قنبلة داخل بيتنا/ شعبان عبود

13 مايو 2025
هاجم متشدّدون قبل أيام ملهى ليلياً في دمشق، وضربوا الموجودين فيه بأعقاب البنادق، ما أثار رعباً كبيراً عند الحاضرين. ورغم أن السلطات الأمنية المختصة أعلنت اعتقال المهاجمين، تكرّرت الحادثة بطريقة أشدّ في ملهى آخر يبعد عن الأول أقل من مائة متر، حيث جرى إطلاق النار، وقتل إحدى الفتيات وإصابة آخرين. وكلاهما في مركز المدينة. وأعادت تلك الحادثة إلى الأذهان حوادث أخرى مشابهة جرت خلال الأشهر الخمسة المنصرمة، تتعلق بتجاوز القوانين والتعدّيات على الحريات الشخصية لفئات اجتماعية متنوعة ومختلفة.
بصراحة، يواجه الرئيس أحمد الشرع، الذي جاء بخطاب براغماتي يركّز على المصالحة الوطنية، وإعادة بناء مؤسّسات الدولة على أسس وطنية، تحدّيات متزايدة، ليس فقط من خصومه التقليديين، بل أيضاً من قاعدته الشعبية التي باتت في بعض أجزائها تتصرّف بطريقة تُقوّض هذا النهج التصالحي. صحيحٌ أن هناك غالبية من هذه القاعدة الشعبية لا تزال تعيش آثار أكثر من 13 عاماً من القمع والقتل والتعذيب التي مارسها النظام السابق، إلا أن وضعها يشبه اليوم وضع ذئب جريح، وخطاب المظلومية الذي تتبنّاه وتستخدمه ضد “الآخر” سيعقّد إمكانية التأسيس لعقد اجتماعي وسياسي وطني جامع ويصعّبها.
كانت البراغماتية التي تبنّاها الرئيس الشرع تهدف إلى تجاوز الاصطفافات الطائفية، وإعادة هيكلة الدولة على أساس المساواة والمواطنة، وتقديم رؤية وطنية تتجاوز منطق الغلبة والانتصار، إلّا أن بعض مكونات قاعدته الشعبية، والتي ساهمت على نحو رئيس في وصوله إلى السلطة، تتصرّف الآن بمنطق المنتصر المتغلّب، وتسعى إلى فرض هيمنة رمزية واجتماعية على بقية فئات المجتمع. ويحمل هذا السلوك، في طياته، خطراً مزدوجاً: فهو من جهة يعمّق مناخات الانقسام ويهدّد التعايش الهشّ بين المكونات السورية.
أعمال الاستفزاز وتلك المتعلقة بتجاوز القوانين وانتهاك الحريات الشخصية، مثل ذلك الهجوم على الملهى الليلي، وإنْ كانت تصدُر من فئة صغيرة، إلا أنها تأخذ صدى واسعاً، في مجتمع ما زال يعيش على وقع جروح الحرب والانقسام. هذه الممارسات تستخدمها بسهولة القوى المعادية لإعادة إنتاج خطاب الخوف والتخوين، كما تدفع كثيراً من الفئات الاجتماعية والمكونات الأخرى نحو الانغلاق والدفاع الذاتي، ما يعيد البلاد إلى دوّامة التوتر والتفكك.
في هذه اللحظة الحرجة، على الإدارة الجديدة مسؤولية مباشرة في ضبط سلوك قاعدتها المتشدّدة، لأن الشرعية لا تُبنى فقط على الدعم الشعبي، بل تكمن في القدرة على احتواء التطرّف داخل معسكر المؤيدين، ومنع تحوّله إلى قوة معطّلة لمشروع الدولة، فالتطرّف حين ينمو داخل جمهورك، يصبح خصماً لك في الوقت نفسه، ويؤلّب العالم ضدك، لأن العالم الغربي يمسك بمفاتيح الاقتصاد والإعمار من خلال سلاح العقوبات، وبالتالي لا يمكنك تجاهله.
وفي المقابل، تتحمّل المكونات الأخرى من الطيف السوري، بمختلف انتماءاتها الدينية والعرقية والسياسية والثقافية، مسؤولية موازية في التفاعل الإيجابي مع المرحلة، وعدم الوقوع في فخ الشك والتعميم. لا يمكن بناء دولة وطنية على قاعدة الريبة والانتظار السلبي لفشل المشروع، بل من خلال الانخراط النقدي والفاعل في مؤسّساته.
بناء دولة وطنية سورية لا يكون إلا بتجاوز مناخات الغلبة والتشدّد من جميع الأطراف، وتبنّي مشروع وطني جامع يقوم على العدالة والمساءلة والتنمية المتوازنة، فالمعركة اليوم لم تعد عسكرية، بل أخلاقية وثقافية، تتطلّب شجاعة في المواجهة مع الذات قبل الخصوم، ومسؤولية جماعية من كل السوريين للعبور إلى مستقبل مختلف… وقبل كل شيء، علينا الانتباه جيداً إلى ذلك الذئب الجريح داخل بيتنا.
العربي الجديد
—————————————–
مطاعم دمشق القديمة في قبضة الأمن العام: لا غناء ولا حرية ولا أمان!
نشرت في 10/05/2025
تواجه مطاعم دمشق القديمة حملة مداهمات مكثفة من عناصر الأمن العام ووزارة الدفاع، مع حظر للغناء والمشروبات الكحولية، ما أدى إلى حالة من الذعر بين الزبائن وانخفاض كبير لنسبة الإقبال، في ظل اتهامات بوجود مؤامرة ممنهجة لتصفية أصحاب المطاعم الأصليين وبيعها لمتنفذين.
في مشهد يعكس تراجعا وانتهاكاً صارخاً للحريات العامة والخاصة، تستمر عمليات التدخل التعسفي من قبل عناصر تابعة للأمن العام الجديد ووزارة الدفاع السورية، فيالحياة اليومية للمواطنين، حيث استهدفوا خلال الأيام الماضية مطاعم في دمشق القديمة، خصوصاً في منطقتي “باب توما” و”باب شرقي”، ضمن حملة تصاعدت حدتها بشكل مقلق.
بحسب ما أفاد به عدد من أصحاب المطاعم ليورونيوز في دمشق، فإن هذه الانتهاكات بدأت منذ أسبوعين تقريباً، وتركز على مضايقة الزبائن والعاملين في المطاعم، وإيقاف العروض الفنية التي تقدم عادة مساء أيام الخميس، إلى جانب التشديد على عدم تقديم المشروبات الكحولية، سواء كانت من المطعم أو يجلبها الزبون.
مشاهد مخيفة.. وتهديد مباشر
وقال أحد أصحاب المطاعم إن يوم الخميس الماضي (8 يونيو 2025) شهد دخولاً مكثفاً وعنيفاً لدورية أمنية مؤلفة من 38 عنصراً مسلحاً ومدججاً بالأسلحة إلى مطاعم منطقة القيمرية وباب توما. فور دخولهم، بدأ العناصر بإيقاف الحفل الموسيقي الذي كان يقدم في أحد المطاعم، وصوروا الزبائن الذين كانوا يتناولون المشروبات الكحولية، رغم عدم وجود أي شكوى رسمية ضدهم.
وأضاف أن بعض العناصر وجهوا رسائل تحذيرية مباشرة لأصحاب المطاعم، بقولهم: “بعد فترة سنمنع بشكل كامل المشروب والحفلات نهائياً، وسيكون المكان مجرد مطعم للأكل وبدون موسيقى”، مع التلويح بعقوبات صارمة في حال تم مخالفة القرار غير الرسمي.
انحدار في السلوك الأمني
وأكد صاحب مطعم آخر أن الأمر لم يكن كذلك سابقاً، حين كانت “شرطة السياحة” هي الجهة المسؤولة عن تنظيم زيارات التفتيش. وكانت تلك الشرطة تدخل بلباس مدني، بدون سلاح، وتتصرف بأسلوب محترم ولبق عند وجود شكوى.
أما الآن، يقول: “اليوم تدخل عناصر مسلحة ومدججة بالأسلحة، يشتمون ويهددون ويرهبون بشكل مستفز جداً. هذا ليس تطبيقاً للقانون، بل هوفرض لرؤية شرعية خاصة”.
غياب الرقابة الرسمية
من جانبه، ذكر صاحب مطعم ثالث أن هناك جهة رقابية سابقة اسمها “مكتب عنبر”، كانت ترسل مهندسين برفقة شرطة السياحة عند وجود شكوى. وكانت الإجراءات السابقة تقتصر على الإنذار أو الغرامة المالية، أو إغلاق المطعم لمدة قصيرة، وفي كل الأحوال كانت تتم بطريقة لبقة.
لكن المسؤول الجديد، وهو مهندس من إدلب، يتهمه أصحاب المطاعم بأنه يعمل “جاسوساً للمحافظة” ولا يقوم بواجبه، بل يستغل موقعه لتحقيق أجندات أخرى.
تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة
وأكد جميع أصحاب المطاعم الذين تحدث إليهم يورونيوز أن هذه الحملة أثرت بشكل كبير على نسبة الإقبال والمداخيل، نتيجة خوف الزبائن من التواجد في هذه الأماكن العامة، خصوصاً بعد مشاهد التصوير والتفتيش الاستفزازي والسؤال عن هوية المرافقين.
وأشار أحدهم إلى أنه في يوم الجمعة، وهو عادة الأكثر ازدحاماً في المطاعم، استقبل أكبر مطعم في المنطقة 5 زبائن كحد أقصى، في انخفاض حاد وغير مسبوق.
اتهامات بمؤامرة ممنهجة
ووصف أصحاب المطاعم هذه الحملة بأنها “عمل ممنهج” يهدف إلى دفعهم لبيع مطاعمهم لمتنفذين ينحدرون من إدلب المعقل السابق للجماعات المسلحة، والسعي لتغيير ديموغرافي مقصود في دمشق القديمة، التي تعتبر متنفساً لكل السوريين وليس فقط لأهل العاصمة.
وأكدوا أنه إذا لم يتدخل وزير السياحة لإيقاف هذه الانتهاكات، فإنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي، متوعّدين بأنهم قد يلجؤون إلى خطوات تصعيدية مثل الإضراب، خصوصاً وأن هذه الإجراءات تهدد القطاع السياحي بأكمله، وخاصةً في دمشق القديمة، التي تعد من أهم الوجهات السياحية للزوّار الأجانب.