرا تم بموجب الشرع والقانون، وأنه مستعد لإثبات ذلك في المحاكم المختصة.
وقال إن التوقيف الذي حصل لهما لاحقاً كان روتينياً نتيجة للخلاف بينه وبين والد ميرا.
وردّت ميرا على الانتقادات التي طالت لباسها بعد الزواج، قائلة إن خيارها بارتداء الحجاب والخمار كان نابعاً من قناعة شخصية بعد أن رأت نمط حياة زوجها وعائلته.
وأضافت أنها رأت خماراً في أحد المحلات وأعجبها، فقررت تجربته ثم اعتمدته، مؤكدة: “لم يُجبرني أحد على تغيير لباسي، وهذا قراري بالكامل”.
مطالبات بالمحاسبة
أعرب أحمد عن استيائه من الاتهامات التي وُجّهت له على مواقع التواصل، ووصفها بأنها إساءات تستوجب المحاسبة.
وقال إنه سيقدّم شكاوى قانونية بحق كل من يروّج لاتهامات بالخطف أو “جريمة شرف”، مؤكداً أنه وزوجته يطالبان بمحاسبة كل من نشر أكاذيب عنهما.