العقوبات الأميركية على سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةلقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

تحديث 15 أيار 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

ملف رفع العقوبات عن سوريا

——————————————-

رفع العقوبات الأميركية عن سوريا… ما الآفاق الاقتصادية؟/ جوزيف ضاهر

القرار يسهل استقطاب التمويل والاستثمار الأجنبي وعودة رجال الأعمال لكن التحديات لا تزال كبيرة

آخر تحديث 15 مايو 2025

شكل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال اليوم الثاني من زيارته للمملكة العربية السعودية رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، صدمة اقتصادية إيجابية كبرى، وهو وصف تلك العقوبات بأنها وحشية ومعيقة. وتلا الإعلان الاجتماع الاستثنائي لترمب، في رعاية ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، مع الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي رحب بهذا القرار “التاريخي والشجاع”.

يمثل إعلان رفع العقوبات انتصارا للسلطات السورية الجديدة ويؤكد نجاحها في تبديد المخاوف الخارجية وإقامة علاقات رسمية مع القوى الإقليمية والدولية، على الرغم من خلفية “هيئة تحرير الشام”، كما أدى الإعلان عن رفع العقوبات إلى ارتفاع فوري في قيمة الليرة السورية، وخرجت المسيرات في مختلف المدن السورية للتعبير عن فرحة السوريين بالخبر.

وينتظر المزيد من التطورات الإيجابية بعد صدور هذا القرار، إذ من شأنه تسهيل تعامل الجهات الإقليمية والدولية مع الدولة السورية ومؤسساتها، وسيمهد ذلك الطريق لتسهيل التبادلات المالية وإعادة دمج الاقتصاد السوري في الأسواق الدولية، وتنشيط حركة التجارة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتشجيع عودة رجال الأعمال السوريين من الخارج، وهي جميعا أهداف رئيسة للسلطات السورية الجديدة.

وتسعى دمشق للتواصل مع الشركات الإقليمية والدولية وإقناعها بالاستثمار في البلاد، لا سيما لتحديث البنى التحتية وتحقيق الإيرادات. على سبيل المثل، في 1 مايو/أيار وقعت مجموعة “سي. إم. إيه. سي. جي. إم.” اللوجستية اتفاقا لمدة 30 عاما مع الحكومة السورية لتطوير ميناء اللاذقية، بما في ذلك إنشاء رصيف جديد واستثمار 260 مليون دولار لتعزيز الميناء. وتعمل المجموعة في اللاذقية منذ سنة 2009. وبموجب الاتفاق، ستحصل الحكومة على 60 في المئة من الإيرادات بينما تحصل المجموعة على 40 في المئة. بالإضافة إلى ذلك، التقى جوناثان باس، الناشط الجمهوري المقرب من الرئيس ترمب ورئيس شركة “أرجنت إل. إن. جي.” للغاز الطبيعي، بالرئيس الشرع في نهاية أبريل/نيسان حاملا خطة لمشاركة شركات غربية في تطوير موارد الغاز السورية.

تحرير الأصول المجمدة

على الصعيد المالي، يمكن أن يؤدي رفع مجموعة واسعة من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا بموجب أوامر تنفيذية بين سنتي 2004 و2019، إلى تحرير الأصول المجمدة، وإنهاء الحظر المفروض على المعاملات بالدولار الأميركي وإعادة ربط المصارف السورية بنظام “سويفت” العالمي. وسيسهل ذلك على سوريا أيضا الحصول على التمويل والقروض من المؤسسات المالية الدولية ومصارف التنمية. على سبيل المثل، أعاد “البنك الإسلامي للتنمية” عضوية سوريا رسميا في منتصف مارس/آذار، ويخدم المصرف الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ويمول مشاريع في مجالات البنية التحتية وبرامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي منتصف أبريل/نيسان 2025، شارك محافظ مصرف سوريا المركزي ووزير المالية السوري في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما.

وفي نهاية أبريل/نيسان 2025، أعلنت المملكة العربية السعودية وقطر أنهما ستسددان متأخرات سوريا المستحقة للبنك الدولي، والتي تبلغ نحو 15 مليون دولار. تسوية هذه المتأخرات ستمكن دمشق من استئناف الحصول على الدعم المالي والمشورة الفنية من البنك.

كما يأتي رفع العقوبات تأكيدا للضوء الأخضر الذي منحته الولايات المتحدة لمبادرتي قطر في الأسابيع الماضية بتقديم الدعم المالي لسوريا وتوفير الطاقة. أولى تلك المبادرات إعلان مسؤولين قطريين خططا لتزويد سوريا مليوني متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا عبر خط أنابيب الغاز العربي، الذي يمر عبر الأردن. وأعلن وزير الكهرباء السوري عمر شقروق أن الاتفاق سيسمح بتوليد 400 ميغاواط من الكهرباء يوميا في محطة دير علي، وهو ما يرفع الإنتاج الإجمالي بنحو 27 في المئة من 1500 ميغاواط إلى 1900 ميغاواط، مع خطط لمزيد من الرفع التدريجي. وسيضاعف ذلك إمداد الكهرباء من ساعتين إلى أربع ساعات يوميا. أما المبادرة الثانية، فستقدم قطر بموجبها لسوريا 29 مليون دولار شهريا لمدة ثلاثة أشهر، قابلة للتمديد، لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام. و في كلتا الحالتين، ستقدم الأموال من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

عقبات لا تزال في الطريق

بعبارة أخرى، يعد رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بارقة أمل كبير للشعب السوري، بإزالة إحدى أهم العقبات أمام إنعاش الاقتصاد. لكن لا تزال هناك عوائق أمام نجاح تعافي الاقتصاد السوري.

أولا، يجب تأكيد رفع العقوبات من خلال إجراءات واضحة، وربما يستغرق ذلك بعض الوقت. فعلى الرغم من أن سوريا تخضع لعقوبات أميركية منذ سنة 1979، بعد إدراجها على القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، فإن “قانون قيصر” الذي أقرّ في ديسمبر/كانون الأول 2019 هو الذي أثر بشدة على الاقتصاد السوري وفرض عقوبات على أي جهة تحاول مساعدة النظام السوري السابق، وتساهم في إعادة إعمار البلاد. ويتطلب “قانون قيصر”، تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، موافقة الكونغرس رسميا على رفع العقوبات. بعد ذلك، يسمح لمصرف سوريا المركزي، بالحصول على قروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومع ذلك، يمكن إزالة هذه العقبات بسرعة نسبيا من خلال إصدار الرئيس الأميركي إعفاءً من العقوبات، بل يمكن إنهاءها بعدم تنفيذها.

في ما يتعلق بالعقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة، فإنها تخضع لقرار مجلس الأمن الدولي، وبالتالي ليس الولايات المتحدة وحدها. غير أنه من المرجح التوصل إلى اتفاق لاتباع قرار واشنطن، لا سيما في ظل تسارع خطوات الاعتراف الإقليمي والدولي بالحكومة السورية الجديدة.

في هذا السياق، وفي ظل الغموض الذي لا يزال يكتنف عملية رفع العقوبات، ستتريث المؤسسات المالية ورجال الأعمال والتجار، بضعة أسابيع أو أشهرا على الأقل، قبل التعامل مع أي شخص أو أي أمر يتعلق بسوريا، في انتظار التقدم في تنفيذ القرار. ولكن الأهم من ذلك، حتى في غياب العقوبات، فإن المشاكل الاقتصادية الهيكلية العميقة لا تزال قائمة بقوة.

إذ لا يزال هناك طريق طويل قبل استقرار الليرة السورية، وهو ما يردع المستثمرين الباحثين عن عوائد سريعة أو على المدى المتوسط. فالدمار الذي لحق بالقطاعات الإنتاجية للاقتصاد، لا سيما الصناعات التحويلية والقطاع الزراعي، والعجز المستمر في الميزان التجاري، تضع ضغوطا على الليرة السورية. ويعتمد استقرار الليرة السورية أيضا على تطور الأزمة المالية اللبنانية، في حين لا تزال العملة الوطنية تواجه منافسة من الليرة التركية في بعض المناطق في الشمال الغربي، ويستمر تداول الدولار الأميركي على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد.

تكاليف إعادة تأهيل البنى التحتية مرتفعة

في غضون ذلك، لا تزال البنية التحتية وشبكات الطرق السورية مدمرة، كما أن تكاليف الإنتاج مرتفعة، لا سيما تكلفة الكهرباء، ولا تزال البلاد تواجه نقصا حادا في السلع الأساسية وموارد الطاقة، وهو ما يمكن تخفيف حدته مع رفع العقوبات. وكانت إمدادات النفط شهدت تحسنا نسبيا أخيرا مع زيادة تدفق الإمدادات من روسيا منذ مطلع السنة الجارية، مع أن ذلك لا يزال غير كافٍ.

هناك أيضا نقص حاد في العمالة المؤهلة، ولا يوجد مؤشرات واضحة الى عودة واسعة للعمالة الماهرة في المستقبل القريب. في هذا الإطار، فإن احتمال رفع رواتب الموظفين في القطاع العام بنسبة 400 في المئة وتحديد الحد الأدنى للأجور عند 1,12 مليون ليرة سورية (نحو 86 دولارا)، بدعم قطري، خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تبقى قاصرة عن تغطية نفقات المعيشة وسط استمرار الأزمة الاقتصادية. ففي نهاية مارس/آذار، قُدر الحد الأدنى للنفقات الشهرية لأسرة مكونة من خمسة أفراد في دمشق بنحو 8 ملايين ليرة سورية (أي ما يعادل 666 دولارا).

واقع القطاع الخاص

أما القطاع الخاص، الذي يتكون في الغالب من مؤسسات متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة الحجم ذات قدرات محدودة، فإنه في حاجة إلى كثير من التحديث وإعادة البناء بعد ما يزيد على 13 عاما من الحرب والدمار. كما أن قرار دمشق خفض التعريفات الجمركية على أكثر من 260 منتجا تركيا ألحق ضررا بالإنتاج الوطني، لا سيما المؤسسات المذكورة في الصناعات التحويلية والزراعة، التي تجد صعوبة في منافسة الواردات التركية. ووفقا لوزارة التجارة التركية، بلغت الصادرات التركية إلى سوريا في الربع الأول من السنة الجارية نحو 508 ملايين دولار، بزيادة قدرها 31,2 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2024.

تعاني الدولة أيضا من شح شديد في الموارد، وهو ما يحد من الاستثمار في الاقتصاد، في حين أن التوجه الاقتصادي السياسي للسلطات الجديدة يفضل نموذجا اقتصاديا تجاريا يركز على الاستثمارات التي تحقق الأرباح على المدى القصير، على حساب القطاعات الإنتاجية.

تتركز موارد النفط الرئيسة في سوريا في الشمال الشرقي، وهي منطقة تخضع حاليا لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سوريا. وقد سهل الاتفاق بين الرئاسة السورية والإدارة الذاتية في مارس/آذار إمكان حصول دمشق جزئيا على هذا المورد. غير أن إنتاج النفط والغاز الطبيعي في سوريا استمر في التراجع بحدة منذ سنة 2011، من 385 ألف برميل يوميا في سنة 2010 إلى نحو 110 آلاف برميل في بداية سنة 2025 – وذلك غير كافٍ إلى حد كبير لتلبية الاحتياجات المحلية، ولا يتيح فرصا استثمارية كبيرة أمام الجهات الأجنبية.

خصخصة الموانئ والمصانع التي تمتلكها الدولة

في الوقت نفسه، تؤدي التوجهات والقرارات الاقتصادية للحكومة إلى تعميق النموذج الليبيرالي وتسريعه، وتصاحب ذلك تدابير تقشفية. وهناك دلائل ملموسة على أن السلطات الجديدة ترغب في تسريع عملية خصخصة أصول الدولة. فوفقا لما قاله وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لصحيفة “فايننشال تايمز” قبل توجهه إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، تعتزم السلطات الجديدة خصخصة الموانئ والمصانع التي تمتلكها الدولة، وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي وتعزيز التجارة الدولية. وأضاف أن الحكومة “ستدرس إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص لتشجيع الاستثمار في المطارات والسكك الحديدية والطرق”.

واتخذت قرارات عديدة في إطار التدابير التقشفية. فقد ارتفع سعر ربطة الخبز المدعوم (زنة 1100 غرام) من 400 ليرة سورية إلى 4000 ليرة سورية (زنة 1500 غرام في البداية ثم خفض الوزن إلى 1200 غرام). وأعلن عن اعتزام إنهاء دعم الخبز خلال الأشهر التالية، انسجاما مع التوجه لتحرير السوق. وبعد أسابيع قليلة، صرح وزير الكهرباء عمر شقروق في يناير/كانون الثاني 2025 في مقابلة مع الموقع الإلكتروني “سيريا ريبورت” بأن الحكومة تعتزم في نهاية المطاف خفض دعم أسعار الكهرباء أو حتى إلغاءه لأن “الأسعار الحالية منخفضة للغاية، وأقل بكثير من تكاليف الإنتاج، ولكن ذلك سيتم تدريجيا ولن ينفذ إلا إذا ارتفع متوسط الدخل”. تجدر الإشارة إلى أن مؤسسات الدولة لا توفر التيار الكهربائي في المدن الرئيسة حاليا أكثر من ساعتين يوميا. في غضون ذلك، ارتفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي المدعومة من 25 ألف ليرة سورية (2,1 دولار) إلى 150 ألف ليرة سورية (12,5 دولارا) ، وهو ما يثقل كاهل الأسر السورية.

مشكلة الأجور وموظفي القطاع العام

وأعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية تسريح ما بين ربع وثلث القوى العاملة في القطاع العام، ويشكل هؤلاء وفقا للسلطات الجديدة الموظفين الذين يتقاضون رواتب من دون عمل فعلي. ولم تنشر حتى الآن أي تقديرات رسمية للعدد الإجمالي للموظفين المسرحين. وقد منح بعضهم حاليا إجازات مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر للتحقق مما إذا كانوا يعملون أم لا. وقد أثار ذلك القرار احتجاجات من العمال الذين سرحوا أو أوقفوا عن العمل في جميع أنحاء البلاد في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2025. غير أن الأحداث في المناطق الساحلية ومع السكان الدروز أضعفت كثيرا قوة الحركة الاحتجاجية، بسبب المخاوف من رد الفعل.

في هذا السياق، تساهم القرارات الاقتصادية التي تتخذها السلطات الجديدة في تزايد فقر شرائح واسعة من السكان وتعميق التراجع في قطاعات الاقتصاد السوري الإنتاجية. ولكن التحديات والصعوبات التي تواجه الوضع السياسي في سوريا، بما في ذلك الانقسامات المناطقية والسياسية، والنفوذ الأجنبي واحتلال أجزاء من البلاد، والتوترات الطائفية، قد تؤخر الاستثمار الأجنبي المباشر وعودة رجال الأعمال السوريين المقيمين في الخارج.

في الختام، لا شك أن إعلان الولايات المتحدة رفع العقوبة، بعد نحو من ستة أشهر على سقوط نظام الأسد، يعد خبرا طيبا، لكن نجاح التعافي الاقتصادي يتطلب كثيرا من العمل على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية.

المجلة

———————————–

المقاتلون الأجانب في سوريا… العقدة والحل/ سلطان الكنج

هل تنجح الإدارة الجديدة في تجاوز امتحان ترمب؟

15 مايو 2025 م

ترافق إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات عن سوريا بخمسة شروط أو مطالب، منها «مغادرة جميع المقاتلين الأجانب» من الأراضي السورية. ويشكّل هذا المطلب تحدياً كبيراً بالنسبة للإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع لما لهؤلاء المقاتلين من «دَين» في عهدة «هيئة تحرير الشام» على مدى السنوات الماضية وحتى سقوط نظام بشار الأسد.

فمنذ أن أُعلن عن تشكيل «الجيش الحر» في بدايات الثورة السورية، بدأت مرحلة جديدة من تدفق المقاتلين الأجانب من دول عربية وأجنبية. وكانت الحدود التركية ممراً مزدوجاً للسوريين الفارين من جحيم الحرب وجعلوا لنفسهم فيها موطناً أو رحلوا منها إلى الدول الأوروبية، ولمئات المقاتلين من غير السوريين المتوجهين إلى جبهات القتال داخل سوريا والتحقوا بدايةً بالتشكيلات المسلحة غير «المؤدلجة» في تلك المرحلة.

«حواضن الثورة»

بين عامي 2012 و2014، حين اشتد القصف بالبراميل المتفجرة وأنواع الأسلحة كافة على الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام السابق، حظي المقاتلون الأجانب بسمعة جيدة فيما سُمي «حواضن الثورة»، لا سيما في الشمال السوري، لا لكونهم شاركوا بقوة وفاعلية في القتال ضد قوات الأسد فحسب، وإنما أيضاً لما عُرف عنهم من شدة في القتال. كذلك في مرحلة ما، شكَّلوا مجموعات «الانغماسيين» و«الانتحاريين» ونفَّذوا عمليات «نوعية» واقتحامات فاكتسبوا تعاطفاً شعبياً واسعاً وأُطلق عليهم اسم «المهاجرين».

وبعد سقوط النظام السوري السابق في 8 ديسمبر (كانون الأول)، كانت تنظيمات المقاتلين الأجانب، مثل «الحزب الإسلامي التركستاني» و«أجناد الشام» (شيشان) وأجناد القوقاز جزءاً أساسياً من «غرفة إدارة العمليات العسكرية» بقيادة «هيئة تحرير الشام». وفي أول تصريح حول قضية المقاتلين الأجانب في البلاد، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن هؤلاء الذين ساهموا في إطاحة نظام الأسد «يستحقون المكافأة». وأوضح الشرع، في لقاء مع صحافيين منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، أن جرائم النظام السابق دفعت إلى الاعتماد على المقاتلين الأجانب، وهم يستحقون المكافأة على مساندتهم الشعب السوري، ملمّحاً إلى إمكانية منحهم الجنسية السورية؛ وهو ما أثار نقاشات واسعة في حينه.

ولم يمضِ وقت كثير قبل أن تعلن الإدارة السورية الجديدة تعيين مجموعة من هؤلاء المقاتلين في مناصب عسكرية رفيعة ورتب تتراوح بين عميد وعقيد في الجيش السوري الجديد، وأبرزهم عبد الرحمن حسين الخطيب، وهو أردني تمت ترقيته إلى رتبة عميد، وعلاء محمد عبد الباقي، وهو مصري، وعبد العزيز داوود خدابردي التركستاني من الإيغور، ومولان ترسون عبد الصمد (طاجيكي)، وعمر محمد جفتشي مختار (تركي)، وعبد البشاري خطاب (ألباني)، وزنور البصر عبد الحميد عبد الله الداغستاني، قائد «جيش المهاجرين والأنصار».

العقدة والحل

اليوم، في حين القرار بشأن مصيرهم على المحك، يشكّل هؤلاء الأجانب أحد أوجه العقدة والحل في مستقبل سوريا. وفي السياق، قال لـ«الشرق الأوسط» قيادي سابق في «هيئة تحرير الشام»، فضَّل عدم ذكر اسمه، إن «إدارة الشرع لن تمانع من الاستجابة لشرط الإدارة الأميركية»، مؤكداً أن «الإخوة المهاجرين» أنفسهم لا يتمسكون بالمناصب «إن كانت تعيق مصلحة البلاد».

وبالفعل، بعد أقل من يوم على لقاء ترمب – الشرع في العاصمة السعودية، بدأت وكالات محلية سورية تبث أخباراً حول مداهمة الأمن العام مقار تابعة للمقاتلين الأجانب في ريف إدلب. وفي حين لم يتسن لـ«الشرق الأوسط» تأكيد هذه المداهمات بعد، فإن الإجراء سواء كان حقيقياً وبدأ بالفعل أو أنه مجرد فقاعة إعلامية، فإنه يرسل إشارة واضحة إلى النوايا.

ويقول كريم محمد، وهو قيادي في الجيش السوري (الحالي) وكان قائد كتيبة في «هيئة تحرير الشام» تضم مقاتلين أجانب، يقيم حالياً في دمشق، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا مصلحة للحكومة بأي خطوة سلبية تجاههم» لكونهم يتمتعون بشعبية قوية داخل صفوف الجيش والأمن الجديد وحاضنة الثورة. ويضيف محمد: «بدأت منذ فترة بعض الدول تطرح مسألة المقاتلين الأجانب بصفتها ورقةَ ضغطٍ على الحكومة الجديدة. هؤلاء المقاتلون، الذين نسميهم نحن بصفتنا ثواراً (المهاجرين)، كان لهم دور حاسم منذ بداية الثورة، وبرزت خبراتهم العسكرية في المعارك»، مؤكداً أن الحكومة «تبذل جهوداً واضحة لإبعاد المهاجرين عن الصراعات الداخلية وإعادتهم إلى مواقعهم في إدلب، مع وعود بدمجهم بالمجتمع، وربما حتى منحهم الجنسية السورية مستقبلاً».

«لا مطالب بطرد الأجانب»

الباحث في الجماعات المتطرفة حسام جزماتي يرى أن هناك سوء فهم كبيراً لهذه المسألة؛ إذ إن المطالب الأميركية والغربية لا تتضمن طرد المقاتلين الأجانب «بقدر ما تشترط أمرين، ألا يحتل هؤلاء مناصب بارزة في الدولة الوليدة، ولا سيما في الجيش والأمن والحكومة، وألا يتخذ أي منهم من الأراضي السورية منصة لانطلاق عمليات عسكرية في الخارج أو الإعداد لها أو التدريب عليها».

وأضاف جزماتي لـ«الشرق الأوسط»: «عندما كانت (هيئة تحرير الشام) تسيطر على إدلب، ومنذ سنوات، التزمت بعدم السماح لأي فصيل باتخاذ الأراضي السورية منصة للتهديد، وقد ضبطت إيقاع الجهاديين بشكل لا يطمحون معه للعمل عبر الحدود».

وتابع: «ما يرفضه حلفاء (المهاجرين) وإخوانهم هو طردهم من البلاد التي قاتلوا للدفاع عن أهلها في وجه نظام متوحش، أو تسليمهم إلى دولهم، حيث تنتظرهم السجون وربما الإعدام. وعموماً، لا أظن أن قيادات ومقاتلي (هيئة تحرير الشام) وسواها من الفصائل، والحاضنة الإسلامية أو الثورية المحبة لنموذج المهاجر، مصرّة على أن يتصدر هؤلاء بناء الدولة. ولا أعتقد أن ذلك في ذهن (المهاجرين) أنفسهم».

ويؤكد ذلك أبو حفص التركستاني، وهو يرأس حالياً كتيبة في الجيش السوري (ضمن تشكيلات وزارة الدفاع) غالبية عناصرها من التركستان وتوجد بين ريف إدلب وريف اللاذقية، وكان قيادياً في «الحزب الإسلامي التركستاني». ويقول التركستاني لـ«الشرق الأوسط»: «لم نأتِ إلى سوريا لقتل السوريين، ولم نأتِ هنا لكسب مادي أو مناصب، فقط قدِمنا لنصرتهم، لنشاركهم همومهم وننصرهم بقدر ما نستطيع والحمد لله تحقق النصر ولنا شرف مشاركة إخوتنا به». وأضاف التركستاني أن هناك هجوماً إعلامياً ممنهجاً عليهم حالياً يتهمهم بأنهم وراء أي تجاوز يحدث، وأنهم «وراء الهجمات على قرى الساحل أو السويداء وهذه مجرد افتراءات».

وأوضح: «نحن لم نتدخل يوماً في شؤونهم (السوريين)، كنا نعيش طوال هذه السنين معهم ولم نتدخل في أساليب حياتهم. نحن نعرف أن لكل شعب اختلافات في العادات، وإن كنا لا نتفق في كثير من الأمور، لكن لم نتدخل في المجتمع السوري. وإن حدثت بعض التجاوزات في السنين الماضية في إدلب، فهي أحداث لم تتكرر، والسوريون يعرفون ذلك جيداً».

ويرى جزماتي أنه يمكن لـ«المهاجرين» أن «يبقوا في سوريا بصيغ قانونية رسمية واضحة يتفق عليها، وبصفة مدنية فقط من دون أن يتصدروا الواجهة بدولة ليسوا مشغولين بحكمها أصلاً، وأن يتعهدوا بعدم استخدام أراضيها لتنفيذ مخططات جهادية خاصة بهم في بلدانهم الأصلية أو في أنحاء العالم، لما قد يسببه ذلك من ضرر بالغ. وإلا، فيمكنهم المغادرة إلى الوجهة التي يختارون».

معضلة التعيينات

قال أحد المقاتلين الأجانب (من جنسية عربية) ويكنى بـ«أبي محمد» لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لن نقف ضده (الشرع) كما فعلنا طوال السنوات الماضية. لم نتدخل في قتال الفصائل وكنا على مسافة من الجميع ونراعي مصالح سوريا التي لم ولن تتضارب مع مصالحنا يوماً. كنا نقدِم على الموت من أجل حياة السوريين، ونعرف كيف نعيش الآن تحت ظل دولة نقدّرها ونحترمها».

ولكن المعضلة – بحسب جزماتي – تكمن في صعوبة «التراجع عن التعيينات وقرارات ترفيع العسكريين التي أعلنتها القيادة العامة، بعد ثلاثة أسابيع فقط من سقوط نظام بشار الأسد، وبينهم ثلاثة عمداء وثلاثة عقداء».

وحسب التسريبات التي اطلع عليها جزماتي، فقد تعهد المسؤولون بإيقاف تعيين غير السوريين منذ الآن، وتبقى مسألة الذين جرى تعيينهم بالفعل عالقة وتحتاج إلى حل لا يحرج وضعهم ورتبهم وربما مناصبهم.

وعن احتمالات استغلال الجماعات المتطرفة مسألة التضييق على عناصرها وإبعاد المقاتلين الأجانب منهم، قال الباحث: «لا أرى أن تنظيم (القاعدة) في وارد إحياء نشاطه في سوريا بعدما حلّ فرعه فيها، أي حراس الدين. أما (داعش)، التي لا نعرف مخططاته السورية بالضبط، فربما يستقطب معترضين على سياسة الحكومة الحالية، سواء كانوا من السوريين أو من غيرهم. وربما تحاول ذلك مجموعات أو تنظيمات جديدة ترى في سلوك السلطة الحالية ابتعاداً عن تطبيق الشريعة كما يريدون».

ولا تقف كل مجموعات المقاتلين الأجانب عند نقطة واحدة على طيف التطرف. فهناك تمايز آيديولوجي بينها بدأ لحظة توافدهم إلى سوريا وطريقة هذا التوافد، سواء بالتجنيد المسبق أو الاندفاع الذاتي. فأحياناً كان يتم إرسال مقاتل إلى بلده ليجنّد شباناً راغبين في المجيء إلى سوريا بعد التواصل معهم عبر الإنترنت، فيتم تنظيم انتقالهم بطريقة مدروسة منذ لحظة انضمامهم وحتى عبورهم الحدود وانضمامهم إلى تنظيم محدد. وأحياناً أخرى كان البعض يصل منفرداً بالاعتماد على المهربين ورحلات سياحية عبر تركيا وغالباً كانوا يتكبدون تكاليف السفر من جيوبهم.

ومع الوقت، وخصوصاً أواسط 2013، تشعبت الفصائل وكثرت وبدأت تظهر عملية الفرز والتمايز بينها؛ لكن بقيت وجهة غالبية المقاتلين الأجانب الجماعات الجهادية، لا سيما «جبهة النصرة»، في حين التحقت قلة من الأجانب بجماعات «معتدلة» مثل «لواء التوحيد» في حلب.

خلافات وانشقاق وتشكيلات

مع تعمق الخلافات المتعلقة بالأفكار أو التنافس على النفوذ، انتقل أغلب «المهاجرين» إلى جماعات انقسمت على بعضها في فترات معينة، مثل «جبهة النصرة» التي كانت تابعة لتنظيم الدولة (داعش) وانشقت عنه بعد رفض قائدها حينذاك أحمد الشرع مبايعة زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وإعلانه في المقابل بيعته وتنظيمه لزعيم «القاعدة» السابق أيمن الظواهري.

في تلك الفترة انشق المزيد من المقاتلين الأجانب وقيادات من «النصرة» للالتحاق بتنظيم «داعش»، عادّين أن «بيعة الظواهري» غير مقبولة ليدخل الفصيلان في جولات اقتتال أفضت بجزء منها إلى تشكيل جماعات مستقلة عنهما، أبرزها «جند الأقصى» الذي أسسه الجهادي العراقي المولد الفلسطيني الأصل أبو عبد العزيز القطري، وتشكيلات أخرى اعتمدت التمحور حول جنسيتها الأصلية مثل الإيغور والأوزبك والشيشان.

يخشى المسؤولون الأوروبيون من أنه مع مرور سوريا بمرحلة انتقال سياسي فقد تتشكل جماعات إرهابية داخل البلاد (أرشيفية – رويترز)

يخشى المسؤولون الأوروبيون من أنه مع مرور سوريا بمرحلة انتقال سياسي فقد تتشكل جماعات إرهابية داخل البلاد (أرشيفية – رويترز)

لكن مع تمدد «داعش» جغرافياً أواسط 2014 في محافظات غرب وشمال غربي العراق وصولاً إلى محافظات دير الزور والرقة وجزء من محافظة الحسكة وريفي حلب وإدلب، بدأت حالة من العداء بين التنظيم وجماعات أخرى تشكلت من مقاتلين أجانب أيضاً وحكم عليها التنظيم بـ«الردة». وهذه معظمها بقيت على علاقة جيدة بـ«جبهة النصرة»، مفضلة «الحياد» في كثير من المعارك على الانحياز إلى طرف دون آخر في «قتال الإخوة».

ومن تلك الفصائل التي بقيت على حالها حتى سقوط نظام الأسد، «الحزب الإسلامي التركستاني»، و«أجناد الشام» و«أجناد القوقاز» و«أنصار التوحيد»، وبقايا فصيل «جند الأقصى» الذي كان أغلب قادته من السوريين وانفرط عقده في 2017. وذهب قسم منه باتجاه «داعش» وآخر بقي في مناطق إدلب باسم «أنصار التوحيد» وكان أحد التشكيلات المتحالفة مع «هيئة تحرير الشام» في إدارة العمليات العسكرية التي سيطرت على دمشق.

«سورنة» المعركة

في الأعوام بين 2014 و2018، كانت «هيئة تحرير الشام» بدأت تكبح منهجياً من سلطة المقاتلين الأجانب وتنحيهم عن تصدر القيادة والظهور في الإعلام كما كان الوضع سابقاً، واعتقلت الكثيرين منهم كما فعلت مع «حراس الدين». كذلك طردت من صفوفها الكثير ممن رفضوا الانصياع للتغيرات التي أحدثها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) وقتها. فقد بدأ هؤلاء المقاتلون الأجانب يشكّلون عائقاً في وجه مشروع «هيئة تحرير الشام» داخلياً وخارجياً. فمن جهة راح يتنامى لدى السوريين شعور بأن «الهيئة» تفضل عناصرها وقادتها من الأجانب على السوريين، وخارجياً صار هؤلاء يظهرون في الإعلام وينشطون في المساجد، ويتركز خطابهم على أدبيات جهادية كتلك التي تقول بها «القاعدة»، بل ووجدت «هيئة تحرير الشام» أنهم يعرقلون علاقتها مع تركيا؛ إذ حرّموا التعامل مع الجيش التركي؛ كونه ينتمي إلى حلف شمال الأطلسي، «ناتو».

وعليه، عمل الشرع على «تشذّيب المتشددين داخل الهيئة من السوريين والأجانب على السواء»، وغيّر الخطاب من «جهاد عابر للحدود» إلى محلي سوري، فبدأت تظهر في خطاباته عبارات تدل على المحلية وأن سوريا لها الأولوية كعبارة «ثورة أهل الشام» التي كثيراً ما كان يرددها.

في تلك المرحلة اصطف معه كثير من المقاتلين الأجانب وتبنّوا رؤية الشرع «الوطنية»، عادّين أن سوريا للسوريين وأنهم «أنصار» في هذا، وعمل هو بالتوازي على «سورنة المعركة والمقاتلين» من خلال دمجهم في السياسة الجديدة القائمة على الابتعاد عما هو خارج الحدود.

فهل ينجح اليوم وقد صار أحمد الشرع رئيساً للبلاد في إجراء المزيد من التشذيب والدمج بما يحقق شروط الخارج ومصالح الداخل؟

الشرق الأوسط

———————————–

التحرك الأميركي الحاسم بشأن سوريا يرسّخ الهزيمة الإقليمية لإيران/ جيمس جيفري

الخطوة أغلقت الباب أمام طموحات طهران في استغلال هشاشة المشهد السوري

آخر تحديث 14 مايو 2025

أعلن الرئيس دونالد ترمب، خلال زيارته إلى الرياض في 13 مايو/أيار، رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وتبع ذلك، في اليوم التالي، لقاء جمعه بالرئيس السوري الشرع. وعلى الرغم من غياب التفاصيل الدقيقة في تصريحاته، فقد أكد ترمب عزمه على منح سوريا فرصة جديدة للنهوض والازدهار.

غير أن ما لم يحظ بالقدر نفسه من الاهتمام، رغم ثقله الاستراتيجي، هو أن هذه الخطوة وضعت حدا لصراع داخلي محتدم داخل الإدارة الأميركية، وأعادت رسم الاصطفافات بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وشركائها العرب والأتراك والأوروبيين من جهة أخرى. والأهم من ذلك، أنها أغلقت فعليا الباب أمام طموحات طهران في استغلال هشاشة المشهد السوري لإحياء مشروعها التوسعي المتمثل في “الهلال الشيعي”.

يحمل هذا القرار في طياته أثرا تاريخيا بالغا، إذ جاء تتويجا لسلسلة من الانتكاسات التي لحقت بإيران ووكلائها، وأسهم في توحيد المجتمع الدولي حول قضايا الشرق الأوسط.

ورغم أن إسرائيل بدت في حالة من العزلة نتيجة نهجها العدواني تجاه حكومة الشرع وحليفتها التركية، فقد بدأت في الآونة الأخيرة تظهر مؤشرات على تغيّر في موقفها، تجسدت في نقاشات هدفت إلى خفض التصعيد مع أنقرة حول الملف السوري، خاصة في أذربيجان، إضافة إلى تصريحات أكثر إيجابية صدرت حديثا عن وزير خارجيتها المتشدد. لكن التحول الأهم تمثل في خطوة ترمب لتضييق الخناق على النفوذ الإيراني في سوريا، والسماح للجيش الإسرائيلي بتقليص وجوده العسكري على إحدى الجبهات، الأمر الذي عزز الشعور بالأمن في إسرائيل، وأسهم في استقرار أوسع على مستوى الإقليم.

ومع ذلك، لا يزال طريق التسوية طويلا وشاقا، بدءا بالاجتماع المقرر هذا الأسبوع في تركيا بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره السوري. وحتى الآن، لا توجد مؤشرات واضحة على موعد رفع العقوبات رسميا من قبل الكونغرس، إذ يختلف هذا المسار عن الاستثناء الرئاسي الذي استطاع ترمب إقراره بسرعة، بينما يتطلب قرار الكونغرس مسارا تشريعيا أطول. وعلى الرغم من أن ردود الفعل الأولية من الكونغرس جاءت إيجابية، فإن التفاصيل الدقيقة تبقى مهمة.

وفي هذه الأثناء، لا تزال واشنطن تُدرج “هيئة تحرير الشام”، التابعة للشرع، على لائحة المنظمات الإرهابية، ولا تزال تعتبر سوريا دولة راعية للإرهاب، كما أنها لم تعترف رسميا بالحكومة الجديدة التي يترأسها الشرع. وإضافة إلى ذلك فإن قائمة المطالب الأميركية، التي نُقلت إلى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال لقائه في بروكسل، ما زالت محل نقاش ومتابعة. ومن المتوقع أن يركز اجتماع الشيباني مع وزير الخارجية ماركو روبيو على هذه المطالب الجوهرية.

وتتضمن قائمة المطالب الأميركية طيفا واسعا من القضايا الأمنية، تبدأ بدعوة دمشق إلى التعاون في استعادة المواطنين الأميركيين المفقودين، وتسوية الملفات العالقة المرتبطة بالأسلحة الكيماوية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل التي كان نظام الأسد يحتفظ بها.

كما تشمل المطالب التنسيق في مواجهة تنظيم “داعش”، سواء من الناحية العملياتية أو فيما يتعلق بالمعتقلين المحتجزين في مخيم الهول وغيره من المخيمات الواقعة في الشمال الشرقي. وتطالب واشنطن كذلك بمنح القوات الأميركية حرية تنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب في مختلف أنحاء سوريا، والتصدي لمجموعة كبيرة من التنظيمات المصنفة إرهابية، بدءا بـ”الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله”، وصولا إلى فصائل فلسطينية مقيمة منذ عقود في سوريا.

وتشدد الولايات المتحدة أيضا على ضرورة الالتزام بتجنّب أي ممارسات قمعية ضد الأقليات، وتشكيل حكومة شاملة ومتنوعة، إلى جانب إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لتطهيرها من العناصر الجهادية الأجنبية التي تتولى مواقع قيادية. كما حضّ الرئيس ترمب الرئيس الشرع على الانضمام إلى اتفاقات إبراهيم، والاعتراف بإسرائيل.

وبحسب مختلف المصادر، فقد جاء رد دمشق على هذه القائمة الطويلة من المطالب متباينا حتى الآن؛ إذ باشرت بتنفيذ بعض الخطوات بالفعل، فيما لا تزال مطالب أخرى، مثل منح تفويض رسمي للعمليات العسكرية الأميركية أو إقصاء قيادات عسكرية أجنبية بارزة، تواجه تعقيدات أمنية ودبلوماسية تتطلب تنسيقا محكما مع واشنطن. أما فيما يتعلق باتفاقات إبراهيم، فقد تبدو في الوقت الراهن بعيدة المنال، إلا أن الرئيس الشرع يُبدي اهتماما واضحا باتفاقات عام 1974 بين سوريا وإسرائيل.

وعلى الرغم من جرأة القرار الرئاسي، فلا تزال الكثير من التفاصيل الجوهرية بحاجة إلى حسم، كما أن الشكوك داخل إدارة ترمب بشأن الرئيس الشرع و”هيئة تحرير الشام” لم تتبدد بعد، وهو ما يفرض قدرا من الحذر قبل إعلان أي انتصار سياسي. ومع انقشاع الغبار عن هذا الإعلان، سيبدأ المحللون في التساؤل عن الجهة التي ستكون أكثر تأثيرا على الحكومة السورية الجديدة. هل ستكون تركيا، الحليف الأبرز، أم السعودية، أم الولايات المتحدة؟

في المقابل، لا تزال إسرائيل تحتفظ بأوراق ضغط فعالة في مواجهة غريمتها تركيا، سواء عبر نفوذها في الجنوب من خلال الطائفة الدرزية، أو ربما عبر قنوات تواصل ناشئة مع الشرع نفسه.

وأخيرا، تبرز مسألة روسيا كعامل لا يمكن تجاهله في المعادلة السورية. فقد شكّل سقوط نظام الأسد ضربة جيواستراتيجية موجعة لموسكو، خاصة بعد أن رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في عام 2019 خلال زيارة الوزير بومبيو إلى روسيا، مقترحا لحل وسط كان من شأنه إنهاء المستنقع السوري. ومنذ ذلك الحين، انخرطت روسيا في محادثات مع دمشق بهدف الحفاظ على قواعدها العسكرية قرب اللاذقية. ورغم العداء الذي نشأ خلال الحرب بين موسكو والحكومة السورية الجديدة، فإن الطرفين يتحليان بقدر من البرغماتية، ويُعتقد أن هذه المحادثات قد تؤدي إلى تفاهمات عملية.

اللافت في هذا السياق أن كلا من أنقرة وتل أبيب لا تبديان رغبة حقيقية في خروج الروس من سوريا، إذ تعتبران أن لموسكو دورا محتملا في توازنات الملف السوري، إلى جانب مصالح أخرى، لا سيما بالنسبة لتركيا، تتعلق بالأمن والدبلوماسية والاقتصاد، لا يبدو أن الرئيس أردوغان مستعد للتفريط بها من أجل مسألة ثانوية كوجود القواعد الروسية. أما الآن، ومع تبنّي ترمب لما يُعرف بـ”سوريا الجديدة”، فإن موقفه تجاه روسيا يكتسب أهمية خاصة، وقد يُستثمر كورقة مؤثرة في المفاوضات الجارية حول أوكرانيا، والتي تحظى بدعم أميركي واسع.

وبصرف النظر عن الخلفيات الجيوسياسية التي أحاطت بقرار ترمب، فإن رفع العقوبات يُعد مكسبا كبيرا للشعب السوري، إذ يفتح نافذة أمل حقيقية أمام جهود إعادة الإعمار، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه البلاد بعد تفادي الانزلاق مجددا إلى الفوضى والحرب الأهلية. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الحرب، التي استمرت أربعة عشر عاما، خلّفت دمارا يتجاوز 400 مليار دولار في البنية التحتية والاقتصاد. كما أدى النزاع إلى تهجير نحو نصف السكان، بينهم أكثر من ستة ملايين لاجئ في دول الجوار وأوروبا. وفي ظل استمرار العقوبات الأميركية الصارمة، والمعروفة باسم “قانون قيصر”، تصبح إمكانية إيصال المساعدات محدودة بسبب المخاوف من الملاحقة القانونية، سواء من الإدارة الحالية أو من إدارات مستقبلية.

علاوة على ذلك، فإن الإعفاءات الرئاسية، رغم ما تتيحه من تسهيلات مؤقتة لتقديم المساعدات أو تمويل مشاريع تنموية محدودة، لا توفر الإطار القانوني المستقر الذي يحتاجه مجتمع الأعمال الدولي لتقديم استثمارات طويلة الأجل، وهو المسار الأهم والأكثر فاعلية لإعادة إعمار البلاد. فالشركات تتطلب بيئة مستقرة وآمنة، وهو ما لا يمكن تحقيقه من خلال إعفاءات ظرفية أو مؤقتة.

وفي الختام، ومع تسارع التطورات الإقليمية الدراماتيكية في الآونة الأخيرة، من الهزيمة الإقليمية التي مُنيت بها إيران، مرورا بالتفكيك شبه الكامل لتنظيم الدولة الإسلامية، ووصولا إلى الإعلان عن حل جماعة “حزب العمال الكردستاني” الكردية المصنفة إرهابية في تركيا، تبدو إعادة دمج سوريا في محيطها فرصة حقيقية لفتح صفحة جديدة، قد تمهد لشرق أوسط أكثر ازدهارا واستقرارا وسلاما.

———————————–

هل يلتقط السوريون الفرصة العربية الأميركية؟/ غازي دحمان

15 مايو 2025

سيذكر السوريون يومَي 12 و13 مايو/ أيار (2025)، يومين فارقين في مسارات حياتهم، لما ينطويان عليه من قطع مع مرحلة تاريخية، كانت أشدّ المراحل سوءاً في تاريخ سورية الحديث، إذ عانى السوريون أبشع أنواع الحرمان والعَوز، ووصل بلدهم إلى عتبة التفكّك والاندثار. ما حصل في هذه الأيّام يشبه ظهور البجعة السوداء، في وقتٍ كانت السياقات تتّجه إلى صناعة واقع مشؤوم بدأ بعضهم يستسلم لرياحه التي هبّت من أركان عدّة. ثلاثة أحداث، ستغير الواقع السوري، وستؤسّس مرحلةً جديدةً مختلفة، تسابقت إلى إعلان نفسها في اليومَين المذكورَين، إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه رفع العقوبات عن سورية، وتصريح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن تلّ أبيب تريد علاقات جيّدة مع الحكومة السورية الجديدة في دمشق، وترغب في الاستقرار رغم مخاوفها الأمنية، وإعلان حلّ حزب العمّال الكردستاني، وانعكاساته المتوقّعة على الوضع في سورية. هذا يعني أن البيئة الاستراتيجية في سورية تحوّلت بشكل كبير، وستنعكس أساساً في تجاوز مرحلة التوتّر والشكّ في إمكانية استمرار سورية دولةً واحدةً، وضرباً للمشاريع التي ازدهرت في سماء سورية، وراحت تضع السيناريوهات السوداء لمستقبل البلاد، بل وصلت حدّ وضع خرائط التقسيم، وحدود كلّ مكوّن، وشكل العلاقات المستقبلية بين أطراف سورية متصارعة.

لكنّ هذه التطوّرات سلّطت الضوء على حقيقة (لم تكن خافية على مراقبين كثيرين) أن أميركا هي المايسترو القادر بالفعل على إحداث الانقلاب في شؤون المنطقة كلّها متى أرادت، فما إن قرّرت واشنطن إعادة التموضع في الملفّ السوري، حتى تراجعت المشاريع والأفكار والخطط، وكأنّه جرى قطع الأكسجين عنها، وماتت بالسكتة من دون ضجيج ولا عزاء.

لكن أيضاً، لا بدّ من الإشارة إلى الدور العربي المهم في صناعة هذا التغيير، إذ ليس سرّاً أن سورية لا تعني لترامب أيّ شيء لا اليوم ولا بعده، وكان من المحتمل بقاء سورية رازحةً تحت نير العقوبات سنوات طويلة مقبلة، سواء بسبب بيروقراطية الكونغرس وبطئه في اتخاذ القرارات، أو لأن العقوبات المتراكمة على سورية كثيرة وعلى عدّة مستويات، وتحتاج تالياً إلى وقت طويل لتفكيكها. ومن الواضح، أن دول الخليج العربي، قد وضعت رفع العقوبات عن سورية ضمن أكثر أولوياتها أهميةً في محادثاتها مع إدارة ترامب، تقديراً منها لأهمية استقرار سورية، وانعكاس هذا الأمر على الأمن والاستقرار في المنطقة، ولعلّ الأكثر أهميةً في ذلك، تغيير موازين القوى داخل بنية السلطة السورية، بما يؤدّي إلى تقوية التيّار المعتدل داخلها في مواجهة التيّار المتشدّد، إذ ينطوي التغيير الحاصل على فرص مهمّة لمستقبل البلاد، ستجعل كثيراً من السوريين يرون أفقاً أفضل يلوح في مقبل الأيّام، بما يدفع النُّخب على كلّ المستويات إلى الإمساك بهذه اللحظة وتطويرها بوصفها فرصةً لرأب صدوع سورية ولملمة جراحها.

ترتّب هذه التغيرات التزاما مهمّاً على السلطة الحاكمة في دمشق، لترتقي إلى مستوى الحدث وتستطيع استثماره لمصلحة البلاد، لكن عليها، أولاً، ألا تقيّم هذا التغيير (الاعترافين الدولي والإقليمي)، من منطلق عدم وجود بدائل للسلطة الحالية في سورية، فهذا ليس سوى نهج سياسي عقلاني وجدت الأطراف نفسها مجبرة على اتباعه، لأن البديل الآخر هو الفوضى التي ستنعكس آثارها على الجميع من دون استثناء، سيكون ذلك خطأً قاتلاً لو أن الإدارة السورية اقتنعت بهذه النظرية التي (بالمناسبة) قد يُروّجها الجناح المُتشدّد في السلطة، وربّما ينظر إلى هذه التغيّرات بوصفها فخاخاً يُراد بها الإيقاع بالسلطة وحرفها عن مسارها الثوري. على العكس تماماً، يتوجّب على السلطة السورية أن تعكس اهتمامها بالمبادرة العربية والأميركية تجاهها، بتغيير نمط سياساتها الداخلية، التي أثارت كثيراً من الانتقادات، ولا سيّما تجاه تعاملها مع الأقلّيات، والحوار الوطني وصياغة الإعلان الدستوري، والانتباه إلى أن كلّ شيء قد ينقلب إلى ضدّه وتتحوّل سورية دولةًَ فاشلةً ما لم تستطع السلطة ضبط الوضع الأمني ووقف الإنتهاكات المتنقّلة والمنفلتة، والخروج من منطق الثأر والانتقام، إن أرادوا لسورية النهوض والخروج من المأزق الحالي.

المطلوب والعاجل أن ترتقي الذهنية السورية، سلطةً ومعارضةً وبمختلف مكوّنات الفسيفساء السورية، إلى التقاط هذا التغيير المهم للبناء عليه واستثماره إلى أقصى حدّ، بل التعامل معه بوصفه فرصةً لن تتكرّر، ويمكن أن تضيع، وتدخل بعدها سورية زواريب الإهمال والنسيان، فلا تستطيع لا دول عربية ولا إقليمية إخراجها من وضع سبق أن وقعت فيه دول عديدة ضاعت في غياهب النسيان، وظلّت مقيمةً في متنه إلى أجل غير معلوم. بهذه المبادرة، العربية الأميركية، يمكن القول إن هذه الأطراف قد عملت ما هو مطلوب منها، فتحت أبواب الأمل أمام السوريين، وهي على استعداد لتقديم الأدوات والوسائل المساعدة لرفع سورية من تحت الأنقاض، يبقى أن السوريين بأيديهم يمكنهم وضع القاطرة في السكّة لمغادرة أسوأ مرحلة في حياتهم، أو إخراج القاطرة من مسارها لتكمل دوس ما رحمته الأقدار وتحطيمه. إنها مسؤولية ضخمة لمن يدرك.

——————————–

سورية التي لا تحتمل إضاعة مزيد من الفرص/ سوسن جميل حسن

15 مايو 2025

من على منصّة خلال منتدى الاستثمار الأميركي السعودي، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الثلاثاء الماضي (13 مايو/ أيّار) رفع العقوبات عن سورية: “سأصدر الأوامر برفع العقوبات عن سورية من أجل توفير فرصة لهم للنمو”. هذا ما قال الرئيس. ووقف الحضور، بعد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإيلون ماسك وجيف بيزوس، لتصفّق له. كانت فرحة بن سلمان، الواضحة بشكل جلي في وجهه، لحظةً عاطفيةً قصوى في تأثيرها في نفوس السوريين الذين عبّروا عن شكرهم له. ليسوا وحدهم الحاضرين في المنتدى من وقفوا وصفّقوا، بل غالبية الشعب السوري، ومن يتعاطف معه في هذه المحنة التي استمرّت سنوات طويلة، دفع ثمنها الشعب ولم تؤثّر في النظام، بل لا علاقة لسقوطه بهذه العقوبات الجائرة، هذا هو واقع الحال دائماً، الحكّام يأكلون الحصرم والشعوب تضرس، وليس كما قال ترامب: “كانت العقوبات قاسيةً ومدمّرةً، وكانت مهمّةً جدّاً في ذلك الوقت، ولكن الآن، إنه وقتهم كي يتألّقوا (يقصد السوريين)، أقول لسورية: حظّاً سعيداً”.

فور الإفراج عن هذه المفاجأة، اندفعت الجماهير السورية تجوب شوارع المدن، وشوارع الواقع الافتراضي في كل وسائل التواصل الاجتماعي، تعبيراً عن فرحتها، وهل هناك فرح أعظم بعد سنوات عجاف جفّفت عروق السوريين مثلما جفّفت تراب أرضهم، وحرمتهم من نسغ الحياة؟

لقد قدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) أن سورية، بمعدل النمو الحالي، لن تعود إلى مستواها الاقتصادي لعام 2010 قبل عام 2080، فماذا يعني هذا الكلام؟… إنه يعني، بكلّ بساطة، موت أجيال عدّة، زيادةً عمّن ماتوا خلال هذه الحرب اللعينة، ويعني أيضاً عوداً على بدء، وكأنّ الشعب السوري الذي دفع 14 عاماً من عمره من أجل تغيير واقعه والنهوض ببلاده وصون حرّيته وكرامته، قد ذهبت تضحياته هباءً، وعليه البدء من تحت الصفر، بل من تحت الركام. هل يمكن الركون والطمأنينة إلى السياسة الأميركية تجاه سورية، وأنها سياسة واضحة المعالم؟ وهل من الجيّد رفع سقف التوقّعات من إعلان ترامب رفع العقوبات عن سورية، هذا القرار الذي دفعت ثمنه دول الخليج من أجل مستقبل سورية؟… أسئلة كثيرة تدور في الذهن، بعد أن تهدأ نشوة النفوس من سماع الخبر، خاصّة مع هذا التعب والإنهاك الروحي عند الشعب السوري، لكن ليس من باب المصادفة أن يتوجّس السوري من فرحه المفاجئ، أو ضحكته، “ربنا أعطنا خير ضحكنا”، فهناك توجّس من الضحك، الذي هو عنوان الفرح غالباً، فالسوري، خاصّة في جحيم سنوات الحرب، بات يخاف الفرح، يخاف البهجة، يخاف الوعد، يخاف السعادة.

في الواقع، أمام الحكومة السورية التي تسلّمت بلاداً منهارةً ومجتمعاً منقسماً ومنهكاً، مسؤولياتٌ فائقةُ الجسامة، وهي إن لم تعمل للسيطرة عليها، خاصّة الممارسات التي تضرّ بالسلم الأهلي، فإن الأمان الذي يحتاج إليه النشاط الاقتصادي ورأس المال والاستثمارات لن يتوافر. ومن ثم، لن يحقّق رفع العقوبات المرتجى منه في ما يخص الانتعاش وإعادة الإعمار وعودة الحياة والأمل إلى الشعب السوري. أوشكت الإدارة الجديدة على إكمال نصف عام من تسلّمها الحكم في سورية، لقد عملت بشكل جادّ وحثيث على كسب تأييد إقليمي ودولي، وقامت بنشاط دبلوماسي مكثّف مع الدول العربية وكذلك الغربية، من أجل رفع العقوبات، وهذا جيّد وضروري، وله موقعه المهمّ بين الأولويات في ما يخص نهوض الدولة، فماذا عن المجتمع؟

كان الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا قد خفّفوا بالفعل عقوباتهم، التي شُدِّدت خلال الحرب السورية. ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة تتردّد في اتخاذ قرار، قائلةً إنها تودّ أولاً رؤية كيفية ممارسة القيادة الجديدة سلطاتها، خصوصاً في ما يتعلّق باحترام حقوق الإنسان والأقلّيات. كما قرّر وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين 27 يناير/ كانون الثاني 2025، تخفيف نظام العقوبات الذي فرضه على سورية منذ بداية الحرب في عام 2011: “لقد توصّلنا إلى اتفاق سياسي للبدء بتخفيف هذه العقوبات”، كما قالت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، كاجا كلاس: “هذا يمكن أن يعطي دفعة للاقتصاد السوري ويساعده على النهوض من جديد”.

تنصّ خريطة الطريق التي اعتمدها الوزراء الأوروبيون على وقفٍ تدريجيّ للعقوبات، وفقاً للالتزامات التي تعهّد بها النظام السوري الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع، ولا سيّما في مجالات الحكم واحترام الأقلّيات وحقوق الإنسان. وهذه القرارات قابلة للعكس، ففي حالة التراجع في هذه القضايا، يمكن إعادة فرض العقوبات. كذلك، عند استقباله الشرع في الإليزيه (7 مايو/ أيار الماضي)، طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الشرع “بذل كلّ ما في وسعه لضمان حماية جميع السوريين من دون استثناء، بغضّ النظر عن أصولهم أو دينهم أو طائفتهم أو آرائهم”. كما تمنّى أن “يُلاحق ويُعاقب” مرتكبو أعمال العنف ضدّ الطوائف المستهدفة كالدروز، و”المذابح” ضدّ أعضاء الأقلّية العلوية في مارس/ آذار الماضي. فهل الغرب جادّ بالفعل وحاسم في هذه الشروط، أم أن ما يهمّه بالدرجة الأولى تأمين مصالحه في المنطقة؟

شكّل قرار ترامب رفع العقوبات ما يشبه بواكير الغيث في نفوس السوريين العطاش، بعد أن تحوّلت حياتهم مساحاتٍ قاحلةً من دون وعدٍ بقطرة ماء، فبمجرّد الإعلان ارتفعت قيمة الليرة السورية أمام الدولار، وراح السوريون يحلمون بانخفاض أسعار المواد، وبأنهم باتوا قادرين على شراء ما حرموا منه طوال هذه السنوات العجاف، وقادرين على الحصول على بديهيات عيشهم من ماء وكهرباء وتعليم ورعاية صحّية، وغيرها. ليس صحيحاً أن بعض السوريين لم يكونوا فرحين من قرار رفع العقوبات، والتفسير أن ذلك بدافع طائفي، في إشارة إلى الأقلّيات الذين لا يتمنّون للقيادة الجديدة النجاح. هذا تفسير قاصر وضارّ في الوقت نفسه، فلدى من لا يفرح بقرار كهذا خلل في محاكمته، في ما لو غضضنا النظر عن عواطفه ونزعاته ومنظومته الأخلاقية، لكنّ الشعب السوري أوشك أن يفقد الثقة في المستقبل، خاصّة أن ممارساتٍ كثيرة تمسّ السلم الأهلي، والاعتداءات التي تصل أحياناً إلى القتل بسبب الانتماء الطائفي، ومحاولات فرض اللون الواحد، بدءاً من الحكومة وتوزيع المسؤوليات، وانتهاء بالسيطرة على المجال العام، ما زال هذا كله مستشرياً في حياة السوريين، ما يعزّز هذه الثقة والأمل الضعيفَين في المستقبل، ويجعل هذه الشريحةَ غير المتفائلة من السوريين ترى أن خطوة رفع العقوبات (المشروطة) من الاتحاد الأوروبي وأميركا، لن تجلب الأمان والطمأنينة إلى نفوسهم، ما لم تغيّر الحكومة من أدائها وممارساتها تجاه ما يحدث. ومن ثم، فإن الأحلام بغد أفضل وتحقيق أحلامهم بعيش كريم افتقدوه، سوف لن تتحقّق.

لقد أشار ترامب في كلمته إلى أنه توصّل إلى هذا القرار بعد “طلبات ملحّة” من مضيفه، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ما يدلّ على أن رفع العقوبات عن سورية لم يأتِ بسبب الدور الفاعل أو المؤثّر للقيادة السورية الحالية، في السياسة العالمية، بل بفضل جهود ووعود قدّمتها دول الخليج، السعودية وقطر والإمارات، وكفلت النظام السوري معها، والذي تعهّد أيضاً بأن يكون إيجابياً في ما يتعلّق بالاستراتيجية المتعلّقة بالمنطقة، وهذا مؤشّر من المهم أن يبقى حاضراً في ذهن القيادة السورية، مثلما يجب أن يبقى حاضراً أيضاً أنها تحت مجهر المراقبة، وأن الدول الكبرى، والمحيط الإقليمي المؤثّر، الذي أسهم في إنجاح هذا الإجراء، يتابع أداء السلطة في دمشق، ويرصد التقدّم الذي تحرزه في ما يخصّ الشروط التي وضعها الغرب، والتي ستؤدّي في حال تطبيقها إلى إيجاد البيئة الملائمة للاستثمارات ونهوض الاقتصاد السوري، وتحقيق الاستقرار في سورية. سورية لا تحتمل إضاعة مزيد من الفرص.

————————————

أميركا أولاً في سوريا/ صبا ياسر مدور

الأربعاء 2025/05/14

رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا، لتدخل دمشق بذلك وللمرة الأولى في خط تماس مباشر مع الغرب، لا بصفتها خصماً أو ملفاً أمنياً، بل كشريك محتمل في معادلة إقليمية جديدة. القرار الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من العاصمة السعودية، الرياض، يُعد امتداداً مباشراً للزلزال الجيوسياسي الذي بدأ في الثامن من ديسمبر العام الماضي، حين بدأت قواعد الاشتباك التقليدية تتهاوى واحدة تلو الأخرى. في جوهره، لا يقتصر القرار على رفع عقوبات اقتصادية وُصفت بأنها الأشد إيلاماً منذ نصف قرن، بل يتجاوز ذلك إلى إعلان مرحلة جيوسياسية مختلفة كلياً. مرحلة تتخطى سياسة المحاور وتمضي نحو إعادة خلق أدوار جديدة وفاعلين جدد في الشرق الأوسط الجديد.

ورغم أن القرار الأميركي جاء بعد مطالبات إقليمية حثيثة من السعودية وقطر وتركيا، فإن صيغته فاجأ حتى أكثر الأطراف الدافعة باتجاهه. هذه المفاجأة تشير على الأرجح إلى أن الخطوة لا تتعلق فقط بإتاحة فرصة للتعافي والسلام في سوريا بعد سنوات الحرب، بل تتصل مباشرة بعقلية إدارة ترامب التي وضعت مبدأ “أميركا أولاً” كإطار ناظم لإعادة تموضع واشنطن في الشرق الأوسط بما يتسق مع أولوياتها الاستراتيجية الجديدة.

لذا، يمكن تحميل قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بأنه إشارة ذات صلة على ثلاث مستويات رئيسية:

أولاً: يشكل القرار مؤشراً على تمركز أميركي جديد في المنطقة، حيث تسعى إدارة ترامب إلى فتح صفحة مغايرة تماماً لسياسات أسلافه، بايدن، أوباما، وبوش، خصوصاً فيما يتعلق بنمط التدخلات الأميركية التي ارتبطت في الذاكرة العربية بالحروب “الملوثة والعابثة”. يسعى ترامب إلى إعادة تشكيل الصورة الذهنية لأميركا في المخيال العربي، باعتباره قائداً لا يتجاهل فرص السلام، بل يعززها، على عكس سلفه جو بايدن الذي كاد قبل سقوط نظام الأسد أن يتجه لتخفيف العقوبات عن دمشق، في خطوة بدت كأنها مكافأة للسلطة بدلاً من محاسبتها.

لكن ترامب ينظر إلى سوريا من زاوية مختلفة أيضاً، بوصفها جزءاً من معادلة “أميركا أولاً”. فالموقع الجيوسياسي لسوريا يخدم، برأيه، المصالح الأميركية الاستراتيجية في هذه المرحلة، لا سيما حين يُعاد إدراجها ضمن هندسة العلاقات الإقليمية الجديدة، مع الأخذ بالاعتبار صعود حكام جدد قادرين على امتصاص الفوضى، وفق قواعد براغماتية تتكئ على أغلبية شعبية. من هنا، فإن إعادة التموضع يمكن اعتبارها تعبئة ذكية للفراغ، بأسلوب ترامب، من خلال تفويض الحلفاء الجدد بإدارة النفوذ والتوازنات ما بعد الحرب، في ظل انشغالات أميركا في جبهات أكثر اشتعالاً، وفي مقدمتها الصين.

ثانياً، يعكس القرار بشكل أكثر تحديداً ملامح النظام الإقليمي الجديد، الذي بدأت تتشكل معادلاته عبر إعادة ترتيب التحالفات الاستراتيجية، بدءاً بتوسيع أفق التحالف الاستراتيجي السعودي-الأميركي، والتنسيق المتقدم بين أنقرة وواشنطن، حيث تُمنح تركيا، بصفتها عضواً فاعلاً في الناتو، دوراً مركزياً في إدارة التوازنات على خطوط الصدع الرئيسية، وخصوصاً في سوريا، التي باتت إحدى نقاط الارتكاز في هيكل النظام الجديد للمنطقة. وليس مبالغة أن القرار بشكل أو بآخر يضع تعريفاً جديداً لمن يملك فعلياً أدوات النفوذ والتأثير في مسرح الشرق الأوسط. فواشنطن باتت ترى في تركيا، إلى جانب عدد من الدول العربية الحليفة، وخصوصاً السعودية، أطرافا أكثر قدرة وثباتا على إدارة التوازنات الإقليمية، مقارنة حتى بحليفتها التقليدية إسرائيل.

وهذا يضع حداً نهائياً للجدل غير الواقعي الذي روج لفكرة وجود تنافس إسرائيلي-تركي داخل الساحة السورية. فمثل هذا “التنافس” لا يرقى في الحقيقة إلى مستوى صراع متكافئ، نظراً لاختلاف موازين القوتين داخل الميدان السوري، الذي تميل معادلاته بوضوح لصالح تركيا والدول العربية، لما تملكه من وزن عقائدي وشعبي في النسيج السوري. وتأتي الإشارة الأكثر وضوحاً في هذا السياق في التصريح غير المسبوق لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الذي ألمح إلى إمكانية فتح علاقات جديدة مع دمشق. وهو تصريح يشي بأن إسرائيل بدأت تلتقط إشارات التغيير في قواعد اللعبة الأميركية، وتُدرك أن موقعها في المشهد السوري لم يعد محصناً، وأن زمام المبادرة ينتقل تدريجياً إلى أنقرة، اللاعب الأكثر موثوقية، والأكثر قدرة على قيادة المرحلة المقبلة في إعادة تشكيل بنية الدولة السورية، ضمن الهيكل الإقليمي الجديد الذي يتشكل في المنطقة.

وبذلك، فإن القرار الأميركي، وإن بدا ظاهرياً مرتبطاً بالشأن السوري، إلا أنه يكشف تفوق المصالح الأميركية في سوريا على المصالح الإسرائيلية. فتل أبيب، التي بذلت جهوداً كبيرة للإبقاء على العقوبات الاقتصادية عبر خطاب “حماية الأقليات”، وادعاء الحفاظ على التوازنات الطائفية، فشلت في تعطيل المسار. وتجاهل إدارة ترامب لضغوط إسرائيل في هذا الملف بالتحديد، يحمل دلالة لافتة بأن سوريا ضمن حسابات استراتيجية جديدة، مختلفة كلياً عن تلك التي حكمت المنطقة لعقود.

والأهم هو سوريا أولاً. وعلى الرغم ما يحمله رفع العقوبات من دلالات استراتيجية وتحولات إقليمية، تبقى القيمة الأهم في كونه لحظة فارقة في مسار سوريا السياسي والتاريخي. لحظة تُخرج دمشق من أسر المعسكر الشرقي، الذي طالما أمسك بمفاتيح القرار السوري، ليجد نفسه اليوم خارج مشهد التأثير الفعلي، وتُدخلها إلى موقع جيوسياسي جديد عبر بوابة الغرب. هذا التحول سينعكس في نوعية القرار السياسي السوري، وفي شكل الشراكات المستقبلية، وفي أدوات الحكم، وفي مستقبل بلا عزلة.

المدن

———————————————–

عن رسائل رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية/ مصطفى عبد السلام

14 مايو 2025

إذا أردت أن تعرف التأثيرات السريعة لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية منذ سنوات، فارصد ردة فعل الشارع السوري وحركة الأسعار داخل سوق الصرف الأجنبي. فعقب إعلان القرار مباشرة، احتفل السوريون في الشوارع بهذا الإنجاز المهم بالنسبة إلى دولتهم، ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن الأهم على المستوى الاقتصادي والمالي. أما سوق الصرف في سورية، فقد احتفى بطريقته الخاصة، حيث ارتفعت قيمة الليرة السورية بنسبة 16.5% مقابل الدولار في أقل من ساعتين من إعلان القرار.

قرار ترامب خطوة طال انتظارها سنوات طويلة، خصوصاً أن فرض العقوبات الأميركية، والحرب الأهلية قصما ظهر الاقتصاد السوري وكبّداه خسائر تجاوزت 400 مليار دولار، وأرهقا معيشة السوريين، وجمدا علاقاتهم الاقتصادية والمالية والتجارية والاستثمارية بالخارج، حيث صاحبهما فرض كل أنواع الحظر التجاري والنفطي والمالي، وبالتالي عطلا التحويلات الخارجية، وحوّلا البنوك السورية إلى قطاع منبوذ عالمياً موصوم بالإرهاب وغسل الأموال.

وبموجب العقوبات، جُمِّدَت أموال الدولة السورية وأصولها في البنوك الغربية، وقُطعَت العلاقة بين سورية ونظام السويفت SWIFT المالي العالمي، وأدت إلى هروب الاستثمارات الأجنبية، بل والمحلية على حد سواء، ووضعت عشرات القيود على تعاملات قطاعات حيوية مثل النفط والطاقة والطيران والسياحة، والموانئ والنقل البحري وغيرها من الأنشطة الاقتصادية التي كانت لها علاقات قوية بالخارج.

وعندما تحرر السوريون من نظام بشار الأسد البغيض والمجرم، لم يحققوا إنجازات ملموسة على أرض الواقع بسبب العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على اقتصادهم، التي حالت دون تدفق السيولة النقدية والاستثمارات الخارجية، وعطلت مشاريع إعادة الإعمار التي تحتاج إلى أموال خارجية ضخمة، وحالت دون فتح قنوات تمويل مع مؤسسات التمويل الدولية، والسماح للبنك المركزي السوري والمصارف الحكومية والخاصة باستئناف التعاملات المالية الدولية، وتحرير الأموال المجمدة وإعادة دمج النظام المصرفي السوري عالمياً.

ببساطة، إعلان ترامب الأخير يمثل بارقة أمل للسوريين نحو إنهاء المعاناة المعيشية والأزمات الاقتصادية الحالية وتحقيق انفراج سياسي ومالي ملحوظ، ويبعث برسائل عدة، منها أن هناك تحالفاً دولياً يدعم استقرار سورية واقتصادها تقوده حالياً عدة دول، منها تركيا وقطر والسعودية، وهذا التحالف قد يجذب أطرافاً أخرى، منها الولايات المتحدة وفرنسا والصين، وربما روسيا. كذلك، يبعث ترامب برسالة للشركات الأميركية للدخول في سباق قنص الجزء الأكبر من عقود إعادة أعمار سورية، التي تقدر بنحو 400 مليار دولار بعد رفع العقوبات المفروضة على اقتصادها، وفرصة كذلك أمام الشركات العالمية لضخ استثمارات ضخمة في سورية، وخصوصاً في مشروعات البنية التحتية.

لكن يجب ألا ينسى السوريون أن رفع العقوبات الأميركية خطوة ليست كافية لإحداث تحول جذري في خريطة المشهد الاقتصادي الكلي، وإخراجهم من العزلة التجارية والمالية التي عانوها في السنوات الأخيرة. فسورية تحتاج أولاً إلى استقرار سياسي وأمني حقيقي، وقوانين محفزة للاستثمار، وسوق صرف مستقر، وقطاع مصرفي قوي، وحرية دخول الأموال وخروجها، وبيئة مستقرة تُشجع على جذب الأموال الأجنبية وتوجيهها نحو مشروعات إعادة الإعمار بوتيرة أسرع.

—————————

5 نقاط تشرح تأثير رفع العقوبات الأميركية على اقتصاد سوريا/ حسن الشاغل

15/5/2025

في خطوة مفاجئة أعادت ترتيب أوراق السياسة الإقليمية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، خلال زيارته إلى السعودية يوم 13 مايو/أيار 2025، وهو القرار الذي مثّل نقطة تحوّل غير متوقعة في النهج الأميركي بعد سنوات من القطيعة والعقوبات المشددة، وفق مراقبين.

هذا التحول -الذي جاء ثمرة جهود دبلوماسية إقليمية قادتها كل من السعودية وقطر وتركيا- لم يكن مجرد قرار أحادي، بل إنه انعكاس لتغير في المناخ السياسي الإقليمي والدولي، ورغبة في إعادة دمج سوريا في المنظومة الدولية بعد عزلة استمرت لأكثر من عقد من الزمان.

1- دعم إقليمي

وتخللت زيارة ترامب إلى الرياض اجتماعات رفيعة المستوى مع قادة دول الخليج، وكان اللقاء التاريخي مع الرئيس السوري أحمد الشرع من بين الأبرز في جدول الزيارة.

وجاء الإعلان عن رفع العقوبات بمنزلة إشارة واضحة على أن صفحة جديدة تُفتح بين واشنطن ودمشق.

لقاء ترامب الشرع – واس

الدعم الإقليمي لقرار رفع العقوبات تمثّل في جهود السعودية وقطر وتركيا (واس)

وتزامن القرار مع دعوات متكررة من السعودية وقطر والاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في العقوبات المفروضة على سوريا، بهدف تسهيل عملية إعادة الإعمار، مع تأكيدهم في الوقت ذاته احترام وحدة سوريا وسيادتها.

ورغم أن القرار الأميركي يُعد سابقة في سياق العلاقة بين البلدين، فإن توقيته وطبيعة الحراك الدبلوماسي المصاحب له يشيران إلى تحوّل إستراتيجي أكبر في ملامح المنطقة.

2- تداعيات اقتصادية فورية

ومثلت العقوبات التي فُرضت على سوريا خلال العقود الماضية أحد أبرز التحديات أمام الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع بعد إسقاط النظام السابق، خاصة من حيث إعاقة عجلة الاقتصاد ومنع تدفق الاستثمارات.

ويقول الدكتور يحيى السيد عمر -في تصريح للجزيرة نت- إن رفع العقوبات يمهّد لعودة العلاقات الاقتصادية السورية مع الإقليم والعالم، مما سينعكس على تنشيط التجارة الخارجية، وفك الحجز عن الأموال السورية المجمدة في الخارج، وعودة الشركات الأجنبية للاستثمار داخل البلاد.

ويضيف السيد عمر أن القرار أظهر أثرًا فوريًا على سعر صرف الليرة السورية، التي استعادت خلال ساعات أكثر من 16% من قيمتها، ومن المتوقع استمرار تحسنها، خصوصًا في ظل توقعات بدخول مبالغ ضخمة من الدولار إلى السوق السورية والمصرف المركزي.

كما أشار إلى أن إعادة الإعمار باتت ممكنة بعد رفع العقوبات، إذ يُتوقّع دخول شركات أجنبية في قطاعات حيوية مثل التطوير العقاري والطاقة والنقل والتعليم وغيرها خلال أشهر قليلة.

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي عبدالعظيم مغربل أن قرار رفع العقوبات يمثل بوابة حقيقية نحو تغيير بنيوي في الاقتصاد السوري، موضحًا أن تخفيف القيود على قطاعات إستراتيجية، مثل الطاقة والمصارف والنقل، يعيد ضخّ “الأكسجين” في جسد الاقتصاد المتعب، ويخلق فرص عمل جديدة، مما يرفع الناتج المحلي الإجمالي، ويحسّن مستوى المعيشة، ويقلل من الفجوة الاجتماعية.

3- تأثير مباشر على الاستقرار الداخلي

وفي قراءة للانعكاسات السياسية والاجتماعية للقرار، يقول الأستاذ باسل حفار، مدير مركز إدراك للدراسات والاستشارات السياسية، في تصريح خاص للجزيرة نت، إن رفع العقوبات سيمنح السلطة في دمشق إمكانات اقتصادية تساعدها في التواصل مع المكونات السورية التي لم تنخرط بعد تحت حكم الدولة، لا سيما في شمال شرق سوريا ومحافظة السويداء.

1 -سوريا – حلب – تعتبر مدينة حلب عاصمة سوريا الاقتصادية وتمتلك إرثا حضارياً وثقافياً كبيراً

الاستقرار الداخلي في سوريا نتيجة متوقعة لتحسّن الأوضاع الاقتصادية وعودة مؤسسات الدولة للعمل الفعّال (الجزيرة)

ويشير إلى أن تمكين السلطة من تقديم حلول اقتصادية للمناطق الخارجة عن سيطرتها قد يتحول إلى نقطة جذب، ويسهم في تعزيز وحدة الدولة على الأرض.

أما الباحث مغربل، فيرى أن أي انتعاش اقتصادي سينتج عنه استقرار اجتماعي تدريجي، مع توفر فرص العمل وتحسّن الدخل، مما يقلل من الحاجة إلى الهجرة، ويضعف الاقتصاد الموازي والتهريب. ويرى أن ذلك سيسهم في تعزيز قيم الإنتاج والانتماء والثقة، ويؤدي إلى تغيير الخطابات المجتمعية من العدائية إلى التشاركية.

ويضيف أن هذا التحول الاقتصادي سيكون له أثر نفسي كبير، إذ سيشعر المواطنون بأن حياتهم تتحسن، مما يولّد دافعًا حقيقيًا لحماية الاستقرار، وليس تقويضه، مما قد يهيئ الأرضية لسلام أهلي مستدام قائم على التمكين الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وليس على التهدئة المؤقتة.

4- إعادة بناء الدولة وأجهزتها الأمنية

من الناحية الأمنية، يؤكد الأستاذ باسل حفار أن رفع العقوبات سيساعد في دعم الاستقرار الداخلي من خلال إعادة بناء مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، وفق عقيدة أمنية جديدة.

ويشير مغربل إلى أن تخفيف الضغط الاقتصادي سيحدّ من ظواهر أمنية سلبية مثل موجات اللجوء، وتهريب البشر والمخدرات والأسلحة، التي كانت نتيجة طبيعية لانهيار الاقتصاد السوري.

ويضيف أن خلق فرص العمل وتوفير حياة كريمة داخل البلاد سيقلل من انخراط الشباب في هذه الأنشطة، ويعيد التوازن إلى النسيج المجتمعي.

5- انفتاح على المحيط الإقليمي

من الزاوية الجيوسياسية، يوضح الأستاذ حفار أن رفع العقوبات يندرج ضمن إعادة التموضع الإقليمي والدولي لسوريا، وأن الانفتاح الأميركي -ومن قبله الأوروبي- هو جزء من إعادة توزيع الأدوار والتحالفات في المنطقة.

ويرى أن سوريا باتت قادرة الآن على تفعيل موقعها الجغرافي كممر تجاري محوري بين تركيا ودول الخليج وأوروبا، وهو ما يمنحها قيمة إستراتيجية جديدة.

الاستقرار الإقليمي من أبرز النتائج المتوقعة لتغيير التموضع الجيوسياسي لسوريا (الفرنسية)

ويؤكد الباحث مغربل أن تجاوز العقوبات سيُسهّل عودة تدريجية للاجئين السوريين من دول الجوار، مثل لبنان وتركيا والعراق، وهو ما يخفف العبء عن هذه الدول ويقلل من الاحتكاك بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة.

كما يشير إلى أن الاستقرار في سوريا سيقلل من احتمالات تفجّر النزاعات الحدودية، ويُمهّد الطريق لشراكات اقتصادية جديدة في قطاعات الطاقة والنقل والإعمار، بما يُحوّل سوريا من نقطة نزاع إلى عامل استقرار إقليمي.

نحو انطلاقة جديدة لسوريا والمنطقة

في ضوء ما سبق، يبدو واضحًا أن قرار رفع العقوبات عن سوريا لم يكن مجرد خطوة اقتصادية أو سياسية منعزلة، بل يشكّل لحظة فارقة في مسار البلاد والمنطقة. فقد أعاد فتح الأبواب أمام إنعاش الاقتصاد الوطني، وتحفيز الاستثمار، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، كما منح السلطة أدوات جديدة لإعادة بناء مؤسسات الدولة وتعزيز وحدة النسيج الوطني.

الأثر لا يتوقف عند حدود سوريا، بل يمتد إلى جيرانها وإلى مجمل التوازنات في الشرق الأوسط. فالقرار قد يكون بداية حقبة جديدة من التعاون الإقليمي، يعيد رسم خريطة التحالفات الاقتصادية والسياسية، ويمنح المنطقة فرصة نادرة للانتقال من مرحلة النزاع والتفكك إلى مسار إعادة البناء والشراكة.

وإن كانت التحديات لا تزال كثيرة، فإن هذه الخطوة قد تكون نقطة الانطلاق نحو مشروع شامل لبناء دولة سورية حديثة، وعادلة، ومستقرة، ومنفتحة على محيطها والعالم.

المصدر : الجزيرة

——————————

العقوبات الأميركية على سوريا: نظرة شاملة

2025.05.13

بدأت الولايات المتحدة فرض العقوبات على سوريا منذ عقود. أُدرجت سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ نهاية 1979، مما وضعها تحت طائفة من القيود بسبب دعمها المزعوم للتنظيمات الإرهابية. على مر الثمانينات والتسعينات، استمرت هذه القيود وشملت حظر تصدير الأسلحة إلى سوريا والقيود على المساعدات الأميركية نتيجة هذا التصنيف.

في أوائل الألفية الجديدة، تصاعدت الضغوط الأميركية مع إقرار قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان لعام 2003 الذي تبناه الكونغرس. استند القانون إلى اتهام سوريا بدعم الإرهاب، واستمرار وجود قواتها في لبنان، والسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل وصواريخ باليستية، وتقويض جهود الاستقرار في العراق المجاور.

وعلى إثر ذلك، أصدر الرئيس الأميركي في 11 أيار 2004 الأمر التنفيذي 13338 معلناً حالة طوارئ وطنية في العلاقات مع سوريا، لتنفيذ هذا القانون وفرض عقوبات إضافية بموجب قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA). شكلت هذه الخطوة نقطة انطلاق لبرنامج عقوبات أميركي أشمل على سوريا اعتباراً من 2004.

خلال السنوات التالية، توسعت العقوبات مع تغير الأوضاع الإقليمية. في نيسان 2005، وبعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، أصدر الرئيس الأمر التنفيذي 13399 الذي استهدف المسؤولين عن هذا الاغتيال وفرض عقوبات إضافية ضمن حالة الطوارئ المعلنة. ولاحقاً في شباط 2008، صدر الأمر التنفيذي 13460 لمعاقبة المتورطين في أعمال الفساد العام التي مكّنت نظام الأسد المخلوع من مواصلة سلوكياته المرفوضة دولياً.

مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا في آذار 2011 والتي تحولت إلى نزاع مسلح، بادرت واشنطن إلى فرض حزمة جديدة وقاسية من العقوبات. أصدر الرئيس في نيسان 2011 الأمر التنفيذي 13572 الذي وسّع حالة الطوارئ لتشمل انتهاكات حقوق الإنسان بوصفها تهديداً غير عادي للأمن القومي الأميركي.

تلاه في أيار 2011 الأمر التنفيذي 13573 مستهدفاً مسؤولين كبار في النظام المخلوع بمن فيهم بشار الأسد ومسؤولين آخرين متورطين في تصعيد العنف. ثم جاء الأمر التنفيذي 13582 في آب 2011 ليفرض أوسع عقوبات حتى ذلك التاريخ، حيث جُمّدت ممتلكات الحكومة السورية، وحُظر على الأشخاص الأميركيين الاستثمار في سوريا أو تصدير الخدمات إليها، وحُظر استيراد النفط والمنتجات النفطية ذات المنشأ السوري.

بحلول نهاية 2011، كانت العلاقات الدبلوماسية قد تدهورت أيضاً مع إغلاق السفارة الأميركية في دمشق وتعليق معظم أشكال التعاون.

استمرت العقوبات بالتوسع خلال السنوات اللاحقة. في نيسان 2012 صدر الأمر التنفيذي 13606 لمعاقبة من يساعدون النظامين السوري والإيراني في انتهاك حقوق الإنسان عبر تكنولوجيا المراقبة وغيرها. وفي أيار 2012، صدر الأمر التنفيذي 13608 لاستهداف الأشخاص والشركات الأجنبية التي تساعد في التهرب من العقوبات المفروضة على سوريا وإيران. كما واصلت وزارة الخزانة إضافة كيانات وأفراد سوريين أو داعمين لهم إلى قوائم العقوبات بشكل منتظم بسبب أنشطتهم المزعزعة للاستقرار أو انتهاكاتهم.

وفي تطور نوعي، أقر الكونغرس الأميركي في عام 2019 قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا ضمن موازنة الدفاع، ودخل حيز التنفيذ في حزيران 2020. وسّع هذا القانون نطاق العقوبات بشكل غير مسبوق ليشمل الأطراف الأجنبية التي تدعم النظام المخلوع.

على سبيل المثال، يفرض القانون عقوبات على أي جهات أو أفراد أجانب يقدمون دعماً مالياً أو تقنياً كبيراً للحكومة السورية أو لقطاعيها العسكري والنفطي أو يشاركون في مشاريع إعادة الإعمار لصالح النظام.

وقامت وزارة الخزانة في حزيران 2020 بإدراج أول مجموعة من الأفراد والكيانات بموجب قانون قيصر، مؤكدةً أن أي شخص أو جهة تتعامل مع النظام المخلوع معرضة للإجراءات الأميركية. وبذلك أصبح برنامج العقوبات على سوريا أحد أكثر برامج العقوبات شمولاً وتعقيداً التي تطبقها الولايات المتحدة.

الأطر القانونية والتشريعات الأساسية

ترتكز العقوبات الأميركية على سوريا إلى مزيج من الأطر القانونية التي تشمل قرارات تنفيذية صادرة عن السلطة التنفيذية وتشريعات أقرها الكونغرس:

    قوانين تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب (1979): أُدرجت سوريا في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ 1979 بموجب قوانين أميركية مثل قانون مراقبة تصدير الأسلحة وقانون المساعدات الخارجية. أدى هذا التصنيف إلى فرض حظر على بيع الأسلحة لسوريا وقيود على المعونات الأميركية وغيرها من التدابير العقابية.

    قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان لعام 2003 (Public Law 108-175): يشكل الإطار التشريعي الأساسي للعقوبات التي بدأت في 2004. أوجب هذا القانون على الرئيس فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على سوريا ما لم تقم بعدة خطوات بينها وقف دعم المنظمات الإرهابية (كحزب الله وحماس)، وسحب قواتها من لبنان، ووقف تطوير أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية. منح القانون الرئيس صلاحية تعليق بعض العقوبات إذا شهد بتحقق تقدم في سلوك سوريا. قام الرئيس بوش بالتوقيع على القانون في ديسمبر 2003، ثم أصدر الأمر التنفيذي 13338 في مايو 2004 لتنفيذه.

    حالة الطوارئ الوطنية والأوامر التنفيذية (2004-حتى الآن): اعتمد الرؤساء المتعاقبون على قانون السلطات الاقتصادية في حالات الطوارئ الدولية (IEEPA) وقانون الطوارئ الوطنية (NEA) لإصدار أوامر تنفيذية تفرض عقوبات على سوريا. من أبرز هذه الأوامر:

        الأمر 13338 (2004): جمّد أصول أشخاص مرتبطين بالحكومة السورية وحظر تصدير معظم السلع الأميركية إلى سوريا باستثناء المواد الإنسانية، ومنع الطائرات السورية من الهبوط أو التحليق في الولايات المتحدة، وغيرها.

        الأمر 13399 (2006): استهدف المتورطين باغتيال الحريري بموجب قانون مشاركة الأمم المتحدة (UNPA) إضافة لـ IEEPA، لمعاقبة المسؤولين السوريين الضالعين في زعزعة استقرار لبنان.

        الأمر 13460 (2008): عاقب شخصيات سورية متورطة بالفساد الذي دعم سلوك النظام (كإثراء غير مشروع للمقربين).

        الأمر 13572 (2011): جمّد أصول مسؤولين متورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وقمع المتظاهرين بما فيهم مسؤولون أمنيون.

        الأمر 13573 (2011): استهدف بشار الأسد وأفراد دائرته المقربة بالاسم، مجمّداً أصولهم وحاظراً تعامل الأميركيين معهم.

        الأمر 13582 (2011): فرض حظراً اقتصادياً شاملاً تقريباً، بما في ذلك منع أي صفقات أو تعاملات مالية مع النظام المخلوع، وحظر استيراد النفط السوري، ومنع أي استثمار أميركي في سوريا.

        الأمر 13606 (2012): استهدف الجهات التي تساعد النظام إلكترونياً في مراقبة وقمع المواطنين (بالشراكة مع أمر مشابه ضد إيران).

        الأمر 13608 (2012): خوّل معاقبة الجهات الأجنبية التي تحاول التهرب من العقوبات الأميركية على سوريا أو تساعد في ذلك.

    قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019: يمثل أحدث إطار تشريعي كبير، وفرض عقوبات ثانوية (عابرة للحدود) تطال غير الأميركيين الذين يتعاملون مع النظام المخلوع. يوجب القانون على الرئيس معاقبة أي شخص أو شركة أجنبية توفر دعماً مالياً أو تقنياً مهماً للحكومة السورية أو الجيش أو قطاع النفط والغاز أو تشارك في مشاريع البناء والهندسة الكبيرة لصالح النظام. كما يفرض عقوبات على من يزود النظام بطائرات أو قطع غيار عسكرية أو معدات قد تُستخدم في قمع المدنيين. تشمل العقوبات بموجب القانون قيصر تجميد الأصول وحظر الدخول إلى الولايات المتحدة لهؤلاء الداعمين. يتيح القانون للرئيس تعليق العقوبات إذا رأى أنه يصب في المصلحة القومية الأميركية أو في حال تنفيذ النظام المخلوع لمعايير محددة مثل وقف قصف المدنيين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وغير ذلك من شروط حقوق الإنسان. يُذكر أن القانون استُوحِي اسمه من المصور العسكري السوري المنشق المعروف باسم “قيصر” الذي وثّق تعذيب وقتل معتقلين في سجون النظام، ويهدف إلى محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا.

إلى جانب هذه الأطر، هناك أيضاً قرارات من الكونغرس وتصريحات سياسة تجعل من العقوبات جزءاً ثابتاً من النهج الأميركي تجاه سوريا. على سبيل المثال، أصدر الكونغرس قوانين تمنع تقديم أي مساعدة لإعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها الأسد ما لم يتحقق انتقال سياسي. كما أبقى الكونغرس سوريا ضمن قائمة الدول الخاضعة لعقوبات مشددة بموجب قوانين مكافحة انتشار الأسلحة ودعم الإرهاب. هذا المزيج من الأوامر التنفيذية والتشريعات يجعل العقوبات الأميركية على سوريا شاملة ومتينة، ومن الصعب رفعها إلا بتغير ملموس في سياسات دمشق وفق الشروط الأميركية.

أنواع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا

تطوّرت العقوبات على سوريا لتشمل طيفاً واسعاً من التدابير الاقتصادية والدبلوماسية، بالإضافة إلى استهداف أفراد وكيانات محددين. فيما يلي أبرز أنواع هذه العقوبات:

    العقوبات الاقتصادية:

    تشمل العقوبات الاقتصادية حظراً شبه كامل على التعامل التجاري والمالي مع سوريا. فرضت واشنطن حظراً على تصدير وإعادة تصدير معظم السلع الأميركية إلى سوريا – باستثناء بعض المواد ذات الطابع الإنساني (مثل الغذاء والدواء). كما مُنع تصدير الخدمات الأميركية إلى سوريا (كخدمات الاستشارات والتكنولوجيا وغيرها). في المقابل، حُظر استيراد المنتجات السورية إلى الولايات المتحدة، وعلى رأسها النفط والمنتجات النفطية السورية. إضافة لذلك، فُرضت قيود مالية صارمة تمنع أي استثمارات أميركية في سوريا أو أي تعاملات مالية عبر البنوك الأميركية تتعلق بسوريا. وتم تجميد الأصول التابعة للحكومة السورية في الولايات المتحدة، وحُظر على أي شخص أو شركة أميركية التعامل التجاري أو المالي مع مؤسسات حكومة النظام المخلوع أو الشركات التي تملكها. ونتيجة لهذه العقوبات، أصبحت سوريا معزولة إلى حد كبير عن النظام المالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة، إذ امتنعت المصارف الدولية عن إجراء التحويلات المرتبطة بسوريا خشية التعرض لعقوبات أميركية، ما أدى إلى قطع أوصال الاقتصاد السوري الخارجية. كما تستخدم واشنطن نفوذها في المؤسسات المالية الدولية (كصندوق النقد والبنك الدولي) لمنع أي قروض أو مساعدات مالية لسوريا.

    العقوبات الدبلوماسية:

    اتخذت الولايات المتحدة إجراءات دبلوماسية لعزل النظام المخلوع دولياً. فعلى صعيد العلاقات الثنائية، علّقت واشنطن عملياً التمثيل الدبلوماسي منذ 2012 وأغلقت سفارتها في دمشق، كما منعت منذ 2011 دخول العديد من المسؤولين السوريين إلى أراضيها. بالإضافة إلى ذلك، أُدرجت سوريا في برامج حظر السفر والهجرة؛ فمثلاً كانت سوريا من الدول المشمولة بقرار حظر السفر الذي أصدرته الإدارة الأميركية سنة 2017، مما منع معظم السوريين من السفر أو الهجرة إلى الولايات المتحدة. وفي المحافل الدولية، تعمل الدبلوماسية الأميركية على منع عودة سوريا إلى المنظمات والهيئات الدولية أو الإقليمية المؤثرة ما لم تستوفِ شروط الحل السياسي (كما عارضت سابقاً جهود إعادة دمج سوريا في الجامعة العربية قبل أن تتخلى عن هذه المعارضة في 2023 ضمن تفاهمات إقليمية). هذا إضافة إلى أن العقوبات الاقتصادية نفسها لها أبعاد دبلوماسية، حيث تُرسل رسالة سياسية بعزل النظام المخلوع واعتباره منبوذاً دولياً. أيضاً، تنص التشريعات الأميركية على اعتراض الولايات المتحدة على أي دعم مالي دولي لسوريا عبر المؤسسات متعددة الأطراف، وهو إجراء ذو طابع دبلوماسي-اقتصادي يحد من شرعية النظام دولياً.

    عقوبات على الأفراد والكيانات:

    اعتمدت واشنطن بكثافة ما يُعرف بـالعقوبات الموجّهة أو الفردية. إذ أدرجت مئات من الشخصيات السورية على قائمة العقوبات، وبينهم مسؤولون حكوميون وأمنيون رفيعو المستوى (بشار الأسد وأفراد أسرته وكبار الضباط ومدراء الأجهزة الأمنية) ورجال أعمال بارزون معروفون بتمويلهم للنظام. تؤدي هذه الإدراجات إلى تجميد أي أصول للمذكورين تقع ضمن الولاية القضائية الأميركية، كما يُمنع على أي شخص أو شركة أميركية التعامل معهم مالياً أو تجارياً. وبالمثل، أُدرجت عشرات الكيانات السورية (شركات عامة وخاصة، وبنوك، وواجهات تجارية للنظام، ووحدات عسكرية وأمنية) على قوائم العقوبات. على سبيل المثال، تم إدراج مصرف سوريا المركزي نفسه على قائمة العقوبات واعتباره كياناً ذا مخاطر عالية لغسل الأموال، مما يعني عزل البنك المركزي عن الدولار والنظام المالي الأميركي. كذلك فرضت عقوبات على مصرف التجارة السوري ومصارف خاصة وعلى قطاع النفط السوري (وزارة النفط والشركات العاملة فيه). وضمن تنفيذ قانون قيصر، امتدت هذه العقوبات لتشمل أيضاً الأفراد والجهات غير السورية الداعمة للنظام؛ فقد تم معاقبة شركات من روسيا وإيران وصين وغيرها ثبت دعمها العسكري أو التقني أو تمويلها لمشاريع مع النظام المخلوع. هذه العقوبات الثانوية (على غير الأميركيين) تهدف إلى ردع أي دولة أو شركة أجنبية عن التعامل مع دمشق تحت طائلة فقدان الوصول للأسواق الأميركية. وبموجب الأوامر التنفيذية، هناك أيضاً حظر على منح تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة للمشمولين بالعقوبات، ما يعني منع سفرهم إليها بشكل مباشر. وبهذا، خلقت واشنطن شبكة واسعة من العزلة تستهدف تجفيف موارد النظام المالية وعزل داعميه.

الآثار السياسية والاقتصادية والإنسانية للعقوبات

أدت العقوبات الأميركية المكثفة على مدار سنوات إلى آثار عميقة على سوريا على الصعد السياسية والاقتصادية – مع جدل حول تأثيرها على الوضع الإنساني. فيما يلي عرض لأبرز هذه الآثار:

    العزل السياسي والدبلوماسي: ساهمت العقوبات في ترسيخ عزلة النظام المخلوع دولياً لعقد من الزمن. فمن الناحية السياسية، أصبحت سوريا منبوذة في المجتمع الدولي الغربي؛ قطعت الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية علاقاتها مع دمشق، وجمّدت عضوية سوريا في المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية لعدة سنوات. كما استخدمت واشنطن العقوبات لإرسال رسالة واضحة لأي دولة تفكر في إعادة تأهيل النظام بأن التطبيع له ثمن. وقد انخفض مستوى الزيارات الرسمية المتبادلة مع سوريا بشكل حاد، وفرضت قيود السفر على المسؤولين السوريين حدّت من حركتهم. هذا العزل السياسي زاد من اعتماد النظام على عدد محدود من الحلفاء (روسيا وإيران بشكل أساسي)، وعزّز من ارتهانه لهم سياسياً واقتصادياً.

    الضغط الاقتصادي وإضعاف موارد النظام: لا شك أن الاقتصاد السوري تعرّض لضرر بالغ نتيجة تزامن الحرب الداخلية مع العقوبات الخارجية. فقد انكمش الناتج المحلي السوري بأكثر من 50٪ خلال عقد الحرب، ويقدّر البنك الدولي أن الانكماش ربما بلغ 84٪ بين 2010 و2023 عند الأخذ بالاعتبار مؤشرات مثل انقطاع الكهرباء والنشاط الليلي. انهارت قيمة العملة السورية (الليرة) بشكل غير مسبوق، فتراجعت من نحو 50 ليرة مقابل الدولار عام 2010 إلى مستويات تجاوزت 15 ألف ليرة لكل دولار بحلول 2023. أدى هذا إلى ارتفاع هائل في معدلات التضخم وأسعار السلع الأساسية، مما أثقل كاهل المواطنين. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 90% من السوريين باتوا تحت خط الفقر نتيجة تدهور الاقتصاد.

العقوبات الأميركية – إلى جانب الأوروبية – حرمت النظام من موارد مالية هامة. فعلى سبيل المثال، الصادرات النفطية السورية (التي كانت تشكل قرابة ثلثي عائدات الحكومة قبل الحرب) توقفت تقريباً؛ إذ حظر كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استيراد النفط السوري منذ 2011، كما استهدفت العقوبات أي شركة أو دولة تساعد دمشق في بيع نفطها أو نقله. وبما أن النفط السوري الثقيل كان يجد سوقاً في أوروبا تحديداً، فقد خسر النظام مليارات الدولارات من الإيرادات السنوية كانت تستخدم سابقاً في تمويل جهاز الدولة والحملة العسكرية. أيضاً، جمّدت أصولا بمليارات الدولارات تابعة لمؤسسات حكومية وشركات ورجال أعمال مرتبطين بالنظام في الخارج، مما قيّد قدرة دمشق على الوصول لاحتياطيات النقد الأجنبي في البنوك الدولية. علاوة على ذلك، قيود القطاع المالي تعني أن التحويلات المصرفية إلى سوريا ومنها أصبحت شبه مستحيلة عبر القنوات الرسمية. حتى الدول الحليفة كإيران وروسيا واجهت صعوبة في إجراء معاملات مالية مع سوريا بسبب الخوف من العقوبات الأميركية على بنوكها. هذا أضعف التمويل الخارجي المتاح للنظام، الذي اعتمد أكثر على الأساليب غير الرسمية ونقل الأموال نقداً أو عبر شبكات تهريب.

كل ذلك ساهم في تفكيك أوصال الاقتصاد السوري وربطه فقط بقنوات ضيقة. فقد تقلصت التجارة الشرعية إلى حدودها الدنيا، وازدهرت في المقابل اقتصادات الظل والتهريب لتلبية بعض الاحتياجات. كما أن قطاعي الكهرباء والصناعة تأثرا بشدة نتيجة صعوبة استيراد قطع الغيار والتقنيات الحديثة بسبب الحظر التقني الغربي. وأصبحت سوريا معزولة عن النظام المصرفي العالمي، حيث انقطعت عن نظام التسويات المالية بالدولار وغيرها، مما أجبرها على الاعتماد على عملات بديلة كاليورو واليوان والروبل ضمن ترتيبات محدودة مع حلفائها.

    التداعيات الإنسانية والمعيشية: يشكّل تأثير العقوبات على الشعب السوري مسألة جدلية. تؤكد الولايات المتحدة أن عقوباتها تستثني صراحةً الغذاء والدواء والمواد الإنسانية، وتشير إلى وجود تراخيص خاصة وعامة تسمح للمنظمات غير الحكومية بإيصال المساعدات. كما أصدرت وزارة الخزانة الأميركية إرشادات تشرح آليات تقديم المساعدات الإنسانية رغم العقوبات (مثل الرخصة العامة رقم 22 و 23 اللتين سمحتا مؤقتاً بتحويل الأموال للإغاثة عقب كارثة الزلزال عام 2023). وتؤكد واشنطن أنها تواصل كونها أكبر مانح إنساني للسوريين عبر دعم برامج الأمم المتحدة والإغاثة، وأن العقوبات “لا تستهدف وصول المساعدات إلى الشعب”. على سبيل المثال، شددت وزارة الخزانة في 2020 عند بدء تنفيذ قانون قيصر أن العقوبات لن تعيق أنشطة الاستقرار والإغاثة في شمال شرقي سوريا، وأن المساعدات الإنسانية ستستمر حتى في مناطق يسيطر عليها النظام.

رغم ذلك، يرى كثير من المراقبين والعاملين في المجال الإنساني أن العقوبات فاقمت المصاعب المعيشية للسوريين بشكل غير مباشر. فالعقوبات القانونية والمصرفية جعلت استيراد مواد أساسية – وإن كانت معفية رسمياً – عملية بالغة الصعوبة. الشركات الأجنبية وحتى المنظمات الإنسانية باتت تتجنب التعامل مع سوريا خوفاً من التعرض لعقوبات أو لعدم وضوح الاستثناءات، ما أدى إلى ما يسمى “امتثالا زائدا عن اللزوم” حيث يوقف الجميع التعامل تماماً مع سوريا تجنباً للمخاطرة. هذا أثر على واردات الوقود والمعدات الطبية ومكونات الصناعات الغذائية، وساهم في نقصها أو ارتفاع أسعارها. كما أدى انهيار العملة وتجميد الأصول إلى انهيار القدرة الشرائية للمواطن السوري وارتفاع معدلات البطالة والفقر كما أسلفنا. أضف إلى ذلك أن انقطاع العلاقات المصرفية أخّر أو أعاق وصول تحويلات المغتربين السوريين التي تُعد شريان حياة لكثير من الأسر. وبسبب قيود الطيران والعقوبات على شركات الشحن الجوي، تقلّصت الرحلات الجوية المباشرة إلى سوريا، ما أثّر على حركة المرضى الذين يحتاجون علاجاً بالخارج ودخول السلع.

ومع دمار البنى التحتية بفعل الحرب، وجدت المنظمات الدولية صعوبات لوجستية ومالية في تنفيذ مشاريع إعادة التأهيل (مثل إصلاح شبكات الكهرباء أو توفير آلات زراعية) نظراً لكون هذه الأنشطة قد تُفسَّر على أنها دعم لإعادة الإعمار تحت مظلة النظام المحظورة أميركياً. وقد حذرت منظمات حقوقية دولية من أن بعض العقوبات، خاصة عبر قانون قيصر، تجرّم عملياً المشاركة في إعادة إعمار البنية التحتية المدنية (كالمستشفيات والمدارس ومحطات المياه) حتى لو كان الهدف إنسانياً، ما لم يتم التأكد أن النظام لن يستفيد منها. ورداً على ذلك، قامت وزارة الخزانة في 2021 و2022 بتوسيع نطاق التراخيص الإنسانية والسماح ببعض الاستثمارات المحدودة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام للتخفيف من معاناة المدنيين، مع الاستمرار في منع أي منفعة عن دمشق.

في المحصلة، ساهمت العقوبات في تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناتجة أساساً عن حرب مدمرة. وأصبح السوريون العاديون يواجهون ندرة في فرص العمل وارتفاعاً خيالياً في الأسعار وانهيار الخدمات العامة. بالمقابل، تمكن النظام إلى حد ما من التكيف عبر الاقتصاد غير الرسمي ودعم حلفائه، لكن ذلك جاء على حساب زيادة معاناة الشعب. ورغم أن الضرر الأكبر نتج عن الحرب والفساد وسوء الإدارة في المقام الأول، إلا أن العقوبات عمّقت العزلة المالية وقلّصت الموارد بشكل جعل التعافي مستحيلاً تقريباً في ظل غياب حل سياسي. وهكذا تقف سوريا اليوم أمام اقتصاد منهار ومأزق إنساني كبير، تداخلت فيه عوامل الحرب والعقوبات معاً.

    تأثير العقوبات على سلوك النظام: سياسياً، لم تحقق العقوبات حتى الآن تغييراً جذرياً في سلوك القيادة السورية. فقد استمر النظام، بدعم روسي وإيراني، في حملته العسكرية واستعادة مناطق واسعة بالقوة. ولم يقدم تنازلات جوهرية في مفاوضات العملية السياسية (مسار جنيف ولجنة الدستور) رغم الضغوط الاقتصادية الخانقة. يشير محللون إلى أن النظام تعامل مع العقوبات باعتبارها أقل كلفة من تقديم تنازلات وجودية قد تهدد بقاءه. بل إن بعض الدوائر في دمشق استخدمت العقوبات كذريعة لتبرير التدهور المعيشي وإلقاء اللوم كله على “الحصار الخارجي”، ملتفة بذلك على لوم سياساتها الداخلية.

ومع ذلك، أثرت العقوبات على حسابات النظام التكتيكية. فعلى سبيل المثال، يعزو البعض امتناع دمشق عن شن حملات عسكرية كبرى جديدة بعد 2020 جزئياً إلى الخشية من تشديد إضافي للعقوبات أو فقدان دعم الحلفاء المتضررين اقتصادياً هم أيضاً. كما أن تجميد الأرصدة أصاب الدائرة الضيقة المحيطة بالأسد، وربما ولّد تململاً مكتوماً بين بعض النخب التي رأت ثرواتها في الخارج تتبخر. وقد دفعت الضغوط الاقتصادية النظام إلى قبول جزئي بتسويات محلية مع قوات كردية أو مع الأردن بشأن فتح معابر، في مسعى لاستعادة بعض العوائد التجارية لتخفيف الأزمة المالية. لكن هذه التغييرات المحدودة لم ترقَ بعد لتلبية الشروط الأميركية المعلنة لرفع العقوبات.

المصادر:

    وزارة الخارجية الأميركية – نشرة حقائق البيت الأبيض حول سوريا (2011).

    مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (وزارة الخزانة الأميركية) – برنامج عقوبات سوريا، نظرة عامة (2013).

    الكونغرس الأميركي – قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان 2003؛ قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا 2019

    وزارة الخزانة الأميركية – أسئلة شائعة حول عقوبات سوريا؛ بيان صحفي: عقوبات على داعمي إعادة الإعمار الفاسدة في سوريا (2020).

    وزارة الخارجية الأميركية – تصريحات حول تنفيذ عقوبات قيصر (2020)؛ تصريحات رسمية حول أهداف العقوبات منذ 2011.

    معهد كارتر – تقرير “العقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا” (أيلول 2020).

    وكالة رويترز للأنباء – تغطية حول تأثير الحرب والعقوبات على الاقتصاد السوري (2025).

تلفزيون سوريا

———————————————

 قرارات ترامب حول سوريا: استبدال راعٍ بأخر/ علي سعد

الخميس 2025/05/15

ليس الزلزال الذي أحدثه دونالد ترامب أمس واليوم خلال زيارته الخليجية، أتياً من فراغ، ولا هو فكرة نبتت في ذهن الرئيس الأميركي في ليلة أو خطرت على باله فجأة، على الرغم من أن الأمرين ليسا غريبين عنه.

لكن قبلة الحياة التي منحها ترامب لسوريا أمس، والشرعية التي أضفاها على حكم أحمد الشرع اليوم، إنما هي نتاج مفاوضات وشروط وطلبات مضنية وُضعت عل سوريا، وسبق أن أُبلغ بها الشرع وتسربت إلى الصحافة قبل أن يتحدث عنها الأميركيون علناً، وأفضت الموافقة عليها، إلى ما خرجت به لقاءات الرياض والمبالغ الخيالية التي دُفعت خلالها.

على أن نتائج الجولة الخليجية لم تتوقف هنا. فترامب وإن بدا هذه المرة أكثر رصانة ودبلوماسية في تعامله مع دول المنطقة مقارنة بزيارته السابقة، لم يفُته إضفاء طابعه الخاص على الصفقة. فتحول اللقاء مع الشرع إلى لقاء رباعي حضره أيضاً ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي ليست مجرد لفتة دبلوماسية تجاه الراعي التركي، و”الممول” السعودي.

اللقاء تجاوز بأشواط كونه مجرد لقاء دبلوماسي. حمل في طياته إعلاناً عن مرحلة جديدة تشهدها سوريا والمنطقة. مرحلة تعاد فيها خلط الأوراق، وتتغير فيها التحالفات، وتنتقل فيها الشراكة في ضمان الحكم بسوريا، من سورية-إيرانية، إلى سعودية-تركية، يرجح أن تكون مهمتها الأساسية ضمان التنفيذ الأمثل للمطالب الأميركية. وهو بهذه الخطوة، أرضى الطرفين، ولاقى بين الرغبة السعودية في إعادة ترتيب الأوراق في الساحة السورية، وربما إنهاء النفوذ الإيراني هناك، وبين ورغبات تركيا وطموحاتها الاستثمارية في سوريا، والتي لن تستطيع تحقيقها منفردة.

هذه المواقف المنسقة تشير إلى أن الرياض وأنقرة لم تكونا مجرد متفرجتين، بل لاعبين فاعلين في التمهيد لهذا التحول الأميركي التاريخي تجاه سوريا، كما تجيب عن الكثير من التساؤلات العميقة حول مستقبل سوريا ودور القوى الإقليمية والدولية في رسم ملامحه، دون أن تنتهي تلك التساؤلات وتشابك العوامل المؤثرة فيها، خصوصاً أن لاعباً إقليمياً أساسياً غاب عن الاتفاق بعد فشل كل محاولاته لإحباطه.

استخدمت إسرائيل كل أسلحتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية، لإضعاف الحكم السوري الجديد. واستفادت من الفترة الفاصلة بين إدارتي ترامب والرئيس السابق جو بايدن، لاحتلال أراضٍ سورية، وتدمير كل مقدرات جيش الأسد على رثاثتها، والتي كان يُفترض أن ترثها إدارة الشرع، وحاولت بكل ما تملك من تأثير على السياسة الأميركية، إبقاء العقوبات التي كانت ستحوّل سوريا حتماً إلى دولة فاشلة مشتتتة، تشبه شكل الدول التي تطمئن إسرائيل وترتاح لمجاورتها.

لكن إعلان ترامب جاء ليعلن نهاية فترة السماح الأميركية لإسرائيل التي يُرجح أن ترضخ لإرادة الرئيس الأميركي، خصوصاً أنها وإن لم تكُن مدعوة إلى الوليمة، فترامب لم ينسَ ذكر اتفاقات “أبراهام” في كل كلمة ألقاها تقريباً، والأخيرة مكاسبها كبيرة الأرجح أن لا تخاطر إسرائيل بخسارتها في فترة سياسية تحتمل أكثر من تحليل حول علاقتها مع الإدارة الأميركية.

لا يشبه أداء ترامب في زيارته الحالية إلى المنطقة، أداؤه خلال زيارته السابقة بشي، وعلى الرغم من أن هذه الزيارة تنافس سابقتها بحجم المليارات التي أنفقت فيها، لكنها تتخطاها بأشواط بعيدة من حيث النتائج السياسية، والحلف الأميركي-السعودي القديم الذي رسّخه ترامب وجعله في مرتبة قريبة إن لم تكن موازية للحلف الأميركي-الإسرائيلي، ووصل الأمر به حد التهديد بالقوة العسكرية ضد أي من يفكر بالاعتداء على السعودية.

وفي سوريا، حيث الفرحة برفع العقوبات توازي فرحة سقوط الأسد دون أن تنافسها بالنتائج المترتبة عليها، يبدو من بعيد أن المستقبل بدأ يصبح مشرقاً، لكنه يظل أسير التوازنات الإقليمية وصراعات القوى الكبرى، بانتظار حلول سياسية حقيقية. الزيارة أدت قسطها للعلى، لكن استثمار النتائج سيتوقف على القدرة على ترجمة مفاعليها إلى سياسات ملموسة، أو ستظل مجرد خطابات دبلوماسية.

———————————

الشرع: رفع العقوبات عن سورية قرار تاريخي وشجاع ولن نسمح بتقسيم البلد/ عدنان علي

14 مايو 2025

وجّه الرئيس السوري أحمد الشرع كلمة متلفزة، مساء اليوم الأربعاء، إلى الشعب السوري، تعليقاً على القرار الأميركي برفع العقوبات المفروضة على البلاد. وقال الشرع إن “سورية مرت بمرحلة مأساوية تحت حكم النظام الساقط، وتحولت إلى بيئة طاردة لأهلها وجيرانها والعالم، وتأخرت عن مصاف الدول”.  واعتبر أن “العمل الجاد لبناء سورية الحديثة بدأ اليوم”، مؤكداً الالتزام بتطوير المناخ الاستثماري في سورية، والترحيب بجميع المستثمرين في الداخل والخارج والعرب والأتراك. وشدد على أن سورية لن تكون “ساحة لصراع النفوذ، ولن نسمح بتقسيمها”، لافتاً إلى أن “قوة سورية تكمن في وحدتها”.

وأشار إلى الإنجازات والخطوات التي تحققت منذ سقوط النظام السابق على صعيد الإصلاح الداخلي، والحركة النشطة للدبلوماسية السورية التي نجحت في فتح أبواب مغلقة. كذلك ذكر الشرع، في خطابه، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وعده، حين زار السعودية قبل أشهر، بالعمل على رفع العقوبات. وتابع “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقف مع شعبنا وتحمّل ودولته الكثير واستضاف ملايين السوريين”.

وأشاد الشرع بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني و”صبره مع الشعب السوري منذ لحظة التحرير”، وشكر الزعماء العرب الآخرين، مثل رئيس الإمارات محمد بن زايد، وزعماء البحرين وسلطنة عُمان والأردن ومصر وبقية الدول العربية، مشيداً أيضاً بدور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أبدى استعداده للعمل على رفع العقوبات، مع بقية الدول الأوروبية. واعتبر الشرع أن التفاف الشعب والجاليات السورية في العالم كان له أثره في إقناع العالم بضرورة رفع العقوبات. وقال إن “فرحتنا ليست في رفع العقوبات فقط، بل عودة الألفة إلى المنطقة”. ووصف الشرع قرار رفع العقوبات بأنه “تاريخي شجاع ويمهّد لرفع المعاناة عن الشعب السوري”.

تصريحات متفائلة للمسؤولين السوريين

وكانت قد توالت تصريحات المسؤولين السوريين المستبشرة بانفراجات كبيرة في كل القطاعات، بعد تصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات المفروضة على سورية منذ سنوات. وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن سورية بلد واعد جداً للاستثمار في كل القطاعات، و”سنعمل على خلق بيئة مواتية لتشجيع المستثمرين من خلال قانون حماية الاستثمار الذي يجري العمل عليه، ونظام ضريبي عادل وإصلاحات جمركية ونظام مصرفي متطور”. ولفت برنية إلى أنه يتم الآن إعادة النظر في العملة السورية الحالية وستكون هناك عملة جديدة قريباً.

من جانبه، قال رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي مصعب بدوي إن العقوبات الأميركية هي الأشد، لكونها مرتبطة بالقطاع البنكي، مشيراً إلى أن الآثار الاقتصادية الحالية مرتبطة بالعقوبات وبالحرب أيضاً. ورأى بدوي أن رفع العقوبات سيؤثر في المواطن السوري من خلال تحسين الواقع الصحي والتعليمي، معرباً عن أمله بعودة المشاريع الاقتصادية الضخمة وزيادة دخل المواطن وتحسين معيشته.

أما وزير الصحة مصعب العلي، فقال إن من أولويات وزارة الصحة محاولة تحقيق الأمن الدوائي لأبناء الشعب واستعادة المكانة الرائدة في التصنيع والتصدير الدوائي. وأضاف أن العقوبات المفروضة على سورية كانت تؤثر مباشرة على القطاع الصحي، حيث العديد من شركات الأدوية كانت ترفض التعامل مع القطاع الصحي بسبب تلك العقوبات. وتوقع انطلاقة كبيرة في التصنيع الدوائي في سورية بعد رفع العقوبات.

وأضاف أن خطة وزارته تقضي أن يكون هناك سجل رقمي لكل مريض، ورواتب العاملين في القطاع الصحي، إضافة إلى افتتاح المستوصفات بعيداً عن مراكز المدن لتجنب الاكتظاظ في المشافي العامة. وقال وزير التعليم العالي مروان الحلبي إن رفع العقوبات يمثل اعترافاً دولياً بحق الشعب السوري في النهوض والتطور، مشيراً إلى أن العقوبات فرضت الكثير من الأزمات والصعوبات والتهالك في قطاع التعليم العالي. وأوضح أن غياب التطور في زمن النظام السابق أثر كثيراً على قطاع التعليم والبرامج التعليمية.

——————————-

هدية ترامب للسوريين/ علي قاسم

لقد أثبت السوريون أن بلدا دون أحزاب يمكن أن يُدار بطريقة أفضل من بلد تسيطر عليه الأحزاب وأن وجود التكنوقراط في إدارة البلاد أفضل بكثير من أن تكون بأيدي سياسيين ضيقي الأفق.

الخميس 2025/05/15

أقصى ما توقعه المتفائلون في سوريا وخارجها أن يتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في زيارته التاريخية إلى المنطقة التي استهلها بالمملكة العربية السعودية، قرارا برفع العقوبات المفروضة على سوريا. استبعد الجميع حدوث لقاء بين أحمد الشرع وترامب حتى اللحظة الأخيرة، لكن ترامب فاجأ العالم بهذا اللقاء، بل وبما هو أكثر من ذلك؛ إعلان عودة العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا.

سيذكر التاريخ هذه اللحظة، التي ستشكل فاصلا تاريخيا، العالم بعدها لن يكون كما كان قبلها.

يبدو أن اللقاء المفاجئ كان متوقعا من قبل الشرع، الذي مهد له بوعود سُرّبت لتصل إلى الرئيس ترامب، من ضمنها بناء برج يحمل اسم ترامب في دمشق، وتهدئة التوتر مع إسرائيل، ومنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى النفط والغاز السوريين، إضافة إلى فرص استثمارية أخرى في بلد 70 في المئة من مساحته هي مناطق لم يتم حتى اليوم استكشافها لمعرفة ما تضمّه من ثروات معدنية.

لم يكن قرار ترامب ارتجاليا أو متسرعا، سبق أن أكد في أكثر من مناسبة أنه سيعلن خلال زيارته إلى دول الخليج عن قرارات مفاجئة، ومن غير المستبعد أن فحوى هذه القرارات تمت مناقشتها مع قيادات الدول التي تشملها الجولة، وهي السعودية وقطر والإمارات.

يمكننا التأكيد أن هذا القرار لم يكن عفويا، بل كان مدروسا بدقة من قبل ترامب وفريقه من المستشارين، حيث سبقته دراسة معمقة لشخصية الرئيس السوري أحمد الشرع، خلصت الدراسة إلى أن الشرع شخص يمكن الوثوق بوعوده.

لغة العيون ولغة الجسد التي أظهرها ترامب خلال اللقاء مع الشرع أكدت ذلك، أظهرت اللقطة إعجابا لم يحاول ترامب إخفاءه بهذا الشاب، الذي خاض نضالا ضد حكم بشار الأسد تحت غطاء عقائدي، إلا أن ذلك لم يمنعه من قراءة التحولات السياسية والتجاوب معها وفق مقتضيات كل مرحلة، حيث انفصل عن القاعدة وداعش ثم طوى صفحة هيئة تحرير الشام، وهو ما جعله شريكا سياسيا مقبولا في نظر الإدارة الأميركية وترامب شخصيا.

القرار لم يكن مجرد مكافأة لسوريا، بل كان اتفاقا مشروطا بمطالب، منها التوقيع على اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل، وإبلاغ جميع الإرهابيين الأجانب بمغادرة سوريا، ومساعدة الولايات المتحدة في منع عودة تنظيم داعش، وتحمل مسؤولية مراكز احتجاز داعش شمال شرق سوريا.

رفع العقوبات سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد السوري، حيث سيؤدي إلى تحسن التجارة والاستثمار، ما يسهل إعادة إعمار البنية التحتية المتضررة بشدة. كما أن القرار قد يمهد الطريق أمام تعزيز علاقات سوريا الدولية، خاصة مع الدول الأوروبية والخليجية.

لن يكون صعبا على السوريين مواجهة الديون الخارجية التي تصل إلى 30 مليار دولار، ولن يعيقهم غياب الاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي السوري، كما سيكون بمقدورهم مكافحة التضخم وحل مشكلة نقص الخدمات، وسينجحون في تجاوز مشكلة انتشار القواعد العسكرية الأجنبية داخل سوريا.

سيدخل الشرع سوريا، بعد زيارته إلى السعودية ولقائه مع ترامب للمرة الثانية، منتصرا، وسيخرج السوريون إلى الشوارع للاحتفال بنجاحه في إقناع ترامب برفع العقوبات عن بلدهم. لكن النصر لن يكون كاملا، بل سيكون منقوصا إن لم يقتنع السوريون بضرورة وأد النزعات الانفصالية، وتجاوز كل النعرات الطائفية.

لقد أثبت السوريون اليوم أن بلدا دون أحزاب يمكن أن يُدار بطريقة أفضل من بلد تسيطر عليه الأحزاب، وأن وجود التكنوقراط في إدارة البلاد أفضل بكثير من أن تكون بأيدي سياسيين ضيقي الأفق.

في سوريا متسع للجميع: سنة، علويون، مسيحيون، دروز، إسماعيليون، إيزيديون، يهود وملحدون، فيها متسع للأكراد، والتركمان، والشركس، والأرمن، شرط أن يكون انتماؤهم الأول لسوريا.

السنوات الأخيرة شهدت ما يمكن تسميته بموت الأيديولوجيا، بكل تنوعاتها. العالم اليوم يواجه تحديات مختلفة، غذائية وبيئية وتكنولوجية، تتضاءل أمامها الخلافات الأيديولوجية والعقائدية، وكان من نتائج ذلك ابتعاد الأجيال الشابة عن السياسة وعن الأحزاب السياسية.

عودة ترامب إلى البيت الأبيض كانت آخر مسمار يُدق في نعش الأيديولوجيا، حيث أصبحت المصالح اليوم سيدة الموقف. ولا شيء يستحق التقديس بالنسبة إلى سيد البيت الأبيض سوى الاقتصاد.

سيُحسب للرئيس السوري أحمد الشرع، رغم خلفيته الأيديولوجية، أنه من الأوائل الذين تلقوا الرسالة وتجاوبوا معها.

نجح ترامب في أن يثبت للعالم المتشكك أن ما تحله الحروب يمكن أن يُحل بالضغوط الاقتصادية والوسائل السلمية، وسعى جاهدا إلى تجنب المواجهات العسكرية. وعندما جنح الحوثيون للسلم، جنح له أيضا. وهو في طريقه لإثبات نظريته هذه في الحالة الإيرانية، وفي الحرب الروسية – الأوكرانية، وفي غزة..

عندها سيكون ترامب قد استحق عن جدارة أن يكون مرشح أول لنيل جائزة نوبل للسلام، ومن يدري؟ ربما تقاسمها معه الرئيس السوري أحمد الشرع وراعي عملية السلام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. سننتظر ونرى.

كاتب سوري مقيم في تونس

العرب

——————————-

وزير الاقتصاد السوري للجزيرة نت: انفراجة تدريجية في اقتصاد البلاد بعد رفع العقوبات

أحمد العكلة

15/5/2025

دمشق – أكد وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار أن رفع العقوبات الأميركية يشكّل “فرصة مفصلية” لاقتصاد سوريا تتطلب إدارة حكيمة، مشيرًا إلى أن البيئة الاقتصادية بدأت تشهد انفراجة تدريجية، مما من شأنه تحريك عجلة الإنتاج.

وقال الشعار، في تصريحات للجزيرة نت، إن قطاعات مثل الصناعة والزراعة والطاقة والنقل ستستفيد مباشرة من هذه الانفراجة، لا سيما في ظل الجهود الحكومية لتوفير المواد والمعدات اللازمة مما ينعكس على الأسعار والإنتاج وفرص العمل، مشددًا على أهمية دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مرحلة التعافي.

وكشف الوزير عن خطة متكاملة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، تتضمن:

    تحديث قانون الاستثمار.

    تبسيط الإجراءات.

    تقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية والتسهيلات الجمركية.

وأضاف أنه يجري العمل على تطوير المناطق الصناعية والحرة لتصبح مراكز جذب استثماري ضمن رؤية تعتمد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

التحويلات المالية

وأشار الشعار إلى أن عودة سوريا إلى نظام “سويفت” المصرفي الدولي للتحويلات المالية ستكون نقطة تحول بارزة، مؤكدًا أن تدفق أموال المغتربين والمستثمرين السوريين سيسهم في إنعاش الاقتصاد المحلي، وأن النتائج ستبدأ بالظهور فور تحقق هذا الإجراء.

وتوقع الوزير أن يتسارع تنفيذ الوعود التجارية والاستثمارية مع دخول رؤوس الأموال من دون قيود، مما سينعكس على المواطن السوري من خلال تحسن الوضع المعيشي، وتيسير التحويلات المالية التي كانت معقدة في السابق.

ووصف الشعار القرار الأميركي بـ”المنصف للشعب السوري”، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب جهدًا مضاعفا من جميع الجهات، وأن وزارة الاقتصاد ستكون في صدارة من يقود عملية رسم السياسات الاقتصادية الجديدة.

وتوقع الوزير السوري تحسنًا في مستوى المعيشة وانخفاضا في معدلات البطالة، إلى جانب استعادة علاقات سوريا مع عدد من الدول.

وبشأن سعر صرف الليرة السورية، قال الشعار إن سعر صرفها مقابل العملات لا يعكس حاليًا القدرة الإنتاجية الحقيقية، لكن تدفقات الأموال الخارجية ستسهم في تعزيز قيمتها واستقرار السوق النقدي.

من هو الوزير محمد نضال الشعار؟

    في 29 مارس/آذار 2025 عُيّن وزيرا للاقتصاد في الحكومة السورية الأولى برئاسة الرئيس أحمد الشرع.

    من مواليد مدينة حلب عام 1956.

    حاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة حلب عام 1980.

    نال درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة.

    بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة جورج تاون، أصبح أستاذًا في كلية الاقتصاد في جامعة حلب بين عامي 1996 و2001.

    شغل بعد ذلك عدة مناصب في قطاع الأسواق المالية والمصرفية، إذ أصبح في عام 2002 الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين، ورئيس الجمعية السورية الأميركية لرجال الأعمال، ومستشار في وزارة الإسكان الأميركية، وخبير في البنك الدولي.

    في عام 2006 حصل على جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتفوق المصرفي.

    رُشّح لجائزة نوبل في الاقتصاد عامي 2009 و2010.

المصدر : الجزيرة

———————————————————-

ترامب يدعو الشرع في أول لقاء بينهما إلى التطبيع مع إسرائيل

14 مايو 2025

دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نظيره السوري أحمد الشرع إلى الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، وذلك خلال أول لقاء بينهما في الرياض اليوم الأربعاء، على هامش زيارة ترامب إلى الخليج. ويأتي لقاء ترامب والشرع في الرياض غداة تعهده برفع العقوبات عن سورية. وأفادت مصادر دبلوماسية وكالة أنباء “الأناضول” التركية، بأن الرئيس أردوغان شارك عبر تقنية الفيديو (فيديو كونفرانس)، في الاجتماع الذي ضم ترامب والشرع، بالإضافة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ويُعدّ هذا اللقاء الأول بين رئيسي البلدين منذ 25 عاماً.

وأعلن البيت الأبيض أن ترامب طلب من الشرع المساعدة في منع عودة تنظيم داعش، كما طالبه ترامب بـ”تولي مسؤولية” مراكز احتجاز تنظيم داعش في شمال شرق سورية، حيث قال إنّ “الرئيس ترامب شجع الرئيس الشرع على القيام بعمل عظيم للشعب السوري، وحضه على تولي مسؤولية مراكز احتجاز تنظيم داعش في شمال شرق سورية”، والتي تضم آلافاً من مقاتلي وأسر التنظيم الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق وسورية قبل سنوات.

إلى ذلك، دعا ترامب الشرع إلى “ترحيل الإرهابيين الفلسطينيين”، في إشارة إلى عناصر فصائل المقاومة الفلسطينية في سورية. وجاء في بيان البيت الأبيض أنّ “الرئيس ترامب شجع الرئيس الشرع على القيام بعمل عظيم للشعب السوري، وحضه على ترحيل الإرهابيين الفلسطينيين”. واستضافت سورية خلال حكم عائلة الأسد على مدى عقود، الكثير من الفصائل الفلسطينية المناهضة لإسرائيل، أبرزها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، و”الجبهة الشعبية – القيادة العامة”.

وأكد البيت الأبيض أن الأمير محمد بن سلمان وصف قرار ترامب برفع العقوبات عن سورية بـ”الشجاع”، مشيراً إلى أن أردوغان انضم إلى اللقاء هاتفياً. وخلال اللقاء، أبلغ ترامب الشرع أن لديه فرصة لتحقيق “إنجاز تاريخي في سورية”، فيما عبّر الأخير عن شكره لولي العهد السعودي والرئيس الأميركي على تنظيم اللقاء.

وأفاد البيت الأبيض بأن الشرع أقر بـ”الفرصة المهمة التي أتاحها انسحاب إيران من سورية”، وأكد التزامه باتفاقية فك الارتباط بإسرائيل الموقعة عام 1974، كما شدد على المصلحة المشتركة بين سورية والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والقضاء على الأسلحة الكيمائية. وفي سياق اقتصادي، دعا الرئيس السوري الشركات الأميركية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز بسورية.

من جانبه، قال ترامب: “الرئيس التركي وولي العهد السعودي طلبا مني رفع العقوبات عن سورية”، مضيفاً: “أتشرف بإلغاء كل العقوبات على سورية”، ومشيراً إلى أن هذا القرار حظي بـ”أكبر تصفيق” بعد الإعلان عنه. وأكد ترامب أن الولايات المتحدة “تدرس تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة”، معتبراً أن “رفع العقوبات عن سورية سيمنحها فرصة عظيمة”.

بدورها، أعلنت وزارة الخارجية السورية، عن إجراء “لقاء تاريخي” جمع الشرع وترامب وبن سلمان، وشارك فيه أردوغان عبر الهاتف، بحضور وزراء خارجية السعودية وسورية والولايات المتحدة الأميركية، مشيرة إلى أنه تم خلال اللقاء تأكيد أهمية رفع العقوبات المفروضة على سورية، ودعم مسار التعافي وإعادة الإعمار، إذ شدد بن سلمان على ضرورة هذه الخطوة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، فيما أكد الرئيس ترامب التزام بلاده بالوقوف إلى جانب سورية في هذه المرحلة المفصلية. وعبّر الشرع، وفق بيان الخارجية، عن امتنانه للدعم الإقليمي والدولي، مشدداً على مضي سورية بثقة نحو المستقبل.

وأكدت الخارجية السورية، أن اللقاء تناول سبل الشراكة السورية-الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب، والتعاون في القضاء على تأثير الفاعلين من غير الدول، والمجموعات المسلحة غير السورية التي تعيق الاستقرار، بما في ذلك تنظيم داعش والتهديدات الأخرى. ولفتت إلى أنه من المقرر أن يتبع هذا اللقاء اجتماع مرتقب بين وزير الخارجية السوري ونظيره الأميركي ماركو روبيو، لمتابعة التنسيق الثنائي وتعزيز التفاهمات التي تم التوصل إليها.

وتعليقاً على اللقاء، كتب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني عبر منصة إكس قائلاً: “نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحى لأجل إعادة سورية إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سورية العظيمة، والحمد لله رب العالمين”.

وقال ترامب اليوم في كلمته خلال القمة الخليجية الأميركية في الرياض، إنه يدرس تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن هذا التطبيع بدأ بلقاء الرئيس السوري أحمد الشرع. وكان البيت الأبيض أكد أمس الثلاثاء، أن ترامب وافق على استقبال الرئيس السوري أثناء زيارته للسعودية.

ويأتي اللقاء بينما أعلن ترامب، أمس، أنه سيرفع العقوبات عن سورية لـ”منحها فرصة”، مؤكداً أنه اتخذ هذا القرار بعد مناقشات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقال ترامب، خلال خطاب ألقاه في الرياض، إن سورية عانت من الحروب، وإن إدارته “اتخذت الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقة مع دمشق”، معرباً عن أمله في أن تنجح الحكومة السورية الجديدة.

وتابع ترامب وسط التصفيق الحار: “سأصدر الأوامر برفع العقوبات عن سورية من أجل توفير فرصة لهم” للنمو، مضيفاً: “هناك حكومة جديدة نأمل أن تنجح (..) أقول حظاً سعيداً يا سورية. أرونا شيئاً خاصاً”. كما أعلن أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو سيلتقي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في تركيا. وكافحت سورية لتنفيذ الشروط التي وضعتها واشنطن لتخفيف العقوبات الأميركية، والتي أبقت البلاد في عزلة عن النظام المالي العالمي وجعلت التعافي الاقتصادي صعباً للغاية بعد حرب طاحنة دامت 14 عاماً.

وذكرت وكالة رويترز في وقت سابق أنّ جهوداً بُذلت لترتيب لقاء بين الشرع وترامب، مشيرة إلى أن الشرع قدم خطوات عدّة تجاه إدارة ترامب تعبيراً عن حسن نيته. وبحسب الوكالة، فإنّ جهود ترتيب مثل هذا اللقاء بذلتها دول خليجية ورجل أعمال أميركي وناشطون سوريون.

العربي الجديد

——————————-

رفع العقوبات الأميركية عن سورية: وعود حكومية بمرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي/ محمد كركص و سلام حسن

14 مايو 2025

رحّب مسؤولون سوريون بقرار الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على سورية، واعتبروه تحوّلاً بالغ الأهمية يمهّد الطريق أمام تعافي الاقتصاد السوري، وانفتاحه مجدداً على النظام المالي العالمي. وأشاد المسؤولون بالجهود الإقليمية والدولية التي أسهمت في إنجاز هذا التحوّل، مؤكدين أن هذه الخطوة “ستنعكس إيجاباً على حياة المواطنين السوريين”.

وأكد وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، وفق وكالة الأنباء السورية “سانا”، أن من شأن رفع العقوبات عن سورية أن يسهم كثيراً في توفير البيئة المواتية لعودة اللاجئين السوريين، وتأمين الخدمات الأساسية التي يحتاجونها في مختلف القطاعات. وأوضح الوزير أن “هذه الخطوة ستفتح الباب أمام جذب الاستثمارات والتدفقات المالية، وتمهّد لعودة سورية إلى النظام المالي والنقدي العالمي”. وأشار إلى أن البلاد تمتلك فرصاً كبيرة، وتواجه حاجة ماسة للاستثمارات في قطاعات متعددة، أبرزها البنية التحتية والطاقة والتعليم والقطاع المالي والمصرفي.

وأضاف أن رفع العقوبات سيزيد من سقف التحديات التي تواجه سورية، لكنه أكد في الوقت ذاته “عزم الحكومة على المضي قدماً في إعادة بناء البنية التحتية، وتوفير البيئة المؤسسية والتشريعية الجاذبة للاستثمار”. وأشار وزير المالية السوري إلى أن العقوبات فُرضت في بداية الأزمة بهدف حماية الشعب السوري مما وصفه بـ”ظلم النظام المخلوع”، مبيناً أن رفعها اليوم “يشكّل فرصة حقيقية للشعب السوري لإعادة بناء دولته ومؤسساتها”.

 وشدد وزير المالية على استمرار الجهود الحكومية في مكافحة الفساد، وتطوير بيئة الاستثمار، وحماية حقوق المستثمرين، وتحسين أداء الجهاز القضائي، مؤكداً أن “سورية ماضية في أن تكون مساهمًا فاعلاً في استقرار المنطقة وتنميتها”. وختم برنية بدعوة جميع المستثمرين، والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية، ورجال الأعمال، والدول الراغبة، إلى التوجّه نحو الاستثمار في سورية، مؤكداً أن رفع العقوبات سيلعب دوراً محورياً في عودة اللاجئين وجذب الاستثمارات الضرورية لإعادة الإعمار.

بدوره، قال عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سورية المركزي، في تصريح لقناة الإخبارية السورية، إن “رفع العقوبات خطوة بالغة الأهمية في طريق استعادة الاستقرار الاقتصادي وتعافي البلاد”. وأضاف: “الشعب السوري عانى طويلاً من آثار هذه العقوبات التي قيّدت الوصول إلى النظام المالي العالمي، وأثّرت مباشرةً في معيشته”.

وأعرب حصرية عن شكره “لكل من دعم سورية، ولا سيما الأشقاء في السعودية وقطر وتركيا، والأصدقاء في بريطانيا والاتحاد الأوروبي، على جهودهم الدبلوماسية وحرصهم على دعم الاستقرار والتنمية في بلادنا”. كذلك أكد أن “رفع العقوبات فرصة كبيرة لتحقيق الرؤية لاقتصاد مزدهر والتخطيط لتطوير الأدوات النقدية وتعزيز الشفافية والانضباط المالي”، مشدداً على أن القرار “سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الانفتاح والتكامل مع الاقتصاد العالمي”.

من جهته، أكد وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، أن “قرار رفع العقوبات الأميركية يمثل خطوة إيجابية تصب في مصلحة سورية وشعبها”، مهنئاً السوريين بهذا القرار، ومثمِّناً “عالياً جهود الأشقاء في المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية لوساطتهم الفاعلة ومواقفهم المشرفة”. وأوضح أن “قرار رفع العقوبات يمثل بداية مرحلة جديدة تحمل بشائر الخير لسورية”، واعداً الشعب السوري بأن “القادم أفضل”.

أكراد سورية يرحبون برفع العقوبات

في السياق، لقي قرار رفع العقوبات المفروضة على سورية ترحيباً واسعاً من قبل أحزاب وهيئات وشخصيات سياسية كردية سورية، معتبرين أنه يمثل بارقة أمل نحو إنهاء المعاناة وتحقيق انفراج سياسي واقتصادي في البلاد. وأعرب “مجلس سورية الديمقراطية”، الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، عن تقديره للقرار، معتبراً إياه مؤشراً إيجابياً يصبّ في مصلحة الشعب السوري. وأشاد البيان بالدور البنّاء الذي لعبته السعودية وعدد من الأطراف الإقليمية في دعم الجهود لتخفيف المعاناة الإنسانية وتحقيق انفراج في الملف السوري.

بدوره، شكر القائد العام لقوات سورية الديمقراطية مظلوم عبدي الرئيس الأميركي على القرار، وكتب على منصة “إكس”: “نأمل أن تُستثمر هذه الخطوة في دعم الاستقرار وإعادة البناء، بما يضمن مستقبل أفضل للسوريين كافة”. وفي تصريحات لـ”العربي الجديد”، قال الصحافي الكردي السوري عمر كوجري إن الليرة السورية ارتفعت بنسبة 16.5% مقابل الدولار خلال أقل من ساعتين من إعلان القرار، معبّراً عن اعتقاده أن “سورية ستعود أقوى”.

من جانبه، اعتبر شلال كدو، رئيس حزب الوسط الكردي في سورية (أحد أحزاب المجلس الوطني الكردي)، أن قرار رفع العقوبات يمثل “نهاية حقبة سوداء وبداية أخرى أكثر إشراقاً”، مشيراً إلى أن القرار يفتح الباب لإعادة تدوير الاقتصاد السوري وإطلاق عملية الإعمار، وقد يسهم في حلحلة الوضع الداخلي على أكثر من صعيد. ووصف كدو الخطوة بأنها “ضرورة أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون سياسية واقتصادية”.

وعبّر عن أمله أن تشكل دافعاً حقيقياً لكل السوريين بمختلف انتماءاتهم للعمل نحو بناء دولة عصرية تضمن الحقوق وتحترم جميع المكونات. وأكد أن القرار جاء بعد وعود وضمانات حقيقية من السعودية وتركيا لتلبية المطالب الأميركية من السلطات السورية الجديدة، مشيراً إلى أن المنطقة بأكملها تتجه نحو التنمية والاستثمار، ما يقتضي القضاء على التطرف والإيديولوجيات العابرة للحدود.

وكان ترامب قد أعلن، يوم الثلاثاء، خلال خطاب ألقاه في الرياض ضمن زيارته لمنطقة الخليج، أنه سيصدر أوامر برفع العقوبات عن سورية “من أجل منحها فرصة للنمو”، مؤكداً أن هذا القرار اتُّخذ بعد مشاورات مع وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأعرب عن أمله في نجاح الحكومة السورية الجديدة، قائلاً: “هناك حكومة جديدة نأمل أن تنجح، أقول: حظاً سعيداً يا سورية. أرونا شيئاً خاصاً”.

كذلك التقى ترامب اليوم الأربعاء، الرئيس السوري أحمد الشرع، في اجتماع هو الأول من نوعه منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار عام 2011، وسقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول العام الفائت 2024، ما يعكس تحولاً سياسياً لافتاً في الموقف الأميركي تجاه دمشق.

———————–

السعودية: نتوقع فرصا استثمارية كثيرة في سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية

14/5/2025

قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إن فرص الاستثمار في سوريا ستكون كثيرة بعد رفع العقوبات الأميركية، وذلك بعد يوم من إعلان الولايات المتحدة المفاجئ رفع جميع العقوبات المفروضة على الحكومة في سوريا.

وأضاف الأمير فيصل أن دعم المملكة لسوريا سيشهد تقدما ملحوظا بعد رفع العقوبات الأميركية.

ووصف الوزير السعودي “قرار رفع العقوبات بأنه جريء ومهم”، مشيرا إلى أن السعودية ستكون داعمة لاستقرار سوريا وازدهارها.

وقال إن “قرار رفع العقوبات الأميركية كان ضروريا لاستقرار سوريا”، مضيفا “نأمل رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا”.

وأعلن ترامب بصورة مفاجئة أمس أن الولايات المتحدة سترفع جميع العقوبات المفروضة على حكومة سوريا، وقال ترامب إن واشنطن تبحث إمكانية تطبيع العلاقات مع دمشق.

وأدلى ترامب بهذا التصريح خلال قمة بين الولايات المتحدة ودول الخليج.

والتقى ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم الأربعاء.

ترحيب

ورحبت دول عربية، مساء الثلاثاء، بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، مع إشادة بجهود تركيا والسعودية في هذا المسار.

جاء ذلك حسب مواقف رسمية صادرة عن كل من قطر والكويت والبحرين والأردن وفلسطين واليمن ولبنان وليبيا وسوريا.

وفي كلمة بمنتدى الاستثمار السعودي الأميركي بالرياض أمس قال ترامب إن العقوبات “وحشية ومعيقة وحان الوقت لتنهض سوريا”، مضيفا “سآمر برفع العقوبات عن سوريا لمنحهم فرصة للنمو والتطور”.

وتابع أنه اتخذ هذا القرار بعد مناقشته مع كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وقال ترامب إن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو سيلتقي نظيره السوري في تركيا، من دون تفاصيل أكثر.

المصدر : الجزيرة + وكالات

——————————————

ترامب يلتقي الشرع في الرياض على هامش القمة الخليجية الأمريكية.. هذا أبرز ما جاء به

14/5/2025

التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نظيره السوري أحمد الشرع، على هامش القمة الخليجية الأمريكية التي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض صباح اليوم الأربعاء.

وبحسب وكالة الأنباء السعودية، تم عقد اللقاء بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وترامب، والشرع، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان مشاركًا عبر اتصال هاتفي. وتم تناول مستقبل الأوضاع في سوريا، وتأكيد أهمية استقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها، وتحقيق الأمن والرخاء للشعب السوري، وكذلك بحث الأوضاع الإقليمية وأهمية العمل على إيجاد الحلول المناسبة لها.

وأعرب الشرع عن شكره وتقديره لقرار ترامب إزالة العقوبات عن سوريا، وأن “هذا القرار سيفتح صفحة جديدة لتمكين إعادة بناء سوريا وإحياء اقتصادها والإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار فيها”. وحضر الاجتماع مسؤولون من الطرفين، بينهم وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني.

وأعلنت وزارة الخارجية السورية في بيان رسمي، أن اللقاء تناول بشكل رئيسي أهمية رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ودعم مسار التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، حيث شدد ولي العهد السعودي على أن رفع العقوبات يشكّل خطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

وبحسب البيان، أعرب ترامب عن التزام واشنطن بالوقوف إلى جانب سوريا في هذه المرحلة المفصلية، وعبّر الشرع عن تقديره للدعم الإقليمي والدولي، مؤكدًا أن سوريا تمضي بثقة نحو المستقبل.

وتطرق اللقاء إلى أفق الشراكة السورية الأمريكية في “مكافحة الإرهاب”، وتعزيز التعاون المشترك للقضاء على الجماعات المسلحة غير السورية، وعلى رأسها تنظيم الدولة، وغير ذلك من التهديدات التي تعيق جهود الاستقرار.

كما دعا الشرع خلال لقائه ترامب، الشركات الأمريكية إلى الاستثمار في قطاع النفط والغاز بسوريا.

وختم البيان بالإشارة إلى أن وزيري خارجية سوريا والولايات المتحدة، أسعد الشيباني وماركو روبيو، سيعقدان اجتماعا مرتقبا لمتابعة التنسيق الثنائي والبناء على التفاهمات التي تم التوصل إليها في هذا اللقاء.

“نقطة تحول محورية”

وبدوره، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الذي شارك في اللقاء “نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق”. وأضاف “الآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين”.

وعبّر الشيباني عن شكره للسعودية على دورها في دعم مساعي رفع العقوبات، معتبرا قرار ترامب “نقطة تحول محورية” للشعب السوري في طريق الاستقرار وإعادة الإعمار.

وأكد أن سوريا مستعدة لبناء علاقة تقوم على الاحترام المتبادل والثقة والمصالح المشتركة مع الولايات المتحدة.

“تفاهم متبادل”

وبدورها، نشرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، اليوم عبر حسابها على منصة إكس، بيانًا حول اللقاء الثلاثي الذي جمع ترامب بالشرع والأمير محمد بن سلمان، بمشاركة أردوغان عبر اتصال هاتفي.

وقالت ليفيت إن اللقاء عكس “أجواء من الانفتاح والتفاهم المتبادل”، حيث أشاد الرئيس أردوغان بقرار الرئيس ترامب رفع العقوبات عن سوريا، مؤكدًا التزام تركيا بالتعاون مع السعودية لتعزيز مسار السلام والازدهار في سوريا. كما وصف ولي العهد السعودي الخطوة الأمريكية بأنها “شجاعة وتاريخية”، معبرًا عن دعمه الكامل لهذا المسار الجديد.

وأضافت ليفيت أن الرئيس ترامب شدد خلال اللقاء على “أهمية اغتنام اللحظة”، ووجّه حديثه للرئيس الشرع مؤكدًا أن أمامه “فرصة نادرة لصنع مستقبل جديد لبلاده”، داعيًا إياه إلى اتخاذ خطوات عملية، والتعاون مع واشنطن لمنع عودة تنظيم الدولة، وتحمّل مسؤولية مراكز احتجاز عناصر التنظيم في شمال شرقي سوريا.

وأكدت ليفيت أن الرئيس الشرع رحّب بالمبادرة، وعبّر عن امتنانه للرئيس ترامب، وولي العهد، وأردوغان، معتبرًا أن خروج القوات الإيرانية من سوريا يمهّد لتحولات استراتيجية في المنطقة. كما شدد على وجود مصالح مشتركة بين دمشق وواشنطن في مجال “مكافحة الإرهاب”، وتفكيك ترسانة الأسلحة الكيميائية.

وختمت ليفيت تصريحها بالإشارة إلى أن الرئيس الشرع أعرب عن رغبته في تحويل سوريا إلى مركز إقليمي للتجارة بين الشرق والغرب، ودعا الشركات الأمريكية إلى الاستثمار في قطاعي النفط والغاز. كما ناقش اللقاء القضايا الإقليمية، بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية والتصعيد المتواصل في غزة.

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات

——————————-

ماذا يعني رفع العقوبات عن سوريا اقتصادياً؟

الرياض: «الشرق الأوسط»

15 مايو 2025 م

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا، في خطوة مفاجئة بعد مشاورات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عززت آمال إعادة النهوض بالاقتصاد السوري المعزول منذ عقود عن النظام المالي العالمي.

كانت الولايات المتحدة قد أعلنت سوريا دولة راعية للإرهاب عام 1979، وفرضت عليها عقوبات إضافية عام 2004، ثم فرضت عقوبات أخرى بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 2011. وأدت هذه العقوبات إلى عزل سوريا عن النظام المالي العالمي، وفرضت مجموعة من القيود الاقتصادية طوال أكثر من عقد من الحرب الأهلية. ووُصفت بأنها عقبة رئيسية أمام تعافي سوريا الاقتصادي وإعادة إعمارها بعد الحرب.

فماذا يعني رفع العقوبات وكيف يمكن أن ينعكس اقتصادياً؟

– من شأن رفع العقوبات أن يضع حداً لاعتماد الاقتصاد السوري على روسيا والصين وإيران والذي كان سبباً في عدم الاستقرار الإقليمي.

– سيسمح رفع العقوبات لسوريا بالعودة إلى النظامين المالي والتجاري العالميين. لكنَّ إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي ستكون عملية مُعقّدة تتطلب من المؤسسات المالية مُواكبة اللوائح المُتطورة وتقييم المخاطر بعناية.

– مع رفع العقوبات، قد تصبح سوريا أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب الراغبين في دخول أسواق جديدة أو المشاركة في جهود إعادة الإعمار. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تدفق رؤوس الأموال، وأن يُسهم في إنعاش مختلف قطاعات الاقتصاد، مما قد يُسهم في خلق فرص عمل وتعزيز النمو الاقتصادي.

– بعد سنوات من الصراع والصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب العقوبات، يُمكن أن يُتيح رفع العقوبات فرصة حيوية للتعافي الاقتصادي وإعادة إعمار البنية التحتية المتضررة. ويشير المجلس الأطلسي إلى أن رفع العقوبات قد يسمح للشركات الأميركية بالتنافس على عقود في جهود إعادة إعمار سوريا المتوقعة بقيمة 400 مليار دولار.

– تحسين الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية: حدّت العقوبات بشدة من قدرة سوريا على استيراد السلع الأساسية، بما في ذلك الأدوية والغذاء وإمدادات الطاقة. ومن شأن رفع هذه القيود أن يخفف من حدة النقص ويحسّن مستويات معيشة السوريين العاديين.

– استقرار الليرة السورية: أفادت التقارير بأن الليرة السورية شهدت تحسناً ملحوظاً مقابل الدولار في السوق الموازية عقب إعلان رفع العقوبات. ويشير هذا إلى أن إزالة الضغوط الاقتصادية قد تُسهم في استقرار العملة. وكانت الليرة السورية قد فقدت أكثر من 99 في المائة من قيمتها منذ عام 2011، مما أدى إلى تضخمٍ مُفرط وانخفاضٍ حادٍّ في القدرة الشرائية للمواطنين العاديين.

– إنعاش صناعة النفط والغاز: حدّت العقوبات بشدة من قدرة سوريا على تصدير النفط، وهو مصدر دخل أساسي. سيُمكّن رفع هذه القيود البلاد من بيع النفط والغاز في السوق الدولية مجدداً، مما يُدرّ إيرادات ضخمة. ويمكن استخدام هذا التدفق الرأسمالي لإعادة بناء البنية التحتية وغيرها من القطاعات التي دمرتها الحرب.

– زيادة المساعدات الإنسانية: على الرغم من وجود بعض الإعفاءات الإنسانية بموجب العقوبات، فإن القيود الإجمالية خلقت عقبات كبيرة أمام منظمات الإغاثة. ومن شأن رفع العقوبات أن يُسهّل تقديم المساعدات الإنسانية بشكل أكبر وأكثر كفاءة.

———————————

انفكاك الخناق الأميركي عن سورية: رفع العقوبات يُعيد الاستثمارات/ جلنار العلي

15 مايو 2025

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً أنه سيرفع جميع العقوبات عن سورية، بعد أشهر من العمل المتواصل وبعد الكثير من المفاوضات. الإعلان الذي جاء في منتدى الاستثمار السعودي في الرياض الثلاثاء، لفت إلى توجيه أوامر برفع العقوبات عن سورية “لمنحها فرصة للنمو والتطور” على حد تعبير ترامب، وذلك بعد مناقشات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

الخبير الاقتصادي والقانوني كرم شعار، قال في فيديو توضيحي على موقع إكس، إن الإعلان مهم لأن جزءاً كبيراً من العقوبات له جوانب نفسية. لكنه أوضح أن كثيراً من العقوبات الأميركية المرتبطة بقوانين لا يمكن رفعها بقرار من الرئيس وحده، وإنما تحتاج إلى إجراءات أطول مثل قانون قيصر مثلاً، الذي يمكن وقف العمل به مؤقتاً بقرار من ترامب، ولكن يحتاج إلى تصويت من الكونغرس لإلغائه، وكذلك القوانين التي تصنف سورية دولة راعية للإرهاب، وقانون محاسبة سورية، ولكن الرئيس يستطيع القيام بأوامر تنفيذية لوقف العمل بهذه العقوبات.

وسأل شعار: “هل يشمل القرار العقوبات المرتبطة بالنظام السابق وحده، أم أيضاً تلك التي طاولت المجموعات التي صنفتها أميركا إرهابية؟” وشرح أن عدداً من العقوبات تطاول الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية السوري، وكذلك تنظيم هيئة تحرير الشام ذاته.

والسؤال الأكبر بحسب شعار يرتبط بالعقوبات الأممية التي تطاول مجموعات موجودة في سورية، حيث إن هيئة تحرير الشام وتسمياتها السابقة موجودة تحت العقوبات، ورفعها يحتاج إلى مسارات قانونية وإجرائية مختلفة، أهمها التصويت في مجلس الأمن، وفيما تستطيع الولايات المتحدة الضغط على شركائها، إلا أن هناك دولاً من الممكن أن يكون لها موقف مغاير مثل الصين وروسيا.

وحول ارتدادات هذا القرار على الاقتصاد السوري، والإجراءات المطلوب اتخاذها لتنفيذ تلك القرارات، رأى الباحث الاقتصادي الدكتور خالد تركاوي، في تصريحه لـ”العربي الجديد”، أن القرار يبدو أنه اتخذ من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن الخطوات المقبلة يمكن أن تُقسم إلى جزأين، الجزء الأول: يتعلق بالإدارة ذاتها، حيث يستطيع ترامب بنفسه إيقاف مفاعيل القرارات المتعلقة بالعقوبات، أما الجزء الثاني فيتعلق بالديمومة، وهو يحتاج لموافقة الكونغرس الأميركي، أي إنه قد يأخذ بعض الوقت، وعلى اعتبار أن القرار داخل الولايات المتحدة الأميركية يميل إلى رفع العقوبات، فمن الممكن ألا يأخذ وقتاً طويلاً لتنفيذه.

عزلة بسبب العقوبات

واعتبر تركاوي أن سورية بهذا القرار ستنهي عزلتها الاقتصادية التي بدأت منذ عام 1979، عندما فرضت عليها عقوبات اقتصادية، ثم جرى تشديدها وتخفيفها والتلويح بها في مراحل أخرى، وهذا يعني أن سورية عاشت قطيعة، وخاصة مع الدول الغربية، منها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت علاقتها بها أضعف ما تكون، إذ لم يكن يرى السوريون بضائع أميركية صرفة في أسواقهم على سبيل المثال إلا ما ندر. وتفاءل تركاوي بانفراجات ستطرأ على قضايا الحوالات البنكية، والبرمجيات، والإنترنت، وما إلى ذلك، وعلى الرغم من أن هذه الأشياء بسيطة بالشكل العام، فإنها تشبه قطرات كثيرة تُشكّل نهراً ما سيتدفق على شكل أموال وعلاقات تأتي إلى البلد.

ومن أهم الارتدادات الاقتصادية لقرار إعلان رفع العقوبات من وجهة نظر تركاوي، قدوم المستثمرين إلى سورية، وتحويل أموالهم إلى سورية، إضافة إلى قضية الاستيراد والتصدير، فسورية فيها بوادر صناعية جيدة يمكن أن تعود لنشاطها السابق، وعندما يجري تصدير تلك السلع سيكون بإمكان المصدّرين تلقي الأموال، وهذا يشكل حافزاً أكبر للعمل مع الخارج، معتقداً أن الأمور جيدة، ولكن من غير المتوقع رؤية حصاد هذا القرار خلال أيام أو أسابيع، فالأمر يحتاج فترة معينة من الوقت ريثما تتجمع الامتيازات، وتعود بالنفع على الاقتصاد السوري.

بينما حاول الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد تفنيد العقوبات الأميركية، وهي تُقسم إلى نوعين: أساسية تُفرض على مؤسسات وكيانات أميركية، وثانوية تُفرض على مؤسسات وكيانات تتبع لدول أخرى تتعامل مع سورية، لذا يُؤخذ بمعايير رفع العقوبات إن كانت أساسية أو ثانوية.

وأوضح في تصريح لـ”العربي الجديد” أن قرارات فرض العقوبات الممتدة بين عامي 1979 وحتى اليوم، حيث بدأ الأمر بتصنيف سورية دولة راعية للإرهاب، ليصدر في عام 2004 قانون محاسبة سورية، مروراً بالعقوبات التي فُرضت في عام 2011، وصولاً إلى قانون قيصر في عام 2019، الذي يمكن اعتباره من العقوبات الثانوية، لافتاً إلى أن جميع العقوبات فُرضت بموجب دراسات ونقاشات أميركية، وصدرت بموجب قوانين وتصويت، سواء كان بعضها في الكونغرس، أو بعضها الآخر وفق المعايير الأميركية لفرض عقوبات على دولة ما.

وأشار إلى أن السلطة التنفيذية في أميركا، ممثلة بالرئاسة، لا شك أن لها دوراً كبيراً في تعديل بعض العقوبات أو تعليقها أو إنهائها، لكن في الوقت نفسه لا تتمتع هذه السلطة بالإمكانيات ذاتها على بعض العقوبات الأخرى (الثانوية)، ولكن من الممكن أن يكون هناك هامش معين يمكّن الرئيس الأميركي من إثبات لمُصدر القرارات (سواء كان الكونغرس أم غيره)، أن سورية استوفت معايير معينة، وحينها قد يجري التعليق أو الإلغاء أو التعديل، مبيناً وجود الكثير من البنود المتضمنة شروطاً محددة لرفع العقوبات، بينما توجد بنود أخرى أسهل يتمتع فيها الرئيس بسلطة قانونية واسعة، منها حظر تصدير الخدمات الأميركية إلى سورية (وذلك في حال صدر تقرير يُرفع إلى اللجان المختصة يؤكد أن هذا الأمر يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي)، إضافة إلى بند حظر استيراد النفط السوري أو الاتجار به أو التعامل فيه، وكذلك الأمر بالنسبة للحظر على توفير الخدمات المالية والاستثمارية لسورية.

الأزمة النقدية

وحول الملف الأهم وهو الحوالات البنكية، أكد محمد أن للرئيس ترامب سلطة قانونية واسعة تخوّله تعليق الحظر عليها، وبالتالي توفير تمويل لسورية من المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين على سبيل المثال، وإعادة الربط بالنظام المصرفي العالمي الذي يُعد أميركي المنشأ، وهذا يعني إنهاء القيود المالية والاستثمارية، ما سيعود بالفائدة على القطاع المصرفي السوري، وهذا الأمر يتزامن مع بند العقوبات المفروضة على الحكومة السورية ووزاراتها والكيانات المتعلقة بها، حيث للرئيس الأميركي سلطة قانونية في ذلك تخوّله تعديل وتعليق وإنهاء تلك العقوبات، بما فيها تلك المفروضة على مصرف سورية المركزي وشركات النفط والموانئ، ما سيساهم بإعطاء دفعة إيجابية.

وعن العقوبات الثانوية كقانون قيصر الذي يُعد من أقسى العقوبات المفروضة، يبيّن محمد أنه توجد إلى حد ما قدرة لدى السلطة التنفيذية الأميركية بإصدار إعفاءات ببعض الجوانب، في حال جرى إثبات أن ذلك يصب بالمصلحة الوطنية الأميركية والأمن القومي الأميركي، وعلى اعتبار أن “قيصر” يحظّر أي دولة من المشاركة في إعادة إعمار سورية في الكثير من القطاعات، فيمكن رفع الحظر عن بعض المشاريع كالمدارس والمستشفيات والمباني وإلى آخره، كما يمكن أن يكون للرئيس سلطة على السماح للشركات والمواطنين من خارج أميركا بالتعامل مع سورية دون فرض عقوبات، لفترة تصل إلى حوالي 6 أشهر قابلة للتجديد.

احتفالات في الشوارع

شهد الشارع السوري احتفالات كبيرة، عقب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قراره رفع العقوبات، والذي انتظره السوريون كثيراً، حيث تقول سهى الدالي (من سكان دمشق) في حديث لـ”العربي الجديد”: “أعتبر أن هذا هو النصر الحقيقي لنا، الذي أعادني إلى يوم 8 ديسمبر/كانون الأول، فالعقوبات سيف تُحارَبُ به الشعوب وليس الحكومات، فنحن من عانينا وجعنا ووقفنا في طوابير المازوت والخبز والغاز، وليس الرئيس المخلوع وعائلته، لذلك حان الوقت ليجني السوريون ثمار انتصارهم بعد عقود من الخيبة والظلم والعزلة”.

يعبّر منيب الأحمد، وهو مدير صالة لشركة ألبسة في دمشق، عن فرحه بأن سورية ستعود إلى قلب العالم بعد قرار رفع العقوبات، فعلى مستوى الشركة التي يعمل بها، كانت هناك معاناة كبيرة في التحويلات البنكية عند التصدير بسبب خروج المصارف السورية عن النظام المصرفي العالمي، وهذا ما جعلها تخسر اسمها في الأسواق العربية، وتخرج من دائرة المنافسة، لتقتصر على الأسواق المحلية.

ومع ارتفاع التكاليف وقلة السيولة فقد تكدست الكثير من البضائع، ومضت سنوات كان التصنيع فيها دون الحد المطلوب، معتبراً أن معالجة تلك المشاكل لن تعود بالنفع على التجار والصناعيين فقط، وإنما على المواطنين أيضا، حيث ستنخفض الأسعار مع تراجع تكاليف الإنتاج.

—————————

بعد لقاء ترامب.. أحمد الشرع وتصريح “صدق محمد بن سلمان” وما فعله محمد بن زايد وأردوغان يشعل تفاعلا

الشرق الأوسط

نشر الخميس، 15 مايو / أيار 2025

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)—أشعل الرئيس السوري، أحمد الشرع تفاعلا واسعا بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ممن تداولوا مقطع فيديو لما قاله بعد لقاء الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية، وما رآه في عيني ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد وعدد من قادة وزعماء المنطقة.

وقال الشرع في الخطاب المتداول: “إنني اليوم لا أحتفل برفع العقوبات عن سوريا فحسب، ففرحتنا تكمن في الأخوة الصادقة وعودة المشاعر الجياشة بين شعوب المنطقة وملوكها وأمرائها ورؤسائها، فإن وحدة القرار والتوجه لا يخيبها الله، فقد صدق الأمير محمد بن سلمان بما وعد به، وصدق الرئيس أردوغان بمحبته، وصدق الأمير تميم بوفائه، وصدق الشيخ محمد بن زايد بلهفته، وسائر الحكام صدقوا جميعاً بمشاعرهم، وقد استجاب الرئيس ترامب مشكورا لهذا الحب، فكان قرار رفع العقوبات قرارا تاريخيا شجاعا، أزال به معاناة الشعب وساعد على نهضته وأرسى أسس الاستقرار في المنطقة”.

وكذلك قال الشرع في خطابه: ” أيها الشعب السوري العظيم، لقد مرت سوريا بمرحلة مأساوية في تاريخها الحديث تحت حكم النظام الساقط، قتل فيها الشعب وهجر الناس، وغيبوا في سجون الظلام، وارتفعت أصوات المعاناة عالياً، كما هدمت مقدرات الدولة، ونهبت بأيدي السراق القتلة، وتحولت سوريا إلى بيئة طاردة ومنفرة لأهلها ولجيرانها وللمنطقة والعالم، نُبذت سوريا للأسف وانزوت بعيداً عن أشقائها وأبنائها وجيرانها.. وباتت سوريا الحضارة غريبة عن تاريخها المشرف، وبعيدة عن أصالتها، وتأخرت عن مصاف الدول، وهناك في إدلب العز، وفي ظل الثورة السورية المباركة، كان يُبنى مستقبل لسوريا الجديدة.. تحررت البلاد وفرح العباد، وفرح معهم أشقاؤنا في الدول المجاورة، بل والعالم بأسره، وعادت روح الانتماء لشعبنا، وظهر جلياً حرص الشعب على دولته الجديدة”.

ومضى: “حرصت الدول الشقيقة وشعوبها على مشاركة السوريين فرحتهم، وبدأت نافذة الأمل تطل وتشرف على مستقبل واعد، غير أن سوريا مكبلة بأعباء الماضي وآهاته.. وخلال الستة أشهر الماضية، وضعنا أولويات العلاج للواقع المرير الذي كانت تعيشه سوريا، وواصلنا الليل بالنهار، فمن الحفاظ على الوحدة الداخلية والسلم الأهلي، وفرض الأمن وحصر السلاح ودمج الفصائل في وزارة الدفاع، وتشكيل الحكومة واللجنة الانتخابية لتشكيل البرلمان والإعلان الدستوري والمؤتمر الوطني، وتشكيل هيئة العدالة الانتقالية وإلغاء القوانين الجائرة، وتحرير السوق، وتقييم الواقع المؤسساتي والخدمي، ووضع اليد على الخلل وطرق علاجه.. وتزامنت مع كل هذا جولات مكوكية للدبلوماسية السورية لمشاركة الدول للتعريف بواقع سوريا الجديد، التي قامت بالمشاركة في أهم المنتديات والمؤتمرات الدولية، ورفعت علم سوريا الحبيبة في الأمم المتحدة، ونجحت في فتح أبواب مغلقة، ومهدت الطريق لعلاقات إستراتيجية مع الدول العربية والغربية، فرأينا لهفة أشقائنا من الدول واكتشفنا أن العالم بأسره يحب سوريا ويهتم لشأنها لما لها من مكانة عظيمة في نفوسهم”.

وأضاف: “لقد زرت الرياض قبل عدة أشهر، والتقيت ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ووعدني ببذل وسعه للسعي لإزالة العقوبات عن سوريا، ورأيت في عينيه وعيون شعبه حبه الكبير لسوريا ونظرة ثاقبة لمستقبلها الاقتصادي.. ثم زرت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وقف مع الشعب السوري وتحمل ودولته الكثير خلال أربعة عشر عاماً، استضاف فيها ملايين السوريين مع كل ما تحمله من أعباء.. رأيت أيضاً الحب والود والفرح والاستعداد التام لأن تقف سوريا على أقدامها، ثم زارني وزرت الشيخ تميم بن حمد الذي صبر مع الشعب السوري بموقف يسجله التاريخ، ومنذ لحظة التحرير وهو يقف بجوارنا”.

وتابع: “زرت الشيخ محمد بن زايد، الذي سارع بفتح أبواب الإمارات العربية المتحدة لإخوانه السوريين، وأبدى استعداده التام لفعل كل ما يلزم لتنهض سوريا من جديد.. وكان أول من بارك لنا الملك حمد بن عيسى، ملك مملكة البحرين، وكذلك أشقاؤنا في الكويت وسلطنة عمان، ولا أنسى ملك الأردن عبد الله بن الحسين، وترحيبه الحار وموقف المملكة بالقضايا الساخنة.. كذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس مصر، الذي رأيت حرصه على نهضة سوريا واستقرارها وإعمارها، وكذلك ليبيا والجزائر والمغرب والسودان والأشقاء في اليمن السعيد، ودولة الرئيس محمد شياع السوداني، الذي أبدى رغبته بعودة العلاقات السورية العراقية والتبادل التجاري المثمر.. ثم كان لقاؤنا بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أبدى استعداده مبكراً لرفع العقوبات عن سوريا، ومعه في ذلك أهم دول الاتحاد الأوروبي كألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، كما سارعت بريطانيا مشكورة إلى رفع العقوبات عن سوريا الحبيبة..”

وأردف: “أيها الشعب، لقد كانت وحدتكم وحبكم لبلدكم وتضحياتكم لأجلها، ومعاناتكم في المخيمات، ودماء الشهداء والمعتقلين، وإظهار فرحتكم بسوريا الجديدة، والتفافكم حول قيادتها، كبير الأثر في التأثير بالرأي العالمي تجاه سوريا، وإن تفاعل الجاليات السورية في الخارج ومساهمتهم البناءة في المطالبة برفع العقوبات كان له كبير الأثر كذلك.. أيها السوريون، إن تلاحم الشعب ووحدته بين الداخل والخارج، وقربه من أشقائه وحسن جواره، لهو رأس مال قوي لسوريا، واليوم نشهد ثمرة ذلك عياناً وواقعاً، فليس هناك أجمل من الأخوة الصادقة والمحبة العفوية بين الدول وشعوبها..”

——————————

ما هي مطالب ترمب الخمسة من الشرع بعد رفع العقوبات؟

بينها ترحيل المقاتلين الأجانب وتحمل مسؤولية مراكز احتجاز «داعش» شمال شرقي سوريا

 واشنطن: هبة القدسي

14 مايو 2025 م

33 دقيقة أمضاها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الرئيس السوري أحمد الشرع بدعوة ورعاية من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء، كما انضم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هاتفياً إلى هذا اللقاء.

وكان هذا اللقاء هو الأول بين رئيسي الولايات المتحدة وسوريا منذ 25 عاماً، وجاء بعد إعلان مفاجئ من ترمب بأن الولايات المتحدة سترفع كل العقوبات عن سوريا.

وقالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض في بيان، إن الرئيس ترمب تعهّد بالعمل جنباً إلى جنب مع المملكة العربية السعودية لتشجيع السلام والازدهار في سوريا، فيما أشاد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أيضاً بقرار الرئيس ترمب رفع العقوبات، ووصفه بأنه قرار شجاع.

وأشارت كارولين ليفيت إلى أن الرئيس ترمب شكر الرئيس إردوغان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على صداقتهما، وقال للرئيس السوري أحمد الشرع، إن لديه فرصة عظيمة للقيام بشيء تاريخي في بلاده، وشجّعه على القيام بعمل عظيم للشعب السوري.

وأوضحت كارولين ليفيت أن الرئيس ترمب حدّد 5 مطالب موجّهة إلى الرئيس السوري، الأول، هو التوقيع على اتفاقية إبراهام للتطبيع مع إسرائيل، والثاني مطالبة جميع المقاتلين الأجانب بمغادرة سوريا، والثالث ترحيل عناصر من حركات فلسطينية مسلحة، والرابع مساعدة الولايات المتحدة على منع عودة «داعش»، والمطلب الخامس والأخير هو تحمل مسؤولية مراكز احتجاز «داعش» في شمال شرقي سوريا.

وقال ترمب لصحافيين على متن الطائرة الرئاسية أثناء توجهه من العاصمة السعودية الى الدوحة «قلت له (الشرع): آمل أن تنضموا (إلى اتفاقية إبراهام) بمجرد أن تستقر الأمور، فقال نعم. لكن أمامهم الكثير من العمل».

من جانبه، وجّه الرئيس الشرع الشكر للرئيس ترمب وولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي إردوغان على جهودهم في تنظيم الاجتماع، وأقر بالفرصة المهمة التي أتاحها خروج الإيرانيين من سوريا، فضلاً عن المصالح الأميركية السورية المشتركة في مكافحة الإرهاب والقضاء على الأسلحة الكيميائية.

وأكد الرئيس الشرع التزامه بفك الارتباط مع إسرائيل عام 1974، وأعرب عن أمله في أن تكون سوريا بمثابة حلقة وصل مهمة في تسهيل التجارة بين الشرق والغرب، ودعا الشركات الأميركية إلى الاستثمار في النفط والغاز السوريين.

وقبل لقائه الرئيس الأميركي، عرض الشرع عدة أفكار لتعزيز العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة، منها بناء برج باسم الرئيس ترمب في العاصمة دمشق، وأبدى انفتاحاً لتحقيق انفراجة مع إسرائيل، ووصول الولايات المتحدة إلى احتياطيات النفط والغاز السورية.

وأشارت تقارير صحافية إلى جوناثان باس، الناشط المؤيد لترمب الذي التقى الرئيس السوري أحمد الشرع لمدة 4 ساعات في دمشق في 30 أبريل (نيسان)، إلى جانب ناشطين سوريين وممثلين من دول الخليج العربي. وكان ذلك جزءاً من جهد أوسع نطاقاً للتوسط في عقد اجتماع بين الشرع والرئيس ترمب في الرياض صباح الأربعاء.

وقد أعلن ترمب للصحافيين إنه يريد منح سوريا «بداية جديدة» من خلال رفع العقوبات، وقد أدّت هذه العقوبات إلى عزل سوريا عن النظام المالي العالمي، ما أعاق التعافي الاقتصادي بعد 14 عاماً من الحرب.

وكان لقاء ترمب والشرع بمثابة مفاجأة؛ نظراً لجدول أعمال ترمب المزدحم والافتقار إلى التوافق داخل فريقه حول كيفية التعامل مع سوريا.

ويقول المحللون إن مبادرة ترمب لرفع العقوبات الأميركية عن سوريا، ثم لقاء الرئيس أحمد الشرع يستهدف تهدئة التوترات مع إسرائيل التي صعّدت غاراتها الجوية في سوريا منذ الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد تحت ذريعة حماية الدروز والأقليات السورية، وأشارت وكالة «رويترز» إلى مفاوضات غير مباشرة أجراها الشرع مع إسرائيل بوساطة إماراتية بهدف تهدئة التوترات.

الشرق الأوسط

————————————-

الاقتصاد السوري حاليا.. ديون مليارية واحتياطي بـ200 مليون دولار

رويترز

15 مايو 2025

قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنه سيرفع العقوبات المفروضة منذ سنوات على سوريا والتي عزلت البلاد عن النظام المالي العالمي في عهد الرئيس السابق بشار الأسد.

رفع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالفعل بعض عقوباتهما، لكن إذا مضت واشنطن الآن في رفع كل عقوباتها سيمهد ذلك الطريق أمام الآخرين ليحذو حذوها.

فيما يلي ملخص للوضع الحالي للاقتصاد السوري وكيف أعادت حرب أهلية على مدى 14 عاما، انتهت بسقوط الأسد في ديسمبر، تشكيل التجارة والمالية الحكومية.

ما هو وضع الاقتصاد السوري؟

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ حوالي 21 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبا ما لدى ألبانيا وأرمينيا، اللتين يقل عدد سكانهما عن سوريا بأكثر من 20 مليون نسمة.

وتُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022. ويرجح البنك الدولي أن حتى ذلك المعدل أقل من الأرقام الحقيقية وسط تقديرات تشير إلى انكماش أكثر حدة بنسبة 83 في المئة بين عامي 2010 و2024.

وأُعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل في عام 2018 إذ يعيش أكثر من 90 بالمئة من سكانها البالغ عددهم حوالي 25 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.

ماذا حدث للعملة السورية؟

تفاقمت الاضطرابات الاقتصادية في سوريا في عام 2019 عندما انزلق لبنان المجاور إلى أزمة، نظرا للعلاقات الاقتصادية والمالية الواسعة التي تربط البلدين. ثم طرحت دمشق أسعار صرف متعددة للمعاملات المختلفة لحماية العملة الصعبة الشحيحة.

وبعد تولي الحكومة الجديدة السلطة في ديسمبر، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية.

واختيرت ميساء صابرين حاكما للمصرف المركزي لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخه الممتد لأكثر من 70 عاما.

بلغ سعر الصرف أمس الأربعاء 11065 ليرة للدولار الواحد وذلك مقارنة مع أسعار السوق السوداء التي بلغ فيها سعر الدولار حوالي 22 ألف ليرة في وقت سقوط الأسد العام الماضي و47 ليرة في مارس 2011 عندما اندلعت الحرب.

كم تبلغ الديون المستحقة على سوريا؟

قالت الحكومة إن ديونها تتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار معظمها في شكل قروض ثنائية، إلا أنها قد تكون أعلى بكثير نظرا لأنها قد تواجه مطالبات من إيران وروسيا بمبلغ يتراوح بين 30 و50 مليار دولار.

يقول محامون بارزون في مجال الديون السيادية إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها لاعتبارها ديون حرب “بغيضة”، وهي ديون تحملتها البلاد دون موافقة الشعب السوري أو إنفاقها لصالحه بسبب توجيه كثير منها لتزويد حكومة الأسد بالأسلحة.

ويظهر تقرير صدر عن معهد بيترسون في الآونة الأخيرة أنه يجب أيضا تحديد الجهات الملزمة السورية مثل الحكومة أو البنك المركزي أو الشركات المملوكة للدولة أو المؤسسات التجارية إذ تحتاج الأنواع المختلفة من الديون إلى معاملة مختلفة عند إعادة الهيكلة.

ما هي احتياطيات المصرف المركزي؟

قالت مصادر لرويترز في وقت سابق إن المصرف المركزي يملك احتياطيات نقدية من النقد الأجنبي لا تتعدى نحو 200 مليون دولار، وهو انخفاض كبير عن مبلغ 18.5 مليار دولار قدر صندوق النقد الدولي أن سوريا كانت تملكه قبل اندلاع الحرب الأهلية.

ولديه أيضا ما يقرب من 26 طنا من الذهب بقيمة تزيد عن 2.6 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.

قالت الحكومة الجديدة إنها تتوقع استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات تشمل زيادات حادة في رواتب بعض موظفي القطاع العام أقرتها الدولة في الآونة الأخيرة.

جمدت الحكومات الغربية هذه الأصول خلال فترة حكم الأسد لكن لم تتضح بعد قيمتها الدقيقة وموقعها الآن ومدى سرعة استعادتها.

وقالت سويسرا إن ما قيمته حوالي 99 مليون فرنك سويسري (118 مليون دولار) موجود حاليا في بنوك هناك. ويقدر موقع (تقرير سوريا) أيضا أن ما قيمته 163 مليون جنيه إسترليني (217 مليون دولار) موجود في بريطانيا.

كيف أثرت الحرب والعقوبات على التجارة والاقتصاد؟

بحسب البنك الدولي، أدى تضاؤل إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.

يقول خبراء إن الضغوط المالية التي تعرضت لها الحكومة دفعتها إلى سداد ثمن بعض الواردات الرئيسية بأموال غير مشروعة من مبيعات المنشطات الشبيهة بالأمفيتامين المسببة للإدمان والمعروفة باسم الكبتاغون، أو من تهريب الوقود.

وأصبح إنتاج الكبتاغون القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة وقدر البنك الدولي العام الماضي القيمة السوقية الإجمالية للمخدر المنتج في سوريا بما يصل إلى 5.6 مليار دولار.

ما هي تحديات الطاقة؟

في عام 2010، صدّرت سوريا 380 ألف برميل يوميا من النفط. وانحسر مصدر الإيرادات هذا بعد اندلاع الحرب في عام 2011. واستولت جماعات مختلفة منها تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلون الأكراد على حقول نفطية. ورغم توقيع جماعات الأكراد صفقات مع شركات أميركية، فإن العقوبات جعلت من الصعب تصدير النفط بشكل مشروع.

أجبرت تلك الخسائر سوريا على الاعتماد على واردات الطاقة ومعظمها من الحليفين روسيا وإيران. وقالت راشيل زيمبا كبيرة المستشارين في مجال العقوبات لدى شركة هورايزون إنجيج للاستشارات المعنية بالمخاطر إن وقودا يتراوح بين مليون وثلاثة ملايين برميل كانت سوريا تحصل عليه من إيران شهريا توقف في أواخر ديسمبر مع انسحاب طهران.

كيف عانت الزراعة؟

أدى الصراع والجفاف إلى انخفاض عدد المزارعين وتضرر الري وتضاءلت إمكانية الحصول على البذور والأسمدة.

وتراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022 حين هبط إنتاج القمح وحده إلى ربع الكمية التي كانت تبلغ حوالي أربعة ملايين طن سنويا قبل الحرب.

واستوردت سوريا نحو مليون طن من الحبوب سنويا من روسيا. وتوقفت التدفقات مؤقتا عندما تغير النظام الحاكم لكنها استؤنفت الشهر الماضي. وأبدت أوكرانيا أيضا استعدادها لتوريد القمح دون وضوح الآلية التي ستسدد بها سوريا المدفوعات.

رويترز

الحرة

—————————

التايمز: الشرع تعهّد بالتطبيع مع إسرائيل.. والرئيس الأمريكي لم يسمع عن خطة لبناء “برج ترامب” في دمشق/ إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “التايمز” تقريرًا أعدّه ديفيد تشارتر وسامر الأطرش قالا فيه إن الرئيس السوري أحمد الشرع تعهّد، قبل لقائه مع الرئيس دونالد ترامب في الرياض، يوم الأربعاء، بالتوصل لسلام مع إسرائيل.

وجاء لقاء الشرع مع الرئيس الأمريكي بعد إعلان الأخير عن رفع العقوبات عن سوريا.

وكان اللقاء هو الأول منذ 25 عامًا بين رئيس أمريكي وسوري.

ووصف الرئيس الأمريكي الشرع بأنه “رجل شاب وجذاب”، وذلك بعد تعهده بشكل خاص بالعمل على تطبيع العلاقات السورية مع إسرائيل.

وقال الزعيم السوري، الذي كان يقود “هيئة تحرير الشام”، وقطع علاقاته مع “القاعدة” ولا يزال على قائمة الإرهاب الأمريكية، إنه يهدف إلى الاعتراف بإسرائيل، والانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، التي يعتبرها ترامب إنجازه في السياسة الخارجية بولايته الأولى.

وبحسب مصدر مطّلع، فقد أخبر الشرع الرئيس الأمريكي أنه، قبل أن يبدأ بالعملية، يريد تحقيق الاستقرار في البلاد. والتقى الشرع (42 عامًا) مع ترامب بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي شارك عبر الفيديو.

وقالت الصحيفة إن مواقف الشرع المعادية لإيران تقرّبه من واشنطن، وهاجم في السابق تأثير طهران وجماعاتها في الشرق الأوسط، والتي اتهمها بزعزعة استقرار المنطقة. وقال، في العام الماضي، إن تأثير إيران تراجعَ 40 عامًا، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد وانهيار جيشه. وفي مقابلة مع قناة تلفزيونية عربية قال: “من خلال إخراج الميليشيات، ومنع التأثير الإيراني في سوريا، فإننا نخدم مصالح المنطقة”.

وأخبر ترامب قادة دول الخليج أنه “يتشرّف” برفع العقوبات عن سوريا من أجل منحها “بداية جديدة”.

وفي حديث على الطائرة الرئاسية، في طريقه إلى الدوحة، أخبر الصحافيين بأن الشرع “شاب، رجل جذاب، رجل صعب، وبماضٍ قوي، ماضٍ قوي جدًا، مقاتل”.

وقضى الشرع سنوات وهو يقاتل الأمريكيين في العراق، وسُجن في واحد من سجونهم هناك، لكنه أعلن، في 2016، عن انفصاله عن تنظيم “القاعدة”، مع أن أمريكا وضعت 10 ملايين دولار كمكافأة لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض عليه. إلا أن إدارة بايدن ألغت المكافأة في كانون الأول/ديسمبر، بعد لقائه مع المسؤولين الأمريكيين في دمشق.

وقال ترامب إن الشرع “لديه فرصة لتوحيدها معًا”، أي سوريا، مضيفًا: “لقد تحدثت مع أردوغان، الذي يعامله بود، وقال إن لديه فرصة لأن يقوم بعمل جيد. إنها بلد ممزق”.

وأضاف ترامب إنه يعتقد أن سوريا ستنضم إلى اتفاقيات أبراهام في مرحلة ما: “أعتقد أن عليهم أن يُحسنوا أوضاعهم. قلت له: آمل أن تنضموا عندما يتحسن الوضع. قال: نعم. لكن أمامهم الكثير من العمل”.

وعندما سُئل ترامب عما إذا كان هناك أي حديث عن إمكانية بناء “برج ترامب” في دمشق، بعد أن أبلغ الشرع الوسطاء بإمكانية عرضه ذلك، قال: “لا، لم أسمع بذلك. علينا الانتظار قليلًا حتى تهدأ الأمور في البلاد. أعتقد أن لديه الإمكانات اللازمة، إنه قائد حقيقي. لقد قاد حملة، وهو مذهل حقًا”.

ودعا ترامب سوريا للتعاون مع أمريكا في موضوعات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك ترحيل “الإرهابيين الفلسطينيين” وتحمّل مسؤولية سجون أفراد تنظيم الدولة وعائلاتهم.

وتفهم صحيفة “التايمز” أن الشرع لا يخطط لتحدي سيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان، المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية التي احتلتها في عام 1967، ولا المنطقة العازلة التي أنشأتها بعد انهيار نظام الأسد، وذلك كجزء من الاتفاق الخاص مع ترامب للعمل نحو اتفاقيات أبراهام.

——————————-

كيف بدا الشرع “المفاجأة التي لم تستوعبها إسرائيل” أثناء زيارة ترامب للشرق الأوسط؟

الـ 33 دقيقة التي قضاها الرئيس الأمريكي مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بوجود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الفيديو، رسمت مسار المحور الجديد الآخذ في التبلور برعاية الرئيس الأمريكي. في هذا المحور، بدت السعودية القائدة، وتركيا الشريكة الاستراتيجية، وعلى طاولة إيران اقتراح للانضمام إلى النادي، في حين أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني بشكل عام، هما إحصائيات حاضرة – غائبة في هذه الأثناء.

مقابل زيارته السابقة للمنطقة التي شملت إسرائيل، جاء ترامب هذه المرة مع خريطة طريق واقعية وذكية أكثر. دعوته للرئيس السوري الانضمام لاتفاقات إبراهيم وتطلعه لتطبيع بين السعودية وإسرائيل، لم تعد مرفقة بآلية ضغط وتهديد أو هدايا وإغراءات عرضها قبل ست سنوات لتجسيد حلم الشرق الأوسط الجديد الخاص به. سمح ترامب لبن سلمان بأن يقرر الوقت المناسب للتوقيع على اتفاق التطبيع، ولم يشترط رفع العقوبات عن سوريا بانضمامها للاتفاقات. لا تعبير أوضح بأن العائق الرئيسي لتوسيع دائرة “دول الاتفاق” موجود في القدس وفي يد نتنياهو – الذي، مثل محمود عباس، لم يذكر ولا مرة في خطاباته الطويلة المليئة بالإشادات الشخصية للرئيس الأمريكي.

ليس عبثاً تحول القصة السورية إلى البؤرة الرئيسية في زيارة ترامب. فهي تشمل إعطاء اعتماد سياسي واقتصادي للرئيس السوري، وفتح فرصة تاريخية لدولة كانت منبوذة في نظر الولايات المتحدة لعشرات السنين. الشرع، الذي هو من مواليد السعودية، كان إرهابياً حارب ضد القوات الأمريكية في العراق واعتقل وسجن خمس سنوات في السجن سيئ الصيت “أبو غريب”. انضم للقاعدة وأنشأ فرعها السوري باسم جبهة النصرة، لكنه رفض الانضمام لـ “داعش” بل وحاربه. في 2016 قطع علاقته مع القاعدة وأقام هيئة تحرير الشام، التنظيم الذي ما زال محسوباً على قائمة التنظيمات الإرهابية الدولية الذي أسقط معه نظام الأسد في كانون الأول الماضي.

إن مصافحة إرهابي لا تعتبر “تحديثاً”، يعرضه ترامب في اللقاء مع الشرع. الرئيس الأمريكي صافح من قبل يد رجال طالبان الذين وقع معهم على اتفاق سمح بانسحاب جزئي للقوات الأمريكية من أفغانستان. وحقق منذ فترة قصيرة اتفاقاً لوقف إطلاق النار مع الحوثيين الذين شملهم هو نفسه في قائمة منظمات الإرهاب الدولية. ومدح محمد بن سلمان، الشخص الذي قالت المخابرات الأمريكية إنه متورط في قتل خاشقجي عام 2018. يمكن لترامب أن يضيف إلى سلسلة “لقاءاته مع الإرهابيين” حوار مباشراً لآدم بوهلر، مبعوثه لشؤون المخطوفين، مع خليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس.

إسرائيل كوعاء فارغ

عن طريق سوريا، عبر ترامب عن ميزان القوة الجديد كما ينوي تشكيله. لقد تجاهل معارضة إسرائيل لرفع العقوبات وتبنى مواقف السعودية وتركيا وقطر التي وضعت نفسها كضامنة لـ “حسن سلوك” الشرع. لأنه مقابل إسرائيل التي تفحص سوريا عبر ثقب قفلها، فإن ترامب أقنعته النتائج الاستراتيجية الإقليمية بأنها خطوة قد تكون مجدية له. إن رعاية تركيا والسعودية لسوريا تحت مظلة أمريكية، تجعل سوريا تنتمي إلى الفضاء المؤيد لأمريكا، وتضع سوراً حصيناً ضد تطلعات إيران بالعودة إلى المنطقة. وستمكن ترامب من استكمال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وستدفع قدماً بدمج قوات الأكراد في أجهزة النظام السوري، خاصة بعد أن أعلن حزب العمال الكردي “بي.كي.كي”، وهو التنظيم الذي حاربته تركيا مدة 45 سنة، عن تفكيك نفسه.

إن رفع العقوبات سيفتح أمام سوريا ولبنان مسار توفير الكهرباء من الأردن، والغاز من مصر، ومع بداية إعادة الإعمار يمكن لمليوني سوري العودة إلى وطنهم من أوروبا ولبنان وتركيا.

بخصوص انضمام سوريا إلى اتفاقات إبراهيم، من الأفضل عدم التوقف عن حبس الأنفاس حالياً أو التخطيط لزيارات نهاية أسبوع في دمشق. وقال الشرع إنه مستعد للانضمام إلى الاتفاقات عندما “تنضج الظروف”، لكن هذه الظروف ستشمل انسحاب إسرائيل من المناطق التي سيطرت عليها في الحرب الأخيرة، بل من هضبة الجولان كلها. لم ينس ترامب أنه في 2019 اعترف رسمياً بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وحتى إنه حظي بمستوطنة على اسمه. صحيح أن دولاً كثيرة لها علاقات دبلوماسية كاملة مع الدول التي لها معها نزاعات على الحدود، وأن حلها يجري عبر المفاوضات، لكن هناك شكاً كبيراً فيما إذا كانت إسرائيل وسوريا ستتبنى هذا النموذج. في الوقت نفسه، لسوريا مكانة ودور في ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، المشمول في اتفاق وقف إطلاق النار. استكمال الترسيم الذي قد ينهي النزاع على الحدود مع لبنان يقتضي موافقة سوريا على ترسيم الحدود مع لبنان، حتى يكون بالإمكان تحديد الدولة التي تعود لها مزارع شبعا، التي هي من نقاط الخلاف الرئيسية بين إسرائيل ولبنان.

لا يقل عن ذلك أهمية الرسالة التي ينقلها رفع العقوبات إلى إيران. طهران التي تجري مفاوضات متقدمة مع الولايات المتحدة حول صيغة اتفاق نووي جديد تطالب الآن مقابل ذلك برفع العقوبات عنها. الطريقة التي يرفع فيها ترامب العقوبات عن سوريا – بيان “تقني” وكأنه يفعل معروفاً لأصدقائه بدون التشاور مع الكونغرس أو أخذ موقف إسرائيل في الحسبان، قد تهدئ إيران في كل ما يتعلق بالضمانات الأمريكية التي تطلبها، وعلى الأقل أن تخدم ويتكوف الذي يجري المفاوضات من قبل الرئيس لإقناع إيران بكيفية سير الأمور في عهد ترامب.

موقف السعودية مهم في هذا الشأن. السعوديون الذين عارضوا الاتفاق النووي الأصلي في 2015 يؤيدون الآن الاتفاق، بل وساهموا في الدفع بالمفاوضات قدماً. يعرف ترامب موقف السعودية التي تعارض أي عمل عسكري ضد إيران. بل وردد موقف السعودية عندما امتنع عن التهديد بفتح باب جهنم على إيران إذا لم توقع على الاتفاق، واكتفى بالتعهد باستخدام “الحد الأقصى من الضغط الاقتصادي” الذي سيمنع إيران كلياً من تصدير النفط. الرئيس الذي كرر تعهده بعدم السماح لإيران بالحصول على السلاح النووي، تجنب أيضاً في الزيارة الحالية القول بأن إيران لا يمكنها تخصيب اليورانيوم، خلافاً لأقوال ويتكوف منذ فترة قصيرة في موقع “برايت بيرت”، التي ستضطر إيران بحسبها إلى تفكيك كل مشروعها النووي والتوقف عن التخصيب وإزالة أجهزة الطرد المركزي كشرط لرفع العقوبات.

التحول التكتوني الذي يحدثه ترامب في الشرق الأوسط لم تستوعبه إسرائيل بعد. فهي تنشغل بنشاطات تكتيكية أم تتلذذ بإنجازات محلية مثل اغتيال محمد السنوار غير المؤكد، أو قصف الموانئ في اليمن، وتركز اهتمامها بالحفاظ على قوة التحالف. إسرائيل غير مستعدة لاتفاق نووي جديد مع إيران، ولا خطة سياسية لديها لوقف الحرب في غزة أو حل القضية الفلسطينية بشكل عام، في حين أن الغطاء الدولي، بما في ذلك الغطاء الأمريكي، يتصدع بل ويتساقط جزئياً. إذا كانت إسرائيل قبل سنة ونصف تعتبر جزءاً من نظام دفاع إقليمي وشريكة رائدة في التحالف ضد إيران بسبب قدرتها العسكرية والاستخبارية المدهشة، فهي تجد نفسها الآن في وعاء فارغ عندما يطلب منها إظهار مهارتها السياسية وتفكيرها الاستراتيجي الأصيل.

تسفي برئيل

هآرتس 15/5/2025

القدس العربي

———————————

مجلة أمريكية: الشرع يواجه معضلة لتوحيد سوريا والكاريزما ليست كافية لوحدها

إبراهيم درويش

تساءل روبرت أف وورث في مقال نشرته مجلة “ذي أتلانتك” عن الوضع في سوريا وهل انتهى شهر العسل بالنسبة للرئيس أحمد الشرع.

وقال إن الجهادي السابق يحتاج لأكثر من الجاذبية ليساعد بلده المحطم على التعافي.

 وقال وورث إنه وبعد خمسة أشهر على تحرير سوريا من الدولة البوليسية التي قادها بشار الأسد، تبدو الحرب الأهلية فيها وكأنها لم تنته.

 فقد تحولت المواجهات الطائفية إلى معارك شوارع بالصواريخ وقذائف الهاون. وفي السويداء، جنوب سوريا شجب قادة محليون الحكومة السورية الجديدة ووصفوها ب”العصابة الإرهابية” ويرفعون علم الدويلة الدرزية التي ظهرت قبل قرن.

وقد حاول الرئيس الشرع وأكثر من مرة طمأنة الأقليات الدينية وأنه يريد السلام والتعددية. وحصل على تخفيف اقتصادي غير متوقع، عندما أعلن الرئيس دونالد ترامب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وذلك في أثناء جولته بدول الخليج، إلا أن الشرع ، حسب الكاتب، لا يبدو أنه قادر على معالجة البنى المعيبة التي تغذي العنف في الأشهر الأخيرة.

وبرأيه فدولته مركزية جدا وتعتمد على الجهاديين السابقين الذين لا يستطيع السيطرة عليهم. وأشار الكاتب إلى المواجهات في الساحل السوري بشهر آذار/مارس وقتل فيها حوالي 1,000 شخصا من الطائفة العلوية. ويعلق الكاتب أن أصدقاءه العلويين أخبروه أنهم يعيشون في حالة من الخوف، وطلب عدد منهم مساعدته على الخروج من البلد الذي يبدو غريبا لهم.

واندلعت الأزمة الأخيرة أواخر الشهر الماضي، عندما زُعم أن رجل دين درزي أساء للنبي محمد. واجتاحت حشود غاضبة من المسلحين شوارع عدة مدن سورية. وتبين أن التسجيل الصوتي مزيف. إلا أن الحزازت القديمة خرجت وأدت لمواجهات في بلدات جنوب دمشق، مما أدى إلى اندلاع معارك ضارية خلفت أكثر من 100 قتيل.

ويقول وورث إن المواقف تتشدد داخل الدروز الذين رفضوا تسليم أسلحتهم لدمشق. ويعتقد الكثيرون أن الحكومة مسؤولة عن المواجهات الأخيرة. ونقل عن مصدر يعرف أرسل إليه رسالة على الهاتف: ” نحن ندافع عن أنفسنا ضد المتطرفين السلفيين من تنظيم الدولة والإرهاب المتخفي كدولة”.

واستغلت إسرائيل الخلاف مع الدروز، مما كشف عن الخطورة التي تواجه سوريا الجديدة. وفي 2 أيار/مايو أطلقت طائرات حربية إسرائيلية صواريخ على تلة مجاورة للقصر الرئاسي السوري، فيما وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه “تحذير واضح” لترك الدروز وشأنهم. ويبدو أن إسرائيل تستغل الصراع لإنشاء منطقة سيطرة فعلية في جنوب سوريا، حيث يتركز الدروز. كما دخلت في صدام مع تركيا، راعية الحكومة السورية الجديدة، التي تطمح إلى فرض هيمنة مماثلة على شمال البلاد. وقال وورث إن  التوغلات الإسرائيلية تقود إلى دوامة مفزعة في سوريا، فهي تزيد من الاعتقاد بأن الدروز طابور خامس تدعمه قوة خارجية.

وبحسب الكاتب فقد عبر معظم الدروز عن استيائهم من سلوك إسرائيل، ولكن كلما زاد شعورهم بالتهديد من جيرانهم السنة، زاد ميلهم للمطالبة بمزيدٍ من الحكم الذاتي لطائفتهم ومنطقتهم. ويتجلى نمط مماثل لدى الأكراد في شمال شرق سوريا، الذين لا يثقون بالشرع ويحاولون الحفاظ على بعض الاستقلالية. وتجري إسرائيل وتركيا محادثات “لخفض الصراع” في باكو، عاصمة أذربيجان، بهدف ظاهري لتجنب الحوادث العسكرية.

وبالنسبة لبعض السوريين، تشبه هذه المحادثات مشروعا استعماريا غامضا لتقسيم بلادهم، كما فعلت القوى الأوروبية قبل قرنٍ من الزمان بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. وليس لدى الشرع الذي قاد الحملة للإطاحة بالأسد في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر الكثير  ليفعله أمام التحديات لسلطته. فقد تحدث كثيرا ضد  الطائفية وقال إنه يريد إعادة التعددية  وسيادة سوريا. ولكنه لن يفعل هذا بدون جيش حقيقي، فهو يعتمد على قوات مسلحة غير منضبطة ساعدته على التخلص من الأسد.

ويقول جوشوا لانديز، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، بجامعة أوكلاهوما إن “الشرع يواجه معضلة وكيف سيوحد البلاد بدون سيطرة حقيقية”، مضيفا أن قواته أغلبها من المتشددين السنة، وهذا أمر لا مفر عنه. ويزعم لانديز إن الشرع قد فقد أي أمل كان لديه في ترويض ميليشياته الجامحة، واعتمد الآن استراتيجية ضمنية لسحق الأقليات ودفعها للخضوع للحكم السني. وإذا كان هذا صحيحا، فقد يخاطر الشرع بتعكير صفو علاقاته المحسنة مع الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين رفعتا العقوبات التي كانت تخنق الاقتصاد السوري. قد يكون المسيحيون أقلية في سوريا، لكن أصواتهم عالية في واشنطن، وربما خاصة لدى الموالين لترامب مثل سيباستيان غوركا، الذي يدير، إلى حد ما، السياسة السورية في الإدارة الجديدة. إلا أن بول سالم، نائب مدير التواصل الدولي بمعهد  الشرق الأوسط للشؤون الدولية والمقيم في بيروت، لديه نظرة أكثر تفاؤلا بشأن الشرع ، حيث قال: “يبدو أن الرئيس يحاول التقدم ببطء في الاتجاه الصحيح،  وإن بصعوبة بالغة”، مضيفا أن الولايات المتحدة ودولا أخرى لا تزال قادرة على مساعدة الشرع في بناء حكومة أكثر انفتاحا من شأنها أن تساعد في استقرار المنطقة.

 وقال سالم إن لقاء الرئيس ترامب بالشرع في الرياض يوم الأربعاء قد يسهم في دفع هذه الجهود قدما. ويرغب الشرع بشدة في جذب الاستثمارات الأمريكية إلى سوريا. وقد حاول بالفعل تلبية بعض الشروط التي وضعتها إدارة ترامب، بما في ذلك اعتقال بعض المسلحين الفلسطينيين في سوريا والتواصل بشكل غير مباشر مع إسرائيل والتعبير عن رغبة في السلام.

وتظل سوريا بلدا محطما ويحتاج إعماره إلى مئات المليارات من الدولارات. لكن أي نوع من التمويل سيترك أثره الواضح. فمجرد القدرة على دفع رواتب منتظمة للجنود والشرطة والمعلمين سيكون حصنا منيعا ضد الفوضى. إلا أن المواجهات الطائفية كشفت عن مشكلة أخرى ولا يستطيع ترامب فعل أي شيء حيالها، وهي أن حكومة الشرع مركزية جدا وتعاني من نقصٍ حاد في الإداريين المؤهلين. وقد وضع الرئيس السوري أفراد عائلته وأصدقاءه في مناصب بارزة وعين 23 وزيرا جديدا في أواخر آذار/مارس، معظمهم وزراء بدون سلطة على حد قول الكاتب. ولا يمكنهم فعل أي شيء تقريبا دون المشاركة المباشرة للشرع أو أسعد الشيباني، وزير خارجيته وذراعه الأيمن.

وفي نفس الوقت، تتحرّك عجلة الدولة ببطء؛ ولا يزال الموظفون العموميون يتقاضون رواتبهم عبر “شام كاش”، وهو تطبيق أطلقه أتباع الشرع الإسلاميون قبل سقوط نظام الأسد، ويعاني من أعطال تقنية. وفي آذار/مارس أعلن الشرع عن دستور جديد لتركيز السلطة، وبلا  أي رقابة فعلية على سلطة الرئيس، الذي يعين ثلث أعضاء البرلمان مباشرة، ويسيطر بشكل غير مباشر على الثلثين المتبقيين. وأخبر الكثير من السوريين الكاتب أن الشرع يتمتع  بكاريزما عظيمة، وأكد له العديد من السوريين، بيقين، أنه ليس مسؤولا عن التعصب في معسكره. لكن إذا استمرت أعمال العنف الطائفي في عهده، فلن يصدق أحد هذه الوعود.

القدس العربي

—————————-

ترامب فاجأ إدارته بقرار رفع العقوبات عن سوريا

الخميس 2025/05/15

فاجأ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، كثيرين في المنطقة، حتى أن البعض في إدارة ترامب نفسها، فوجئوا بقراره الذي من شأنه أن ينهض ببلد دمرته حرب استمرت 13 عاماً، حسب وكالة “رويترز”.

ترامب لم يعلم الخارجية والخزانة

وقال أربعة مسؤولين أميركيين مطلعين للوكالة، إن كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة هرعوا في محاولة لاستيعاب كيفية إلغاء العقوبات التي بعضها مفروض منذ عقود، فيما أوضح مسؤول أميركي كبير أن البيت الأبيض لم يبلغ مسؤولي العقوبات في الوزارتين، للتحضير لإلغاء العقوبات، كما لم ينبههم إلى أن هناك إعلاناً وشيكاً من الرئيس بهذا الشأن.

وكان الإلغاء المفاجئ من ترامب، مماثلاً لما يفعله الرئيس الأميركي دوماً: قرار مفاجئ وإعلان دراماتيكي وصدمة ليس فقط للحلفاء إنما أيضاً لبعض المسؤولين الذين ينفذون السياسة التي يتم تغييرها.

وأضاف المسؤول الكبير أنه قبل رحلة ترامب إلى السعودية، لم يكن هناك أي مؤشر واضح، على الأقل بالنسبة للمسؤولين الذين يعملون على العقوبات داخل وزارتي الخارجية والخزانة، على أن الرئيس قد اتخذ قراراً برفع العقوبات.

حيرة المسؤولين

وكان المسؤولون الأميركيون في حيرة من أمرهم بعد الإعلان، وذلك بخصوص الكيفية التي ستلغي بها الإدارة الأميركية حزماً ومستويات من العقوبات، وأي منها سيتم تخفيفها ومتى يريد البيت الأبيض بدء العملية.

وحتى الوقت الذي التقى فيه ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية، كان المسؤولون في الخارجية والخزانة غير متأكدين من كيفية المضي قدماً، بحسب المسؤول الكبير.

وقال أحد المسؤولين الأميركيين إن “الجميع كان يحاول استكشاف كيفية تنفيذ” إعلان الرئيس الأميركي برفع العقوبات عن سوريا.

ووفق “رويترز”، فإن مسؤولين في وزارتي الخزانة والخارجية، صاغوا مذكرات وأوراقاً بمختلف الخيارات، للمساعدة في إرشاد الحكومة الأميركية بشأن رفع العقوبات إذا اختارت الإدارة الأميركية أو قررت القيام بذلك، وذلك منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

كما ناقش مسؤولون في البيت الأبيض والأمن القومي إلى جانب مشرعين، ما إذا كان ينبغي من الأساس تخفيف العقوبات، بسبب علاقات الشرع السابقة مع تنظيم القاعدة.

وقال مسؤول في البيت الأبيض لـ”رويترز”، إن تركيا والسعودية طلبتا من ترامب رفع العقوبات ولقاء الشرع، وهو ما قاله الرئيس الأميركي خلال إعلانه عن رفع العقوبات.

سوريا مستقرة وآمنة

في غضون ذلك، قال وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو، إن قرار الرئيس الأميركي، يهدف إلى تحويل سوريا لمكان آمن ومستقر.

وأضاف روبيو للصحافيين، اليوم الخميس، في اليوم الثاني من الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في ولاية أنطاليا جنوبي تركيا، إن ترامب يعارض الحروب والإرهاب وما ينتج عنهما من اضطرابات.

وأعرب الوزير الأميركي عن أمله في أن يستغل المسؤولون السوريون هذه الفرصة لإعادة إعمار بلدهم، وتحويله من “مصدر لعدم الاستقرار إلى مصدر للاستقرار في المنطقة”.

والثلاثاء، أعلن ترامب خلال كلمة له في السعودية، رفع العقوبات عن سوريا، كما التقى الشرع على هامش مشاركته في القمة الأميركية- الخليجية، الأربعاء.

————————

حاخام اليهود في سوريا يعد بالسلام.. وغليون يُشكك/ أنيس المهنا

الأربعاء 2025/05/14

على تسعة يهودٍ فقط؛ بقي بيخور عيد، رئيساً للطائفة الموسوية (اليهودية) في سوريا؛ ذلك ما بقي من أفراد هذه الطائفة القديمة، والذين يقطنون جميعاً في دمشق..

يقول عيد لـ”المدن”: “خلقت هنا، وسأموت هنا أعرف أهل المنطقة كلهم، بين مسيحيين وسنة وشيعة.. بيتي دمشقيٌّ قديم في حارة اليهود، وفيه جلسة ممتعة تحت شجرة الكباد..”، ويضيف اليهودي الدمشقي، “في عهد حافظ الأسد وابنه بشار كنا ممنوعين من التصريح لأي وكالة أنباء، أما اليوم فأنا أتصرف بكل حرية”.

وعما يحدث اليوم في سوريا، يذكر بيخور: “التقيت أحد نواب الكونغرس اللذين قابلا رئيس الجمهورية أحمد الشرع قبل أسبوعين، وكان يقيم في فندق بيت الوالي، أحد الفنادق الفاخرة في حي باب توما، فهمنا منه، بثقة العارف أن السلام مقبل بين دمشق وإسرائيل، لقد أخبرني النائب الأميركي أنه سيعرّج على القدس قبل عودته إلى الولايات المتحدة، وهي رسالة مبطنة أنه يحمل رسالة إلى نتنياهو، من دمشق”.

تشكيك بنوايا إسرائيل

غير أن المفكر والسياسي السوري برهان غليون، مدير مركز دراسات “الشرق المعاصر” في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس، لا يوافق على ما نقله رئيس الطائفة اليهودية في دمشق عن النائب الأميركي. ويقول لـ”المدن”، أنه “من المبكر التنبؤ بما يمكن أن يحصل من مباحثات، لكن إذا كان جو اللقاء (المقرر غداً بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس السوري أحمد الشرع) إيجابياً، فذلك قد يُمّهد لمفاوضات مقبلة بين سوريّا وإسرائيل”.

ويضيف غليون “ولو أنني استبعد ذلك لأنني أعتقد أن إسرائيل غير مستعدة ولا جاهزة للحديث عن أي سلام لا مع سوريا ولا مع فلسطين”. فإسرائيل – برأيه – “تفضل العيش في مناخ حرب دائمة ولا تريد الخروج منها، وإذا خرج الاجتماع بوعود بالضغط على إسرائيل لوضع حدّ للاستفزازات اليومية للدولة السورية، والعودة إلى الالتزام على الأقل باتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974، فسيكون ذلك مكسباً مهماً في هذه المرحلة الصعبة والمتوترة التي تعيشها سوريّا والمنطقة”.

ويرى غليون في إزالة العقوبات الأميركية عن سوريا فرصةً لبداية جديدة، وتدفع السوريين والعرب أيضاً للتفاؤل، لأن تحرير سوريا من القيود التي فرضت عليها؛ سيكون له انعكاسات كبيرة على الإقليم بأكمله، وذلك سيكون فعلاً إشارة إلى بدء مرحلة جديدة في المنطقة بأكملها.

——————————

مع بداية صفحة جديدة في العلاقات السورية الأمريكية

وزير الخزانة الأميركي يؤكد بدء رفع العقوبات عن سوريا

إيلاف من واشنطن: قال سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكية، اليوم الخميس، إن “وزارة الخزانة الأمريكية تتحرك لتخفيف العقوبات لتحقيق الاستقرار ودفع سوريا نحو السلام”.

أضاف بيسنت أن وزارة الخزانة الأمريكية أطلقت عملية رفع عقوبات واشنطن عن سوريا.

وكتب على منصة “X” للتواصل الاجتماعي: “تتحرك وزارة الخزانة الأمريكية لتخفيف العقوبات لتحقيق الاستقرار ودفع سوريا نحو السلام”.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن يوم الثلاثاء في العاصمة السعودية الرياض أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات عن سوريا بناء على طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وقبل القمة الأمريكية الخليجية في السعودية، أجرى ترامب محادثات مع الرئيس السوري أحمد الشرع.

———————————-

وزراء خارجية تركيا وسوريا وأميركا يبحثون تفاصيل رفع العقوبات

15/5/2025

اجتمع وزراء خارجية تركيا وسوريا والولايات المتحدة، اليوم الخميس، لبحث تفاصيل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن دمشق.

وقالت الخارجية السورية في بيان إن الوزير أسعد الشيباني التقى في مدينة أنطاليا التركية، نظيره الأميركي ماركو روبيو بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان.

وأضافت الوزارة أن الشيباني ناقش مع نظيره الأميركي “تفاصيل رفع العقوبات عن سوريا” وسبل “بناء علاقة إستراتيجية”.

وفي وقت سابق، صرح وزير الخارجية التركي بأن اللقاء -الذي عقد على هامش اجتماع لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي (ناتو)- يأتي لبحث خريطة الطريق للمرحلة المقبلة على ضوء قرار رفع العقوبات.

وأعلن الرئيس الأميركي في قرار مفاجئ أول أمس الثلاثاء، أنه سيرفع العقوبات عن سوريا.

وأوضح ترامب -الذي التقى نظيره السوري أحمد الشرع في الرياض– أن قراره جاء بعد مناقشات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي شأن سوري آخر، صرح وزير الخارجية التركي بأن تركيا لم تر بعد أي خطوات من جانب وحدات الشعب الكردية في سبيل تنفيذ اتفاقها مع الحكومة السورية.

وأضاف “ننتظر تنفيذ هذه الخطوات”، مشددا على أن تحقيق الاستقرار في سوريا يتطلب “حكومة شاملة وقوات مسلحة شرعية واحدة”.

وتعد وحدات الشعب الكردية أبرز مكون لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي أبرمت في 10 مارس/آذار الماضي اتفاقا مع الحكومة السورية للاندماج في مؤسسات الدولة.

من ناحية أخرى، قالت وكالة رويترز، إنها اطلعت على وثيقة تفيد أن مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، اقترحت مزيدا من التخفيف للعقوبات الأوروبية على سوريا للسماح بتمويل وزارتين سوريتين للعمل في عدة مجالات، منها إعادة الإعمار والهجرة.

وخفف الاتحاد الأوروبي في وقت سابق عقوبات في مجالات الطاقة والنقل وإعادة الإعمار والمعاملات المالية المرتبطة بذلك، غير أن بعض الدول الأعضاء حثت على مزيد من التخفيف للمساعدة في تسهيل العملية الانتقالية في سوريا.

ومن المتوقع أن يناقش وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي العلاقات مع سوريا في اجتماع ببروكسل الأسبوع المقبل.

ويُجدد الجزء الأكبر من العقوبات المفروضة منذ عام 2013 سنويا في الأول من يونيو/حزيران.

المصدر : الجزيرة + وكالات

———————————

مركز أميركي: رفع العقوبات قرار مهم لسوريا لكن المحاذير قائمة

15/5/2025

توقع مركز ستراتفور الأميركي للدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن يفتح إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، الباب أمام تدفق الاستثمارات من دول الخليج العربية وتركيا، مما سيساعد في إنعاش الاقتصاد، ويشجع على توطيد علاقاتها بلبنان وتعزيز سلطة الحكومة المؤقتة.

وذكر المركز في تقرير، أن هناك أملا كبيرا في أن يؤدي ضخ الاستثمارات الخليجية والتركية إلى تحريك عجلة الاقتصاد السوري، وإعادة فتح طرق التجارة واستعادة سوريا دورها كمركز عبور إقليمي، خاصة بالنسبة للنفط والغاز، وهو ما من شأنه أن يحفز فعلا النمو ويخلق فرص عمل تشتد الحاجة إليها.

كما يعد اتخاذ الاتحاد الأوروبي وبريطانيا خطوات فعلية نحو تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، مؤشرا على اتجاه دولي محتمل في هذا المسار.

محاذير

بيد أن التحليل يحذر، مع ذلك، من أن الأضرار الفادحة التي لحقت بالبنية التحتية جراء سنوات من الصراع، إلى جانب المخاوف الأمنية المستمرة واحتمال إعادة فرض العقوبات، يمكن أن تبطئ وتيرة الاستثمار طويل الأجل.

ثم إن عدم رفع سوريا من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، يشكل رادعا كبيرا للعديد من المستثمرين الدوليين.

وعلى الصعيد السياسي -يتابع المركز- فإن رفع العقوبات ستتيح للرئيس أحمد الشرع ترسيخ سلطته داخل سوريا.

