أبعد من صراعٍ في نقابة فنانين/ معن البياري

13 مايو 2025
تُحاول أن تتخفّفَ من الاستغراق الكثيف في الموضوع السوري، لكنك لا تفلح، فالمستجدّات فيه تتنوّع ولا تنفكّ تشدّك. ومنها أخيراً الصراع الذي نشب بين نقيب الفنانين السوريين (المعيّن)، مازن الناطور، ونائبِه نور مهنّا، وتبدّى في إقدام الأخير على عزل ذاك، بموافقة مجلس النقابة، ثم إشهار الناطور رفضه القرار، بدعوى أنه غير قانوني. ولمّا اتكأ كلٌّ منهما في إسناد موقفه على بنودٍ في موادّ في هذا القانون، فذلك يوقعُك في حيص بيص لو انصرفتَ إلى التملّي في هذه البنود، لتعجز بعدئذٍ عن فكّ مغاليق هذه القضية، ولتشعُر بالحاجة إلى فقيهٍ عليمٍ بالقوانين ومساطرها… ولذلك، لن تشغل بالَك بالقصّة في تفصيلها هذا، أن زميلاً أقصى زميله عن قيادة تشكيل نقابي سوري، وإنما ستذهب إلى العميق والجوهري في الحالة نفسها، أي إلى ما يتجاوز “حدّوتَها” إلى السؤال عن السبب الذي يجعل عشرة زملاء (وربما أصدقاء)، فنانين منشغلين بالجمال والحرّية والإبداع ورقيّ الذائقة، عارضوا نظام الاستبداد في بلدهم عقوداً، غير قادرين، في أقلّ من شهرين، على تنظيم خلافاتهم، وتسيير نقاشاتهم بكيفيّةٍ تُوازن بين تعدّدية آرائهم ودورهم الخاص في مرحلةٍ انتقاليةٍ تعبُر فيها النقابة المهمّة من طوْرها الراهن إلى تنظيم انتخاباتٍ وتفعيل حضورها ومؤسّسيتها… لهذا السؤال أهميّته، بالنظر، أولاً، إلى ما يروج في فضاء النقاش السوري الراهن والغزير، أن السوريين غير قادرين على العمل الجماعي المنظّم، السوريين في المطلق، ومنهم الدعاة إلى نبذ التفرّد والاستبداد وإلى المضي بالمجموع العام إلى بناء دولةٍ تنهض على مؤسّسات وهياكل شرعية، عمادُها الانتخابات والكفاءة والجدارة، وتأسيساً دائماً على المواطنة والعدالة الاجتماعية. والفنانون العشرة في مجلس النقابة الذي عيّنه رئيس الوزراء السابق، محمد البشير، من هؤلاء حكماً، لكنهم لم يستطيعوا أن يسيّروا شؤون مجلسهم بالتوافق والتفاهم والتراضي والحوار والتداول المسؤول، بل ذهبوا إلى منازعةٍ أضحكت الناس عليهم ربما.
لمراقبٍ من بعيد، ومن غير السوريين، محبٍّ لهم، ناصر ثورتهم، ومستغرقٍ في تطلّعهم إلى بناء دولتهم العادلة القوية المشتهاة، أن يلحظ أن الذي جرى أخيراً في مجلس نقابة الفنانين المعيّن جرى شيء مثله أو قريب منه في رابطة الكتّاب السوريين، بعد أقلّ من عامين على قيامها (أُعلنت في القاهرة في 2012)، لمّا جرت تلك الانسحابات والانشقاقات منها، بل وتشنيع بعضٍ على بعضٍ آخر في هيئاتها القيادية. وللمراقب نفسه أن يتذكّر تلك الزوابع المبكّرة في جسم الائتلاف الوطني السوري المعارض، وتلك الحدّة في الخلافات، وبعضُها غريبٌ وعجيبٌ ويكاد يكون مفهوماً. ولئن يلزم أن تتوطّن فينا، إن كنّا حقّاً في ضفة الديمقراطيين، القناعة بتعدّد الآراء واختلافها، فإن مما يلزم توطّنه في أفهامنا أيضاً أن تعايش الأفكار والاختلافات والبحث الدائم عن المشتركات من أهم قاطرات المضيّ في بناء المؤسّسات، وفي تنظيم عمل المؤسّسات الأهلية والنقابية والاجتماعية. والظاهر أن الموات السريع الذي لحق بالمجلس الوطني السوري، ثم التبعثر الذي صار فيه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ثم التوزّع والتذرّر في منصات هنا وهناك، ذلك كله دلّ على أن نخب المعارضة لم تتمكّن من تأسيس إجماعات وأرضيات وطرائق عمل متوافق عليه للمضي في مشروع التخلّص من نظام الأسد.
قد يذهب مجتهدٌ إلى شيء من التزيّد ربما، أو ربما يكون على بعض الحقّ، عندما يرى في تحفّظ السلطة الراهنة، وعدم حماسها لانفتاح واسع على القوى والتشكيلات المدنية والثقافية والأهلية، وعدم تحبيذها إشراك فاعلياتٍ أعرض من خارج دوائرها في السلطة وعملية صنع القرار، قد يذهب هذا المجتهد إلى صحّة هذا الامتناع الذي تُرابط عليه هذه السلطة، سيّما في ظرفٍ شديد الحساسية والتعقيد، وهذه واقعة نقابةٍ لفنانين سوريين واحدٌ من شواهد يسند وجاهة قولٍ كهذا، سيّما وأن الذي ظهر أمام الجميع أن هؤلاء لا يدركون هذه الحساسية وهذا التعقيد… والله أعلم.
العربي الجديد