مقالات تناولت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لفرنسا

تحديث 13 أيار 2025
مقالات تناولت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لفرنسا تحديث 06 أيار
مقالات تناولت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لفرنسا تحديث 10 أيار
—————————–
الشرع يخطو إلى الأمام/ فاطمة ياسين
11 مايو 2025
يمكن اعتبار دخول الرئيس السوري أحمد الشرع فرنسا ضمن باب الحدث التاريخي لسورية الجديدة، ليس احتفاءً بالشرع ولا رغبة في تسجيل النقاط لصالحه، بل بوصفها أول زيارة لدولة غربية يقوم بها رئيس سوري منذ نحو 20 سنة… خيّم على سورية طغيان استمر أكثر من نصف قرن، حُرمت البلاد خلاله التواصل السليم مع دول العالم. واليوم يزور الرئيس السوري باريس بدعوة رسمية، وهي أول عاصمة أوروبية يتمكّن الشرع من الوصول إليها، حاملاً ماضياً يعرفه الجميع، يحاول أن يمسحه ويستعيض عنه بحاضرٍ من نوع آخر. وقد تكون هذه الزيارة بوّابته لهذا التأريخ الجديد. لذلك، لا أعتقد أنه جاء من باب المصادفة الاستعراض المصوّر الذي مهّد له فريق الشرع ببث فيديو قصير يَظهر فيه مع وزير الخارجية الشيباني وهما يلعبان كرة السلة في إحدى صالات القصر الجمهوري، مظهرين فرحاً “عفوياً” لحظة تسجيل الأهداف.
تأتي هذه الزيارة تحت العناوين التي أعلنها الشرع لنفسه حين أصبح رئيساً للبلاد، وقد ألزم بها نفسه للعبور نحو سورية مستقبلية لملاقاة لحظة حضارية فارقة، كان الشرع شاهداً على سلوك النظام الهارب وطريقة حكمه المشينة التي أودت بسورية إلى أخفض درك، ويعرف أيضاً أن التواصل مع الغرب بوابة ضرورية للنهوض بسورية، بحكم موقعها وإمكاناتها، وقد أوصل رسائل كثيرة بهذا الخصوص في كلماته التي ألقاها في مناسبات عديدة، أو من خلال سلوكيّاته التي يحاول فيها أن يظهر ذلك التقرّب. فمنذ اللحظة الأولى، وقبل أن يدخل دمشق، فُتحت السجون وأخرج كل المساجين، ومعظمهم كان موقوفاً لعلة سياسية، وكافح صناعة الحبوب المخدّرة، التي اكتشفنا أنها أضخم مما كنّا نتخيّل. فقد ضُبطت المصانع التي كانت في الملاحق السكنية لرؤوس النظام ومسؤوليه، وفي المزارع القريبة من العاصمة، والتي كانت تُدار جميعاً بمعرفة الفرقة الرابعة سيئة السمعة، ثم أوقف على الفور كل تعاون أو اتصال مع إيران وتوابعها. وقد حاولت إيران من طريق وسطاء أن تتقرّب من الشرع، لكنها وجدت طريقاً مغلقاً، وغير قابل للاختراق، فلجأت، على ما يبدو، إلى محاولات تشويش، وهي ليست بعيدة، في أي حال، عن حوادث الساحل المؤسفة وتأجيج مجاميع الفلول. ثلاثة من أهم البنود التي طالب بها الغرب نُفِّذَت على الفور، وهي وإن كانت مطلباً دولياً، فإنها أيضاً تصبّ في الصالح العام السوري، وقد انعكس أثرها الفوري على شكل انفراج اقتصادي، وإن بشكل بسيط.
كان وجه ماكرون باسماً، ورحّب بضيفه ووصفه بالقائد المناسب، وأعاد تكرار المطالبات عينها التي طالبت بها الإدارة الأميركية، واختتم كلامه بالنظر في عيني الشرع، قائلاً: أعتمد عليك! بوابة غربية مهمة مرّ الشرع منها، ويمكن البناء على هذه الخطوة، خطوات أخرى، خصوصاً وقد تلقى الشرع وعوداً بالعمل على رفع العقوبات عن سورية، وبعضها قد رُفع بالفعل، واستُثني بعضها الآخر، ما مكّن قطر من التكفل برواتب العاملين المدنيين في قطاعات الدولة، وهذا شريانٌ مهم يُكسب الدولة زخماً في العمل، ويعيد تزييت صوامل الحركة في السوق، بعد صدأ أصابها سنوات طويلة.
