سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعمنوعات

سُلاف فواخرجي في مصر: دعم فنّي أم إعادة تدوير موقف سياسي؟/ إيمان عادل

19.05.2025

سُلاف فواخرجي لم تكن فقط مؤيّدة للأسد، بل كرّست مسيرتها للدفاع عن روايته الرسمية، حتى لحظة انكشاف الجرائم، ولم يكن دعمها مجرّد “رأي سياسي”، بل انخراط رمزي في تبييض نظام دموي، ورغم ذلك، لم يأتِ الدفاع عنها من زملائها السوريين (إلا القليل) بل جاء بحرارة من القاهرة.

مع قرار نقابة الفنانين السوريين الأخير بشطب عضوية الممثّلة سُلاف فواخرجي من سجّلاتها، على خلفية مواقفها السابقة المؤيّدة لنظام بشّار الأسد، تصدّر عدد من الفنّانين المصريين المشهد بتصريحات تضامنية معها، ما فتح باباً واسعاً للتساؤلات، هل هذا الدعم فعلاً، انتصار لحرّية التعبير؟ أم امتداد طبيعي لموقف سياسي- ثقافي قديم، راسخ، ومزمن؟

إنها المرّة الأولى التي يتقاطع فيها موقف فنّانين مصريين مع الأنظمة السلطوية العربية. فالمعروف أن عدداً منهم وقفوا إلى جانب نظام بشّار الأسد منذ بدايات الثورة السورية، مثل إلهام شاهين، ومحمد صبحي، وفاروق الفيشاوي وغيرهم، وزاروا دمشق وشاركوا في مهرجانات رسمية في عزّ الحرب، وأدلوا بتصريحات مؤيّدة لمعركة الأسد ضدّ “المعارضة الإسلامية المسلّحة”.

إلهام شاهين قبل ثماني سنوات، قالت إن “من العقل مناصرة الجيش السوري ضدّ “داعش” الجنسيّات الغريبة عن الشعب السوري والمأجورة، ولو حصلت انتهاكات، فهذا هو منطق الحرب”، واعتبرت بشّار الأسد “حاكماً يحمي بلاده من المرتزقة”.

توقّع البعض أن إلهام شاهين ستتراجع عن موقفها بعد سقوط بشّار الأسد، لكن بسبب أن من أسقطه جماعة إسلامية مسلّحة انشقت عن “القاعدة”، فإنها ما زالت تتمسّك بموقفها، وترفض وصف بشّار الأسد بـ”مجرم حرب”.

محمد صبحي قال أيضاً عقب زيارته سوريا في ٢٠١٧؛ وواجه هجوماً وقتها: “إذا كنتم سوريين رافضين النظام، فالأولى والأشجع لكم أن تذهبوا إلى تغيير النظام، أما إذا كنتم غير سوريين، فعليكم أن تتركوا النظام لأهل البلد، فهم كفيلون به”.

ورغم شائعة تأييد عادل إمام لبشّار الأسد، فإن “الزعيم” كان يقرّر دائماً إمساك العصا من المنتصف، لأنه بحكم ما علّمته التجارب، يرى أن الأنظمة لا رهان عليها، وبالتالي لم يضع تاريخه تحت رحمة موقف قد يُحسَب ضدّه يوماً ما، وكان أكثر دبلوماسية حين قال: “ليس المهم أنني أؤيّد أو أعارض الثورة السورية… المهم، بل الأهمّ أن يتوقّف حمّام الدم الذي يسيل على تراب الأرض السورية”.

دعم فنّي أم إعادة تدوير موقف سياسي؟

دعم طيف من  الوسط الفنّي في مصر لسُلاف فواخرجي، بدا في شكله الظاهري وقوفاً في وجه معاقبة الفنّ ومحاصرة حرّية التعبير، لكنه قد يُخفي وراءه عقدة الإسلام السياسي عند الفنّانين المصريين، بدليل أن الفنّانين المصريين، لم يدينوا فصل  أكثر من ٢٠٠ فنّان سوري من نقابتهم في عهد بشّار الأسد، ولم يدينوا ولو ببيان، ما تعرّض له فنّانون سوريون آخرون، أمثال: مي سكاف، وسمر كوكش، وزكي كورديللو وغيرهم، ممن لاحقهم نظام الأسد واعتقلهم.

سُلاف فواخرجي لم تكن فقط مؤيّدة للأسد، بل كرّست مسيرتها للدفاع عن روايته الرسمية، حتى لحظة انكشاف الجرائم، ولم يكن دعمها مجرّد “رأي سياسي”، بل انخراط رمزي في تبييض نظام دموي، ورغم ذلك، لم يأتِ الدفاع عنها من زملائها السوريين (إلا القليل) بل جاء بحرارة من القاهرة.

منذ ثورة 2011، عاش الوسط الفنّي المصري تجربة صعود التيّار الإسلامي إلى الحكم، وما تبعه من تهديد مباشر لحرّية التعبير والفنون. فنّانتان مثل إلهام شاهين ووفاء عامر تعرّضتا لحملات تشويه من إعلاميين ذوي توجّهات دينية. الفنّان محمد صبحي نفسه، حُوصر إعلامياً في تلك الفترة بسبب مواقفه الفكرية المستقلّة، لذلك، بدا النظام السوري بالنسبة إليهم “أهون الشرّين”: نظام علماني قمعي، أفضل من دولة دينية محتملة.

كانت إلهام شاهين من أبرز الأصوات الفنّية التي تصدّت لتوجّهات جماعة “الإخوان المسلمين”، فقد أعلنت رفضها لحكمهم منذ البداية، مؤكّدة أن “الجماعة تسعى إلى تغيير هوّية مصر الثقافية والفنّية”.

تعرّضت شاهين لهجوم شرس عبر بعض القنوات الدينية، خاصّة قناة “الحافظ”، التي استهدفتها بشكل مباشر، ورغم ذلك، لم تتراجع عن موقفها، بل قامت برفع دعوى قضائية ضدّ القناة، انتهت بحكم قضائي بإغلاقها، وهو ما اعتبرته انتصاراً للفنّ وحرّية التعبير.

في تصريحاتها، أكّدت شاهين أنها تلقّت تهديدات بالقتل خلال فترة حكم “الإخوان”، لكنّها لم تخشَ هذه التهديدات، واستمرّت في الدفاع عن حرّية الفنّ والفنّانين، كما شاركت في أعمال فنّية تناولت قضايا التطرّف والإرهاب، مثل مسلسل “بطلوع الروح”، إنتاج “شركة الصبّاح” اللبنانية.

الأسد أو الجهاديون؟

تعلم سُلاف فواخرجي أن فنّاني مصر هم الحاضنة الموضوعية لحالتها، وهي الآن في وضع أقرب إلى “التمسّح” بهم، وتظهر بشكل يومي في صور مع رموز فنّية مصرية، وتحضر الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية بشكل منتظم، وتوثّقها على صفحتها.

 وجود فواخرجي قرب بعض الفنّانين المصريين ليس قرباً ودّياً فقط، بل محاولة التصاق بانتقائيتهم الأخلاقية، وسرديتهم الراسخة، وهي: “إذا لم يحكم الأسد، فسيحكم الجهاديون”، وهو ما يعتبره بعض الفنّانين المصريين أمراً ممقوتاً ومنفّراً حتى لو ارتضاه الشعب السوري، وذلك بسبب جروحهم التي ما زالت طازج، بسبب حكم الإسلام السياسي لمصر بين العامين ٢٠١٢ و ٢٠١٣، أما بتضامنهم الصاخب مع فواخرجي، فهم يرسّخون من جديد خطاباً قديماً، يرى في أي تغيير شعبي خطراً وجودياً، وفي “الاستقرار” السلطوي خلاصاً، ولو جاء على حساب إرادة الشعوب.

الحالة الفواخرجية بمعزل عن قمعها

بعد سقوط نظام الأسد بأيّام، كتبت فواخرجي على صفحتها الشخصية على “فايسبوك”: “لن أتنكّر لما كنت عليه سابقاً، ولم أكن خائفة ولن أكون. طلب إلي البعض أن أمسح صوراً لي… ولكن إن مسحتها هل ستُنسى وكأنها لم تكن؟ وهل سأتنكّر أنا لها؟ بناء على طلب الأصدقاء من الطرفين، سأمسح بعضها، لكنّ الصور منتشرة وموجودة، ولأن تاريخ أي منّا لا نستطيع محوه متى شئنا، أو طُلب إلينا”، وربما تقصد هنا صورها مع بشّار الأسد، التي فعلاً لم تعد موجودة على صفحتها. 

خطوة انسحابية ومبادرة تصالحية سريعة، لكنّها رُفضت شعبياً ونقابياً، وعُوقبت فواخرجي وهُوجمت على كلا الموقفين: المؤيّد لبشّار والمنسحب لاحقاً، وعلى رغم اختلاف الآراء حول فصلها من النقابة، وحول دور هذه المؤسّسة ومهمّتها في الدفاع عن الفنّانيين، فإن الحميّة الثورية غلبت على جوّ النقابة، وأعادت بعض الفنّانين المفصولين، ومنحت عضوية شرفية للمغنّي اللبناني فضل شاكر، وحوّلت النقابة غير المنتخبة إلى ما يشبه مؤسّسة توزيع صكوك وطنية!

في تصريحات سابقة لسُلاف فواخرجي، ذكرت أن سوريا كانت مستقرّة حتى حصلت الاحتجاجات، وأن الشعب كلّه تضرّر اقتصادياً، وهو ما ساءها، رغم أن مقدار ضررها لا يمكن أن يُقارن بمن قُتلوا أو سُجنوا لعقود، أو هُجّروا من بلدهم، ووصفت بشّار الأسد وقتها بصمام الأمان لسوريا.

كانت سُلاف فواخرجي جزءاً من فئة موجودة دائماً عند أي شعب: من يحكم بما يراه أمام عينيه فقط، وفي محيط طبقته، ووضعه وأمانه الشخصي، ولا يطلب سوى نجاته هو، حتى ولو كانت نجاة فردية على حساب مئات الآلاف غيره.

وفي موقفها الواضح والداعم لبشّار الأسد، ظنّت سُلاف فواخرجي أنها في المساحة المضمونة، فنظام الأسد كان من المستحيل أن يسقط، على الأقل قبل السنوات العشرة الأخيرة. كانت تلك الهتافات التي طالبت بسقوطه أشبه بضرب من الجنون، وكان السوريون يعلمون ذلك، ويرون كيف مدّت عائلة الأسد جذورها نحو البقاء الأبدي في الحكم، جيلاً بعد جيل. وربما ظنّت أن ذلك؛ وإن حدث، فستكون قد عاشت حياتها، وربما عاش جيل أو جيلان من عائلتها في حياة مضمونة من دون خسائر.

لم تتطلّع سلاف فواخرجي أبعد من موطئ قدميها. لكن، هل هذه “السذاجة” تُعدّ جريمة يُحاسب عليها القانون أو العدالة؟ سُلاف فواخرجي دخلت بقدميها في مأزق أخلاقي، واعتذرت عنه وبرّرته، لكنّها أصرّت لاحقاً على التمسّك بالتمسّح بـ”السيّد الرئيس”، والحديث عن مناقبه!

يعترض البعض ليس فقط على شطب فواخرجي من نقابة الفنّانين السوريين، بل أيضاً على كونها وجدت حاضنة فنّية مرحّبة في مصر، وكأن الحكم الصادر بحقّها الآن، هو عزلها فنّياً واجتماعياً عن أي شبر في الوطن العربي.

ما حدث مع سُلاف فواخرجي هو أول الخيط للاسترشاد بأن القمع المهني في مرحلة ما بعد الاستبداد، هو اختبار حقيقي لمدى نضج قوى التغيير. العراق مثال صارخ على ما لا ينبغي فعله. وسوريا بعد سقوط النظام، أمام خيارين: العدالة المنصفة، أو إعادة إنتاج الكراهية باسم الانتقام

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى