
11 مايو 2025
لأجل سورية ولأجل من لا صوت لهم، ولأجل أن تكون الموسيقى بمثابة جسر بين الحنين والأمل، وبحضور سوري وإسباني كبير، أحيت الفنانة السورية ليندا الأحمد حفلًا غنائيًا يوم 26 نيسان/ أبريل في قاعة البيت العربي في مدريد، برفقة كل من الموسيقيين ليث صديق، هامس بيطار، كافيه سرفانيان، ولويس تابيرنا.
حيث بدأت الحفل بأربع أغانٍ كانت كلماتها عبارة عن أربع قصائد كتبها زوجها الفنان والسيناريست السوري رافي وهبي، والتي كان أغلبها قد كُتب خلال أربعة عشر عامًا من المذبحة السورية التي قادها الديكتاتور على شعبه والتي تحولت بفعل الكثير من القوى الخارجية لحرب طحنت أحلام السوريين بوطن حر تسوده العدالة وسيادة القانون وتحكمه ثقافته المتنوعة والتي تعطي الفسيفساء السورية تميزها وغناها وثراءها.
الأغنية الأولى كانت بعنوان “سنعود بعد قليل”، وقد جاء فيها: “سنعود بعد قليل على عجلٍ/ لممنا ثياب رحلتنا/ ومن خجلٍ تركنا الورد مخذولًا بشرفتنا للريح/ يشكونا وينهدنا عن الحبل الغسيل/ سنعود بعد قليل/ فلَم نبكِ ولَم نسدل ستائرنا/ ولَم ننزل عن الحيطان أيًا من مآثرنا/ لا صورة الأولاد لا زينة الأعياد لا عكازة الجدّ النحيل/ سنعود بعد قليل”
ثم تلا ذلك مقطع من ألبوم “عندما تشرق الشمس” لكل من الفنانين هامس بيطار وكافيه سارفانيان على مقام الحجاز ليمتد نفس المقطع ويستمر أغنية “أيا من كنتِ لي خبزي”، بعدها جاءت أيضًا قطعة موسيقية من ألبوم “بوابات الشرق” ليمتد ويستمر من خلال أغنية “يا ويل”.
ومن ثم جاءت أيضًا معزوفة موسيقية لنفس الفنانين وامتدت من خلال أغنية “ها هو الشرق يفيق” لتأتي أخيرًا أغنية “حلب”.
وتحوّل القسم الثاني إلى الأغاني الشعبية السورية. قدمت الفرقة معزوفة “رقصة ستي” التي تعتبر من أهم مقطوعات الموسيقى السورية الشعبية، لتبدأ ليندا بعد ذلك بتقديم مجموعة من أغانٍ تراثية على مقام الصبا، مثل أغنية “لالا الحموية”، بينما تم الانتقال أيضًا إلى أغانٍ تراثية مثل “ميجانا”، “جفلة”، و”تحت هودجها”.
وأخيرًا قدمت الفنانة ليندا أغنيتها التي كانت قد أهدتها في الصيف الماضي للثورة السورية والتي حملت اسم “وحياة كل شي”، من كلمات رافي وهبي، وفيها تقول إنه “وحياة كل شي حلو بسورية/ وحياة كل قطرة من دم راحت فيها/ ما رح يحكم سورية إلا الأمل”… وقد جعلت هذه الأغنية الصالة ترقص وتغني وتبكي وتزغرد معها وتحلف أن “دم السوري عالسوري حرام” ولن يحكم هذي البلاد غير الأمل.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الحفل هو عبارة عن مشروع موسيقي غنائي بصري متكامل خاصة وأن خلفية المشروع كانت عبارة عن عمل فني إبداعي ضوئي تعبيري جعل الشعر يتداخل مع الصورة وجعل الموسيقى تتداخل مع الظلال، وما بينهم جميعًا كان الأمل لا يقبل أن ينطفئ، المشروع كان نتيجة تعاون الفنانة التشكيلية السورية كيندا يوسف والمهندس الإبداعي روهيت جوبتا.
وقد جاء في الدعوة التي نشرت على صفحة البيت العربي في مدريد: “أن تكون مغنيًا سوريًا في المنفى يعني أن تحمل صوت شعب اتسم بالنزوح والمقاومة. وبعيدًا عن الوطن، تصبح الموسيقى جسرًا بين الحنين والأمل، مثلما تصبح صدى للهوية التي حاولت الحرب إسكاتها. كل لحن قادر على استحضار أصوات دمشق أو حلب أو حمص، في حين تحكي الكلمات قصص الخسارة والحب والنضال. في الأماكن البعيدة، يعد الغناء بمثابة فعل من أفعال الذاكرة، وتذكير بجمال وألم سورية، وطريقة لإبقاء ثقافتهم حية على الرغم من حالة المنفى”.
يتشارك كل من ليندا الأحمد والموسيقيين الأربعة الذين يرافقونها، من خلال الموسيقى، تجاربهم الشخصية خلال فترة المنفى وتجربة عائلاتهم في إسبانيا. حيث يقدمون مجموعة أغانٍ هي عبارة عن مؤلفات شخصية مبنية على كلمات الكاتب والفنان رافي وهبي، وتنضم إليها أغانٍ أخرى من التراث السوري، وأغانٍ شعبية من مختلف مناطق البلاد. تنقل هذه الألحان الخصائص المميزة لسورية وتحكي قصص وعادات وتقاليد الشعب السوري. إن إعادة غناء هذه الأغاني هو تأكيد على الهويات الأصيلة لسكان سورية وشكل من أشكال المقاومة الفنية لكل محاولات طمس الثراء والتنوع الثقافي في مناطق سورية من خلال تقليصها إلى الفروقات أو الفصائل السياسية. إن التشكيل الموسيقي الذي رافق ليندا وليث صديق وهامس بيطار وكافيه سرفانيان ولويس تابيرنا، هو أيضًا، بفضل تنوعه وجودته الفنية، دليل على أن اللغة الموسيقية تتجاوز الحدود وتعمل كبلسم في أوقات الشدائد.
كما ترافق مع الحفلة عرض فني للفنانة السورية كيندا يوسف والمهندس الإبداعي روهيت جوبتا في الخلفية.
ليندا الأحمد هي فنانة تجمع بين الموهبة الموسيقية والموهبة الدرامية. خبيرة في الغناء العربي الكلاسيكي، ولها خبرة في المسرح والسينما والتلفزيون. تسعى إلى التواصل مع المشهد المعاصر من خلال رؤية شخصية: القناعة بأن كل ما نختبره مرتبط جوهريًا بماضينا ومستقبلنا، وأننا جميعًا، بغض النظر عن هوياتنا وأصولنا، مترابطون بطرق مختلفة. وتعتبر الفن والموسيقى، في جوهرهما، أدوات إبداعية لإيجاد المعنى في هذا الصدد.
هامس بيطار هو موسيقي وملحن وعازف منفرد. ولد هامس بيطار في سورية عام 1968 لعائلة ذات تقاليد موسيقية، وتعلم العزف على العود من والده وكرس نفسه للموسيقى منذ سن مبكرة جدًا. قاده فضوله إلى استكشاف الموسيقى الغربية مع الغيتار، وفي إسبانيا أصبح مهتمًا بالفلامنكو. شارك في العديد من الفرق الموسيقية العربية والعروض، سواء كعازف على العود أو كمخرج موسيقي، وسجل مع العديد من الفنانين مثل راديو طريفة، وخافيير باكسارينو، ومايكل أوليفر، وغيرهم. سجل ألبوم “بوابات الشرق” مع مؤسسة الأندلس، وشكل مع موسيقيين آخرين مجموعة “دراويش”، التي أصدرت ألبومها الأول بعنوان “مدار” في عام 2020.
كافيه سارفانيان هو موسيقي وملحن. ولد في طهران عام 1976، وفي سن السادسة عشرة كان قد علم نفسه العزف على التمباك والناي، وهما اثنتان من أكثر الآلات الموسيقية تمثيلًا للموسيقى الفارسية. درس لاحقًا الموسيقى الكلاسيكية الفارسية في جامعة طهران للفنون. في عام 1998، فاز بالجائزة الأولى لأفضل عازف فلوت في المسابقة الوطنية للطلاب الجامعيين. بعد حصوله على درجة الماجستير في التأليف الموسيقي، عمل لمدة أربع سنوات أستاذًا في معهد طهران للموسيقى وجامعة الفنون، بالإضافة إلى عمله عازف فلوت مع الأوركسترا السيمفونية الوطنية. أصدر عدة ألبومات: “باريسان”، “سماء ضوء القمر”، “أفق”، “صوت الشرق”، “كرشمه”، “مدار” و”عندما تشرق الشمس”، حيث يسعى من خلالها إلى حوار بين الموسيقى العربية والفارسية. يعيش في إسبانيا منذ عام 2011 ويشارك في العديد من المشاريع والمهرجانات الموسيقية المبكرة.
ليث صديق هو عازف كمان وملحن ومعلم حائز على جوائز، وشغل منصب المدير الفني للأوركسترا العربية في نيويورك. قام بجولات حول العالم، حيث قدم عروضه مع فنانين كبار مثل سيمون شاهين، ودانيلو بيريز، وخافيير ليمون، وجاك ديجونيت، وغيرهم، كما قدم عروضه في أماكن مثل مهرجان لندن للجاز، وقاعة بوسطن السيمفونية، ومعرض WOMEX، ومهرجان BBC Proms، ومهرجان ديترويت للجاز، ومهرجان مونتريال للجاز، ومهرجان جمهورية الدومينيكان للجاز. يظهر ليث في العديد من الألبومات الحائزة على جوائز، وعُرض ألبومه الأول “ابن دجلة” لأول مرة في مهرجان مونتريال للجاز في عام 2016.
ليث أردني من أصل عراقي وابن لوالدين موسيقيين، بدأ تدريبه الموسيقي في المعهد الوطني للموسيقى في عمان وأكمل دراسته الثانوية في مدرسة تشيثامز المرموقة للموسيقى في مانشستر بالمملكة المتحدة. بفضل منحة دراسية من كلية بيركلي للموسيقى في بوسطن، سافر إلى الولايات المتحدة لإكمال دراسته في الأداء الموسيقي عام 2014 ودرجة الماجستير في معهد بيركلي العالمي للجاز عام 2016. في عام 2018، كان ليث أحد الفائزين في مسابقة زبيغنيو سيفرت الدولية للكمان الجازي، وكان العربي الأول والوحيد الذي شارك حتى الآن. قدم مؤلفاته الموسيقية، وهي مزيج من الأساليب الشرقية والغربية، وأداها بطريقة تصف تمامًا تنوع طفولته وذوقه الموسيقي. تم اختياره أيضًا كـ “أفضل فنان عالمي” في حفل توزيع جوائز بوسطن الموسيقية لعام 2020.
لويس تابيرنا هو عازف إيقاع متخصص في إيقاعات الشرق الأوسط. بعد أن عاش في تونس وسافر على نطاق واسع في جميع أنحاء تركيا والقوقاز والبلقان، تلقى تدريبًا من معلمين مشهورين مثل جلين فيليز، وروبن فان رومباي، وزوهار فريسكو، ويشاي أفترمان. يتعاون حاليًا مع العديد من المشاريع التي تغطي الموسيقى المبكرة والموسيقى الأندلسية والموسيقى السفاردية والفولكلور والموسيقى العالمية والاندماج. ويقوم أيضًا بتدريس الإيقاع، حيث يقوم بالتدريس في مؤسسات مثل TAI (مدرسة جامعة مدريد للفنون).
ضفة ثالثة