فالقدرة على تقديم مزايا ملموسة للسكان الذين أنهكتهم الحرب، مثل دفع رواتب القطاع العام، وتنفيذ حزمة الـ100 يوم لتحقيق الاستقرار، يمكن أن تعزز شرعيته وتوطد أركان نظامه.

ويزيد المركز، إن الرئيس الشرع سيكون في وضع يمكّنه من تركيز عملية صنع القرار وإغراء المجموعات التي لا تزال تعارض العملية الانتقالية بالانضمام إلى حكومته.

غير أن دمج المجموعات الطائفية المختلفة -بما لديها من قواعد ومطالب خاصة- في إطار وطني موحد، يمثل تحديا كبيرا.

وتبدو إمكانية عودة العلاقات إلى طبيعتها بين سوريا ولبنان، مدفوعة بالمصالح الاقتصادية المشتركة والحاجة إلى معالجة قضايا مثل إعادة اللاجئين وترسيم الحدود، أكثر قابلية للتطبيق الفوري من التطبيع مع إسرائيل على سبيل المثال.

ويشير المركز الأميركي في تحليله إلى أن العلاقات بين البلدين اتسمت بالاضطراب على مدى العقدين الماضيين بسبب قضايا منها التدخل السياسي السوري في لبنان، وتدخل حزب الله في الحرب السورية، ووجود اللاجئين السوريين في لبنان.

ومع رفع العقوبات المفروضة على سوريا، قد يجد كلا البلدين حوافز متبادلة لمتابعة محادثات استعادة العلاقات الطبيعية بينهما، بدءا بالمفاوضات التي طال انتظارها بشأن ترسيم الحدود البرية والبحرية، وهو ما قد يساعد على تهدئة التوترات المتكررة وتمكين تعاون أكثر تنظيماً في القضايا الثنائية الرئيسية.

لكن ستراتفور يرجح أن يستغرق التطبيع السوري الإسرائيلي وقتا أطول مقارنة بالتطبيع بين سوريا ولبنان التي ستكون واضحة المعالم، وإن كانت لا تزال صعبة.

المصدر : ستراتفور

——————————

بلومبيرغ: 8 أسئلة لتوضيح ما يجري في سوريا وسبب رفع ترامب العقوبات عنها

15/5/2025

يعد رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بشرى للسوريين الذين تحملوا أكثر من نصف قرن من قمع نظام البعث و13 عاما من الصراع، وفق تقرير موقع بلومبيرغ.

وجاء التقرير بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا أثناء زيارته إلى السعودية يوم 13 مايو/أيار 2025.

واستعرض الكاتبان سلجان هاجا أوغلو مراسل الموقع في أنقرة وكبير مراسلي الشرق الأوسط سام داغر 8 أسئلة رئيسية تساعد على فهم ما يجري في البلاد وأسباب التحولات الجيوسياسية التي صاحبتها.

1. ما العقوبات التي كانت مفروضة على سوريا؟

وذكر التقرير أن العقوبات الأميركية على سوريا تعود إلى عام 1979 عندما تم تصنيفها دولةً راعية للإرهاب، خاصة بسبب دعمها حزب الله وتدخلها في لبنان.

وفي 2004، أضافت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش قيودا على الصادرات إلى سوريا، حسب التقرير.

وزادت العقوبات بشدة عام 2011 عقب اندلاع الحرب، وتم تجميد أصول بشار الأسد وكبار مسؤولي النظام، ومنعت الاستثمارات الأميركية والمشاركة في تجارة النفط السورية، ما ساهم في تدهور الاقتصاد ومعاناة المدنيين.

2. لماذا قرر ترامب رفع العقوبات؟

وقال التقرير، إن ترامب وصف رئيس سوريا أحمد الشرع بأنه “رجل قوي وجذاب”، مؤكدا رغبته في منح سوريا “فرصة لتحقيق العظمة”، ويرى مؤيدو القرار أن تخفيف العقوبات قد يسهم في استقرار البلاد وجذب الاستثمارات لإعادة الإعمار.

وانتقد ترامب نهج الإدارات السابقة التي سعت لاستخدام السياسة الأميركية لمعاقبة الحكومات الأخرى أخلاقيا، معتبرا، أن ذلك ليس دور الولايات المتحدة.

ودعم القرار السعودية وتركيا -وهما من أبرز داعمي الشرع-  بهدف تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، حسب التقرير.

3. كيف تبدو الأوضاع الاقتصادية في سوريا؟

وأكد التقرير أن الاقتصاد السوري يعاني من انهيار شبه كامل، حيث صنفه البنك الدولي كدولة منخفضة الدخل منذ عام 2018.

وأورد أن الناتج المحلي تراجع بأكثر من 50% منذ 2010، وانخفضت مستويات التعليم والخدمات الصحية بشكل كارثي، ووصلت نسبة البطالة إلى 50% عام 2020، وتدهورت الزراعة والصادرات، بينما ازدهرت تجارة المخدرات -خاصة الكبتاغون– كمصدر دخل بديل للحكومة.

وعلى الرغم من بعض المؤشرات على عودة النشاط التجاري، مثل فتح المحال والمدارس، إلا أن البلاد بحاجة إلى استثمارات ضخمة لإعادة البناء وتأمين الكهرباء والخدمات الأساسية، حسب التقرير.

4. ما موقف القوى الإقليمية والدولية؟

وأوضح التقرير أن سقوط الأسد شكل ضربة قوية لروسيا وإيران، إذ إن روسيا تكافح للحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا رغم انشغالها بحرب أوكرانيا، أما إيران فقد فقدت حليفها الإقليمي الرئيسي، واضطرت إلى سحب قواتها في 2024 بعد سنوات من الدعم للنظام السابق.

وفي المقابل، تحاول السعودية وتركيا تعزيز نفوذهما في سوريا الجديدة، حسب التقرير، وتسعى تركيا لأن يكون لها دور رئيسي في إعادة بناء سوريا وضمان عودة اللاجئين، بشرط وضع حد للنفوذ الكردي.

ولفت التقرير إلى أن إسرائيل تشعر بالتهديد من “الحكام الإسلاميين الجدد في دمشق”، ما دفعها إلى شن مئات الغارات الجوية على مخازن الأسلحة السورية وقواعد البلاد العسكرية، وقصف مواقع أخرى في دمشق بدعوى حماية مناطق الدروز.

5. من هي هيئة تحرير الشام؟

وذكر التقرير أن هيئة تحرير الشام هي جماعة إسلامية مسلحة نشأت عن جبهة النصرة، التي كانت بدورها فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا.

وتشكلت الجماعة رسميا عام 2017 بعد أن أعلنت انفصالها عن القاعدة، وتضم نحو 15 ألف مقاتل، وكانت مصنفة جماعةً إرهابية من الولايات المتحدة وتركيا والأمم المتحدة، حسب التقرير.

وقال التقرير، إن الجماعة تحاول تقديم نفسها اليوم على أنها مجموعة معتدلة، مع التركيز على الأمن الداخلي والخدمات، وتجنب فرض قوانين دينية صارمة على المواطنين.

6. ما الذي حققه الشرع حتى الآن؟

وأورد التقرير أنه أعيد فتح المدارس والمتاجر، وعادت بعض المنتجات الأجنبية إلى الأسواق، واستأنفت الدوائر الحكومية عملها بدعم مالي من قطر لتغطية جزء من رواتب الموظفين.

وأضاف أن البلاد لا تزال تعاني من نقص حاد في العملات الأجنبية، ولا تتوفر الكهرباء إلا ساعات محدودة يوميا، وقد حصل الشرع على تعهدات من تركيا بدعم قطاع الكهرباء.

وأكد التقرير، أن التحدي الأكبر هو إعادة إعمار البنية التحتية للبلاد وسط هشاشة الاستقرار الأمني والتهديدات الإسرائيلية المستمرة.

7. هل نجح الشرع في توحيد سوريا؟

وأفاد التقرير أن الشرع تمكن من فرض سيطرته على غالبية المراكز السكانية في سوريا، وضم فصائل مسلحة مختلفة إلى ما يُسمى “الجيش الوطني السوري”.

ولكن لا تزال أجزاء من الشمال والشرق خارج سيطرته، تحت نفوذ جماعات مثل قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، حسب التقرير.

8. كيف تحولت سوريا إلى بؤرة نزاع؟

وأوضح التقرير أن جذور الأزمة تعود إلى عام 1970، عندما استولى حافظ الأسد على السلطة بانقلاب عسكري، وأسس نظاما استبداديا يهيمن عليه العلويون، استمر بتقلد ابنه بشار الحكم عام 2000، وفق التقرير.

وأكد أن الجزء الأكبر من معاناة البلاد يعود إلى رد النظام على الثورة في 2011، إذ شن النظام حملات قمع واعتقالات وتعذيب شديدة، واستهدف المدنيين بالهجمات الكيميائية، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية طاحنة طائفية بطابعها، وتدخل قوى إقليمية ودولية في الصراع، كل لها له أولوياته، ما حول سوريا إلى ساحة صراع جيوسياسي دام.

وراح ضحية الحرب مئات آلاف القتلى، وشرد ملايين السوريين حول العالم، وتحاول سوريا الآن بناء نفسها من جديد.

المصدر : بلومبيرغ

————————————–

رويترز: عهد جديد للاقتصاد السوري بعد اعتزام ترامب إسقاط العقوبات

15/5/2025

من المتوقع أن يكون إلغاء العقوبات الأميريكية عن سوريا بداية عهد جديد للاقتصاد الذي دمرته الحرب على مدى 13 عاما، وأن يفسح الطريق لتدفق استثمارات السوريين في الخارج ومن تركيا ودول في الخليج تدعم الحكومة الجديدة.

ونقلت رويترز عن رجال أعمال ووزير المالية السوري ومحللين، إنهم يتوقعون تدفق رؤوس الأموال على الاقتصاد المتعطش لها بمجرد إسقاط العقوبات، وفق إعلان الرئيس دونالد ترامب المفاجئ، على الرغم من تحديات كثيرة لا تزال تواجه الدولة.

خطط استثمار

قال رجل الأعمال السوري الملياردير غسان عبود، إنه يضع خططا للاستثمار، ويتوقع أن ثمة سوريين آخرين لهم علاقات تجارية دولية يفكرون في ذلك أيضا.

وأضاف الرجل الذي يعيش في الإمارات “كانوا خائفين من القدوم والعمل في سوريا بسبب مخاطر العقوبات… هذا سيختفي تماما الآن”.

ومضى يقول “أخطط بالطبع لدخول السوق لسببين:

    أولا: أريد مساعدة البلاد على التعافي بأي طريقة ممكنة.

    ثانيا: ثمة أرض خصبة، فأي بذرة توضع اليوم قد تدر هامش ربح جيدا.

وعرض عبود خطة بمليارات الدولارات لدعم الفن والثقافة والتعليم في سوريا.

وقد يعيد رفع العقوبات تشكيل الاقتصاد جذريا في مسار الإدارة السورية الجديدة التي تبنت سياسات السوق الحرة وابتعدت عن نموذج تخطيط الدولة الذي اتبعته عائلة الأسد في خمسة 5 عقود من حكمها.

وفرضت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى عقوبات صارمة على سوريا أثناء الحرب التي اندلعت بسبب الاحتجاجات ضد حكم بشار الأسد في 2011.

وأبقت واشنطن على هذه العقوبات بعد الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بينما كانت تصوغ سياستها تجاه سوريا وتراقب تصرفات الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.

وحثت السعودية وتركيا واشنطن على إسقاط العقوبات، وقال وزير الخارجية السعودي، إن فرص الاستثمار ستكثر بمجرد حدوث ذلك.

وتقول وكالات الأمم المتحدة، إن أكثر من 90% من السوريين البالغ عددهم 23 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.

فرصة حقيقية

ويقول المحلل الإستراتيجي البارز للأصول السيادية في الأسواق الناشئة في شركة آر بي سي بلوباي لإدارة الأصول، تيموثي آش: “ثمة فرصة حقيقية لإحداث تغيير جذري في سوريا والمنطقة الأوسع”.

وقال أونور جنش، الرئيس التنفيذي لمجموعة بي بي في إيه المالية العالمية التي تضم مصرف غرانتي، ثاني أكبر بنك خاص في تركيا، إن الشركات والبنوك التركية من المتوقع أن تستفيد من إسقاط العقوبات.

وأضاف: “بالنسبة لتركيا، سيكون الأمر إيجابيا لأن ثمة حاجة إلى عمليات إعادة إعمار كثيرة في سوريا. من يفعل هذا؟ الشركات التركية”.

ومضى يقول “سيسمح إسقاط العقوبات للشركات التركية بالذهاب إلى هناك الآن بشكل أفضل بكثير، وستتمكن البنوك التركية من تمويلها، وهذا سيدعم الأمر”.

وأظهرت بيانات سورية رسمية أوردها البنك الدولي في عام 2024، أن الاقتصاد السوري انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2021، لكن البنك قال، إن هذا على الأرجح أقل من الواقع.

فرص في كل المجالات

ارتفعت قيمة الليرة السورية منذ إعلان ترامب. وقال متداولون، إن العملة بلغت نحو 9600 مقابل دولار في أحدث تعاملات، مقارنة بـ12 ألفا و600 دولار في وقت سابق من هذا الأسبوع، وقبل الحرب في عام 2011، كان الدولار يعادل 47 ليرة سورية.

وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية، إن مستثمرين من الإمارات والكويت والسعودية ودول أخرى، قدموا استفسارات عن الاستثمار.

وأضاف برنية: “سوريا اليوم هي أرض الفرص، وثمة إمكانات كامنة هائلة في جميع القطاعات، من الزراعة إلى النفط والسياحة والبنية التحتية والنقل”.

وقال “ندعو جميع المستثمرين إلى اغتنام هذه الفرصة”.

من جهته قال المدير العام لبنك (شهبا بنك)، كرم بشارة “إنه رائع بما يفوق التصور. نحن على المسار الصحيح الآن على الصعيد الدولي ما لم يحدث شيء في سوريا يعرقل العملية”.

وقال جهاد يازجي، وهو صحفي ومؤسس ورئيس تحرير “التقرير السوري” الإخباري الاقتصادي على الإنترنت، إن قرار الولايات المتحدة يمثل تحولا جذريا لأنه نقل “رسالة سياسية قوية جدا” وفتح الطريق لعودة التكامل مع الخليج والمنظمات المالية الدولية والعدد الكبير من السوريين في الغرب.

وقال المستثمر اللبناني عماد الخطيب، إنه يعجل بخططه للاستثمار في سوريا بعد إعلان ترامب.

وتعاون الخطيب مع شركاء لبنانيين وسوريين في إجراء دراسة جدوى لإقامة مصنع لفرز النفايات في دمشق بقيمة 200 مليون دولار قبل شهرين، وأرسل أمس فريقا من المتخصصين إلى سوريا لبدء التحضيرات”.

وقال “هذه هي الخطوة الأولى… وستتبعها خطوات أكبر إن شاء الله. وسنعمل بالتأكيد على جذب مستثمرين جدد لأن سوريا أكبر بكثير من لبنان”.

المصدر : رويترز

—————————

لقاء الشرع – ترمب… الأول بين رئيسي أميركا وسوريا منذ ربع قرن والسابع منذ 1944/ سامي مبيض

تاريخ القمم السورية–الأميركية منذ فتح المفوضية السورية في واشنطن

آخر تحديث 14 مايو 2025

سوريا أمام مفترق طرق، بعد اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيس دونالد ترمب ونظيره السوري أحمد الشرع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض يوم 14 مايو/أيار 2025. هو اللقاء الأول منذ ربع قرن، والقمّة السابعة منذ بدء العلاقات الثنائية بين البلدين في عام 1944. وفي كل مرة كان يلتقي رئيس سوري برئيس أميركي– أو يكاد أن يلتقي– كانت أمور مفصلية عدة توضع على طاولة المفاوضات، ويأتي تغير جذري في سياسة سوريا الخارجية كما هو الحال اليوم مع تزايد الكلام عن قرب دخول دمشق في “المسار الإبراهيمي”.

دمشق اليوم في طور التخلّي التام عن أية علاقة سابقة لها مع المنظمات الفلسطينية السياسية والعسكرية، وسيطلق ترمب عملية سلام شاملة في المنطقة تكون هي جزءا رئيسا منها، تؤدي في نهايتها إلى تطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب، بعد ضرب ما كان يسمّى “محور المقاومة” وتفتيته، ابتداء من سحق حركة “حماس” في غزة و”حزب الله” في لبنان، وصولا إلى مقتل حسن نصرالله وسقوط بشار الأسد في سوريا.

وفيما يلي تاريخ القمم السورية–الأميركية منذ فتح المفوضية السورية في واشنطن عام 1944:

القمة التي لم تعقد: القوتلي–روزفلت (1945)

كما هو الحال اليوم في الدور المحوري الذي لعبه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جمع ترمب والشرع في الرياض، عمل جدُّه الملك عبد العزيز على جمع الرئيس شكري القوتلي بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في مصر سنة 1945. كان ذلك بعد سنة على تبادل السفارات بين البلدين، وفي أعقاب عودة روزفلت من مؤتمر يالطا، واللقاء الشهير الذي جمعه بالعاهل السعودي في 14 فبراير/شباط 1945. لم يكن أي رئيس سوري قد التقى برئيس أميركي من قبل، باستثناء محمد علي العابد الذي قابل الرئيس تيودور روزفلت في عام 1908، يوم كان سفيراً للدولة العثمانية في واشنطن، وذلك قبل 24 سنة من انتخابه رئيساً للجمهورية في سوريا. وقد جاء تيودور روزفلت إلى دمشق بعد خروجه من البيت الأبيض في أبريل/نيسان 1910 ولكنه لم يلتق بأي زعيم محلّي.

لم يحدث لقاء القوتلي–روزفلت بسبب تدهور الوضع الصحي للرئيس الأميركي، ولكن كان من المقرر له أن يجلب سوريا إلى صف الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وهو ما حدث بالفعل عندما اجتمع الرئيس السوري برئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل في 17 فبراير، بترتيب أيضا من الملك عبد العزيز. يومها، أعلنت سوريا الحرب على ألمانيا النازية، وحصلت في المقابل على دعوة للمشاركة في مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو في نهاية شهر أبريل من عام 1945. وقد أدى هذا الاحتضان الدولي، مع الوقت، إلى تحرير سوريا من الانتداب الفرنسي عام 1946.

تدهورت العلاقات السورية–الأميركية في بعد وفاة روزفلت وأثناء حرب فلسطين عام 1948، وعندما قررت دمشق التحالف مع الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة. قطعت العلاقات الثنائية بين البلدين في رئاسة القوتلي الأخيرة سنة 1957، ولم يتم استئنافها إلا بعد انهيار الوحدة مع مصر عام 1961. ثم عادت للانقطاع مرة ثانية خلال حرب يونيو/حزيران 1967، ولم تعد إلا في يونيو 1974، بعد أربع سنوات من وصول حافظ الأسد إلى الحكم.

القمة الأولى: الأسد–نيكسون (1974)

في 15 يونيو 1974، زار ريتشارد نيكسون دمشق في أول زيارة رسمية لرئيس أميركي إلى سوريا، بهدف دفع عملية السلام قدماً من جهة، والتغطية على فضيحة “ووترغيت” التي كانت مشتعلة في واشنطن، من جهة أخرى. كانت الولايات المتحدة يومها قد بدأت بالعمل مع الرئيس المصري أنور السادات على إنهاء الحرب مع إسرائيل، وأراد نيكسون أن تكون سوريا شريكة في عملية السلام، ولكن وزير خارجيته هنري كيسنجر رفض إعطاء تعهد خطّي للأسد بضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الجولان المحتلة منذ عام 1967. نجحت الزيارة في طيّ صفحة الخلافات بين البلدين، وفي عودة العلاقات الدبلوماسية على أكمل وجه، ولكنها لم تحقق شيئا يذكر فيما يتعلق بعملية السلام، وقد استقال نيكسون من منصبه في 8 أغسطس/آب 1974، بعد أقل من شهرين على زيارته دمشق.

القمة الثانية: الأسد–كارتر (1977)

في 9 مايو/أيار 1977، التقى الأسد بالرئيس جيمي كارتر في فندق “إنتركونتيننتال” في جنيف، بعد خمسة أشهر من وصول الأخير إلى البيت الأبيض، خلفاً للرئيس جيرالد فورد. أراد كارتر مجدداً إشراك سوريا في عملية السلام، ولكن هدف الأسد من هذا الاجتماع كان تعزيز وضعه الداخلي والدولي، في ظلّ تنامي حربه مع الإخوان المسلمين وتداعيات التدخل السوري في الحرب اللبنانية منذ عام 1976. لم تكن الولايات المتحدة معارضة لدخول القوات السورية لبنان لطرد المنظمات الفلسطينية منه، ولكن الأسد لم يكمل في طريق السلام وكان أول المعارضين وأشدهم ضد زيارة الرئيس السادات إلى القدس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1977، واتفاقية كامب ديفيد عام 1978. هذا وقد عاد كارتر إلى سوريا مراراً بعد خروجه من الحكم سنة 1981، والتقى بالأسد في دمشق في مارس/آذار 1983، ومجددا في عام 1987 و1990.

القمّة الثالثة: الأسد–بوش (1990)

في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، تراوحت العلاقات السورية-الأميركية بين مدّ وجزر، وعلى الرغم من الزيارات المتكررة لمسؤولين أميركيين إلى دمشق، مثل دونالد رامسفيلد وجورج شولتز، فإن الأسد لم يلتق بالرئيس رونالد ريغان ولكنه تحدث معه عبر الهاتف. وقد شهد نهاية عام 1983 ضرب القوات السورية في لبنان من قبل الجيش الأميركي بعد الهجوم على مقر المارينز في شهر أكتوبر/تشرين الأول، وفي بداية عام 1984، تعاونت سوريا في إطلاق سراح الضابط الأميركي روبرت غودمان، المحتجز في لبنان.

ثم جاء غزو صدام حسين للكويت في شهر أغسطس 1990، وتشكيل تحالف دولي لطرده بقيادة الولايات المتحدة. وبطلب من الرياض، وافقت سوريا على المشاركة في هذا التحالف، حماية للكويت والسعودية، وفي 23 نوفمبر 1990، اجتمع الأسد بالرئيس جورج بوش الأب في جنيف. كانت هذه القمّة أهم من سابقاتها من حيث المضمون والمخرجات، وقد أدت إلى مشاركة سوريا رسميا في عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت وبعدها في مؤتمر مدريد للسلام. في المقابل أخذت سوريا ضوءا أخضر لحسم حربها في لبنان بعد هزيمة العماد ميشيل عون في قصر بعبدا في شهر أكتوبر. وافقت دمشق على خروج آمن لعون إلى فرنسا، وأعطت أميركا مباركة غير مكتوبة لبقاء القوات السورية في لبنان، ما عده كثيرون مكافأة على دورها في تحرير الكويت.

القمّة الرابعة: الأسد-كلينتون (1994)

جاءت هذه القمّة في 16 يناير/كانون الثاني 1994، بعد عام واحد على تولّي بيل كلينتون الحكم خلفاً للجمهوريين، وبفارق أشهر من معاهدة أوسلو التي قام برعايتها في البيت الأبيض في سبتمبر/أيلول 1993، بين ياسر عرفات وإسحاق رابين. كانت قمّة في جنيف لدفع عملية السلام، بعد حصول الرئيس الأميركي على “وديعة” من إسحاق رابين، “أودعت” في جيب كلينتون، وفيها تعهد واضح وصريح بالانسحاب الإسرائيلي من الجولان. في هذه القمّة، دخل كلينتون في تفاصيل بناء الثقة مع إسرائيل، ولكن الأسد أراد أن يكون الانسحاب قبل أي مبادرة من طرفه، وقد وافق على مطلب أميركي برفع الحظر عن يهود سوريا والسماح لهم بالمهاجرة إلى أي مكان يرغبونه في العالم، ما عدا إسرائيل.

القمّة الخامسة: الأسد-كلينتون (1994)

في 27 أكتوبر 1994، وصل الرئيس كلينتون إلى دمشق في أول زيارة له للعاصمة السورية، والثانية لرئيس أميركي منذ زيارة ريتشارد نيكسون قبل عشرين سنة. قدوم كلينتون كان بعد يومين من التوقيع على اتفاقية وادي عربة التي أنهت حالة الحرب بين إسرائيل والأردن، وكان شرطه لانتقال المفاوضات السورية إلى مرحلة متقدمة طرد الفصائل الفلسطينية من دمشق، وتوقيف الدعم السوري لـ”حزب الله”. مع أنها لم تحدث أي خرق يذكر، إلا أن هذه القمّة خدمت حافظ الأسد كثيرا في السياسة الإقليمية، وقد تلاها اجتماع خاطف بينه وبين كلينتون على هامش جنازة الملك حسين في فبراير 1999.

القمّة السادسة والأخيرة: الأسد-كلينتون (2000)

تتالت الاجتماعات السورية الإسرائيلية بواسطة أميركية وإشراف مباشر من الرئيس كلينتون في مرحلة التسعينات، ووافق الأسد على إرسال رئيس أركان الجيش السوري حكمت الشهابي إلى واشنطن للقاء نظيره الإسرائيلي أمون شحاك. وفي شهر يناير من عام 2000 كانت لقاءات مدينة شيبردزتاون المباشرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع، بحضور الرئيس كلينتون. جاءت هذه المفاوضات بعد تعطل وتعثر أثناء وزارة بنيامين نتنياهو الأولى (1996-1999)، ومجيء إيهود باراك إلى الحكم الذي وعد باحترام “وديعة رابين”، الذي كان قد اغتيل على يد متطرف إسرائيلي في نوفمبر 1995. وقد حدث لغط حول المرحلة الأخيرة من المفاوضات السورية–الإسرائيلية، عندما قال كلينتون إنه فهم من فاروق الشرع أن الأسد على أتم استعداد لقبول مبدأ السيادة المشتركة على بحيرة طبريا، وبناء عليه، طلب الاجتماع بالرئيس السوري في جنيف يوم 26 مارس 2000.

كان الأسد مريضا، وهمّه الوحيد تمهيد الأجواء لتوريث الحكم إلى ابنه بشار، ولكنّه لم يقبل بالعرض الأميركي ونفى أن يكون قد وافق عليه في الأساس. لم يستمر هذا الاجتماع إلا دقائق معدودة فقط، ولم يسجّل له محضر، وقد عاد الأسد إلى دمشق خالي الوفاض وتوفي بتاريخ 10 يونيو 2000.

المجلة

————————————–

الاقتصاد السوري… فرصة تاريخية لإعادة بناء دولة حديثة/ عبد القادر حصرية

الأمن والاصلاح والطاقة ورفع العقوبات أولا وتكلفة الإعمار تصل الى 500 مليار دولار

آخر تحديث 13 يناير 2025

في مقابلاته التلفزيونية الأخيرة، قدر قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، الفترة المطلوبة ليشعر المواطن السوري بتحسن ملحوظ في معيشته بسنة، وبنحو ثلاث سنوات لصياغة دستور جديد، وأربع سنوات لإجراء انتخابات. إلا أن هناك تساؤلا عن أولويات الاقتصاد السوري خلال هذه الفترات، في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها نتيجة سنوات من الصراع والعقوبات الاقتصادية والانهيار الهيكلي في القطاعات الإنتاجية والخدمية بسبب الدمار والنزوح والهجرة.

يشكل سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول فرصة تاريخية للعمل على إصلاح اقتصادي شامل يركز على إعادة بناء دولة حديثة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتخلص من الفساد والإفساد. إعادة الإعمار بعد الحروب والنزاعات، عملية معقدة تتطلب جهودا شاملة لإعادة بناء البنى التحتية والاقتصاد والنسيج الاجتماعي. يسلط المقال الضوء على أولويات الإصلاح الاقتصادي، وتحديد المشاكل التي يجب معالجتها على المديين القصير (سنة) والمتوسط (2-5 سنوات)، وتوقعات معدلات النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة.

هناك أربع أولويات لا بد من معالجتها من خلال إجراءات سريعة تريح الشارع السوري، وتوفر للإدارة الجديدة شرعية الإنجاز، إلى جانب ست قضايا رئيسة لا بد من التعامل معها على المدى المتوسط.

ليشعر المواطن بتحسن ملموس في معيشته، هناك أربعة إجراءات سريعة وفاعلة (quick fixes) يجب اتخاذها:

أولاً: تحقيق الاستقرار الأمني ووقف دائم لإطلاق النار، وكذلك تحقيق السلم الأهلي في عملية سياسية شاملة لخلق بيئة مواتية لإعادة الإعمار.

ثانياً: إعادة تشغيل المرافق الحيوية في الاقتصاد السوري مع التركيز على قطاع الطاقة والعمل على توفير المشتقات النفطية.

الكهرباء في أول سلم الأولويات

تغرق البلاد منذ سنوات في تقنين للكهرباء يتجاوز العشرين ساعة يومياً، كما عانت البلاد من شح في واردات النفط بسبب العقوبات الاقتصادية وشح الموارد المالية بالعملات الأجنبية. تعتبر الطاقة الكهربائية في أعلى سلم الأولويات، ليس فقط للمواطنين بل أيضا لتنشيط عجلة القطاعات الاقتصادية، وهي تطرح تحديات في الانتاج، والتوزيع والقدرة على الشراء لدى الناس في ظل نية السلطة وقف الدعم للسلع والخدمات. كذلك، من المهم إعادة إدارة شؤون الحياة اليومية وتوفير السلع الأساسية وتشغيل القطاعات الحيوية بما في ذلك قطاعا الصحة والتعليم.

ثالثاً: تنفيذ مرحلة أولى من الإصلاح الإداري واتخاذ إجراءات أولية للتعامل مع الفائض في العمالة أو ما يعرف بالبطالة المقنعة في القطاع العام وإدارات الدولة، والبطالة الناجمة عن تسريح عناصر الجيش السوري وتأمين متطلبات زيادة الرواتب بنسبة 400 في المئة التي وعدت بها السلطة والتي تتجاوز تكلفتها مليارا ونصف المليار دولار، مما قد يوازي إجمالي الموازنة العامة للدولة.

حلول للعسكريين والعمالة الفائضة في الإدارة

صحيح أن تسريح عناصر الجيش، وهو الذي كان يستنزف أكثر من 50 في المئة من نفقات الموازنة العامة، سيوفر نفقات كبيرة، لكن لا بد من تقديم حلول للعسكريين المسرحين الذين قد يواجه بعضهم الجوع، ولا بد من وضع حل للعمالة الفائضة في الإدارات العامة والقطاع العام وهم بعشرات الآلاف بل ربما مئات آلاف الموظفين الذين كانوا على جداول الرواتب والأجور دون عمل. لذلك، لا بد من حلول إسعافية، وعلى المديين المتوسط والطويل، هناك حاجة لتأسيس صندوق لتسديد معاشات شهرية خلال فترة انتقالية وإطلاق مبادرات لتشغيل هؤلاء لتجنب مشاكل اجتماعية جدية قد تمس بالاستقرار الاجتماعي، أو ربما تؤدي إلى ارتفاع معدل الجريمة.

رابعاً: فرض السيادة على المنطقة الشرقية التي تحوي ثروات النفط والحبوب والقطن. ستوفر عودة إنتاج النفط الطاقة اللازمة لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية، ومصافي المشتقات النفطية. كذلك، سيصار إلى توفير استيراد القمح وتشغيل معامل النسيج.

خامساً: رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا. وهي فرضت عندما تم تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب. كان لهذه العقوبات دور كبير في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تفوق 50 في المئة مقارنة بما قبل 2011، وارتفاع التضخم المالي إلى مستويات قياسية بسبب نقص السلع الأساسية. وأدت العقوبات إلى إضعاف البنية التحتية وعرقلة جهود إعادة الإعمار نتيجة القيود على واردات المواد الأساسية. كما أدت إلى فرض قيود على صادرات التكنولوجيا المتقدمة وعلى المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأميركية.

ثم كان قانون محاسبة سوريا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005، الذي أدى إلى  تجميد أصول المسؤولين السوريين السابقين وفرض قيود على الاستثمارات الأجنبية. تلا ذلك العقوبات التي صدرت في عام 2011 بموجب الأمر التنفيذي رقم 13582 الذي منع عمليا التعامل مع سوريا،

وأخيرا “قانون قيصر” الصادر في عام 2020، الذي وسع العقوبات لتشمل أي شخص أو كيان أجنبي يقدم دعما للحكومة السورية. وهناك عقوبات أوروبية شملت تجميد أصول وحظر تصدير النفط وقيود على التعاملات المصرفية.

بعد العلاجات السريعة خلال السنة الأولى، ينبغي خلال الفترة المتوسطة الأمد، التي ربما تغطي أربع سنوات أو أكثر، معالجة ملفات مهمة لتأمين الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، حيث قدر البنك الدولي تكلفة الخسائر في سوريا في عام 2016 بأكثر من 216 مليار دولار. وفي غياب مسح دقيق، تقدر تكلفة إعادة الإعمار بين  300 و500 مليار دولار. يستند النجاح في المدى المتوسط الى القدرة على إعادة بناء الدولة السورية وتأهيل الاقتصاد على نحو شامل والتركيز على بناء الصناعات الثقيلة وإعادة تأهيل البنى التحتية. ومن هذ الملفات:

أولا: التعامل مع ملف الديون الخارجية

نتيجة العقوبات الاقتصادية العربية والدولية، خصوصا بعد طرد النظام السابق من الجامعة العربية، انحصرت التعاملات المالية للنظام بعدد محدود من الدول في مقدمها روسيا وإيران. ومدت إيران النظام بمساعدات مالية وعينية، منها عبر خط ائتماني جدد لمرات عدة وتم بموجبه استيراد نفط وسلع ومواد من إيران. وقدمت حكومة النظام البائد في مقابل ذلك امتيازات لإيران في قطاع الفوسفات والمرافئ ورخصة لتشغيل الخليوي.

أما روسيا، فقد تم منحها امتيازي التنقيب عن الغاز وتشغيل مرفأ طرطوس لتسعة وأربعين عاما قابلة للتجديد. لذلك، لا بد من حصر المديونية مع هذه الدول، وإعادة النظر في شرعية العقود والتعاملات المالية السيادية التي أنجزت بعد عام 2011، كون هذه الأموال والمديونية نتجت من تدخل خارجي في نزاع بين النظام وفئة واسعة من الشعب السوري. كما أن التدخلين الروسي والإيراني عطلا تطبيق القرار الدولي 2254 وكلفا الشعب السوري ثلاث عشرة سنة من النزاع والدمار. والطائرات الروسية أكبر شاهد على حجم الدمار التي تسببت به الغارات حيث تم القاء ما يقدر بسبعين ألف برميل مواد متفجرة من الطائرات.

يضاف إلى ذلك أن كلتا الدولتين لم تستقبل اللاجئين السوريين. وبالتالي، لا بد من مسح للدمار الحاصل شبيه بالمسح الذي تم عند الغزو العراقي للكويت، والعمل على المطالبة بالتعويض على المتضررين من الغارات الروسية والتدخل الإيراني المسلح، هذا بالإضافة إلى تجميد كافة الامتيازات التي منحت لإيران وروسيا، لا سيما تلك المتعلقة باتفاقات التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط ومناجم الفوسفات.

ثانيا: توفير بيئة للأعمال جاذبة للاستثمار الخارجي والداخلي

من منظور اقتصادي بحت، فإن ما يقال عن خطة للتحول السياسي تتطلب ثلاث سنوات لصياغة الدستور وأربع سنوات لإجراء انتخابات عامة، قد تكون له مبررات نتيجة ظروف التحول والواقع السوري. لكن هذا التأخير سيؤدي إلى حالة من عدم اليقين السياسي التي من شأنها أن تزيد الأخطار السيادية وتحول دون تدفق الاستثمار وترفع تكلفة إعادة الإعمار والوصول إلى الأسواق الدولية للتمويل والاستثمار الأجنبي المباشر. فأي مستثمر أجنبي يهمه أولاً الاستقرار السياسي والقانوني وهما شرطان أساسيان، مما يستدعي إيجاد حلول تطمئن المستثمر وتعزز اليقين حول الاستقرار السياسي.

ثالثا: عودة اللاجئين

يصل عدد اللاجئين خارج سوريا إلى نحو 6,5 ملايين يتوزعون على دول الجوار وبعض الدول الأوروبية. تحتاج عودة اللاجئين إلى موارد كبيرة لتوفير الطاقة الكهربائية والخدمات وبناء المساكن التي دمرتها الحرب، والمدارس والمستشفيات، والرعاية الطبية، والتعليم في مختلف مستوياته وفرص العمل. لذلك، لا بد من برنامج عملي وشامل وتأسيس صندوق يمول من الأمم المتحدة والدول المانحة لتمويل عودة اللاجئين واستقرارهم وتوفير الوظائف لهم. في هذا الإطار، من المهم النظر في تأسيس هيئة لإعادة اللاجئين والمهجرين إلى مناطقهم وقراهم وأن تتواصل هذه الهيئة مع دول اللجوء لترتيب عودتهم لمن يرغب في ذلك. وعلى الدولة السورية أن تبادر إلى وضع خطة واضحة الأهداف والإطار الزمني لعودة اللاجئين.

رابعا: سياسة التجارة الخارجية

تحت عنوان الاقتصاد الحر، يدور حديث عن اعتماد تعرفة جمركية واحدة وفتح باب الاستيراد. تعاني سوريا، منذ فجر استقلالها، من عجز تجاري. وبسبب الفشل في إدارة الاقتصاد، استمر تقنين الاستيراد الى درجة أدت إلى خنق الاقتصاد السوري.

هناك حاجة لوضع سياسة تجارة خارجية تنظم الاستيراد بما يتناسب مع الاقتصاد السوري كاقتصاد نام وتشجيع الصادرات وتطوير الصناعات الزراعية والنسيجية والدوائية لتكون منافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية. تضاف إلى ذلك، إعادة فتح طرق التجارة والعمل على تحسين البنية التحتية للنقل لربط الأسواق المحلية بالدول المجاورة وتعزيز العلاقات الاقتصادية وتنويع الشركاء التجاريين والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية. سيكون فتح باب الاستيراد على مصراعيه في غياب سياسات اقتصادية متناغمة مدمرا للاقتصاد السوري.

خامسا: إصلاح القطاع المالي وسياسة سعر الصرف

ترك النظام البائد الخزينة خاوية من العملات الأجنبية، مما يحتم وضع سياسة سعر صرف تشجع على الاستثمار والتصدير بدل التركيز على استيراد الكماليات، إذ لا يمكن أن يستقر سعر الصرف إذا فتح باب الاستيراد على مصراعيه. كذلك، لا بد من تعزيز الاحتياط من العملات الأجنبية وجذب تحويلات المغتربين وزيادة الصادرات، ومحاربة السوق السوداء من خلال تنظيم أسواق الصرف وتعزيز دور البنك المركزي. ويحذر في هذا الإطار من الخطر الذي قد تستدره دولرة الاقتصاد، إذ أنها ستؤدي إلى فقدان البنك المركزي القدرة على إدارة السياسة النقدية. وهنا لا بد من ضبط التضخم وخفض معدلاته من خلال تطبيق سياسات مالية ونقدية هادفة. يضاف إلى ذلك العمل على تعزيز الثقة في النظام المالي وإصلاحه عبر تحديث القوانين المصرفية وإعادة رسملة المصارف القائمة ومنح التراخيص لمصارف جديدة.

سادسا: تحويل الاقتصاد السوري من اقتصاد انساني إلى اقتصاد ناشئ

مع امتداد النزاع في سوريا، بات العالم ينظر إلى الاقتصاد السوري على أنه اقتصاد يعتمد على المساعدات الإنسانية من مسكن وغذاء وغيره. فمن متطلبات الانتقال من اقتصاد انساني يعتمد على توفير الخيم والسلال الغذائية إلى اقتصاد ناشئ، تحويل الموارد المتاحة لإعادة بناء البنية التحية والعمل على تنفيذ برامج التنمية، والتواصل مع صناديق التنمية للحصول على التمويل اللازم لإعادة الإعمار. في غياب ذلك، ستظل الموارد تصب في خانة المساعدات الإنسانية مما يبقي الشعب السوري على شفا الفقر.

توقعات النمو

ينفرد النزاع في سوريا بكونه أكثر النزاعات العالمية عنفا بعد الحرب العالمية الثانية من حيث عدد الضحايا وحجم الدمار في البنى التحتية والمساكن، وفي عدد النازحين والمهجرين الذين تجاوزت نسبتهم الـ50 في المئة من الشعب السوري، وطول فترة النزاع والعقوبات الإقتصادية. تحتاج توقعات النمو الاقتصادي في الفترة المقبلة 2025 – 2029 الى نماذج اقتصادية تبنى على فرضيات علمية حول إعادة الإعمار، كرفع العقوبات، وإعادة بناء البنى التحتية وتوفر التمويل اللازم.

لكن، وبالمقارنة مع تجارب دول أخرى كألمانيا ورواندا، يمكن أن تكون التوقعات قريبة إلى الواقع. في ألمانيا، تم تدمير 20 في المئة من المساكن، بينما تصل هذه النسبة إلى نحو 50 في المئة في سوريا، عدا الدمار الذي لحق بالبنى التحتية. ويقارب عدد الضحايا الذي يصل إلى نحو مليون سوري (بين ضحايا مباشرة للنزاع وضحايا السجون والمعتقلات) عدد ضحايا المذبحة في رواندا، وعدد الجرحى ومشوهي الحرب. وعلى الرغم من التشابه في عدد الضحايا (800 الف) وفي فظاعة الجريمة، إلا أن المجازر ارتكبت في رواندا في سنة واحدة في العام 1994 دون أن تسبب دمارا كما في سوريا.

وبينما حققت ألمانيا معدل نمو اقتصاديا سنويا خلال الفترة من 1951 إلى 1961 بلغ 8 في المئة، عانت رواندا من انكماش في الناتج المحلي الإجمالي في سنة الحرب عام 1994 بلغ 50 في المئة، وهو العام الذي حدثت فيه المجازر، ثم شهد عام 1995 نموا اقتصاديا بلغ 50 في المئة. ونظرا الى خصوصية الحالة السورية يمكن أن نتوقع قفزة في الناتج المحلي الإجمالي تقارب معدلات رواندا إذا ما تمت مواجهة كافة التحديات وتمت إعادة بناء وتأهيل البنية التحتية والبنية الصناعية والزراعية مع رفع للعقوبات، ويترافق ذلك كله مع اعتماد برنامج مناسب لعودة اللاجئين.

المجلة

——————————————-

إمكانات استراتيجية للنفط والغاز في سوريا

آخر تحديث 20 يناير 2025

تمتلك سوريا إمكانات كبيرة لزيادة إنتاجها من النفط والغاز الطبيعي، مما قد يوفر مصدرا مهما لتوليد الطاقة وللإيرادات الحكومية التي تعتبر ضرورية في هذه المرحلة لإعادة إعمار سوريا واستقرارها.

وكانت سوريا في مصاف الدول المصدرة للنفط في العقود التي سبقت الحرب، وحققت البلاد اكتفاء ذاتيا من حيث إمدادات الطاقة. كذلك، بدأ إنتاجها من الغاز الطبيعي يزيد عشية الحرب. وشكلت مبيعات النفط والغاز 20 في المئة من إيرادات الحكومة.

تقع معظم حقول النفط والغاز الطبيعي في سوريا شرق البلاد، في المناطق التي تخضع حاليا لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وحيث تنتشر القوات الأميركية. في عام 2015، قدرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية احتياطيات النفط المؤكدة في سوريا بـ2,5 مليار برميل. وفي عام 2010، أنتجت سوريا 383 ألف برميل من النفط يوميا. وكان إنتاج النفط عشية سقوط الرئيس السابق بشار الأسد يقدر بين 40 ألفا و80 ألف برميل يوميا، في حين كانت إيران توفر الجزء الأكبر من إمدادات النفط، بما يصل إلى 100 ألف برميل يوميا.

وقدرت إدارة معلومات الطاقة احتياطيات الغاز الطبيعي في سوريا بنحو 240 مليار متر مكعب. ويستخدم الغاز الطبيعي في سوريا لإنتاج الطاقة. ووفقا لشركة “بريتيش بتروليوم”، أنتجت سوريا 8,7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2011، وانخفض هذا الإنتاج إلى 3 مليارات متر مكعب سنويا في عام 2024. وذكرت تقديرات لوكالة الطاقة الدولية، أن الغاز الطبيعي وفر ربع إمدادات الكهرباء في سوريا في عام 2022.

————————————-

هل ينهض الاقتصاد السوري من خراب الحرب؟

آخر تحديث 16 ديسمبر 2024

أودت الحرب الأهلية السورية باقتصاد البلاد إلى الانهيار. فإلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 90 في المئة بين عامي 2010 و2024، لا يزال الشعب السوري غارقا في الفقر، حيث بلغ معدله في السنوات الأخيرة 69 في المئة.

ويعاني الاقتصاد السوري منذ عام 2011، من الارتفاع في التضخم والنقص في الموارد والانخفاض في قيمة العملة، التي شهدت تقلبات بأكثر من 10 في المئة في يوم واحد. وساهمت الاقتصادات الموازية في تمويل الجهات الفاعلة الرئيسة في الحرب.

كما أدت العقوبات المفروضة على الحكومة السورية في عام 2011 إلى انخفاض عائدات النفط، مما تسبب في نقص الوقود للأسر وتفاقم أوضاع السوريين ذوي الدخل المنخفض. ومع القيود المفروضة على المعاملات الدولية، استخدمت الحكومة وسطاء في مختلف الدول لمواصلة استيراد المواد الأساسية، مما أفضى إلى ارتفاع أسعار السلع التي تدخل سوريا. وتسبب ازدهار مثل هذه الأسواق بتأجيج الحرب، فاستفاد المقربون من النظام والوسطاء بينما تحمل المدنيون أعباء التكاليف المتزايدة.

وكان لتراجع الاقتصاد السوري بعد اندلاع الحرب تأثير مباشر في الهروب السريع للسياح، فتراجع الاستهلاك والاستثمار. كذلك، أدى انتشار أعمال العنف في مدن مثل دمشق وحلب، التي تشكل أكثر من 50 في المئة من قطاع التصنيع في البلاد، إلى انخفاض الصادرات الصناعية.

—————————

اللاجئون السوريون… مأساة بلا حدود

آخر تحديث 04 يونيو 2024

تسبب الصراع المستمر في سوريا منذ عام 2011 في أكبر أزمة لجوء ونزوح في عصرنا هذا. وقد طلب السوريون اللجوء في أكثر من 130 دولة، فيما يقيم غالبيتهم في الدول المجاورة لسوريا، وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR).

ولا يزال أكثر من 7,2 ملايين سوري نازحين داخلياً في بلدهم حيث يعيش 90 في المئة منهم تحت خط الفقر. ويعيش نحو 5,5 ملايين لاجئ سوري في الدول الخمس المجاورة؛ تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.

وقد أدى النزوح واسع النطاق إلى أزمة إنسانية، حيث يكافح العديد من اللاجئين لتأمين الغذاء والماء والرعاية الصحية.

وتستضيف تركيا وحدها أكبر عدد من اللاجئين، حيث يعيش 3,6 ملايين سوري هناك. أما لبنان، فيستضيف أكثر من مليوني لاجئ سوري، أي نحو 30 في المئة من إجمالي اللاجئين السوريين، حيث يقيم العديد منهم في مخيمات غير رسمية، وأكثر من 80 في المئة منهم لا يملكون سند إقامة مما يجعلهم عرضة للترحيل في اي وقت.

وأدت الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الإضافية الناجمة عن الحرب السورية، إلى جانب الزلزال المأسوي الذي دمر أجزاء من سوريا، إلى تدفق المزيد من السوريين إلى لبنان عبر المعابر البرية غير الشرعية. وتاليا، يصعب التمييز بين السوريين القادمين بهدف اللجوء لأسباب سياسية أو أمنية، وأولئك الذين يعتبرون مهاجرين اقتصاديين، وهؤلاء يتمتعون بحرية التنقل بين البلدين ويمارسون الأعمال التجارية في لبنان في الأسواق الرسمية وغير الرسمية.

وتعد ألمانيا أكبر دولة مضيفة غير مجاورة حيث تضم أكثر من 850 ألف لاجئ سوري.

————————————–

اليمنيون ورفع العقوبات عن سوريا/ هند الإرياني

على اليمني أن يتحمّل المسؤولية ويتوقف عن إلقاء اللوم على الدول الأخرى

آخر تحديث 15 مايو 2025

بينما أتابع فرحة السوريين بتصريح الرئيس دونالد ترمب من الرياض حول رفع العقوبات عن سوريا، لفت نظري تعليق كتبه يمني يعبر عن شعوره بالحسرة وخيبة الأمل، حيث قال: “شفتم لما يكون فيه عرس جنب بيتك وأنت ولا حد عبّرك ولا عزمك ولا حتى سلم عليك، ولا حد وسّع لك بجانبه ولا أعطاك زجاجة ماء؟ هذا شعورنا اليوم كيمنيين”.

ما قاله هذا الرجل ببساطة تعبيره وبلهجته اليمنية هو شعور الكثير من اليمنيين، شعورهم بالخذلان، وأنهم أيضا كانت لديهم هذه الفرصة بأن تتحرر اليمن بكاملها ويعترف بها العالم ولكنهم ضيعوها، واليوم يشعرون بأنهم ذلك الرجل الذي يدخل حفل عرس فلا يهتم به أحد ولا يعطيه حتى رشفة ماء بينما يجد غيره ينال الكثير من الاهتمام.

ورغم أن سوريا لم تصبح في وضع مثالي بعد، وما زالت تعاني كثيرا، وهناك تخوف، فإن خطوة إلغاء العقوبات، واحتفاء العالم بها، ومسارعة زعماء العالم للاعتراف بحكومتها هو دليل نجاح بكل الأحوال.

قرأت الكثير من تعليقات اليمنيين في وسائل التواصل الاجتماعية. منهم من يتهم دولا أخرى بالتقصير، وبأنها السبب في عدم حسم المعركة مع الحوثي إلى هذا اليوم، ومنهم من يقول إن التحالف ودول العالم قدمت الكثير من الدعم لـ”الشرعية”، ولكن “الشرعية” بسبب فسادها ضيعت فرصة الانتصار على الحوثي.

تتعرض الحكومة اليمنية لانتقادات متكررة من الشعب لأنها لا تقيم في مناطق شرعيتها، وبأنها تبدو غير مبالية بما يحدث. وقد نُشر قبل أسابيع مقال لكاتب يمني بارز ذكر أنه زار قيادات “الشرعية” ووصفهم بأنهم بدوا تائهين، و”يتعاطون القات” الذي ينسيهم ما تمر به البلد. قد يكون تعبيره قاسيا، ولكنه حاز على الكثير من التأييد من اليمنيين الذين يعرفون هذا الوضع مسبقا، ورغم ذلك صُدموا عندما قرأوه عن شخص ذهب بنفسه ورأى أمام عينه الوضع الحقيقي.

هناك من يحاول أن يصور- سواء لأهداف سياسية أو بدون تعمد- أن هذه ليست غلطة السياسيين اليمنيين، أو اتهام الدول الغربية بأنها تدعم الحوثيين وقامت بخطوات عرقلت فيها “الشرعية”. ولكن تبدو هذه الاتهامات ضعيفة عندما نتابع العشر سنوات الماضية، ونرى أن اليمن بالفعل حصل على الكثير من الدعم بكل أنواعه. ونتابع أيضا ثورة النساء في عدن المطالبات بتوفير الكهرباء، في عدن المدينة التي ترتفع فيها الحرارة بشكل كبير والتي من المفترض أن تكون مقرا لـ”الشرعية” وأن تكون الأرضية التي تُثْبِت فيها الحكومة المعترف بها دوليا أنها قادرة على الحكم وفرض سيطرتها، ولكن للأسف فشلت في ذلك.

 في رأيي الشخصي أن هناك عدة مشاكل. هناك فعلا أشخاص من “الشرعية” اليمنية ليسوا مهتمين بالعودة لليمن، أو بالأصح لا يريدون ذلك، ويستخدمون الإعلام في بث التفرقة، وإلهاء الناس بنزاعات داخل “الشرعية” اليمنية، واتهام بعضهم البعض بالفساد.

النوع الثاني من السياسيين في “الشرعية” هو الذي يريد فعلا أن يفعل شيئا لكنه غير قادر بحكم أنه ليس لديه سلطة كبيرة وهؤلاء ربما يتركون “الشرعية” قريبا.

النوع الثالث هو السياسيون أو القبائل التي تنتظر قراراتٍ مصيريةً من جهات عليا في “الشرعية” تعلن عن خطوات جادة، ولكنها تسمع أعذارهم بأنهم ليس لديهم قوة كافية أو دعم حربي كافٍ، إلى آخره.

بغض النظر إن كانت أعذار “الشرعية” حقيقية أم لا، وبعيدا عن التحليلات السياسية المعقدة، فإنني سأتحدث بلغة المواطن البسيط الذي يشعر بالمرارة وهو يرى أن وضع بلده يتدهور أكثر، وأن الحوثيين يصبحون أكثر قوة، خاصة بعد اتفاقهم مع الرئيس ترمب على عدم استهداف السفن. يشعرون بخطر من أن المستقبل سيكون لصالح الحوثيين، وسيتم الاعتراف بهم كقوة حاكمة. يشعرون أن شعارات الجمهورية والتمسك بها هي مجرد شعارات تستخدمها “الشرعية” ولكنهم لا يرون غضبا حقيقيا، وزخما فعالا لحسم هذا الوضع.

قد أكون مخطئة، وقد تكون أخبار سوريا حافزا لحدوث تغيير، وقد يتحول سخط هؤلاء المواطنين لقوة تستطيع إحداث تغيير حقيقي وتصحو “الشرعية” من حالة الضياع…

لكن على اليمني أن يتحمّل المسؤولية ويتوقف عن إلقاء اللوم على الدول الأخرى.. “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

مبارك لسوريا، وعقبى لليمن.

المجلة

————————–

 الاقتصاد السوري بعد رفع العقوبات… رؤى وزيري المالية والاقتصاد وخطط التعافي

2025.05.15

في خطوة وصفت بـ “التاريخية” و”المنصفة والعادلة والإنسانية”، شهدت سوريا رفع العقوبات الأميركية، وهو قرار اعتبره المسؤولون السوريون بمثابة نقطة تحول وبداية لعهد جديد. لتسليط الضوء على انعكاسات هذا القرار وخطط الحكومة السورية للمرحلة المقبلة، أجرى تلفزيون سوريا لقاءين خاصين مع كل من وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار ووزير المالية محمد يسر برنية.

ويصف وزير الاقتصاد، محمد نضال الشعار، قرار رفع العقوبات بأنه قرار “تاريخي” كان يشكل “حلماً” بالنسبة للسوريين، حلماً بدا “بعيد المنال في وجود النظام البائد”، لكنه “تحقق اليوم”. وأضاف أن هذا القرار يمثل “لحظة تاريخية وقراراً تاريخياً”، ويعتبره “منصفاً وعادلاً وإنسانياً” بعد أن “عانى السوريون كثيراً في الفترات السابقة من أكثر من 60 عاماً”. وأعرب عن شكره للمملكة العربية السعودية وسمو الأمير محمد بن سلمان، ودولة قطر، وجمهورية تركيا لـ “تحقيق السعي بهذا الاتجاه والنجاح فيه”.

من جانبه، يؤكد وزير المالية، محمد يسر برنية، أن ما حدث يوم الثلاثاء من “قرار تاريخي بتوجه الإدارة الأميركية لرفع العقوبات عن سوريا” قد “أشاع موجه كبيرة من التفاؤل”. ويرى أن هذا القرار يمثل “فرصة تعطى للشعب السوري لإعادة بناء دولته وبناء اقتصاده”. مشيراً إلى أن سوريا كانت ربما “البلد الأكثر من بلدان العالم تعرضاً للعقوبات”.

الأثر المباشر وغير المباشر: التفاؤل أولاً والنتائج تتبع

كان أحد الأسئلة الرئيسية التي وجهت للوزيرين يتعلق بما إذا كان لرفع العقوبات أثر مباشر على المواطن السوري أم سيستغرق وقتاً.

يعتقد وزير الاقتصاد، محمد نضال الشعار، أن مقولة عدم وجود أثر مباشر “ليست صحيحة”. ويرى أن “الآثار بدأت”، بل كانت “في الشوارع وفي الساحات”. يؤكد على أن “التوقعات في علم الاقتصاد وفي المسألة الاقتصادية هي الأساس”، وأن “الشعب السوري يتوقع أن يدخل في مسار أو في رحلة نهضة جديدة”. هذا التوقع “يؤثر على نفسية هذا المواطن ويؤثر على نفسية التاجر ويؤثر على نفسية الصناعي” الذي كان يتردد في الدخول إلى سوريا. القرار اتخذ، و”الأبواب مفتوحة”، وتردد التاجر أو الصناعي “انتهى اليوم”. يعتبر الوزير ذلك “تأثيراً سريعاً”، ويتوقع أن “نشهد في الأشهر القادمة أو حتى في الأيام القادمة تغيراً ملموساً في كل مناحي الحياة في سوريا”.

وزير المالية، محمد يسر برنية، يرى أيضاً أن تحسن سعر صرف الليرة السورية الذي أعقب الإعلان هو “أثر نفسي التفاؤل أولاً وأخيراً”. ويؤكد أن التفاؤل “عامل أساسي ومحوري في حث الناس على النظرة المستقبلية الإيجابية لسوريا ومستقبل سوريا والاستثمار في سوريا”. ومع ذلك، لا يخفي هذا “أيضاً هناك سياسات سليمة تعمل عليها الحكومة السورية”. ويشدد على أن التفاؤل هو “عنوان هذه اللحظة”.

رفع العقوبات: المدخل للنهضة وإعادة البناء

يرى وزير الاقتصاد أن رفع العقوبات هو “بدايه” و”المدخل الأساسي للنهضة الاقتصادية في سوريا”. ويؤكد على عزمهم على “إعمار سوريا من جديد”. لكنه يفضل تسميتها “سوريا الجديدة”، “سوريا الوليدة حالياً”. يرفض الوزير مصطلح “إعادة إعمار” بمعنى العودة إلى الماضي، بل يريدون “البدء من سوريا الجديدة، من السورية الحديثة التي نتمناها”. يتوقع أن تكون “سوريا تجربة فريدة للعالم كله”، وأنهم سيعملون لتقديم “نموذج في التنمية لم يحصل من قبل”.

خطط وزارة الاقتصاد: من الصفر نحو شراكة شاملة

يقر وزير الاقتصاد بأن “الحمل ثقيل جداً والمسؤولية كبيرة جداً”. هناك “تشعبات وتشابكات وعثرات ما زالت موجودة”. هناك “إرث سابق علينا تفكيكه”، وتفكيك “العقلية التي سادت خلال 60 سنة الماضية”. ستبدأ الوزارة “من نقطة الصفر”، وهو ما قد يكون “شيئاً مفصلياً لكنه في الوقت نفسه له بعض الحسنات، ومن أي مكان بدأت فهو المكان الصحيح”.

تؤكد الوزارة على “شراكة مع المواطن السوري”، ولن تعمل “بمعزل عن المواطن السوري”. ما حصل هو “لكل سوريا، لكل أفراد الشعب السوري”. موضوع الشراكة هو “أساس وهو الهدف الرئيسي الذي سنسعى اليه”، وسيوظفون “كل الآليات الممكنة ونخترع آليات جديدة لإحداث هذا التواصل ولإحداث هذه الشراكة”.

يؤكد الوزير أن رفع العقوبات سيسهل الطريق نحو “اقتصاد السوق الحر”. لكنه يضيف “بضوابط تحفظ المستوى المعيشي للمواطن وتحفظ مصلحة سوريا”.

خطط وزارة المالية والمصرف المركزي: إصلاحات شاملة وبيئة مواتية للاستثمار

من جانبه، يوضح وزير المالية، محمد يسر برنية، أن رفع العقوبات سيسهم في “إعادة بناء مؤسساتنا”. سيساعد على “الوصول إلى التكنولوجيا اللي كنا محرومين منها”، وإلى “رؤوس الأموال والاستثمارات اللي نحتاجها لبناء اقتصادنا”. هذا سيساعد على “تطوير خدمات أساسية التي يحتاجها شعبنا ويحتاجها اقتصادنا”. كما أنه سيساعد على “تسهيل عودة اللاجئين السوريين” من خلال “بناء الخدمات الأساسية وتوفير الخدمات الأساسية”.

يستفيد القطاع المالي والمصرفي بشكل كبير من رفع العقوبات. سيسهم ذلك في “ربط النظام المصرفي السوري بالنظام المالي والنقدي العالمي”. تحويل الأموال، التدفقات المالية، والاستثمارات ستصبح “سهلة جداً” و”سلس ككل الدول الأخرى”. هذا يعني “سهولة تحويل الأموال” سواء كانت “لمساعدة الناس والعائلات”، “لاستثمارات جديدة”، “لدفع مستحقات”، أو “لتداول تجاري”. ستفتح كل هذه “الأبواب مرة أخرى”.

رفع العقوبات هو “رفع سقف التحدي أمامنا”. هناك “تحدٍ حقيقي لكي نستطيع أن نستفيد أو نستثمر هذه اللحظة في عملية تعميق الإصلاحات التي نعمل عليها”. هناك “حزمة من الإصلاحات” التي تعمل عليها الحكومة، منها: تطوير وتحسين “الإدارة المالية الحكومية”، تعزيز “استقلالية المصرف المركزي”، “الإصلاح الضريبي”، “الإصلاح الجمركي”، بناء “الإدارة المالية”، بناء “منظومة النزاهة المالية” لتعزيز “مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، وتطوير “الخدمات المالية والمصرفية الرقمية”. هذه الإصلاحات يمكن “تسريع الجهود فيها” للاستفادة من هذه “اللحظة التاريخية”.

الهدف هو “خلق البيئة المواتية التي تساعد المستثمر المحلي والمستثمر الأجنبي على القدوم إلى سوريا والاستثمار بأريحية وطمأنينة”. هذا يتطلب توفير “الحماية اللازمة له” و”البنية التحتية التشريعية والمؤسسية”، بالإضافة إلى “البنية التحتية المالية من نظام مدفوعات وخدمات مالية ومصرفية مناسبة”.

فيما يتعلق بالإصلاح الضريبي، يؤكد الوزير على أن الهدف هو أن تكون الضرائب “بسيطة مبسطة واضحة”، و”لا تشكل عبئاً على رجال الأعمال والمستثمرين”. ويحرص على أن يكون هناك “قبول شعبي في كل سياسة أو في كل إجراء نقوم به”، ولن يفاجئوا أحداً بأي سياسة أو قانون، بل سيكون هناك “كونسلتيشن واضح مع الستيك هولدر الموجودين”.

بخصوص السياسة النقدية وسعر صرف الليرة السورية، يقر وزير الاقتصاد بأن الليرة السورية لا تمثل “بشكل تام القيمة المادية أو القيمة النقدية لسوريا بشكل عام أو للقدرة الإنتاجية في سوريا”. ويشير إلى أن النظام البائد حولها إلى “وسيلة ليست بالعمق نفسه الذي تحمله العملات الأخرى”. هناك “مراجعة واضحة يقوم بها مصرف سورية المركزي للسياسة النقدية في سوريا”. التدفقات النقدية التي ستأتي ستؤثر في سعر الصرف، وهنا تأتي “السياسة النقدية للحفاظ على توازن في سعر صرف الليرة السورية”.

وزير المالية يؤكد أيضاً وجود توجه “لإعادة النظر في العملة القائمة”، وسيكون هناك “عملة جديدة بالوقت المناسب إن شاء الله”.

الانعكاسات المتوقعة على الاقتصاد والمواطن

يتوقع وزير الاقتصاد أن الانفتاح سيسهم بشكل كبير في “تحريك الدورة الاقتصادية في سوريا”. وهذا يعني “انخفاضاً في معدلات البطالة”، “ارتفاعاً في مستوى الدخل”، و”ارتفاعاً في مستوى المعيشة”. وستعود العلاقات مع الدول التي انقطعت بسبب النظام البائد، وسيستفيدون من “خبرات تلك الدول” و”الشراكات التي ستنشأ”. كل هذه الأمور الإيجابية “ستبدأ بالظهور وستكون سريعة بهمة السوريين وبعزيمتهم”.

وزير المالية يرى أن التحسن “بدأ منذ فترة والناس بدأت تلحظه”، و”سيتسارع هذا التحسن باستمرار”. هناك “فرص كبيرة للاستثمار في كل القطاعات” مثل البنية التحتية، والطاقة، والزراعة، والمياه، والتعليم، والصحة، والبنية التحتية الرقمية، والاتصالات. ورؤية الدولة السورية تقوم على “ريادة القطاع الخاص للعمل”، ولا تزاحمه، بل تريد “خلق الفرص مع القطاع الخاص”. الإصلاحات التي يعملون عليها، سواء في حماية المستثمر، وإصلاح المنظومة القضائية، والقطاع المالي والمصرفي، أو الإصلاح الضريبي، “ستكمل بعضها البعض في خلق البيئة المواتية” التي “ستنعكس ان شاء الله على مستوى معيشة المواطن السوري”. ويتوقع الوزير أن “كل يوم إن شاء الله سيكون إنجازات جديدة”.

العقوبات المتبقية

يوضح وزير الاقتصاد أن العقوبات التي رفعت هي تلك التي كانت تؤثر على “التحويلات المصرفية”، و”استيراد عدد كبير من المنتجات”، و”التعامل مع سوريا بغض النظر عن نوع هذا التعاون حتى التعاون الإنساني”. هذه الأمور ستنتهي “بشكل سريع جداً”.

أما “الكيانات التي تم معاقبتها والتي ارتبطت بالنظام البائد”، فإن “هذه العقوبات ستبقى”، وهم “يطلبون أن تبقى نفس الشيء”. وكذلك العقوبات التي فرضت على “أشخاص معينين تعاملوا مع النظام وكانوا مع النظام ومارسوا القتل والتدمير ومارسوا الإجرام”، فإن “تلك العقوبات لن ترفع”.

تحديات المرحلة المقبلة

يؤكد الوزيران على أن رفع العقوبات ليس دعوة للاسترخاء، بل هو “رفع سقف التحدي”. يجب أن “نمضي بعجلة إصلاح بشكل سريع” لكي “نثبت للعالم كلها أن سوريا أعطيت فرصة وسوريا تستحق هذه الفرصة”. سوريا منفتحة على المجتمع الدولي والمؤسسات والتعاون. أبوابها مفتوحة للمستثمر العربي والأجنبي والمحلي. الدور الآن هو “الارتقاء إلى حجم هذا التحدي ونثبت للعالم كله أننا نستحق أن نبني دولة محترمة”.

———————————–

أين ستظهر ارتدادات القمة الأميركية – السورية في الرياض؟/ سمير صالحة

2025.05.15

“شاب جذاب، ورجل قوي مذهل، وقائد حقيقي”. هكذا وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب نظيره السوري أحمد الشرع، وهو يغادر الرياض بعد لقائه به في اجتماع دام نصف ساعة بوساطة سعودية.

انقلب السحر على الساحر، وخابت حسابات نتنياهو، إذ ظن أن الرياح ستهب كما يشتهي، لكن ترمب أبحر بسفينة أخرى نحو الرياض.

فلماذا يُغضب ساكن البيت الأبيض رئيسَ الوزراء الإسرائيلي إلى هذا الحد؟

قد تتعدد الأسباب، ومن بينها: تجاهل نتنياهو للنصائح التي وُجّهت له حول:

    ضرورة قبول وجود شركاء وحلفاء آخرين لواشنطن في المنطقة

    وعدم محاولة احتكار التأثير في القرار الأميركي

    ودعوة ترمب العلنية وعلى الهواء مباشرة إلى إعادة النظر في طريقة التعامل مع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، لا سيما فيما يخص تعقيدات الملف السوري

    ونجاح ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي، في إقناع واشنطن بالابتعاد عن تبنّي النهج الإسرائيلي في سوريا، وتسليط الضوء على المكاسب السياسية والاقتصادية المحتملة من خطوة رفع العقوبات عن دمشق بعد سنوات من العزلة.

    بقدر ما كانت المصافحة بين ترمب والشرع مهمة، بقدر ما كشفت رسائل عناق الشرع وولي العهد السعودي، على مرأى الرئيس الأميركي، وهو يتابع بحيرة نتائج تمسّك الرياض برفع أميركا للعقوبات عن سوريا، عن القيمة المادية والمعنوية لخطوة من هذا النوع.

لقد اختزلت المبادرة السعودية، على طريق واشنطن – دمشق، الكثير. فأين ستظهر ارتدادات لقاء القمة الأميركية – السورية في العاصمة السعودية، الرياض؟

هناك رغبة أميركية واضحة في مراجعة السياسات الإقليمية المعتمدة مع وصول ترمب إلى البيت الأبيض. وهناك قناعة لدى واشنطن بضرورة دعم مسار التهدئة في الإقليم، الذي تقوده الرياض وأنقرة. وهناك من يرى أن مصالح البيت الأبيض، على طريق بناء “الشرق الأوسط الجديد”، تستدعي الإصغاء لما يقوله العديد من حلفاء واشنطن في الإقليم، لا الاكتفاء بما تريده وتكرّره تل أبيب.

ما الذي يدفع ولي العهد السعودي للوقوف على قدميه وهو يصفق لقرار ترمب رفع العقوبات عن سوريا؟ سؤال سيبقى لسنوات طويلة في ذهن السوريين، شعبًا وقيادة، رغم أن تناثر لآلئ الفرح من عيني وزير الاقتصاد السوري، الدكتور نضال الشعار، ساعدنا في الإجابة عليه، وهو يردّد: “كان قرار الإنصاف والإنسانية والعدل”.

بقدر ما كانت المصافحة بين ترمب والشرع مهمة، بقدر ما كشفت رسائل عناق الشرع وولي العهد السعودي، على مرأى الرئيس الأميركي، وهو يتابع بحيرة نتائج تمسّك الرياض برفع أميركا للعقوبات عن سوريا، عن القيمة المادية والمعنوية لخطوة من هذا النوع.

يقول الرئيس الأميركي إنه، بعد محادثات أجراها مع الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي أردوغان، قرر رفع العقوبات عن سوريا لمساعدتها على بداية جديدة. من يقرّب بين دمشق وواشنطن لن يعجز عن مواصلة جهوده لإنهاء ما تبقى من غبن في العلاقة بين دمشق وبعض العواصم العربية، والمساهمة في وضع النقاط على الحروف في العلاقة الجديدة بين سوريا والعديد من العواصم الغربية.

لقد اختُزل المشهد في العاصمة السعودية، على خط دمشق – واشنطن، الكثير: فإلى جانب الجهود السعودية – التركية التي بُذلت لإقناع ترمب برفع العقوبات عن سوريا، كانت هناك ستة أشهر من المساعي التي قامت بها القيادة السورية الجديدة، داخليًّا وخارجيًّا، وتُوّجت بـ:

    بدء عودة مئات الآلاف من اللاجئين من الخارج،

    وانتقال عشرات الآلاف من النازحين إلى أراضيهم،

    وكسب دعم غالبية العواصم العربية باتجاه مراجعة سياساتها تجاه سوريا، وفكّ العزلة الإقليمية والدولية عنها.

لو قال لنا أحمد الشرع، قبل أشهر، إنه يُعدّ في مدينة إدلب لانطلاقة بناء سوريا الجديدة التي سيكون على رأسها، وأنه سيجول في العواصم العربية والإقليمية، وسيرفع علم بلاده الجديد على مبنى الأمم المتحدة، وسيلتقي بالرئيس الأميركي في الرياض، الذي سيعلن من هناك رفع العقوبات عن بلاده – لقلنا إنه سيستيقظ من الحلم عاجلًا أم آجلًا. فمتى وكيف سيتم ذلك ومفاتيح اللعبة السورية لا تزال بيد موسكو وطهران؟

من حق نتنياهو أن يحصل هنا على إجابة بشأن نتائج كل محاولات العربدة والتحريض في سوريا وضدها. ترمب يعيد صياغة علاقات بلاده مع العديد من دول المنطقة، تمهيدًا للتموضع الأميركي الإقليمي الجديد، بعد تراجع التمدد الإيراني وانحسار النفوذ الروسي. وما بعد رفع العقوبات هو الحوار الأميركي – السوري المباشر، بأكثر من اتجاه، وبشكل مباشر، وواشنطن لن تسمح للثلاثي موسكو، طهران، تل أبيب بعرقلة مشروع حراكها الإقليمي الجديد، والتفريط بفرص تغيير كثير من المعادلات في المنطقة، وهي تنسّق مع الرباعي السعودي – التركي – القطري – الإماراتي.

بقدر أهمية الإنجازات التي حققها الشرع وفريق عمله خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة، بقدر ما ينبغي قبول حقيقة أن ما ينتظرهم في الأشهر المقبلة يستدعي مواصلة هذه الجهود، وعدم الركون إلى ما تحقق.

كلما ظنوا أن دمشق انتهت، خرجت إليهم بثوب جديد، وتاريخ عريق لا يُهزم. هي تعود إلى الطاولة من بوابة المصالحة الكبرى التي فتحت في المملكة العربية السعودية.

ما جرى في الرياض ليس مجرد هدنة مؤقتة في مواجهات واصطفافات إقليمية مزمنة، بل بداية لتحول دائم في الجغرافيا السياسية للمنطقة. صخرة كبيرة تم رفعها في الرياض من درب بناء سوريا الجديدة، وسيُسجّل الأرشيف السوري في صفحاته أسماء كل من أسهم في إزاحتها، محليًّا وعربيًّا وإقليميًّا.

تلفزيون سوريا

——————————————-

من العقوبات إلى المصافحات.. سوريا تكتب فصلاً جديداً/ مؤيد حبيب

2025.05.15

من قساوة العقوبات إلى أروقة الشراكات الدولية، تشهد سوريا تحولًا لافتًا يفتح الباب أمام إعادة الإعمار والانفتاح السياسي، فهل تنجح سوريا الجديدة في تثبيت موقعها في المعادلات الإقليمية؟

من العداوة إلى الشراكة: دروس السياسة المتقلبة

في عالم السياسة، لا وجود لعداوات أبدية ولا لتحالفات ثابتة، فصديق اليوم قد يصبح عدو الغد، وعدو الأمس قد يتحول إلى حليف استراتيجي اليوم.

وهذه الحقيقة تتجلى بوضوح في اللقاء التاريخي الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بضيافة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الفيديو.

لم يكن اللقاء مجرّد مصافحة عابرة أمام عدسات الكاميرات، بل محطة مفصلية في مسار سوريا الجديدة، ورسالة قوية إلى العالم بأن خرائط النفوذ والتحالفات يعاد رسمها وفق المتغيرات والمصالح، لا الأيديولوجيات ولا الذكريات القديمة.

الذاكرة السياسية.. بين الحدث والتأريخ

حين يُصنع حدث سياسي بهذا الحجم، فإنه لا يُسجَّل فقط في عناوين الأخبار، بل يُدوَّن في ذاكرة الشعوب والدول.

فالسياسة لا تعترف بالجمود، بل تتحرك بالفعل، وكل خطوة تحدث فرقًا، مهما بدت صغيرة أو مترددة.

ذاكرة السياسة ليست تمسكاً بالماضي، بل قدرة على قراءته واستيعابه وتوظيفه لبناء مستقبل أكثر اتزانًا. بهذا المعنى، لم يكن لقاء الرئيس الشرع بترامب مجرد تقارب رمزي، بل تجسيدًا لتحول عميق في موازين القوى الإقليمية والدولية والدور الجديد لسورية في المرحلة المقبلة.

رفع العقوبات.. خطوة أولى نحو إعادة الإعمار

من أبرز نتائج اللقاء، وربما أكثرها تأثيرًا على المدى القريب، إعلان الإدارة الأميركية قرارها رفعَ العقوبات المفروضة على سوريا، والتي طالما أعاقت عملية التعافي الاقتصادي وأبقت البلاد في دائرة العزلة الدولية. هذه العقوبات فُرضت على نظام بشار الأسد الذي طُوي الآن في صفحات الماضي ومزابل التاريخ، ولا معنى لاستمرارها في ظل واقع سياسي جديد.

رفع العقوبات لا يعني فقط تخفيف القيود الاقتصادية، بل هو أيضًا فتح الباب أمام عودة الاستثمارات، وتنشيط عجلة الاقتصاد، وإعادة بناء البنية التحتية التي دمّرتها الحرب. إنه، باختصار، اعتراف أميركي ضمني بأن زمن المقاطعة قد ولّى، وأن التعامل مع السلطة الجديدة بات ضرورة لا يمكن تجاهلها.

الحكمة السياسية.. التوازن لا يعني الحياد

في السياسات الكبرى، لا تُقاس القرارات دائمًا بميزان الصواب والخطأ، بل بميزان التوقيت والكلفة والمخاطر. وهنا تتجلى براعة الرئيس أحمد الشرع وفريقه في اختيار اللحظة المناسبة للمناورة والانفتاح، من دون الوقوع في فخ التبعية أو الاصطفاف الأعمى.

القرار بلقاء ترامب لم يكن سهلاً ولا عابرًا، بل مثال حيّ على ما يسميه بعضهم “فنّ الممكن”، حيث تسعى السياسة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب بأقل قدر من التصادم. وهذا بالضبط ما تحقق في هذا الحدث المفصلي.

سوريا الجديدة.. من العزلة إلى التأثير

أعاد اللقاء سوريا إلى واجهة المشهد الدولي، ولكن هذه المرة من موقع الفاعل لا المفعول به. لقد وجّه رسالة واضحة بأن سوريا الجديدة لا ترغب في البقاء ضحية أو في موقع المنفى السياسي، بل تطمح للعب دور محوري في الإقليم، عبر الانفتاح المتوازن الذي يحقق مصلحة الشعب السوري أولاً.

كما أظهر هذا التقارب مع الولايات المتحدة، عبر الوساطة السعودية، أن الصراع لم يعد حول من يحكم سوريا، بل كيف تُحكم سوريا، ومن يمتلك الشرعية والقدرة على تمثيلها بثقة على الساحة الدولية.

التحول لا يعني التخلّي

السياسة فنّ التغيير لا فنّ التنازل، ومن الطبيعي أن تتبدل المواقف والاصطفافات، ما دام ذلك يجري من دون المساس بالثوابت والمبادئ الأساسية.

ما جرى في هذا اللقاء يثبت أن السياسة الناجحة هي التي تعرف متى تصافح، ومتى ترفض، ومتى تمضي، ومتى تنتظر.

سوريا الجديدة تقف اليوم على أعتاب مرحلة مختلفة كليًا، عنوانها الشراكة لا العزلة، والبناء لا الهدم، والمرونة لا الانكسار.

ويبقى السؤال مطروحًا: هل ستُحسن القوى الإقليمية والدولية قراءة هذه الرسائل الجديدة؟

وهل سينجح الداخل السوري في مواكبة هذا التحول الكبير؟

الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.

تلفزيون سوريا

———————————

أرض الفرص”.. سوريا دون عقوبات تجذب المستثمرين

ارتفعت آمال المستثمرين ورجال الأعمال من مختلف الدول في المنطقة، بإعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا في 13 من أيار، وبعد هذا عمدت الحكومة السورية إلى دعوة جميع المستثمرين للاستثمار في سوريا، باعتبارها “أرض الفرص”.

وقال وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، في تصريحات لوكالة “رويترز” اليوم الخميس 15 من أيار، إن مستثمرين من الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية، من بين دول أخرى كانوا يستفسرون عن الاستثمار”.

وأضاف برنية، “سوريا اليوم أرض الفرص، مع إمكانات هائلة في كل القطاعات، من الزراعة إلى النفط والسياحة والبنية الأساسية والنقل”، داعيًا جميع المستثمرين إلى اغتنام هذه الفرصة.

من المتوقع، بحسب الوكالة، أن يمثل رفع العقوبات الأمريكية على سوريا حقبة جديدة للاقتصاد الذي دمرته 13 عامًا من الحرب، ما يفتح الطريق أمام تدفقات الاستثمار من الشتات السوري وتركيا ودول الخليج التي تدعم الحكومة الجديدة.

أمريكا وتركيا

تيموثي آش، كبير استراتيجيي الأسواق الناشئة في “آر بي سي بلوباي” الأمريكية لإدارة الأصول قال للوكالة، “هناك فرصة حقيقية لإحداث تغيير تحويلي في سوريا والمنطقة الأوسع”.

بينما يتوقع أونور جينك الرئيس التنفيذي للمجموعة المالية “BBVA”، التي تضم مجموعتها “Garanti BBVA“، ثاني أكبر بنك خاص في تركيا، أن تستفيد الشركات والبنوك التركية من رفع العقوبات.

وقال جينك، “بالنسبة لتركيا، سيكون الأمر إيجابيًا لأن هناك حاجة ماسة لإعادة الإعمار في سوريا. من سيقوم بذلك؟ الشركات التركية”.

وأضاف أن “رفع العقوبات من شأنه أن يسمح للشركات التركية بالذهاب إلى هناك الآن بشكل أفضل بكثير، كما سيسمح للبنوك التركية بتمويلها، وهذا من شأنه أن يساعد”.

في 18 من نيسان الماضي، أعرب وزير التجارة التركي، عمر بولات، عن رغبة بلاده في التفاوض على اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع سوريا،

وقال بولات، إن تركيا ستتحرك بسرعة بشأن قضايا مثل تشجيع الاستثمارات وحمايتها، ومنع الازدواج الضريبي، والتعاون المصرفي، وافتتاح المصارف التركية في سوريا، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية.

وذكر أن مسؤولي الحكومة السورية أعربوا عن رغبتهم بالتعاون مع تركيا في كل المجالات، من زيادة التجارة والاستثمارات المشتركة وتحسين البنية التحتية والطاقة إلى النقل والطرق البرية والبحرية.

الجانبان السوري والتركي ناقشا التخفيض التدريجي للرسوم الجمركية بين البلدين، وتشجيع الاستثمارات المشتركة والتنمية بقيادة القطاع الخاص، وإعادة تأهيل المناطق الصناعية المتضررة في سوريا، وتحديد المناطق التي تحتاج إلى إصلاح وصيانة في مجال البنية التحتية للنقل.

لبنان وسوريا

المستثمر اللبناني عماد الخطيب، قال لـ “رويترز” إنه عجَّل بخططه للاستثمار في سوريا بعد إعلان ترامب.

وبالتعاون مع شركاء لبنانيين وسوريين، أجرى دراسة جدوى لإنشاء مصنع لفرز النفايات في دمشق بتكلفة 200 مليون دولار قبل شهرين. وصباح الأربعاء، أرسل فريقًا من المتخصصين إلى سوريا لبدء التحضيرات.

معتبرًا أن “هذه خطوة أولى.. وستليها خطوات أكبر إن شاء الله، مشيرًا إلى أنه سيعمل بالتأكيد على “جذب مستثمرين جدد لأن سوريا أكبر بكثير من لبنان”.

بينما يخطط رجل الأعمال السوري الملياردير غسان عبود للاستثمار في سوريا، وتوقع أن يفعل سوريون آخرون لهم علاقات تجارية دولية الشيء نفسه.

وقال عبود الذي يعيش في الإمارات، “كانوا خائفين من المجيء والعمل في سوريا بسبب مخاطر العقوبات.. وهذا سيختفي تمامًا الآن”.

وقال “أنا بالطبع أخطط لدخول السوق، لسببين: أريد أن أساعد البلاد على التعافي بأي طريقة ممكنة، وثانيًا، الأرض خصبة: أي بذرة تزرع اليوم يمكن أن تؤدي إلى هامش ربح جيد”، في إشارة إلى خطة بمليارات الدولارات لتعزيز الفن والثقافة والتعليم في سوريا.

ترى وكالة “رويترز” أن رفع العقوبات من شأنه أن يعيد تشكيل الاقتصاد بشكل جذري، وهو اقتصاد بدأ بالفعل يسلك مسارًا جديدًا في ظل حكام سوريا الجدد، الذين اتبعوا سياسات السوق الحرة وتحولوا بعيدًا عن نموذج الدولة الذي تبنته عائلة الأسد على مدى خمسة عقود من الحكم.

مشروع حكومي لبناني

وزير المالية اللبنانية، ياسين جابر، قال في تصريحات نقلتها وكالة “المركزية” اللبنانية، اليوم الخميس 15 من أيار، إن رفع العقوبات عن سوريا يشكل “دفعًا إيجابيًا” في انعكاساته على مستوى ما يقوم به لبنان من تحضيرات لتأمين عبور النفط العراقي إلى مصفاة طرابلس”، وخط الـ”فايبر أوبتيك”، وكذلك خط الربط الكهربائي الخماسي، وتأمين نقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان.

ووعد الوزير اللبناني بمواصلة الاتصالات مع “الأشقاء العراقيين لإنجاز كل الإجراءات والأعمال للإسراع في إتمام التجهيزات المطلوبة على هذا الصعيد”.

بدوره، قال وزير الطاقة والمياه اللبناني جو الصدى إن “قرار الرئيس الأمريكي برفع العقوبات عن سوريا، سينعكس إيجابًا في لبنان على صعيد الطاقة والنفط”.

ووفقًا للوزير اللبناني، فإن هذا القرار سيسهّل استجرار الطاقة عبر سوريا من خلال خط الربط مع الأردن، واستجرار الغاز عبر سوريا من العراق، وكذلك مصفاة “البداوي”.

رفع العقوبات بدأ

وزارة الخزانة الأمريكية، أعلنت الأربعاء 14 من أيار، أنها بدأت عملية رفع العقوبات التي فرضتها واشنطن سابقًا على دمشق.

وقال وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، عبر حسابه على منصة “إكس“، إن وزارته تتخذ خطوات لتخفيف العقوبات بهدف استقرار الوضع، و”مساعدة سوريا على التحرك نحو السلام”.

وفي 13 من أيار، أعلن ترامب، عن قراره رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، وقال خلال كلمة له في منتدى “الاستثمار السعودي الأمريكي”، “آن الأوان لمنح سوريا الفرصة، وأتمنى لها حظًا طيبًا”.

وأضاف ترامب، “شهدت سوريا سنوات طويلة من البؤس والمعاناة، واليوم هناك حكومة جديدة نأمل أن تنجح في تحقيق الاستقرار وإنهاء الأزمات”، مشيرًا إلى أن هذه المبادرة تمثل الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات بين واشنطن ودمشق.

وكان للعقوبات الأمريكية دور في تقويض قدرة النظام السوري السابق، حيث طالت رأس النظام بشار الأسد وأفرادًا من عائلته نزولًا باتجاه الشخصيات الحكومية والاقتصادية والعسكرية الداعمة له، وطالت العقوبات قطاعات خدمية واقتصادية، ما انعكس أيضًا سلبًا على حياة السوريين.

عنب بلدي

——————————-

رفع العقوبات الأميركية عن سوريا: هدية مشروطة واختبار لحكومة الشرع/ أغيد حجازي

15 مايو 2025

في تحوّل دراماتيكي قد يُعيد رسم المشهد السياسي في الشرق الأوسط، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 13 أيار/مايو، رفع جميع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا. كما التقى بالرئيس السوري أحمد الشرع على هامش زيارته إلى العاصمة السعودية الرياض. ويُعد هذا اللقاء الأول من نوعه بين رئيس سوري ونظيره الأميركي منذ 25 عامًا.

شكّل القرار واللقاء معًا لحظة مفصلية في علاقات دمشق مع الغرب، بعد سنوات من العزلة في ظل نظام الأسد، وبعد أربعة أشهر فقط على سقوط النظام السابق. ويثير هذا التحوّل تساؤلات عدّة حول دوافعه وتوقيته: هل جاء القرار نتيجة قراءة استراتيجية جديدة للمشهد السوري؟ أم أنه ثمرة تفاهمات وصفقات جرت خلف الكواليس؟ وإن صح ذلك، من هي الأطراف التي شاركت؟ وما المقابل السياسي والاقتصادي؟ وهل سيفتح القرار الباب أمام عودة الاستثمار والإعمار، ومرحلة جديدة من الشراكات الدولية في “سوريا الجديدة”؟

تقاطع مصالح

اعتبر الباحث في الشؤون السياسية، د. باسل الحاج جاسم، أن قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا جاء بعد مشاورات جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب بكل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ورجّح الحاج جاسم أن القرار كان نتيجة تفاهمات مسبقة مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، لافتًا إلى أن الشرع قدّم عروضًا مغرية للشركات الأميركية، تضمنت تسهيلات واسعة في قطاع المعادن، الأمر الذي أسهم في تليين الموقف الأميركي. كما أشار إلى أن السعودية وتركيا لعبتا دورًا تشجيعيًا مباشرًا في تمرير هذا القرار.

وأوضح الحاج جاسم، في حديثه لـ”الترا سوريا”، أن رفع العقوبات قد يؤدي إلى تغييرات في التوازنات الإقليمية، مشيرًا إلى ترحيب دول مثل قطر والسعودية بالخطوة، في مقابل قلق عبّرت عنه إسرائيل من احتمالات تقارب أميركي مع القيادة السورية الجديدة.

وأضاف أن القرار يفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية، لا سيما من قبل شركات أميركية مهتمة بفرص إعادة الإعمار والتنقيب عن المعادن. ولفت إلى أن الليرة السورية شهدت تحسنًا ملحوظًا عقب إعلان القرار، ما يعكس أثرًا اقتصاديًا مباشرًا على السوق المحلي.

وأكد الكاتب والباحث السياسي محمد الهويدي، في حديثه لـ”الترا سوريا”، أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منذ وصوله إلى البيت الأبيض، اتّسمت باتباع نهج “أميركا أولاً”، وقدّم نفسه حينها كـ”رجل سلام”، مشيرًا إلى أن ترامب سعى خلال ولايته إلى التقارب مع روسيا، وحسم ملفات عالقة كملف أوكرانيا، ضمن سياسة خارجية تهدف إلى تعزيز النفوذ الأميركي عبر إضعاف الدور الإيراني في المنطقة، وإعادة صياغة التحالفات بما يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

ورأى الهويدي أن هذا التوجه يُعدّ من الأسباب المباشرة التي دفعت واشنطن إلى اتخاذ قرار رفع العقوبات عن سوريا في هذا التوقيت تحديدًا، وذلك بهدف منع ترسيخ الوجود الإيراني في المشهد السوري، وتمكين الإدارة السورية الجديدة من الانخراط في عملية إعادة الإعمار، وتعزيز جهود محاربة تنظيم داعش.

وأوضح أن استمرار فرض العقوبات، بحسب الرؤية الأميركية، كان من شأنه أن يدفع دمشق إلى خيارات بديلة خارج الإطار الغربي، بما في ذلك تعزيز علاقاتها مع قوى إقليمية أو دولية منافسة. وبالتالي، فإن قرار رفع العقوبات جاء كخطوة براغماتية تهدف إلى احتواء سوريا ضمن المشروع الأميركي في المنطقة، وتفادي أي تعقيدات إضافية قد تؤثر على الوضع الجيوسياسي.

وفي السياق ذاته، لفت الهويدي إلى أن القرار الأميركي لم يأتِ من فراغ، بل سبقه مسار تفاهمات دبلوماسية غير معلنة، قادتها المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر منذ 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، مؤكدًا أنها لعبت دورًا محوريًا في بناء جسور التواصل بين الإدارة السورية الجديدة والمجتمع الدولي، لا سيما مع الولايات المتحدة والدول الغربية.

ورأى الكاتب والباحث السياسي، د. مالك الحافظ، أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا يمكن تفسيره في إطار مسارين متوازيين: داخلي أميركي وإقليمي شرق أوسطي.

وأوضح الحافظ أن ترامب، في ولايته الجديدة، يسعى إلى إعادة بناء صورته كحاكم براغماتي قادر على إحداث اختراقات مفاجئة، ولو عبر سياسات غير تقليدية.

وأشار إلى أن القرار لا يمكن فهمه خارج السياق الإقليمي المتغير، خاصةً في ظل التنسيق التركي السعودي القطري الإماراتي غير المسبوق حيال الملف السوري، مؤكدًا أن ترامب أراد أن يكون هو صاحب التوقيع على التحوّل السياسي الاقتصادي الجاري على الأرض.

ولفت الحافظ، في حديثه لـ”الترا سوريا”، إلى أن القرار لا ينفصل عن تفاهمات غير معلنة، وإن لم تكن على شكل صفقة مغلقة، بل أقرب إلى سلسلة من تقاطعات المصالح والتفاهمات التدريجية، مشددًا على أن السعودية لعبت دورًا محوريًا في هذا السياق.

وبيّن الحافظ أن إعادة تشكيل التحالفات لا تحدث بشكل فوري، إلا أن قرار رفع العقوبات بعث بإشارات واضحة إلى وجود إعادة تموضع قيد التشكل.

وأضاف أن بعض الدول التي كانت تتعامل بتحفّظ مع السلطة السورية الجديدة قد ترى في هذا القرار فرصة لإعادة صياغة علاقاتها مع دمشق بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، لكنه استدرك بالقول إن التحالفات العميقة ستظل مرهونة بما ستقدّمه السلطة الانتقالية من التزامات حقيقية، وهو ما لا يزال موضع جدل وشكوك في الأوساط الإقليمية والدولية.

لاعب محوري في المشهد السوري الجديد

يعتقد الهويدي أن السعودية تلعب دورًا محوريًا على المستويين السياسي والاقتصادي، بينما تُعدّ قطر شريكًا اقتصاديًا نشطًا، وتتمتع تركيا بثقل جيوسياسي مهم وتأثير إقليمي مباشر، مما يجعل هذا التحالف ركيزة رئيسية للمرحلة المقبلة في المنطقة، في ظل تراجع المحور الإيراني وتبدّل موازين القوى.

وأضاف أن الوضع الاقتصادي السوري المتدهور، حيث يعيش أكثر من 90% من المواطنين تحت خط الفقر، يعزز أهمية القرار الأميركي، مشيرًا إلى أن سوريا تحتاج إلى أكثر من 400 مليار دولار لإعادة الإعمار، وسط أزمات متعددة تشمل الغذاء، والدواء، والطاقة، والبنية التحتية.

وأوضح الهويدي أن هذا التحول لن يكون فوريًّا، إذ يتطلب خطوات تنفيذية على الأرض من قبل الحكومة السورية الجديدة والدول الداعمة لها، لكنه اعتبر أن القرار يُمهّد لدخول الشركات الأجنبية، لا سيما الأميركية والخليجية، إلى السوق السورية، بعد إزالة الحواجز القانونية التي فرضتها العقوبات، خاصة “قانون قيصر”.

وأشار إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع عرض على الولايات المتحدة شراكة استراتيجية في مجال الطاقة، خصوصًا في قطاع استخراج النفط، وأعرب عن استعداد حكومته للتعاون في ملفات أمنية واقتصادية ذات أولوية لدى واشنطن، مما جعل مسألة الانفتاح الاقتصادي مسألة وقت.

وبيّن الهويدي أن الاندفاع الخليجي سيكون عاملًا حاسمًا في تثبيت الاستقرار في سوريا الجديدة، كما سيكون له دور فعّال في دفع الإصلاحات الداخلية، وإعادة هيكلة الاقتصاد السوري، وترسيخ التحوّل الإقليمي القائم.

وحول الأثر الاقتصادي للقرار، أكّد الحافظ أن رفع العقوبات يشكّل متنفسًا اقتصاديًا جزئيًا، لكنه لا يرقى إلى مستوى التغيير الجذري، مشيرًا إلى أن هناك شبكة من العقوبات ما تزال قائمة، وبعضها يتطلب موافقة الكونغرس، بالإضافة إلى وجود عقوبات أممية. كما نبّه إلى غياب بيئة قانونية وإدارية آمنة داخل سوريا، ما يمنع الشركات الجادة من المغامرة بالاستثمار في الوقت الراهن.

وأفاد الحافظ بأننا قد نشهد اندفاعًا من بعض الشركات ذات الطابع الرمزي أو السياسي، خصوصًا من دول متحمسة لـ “قطف الثمار” مبكرًا، لكنه شدد على أن الاستثمار البنيوي طويل الأمد سيظل مشروطًا بإصلاحات مؤسسية لم تُنجز بعد.

وأضاف أن ما تغيّر فعليًا هو خارطة التموضع الإقليمي أكثر من المعادلة السورية نفسها، حيث لم تُعدّل دمشق بوصلتها بشكل جذري، لكن واشنطن بدأت تنظر إلى استمرار الحصار الكامل كعبء لا يخدم مصالحها الكبرى، خاصة في ظل التمدد الروسي ـ الصيني في المنطقة. واعتبر أن إعلان رفع بعض العقوبات يهدف إلى استعادة أوراق النفوذ الأميركي والانتقال من الاستبعاد إلى الاحتواء والمراقبة.

لقاء الرياض: رمزية سياسية وتحالفات تتبلور

اعتبر الحاج جاسم أن اللقاء الذي جمع ترامب بالرئيس أحمد الشرع في الرياض يمثّل تحولًا جوهريًا في السياسة الأميركية تجاه سوريا، موضحًا أن هذا اللقاء، الذي يعد الأول من نوعه على مستوى الرئاسة بين البلدين منذ 25 عامًا، يعكس رغبة مشتركة في فتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية.

واعتبر الحافظ أن اللقاء كان أقرب إلى مشهد رمزي ــ بروتوكولي منه إلى قمة سياسية تقليدية، لكنه أرسل رسالة مزدوجة: من جهة، أعاد ترامب تثبيت نفسه كمهندس للمرحلة المقبلة، ومن جهة أخرى، منح السلطة السورية فرصة نادرة لـ “تنفس الصعداء” خارجيًا، ولو بشكل مؤقت.

واختتم الحافظ تحليله بالإشارة إلى أن رفع العقوبات جاء أشبه بـ “هدية مشروطة”، وليس تعبيرًا عن تحول جذري في العلاقة. واعتبر أن اللقاء كان اختبارًا مبكرًا لقدرة السلطة الجديدة على التصرف ضمن قواعد النظام الدولي، لا إشارة إلى اعتراف دولي بشرعية كاملة.

الترا سوريا

———————————-

بدأنا نحلم من جديد”.. فرحة في أروقة جامعة دمشق بعد إعلان رفع العقوبان

15 مايو 2025

تفاعل طلاب جامعة دمشق مع إعلان رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بموجة من التفاؤل، معتبرين أن هذه الخطوة قد تشكّل بداية حقيقية لتحسين أوضاعهم الدراسية واليومية، واستعادة الأمل في مستقبل أفضل بعد سنوات طويلة من المعاناة.

وفي تصريحات منفصلة لوكالة “الأناضول”، عبّر طلاب من كليات مختلفة عن تفاؤلهم بالمستقبل، بعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفع العقوبات المفروضة على دمشق، واصفين هذه الخطوة بأنها “مهمة ومبشّرة من أجل حياتهم الدراسية واليومية”.

وقال طالب قسم التاريخ في جامعة دمشق حازم كدع: “شعرنا بسعادة غامرة عند سماعنا بقرار الرئيس الأميركي المتعلق برفع العقوبات عن سوريا”، مضيفًا: “كانت تلك العقوبات في الأصل مفروضة على المجرمين الذين قادوا هذا البلد إلى الهاوية، لكنها في الحقيقة أثرت بشكل سلبي على الشعب برمّته”.

وأشار كدع في حديثه لـ”الأناضول” بأنه “الآن وبعد رفع العقوبات، بات لدينا جميعًا أمل”، مؤكدًا أن رفع العقوبات الأميركية “خطوة مهمة من أجل مستقبل الشباب في هذا البلد”.

بدورها، أعربت طالبة قسم العمارة، فاطمة الزهراء، عن سعادتها بإلغاء العقوبات، مشيرةً إلى أنها “خلفت أثرًا كبيرًا على الطلبة في عهد النظام المخلوع”. وأضافت: “في السابق، لم نكن نستطيع استخدام الذكاء الاصطناعي لأنه كان محظورًا في سوريا”.

وأشارت الزهراء إلى أنهم “كطلاب في قسم العمارة، نحن بحاجة إلى بحث علمي متقدّم، وكل هذه التطورات الإيجابية مرتبطة بإلغاء العقوبات”، لافتةً إلى أن “اليوم نقف على أعتاب مستقبل مشرق. أعتقد أن غدًا سيكون أجمل، وسنسمع في الأيام القادمة أخبارًا طيبة”.

وأوضحت الزهراء في حديثها أن “الوصول إلى تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي كان محظورًا”، مؤكدةً ذلك بقولها “كنا نواجه صعوبات كبيرة في بحوثنا. الآن أمامنا طريق مفتوح. لدينا أمل في المستقبل. الغد سيكون أجمل بكثير”.

من جهتها، أكدت طالبة الطب البشري، شام حاج قدور، أن الطلاب في جامعة دمشق استقبلوا القرار بـ”فرحة عارمة”، قائلة: “سوريا وُلِدت من جديد، وولِد معها أمل جديد بالحياة والمستقبل. لم نعد نقول إننا في مكان لا تتحقق فيه الأحلام. هناك الآن مكان للأحلام”.

وأشارت حاج قدور إلى أنه “خلال عهد النظام المخلوع، كان كثير من الطلاب يفكرون بمغادرة البلاد، لكننا الآن نرغب في البقاء داخل وطننا، والدراسة هنا، والمساهمة في بنائه مجددًا”.

أما طالب الطب البشري أيضًا، مجيد الغريب، فقد توجّه بالشكر إلى السعودية وقطر وتركيا لدعمها المستمر للشعب السوري، مشددًا على أن: “نحن الشباب لم تكن لدينا فرصة للعيش الحقيقي في ظل العقوبات. سوريا تتطلع إلى الأمام، نحو التقدم والازدهار، وإن شاء الله سيكون هناك تغيير حقيقي”.

وفي السياق ذاته، قال الطالب أحمد الحربي: “لقد بدأنا اليوم باتخاذ خطوات جديدة”، وأضاف “نحن الشباب بدأنا نشعر أننا أحياء، وبدأنا نحلم. المشاعر الجميلة غمرت قلوبنا لدرجة يصعب وصفها بالكلمات”.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن، أول أمس الثلاثاء، خلال “منتدى الاستثمار السعودي–الأمريكي 2025” في العاصمة الرياض، عن قراره رفع العقوبات المفروضة على سوريا.

وأوضح الرئيس الأميركي أن الخطوة تهدف إلى “منح الشعب السوري فرصة للنمو والتطور”، بعد مشاورات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وأمس الأربعاء، التقى الرئيس ترامب بنظيره الشرع في العاصمة السعودية الرياض، على هامش القمة الخليجية – الأميركية الخامسة.

وأكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، توماس بيغوت، أن هدف إدارة ترامب من رفع العقوبات عن سوريا يتمثّل بتحقيق السلام طويل الأمد في الشرق الأوسط، واصفًا هذه المرحلة بـ”العصر الذهبي” للولايات المتحدة والمنطقة.

وأضاف بيغوت أن الإدارة الأميركية تواصلت مع الحكومة السورية المؤقتة بهدف الحديث حول “بعض الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لتحقيق السلام والازدهار”، معربًا عن أمله في أن تمضي الحكومة السورية في تطبيقها.

————————————-

حلمُ ليلة رفع العقوبات/ إيناس حقي

15 مايو 2025

مرت دمشق المتثاقلة والحزينة ليلة الثلاثاء بوقت مستقطع. أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا فارتفعت الغمامة للحظة. تنفست دمشق وهبت رياح الأمل. في تلك الليلة، خرج الناس في الطرقات فرحين، احتفلوا وغنوا ودبكوا ورقصوا، ولكن الأهم: حَلِموا.

كانت الأحلام تبني البلد فتصبح سوريا جنة، تعمها الأعمال، يعيش فيها الناس برخاء وكرامة، لا يركض فيها أحد ملاحقًا لقمة الخبز، يتعلم فيها كل الأطفال، لا يسكن فيها أحد في الخيام، لا ينام فيها جائع دون أن يأكل، لا يمرض فيها إنسان دون أن يجد علاجًا. تتوفر فيها الأدوية، ويعمل فيها الخبراء في كل المجالات، ينهضون بكل قطاع من قطاعاتها.

تخيّلتْ في تلك الليلة أن الدمار كله تبدل بناطحات سحاب، وأن كل صاحب بيت مدمر أصبح يمتلك بناء من عدة شقق، وأن المناطق السياحية باتت تعج بالسياح الأجانب الذين يشاهدون جمال سوريا ويشهقون دهشةً. وتخيّل أبناء وبنات سوريا أنهم يعملون في وظائف تليق بكرامتهم وتلبي كل احتياجاتهم.

مدّ الناس في خيالهم السكك الحديدية، فارتبطت المدن والقرى السورية ببعضها بالقطارات، وأصبحت المسافة بين الأقرباء غير محسوسة. سافرنا في خيالنا من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومررنا بالمدن التي كانت مدمرة، فدهشنا كيف كانت، وكيف انتشلت نفسها من ماضٍ أسدي بشع.

رأينا في قلوبنا أن المجتمع المدني تمدد وتوسع وأصبح عمله سهلًا ومنتشرًا، وأصبح المغتربون يستطيعون إرسال مساعدة لأهلهم وتبرعات لبلدهم بمنتهى السهولة، وصارت جامعاتنا في مقدمة جامعات العالم أكاديميًا. صارت بلدنا تصدر الكهرباء لجيرانها وأصبحت رائدة في مجالات الطاقة البديلة والتكنولوجيا.

عمّت الاحتفالات شوارع البلد ليلةً كاملة، استيقظت بعدها دمشق متخففة من كآبة الأيام التي سبقت، ملتفحة بالأمل وبابتسامات البسطاء في الشوارع، وإن كانت الأسعار ما زالت على حالها، والفقر ما زال يفرد عباءته ويلف بها معظم السكان. يتداول الناس حوارات مازحة حول رفع العقوبات، يخبرني سائق التكسي عندما أفاوضه أن البنزين لم ينخفض سعره بعد رغم رفع العقوبات.. ويضحك. نتبادل الضحكات حول الموضوع ونحن نعلم ضمنًا أننا نخشى أن يتأخر التنفيذ، وأن يكون ما يلي هذا الأمل الجارف هو خيبة أمل التعقيدات البيروقراطية والإجراءات التنفيذية.

يصعب على الشعب السوري بعد ما عاناه أن يصدق أن المسألة فعلًا بسيطة، وأن رفع العقوبات يعني حقيقة تدفق المساعدات والاستثمارات. وأتذكر المقولة المأثورة لشعبنا منذ دهور: “الله يعطينا خير هالضحك”، إذ نخشى أن نفرح فنندم. اليوم، تبدو الفرحة كاملة، لا يؤخرها إلا زمن انتظار أن تصبح واقعًا، واقع لا يشبه أحلام ليلة رفع العقوبات، لأن عملية البناء طويلة وصعبة ومضنية ومحفوفة بالمخاطر.

لعل أكبر قلق يمكن أن يرافق رفع العقوبات هو أن ينفلت عقال الرأسمالية والليبرالية في البلد دون أي قيد أو شرط، لذا فالوقت مناسب لتكتلات نقابية تناضل من أجل حقوق العمال، تفرض حدًا أدنى للأجور وحماية من حوادث العمل، وتفرض ضمانًا صحيًا وساعات عمل منظمة. كما لا بد أيضًا من العمل على قوانين تفرض الضرائب على الشركات الكبرى التي ستدخل السوق السورية البكر لتستثمر فيها.

لا يمكننا أن نتخيل إعادة الإعمار دون أن نفكر بآلية عادلة لتعويض خسائر سكان المناطق المدمرة وجبر ضررهم، وضمان أن إعادة الإعمار لن تقوم على مبدأ إعطاء أصحاب البيوت المدمرة فتاتًا يتقاسمونه فيما تنتفع رؤوس الأموال الكبرى وتبني ثروات من ركام بيوت البشر.

يحتاج المجتمع المدني اليوم إلى أن يكون سدًا منيعًا في وجه أجندات أجنبية تريد أن تتدخل في مصير بلادنا، وعليه أن يقدم مصلحة المستفيدين من عمله على أي توجيه آخر، وإن كان ذلك يتطلب رفض بعض التمويلات المشروطة، ورفض المشروعات التي تفرض بدائل لما يحتاجه المجتمع حقًا.

رغم أن سوريا تمتلك كل المقومات كي تكون وجهة سياحية حقيقية لكثير من المسافرين، إلا أن تنشيط السياحة يتطلب ضمان الأمن والاستقرار، كما يتطلب بالضرورة حريات لا نستطيع اليوم استنتاج ضوابطها الجديدة والمستقبلية، فكل حوادث التعدي على الحريات رغم نفيها من قبل السلطة أو اعتبارها حالات فردية لن تشجع وفود السياح على القدوم إلى سوريا في القريب العاجل، بالإضافة إلى أن سوريا بحاجة لحملة لتغيير صورتها في أذهان سكان الكوكب من بلد ارتبط اسمه بالحرب والدمار والإرهاب إلى بلد يمكن التفكير فيه كوجهة سياحية.

إن تحسين الطرقات والخدمات والاتصالات والبنى التحتية، رغم أهميتها المصيرية، يتطلب وقتًا. ونحن مستعجلون، مستعجلون للخروج من عنق الزجاجة الذي علقنا فيه طويلًا، مستعجلون للوصول إلى الضفة الأخرى من التغيير، مستعجلون لقطف ثمار الثورة التي دفع ثمنها بدم السوريين والسوريات، مستعجلون كي يتغير واقع بلدنا الذي لم نتصور يومًا أنه يمكن أن يصل إلى هذا الدرك.

إن بناء سوريا رحلة طويلة وصعبة ومعقدة، طريقها شائك ومليء بالعوائق. إلا أن خطوتها الأولى بدأت بإسقاط الأسدية إلى غير رجعة. أما خطوتها الثانية، فكانت جملةً نطق بها رئيس أمريكي، فانتعش الأمل، وانطلق الحلم.

ليلة رفع العقوبات كانت الليلة التي بدا فيها المستحيل ممكنًا، ليلة الفرص التي أصبحت في متناول أيدينا، ليلةً بنى فيها السوريون وطنهم في خيالهم جميلًا، حلوًا، يليق بهم وبآمالهم.

كانت ليلة صيفية رائقة، هب فيها نسيم الأمل، وتجمعت فيها طاقة السوريين، ورغبتهم في العمل، كان حلم ليلة صيف عشناه جماعيًا، ورأينا فيه الوطن كما نحب، ولم يبقَ لنا إلا أن نحقق الحلم.

الترا سوريا

———————————-

رفع العقوبات.. كي لا تضيع الفرصة/ محمد سليمان

15 مايو 2025

مع حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، تعيش المنطقة لحظة مفصلية، بدأت تتضح معها ملامح مرحلة جديدة في التعامل مع الملف السوري، ليس فقط من بوابة الأمن أو النفوذ، بل من زاوية إدراك جماعي بأن استمرار الوضع السوري على حاله لم يعد ممكنًا، لا إقليميًا ولا دوليًا. فالديناميكيات الجيوسياسية التي تعيد رسم خرائط النفوذ، ومواقف دول مثل السعودية وتركيا وقطر والإمارات، تشير إلى تحوّل نوعي في فهم طبيعة الأزمة السورية وسبل معالجتها.

التحركات الإقليمية المتسارعة باتجاه الانفتاح على دمشق لا يمكن فصلها عن تفاهمات مع واشنطن، التي بدت أكثر ليونة إزاء فكرة تخفيف العقوبات. ليس هذا التغيير تنازلًا سياسيًا، بل انعكاسًا لتحوّل في أولويات السياسة الأميركية نفسها، التي باتت تدرك أن العزل الكامل لسوريا لم يحقق أهدافه، وأن استقرار الإقليم يتطلب مقاربات جديدة، تدمج بين الحوافز والضغوط، وبين الاحتواء والحوار.

وفي هذا السياق، يُقرأ الحديث المتزايد عن رفع العقوبات لا بوصفه مكافأة سياسية للحكومة، بل كضرورة استراتيجية ترتبط بمسار تسوية أوسع، باتت تقوده – ولو بشكل غير مباشر – قوى إقليمية وعلى رأسها السعودية، التي تسعى لترسيخ دورها كقوة استقرار لا كطرف في النزاعات.

لا يمكن الحديث عن أي تحول سياسي جدي في سوريا دون الالتفات إلى الواقع الاقتصادي المتردي. فالعقوبات، رغم أهدافها السياسية، تركت آثارًا عميقة على حياة المواطنين العاديين، وأسهمت في تفكك البنية الإنتاجية، وتعميق الفقر، وخلق اقتصاد ظل هش وخارج السيطرة.

ورفع العقوبات أو تخفيفها تدريجيًا يمكن أن يكون خطوة ضرورية لإنعاش الاقتصاد السوري، عبر السماح بعودة بعض النشاطات التجارية، وتسهيل التحويلات المالية، ودعم القطاع الإنساني والطبي، وفتح المجال أمام مبادرات إعادة الإعمار المرتكزة على مبدأ الاستدامة لا فقط الطوارئ.

ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في ترجمة رفع العقوبات إلى مكاسب ملموسة للناس، لا إلى إعادة إنتاج لنخب اقتصادية فاسدة. وهو ما يتطلب آليات رقابة شفافة، وشراكات مع منظمات دولية تضمن توجيه الفوائد نحو إعادة بناء المجتمع، لا فقط ترميم السلطة.

في العمق، ما تمر به سوريا ليس مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل لحظة تعريفية تطرح أسئلة عميقة: أي سوريا نريد؟ كيف نعيد بناء مفهوم الدولة؟ ومن يمتلك حق التمثيل والتغيير؟ هنا، تبرز فرصة فريدة أمام السوريين بكل أطيافهم لإعادة التفكير في وطنهم كمشروع جامع، يتجاوز اختزال الدولة في السلطة، أو تقزيم الوطن إلى طرف منتصر وآخر مهزوم.

فالمصالحة الحقيقية تبدأ من الاعتراف، لا النسيان، ومن التفاهم على آليات عدالة انتقالية تحفظ الذاكرة الوطنية دون أن تُستخدم كسلاح في معارك المستقبل، كما تتطلب شجاعة في صياغة ميثاق اجتماعي جديد، يعيد الاعتبار للهوية السورية الجامعة، وللحق في المواطنة والكرامة.

ربما للمرة الأولى منذ سنوات، تتقاطع مصالح فاعلين إقليميين ودوليين على مبدأ بسيط: لا استقرار في المنطقة دون استقرار سوريا. وهذا التقاطع يخلق نافذة فرصة لا يجب أن تُهدر.

رفع العقوبات، إذا ما أُنجز ضمن إطار سياسي واقتصادي متوازن، يمكن أن يشكل مدخلًا لإعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي كدولة فاعلة في محيطها، لا كساحة لصراعات الآخرين، لكن هذا المسار لن ينجح ما لم يُرفق بإرادة داخلية سورية قادرة على التغيير، وبشرعية تستمد قوتها من الناس لا من الخارج.

في النهاية، رفع العقوبات ليس هدفًا بحد ذاته، بل خطوة ضمن مسار أشمل لإخراج سوريا من العزلة والانهيار. ولعل الأهم من القرار نفسه، هو ما سيتبعه: هل ستُوظف هذه الفرصة في بناء مشروع وطني جامع؟ أم ستضيع كما ضاعت فرص كثيرة من قبل؟

الجواب لا تملكه العواصم وحدها، بل السوريون أنفسهم. فإما أن يكون رفع العقوبات مدخلًا للتعافي، أو مجرد هدنة مؤقتة في حرب طويلة مع الذات.

الترا سوريا

———————————-

وقف العقوبات الأميركية.. لمن سوف تهدي الحكومة انتصارها؟/ فيصل علوش

14 مايو 2025

لا ريب أن قرار وقف العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته للرياض، كان خبرًا مفرحًا وحدثًا نوعيًا واستثنائيًا يستحق الاحتفال الذي قوبل به من عموم الشارع السوري، ويستحق كذلك توجيه الشكر والامتنان لكل من ساهم باتخاذه، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا. فإذا كان نظام العهد البائد قد تضرر من العقوبات، وهذا أمر مؤكد، إلا أن المتضرر الأكبر منها كان الشعب السوري في الداخل وفي المخيمات وأماكن النزوح واللجوء، فهو الذي كان يدفع الضريبة الأكبر المترتبة على هذه العقوبات من رغيف خبزه وقوت يومه ووجعه الدائم جراء أوضاعه الاقتصادية والمعيشية البائسة.

وقد يقال الكثير بشأن وقف العقوبات والكيفية التي سيطبق بها القرار؛ المدى الزمني الذي سيستغرقه بدء تنفيذ القرار، وهل سيقتصر على القرارات التنفيذية المتخذة من قبل الرؤساء الأميركيين؟ أم أنه سيشمل كذلك “قانون قيصر” المقر في الكونغرس، والذي يحتاج إلى موافقة الأخير على وقفه أو إلغائه؟

كما أن ثمة الكثير مما يمكن أن يقال بشأن المنظومة البنكية والمالية المعمول بها في سوريا، ومدى أهليتها للتعامل مع “نظام سويفت” المالي العالمي، وقدرتها على التكيف مع الأسس والشروط  القانونية والإدارية التي يتطلبها هذا النظام بعد سنوات الحصار المديدة التي خضعت لها في ظل العقوبات، ولجوئها إلى شبكات مالية موازية (غير رسمية وتندرج في إطار اقتصاد الظل، أو اقتصاد الحرب والسوق السوداء التي لازمته)، لتغطية حاجة السوق والشركات للعملة الصعبة. وهو ما ساهم بوجود شبكات فساد مافيوية (محلية وإقليمية) مستفيدة، تراكم الأموال الطائلة جراء هذا الوضع الشاذ. وهو ما يعني أن الأمور تحتاج إلى وقت حتى يتم تحييد تلك الشبكات المستفيدة، واستيفاء الشروط اللازمة لإعادة دمج المنظومة المالية المحلية مع النظام المالي الدولي.

وإلى ذلك، علينا أن ندرك أن “العقوبات” ليست هي السبب الوحيد في أزماتنا المعيشية والاقتصادية التي نعاني منها. فهنالك حزمة من الأسباب والعوامل التي تضافرت جميعها وأوصلتنا إلى الانهيار وحافة المجاعة التي تعاني منها الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب السوري. وعليه، فإن قرار رفع العقوبات لن يكون بمثابة “عصا سحرية” ستشق لنا فورًا طريق التعافي المالي والاقتصادي، وتنتشلنا من أزماتنا كافة وتعيدنا إلى المسار الطبيعي. هي في الواقع مجرد بداية لا أكثر.

وإذا تعاملنا معها على أنها بداية فحسب، فعلينا أن نحسن استخدامها وتوظيفها للولوج إلى المسار الصحيح لتجاوز أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء. وأولى العلامات الدالة على ذلك، يكمن في الجانب السياسي وفي الكيفية التي ستتعاطى وفقها الإدارة الجديدة مع رفع العقوبات.

فالخطوة التي أقدم عليها الرئيس ترامب هي “هدية” لكل السوريين. هي فرصة لهم جميعًا ليطووا صفحة بائسة من تاريخهم، ويبدؤوا صفحة جديدة، لـ”نرى ماذا ستفعلون”، كما عبر ترامب. وبالتالي فهي انتصار لكل السوريين الذين عانوا أشد المعاناة في السنوات الماضية، ومن الخطأ الفادح أن ينزلق البعض، (كما تضجّ بذلك وسائل التواصل الاجتماعي)، للتعامل معها كما لو أنها “مكافأة” للحكومة، أو من زاوية التركيز على المكاسب والمنافع التي قد تجنيها الحكومة وحدها، أو بأنها انتصار لطرف سوري على آخر.

أعتقد أنه من الخطأ التعامل معها على أنها ستُضفي على السلطة القائمة مزيدًا من الشرعية، أو التأييد للسياسات التي تنتهجها في الداخل، وخصوصًا لجهة عزل وتهميش بعض المكونات السورية وعدم إشراكها على نحو حقيقي وفعال في المسؤولية وصنع القرار، ناهيكم عن إطلاق يد ما يدعى بـ”الفصائل المنفلتة وغير المنضبطة” لتقوم بما ارتكبته من تجاوزات وانتهاكات في الساحل السوري، وفي بعض مناطق ريف دمشق وريف السويداء.

الشرعية الأهم التي تحصل عليها السلطة تجيء من داخل بلدها وليس من خارجه. هي التي يمنحها السوريون بمختلف مكوناتهم وأطيافهم، وليس الجهات الخارجية؛ لا الأميركية ولا غيرها. قوة السلطة وحصانتها تنبثق من الرضا والقبول الشعبي الداخلي أولا.

وبقدر ما يصح هذا المبدأ على السلطة، فإنه يصح كذلك على أي مكون أو طرف اجتماعي وسياسي سوري. فمصدر “شرعية” ومشروعية عمل ووجود هذه الطرف أو ذاك يتأتى من الداخل بالدرجة الأولى، من ثقله وتأثيره الاجتماعي، وليس من اعتماده على الخارج أو الاستقواء به. ومن هذا المنطلق، لعلّ خطوة رفع العقوبات تكون حافزًا ومشجعًا للجميع للتضامن والعمل معًا يدًا بيد لإعادة بناء سوريا وولادتها من جديد.

السياسة السليمة والنبيلة، عمومًا، هي التي تُبنى على إدراك المصالح الوطنية العليا، مصالح جميع السوريين، والقدرة على صوغ تلك المصالح في برامج وأهداف محددة، والدفاع عنها لتحوز على قبول أكبر نسبة ممكنة من السوريين. الحياة السياسة الطبيعية تُبنى كذلك على القدرة على النقد والمساءلة، وامتلاك الأدوات المناسبة لممارستهما، وليس على تقديس الرموز والشخصيات والانقياد الأعمى وراء السلطة أو أية جهة سياسية أخرى.

الترا سوريا

——————————-

ألعاب نارية وهتافات.. السوريون يواصلون احتفالاتهم برفع العقوبات الأميركية

15-مايو-2025

شهدت مختلف المدن السورية احتفالات واسعة النطاق عقب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عزم واشنطن رفع العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على سوريا منذ عقود. وتُعدّ هذه الخطوة تحوّلًا في مسار العلاقات السورية الأميركية، وتمهيدًا لوضع دمشق على طريق التعافي الاقتصادي بعد 14 عامًا من الحرب، في ظل المرحلة الجديدة التي بدأت مع سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات متعددة الطبقات على سوريا منذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد في 1979، قبل أن تأخذ مسارًا تصاعديًا خلال عهد نظام الأسد الابن منذ عام 2004، بلغت ذروتها عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في آذار/مارس 2011. ورغم أن هذه العقوبات كانت تستهدف المسؤولين والمقربين من نظام الأسد، لكنها أثّرت بشكل مباشر على حياة السوريين عامة، ما أغرق البلاد في أزمة اقتصادية حادة بلغت ذروتها مطلع العقد الجاري.

تاريخ جديد يكتب في سوريا

في خطوة مفاجئة تشير إلى عودة تدريجية لمسار العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق، شهدت العاصمة الرياض لقاءًا هو الأول من نوعه بين ترامب ونظيره السوري أحمد الشرع، والذي تخلله إعلان الرئيس الأميركي بدء واشنطن اتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع العقويات المفروضة على سوريا، مؤكدًا أن الشرع يملك الآن فرصة عظيمة لصنع تاريخ جديد في سوريا.

وفي كلمة متلفزة وجهها الرئيس الشرع للشعب السوري، أمس الأربعاء، أكد التزام دمشق بتعزيز المناخ الاستثماري، وتطوير التشريعات الاقتصادية، وتقديم التسهيلات اللازمة لتمكين رأس المال الوطني والأجنبي من الإسهام الفاعل في إعادة الإعمار والتنمية الشاملة، داعيًا المستثمرين من مختلف الجنسيات إلى الاستفادة من الفرص المتاحة في جميع القطاعات السورية.

وعقب إعلان ترامب عزمه رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، سجلت الدولار انخفاضًا حادًا في سعر الصرف المحلي وصل إلى نحو 8.300 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد مساء الثلاثاء، بعدما كان يتراوح في حدود 11.400 ليرة. وبعد سلسلة التقلبات المتتالية التي شهدتها أسعار الصرف، عاد اليوم الخميس إلى الاستقرار عند حاجز 9.800 ليرة سورية، وسط توقّعات بانخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية لحظة دخول إجراءات رفع العقوبات الأميركية حيز التنفيذ.

أطلقوا أبواق سياراتهم فرحًا

تشير صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إلى أنه في غضون ساعة من إعلان ترامب المفاجئ عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، انخفض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار. وأضافت أنه في حي باب توما الدمشقي، صاح بائع متجول باتجاه السيارات المارة: “كان 10,000، والآن أصبح 9,000!”، ليردّ عليه كثيرين بإطلاق أبواق سياراتهم فرحًا بهذه اللحظة التاريخية. ومع حلول منتصف الليل، واصل السعر تحسّنه، فيما أضاءت الألعاب النارية سماء العاصمة واحتشد المواطنون في الشوارع احتفالًا.

وفقًا لمشاهدات “واشنطن بوست”، كان حازم اللودة (31 عامًا)، وهو سائق سيارة أجرة،  يشاهد خطاب ترامب على هاتفه مساء الثلاثاء. يقول للصحيفة الأميركية: “أنا سعيد. أنا سعيد جدًا”، وأضاف أنه عمل لساعات طويلة ليوفر لقمة العيش، حتى أن زيارة صديق تطلبت مرطبات، جعلته يقطع مسافات إضافية لشرائها.

قال اللودة في حديثه: “الولايات المتحدة ادعت أن هذه العقوبات تستهدف الأسد، لكننا، نحن الشعب، من عانى أكثر من غيره”، مشددًا على أن النظام لم يتأثر فعليًا، في حين وجدت الطبقة الثرية وسائل للالتفاف على العقوبات. وأضاف: “رأينا سياراتهم الفاخرة تجوب الشوارع أمامنا، بينما لم نكن نملك القدرة على شراء أي شيء صُنع بعد عام 2011”.

وفي مقهى الروضة، أحد المقاهي الدمشقية المعروفة، والمفعم بدخان الشيشة والسجائر، صفق الزبائن ورقصوا على أنغام الموسيقى حتى وقت متأخر من الليل. وعندما سُئل أحد النُدُل، عز الدين صالحة (25 عامًا)، عمّا يحتاجه الناس اليوم، أجاب ببساطة: “أساسيات الحياة”، لافتًا إلى أن قرار الرئيس ترامب سيساعد سوريا “على بدء عملية إعادة الإعمار، وسيخلق فرص عمل للشباب وللجميع”.

الأمور ستتغير الآن

وفي السياق ذاته، أفاد موقع “إن بي سي نيوز” الأميركي أن إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا لاقى ترحيبًا واسعًا بين السوريين والناشطين، الذين كانوا يطالبون منذ سنوات بتخفيف القيود المفروضة بهدف إعادة إعمار البلاد المدمّرة، وهي عملية قدّرت تكلفتها بنحو 400 مليار دولار.

وعندما صرّح ترامب أمام جمهور سعودي قائلًا: “سنرفعها جميعًا”، خرجت ربة المنزل دلال قلاب إلى الشوارع برفقة أطفالها، في لحظة غامرة من الفرح. وقالت قلاب، وهي أم لأربعة أطفال من مدينة اللاذقية الساحلية: “قال ترامب إنه سيمنحنا فرصة، ونحن نستحقها”، مضيفة: “بعد 14 عامًا، شعرت أن الرئيس الأميركي يهتم لأمرنا. لقد كانت لحظة تاريخية منحتنا الأمل بحياة أفضل”.

ورأى كثيرون في القرار الأميركي فرصة للراحة بعد سنوات قاسية من العقوبات التي جعلت سوريا من بين أكثر الدول خضوعًا للقيود الاقتصادية على مستوى العالم. قال ناصر عيدو، وهو محامٍ يبلغ من العمر 49 عامًا، فرّ إلى النرويج خلال الحرب ثم عاد إلى دمشق بعد سقوط الأسد: “آمل أن أرى سوريا مثل الإمارات أو قطر أو السعودية”، وأضاف مؤكدًا: “أنا واثق من قدرتنا على تحقيق ذلك. لقد نهب النظام القديم موارد البلاد، وأبقى الشعب فقيرًا وجائعًا”.

أما جمانة حايك، الطالبة الجامعية البالغة من العمر 23 عامًا من مدينة حلب، فتحدثت عن معاناتها في ظل العقوبات، قائلة: “كان إرسال الأموال إلى سوريا أمرًا محفوفًا بالخطر بسبب العقوبات الأميركية والدولية”. وأضافت: “كان شقيقي يرسل لي 100 يورو شهريًا من ألمانيا، وهو مبلغ بسيط لكنه كان يعرّضه للخطر، كما كنّا نحن معرّضين للمساءلة عند استلامه”. وختمت حديثها بالقول: “لقد عانينا كثيرًا، لكن الأمور ستتغير الآن”.

الترا صوت

—————————

==============================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى