أحمد الشرع… الابن: آباء كثيرون ولا صدفة فيهم/ حسام جزماتي

13-05-2025
في غمرة السجال حول دعوة الحكومة العراقية رئيسَ المرحلة الانتقالية في سورية لحضور القمة العربية المُزمَع عقدها في بغداد في منتصف الشهر الحالي؛ تسربت وثائق عن سجن الأخير في العراق، خلال السنوات 2005-2011، إبّان مشاركته في القتال ضد الأميركان.
على هامش الجدل السياسي الدائر هناك عن الدعوة يَهمُّنا أن صور السجلات حسمت أخيراً الاسم العراقي الذي كان يحمله الشرع، بهوية مزورة، في تلك الأيام، وهو «أمجد مظفر حسين علي». وبتحليل الاسم، الذي اختاره ابن الثالثة والعشرين، نستطيع الآن أن نعرف أنه احتفظ بالاسم الحقيقي لجده، علي، ولوالده، حسين، فيما منح نفسه اسماً مركباً يجمع المجد والظفر! وهو ما عاد إليه، بصيغة أو بأخرى، حين اختار لقب «الفاتح» عند تأسيس «جبهة النصرة».
وفي سياق العلاقة المُلتبسة بالأب لا يبدو أن الشاب الجهادي كان ينحو إلى التبرؤ من والده، القومي العربي، التقدمي بتأثير ناصري، العلماني بطريقة أو بأخرى؛ بقدر ما كان يرى في نفسه امتداداً، مجيداً وظافراً، وعملياً، للأب الذي كانت أبرز نشاطاته هي الكتابة.
وفي هذا الحقل من المثير أن نعرف أن الأب اختار لنفسه اسم «أمجد المظفر»، بالألف واللام الدالتين، حين كتب، قبل بضع سنوات، «رواية» تتضمن سيرته الذاتية، بعنوان «الرؤوس الحامية»، وذلك بعدما التقى بولده الأصغر الذي عاد إلى التواصل مع العائلة في مطلع العام 2012 بعد غياب سنوات، وسمع منه حكايات مدة الانقطاع الطويلة ومنها السجن. عاد الوالد إلى الابن الذي أثبت «ظفره» بالاستيلاء على السلطة في 8 كانون الأول 2024، وهو ما سيسجّله الأب أيضاً في كتاب صدر عن دار ميسلون مؤخراً بعنوان «وانتصرت الثورة السورية».
في الأيام الأولى من هذا الشهر كان حسين الشرع موضع اهتمام صحيفتين إسرائيليتين رئيسيتين، هما يديعوت أحرونوت وهآرتس، أبدتا اهتماماً بمنشور كتبه وقتئذ على صفحته في فيسبوك تناول فيه القصف الإسرائيلي الذي طال «قصر الشعب» الرئاسي الذي يقيم فيه ابنه. ومن دون أن يشير إلى القُربى بوضوح، دعا الخبير الاقتصادي، الذي لم يفقد حماسه للقضايا العربية، إلى وضع حد للعدوان ضد سورية وفلسطين ولبنان، وهو العدوان الذي يسعى لإقامة ما يسمى «إسرائيل الكبرى» على حد تعبيره. وقال الأب أيضاً في منشوره إن الدولة السورية الجديدة تتعرض لاستفزاز مقصود وتدمير للقواعد العسكرية والأعتدة مما جرّدها من الأسلحة الفعالة المطلوبة، لكن «لدينا شعب مقاوم تمرَّسَ على القتال وشظف العيش لأربع عشرة سنة»، ونحن أصلاً لا نحتاج لكل تلك الأسلحة، فسلاحنا هو الإنسان… «سنقاتلهم بأظافرنا».
ليس هناك دليل، في الحقيقة، على أن توجهات حسين الشرع تُعبّر عن سياسات النظام الحاكم في دمشق الآن. وقد تجنَّبَ أبو ماهر استثمار هذه العلاقة في صفحته على فيسبوك، مُؤكِّداً على أن ما ينشره يعنيه بالذات، كمواطن سوري يعبّر عن رأيه الخاص. وإن كان من المُلاحظ دفاعه الشديد عن شرعية الحكومة الحالية، وعن معظم توجهاتها.
في الحقيقة لم يظهر الشرع الأب في الصورة العامة إلا في أول أيام عيد الفطر الماضي، آخر أيام آذار بتوقيت العاصمة السورية التي زارها لمدة ليست طويلة. وحينها بادر ولده أحمد إلى تقبيل يده أمام الكاميرات، وسارع الإعلاميون من حاشية الحكم إلى إيضاح أن هذا العجوز بعكّاز، الذي كان يسير في موكب المهنئين الطويل ثم جلس في مكان عادي بين الحضور، هو والد رئيس المرحلة الانتقالية.
لأحمد الشرع آباء كثيرون في الحقيقة. وقد اختار منهم، في استقبال عيد الفطر، الشيخ أسامة الرفاعي، الذي سبق وعيّنه مفتياً للجمهورية قبل عدة أيام، للجلوس على مقعد بجانبه في صدر المجلس. كما اختار أباً آخر، هو الشيخ أبو الخير شكري، قيّم جامع الشافعي الذي نشأ فيه إسلامياً، لوزارة الأوقاف في الحكومة الانتقالية التي اُعلنت في 29 آذار 2025.
لا ينتقي أحمد الشرع آباءَه بالصدفة. فمنذ أن استطاع أمجد مظفر أن يخدع المحققين ويُسجَن كعراقي زعمَ أنه طالب جامعي من حي النبي يونس، الشعبي، في الموصل، أتاحَ له ذلك أن يختلط، في المعتقلات التي تنقَّلَ بينها، بقادة ما يسمّى «دولة العراق الإسلامية» التي ستصبح داعش. وعندما خرج من السجن اعتمد على تبني أحد هؤلاء له، هو أبو مسلم التركماني، لإعادة الارتباط. فعمل تحت قيادته في ولاية نينوى حتى استطاع، عن طريقه، الوصول إلى الأب الأكبر وقتئذ، أبو بكر البغدادي أمير «الدولة»، فأقنعه بقيادته لمشروع تَمدُّدها إلى سورية. وحين اهتزّت العلاقة بالأخير استعان من كان يُعرَف حينذاك بأبي محمد الجولاني بأبٍ آخر هو نائب الأمير أبو علي الأنباري، الذي كان يُراسله بصيغة «الوالد العزيز»، لتزكيته مجدداً. إلى أن بلغ الشقاق بين الطرفين أقصاه، فانتقل إلى كنف والد الجميع؛ زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
لم يترك أحمد الشرع؛ أمجد مظفر؛ الجولاني، سوى الخيبة والحنق في أنفس آبائه الجهاديين الذين اتفقوا على أن بُنوَّته مُخادِعة. فلم يستطع أحدٌ منهم تطويقه بلياقات الأبوة المعنوية ولا إلزامه بمتطلبات البيعة الشرعية. وتمكَّنَ، منذ أن فكَّ ارتباطه بالقاعدة في صيف العام 2016، من أن يستقلَّ بتنظيمه الخاص، ثم يبسط سيطرته بالتدريج على المناطق المحررة في إدلب وجوارها. لكن القفزة المفاجئة إلى دمشق أجبرته على إعادة إدراج قيده في «الشام»، طالباً من شيوخها تبني حكمه «الأموي».. حتى حين!
موقع الجمهورية