مسيحيو الجزيرة السورية لا يشعرون بالأمان والثلثان هاجروا/ ريمون القس

13 مايو
2025
يُعرَف مسيحيو المشرق بتفضيلهم الهجرة أكثر من مواطنيهم من الطوائف والإثنيات الأخرى، لشعورهم بعدم الاستقرار في أوطانهم، وهي أسباب دفعت معظم مسيحيي منطقة الجزيرة الفراتية في سورية (محافظات الحسكة ودير الزور والرقة) سريعاً إلى الهجرة. فالآشوريون تركوا بسنتين ما بنوه بآلاف السنين بعد ان غزا داعش شريط القرى الآشورية 2015 فقتل 15 وخطف 227.
مع بداية الحراك الثوري في سورية في العام 2011 وما تلاه من سنوات عجاف تناقصت أعداد المسيحيين كثيراً، ليصبحوا أقلية غير فاعلة في محيطهم المتضمّن جيرانهم العرب والأكراد والإيزيديين واليهود وغيرهم من الأقوام والأديان.
في القرن الماضي، عانى مسيحيو الجزيرة؛ وخاصة القامشلي كبرى مدن محافظة الحسكة في شمال شرق سورية (وكان معظم سكّانها من المسيحيين) من ظروف قاهرة دفعتهم إلى الهجرة.
وكانت أسباب الهجرة اقتصادية اجتماعية بالدرجة الأولى، ومرتبطة بدرجة أقل بالظروف السياسية؛ منها انسداد آفاق العمل، والتحصيل الدراسي، والتطلع إلى مستقبل أفضل في دول الغرب، ولكن بعد 2011 اختلفت الظروف لتصبح الأسباب أكثر من ذلك بكثير.
قال عبد المسيح قرياقس؛ وهو معارض ومعتقل سياسي سابق في عهد الرئيس حافظ الأسد (1975-1992) لـ “سورية الجديدة” إن “السبب الرئيس لهجرة المسيحيين من منطقة الجزيرة وعموم سورية عدم شعورهم بالأمان، وبدأ نزيف الهجرة المسيحية الحقيقي بعد العام 1975 مع دخول الجيش السوري لبنان خلال الحرب الأهلية، وضرب القوة السياسية المسيحية، وإضعاف مسيحيي الجزيرة وسورية عموماً مع مسيحيي لبنان، فأصبحت أجهزة الأمن السوري تطلق على المسيحيين في الجزيرة وسورية لقب (الكتائبي) في إشارة إلى تخوينهم وتعاملهم مع العدو الإسرائيلي، إذ كان هناك شريحة كبيرة من أهالي الجزيرة يعملون في لبنان في تلك السنوات طلباً للرزق، فأصبحت تهمة سهلة وجاهزة لحصار المسيحيين، والقبض على من يشاؤون من المعارضين”. وأضاف: “هناك سبب قد يكون أهم وهو مجيء الخميني 1979 وإقامته لدولة إسلامية، وفرضه الحرب على العراق الشقيق، وهو ما تسبّب بخوف لدى المسيحيين من أنه في حال انتصار إيران على العراق، فإن مسيحيي سورية سيصل إليهم الضرر، فازداد قلقهم من العيش في الشرق؛ إذ كان هناك تعاطف كبير بين مسيحيي الجزيرة ونظام حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق”. وأكد قرياقس أن “هدف النظام السوري في تلك السنوات كان دعم شيعة لبنان المُهمَلين ليصبحوا سادة لبنان بدلاً من المسيحيين والسنة”. وأوضح: “كان مسيحيو الجزيرة يتعاطفون مع الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، ويردّدون أغاني الحرب العراقية ضد إيران، في وقتٍ كان فيه النظام السوري آنذاك متحالفاً مع النظام الإيراني في حربه ضد العراق الذي يضم مسيحيين كثيرين، فشعر مسيحيو الجزيرة المتاخمة لبلاد الرافدين بأنه في حال خسارة العراق في الحرب سيصبحون هم أيضاً عرضة للخطر”.
وقال إن “عملية الاعتقال الكبرى التي تمت لتنظيمه – الذي كان قيادياً فيه في محافظة الحسكة في 1975- قبضت المخابرات السورية على نحو ثلاثة آلاف شخص من عموم سورية ممن سمّتهم “بعث العراق”، وكان نصيب محافظة الحسكة 41 شخصا؛ أكثرهم مسيحيون، وجميعهم كانوا مرموقين في المجتمع ما رفع درجة الخوف من السلطة الحاكمة”. وأضاف: “في ثمانينيات القرن الماضي، تم اعتقال وملاحقة كثير من المواطنين المسيحيين بسبب مشاربهم السياسية المتنوعة المعادية النظام السوري آنذاك”.
العامل الاقتصادي
كانت سورية في زمان حزب البعث تعاني من البطالة والفقر، وضعف المنافسة والفساد المستشري على جميع الصعد، وكانت حصة منطقة الجزيرة مضاعفة مقارنة بباقي المحافظات؛ نظراً إلى بعدها الجغرافي عن العاصمة دمشق، ولأسباب سياسية واجتماعية متنوعة كثيرة، على الرغم من أنها كانت تعتبر السلة الغذائية لسورية ومركز معظم النفط والغاز والقطن والقمح في البلاد.
وقال قرياقس: “كانت الحسكة مهملة من حكومة المركز، وكانت تعاني من عدم توفر فرص عمل وخاصة الحكومية، عدا عن إهمال الزراعة، بالإضافة إلى قلة المياه والجفاف الذي أصاب المحافظة سنة بعد أخرى”. وأضاف: “بين العامين 2000 و2011 كانت أسباب هجرة المواطنين المسيحيين في الجزيرة في أكثرها اقتصادية. ومع انطلاق الحراك الثوري في 2011 أصبحت أسباب هجرتهم أمنية بالدرجة الأولى؛ حيث بدأوا يشعرون بأنه لا مكان لهم في وطنهم”.
بعد 2011
ويرى قرياقس أن “السبب الرئيس لهجرة المسيحيين من منطقة الجزيرة وسورية مع تصاعد العنف في بلدهم عدم شعورهم بالأمان وخاصة بعد 2013 عندما سلّم نظام الأسد البائد مسؤولية الأمن في محافظة الحسكة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي شكل في ما بعد الإدارة الذاتية، وفي الوقت نفسه، ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، هذان الأمران كانا السبب الحاسم للهجرة المكثفة”. وأفاد قرياقس بأنه كان مديراً لجمعية اجتماعية في القامشلي تم تأسيسها في 2005 وكان عدد منتسبيها أكثر من 300 عائلة مسيحية وفي 2015 أصبحنا نحو 30 عائلة فقط، بعد أن هاجر معظمهم إلى السويد وهولندا وألمانيا”.
ولا توجد إحصائيات رسمية أو دقيقة لأعداد المسيحيين في القامشلي وعموم منطقة الجزيرة، ولكن أعدادهم قبل العام 2011 كانت بضعة آلاف في محافظة دير الزور، وأقلّ منهم في محافظة الرقة، وحالياً أعدادهم في هاتين المحافظتين أقل بكثير، لتبقى أكثريتهم الساحقة في القامشلي.
وقال قرياقس إن “الهجرة لم تنقطع لدى المسيحيين عموماً لأسباب منها اقتصادية أيضاً، حيث معظم الشباب والعمال لم يجدوا فرصاً مناسبة لتوفير المعيشة. أما الذين حصلوا على شهادات جامعية، فلم يجدوا وظائف مناسبة، والأطباء بشكل خاص والخرّيجون الجدد لم يجدوا أي إمكانية لفتح عيادات خاصة، وكل من استطاع هاجر بأي طريقة”. وأضاف: “الآن، بعد سقوط النظام، حصل نوع من الفراغ الأمني والوطني وعدم شعور المسيحيين بأن وطنهم مستقرّ ما أدى إلى تفكير شريحة جديدة بالهجرة التي باتت تكلفتها باهظة مادياً. وعلى الرغم من تصريحات بعض الدول الغربية بعدم قبول مهاجرين سوريين بعد سقوط نظامهم”. وأكد قرياقس أن “المواطن المسيحي لا يعيش إلا في ظروف آمنة وبجو تسوده الحرية”. وقال إن الأحداث التي شهدها الساحل السوري خلال مارس/ آذار الماضي “ألقت بظلال من الخوف، وعدم الاستقرار، وتسريع الهجرة من البلد بالإضافة إلى بعض الأحداث التي تبرّرها الدولة بتصرفات فردية، لكنها تترك أثراً سلبياً في نفوس المواطنين المسيحيين مثال الأحداث التي جرت في منطقة باب توما والقصاع بدمشق وحمص وغيرها”.
هجمات غير مسبوقة
قال قرياقس إن “2015 و2016 كانتا سنتين رهيبتين على أهالي القامشلي وعموم الحسكة بسبب الهجمات غير المسبوقة التي استهدفت الوجود المسيحي في المنطقة، وراح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى جميعهم من الشباب والوحيدين وكان الهدف واضحاً هو دفع من تبقوا من المسيحيين إلى الهجرة، وضرب مصالحهم الاقتصادية، وخاصة المطاعم المشهورة في القامشلي”. وبالفعل، شهدت القامشلي أحداثاً غير مسبوقة استهدفت الوجود المسيحي؛ مثل وضع حقائب مفخّخة بالقرب من مطاعم وحانات راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى المدنيين، وجميعهم من شريحة الشباب، وكثيرون منهم وحيدون لأبويهم، وهجوم انتحاري نفذه شخصان (على الأقل) في حي مسيحي، إذ فتحا نار رشّاشاتهما على محلات تجارية (بوظة، إنترنت، مشروبات روحية) في قلب أشهر حي مسيحي، ورموا قنابل يدوية على المحلات. وبعد أن نفذت ذخيرتُهما، اقتحم كلٌّ منهما محلاً تجارياً وفجر نفسه ما تسبب بدمار هائل، بالإضافة إلى هجوم انتحاري استهدف مار أغناطيوس أفرام الثاني؛ بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، ومقرها دمشق، وذلك خلال زيارة كان يجريها إلى القامشلي وغيرها من الحوادث التي اعتبر المسيحيون أنها تستهدفهم بالذات.
وليس أخيراً الهجوم العنيف الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يوم 23 فبراير/ شباط 2015، على قرى الآشوريين الممتدّة على الشريط الجنوبي لنهر الخابور في محافظة الحسكة، وكانت حصيلة المعارك مصرع 15 مسيحياً مدنياً، وخطف نحو 227 مدنياً مسيحياً؛ معظمهم نساء وأطفال وكبار في السن، وجرى الإفراج عن معظمهم على مراحل بعد دفع فدىً مالية كبيرة، وجرى تصوير إعدام بعض المخطوفين. وبعد تحرير قرى الخابور على يد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أميركياً، اختفى أثر بعض المخطوفين؛ جميعهم تقريباً فتيات تزوجهم مقاتلون من “داعش”.
وقال قرياقس: “كان النظام السوري والإدارة الذاتية الكردية يلاحقان الشباب؛ ومن ضمنهم المسيحيون بهدف ضمهم إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، من خلال التوقيف والاعتقال والاختطاف من الشوارع، وزجّهم ضمن معاركهم، وفقد بعضهم حياته وهو ما دفع عائلاتٍ كثيرة إلى الهجرة مع أبنائهم لإنقاذهم من تلك الأوضاع”. وأفاد بأن “بعض العائلات المسيحية هاجرت بسبب إغلاق الإدارة الذاتية الكردية مدارس الدولة السورية وفرض مناهجها المؤدلجة، ما تسبّب بهروب عائلاتٍ عديدة؛ إما نحو محافظات يسيطر عليها النظام السوري أو باتجاه الدول الأوروبية”.
وقال قرياقس: “خلال الأعوام 2012 ـ 2014 شهدت مدن الحسكة والقامشلي والقحطانية وعموم المحافظة عشرات حالات الخطف لأشخاص مسيحيين وطلب فدًى مالية ضخمة ما دفع كثيرا من الأغنياء وأصحاب الشهادات، وخاصة الأطباء، إلى الفرار والهجرة”. وأوضح: “شهدت محافظة الحسكة ومنطقة القامشلي وريفها بالذات اعتداءات على أراضٍ زراعية تعود ملكيتها لمواطنين مسيحيين بسبب الفراغ الأمني الذي شهدته المنطقة، وتم منعهم من استثمار الأراضي وزراعتها ما جعل كثيرين من المسيحيين يشعرون بعدم وجود دولة حقيقية تحميهم وتنصفهم ضد الاعتداءات على ملكياتهم الخاصة”. وأضاف إن “منطقة الجزيرة تشهد ازدواجية في السلطة وهو ما كان له دور في عدم شعور المواطن المسيحي بالاستقرار، وبالتالي حدوث انقسام سياسي في بعض المجتمع المسيحي، ربما بسبب الحذر والخوف ما جعلهم يلجأون إلى الانتظام مع الطرف الكردي”.
نزيف الهجرة الأول
وقال المسؤول في المنظمة الآثورية الديمقراطية، بشير إسحق سعدي، لـ”سورية الجديدة” إن “هجرة المسيحيين السوريين بدأت في 1958 عندما رفض الحزبان، الشيوعي السوري والسوري القومي الاجتماعي، الانصياع، وحل نفسيهما حين فرضت الوحدة بين سورية ومصر (1958-1963) حل جميع الأحزاب في البلدين، وهو ما فجّر موجة اعتقالات ومطاردات طاولت عناصر الحزبين، وكان معظم المنتسبين للحزبين الشعبيين من المواطنين المسيحيين”. وأوضح سعدي “أن سياسة الرئيس المصري جمال عبد الناصر كانت أحد أسباب هجرة المسيحيين إبان حكمه بالإضافة إلى سبب اقتصادي، إذ شهدت سورية خلال الوحدة ثلاث سنوات جفاف؛ ما دفع كثيرين من مسيحيي الجزيرة الذين كان معظمهم يعملون في الزراعة إلى الهجرة باتجاه لبنان”. وأضاف أن “قوى الانفصال غيرت اسم الدولة من الجمهورية السورية إلى الجمهورية العربية السورية في 1962، وبعد وصول حزب البعث إلى السلطة في 1963 بدأ بسياسة التعريب كتغيير أسماء القرى والمدن والمحلات التجارية إلى أسماء عربية، وقمع الحرّيات بجميع أشكالها وتحويل سورية في ما بعد إلى مزرعة. وبدأت السلطات بقمع الحياة السياسية، ومصادرة الحريات، واحتكر “البعث” الحياة السياسية، وأسّس ما يعرف بالجبهة الوطنية التقدّمية التي كان “البعث” يقودها، وبدأ الفساد وهيمنة المخابرات على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعدم تطبيق القانون والدستور، وفي 1969 جرى إغلاق المدارس الخاصة التابعة للطوائف المسيحية، ومصادرة كاملة لبعضها، مثل مدارس الكاثوليك في حلب ومدارس الفرانسيسكان ومدارس الفرير ومدرسة جورج سالم، وبعض مدارس القامشلي؛ مثل مدرسة الراهبات التابعة للأرمن الكاثوليك، وتقييد عموم المدارس الخاصة وجميع أصحابها من المسيحيين؛ مثل فرض مدير من دوائر التربية الحكومية عليها، ومنع تدريس اللغة السريانية، وقرارات الإصلاح الزراعي، والاستيلاء على مصانع ومعامل ومنشآت زراعية كانت معظمها لمواطنين مسيحيين، وتقييد كل الحياة الاقتصادية.. وفرض قانون الطوارئ في البلاد”.
وقال سعدي إن ستينيات القرن الماضي شهدت زيارة وفد حكومي سويدي إلى لبنان، وقدّم تسهيلات لتسفير السريان حصراً إلى الدولة الإسكندنافية العجوز، وكان هناك جالية سريانية كبيرة في لبنان، وجرى نقلهم إلى السويد مجاناً. وأضاف: “أما نزيف الهجرة الحقيقي الآخر فبدأ في 2011 لأن المسيحي عندما يفقد الأمل، وتحين الفرصة كما حدث بعد 2011 أن فتحت كثير من دول أوروبا أبوابها، يجد أن الهجرة هي الحل”. وختم سعدي حديثه عن الذاكرة الجمعية لدى مسيحيي المنطقة؛ ووصفها بأنها “مليئة بقصص مؤلمة وأحداث سلبية كثيرة بحق المسيحيين كمجازر بدرخان، وهكاري في القرن التاسع عشر، وسيفو 1915، وسيميل 1933 وغيرها”.
“المسيحي يحب السلام”
وقال مطران أبرشية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس، مار موريس عمسيح، لـ”العربي الجديد”؛ إن “المسيحي مسالم يحب السلام، يحب زرع المحبة بين كل الناس، وعندما يشعر بخطر، مثلما حصل منذ 2011، يخاف على مستقبل أولاده ويفضل الهجرة إلى أماكن أكثر أماناً وخاصة دول أوروبا وأستراليا والأميركتين، ونحن هنا اليوم في أرضنا وبين شعبنا نصلي إلى الله أن يضع الأمن والأمان في بلادنا، ولكننا لا نمنع أحداً أبداً إذا هو فضّل الهجرة أن يهاجر، نصلي له حتى يوفقه الرب، وإذا أراد البقاء في أرض الآباء والأجداد أيضاً نصلي له حتى يحميه ويبعد جميع المخاطر والمشكلات عنه وعنا وعن المنطقة”. وأفاد مار موريس، وهو مطران أكبر طائفة مسيحية في عموم الجزيرة بأن في 2011 كان يوجد أكثر من 150 ألف مسيحي في الجزيرة واليوم بقي نحو 50 ألف نسمة في كل الجزيرة، “أي هاجر ثلثان وبقي الثلث وأغلب من بقي اليوم مستقرٌّ في أرضه مهتم بزراعته أو يتاجر في حانوته، والطبيب في عيادته، والمهندس في مكتبه، والصيدلي في صيدليته، والمحامي في مكتبه، والقاضي في محكمته. نصلي إلى الله أن يبعد المصائب والأخطار عن الجميع حتى يعيشوا بأمن وأمان وسلام”. وأضاف: “بالنسبة لنا نحن السريان، كنا قبل 2011 نحو 16 ألف عائلة وبقينا اليوم نحو خمسة آلاف عائلة، أي ثلثا السريان هاجروا، ونصلي لهم حتى يوفقهم الرب وأصبحوا سفراء للأهل والوطن في دعم أبناء بلدنا وشعبنا وأهلنا وكل إنسان مهاجر يساعد أسرته وعائلته”.
أزمة الامتحانات
للحفاظ على المسيحيين في الجزيرة؛ أوصى مار موريس بضرورة “دعمهم ومساعدتهم في كل شيء، وخاصة في موضوع التعليم والمدارس، لأن الأهالي عندما يرون أبواب المدارس تغلق ولا يسمح لامتحانات التاسع والبكلوريا أن تجري في موعدها، كان على جميع الأطراف أن يسعوا أكثر وخاصة في ظل وجود 40 ألف طالب وطالبة تاسع وبكالوريا اليوم مجبرون على السفر إلى مدن الداخل، كي يسجلوا في دير الزور وحلب ودمشق وحمص وأي محافظة أخرى، وهذا أحد أكثر الأسباب العاجلة المسببة فقدان أبنائنا للاستقرار في سورية وفي الجزيرة بشكل خاص”. وقال مار موريس: “الوضع الاقتصادي سيئ والوضع الأمني جيد، ولكن الوضع الاقتصادي من ناحية المحروقات وكثير من الأمور المعيشية ليس مستقراً، إذ لا يستطيع المواطنون؛ مسيحيين ومسلمين، تأمين أبسط مقومات الحياة، والناس في حالة يرثى لها”. وأضاف: “أتمنى من إخوتنا في الإدارة الذاتية الكردية أن يساعدوا في دعم جميع المكونات وخاصة المكوّن المسيحي للحفاظ عليه من جميع النواحي؛ الأمنية جيدة جداً، ولكن النواحي الاقتصادية تتسبب بتفريغ المنطقة من المسيحيين، فأتمنى من أخوتنا في القيادة وفي الإدارة الذاتية مساعدة المسيحيين”.
ويعيش عشرات آلاف طلاب شهادتي الإعدادية والثانوية وأهاليهم في محافظة الحسكة حالة رعب حقيقية بسبب عدم توصل حكومة دمشق والإدارة الذاتية التي تسيطر على جميع مدارس المحافظة، لحد الآن، إلى حل يفضي بتقديم هؤلاء الطلاب امتحاناتهم التي باتت على الأبواب في مدارس محافظتهم، وهو ما دفع آلاف العائلات في الحسكة إلى السفر إلى محافظات أخرى لتقديم أبنائهم امتحاناتهم هناك. وفي المقابل، هناك آلاف العائلات غير قادرة على السفر وتحمل التكلفة المرتفعة والمجهود المضني.
“المسيحي الأكثر تفضيلاً للهجرة”
وأفاد نائب المطران ليفون يغيايان للأرمن الأرثوذكس- وكالة الجزيرة؛ ثاني أكبر تجمع للأرمن الأرثوذكس في سورية بعد حلب، بأن “السوري المسيحي ربما يكون أكثر المواطنين تفضيلاً للهجرة، حين يشعر بالقلاقل وعدم الاستقرار في النزاعات والاضطرابات، لأنه يمتلك ذاكرة لأحداث سلبية كثيرة شهدتها المنطقة خلال المائة سنة الأخيرة”.
وقال أرفع رجل دين أرمني في الجزيرة لـ”سورية الجديدة” إن “المسيحيين السوريين مواطنون فاعلون في الجزيرة وعموم سورية، وحين يشعرون بالخطر على حياتهم أو أعمالهم فإنهم يفضلون الهجرة، وخاصة حين تقدم الدول الغربية تسهيلات لهجرتهم”. وأضاف: “نحن كرجال دين لا نفضل الهجرة والشتات لرعيتنا، بل نرغب أن يبقوا في وطنهم حتى تهدأ الأحوال وتتحسّن الظروف. ولكننا، في الوقت نفسه، لا يمكننا منع الناس من الهجرة، وخاصة إذا تعرّضت حياتهم أو حياة أبنائهم للخطر أو فقدوا أعمالهم ونشاطاتهم الاقتصادية”، مطالباً بتقديم “الدعم بجميع أشكاله وخاصة لفئة الشباب وتشجيعهم على الاستقرار، والإقدام على الزواج وتأسيس حياتهم الخاصة”.
العربي الجديد