يعرف الشرع أن مهمته عسيرة، وأكبر تحدّ لها إرساء الأمن الذي يجب أن يتحقق قبل النهوض الفعلي بالاقتصاد، فلا بد من تخفيض مناسيب التوتر في كل المناطق، وإن كان الشرع قد نجح في الوصول إلى قلب الاتحاد الأوروبي، عبر إحدى أهم عواصمه، فهو يواجه تحدّياً لا يقل قساوة في الداخل، وهناك مجموعاتٌ ما زالت نشطة لا يناسبها جو الاستقرار، وبالقرب منه توجد إسرائيل التي اعترف الشرع بأنه يحاورها بكيفية غير مباشرة، محاولاً أن يأمن جانبها في الوقت الحالي، فهي طرفٌ خطيرٌ لا يمكن تجاوزه، ويجرّب الشرع أداة الحوار معها لإبقائها بعيدة عن المشهد الداخلي، والتفرّغ لإعادة الهدوء التام إلى الشوارع قبل إعادة البناء.
العربي الجديد
———————————
رسائل ماكرون لتركيا بحضور الشرع/ سمير صالحة
2025.05.11
حتى ولو تباعدت الرؤى التركية الفرنسية في التعامل مع العديد من الملفات الإقليمية فلا شيء يزعج أنقرة في أن يفتح الرئيس ماكرون أبواب قصر الإليزيه أمام نظيره الشرع وأن يدعو الغرب لتسريع خطوات رفع العقوبات عن سوريا الجديدة وأن تتبنى باريس دعم إبقاء سوريا موحدة متماسكة في وجه المشروع الإسرائيلي.
حرص الرئيس إيمانويل ماكرون في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره السوري أحمد الشرع، الذي يزور باريس في أول زيارة رسمية له إلى عاصمة أوروبية بدعوة فرنسية، على توجيه رسالة قوية، لم تخلُ من استعراض للقوة، وكان لتركيا، التي ترى فرنسا أنها تسعى للانفراد بالملف السوري، نصيبها منها. إذا كان الدعم الفرنسي لسوريا الجديدة هو لمصلحة كل السوريين فلم لن ترحب تركيا به حتى ولو أعلنت باريس أنها ستقف إلى جانب الشرع بانتظار تحول الأقوال إلى أفعال؟
يريد ماكرون إقناع دمشق بعدم الإصغاء لما تقوله وتريده أنقرة معولا على طموحات يريد تحقيقها: أن يقود الملف السوري باسم المجموعة الأوروبية، وأن تدعمه واشنطن في ملء الفراغ الذي سيحدث بعد إنسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات ، وأن تسهل له تل أبيب مهمة تأمين الضمانات التي تريدها هناك من دون التصعيد العسكري والأمني الذي سيوتر الوضع أكثر فأكثر، وأن يحصل على دعم بعض العواصم العربية التي يقلقها تمدد النفوذ التركي في سوريا ويهمها لعب الورقة الفرنسية ضد أنقرة عند اللزوم.
بين أهداف ماكرون في سوريا وتحريك أوراق “قسد” وإسرائيل والدعم الأوروبي والتوغل في الملف اللبناني والحصول على بعض الدعم العربي لمواجهة النفوذ التركي نيابة عن الجميع. العقبة الأكبر هي مواقف ترمب وتصريحاته حول أن تركيا هي التي فازت في سوريا وإقناع واشنطن بتغيير مواقفها.
لماذا تنزعج أنقرة من حوار فرنسي سوري يرحب بدعم اتفاق “قسد” ودمشق وبضرورة تنفيذ بنوده؟ ومن موقف فرنسي رافض للممارسات والاعتداءات الإسرائيلية ضد سوريا؟ ويدعو لتسهيل رفع العقوبات الغربية عن السلطة الجديدة؟
لأن ماكرون يصر على إبقاء آلاف الدواعش في سجون “قسد” وتحت رعايتها وضرورة محاكمتهم حيث هم في سوريا والعراق، وعدم استردادهم. ولأنه يقول أن الانتقادات التي يوجهها البعض في الداخل الفرنسي بسبب حواره مع القيادة السورية في دمشق ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار التمدد التركي في سوريا “لا تتعاونوا معهم ودعوهم تحت نفوذ الأتراك”.
ماكرون يرديد استرداد بعض ما فقدته فرنسا على خط الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب القوقاز لصالح اللاعب التركي في الأعوام الأخيرة وهذا من حقه. لكنه يريد من قيادة الشرع أن تسهل له المهمة وتعطيه ما يريد في سوريا تحت عنوان “الحوار المفيد والصارم”.
تريد فرنسا أن تعود لإنشاء خط الربط الاستراتيجي القديم بين لبنان وسوريا بعد تراجع نفوذها على أكثر من جبهة. وهي لا تريد التخلي عن ملف شرق المتوسط وخطط استخراج وتصدير الغاز ونسف التكتل السباعي الذي شيدته قبل 5 سنوات بدعم إسرائيلي يوناني. كما أنها تحمل أنقرة مسؤولية ذلك خصوصا في بلدان الاستعمار الأفريقي وجنوب القوقاز وخسارة الملف الأرمني هناك لصالح تركيا وروسيا.
وضع ماكرون على رأس لائحة المطالب التي يريدها من الشرع تسريع المرحلة الانتقالية وإنجاز وعود التغيير والإصلاح السياسي والدستوري والاجتماعي، لكنه لم يهمل “ضرورة طمأنة” إسرائيل، وتفعيل الحوار الإيجابي مع لبنان ومواصلة الحرب ضد حزب الله وداعش، والتعاون مع الشركاء الغربيين، والانفتاح على ” قسد “.
ذهب الشرع إلى فرنسا في محاولة لسحب ورقة “قسد” من يد الغرب، لكن ماكرون فاجأه بإعلان “عدم ترك الأكراد السوريين دون دعم فنحن مدينون لهم بالولاء”. أولويات باريس حسب التسلسل الفرنسي في سوريا هي تسهيل إعادة اللاجئين، تأخير انسحاب القوات الأميركية، رفع العقوبات بحسب الأفعال وعلى ضوء تقييم ما بعد 6 أشهر، وتأمين حماية مخيمات “داعش” في شرق الفرات ومحاكمة عناصره حيث هم في سوريا والعراق.
المشجع أكثر من غيره كان أن يسمع الشرع من ماكرون نفسه، أن فرنسا ستعمل على عدم تمديد العقوبات الغربية ضد سوريا، وأن ما تقوم به إسرائيل ممارسات سيئة، حيث لا يمكن حماية أمن بلد ما من خلال تعريض أمن بلد آخر للخطر خصوصا وأن الرئيس السوري أعلن بحضوره عن محادثات غير مباشرة تتم مع إسرائيل عبر وسطاء.
الفارق في المواقف وحجم التنسيق في التعامل مع السلطة السورية الجديدة واضح بين أنقرة وباريس منذ لحظة سقوط نظام بشار الأسد . فرنسا تقول على لسان وزير خارجيتها جان نويل بارو أنها لا تكتب شيكا على بياض وسترصد الأفعال وليس الأقوال . وتركيا سلمت الشيك لأحمد الشرع قبل أشهر طويلة على طريق إسقاط النظام وبناء الدولة السورية من جديد.
تواصل تركيا عرقلة التمدد الفرنسي في أكثر من بقعة جغرافية تباعدت المصالح والحسابات بشأنها . بالمقابل تعمل فرنسا على الحد من طموحات أنقرة الإقليمية، لكن في المشهد السوري لا يمكن لأنقرة تجاهل حقيقة بروز فرنسا كلاعب يقود الملف باسم المجموعة الأوروبية وهي التي بعثت بوزير خارجيتها جان نويل بارو، بصحبة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى دمشق لتهنئة الشرع بتوليه منصب الرئاسة ودعوته لزيارة باريس. وأن فرنسا قد تقود عملية التحول في المواقف السياسية الأوروبية حيال سوريا ومسألة رفع العقوبات عنها، إلى جانب ممارسة المزيد من الضغوطات الأوروبية على تل أبيب لوقف اعتداءاتها على سوريا. وأن ترتيب باريس للمؤتمر الدولي حول سوريا في منتصف شباط المنصرم كان مؤشرا سياسيا مهما باتجاه ترجمة هذه السياسات .
رغم التباينات الحادة بين السياسات التركية والفرنسية في سوريا، تلتقي مصالحهما في ملف تسهيل عودة اللاجئين ومكافحة الإرهاب وعودة الاستقرار مما يخفف أعباء البلدين الأمنية والمادية، ودعم انتقال سياسي يضمن الاستقرار تحت عنوان “سوريا موحدة”.
كما أن كلا الطرفين معنيان باستقرار شرق الفرات رغم الخلاف حول “قسد” ودورها، وفرص التنسيق المشترك في خطط وبرامج إعادة إعمار سوريا.
تملك تركيا الجار السوري الثقل الجغرافي واللوجستي ، وتملك فرنسا بالمقابل شركات ضخمة وشهية للمشاريع العملاقة . فهل تتحرك دمشق للاستفادة من هذا الثقل الوازن والدخول على خط التقريب بين باريس وأنقرة .
تتعامل تركيا مع دمشق كشريك مرن لا كحليف أيديولوجي، ودمشق أيضا تريد توظيف انفتاحها على أنقرة في الداخل والخارج وفق ضرورات ومتطلبات أمنية وسياسية واقتصادية واضحة. من الممكن تحويل ذلك إلى فرصة تقارب وشراكة للبلدين مع فرنسا نفسها على طريق التهدئة الإقليمية بين باريس وأنقرة بعد تراجع الدور والنفوذ الإيراني هناك.
تتقاطع مصالح تركيا وفرنسا في سوريا من باب الواقعية السياسية. تسجيل اختراق ثنائي في سوريا ، سيحمل فوائد استراتيجية للطرفين وللمنطقة، أهمها فتح الطريق أمام خفض التوتر داخل الناتو، وتقليص الفوضى، ومحاصرة النفوذ الإيراني والتصعيد الإسرائيلي، وضمان تحولات آمنة في سوريا.
تحولات المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الشرع، إلى جانب تراجع النفوذ الإيراني، وانكماش الدور الروسي، وظهور إشارات انفتاح أميركي، قد تمنح دمشق هامشًا جديدًا للمناورة. حضور دمشق كحلقة وصل بينهما لم يعد مجرد تفصيل سياسي، بل احتمال استراتيجي قابل للتطور، وهذا قد يتيح لها فرصة لإعادة تموضعها كطرف عربي وإقليمي فاعل يحولها إلى جزء من الحل لا من المشكلة.
تلفزيون سوريا
————————————————
ما المطلوب من سوريا وما الذي تريده فرنسا؟/ د. مثنى عبدالله
حسنا فعل الرئيس الفرنسي إيميل ماكرون في دعوته الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة فرنسا، وهي خطوة مهمة اتخذتها باريس تجاه السلطة السورية الجديدة، وسابقة متقدمة على الأوروبيين والأمريكيين معا. وكما هي العلاقات الدولية قائمة على المصالح واغتنام الفرص، فقد كان هم باريس التموضع بين بريطانيا وألمانيا، حيث الأولى لديها علاقات مهمة مع الحكم الجديد، قبل الوصول إلى السلطة، والثانية تسير مع الأتراك في خطواتهم في سوريا. وإذا كانت هذه الزيارة ليست مفاجئة، باعتبار أن الدعوة تم تقديمها للرئيس أحمد الشرع من قبل ماكرون في مؤتمر دعم سوريا في 13 فبراير/ شباط الماضي، فهي أيضا لم تكن من باب الصدفة. فالبدايات الفرنسية دائما شكلّت عبر التاريخ نقطة دخول لصالح سوريا إلى الساحة الأوروبية، ثم الانفتاح بين الطرفين الغربي والسوري على بعضهما بعضا.
ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء مع حدث اليوم، لوجدنا أن التاريخ يُعيد نفسه، حيث استقبل الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد عام 2001 وتبعته أوروبا. لكن بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، قطعت فرنسا علاقاتها بدمشق وتبعتها أوروبا، ثم عادت سوريا إلى الساحة الأوروبية عام 2008 عن طريق البوابة الفرنسية أيضا.
لا شك أن فرنسا في سعيها هذا لإعادة سوريا إلى المسرحين الأوروبي والأمريكي ليس عفويا، بل هي تسعى لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية، فعودة نفوذها إلى أية بقعة في العالم، جزء مهم من استراتيجيتها، التي تعززت اليوم بعد خروجها خالية الوفاض من الساحة الافريقية، وتوترت علاقاتها بشكل غير مسبوق مع الجزائر، وبالتالي لم يعد أمامها إلا التركيز على تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أنها لا ترغب في أن يُترك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كلاعب وحيد في الساحة السورية، حيث ما زال التنافس بينهما قائما في هذه المنطقة، ومناطق أخرى من العالم. وقد لاحظنا كيف أنها نجحت في المساهمة في توقيع اتفاق بين حزب الله في لبنان وإسرائيل، واليوم هي تحاول أن تفتح الأفاق أمام النظام السياسي الجديد في سوريا، وتدفع الأوروبيين والأمريكيين للتواصل معه من خلالها، حيث لها قدم السبق في الانفتاح على النظام الجديد، فهي الأولى في زيارة دمشق بعد سقوط بشار الأسد، وهي الأولى في فتح سفارتها في دمشق، واليوم هي الأولى في استقبال الرئيس السوري في باريس. وهذا سوف يفتح البوابة الأوروبية في 27 دولة أمام سوريا الجديدة، غير أن هذه الزيارة لا تعني في أي حال من الأحوال، أن الفرنسيين سيمنحون الرئيس الشرع كل ما يُريد، وقد صرّح بذلك وزير الخارجية الفرنسي في تعليقه على الزيارة قائلا، (نحن لا نمنحه شيكا مفتوحا وسنحكم عليه بناء على أفعاله)، أي أن هناك مطالب غربية عليه أن ينفذها، وربما يمكن القول إن التقييم الغربي للنظام السوري الجديد سوف يعتمد على ثلاثة عناصر، ضمانة سوريّة على مكافحة الإفلات من العقاب، مشاركة كاملة في التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، والحد من العنف الطائفي. وقد رد الرئيس الشرع على هذه المطالب قائلا، (أعتقلنا الخارجين عن القانون، وشكّلنا لجنتين الأولى للتحقيق في الحوادث، والثانية لإستعادة السلم الأهلي والتواصل مع المجتمعات المتضررة)، وأردف قائلا، (ناقشنا التعاون في مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية، مع تقييم مساهمة فرنسا في هذا الشأن). وكل هذه رسائل سورية مهمة لفرنسا وللاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي أيضا، يؤكد فيها أن النظام الجديد في سوريا سيكون جزءاً من المنظومة الدولية، وسيلتزم بالقانون الدولي، وسيمتنع عن التدخل في شؤون الدول المجاورة. والأهم من كل ذلك هو ما يريده المجتمع الغربي، من أن سوريا ستكون جزءا فعالا في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف في سوريا.
ومع ذلك فإن الوضع في سوريا لا يمكن لفرنسا وحدها أن تأخذ فيه زمام المبادرة، فاللاعبون الدوليون والإقليميون كُثر، فهناك الولايات المتحدة وروسيا، وهناك إسرائيل وتركيا والسعودية وقطر والإمارات أيضا، وكل هؤلاء لديهم مصالح يريدون تحقيقها على الأرض السورية، وقد تتقاطع هذا المصالح، أو تتناسق، وما يهم الشعب السوري والسلطات الجديدة هو تحقيق مصالح سورية أولا، من خلال تنسيق الدعم في الشؤون الإنسانية، وتقديم العون الاقتصادي، وتخفيف بل رفع العقوبات المفروضة على الشعب السوري منذ النظام السابق. ويقينا أن الأولوية التي يبحث عنها الرئيس أحمد الشرع في فرنسا، هي أولوية سياسية وعسكرية وأمنية، لانه لا يمكن تحقيق الرخاء المجتمعي، من دون وجود قوة صلبة تعتمد عليها الدولة في بسط الأمن وتحقيق السلام، والضرب على أيدي الخارجين عن القانون، والتصدي للتهديدات الخارجية. ويمكن لفرنسا المساعدة في تحقيق ذلك، حيث لديها نفوذ قوي في المنطقة الشرقية من سوريا، سياسيا وعسكريا مع قوات «قسد»، وحتى اقتصاديا، من خلال شركاتها النفطية في هذه المنطقة، كذلك لفرنسا نفوذ تاريخي وعلاقات واتصالات مع الطائفة العلوية في سوريا، ويمكنها من خلال ذلك أن تساعد في استتباب الأمن في منطقة الساحل السوري، إضافة إلى إمكانية التأثير على إسرائيل، والوقوف موقفا فاعلا بالضد من العمليات الإسرائيلية جنوب غرب سوريا.
إن الطلب من النظام الجديد بسط سيطرته على كامل التراب السوري وهم كبير، لانه لا يملك الوسائل اللازمة للقيام بذلك، خاصة من ناحية تسليح الجيش السوري الجديد. فكل البنى التحتية العسكرية التي كانت قائمة في البلاد والأعتدة قد تم تدميرها مؤخرا من قبل إسرائيل، في حين توجد قوات «قسد» غير الحكومية بآلاف العناصر، ولديهم أحدث المعدات والعجلات العسكرية والعتاد على الأرض السورية. كما أن هناك فصائل مسلحة توجد في الجنوب السوري، تم تسليحها مؤخرا من قبل بعض القوى الخارجية، كل هذه القوات المسلحة خارج سيطرة الدولة، وكل هذا السلاح لا تحتكره الدولة، فكيف يُطلب من السيد الشرع ضبط الأمن والسلاح المنفلت؟ كما أن الحديث عن أن البوابة الفرنسية أو غيرها من النوافذ الخارجية، هي التي تعطي الشرعية للرئيس الشرع وحكومته، إنما تلك أضغاث أحلام، فالبوابة الوحيدة لكسب الشرعية والتي يمكن أن يعتمد عليها الشرع، هي البوابة الداخلية أولا، حيث يمنحه الشعب السوري الشرعية، التي تعززها العلاقات الدولية والتواصل الناجح مع العالم الخارجي. أما زياراته الخارجية فهي للسعي لإقناع الدول الغربية بأنه قد حان الوقت لرفع العقوبات عن شعبه، تلك التي فرضوها على النظام السابق، لكن أضرارها مست الشعب وليس النظام.
كاتب عراقي
القدس العربي
—————————-
بعد زيارة الشرع… ما الذي يُحفّز الانفتاح الفرنسي على الإدارة السورية الجديدة؟/ عمار جلّو
الثلاثاء 13 مايو 22025
“أخبرت الرئيس بأنه إذا استمرّ في طريقه، فسنفعل الشيء نفسه، وبالتحديد من خلال الرفع التدريجي للعقوبات الأوروبية، ثم سنضغط أيضاً على شركائنا الأمريكيين ليحذوا حذوهم في هذا الشأن”، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع.
أضاف ماكرون: “العقوبات عقبة ناقشناها باستفاضة. شرحت كل العواقب والآثار وقلت إن العقوبات فُرضت على النظام السابق ولا شيء يبرر الحفاظ عليها”، مشيراً إلى أنه سيقترح لاحقاً السماح بإنهاء عقوبات الاتحاد الأوروبي في الأول من حزيران/ يونيو القادم. وفي المقابل، يجب على الشرع فعل “كل شيء لضمان حماية جميع السوريين دون استثناء”، تابع ماكرون.
وتمثّل الزيارة التي قام بها الشرع إلى باريس، في السابع من الشهر الجاري، بناءً على دعوة تلقّاها من نظيره الفرنسي، دفعةً دبلوماسيةً مشروطةً له من قوة غربية، حسب موقع “عرب ويكلي”، بعد إعلان واشنطن عدم اعترافها بأي كيان كحكومة سورية.
دوافع الدعوة وتلبيتها؟
على الصعيد السياسي، يسعى الشرع، إلى تعزيز الشرعية والاعتراف الخارجي بإدارته، بما يتخطى حدود الجوار السوري العربي والإقليمي، بجانب تطوير علاقات دمشق الخارجية، لاستعادة مكانتها الدولية، حسب مركز “شاف للدراسات المستقبلية”. وعليه، فإنّ استقباله في باريس، قد يؤدي إلى عودة دمشق إلى الجماعة الدولية من البوابة الفرنسية.
إلى ذلك، يشير موقع “abcnews”، إلى وقوع الزيارة تحت مجهر المراقبة عن كثب، كونها اختباراً محتملاً لاستعداد أوروبا للانخراط مع القيادة السورية الجديدة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فيأمل الشرع، في الحصول على دعم باريس في ملف رفع العقوبات الغربية على سوريا، وهو ما ظهرت مؤشراته الإيجابية عبر تعهّد ماكرون، بالضغط على الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات المفروضة على دمشق، بجانب دعوته واشنطن لإنهاء عقوباتها على دمشق سريعاً.
كما يأمل على الصعيد الأمني، في بناء حشد دولي ضد الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية في سوريا، وهو ما تحقق أيضاً، عبر التنديد المباشر والمشترك من قبل الرئيسَين بانتهاكات تل أبيب لسيادة الدولة السورية.
في المقابل، وعبر استقبال الشرع، تخدم باريس عدداً من مصالحها الأمنية، مع معالجة بعض التحديات الأوروبية، ومنها مكافحة خطر تنظيم داعش الإرهابي، بجانب مكافحة تدفقات الهجرة إلى الدول الأوروبية، وضبط الحدود السورية اللبنانية، والانعكاسات الأمنية والسياسية التي قد يشهدها لبنان على خلفية ما يحدث في سوريا.
سياسياً، تحاول فرنسا كسب زخم دبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط، والاحتفاظ ببعض أوراق النفوذ فيها، عبر لعب دور فاعل في سوريا ولبنان، بجانب اكتساب نفوذ عبر لعب دور الوسيط بين الأكراد ودمشق.
اقتصادياً، تسعى فرنسا إلى تحصيل بعض الامتيازات والمكاسب الاقتصادية، ولا سيّما في ملف إعادة الإعمار والاستثمارات الأجنبية في سوريا.
من حيث الشكل، تُعّد الزيارة خطوةً مهمةً نحو إعادة إدماج سورية في المجتمع الدولي، وبوابته التقليدية فرنسا، حسب المستشار السابق لرئاسة الجمهورية السورية والكاتب والباحث في العلاقات الدولية والعلوم السياسية، الدكتور جمال السيد أحمد.
أما من حيث المضمون، فتشكّل الزيارة قطعاً مع توجهات السياسة الخارجية السابقة، حيث التوجه إلى الغرب والتأمل في تغيير التحالفات، بل قلبها، ديدن التوجه الجديد، وهو ما يلقى صدى لدى الدول الغربية، من خلال مفتاح واحد وأساسي، هو توجه النظام السوري الجديد نحو طمانة إسرائيل بالأمن والسلام بأثمان غير معروفة لغاية الآن.
وخلال حديثه إلى رصيف22، يشير السيد أحمد، إلى “مساعي فرنسا للعب دور أساسي في سوريا الجديدة، وتمتين وجودها وأقدامها فيها بالاستناد إلى إرث النفوذ القديم وأحلام الدولة الكبرى ذات الدور الذي كاد أن يتبدد. وفي المقابل، لدى الشرع رغبة في الحصول على دعم دولي لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء سوريا المدمّرة”، منبّهاً إلى أنّ “الزيارات الخارجية مع أهميتها، يجب ألا تكون على حساب الداخل السوري، الذي يحتاج إلى اهتمام أكبر بحاجاته ومتطلباته ومشكلاته، وذلك لكيلا يكون عبئاً على السياسة الخارجية، أو محلاً لاشتراطات الخارج”.
يؤيد ذلك إلى حدّ ما الباحث في معهد الشرق الأوسط، الدكتور سمير تقي، الذي يعدّ الزيارة مفيدةً في توضيح متطلبات المجتمع الدولي ونوايا الحكومة السورية، ولإيجاد آلية يساعد من خلالها المجتمع الدولي حكومة دمشق لتتمكن من الاستجابة للشروط المطلوبة منها دولياً، مشيراً إلى أنها تشكل مدخلاً لاكتساب الاعتراف الدولي بحكومة الشرع.
لكن المشكلة تكمن في طبيعة الشروط التي يضعها المجتمع الدولي، سواء للاعتراف بالحكومة الجديدة أو لرفع العقوبات عن سوريا، وهي شروط لا تحظى بالإجماع لدى هذه الدول. والواضح لديه، هو وجود توجه إلى أن تكون المملكة العربية السعودية وسيطاً رئيسياً يلعب دور الحاضن للتجربة السورية، يضيف.
وعليه، يعتقد تقي، خلال حديثه إلى رصيف22، أنّ “المسألة تتعلق بالعلاقة مع فرنسا من جهة، ومن جهة أخرى بتطوير العلاقات والتحالف الإستراتيجي مع رؤية الرياض لمستقبل المنطقة”، وهذا بجانب اعتقاده بـ”وجود تفاعل بين المصالح الأوروبية ومصالح دول الخليج التي لها رؤيتها الخاصة لمستقبل سوريا، بالإضافة إلى الارتباط بمسألة العلاقة مع واشنطن، التي لا تزال تضبط خطواتها تجاه سوريا بإيقاع علاقتها مع الرياض والعواصم الأوروبية”.
ويستطرد: “لا شك في أن الزيارة ستساهم في زيادة الضغط السياسي من أجل رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية عن سوريا، على الرغم من الاعتبارات التي تتخذها السلطات الأمريكية والأوروبية التي لا تزال تميل إلى إبقاء سوريا تحت المراقبة، وعدم إطلاق عملية كاملة للتعافي وإعادة البناء، طالما أنّ الشروط التي تضعها لم تنفّذ”.
الاقتصاد حليب السياسة
تأسيساً على ما سبق، لعبت باريس دوراً محورياً في محاولة تحفيز المجتمع الدولي لدعم الإدارة السورية الجديدة، حسب مركز “إنتريجونال للتحليلات المستقبلية”، وذلك عبر استضافتها “مؤتمر دعم سوريا” في شباط/ فبراير الماضي، وخلاله تم التأكيد على أهمية دعم الانتقال السياسي، ورفع العقوبات، وتقديم الدعم الإنساني، مع التزام الدول العشرين المشارِكة في المؤتمر بتعزيز التعاون الأمني لمحاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا، بجانب مشاركتها بعض دول الاتحاد الأوروبي في إعداد ورقة “إعادة التفكير في سياسة العقوبات على سوريا”، التي تم تقديمها للاتحاد في كانون الثاني/ يناير الماضي.
وتشكل زيارة الشرع، إلى باريس، إشارةً دوليةً قويةً على وجود نظام سياسي جديد في سوريا، بجانب اعتبارها فرصةً لاختبار نوايا حكومة دمشق الوليدة ومدى قابليتها للانخراط مع المنظومة الدولية، حسب غسان جمعة، وهو باحث ماجستير في القانون الدولي العام ورئيس تحرير صحيفة “حبر” السورية. لكن لا يمكن اعتبارها اعترافاً دولياً أو مدخلاً لهذا الاعتراف، بقدر ما هي سبر للنوايا وتشارك للأفكار حول المواضيع الاقليمية مع الوضع السياسي السوري.
“من المهم لفرنسا، وللدول الأوروبية والغربية عموماً، سماع وجهة نظر الرئيس الشرع حول ملفات الانتقال السياسي والحريات، بجانب الملفات الإقليمية، مثل الملف اللبناني والملف الإسرائيلي”، يضيف جمعة، في حديثه إلى رصيف22.
وكانت باريس قد عززت علاقاتها مع السلطات السورية الانتقالية، حسب شاف، وعيّنت قائماً بالأعمال في دمشق مع فريق صغير من الدبلوماسيين كخطوة نحو إعادة فتح سفارتها بالكامل، وحصدت أول مكاسبها الاقتصادية، من خلال توقيع شركة “CMA CGM” الفرنسية، في شباط/ فبراير الماضي، عقداً مع الحكومة السورية مدته 30 عاماً، بقيمة 230 مليون يورو، لتطوير وتشغيل محطة الحاويات في ميناء اللاذقية.
في سياق متّصل، يرجّح المجلس الأطلسي دمج سوريا في تجارة الغاز الطبيعي الإقليمية مستقبلاً، وأنها قد تصبح دولة عبور للغاز الإسرائيلي والمصري المتجه إلى تركيا وأوروبا. على ذلك، ستتمتع الشركات الأجنبية مثل “توتال” و”شل”، اللتين عملتا في سوريا خلال حقبة الصراع، بميزة الوصول إلى الاستكشاف والإنتاج السوري.
وتُعدّ الشركة الفرنسية “توتال” مثالاً واقعياً لما يسمّى بـ”دبلوماسية الشركات”، حسب موقع “الناشر”، كما تُعدّ في طليعة الوجود الفرنسي في المنطقة، وقد خلقت تواصلاً وترابطاً، اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، متعددَي الأوجه، لتصبح قائد كونسورتيوم النفط الدولي الجديد منذ خمسينيات القرن الماضي. وتهدف إلى حماية مصالحها الخاصة، عبر اعتماد دبلوماسية بعيدة عن الهامش الرسمي الحكومي، إلا أنّ مرجع قرارها مرتبط بقوى الدولة العميقة المتحكمة في مفاصل السياسات الاقتصادية العالمية، والتي تعدّ الشركة أداةً من أدواتها.
مع ذلك، يكمن إشكال “توتال” الخاص في كيفية إدارة المزاج الأمريكي المتقلب، والذي قد يضرب مصالحها في المنطقة.
يضيف الموقع: “أثبت التاريخ أنه مع صمت المدافع، تدخل الشركات الكبرى تحت راية البناء والتنقيب والبحث عن الثروات، مزوّدةً بالخبرات والخطط والتقنيات العالية لإعادة رسم الخرائط الجيو-سياسية. وفي ما يخصّ توتال تحديداً، تقوم إستراتيجيتها الإقليمية على حصد أكبر عدد ممكن من العقود في منطقة ترتفع فيها تكاليف الإنتاج بسبب التنافسية الشديدة”.
في هذا السياق، يشار إلى “مساهمة فرنسية واضحة في الوساطة الأمريكية” في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل سابقاً. وعليه، حصلت “توتال” على رخصة إنتاج الغاز من حقل “قانا”، فيما ستحصل إسرائيل على حصتها من إيراداته مستقبلاً، كما أبرمت “توتال” اتفاقاً مع الحكومة العراقية لبناء أربعة مشاريع عملاقة للطاقة في جنوب البلاد بتكلفة قدرها 27 مليار دولار.
“لدى فرنسا طموحات اقتصادية واضحة في سوريا”، حسب بنجامين فيف، وهو باحث أول في شركة “كرم شعار للاستشارات”، وهي شركة استشارية مسجلة في نيوزيلندا، وتركز على الاقتصاد السوري وعلاقته بالسياسة. وقد بدأت هذه الطموحات تظهر من خلال تفعيل استثمارات شركة “CMA CGM”، منبّهاً إلى وجود شركات فرنسية أخرى بجانب “توتال” مهتمة بالساحة السورية، لكن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على حقول النفط تعقّد المشهد أمامها.
إلى ذلك، تصعّب العقوبات الغربية تنفيذ هذه الطموحات فعلياً، برغم انفتاح الشرع وترحيب ماكرون، حسب فيف، الذي يشير إلى أن فرنسا قد تسعى عبر انخراطها الاقتصادي في سوريا إلى استعادة نفوذها وتقليص تأثير تركيا وروسيا على دمشق. هذا بجانب هدفها الأساسي بإعادة ترسيخ حضورها في المنطقة وتعزيز مكانتها الإقليمية. “تاريخياً، كانت فرنسا حليفاً رئيسياً لسوريا قبل 2011، وتسعى اليوم لاستعادة هذا الدور”، يضيف فيف، لرصيف22.
موازنة تحركات القوى المنافسة
سابقاً، أعلنت تركيا عن نيتها بدء مفاوضات ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع سوريا، ما يرجح إثارة معارضة من قبرص واليونان، اللتين قد تلجأن إلى واشنطن وبروكسل للحصول على الدعم، حسب المجلس الأطلسي.
وتحاول باريس موازنة التحركات التركية في سوريا، حيث يكشف استقبال ماكرون للشرع، عن اهتمام باريس المتزايد بموازنة تحركات القوى المنافسة في سوريا، وفي مقدمتها تركيا. وهذا الاهتمام برز بشكل واضح عقب ضغوط أنقرة على باريس لاستعادة مقاتليها المنتمين إلى “داعش”، بداية العام الحالي، وهو ما يعكس توتراً كامناً بين الدولتين على الساحة السورية، حسب “إنتريجونال”، حيث تبدو باريس قلقةً من احتمال تهميش حضورها في منطقة تمثل إحدى نقاط الارتكاز المهمة لها لمصلحة تركيا، وهو ما يفسر استضافتها مؤتمر دعم سوريا والقمة المصغرة حول سوريا في آذار/ مارس الفائت، بمشاركة اليونان وقبرص ولبنان وسوريا.
تضاؤل نفوذ إيران في سوريا، حرّك قوى إقليمية أخرى، ومنها أنقرة وتل أبيب، لفرض واقع جديد يناسب رؤيتهما الأمنية والسياسية الإقليمية المتناقضة، ما يعكس بداية تنافس عميق، وهي تحولات غير مؤكدة وخطيرة أحياناً، حسب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ecfr)، إلا أنها تقدّم لأوروبا فرصةً للمساعدة في تشكيل نظام إقليمي أكثر استقراراً.
للقيام بذلك، يتعيّن على الحكومات الأوروبية تكثيف جهودها لمواجهة محرّكين رئيسيين للفوضى؛ التدخلات الخارجية المزعزعة للاستقرار، وسوء الحكم الذي ترك سوريا تتأرجح على حافة الهاوية. ومع إظهار حكومة دمشق انفتاحاً حذراً على الإصلاح، يمكن للدعم الأوروبي أن يعزز هذا المسار الإيجابي، بما يقلل من اعتمادها على طموح
رصيف 22
———————————
=========================