العدالة الانتقاليةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

العدالة الانتقالية تحديث 19 أيار 2025


مقالان في “العدالة الإنتقالية/ فضل عبدالغني

المقال الأول

هكذا سيُحاسب المجرمون السابقون في سوريا/ فضل عبد الغني

11/5/2025

شهد يوم الأحد، 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، منعطفًا تاريخيًا في المشهد السوري مع إعلان سقوط نظام بشار الأسد، وسيطرة إدارة العمليات العسكرية، متبوعًا بتعيين حكومة تسيير أعمال مؤقتة.

يأتي هذا التحول بعد أربعة عشر عامًا من النزاع المسلح الدموي الذي بدأ مع انطلاق الحراك الشعبي السلمي في مارس/ آذار 2011، عندما خرج السوريون مطالبين بالحرية والكرامة وبناء دولة ديمقراطية تقوم على انتخابات حرة ونزيهة.

مع نهاية حقبة حكم آل الأسد التي امتدت لأكثر من نصف قرن، تواجه سوريا تحديات هائلة تتطلب إرساء أسس جديدة للعدالة والسلم الأهلي. وفي هذا السياق، تبرز العدالة الانتقالية كنهج أساسي للانتقال من مرحلة النزاع إلى مرحلة الاستقرار وبناء الدولة.

لعبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان دورًا محوريًا في توثيق الانتهاكات بشكل يومي منذ عام 2011. فقد عملت على بناء قاعدة بيانات شاملة تضم ملايين الحوادث، وأصدرت أكثر من 1800 تقرير وبيان، تضمنت تقارير يومية وشهرية تغطي سنوات النزاع. وقد شكلت هذه التوثيقات أساسًا متينًا يمكن الاستناد إليه في أي مسار للعدالة الانتقالية في سوريا.

وفقًا لتوثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن النزاع السوري خلّف حصيلة مروعة من الانتهاكات، تشمل:

    مقتل ما لا يقل عن 234 ألف مدني، بينهم 202 ألف قتلوا على يد قوات نظام الأسد.

    توثيق 181 ألف حالة اعتقال تعسفي وإخفاء قسري، بينهم 160 ألف مختفٍ قسريًا على يد النظام، بينهم 3.736 طفلًا و8.014 سيدة.

    وفاة ما لا يقل عن 45.336 شخصًا تحت التعذيب، بينهم 45.031 شخصًا على يد قوات النظام.

    استخدام أسلحة مدمرة على نطاق واسع، بما في ذلك إلقاء 81.916 برميلًا متفجرًا، وتنفيذ 217 هجومًا بأسلحة كيميائية، و252 هجومًا بذخائر عنقودية، و51 هجومًا بأسلحة حارقة.

    نزوح وتشريد نحو 13.8 مليون سوري، بينهم 6.8 ملايين نازح داخليًا وقرابة 7 ملايين لاجئ خارج البلاد.

هذه الإحصاءات المروعة تعكس حجم المأساة السورية وتبرز الحاجة الملحة لتبنّي مسار شامل للعدالة الانتقالية يعالج هذا الإرث الثقيل من الانتهاكات، ويضمن عدم تكرارها، ويمهد الطريق نحو بناء سوريا جديدة قائمة على أسس العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.

وهذا ما تحاول رؤية الشبكة السورية لحقوق الإنسان للعدالة الانتقالية في سوريا تقديمه. تتميز هذه الرؤية التي صدرت قبل أيام، بكونها نهجًا شاملًا يسعى لمعالجة جذور المشكلات التي عانت منها سوريا عبر عقود، وتحقيق تحوّل نوعي في بنية الدولة السورية ومؤسساتها.

تقترح الشبكة في رؤيتها إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية تشكل المحور الرئيسي لتنفيذ برامج العدالة الانتقالية، وتتسم بالاستقلالية والشمولية والشفافية.

كما تؤكد الرؤية على ضرورة تطبيق الأركان الأربعة للعدالة الانتقالية بشكل متزامن ومتكامل، بحيث تتضافر جهود المحاسبة الجنائية مع مساعي كشف الحقيقة وبرامج جبر الضرر وإصلاح المؤسسات.

وتولي الرؤية اهتمامًا خاصًا بالمشاركة المجتمعية الواسعة في مسار العدالة الانتقالية، مع التركيز على دور الضحايا ومنظمات المجتمع المدني، وأهمية التعاون الدولي كداعم أساسي للعملية، مع الحفاظ على الملكية الوطنية للمسار بأكمله.

ونحاول في هذا المقال رصد عدد من هذه الجوانب التي غطتها الرؤية، على أن نكملها في مقال لاحق.

1- الإطار المفاهيمي للعدالة الانتقالية

العدالة الانتقالية في الحالة السورية هي مجموعة من الآليات القانونية وغير القانونية التي تهدف إلى معالجة الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان التي حدثت أثناء النزاع، وخاصة تلك التي ارتكبها نظام الأسد، من أجل تحقيق العدالة للضحايا، ومحاسبة المسؤولين، وتعزيز المسار نحو سلام دائم يستند إلى القانون وحقوق الإنسان.

ترتكز العدالة الانتقالية في سوريا على أربعة أركان أساسية متكاملة: أولها؛ المحاسبة الجنائية، التي تشكل حجر الزاوية لتكريس سيادة القانون وتقويض سياسة الإفلات من العقاب، مع التركيز على محاسبة القيادات العليا المتورطة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ثانيها؛ الحقيقة والمصالحة، التي تهدف إلى توثيق الانتهاكات، وتحديد مصير المفقودين والمختفين قسريًا (الذين يتجاوز عددهم 160 ألف شخص)، وتعزيز المصالحة المجتمعية.

ثالثها؛ جبر الضرر والتعويض، الذي يشمل التعويض المادي للضحايا وذويهم، وبرامج جبر الضرر المعنوي وتخليد الذكرى.

رابعها؛ إصلاح المؤسسات، خاصة القضائية والأمنية والعسكرية، لضمان عدم تكرار الانتهاكات واستعادة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.

تُعد العدالة الانتقالية ركيزة أساسية لنجاح الانتقال السياسي في سوريا، إذ لا يمكن تحقيق استقرار مستدام دون التصدي للانتهاكات السابقة وضمان عدم تكرارها. فهي تهيئ الأرضية لنظام سياسي قائم على سيادة القانون والمساءلة، مما يعزز الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع، ويفتح المجال لمرحلة جديدة قائمة على التعددية والديمقراطية.

كما أنها تسهم في معالجة الأسباب الجذرية للنزاع وتفكيك منظومات القمع والاستبداد التي سادت لعقود، مما يمنع انزلاق البلاد نحو دورات جديدة من العنف.

2- إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية

يقوم الإطار الدستوري والقانوني لهذه الهيئة على ركائز محددة، حيث يتولى المجلس التشريعي المُشكل بعد صدور الإعلان الدستوري مسؤولية وضع قانون تأسيسي ينظم مسار العدالة الانتقالية.

يستند هذا القانون إلى القوانين الوطنية والدولية، ويتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويتضمن فصولًا رئيسة تشمل التعريفات والمبادئ العامة، وهيكلية الهيئة، وآليات العدالة الانتقالية، وإصلاح المؤسسات.

تتألف هيكلية الهيئة من مجلس إدارة يضم خبراء قانونيين وممثلين عن المجتمع المدني والضحايا، وأمانة عامة تعمل كجهاز تنفيذي، تشمل فرقًا إدارية وقانونية، ومالية، وإعلامية، وتقنية.

كما تضم الهيئة مكاتب محلية في كافة المحافظات السورية، وقسمًا للعلاقات الدولية يتولى التنسيق مع الجهات الدولية، وقسمًا للمراقبة والتقييم.

وتتمتع الهيئة بصلاحيات واسعة تشمل استدعاء الشهود، وجمع الأدلة، والاطّلاع على الوثائق الرسمية والخاصة، والتحقيق في الانتهاكات، والطلب من القضاء إصدار أوامر توقيف، مع إلزام جميع الكيانات الحكومية بالتعاون معها.

لضمان استقلالية الهيئة، ينصّ القانون التأسيسي بوضوح على استقلالها الكامل عن السلطة التنفيذية، حمايةً لها من التدخل السياسي. كما تُخصص للهيئة ميزانية مستقلة تُقرّ من قبل السلطة التشريعية، بما يضمن عدم تبعيتها ماليًا للسلطة التنفيذية.

وعلى الرغم من استقلالها عن وزارة العدل، تعمل الهيئة في ظل النظام القضائي السوري، متولية مهام الكشف عن الحقيقة وتوثيق الانتهاكات وتعويض الضحايا، والمساهمة مع السلطة القضائية في تشكيل محكمة خاصة لمحاسبة مرتكبي الجرائم الجسيمة.

فيما يتعلق بمعايير اختيار أعضاء الهيئة، تُعتمد الكفاءة والنزاهة أساسًا، حيث يجب أن يمتلك الأعضاء خبرة واسعة في مجالات حقوق الإنسان أو القانون، مع سجل نظيف من أي تورط في الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان.

كما يراعى التنوع والتمثيل، بحيث تعكس الهيئة تنوّع المجتمع السوري من حيث الجنس والعرق والدين والخلفية الجغرافية، مع ضرورة استقلال الأعضاء عن الأحزاب السياسية والفصائل المختلفة.

أما آلية التعيين، فتبدأ بتشكيل لجنة توصية تضم خبراء مستقلين وممثلين عن القضاء والمجتمع المدني والضحايا، لترشيح الأسماء المقترحة، ثم انتخاب عشرة منهم لتشكيل مجلس إدارة الهيئة، الذي يتولى بدوره تعيين واختيار فريق العمل وفق معايير الكفاءة والخبرة، مع مراعاة تمثيل الجهات المعنية بالعدالة الانتقالية وعلى رأسها الضحايا.

3- المحاسبة الجنائية

تشكل المحاسبة الجنائية حجر الزاوية في عملية العدالة الانتقالية، إذ تلعب دورًا محوريًا في تكريس سيادة القانون، وتقويض سياسة الإفلات من العقاب التي سادت خلال حكم الأسد.

وقد حدّدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان نهجًا واضحًا لتحديد الأولويات في المحاسبة، يركّز على القيادات العليا من الصفَّين الأول والثاني في الجيش وأجهزة الأمن، باعتبارهم المسؤولين الرئيسين عن وضع خطط الانتهاكات والإشراف على تنفيذها.

ويمثل هذا النهج إستراتيجية واقعية للتعامل مع التحديات اللوجيستية والمالية التي تواجه عملية المحاسبة الشاملة، مع ضمان فتح المجال أمام الضحايا لرفع دعاوى قضائية ضد المسؤولين المباشرين عن معاناتهم، بغض النظر عن رتبهم أو مناصبهم.

يتطلب تحقيق المحاسبة الجنائية إطارًا قانونيًا خاصًا، نظرًا لعدم توافق القوانين المحلية السابقة مع المعايير الدولية، وافتقارها إلى أحكام واضحة لمعالجة الجرائم الكبرى.

لذا، تقترح الرؤية إنشاء لجان قانونية مختصة مؤلفة من خبراء محليين ودوليين لصياغة قوانين جنائية جديدة، تشمل تعديلات جوهرية مثل: إدراج تعريفات واضحة للجرائم الدولية كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، إلغاء القوانين التي توفر الحصانة للمسؤولين، تطوير تشريعات تتيح محاكمة الجرائم بأثر رجعي، وضع قوانين تحدد صلاحيات المحاكم المكلفة بالنظر في الانتهاكات الجسيمة، وضمان الحماية القانونية للضحايا والشهود.

كما تدعو الرؤية إلى التصديق على نظام روما الأساسي أو قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة 12(3)، بما يسمح للمحكمة بالتحقيق في الجرائم المرتكبة منذ مارس/ آذار 2011.

تلعب لجان تقصي الحقائق دورًا محوريًا في جمع الأدلة الجنائية اللازمة للمحاسبة، من خلال الوصول إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية لجمع الملفات والوثائق التي تكشف عن هويات المعتقلين والمختفين قسريًا وضحايا التعذيب.

تشمل هذه المؤسسات الأفرع الأمنية والسجون، دوائر السجل المدني، المشافي العسكرية والمدنية، المحاكم والدوائر القضائية، ومراكز رعاية الأيتام.

كما تقوم اللجان بتحليل البيانات، وإجراء تحقيقات ميدانية، وإعداد تقارير مفصلة تتضمن نتائج التحقيقات وتحديد المسؤولين المحتملين عن الانتهاكات، مع تقديم توصيات للإصلاح والمساءلة.

وتعتمد هذه اللجان على مبادئ الاستقلال والنزاهة والتعاون مع منظمات المجتمع المدني والشفافية والمشاركة العامة، مع الاستفادة من خبرات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية التي وثّقت الانتهاكات.

نظرًا لفقدان القضاء السوري استقلاليته ومحدودية موارده، تقترح الرؤية تشكيل محاكم خاصة مختلطة متخصصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

تتميز هذه المحاكم بكونها هيئات قضائية مؤقتة، تجمع بين العناصر الوطنية والدولية، مما يوازن بين الملكية المحلية والمعايير الدولية. يتم إنشاؤها على الأراضي السورية بواسطة النظام القضائي المحلي بالتعاون مع خبراء دوليين، وتتكون من قضاة ومحامين سوريين موثوقين وخبراء دوليين.

تعمل هذه المحاكم بشكل مستقل تمامًا عن السلطة التنفيذية، وتخضع للرقابة المدنية من قبل منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، مع العمل ضمن إطار قانوني محلي يحترم المعايير الدولية.

لملاحقة المسؤولين الفارين خارج البلاد، تقدم الرؤية مجموعة من الآليات الدولية، منها: طلب التعاون الدولي استنادًا إلى معاهدات دولية كاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أو اتفاقيات تسليم المجرمين، الاستفادة من مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي تعتمده بعض الدول ويسمح لها بمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية حتى إذا ارتُكبت خارج أراضيها، واستخدام الاتفاقيات الثنائية والإقليمية لتسليم المطلوبين.

تواجه هذه الآليات تحديات متعددة، أبرزها احتمالية فرار المتهمين إلى دول ترفض تسليمهم، وغياب الالتزام القانوني للدول بالتسليم في حال عدم وجود اتفاقيات، وبطء الإجراءات الدولية.

لمواجهة هذه التحديات، توصي الرؤية بتعزيز الضغوط الدولية، التفاوض على اتفاقيات ثنائية جديدة للتسليم، ممارسة ضغوط اقتصادية ودبلوماسية على الدول المؤوية للمتهمين، وتقديم أدلة قوية تدينهم أمام المحاكم الدولية.

4- الحقيقة والمصالحة

يمثل كشف الحقيقة ركنًا أساسيًا في مسار العدالة الانتقالية، كونه يساهم في معالجة إرث الانتهاكات وبناء الثقة المجتمعية، مما يمهّد الطريق نحو المصالحة الوطنية.

توثيق الانتهاكات وتحديد مرتكبيها يكتسب أهمية بارزة في السياق السوري لعدة أسباب، أبرزها: الكشف عن حقيقة الانتهاكات وآثارها المجتمعية، تحديد المسؤولين سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات، رأب الصدوع المجتمعية، وبناء ذاكرة وطنية جامعة.

تتطلب هذه العملية جمع شهادات من جميع الأطراف، بمن في ذلك المتورطون في الانتهاكات، مما يساعد في فهم البنية التنظيمية للانتهاكات وبناء السرد التاريخي وتخفيف الضغط عن النظام القضائي، إضافة إلى دعم المصالحة والشفاء المجتمعي.

ولمواجهة التحديات في هذا المسار، تقترح الرؤية تطبيق نظام العفو المشروط للأفراد الذين يعترفون بمسؤوليتهم ويقدمون معلومات قيمة، وإتاحة خيارات السرية للشهادات، وتنظيم جلسات استماع عامة خاضعة لضوابط، واعتماد نهج يركز على الضحايا.

بعد سقوط النظام السابق وفتح مراكز الاحتجاز، تقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن أكثر من 160.123 شخصًا لا يزالون قيد الاختفاء القسري على يد النظام السابق، إضافة إلى ما لا يقل عن  16.898 مختفيًا قسريًا على يد بقية أطراف النزاع.

يشكل الكشف عن مصير هؤلاء المفقودين ركيزة أساسية في مسار الحقيقة، ويستلزم تشكيل لجان متخصصة تضم خبراء في التحقيقات الجنائية، الطب الشرعي، علماء الجينات والأنثروبولوجيا، إضافة إلى ممثلين عن المنظمات الدولية المختصة مثل المؤسسة المستقلة للمفقودين (IIMP) واللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP).

تعمل هذه اللجان بالتعاون مع السلطات الوطنية، المنظمات الحقوقية، الهيئات القضائية، وروابط الضحايا وذوي المختفين قسريًا، مما يضمن شمولية العملية وفاعليتها.

تشكل المقابر الجماعية نقطة انطلاق رئيسة لعمل لجان البحث عن المفقودين، إذ تم الكشف بعد سقوط النظام عن عشرات المواقع التي تحوي رفات المختفين قسريًا الذين قتلوا تحت التعذيب.

تتضمن خطوات التعامل مع هذه المواقع: حمايتها فورًا باعتبارها مسارح جريمة، إجراء البحث الميداني المنهجي وفق بروتوكولات دولية معتمدة، جمع الأدلة الجنائية لدعم التحقيقات، توثيق البيانات بدقة، إجراء تحقيقات شاملة تستند إلى المعايير الدولية، تحديد هويات الضحايا باستخدام تقنيات متطورة كتحليل الحمض النووي، والتواصل المستمر مع ذوي الضحايا ثم تسليمهم الرفات لدفنه بطريقة لائقة.

تلعب لجان الحقيقة دورًا محوريًا في تعزيز المصالحة المجتمعية، إذ تتجاوز المحاسبة الجنائية لتشمل آليات محلية تعالج المظالم وتبني الثقة. تشرف هذه اللجان على تشكيل مجالس عرفية ولجان مصالحة في المحافظات السورية، تضم وجهاء المجتمع وشخصيات قيادية ورجال دين، وتعمل على تسوية النزاعات المحلية، إعادة الحقوق إلى أصحابها، تعزيز المصالحة المجتمعية، ضمان الاعتذار والاعتراف بالمسؤولية، نشر ثقافة السلم الأهلي، وإعادة دمج المتضررين في المجتمع.

ويمكن الاستفادة من تجارب المجتمعات العشائرية في سوريا التي طورت آليات للصلح تشمل المسامحة ودفع الدية وتقديم الاعترافات العلنية.

تشكل هذه المحاسبة المحلية نهجًا رديفًا للمحاسبة الجنائية، يشجع الجناة الأقل تورطًا على الاعتراف والمشاركة في إصلاح الأضرار، مما يعزز العدالة التصالحية ويساهم في بناء آليات مستدامة لحل النزاعات ومنع دورات جديدة من العنف الانتقامي.

برامج جبر الضرر والتعويض

تُشكل برامج جبر الضرر والتعويض عنصرًا حيويًا في مسار العدالة الانتقالية السورية، وذلك لمعالجة الأضرار الهائلة التي خلفها النزاع والتي وثقتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بما فيها مقتل أكثر من 234 ألف مدني، واختفاء نحو 177 ألف شخص قسريًا، ووفاة أكثر من 45 ألف شخص تحت التعذيب، وتشريد نحو 13.8 مليون سوري.

تتنوع آليات التعويض المادي للضحايا وذويهم لتشمل: منح مادية مباشرة تُصرف دفعة واحدة أو على شكل رواتب طويلة الأجل للأرامل والأيتام، خدمات تفضيلية كالرعاية الصحية والتعليم المجاني، إعادة حقوق الملكية من خلال لجان محلية متخصصة لحل النزاعات على الممتلكات، تمويل مشاريع الإسكان عبر منح أو قروض بدون فوائد، دعم إعادة التأهيل الاقتصادي للأفراد، برامج تعويضات جماعية للمجتمعات المتضررة، تعويضات لخسائر الدخل، وتأهيل البنى التحتية في المناطق المتضررة.

إلى جانب التعويضات المادية، تُولي الرؤية اهتمامًا كبيرًا لبرامج جبر الضرر المعنوي وتخليد الذكرى، التي تساهم في تضميد جراح الضحايا والاعتراف بمعاناتهم واستعادة كرامتهم.

تشمل هذه البرامج: إعادة تأهيل الضحايا نفسيًا واجتماعيًا، تقديم الدعم القانوني لمساعدتهم في المطالبة بحقوقهم، إنشاء نصب تذكارية كبرى في المناطق الأكثر تضررًا ونصب محلية مصغرة، تخصيص أيام تذكارية وطنية مصحوبة بفعاليات عامة ومعارض، إنشاء متاحف ومراكز توثيق تعرض شهادات الضحايا والصور، تطوير أرشيفات رقمية، إطلاق أسماء الضحايا على الأماكن العامة، تنظيم فعاليات ثقافية تخلد ذكراهم، تشجيع الاعتذارات العلنية والاعتراف بالتضحيات، إدماج إرث الثورة في المناهج التعليمية، وتنظيم عمليات شاملة لإحياء الذكرى بمشاركة أسر الضحايا والمجتمع المدني.

لتنفيذ هذه البرامج، تقترح الرؤية تشكيل لجان متخصصة للتعويض وجبر الضرر، تضم ممثلين حكوميين وقضاة وحقوقيين، ممثلين عن المجتمع المدني، ممثلين عن الضحايا وذويهم، ومستشارين دوليين؛ لضمان تنفيذ العملية وفق المعايير الدولية.

تتولى هذه اللجان تحديد الفئات المستهدفة بالتعويضات، أنواع الأضرار القابلة للتعويض، وضع آليات لتقدير حجم الضرر والتعويض المناسب، تصميم هيكلية للتعويضات تشمل التعويضات الفردية والجماعية والخدماتية، وتحديد كيفية توزيع التعويضات ضمن إطار زمني محدد.

ولتحديد قيمة التعويضات بشكل عادل، يجب التعاون مع المحكمة الجنائية الخاصة والاستفادة من توصيات لجان الحقيقة، مع أهمية التشاور مع المجتمعات المتضررة، وضمان احترام كرامة الناجين، وفرض آليات رقابة صارمة تضمن نزاهة وشفافية العملية.

تواجه برامج التعويض تحديات كبرى، أبرزها نقص الموارد المالية في ظل الدمار الاقتصادي الشامل الذي خلفه النظام السابق. لمواجهة هذا التحدي، تقترح الرؤية عدة إستراتيجيات: إقامة شراكات دولية مع مؤسسات مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي، اعتماد آليات تمويل مبتكرة كإنشاء صندوق ائتمان خاص، الاستفادة من الأصول والأموال المصادرة من مرتكبي الانتهاكات، الحجز على أموال رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السابق، الربط بين التعويض ومشاريع إعادة الإعمار، وتشجيع المساهمات المحلية والدولية.

كما تواجه البرامج تحديات أخرى كالتفاوت في توزيع التعويضات، والتعقيدات القانونية، والخلافات المجتمعية. لمواجهة هذه التحديات، توصي الرؤية بوضع معايير واضحة وعادلة للتعويضات، إجراء مسح شامل للأضرار، تعزيز الشفافية وإشراك الضحايا، تنويع خيارات التعويض، تطبيق نهج تدريجي ومرن، إنشاء هيئات قانونية متخصصة، وتنفيذ برامج حوار مجتمعي لتعزيز قبول عملية التعويض.

———————————–

المقال الثاني

3 تغييرات فورية يجب أن تقوم بها الإدارة السورية

بعد أن استعرضنا في الجزء الأول من هذا المقال الأُطر العامة لرؤية الشبكة السورية لحقوق الإنسان بشأن العدالة الانتقالية في سوريا، بما في ذلك الخلفية التاريخية والسياسية، وركائز العدالة الانتقالية الأربعة، وهي: المحاسبة، الحقيقة والمصالحة، جبر الضرر، وإصلاح المؤسسات، نتناول في هذا الجزء الثاني بتفصيل أوسع ما تبقى من محاور هذه الرؤية.

نسلّط الضوء في هذا الجزء المتطلبات العملية لإصلاح مؤسسات الدولة، ونبحث في أهمية الدعم والتعاون الدولي، والتحديات المحتملة التي قد تواجه هذا المسار الحيوي نحو بناء سوريا الجديدة القائمة على العدالة والكرامة وحقوق الإنسان.

سابعاً: إصلاح المؤسسات

يُشكل إصلاح المؤسسات الركن الرابع والأساسي للعدالة الانتقالية في سوريا، وهو ضمان أساسي لعدم تكرار الانتهاكات مستقبلًا. خلال عقود حكم نظام الأسد، تحولت مؤسسات الدولة الرئيسة، لا سيما القضائية والأمنية والعسكرية، من أدوات لخدمة المواطنين إلى وسائل للقمع وانتهاك الحقوق. لذا، فإن إعادة بناء هذه المؤسسات على أسس سليمة تُعد شرطًا لازمًا لاستعادة ثقة المواطنين بالدولة، وتحقيق الاستقرار المستدام.

    يُعتبر إصلاح السلطة القضائيّة حجر الأساس في مسار العدالة الانتقالية، ويتطلب إعادة هيكلة شاملة تبدأ بتحرير مجلس القضاء الأعلى من هيمنة السلطة التنفيذية، عبر فصل رئاسة المجلس عن المنصب الرئاسي، وإنشاء هيئة قضائية مستقلة تتمتع بصلاحيات كاملة في إدارة شؤون القضاء.

يتطلب ذلك إعادة صياغة قانون السلطة القضائية لحظر تدخل أي جهة تنفيذية في شؤون القضاء، وضمان الاستقلال المالي والإداري للجهاز القضائي، وتفعيل دور المحكمة الدستورية العليا. كما يجب إلغاء المحاكم الاستثنائية التي استُخدمت كأدوات للقمع، وإدماج اختصاصاتها في القضاء العادي، مع ضمان تطبيق معايير المحاكمة العادلة، وتعزيز حقوق الدفاع، وتطوير آليات الاستئناف والتمييز والرقابة القضائية على تنفيذ الأحكام.

ولضمان نزاهة القضاة وكفاءتهم، يجب وضع معايير موضوعية للتعيين والترقية تستند إلى الجدارة، وتحسين الأوضاع المادية للقضاة وموظفي المحاكم، وتعزيز برامج التدريب المستمر ورقمنة العمل القضائي. وينبغي تفعيل دور نقابة المحامين وجمعيات القضاة المستقلة، والتعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية لتقديم تقارير دورية عن حالة القضاء وتدريب الكوادر ومراقبة المحاكمات.

تتطلب إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية تحولًا جذريًا في بنيتها وفلسفتها، إذ أوجد النظام السابق أجهزة أمنية متعددة ومتداخلة الصلاحيات خضعت مباشرة لرئيس الجمهورية وتورطت في انتهاكات جسيمة. يجب أولًا تقليص عدد الأجهزة الأمنية الموازية ودمج الأجهزة ذات المهام المتشابهة، وحل التشكيلات غير الرسمية، ووضع قوانين واضحة تحدد صلاحيات كل جهاز وتضمن خضوعه للمساءلة.

من الضروري إلغاء الصلاحيات القضائية للأجهزة الأمنية، وتفكيك شبكات المخبرين، وإنشاء هيئة رقابة مدنية مستقلة، وتعزيز دور البرلمان في الإشراف على أدائها. كما يجب تغيير العقيدة الأمنية بحيث تستند إلى حماية أمن الدولة والمواطنين لا النظام الحاكم، وإلغاء ثقافة العداء للمواطنين، وتطوير برامج تدريب مستمرة على حقوق الإنسان والمهارات التقنية.

وينبغي تجريم كافة أشكال التعذيب والانتهاكات، وإنشاء قنوات مستقلة للتحقيق في شكاوى المواطنين. وفيما يتعلق بالتوظيف، يجب اعتماد معايير الكفاءة والنزاهة في اختيار القيادات الأمنية، بعيدًا عن الولاءات السياسية أو الطائفية، مع تحسين الرواتب والمزايا للحد من الفساد.

    يشكل دمج الفصائل المسلحة وبناء جيش وطني موحد تحديًا كبيرًا أمام الاستقرار وإعادة بناء الدولة. يجب وضع إطار سياسي وقانوني شامل يتضمن تشريعات واضحة لإعادة الهيكلة ودمج الفصائل وفق معايير مهنية، مع استبعاد المتورطين في جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة، وضمان شمولية العملية من خلال قبول الأفراد غير المتورطين من كافة الأطراف.

ويتطلب الأمر إنشاء لجنة تقييم مستقلة لتدقيق السجلات وقاعدة بيانات مركزية للفصائل المسلحة وأفرادها، مع برامج لتسوية أوضاع العناصر غير المتورطين بانتهاكات جسيمة. وينبغي تطوير برامج للتسريح وإعادة الإدماج المدني تشمل التدريب المهني، وفرص العمل، والدعم النفسي، والاجتماعي.

كما يجب إعادة توزيع القوى البشرية بشكل عادل على المناطق، وتحقيق الحياد في التشكيل العسكري، مع تعزيز الوعي بحقوق الإنسان وتحديث المناهج العسكرية وتوحيد معايير التدريب. ومن الضروري إعادة تنظيم القيادات العسكرية لتمثل جميع مكونات الشعب السوري، وإنشاء آليات شفافة للترقيات، وترسيخ ثقافة الوحدة الوطنية، مع ضبط حيازة السلاح وتدمير الأسلحة المحظورة دوليًا. لضمان الرقابة والمساءلة، يجب إنشاء هيئة رقابة مستقلة ومحاكم عسكرية مختصة وتقييم دوري للإصلاحات، مع الاستفادة من المساعدة الفنية الدولية.

    يتطلب نجاح إصلاح المؤسسات تعزيز الشفافية والمساءلة على كافّة المستويات، وذلك عبر تطوير منظومة متكاملة تشمل؛ إنشاء هيئات رقابية مستقلة لكل مؤسسة، تفعيل دور البرلمان في الرقابة على أداء المؤسسات العامة، وضع مدونات سلوك ملزمة للعاملين في القطاعات الحساسة، تطوير قوانين تحمي المبلغين عن الفساد والانتهاكات، وإنشاء آليات فعالة للشكاوى مع ضمان سرعة معالجتها.

    كما ينبغي إلزام المؤسسات الرسمية بنشر تقارير دورية عن أدائها ومصروفاتها، وإتاحة المعلومات للعموم وفق قانون حرية الوصول للمعلومات، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني والإعلام في الرقابة على مؤسسات الدولة. إضافة إلى ذلك، يجب تطوير نظم تقييم أداء موضوعية ودورية للمسؤولين والموظفين، وربط التعيينات والترقيات بالكفاءة والنزاهة، والاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز الشفافية والحدّ من الفساد. وعلى المستوى الثقافي، ينبغي نشر ثقافة مجتمعية تؤمن بدور الرقابة المدنية وتشجع المواطنين على المساهمة في محاسبة المؤسسات، مع تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة في الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.

ثامناً: الدعم والتعاون الدولي

يلعب الدعم والتعاون الدولي دورًا محوريًا في تعزيز مسار العدالة الانتقالية في سوريا، حيث يوفر المساعدات التقنية، والدعم المالي، والآليات القانونية التي تضمن محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة. يساهم هذا التعاون في دعم الضحايا وإعادة بناء المؤسسات وفق أسس عادلة، كما يمثل ضرورة ملحة نظرًا لتعقيد الحالة السورية وحجم الانتهاكات غير المسبوق وضعف الموارد المحلية. إضافة إلى ذلك، يضمن التنسيق الدولي تنفيذ آليات العدالة الانتقالية بفاعلية، ويعزز الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويساعد في بناء قدرات المؤسسات الوطنية، مما يسهم في تحقيق مصالحة وطنية مستدامة تعيد الاستقرار إلى البلاد.

تشكل الآليات الدولية المتخصصة ركائز أساسية لدعم مسار العدالة الانتقالية في سوريا. تبرز من بينها الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2016، والمكلفة بجمع الأدلة على الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي في سوريا وتحليلها وحفظها.

يمكن للهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية التعاون معها من خلال تبادل الوثائق والبيانات، والاستفادة من ملفات القضايا التي أعدتها لدعم عمل المحكمة الخاصة المقترحة. كما يوفر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) دعمًا فنيًا لبناء قدرات الفاعلين المحليين، مع إمكانية الاستفادة من خبراته في وضع أطر العدالة الانتقالية التي تركز على حقوق الضحايا.

أما اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في سوريا (COI)، التي أُنشئت في 2011، فتقدم توثيقًا وتحليلًا مستقلًا للانتهاكات، يمكن أن يدعم عمل لجان الحقيقة والمحكمة الخاصة. وتضطلع المؤسسة المستقلة للمفقودين (IIMP)، التي أُنشئت في 2023، بمعالجة قضية المفقودين في سوريا وتقديم الدعم لأسرهم، من خلال إنشاء قاعدة بيانات شاملة بالتعاون مع اللجان المحلية.

تقدم المنظمات الحقوقية الدولية دعمًا قيمًا لجهود العدالة الانتقالية في سوريا. فقد وثقت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش (HRW) ومنظمة العفو الدولية، انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا على مدار سنوات النزاع، مما يوفر أرشيفًا غنيًا يمكن استخدامه كأدلة لدعم عمل لجان الحقيقة والمحكمة الخاصة.

كما يمكن لهذه المنظمات مراقبة عمل هيئة العدالة الانتقالية، وتقديم النصح والتدريب لضمان التزامها بالمعايير الدولية. ومن جهتها، تتمتع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP) بخبرة واسعة في التعامل مع قضايا المفقودين والمقابر الجماعية في سياقات معقدة، ويمكن الاستفادة من هذه الخبرة في توسيع جهود جمع البيانات عن المفقودين، والمساهمة في الكشف عن مصيرهم باستخدام تقنيات متطورة كتحليل الحمض النووي، وتقديم الدعم النفسي لأسرهم.

يعتبر التعاون القضائي الدولي ضروريًا لتحقيق العدالة الشاملة، خاصة مع فرار العديد من المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة خارج سوريا.

تشمل آليات هذا التعاون؛ تبادل المعلومات والأدلة مع المحاكم الدولية والأجنبية التي تنظر في قضايا تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، الاستفادة من الولاية القضائية العالمية التي تتيح للدول محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية بغض النظر عن مكان ارتكابها، التصديق على نظام روما الأساسي أو قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة 12(3)، إبرام اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف لتسليم المطلوبين، وتدريب الكوادر القضائية المحلية على معايير المحاكمات الدولية.

لضمان فاعلية هذا التعاون، يجب إنشاء وحدة متخصصة ضمن هيئة العدالة الانتقالية للتنسيق مع الآليات الدولية، والعمل على بناء قاعدة بيانات مشتركة للانتهاكات والمتهمين، والمشاركة في شبكات التعاون الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب.

 تاسعاً: التحديات المحتملة وسبل مواجهتها

يواجه مسار العدالة الانتقالية في سوريا تحديات متعددة الأبعاد تتطلب إستراتيجيات شاملة لمواجهتها. على المستوى السياسي والأمني، تبرز صعوبة تحقيق توافق وطني حول آليات العدالة الانتقالية في ظل الاستقطاب السياسي الحاد. كما يشكل استمرار وجود جهات مسلحة متعددة الولاءات تحديًا كبيرًا للاستقرار وتنفيذ برامج العدالة، إذ قد تقاوم هذه الجهات جهود المحاسبة الجنائية خوفًا من المساءلة.

وتُعتبر مقاومة بقايا أجهزة النظام السابق وأنصاره عائقًا أمام الإصلاح المؤسسي، خاصة في القطاعات الأمنية والقضائية. إضافة إلى ذلك، تمثل التدخلات الإقليمية والدولية المتضاربة عقبة أمام إحراز تقدم في مسار العدالة، حيث تسعى قوى خارجية لتأمين مصالحها على حساب استقلالية القرار السوري.

لمواجهة هذه التحديات، يمكن اعتماد إستراتيجيات تشمل؛ تعزيز الحوار الوطني الشامل، بناء الإجماع حول أولويات العدالة الانتقالية، تطبيق خطة متكاملة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، بناء تحالفات دولية داعمة للعدالة الانتقالية، وتفعيل آليات الحماية للضحايا والشهود.

على الصعيد الاقتصادي والمالي، تعاني سوريا من انهيار اقتصادي شامل وبنية تحتية متهالكة، مما يحدّ من الموارد المتاحة لتنفيذ برامج العدالة الانتقالية. تتطلب عمليات التوثيق، المحاكمات، برامج التعويض، وإعادة الإعمار موارد مالية ضخمة قد تفوق قدرة الدولة. وتواجه سوريا صعوبة في تحديد أولويات الإنفاق بين متطلبات العدالة الانتقالية والاحتياجات الأساسية العاجلة للسكان.

كما تشكل العقوبات الدولية والقيود المفروضة على التحويلات المالية عقبات أمام تمويل مشاريع العدالة الانتقالية. لمعالجة هذه التحديات، يقترح إنشاء صندوق دولي لدعم برامج العدالة الانتقالية، إعطاء الأولوية للمشاريع ذات الأثر المزدوج في التعافي الاقتصادي وتحقيق العدالة، البحث عن مصادر تمويل بديلة كاسترداد الأصول المنهوبة ومصادرة أموال المتورطين في انتهاكات، وتطوير شراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني لدعم برامج إعادة التأهيل وإعادة الدمج.

يشكل انعدام الثقة والانقسامات المجتمعية تحديًا جوهريًا أمام العدالة الانتقالية، حيث أدت سنوات النزاع إلى تعميق الانقسامات الطائفية والإثنية والسياسية، مما يعقد عملية المصالحة. وقد أدى فقدان الثقة بمؤسسات الدولة، خاصة الأمنية والقضائية، إلى صعوبة تقبل المواطنين أي إصلاحات تقودها هذه المؤسسات.

كما قد تسبب التباينات في فهم مفهوم العدالة بين المكونات المختلفة للمجتمع السوري صراعات حول أولويات ومسارات العدالة الانتقالية. ويساهم انتشار ثقافة الانتقام والثأر الفردي في عرقلة مساعي العدالة المؤسساتية، كما يتضح من ارتفاع وتيرة العمليات الانتقامية الفردية منذ سقوط النظام.

وتُعد التأثيرات النفسية لصدمات الحرب والانتهاكات عائقًا أمام الانخراط في مسارات المصالحة. لمواجهة هذه التحديات، تُقترح إستراتيجيات منها: تصميم حملات توعية شاملة حول أهمية العدالة الانتقالية كنهج بديل عن الانتقام، ضمان تمثيل جميع المكونات المجتمعية في مؤسسات العدالة الانتقالية، تعزيز الشفافية في جميع مراحل العملية، دعم المبادرات المجتمعية للمصالحة، وتطوير برامج التعافي النفسي والاجتماعي للضحايا والمتضررين.

لتجاوز التحديات المذكورة، يمكن اعتماد إستراتيجيات متكاملة تشمل؛ تبني نهج تدريجي ومرحلي في تطبيق العدالة الانتقالية، مع التركيز في المرحلة الأولى على تلبية احتياجات الضحايا الأكثر تضررًا وبناء الثقة؛ وضع خطة وطنية شاملة للعدالة الانتقالية بمشاركة جميع الأطراف المعنية، تحدد الأهداف والآليات والأطر الزمنية؛ تعزيز الملكية الوطنية لمسار العدالة الانتقالية مع الاستفادة من الخبرات الدولية، حيث يلعب السوريون الدور الرئيسي مع دعم وإشراف دولي؛ تطوير نظام مراقبة وتقييم فعال لرصد التقدم في تنفيذ برامج العدالة الانتقالية وإجراء التعديلات اللازمة؛ وبناء قدرات المؤسسات الوطنية والمجتمع المدني في مجال العدالة الانتقالية من خلال برامج تدريبية متخصصة.

إضافة إلى ذلك، يمكن استخلاص الدروس من تجارب الدول التي مرت بظروف مشابهة، مع مراعاة خصوصية السياق السوري، وإتاحة مساحات آمنة للحوار والنقاش حول قضايا العدالة الانتقالية بين مختلف مكونات المجتمع. ويبقى الدعم الدولي ركيزة أساسية، مع ضرورة تنسيق الجهود وتوحيد الرؤى بين الجهات الداعمة، وتخصيص موارد كافية لضمان استدامة برامج العدالة الانتقالية.

الخاتمة

تمثل العدالة الانتقالية ضرورة وطنية لسوريا التي تقف اليوم على مفترق طرق تاريخي بعد سقوط نظام استبدادي استمر لأكثر من نصف قرن. إنها ليست ترفًا أو خيارًا، بل هي شرط أساسي لمعالجة إرث الانتهاكات الجسيمة التي خلّفت ملايين الضحايا والنازحين، وأحدثت دمارًا هائلًا في البنية المادية والاجتماعية للبلاد.

تكمن أهمية العدالة الانتقالية في كونها النهج الأكثر فاعلية للتعافي الشامل من آثار النزاع، وإرساء أسس راسخة لدولة تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. فعبر أركانها الأربعة – المحاسبة الجنائية، الحقيقة والمصالحة، جبر الضرر والتعويض، وإصلاح المؤسسات – يمكن للعدالة الانتقالية أن تسهم في تفكيك بنى الاستبداد والقمع، وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة، ومنع تكرار الانتهاكات، وتحقيق المصالحة الوطنية التي تمهد الطريق نحو الاستقرار المستدام.

إن نجاح مسار العدالة الانتقالية يتطلب التزامًا جماعيًا من جميع الأطراف المعنية بتحقيق عدالة غير انتقامية، تركز على الإصلاح والتعافي بدلًا من الانتقام والثأر. يجب إدراك أن العدالة الانتقالية ليست وسيلة للتشفي من الخصوم، بل هي إطار متكامل يهدف إلى معالجة جذور النزاع وترميم النسيج الاجتماعي. هذا يستلزم نهجًا متوازنًا يجمع بين المحاسبة الضرورية للمسؤولين الرئيسين عن الانتهاكات من جهة، وتوفير فرص المصالحة والإدماج للأفراد الأقل تورطًا من جهة أخرى.

كما يتطلب الأمر مشاركة واسعة من الضحايا، المجتمع المدني، المؤسسات الوطنية، والمجتمع الدولي، في بناء رؤية مشتركة للعدالة تراعي احتياجات جميع السوريين وتطلعاتهم. فالعدالة الانتقالية ليست مسارًا يفرضه طرف على آخر، بل عملية تشاركية تستند إلى الحوار المفتوح والشفافية والشمولية، وتأخذ بعين الاعتبار خصوصية السياق السوري وتعقيداته.

إن الرؤية التي تقدمها الشبكة السورية لحقوق الإنسان للعدالة الانتقالية تمثل خارطة طريق نحو سوريا المستقبل: الوطن القائم على العدالة والكرامة وسيادة القانون. هذه سوريا الجديدة التي يتطلع إليها السوريون على اختلاف مشاربهم، دولة يعيش فيها المواطنون بكرامة وأمان، تصان حقوقهم وحرياتهم، وتُحترم خياراتهم.

سوريا التي تتجاوز ماضي الاستبداد والقمع لتبني مستقبلًا يقوم على المواطنة المتساوية، المشاركة السياسية، والتعددية الثقافية. ومع أن الطريق إلى سوريا هذه طويل وشاق ومليء بالتحديات، فإن وجود إرادة وطنية صلبة وإصرار على المضي قدمًا في مسار العدالة الانتقالية يجعل هذا الهدف قابلًا للتحقيق.

وفي نهاية المطاف، فإن العدالة الانتقالية ليست نهاية المسار، بل بداية عملية تحول طويلة نحو استعادة سوريا التي يستحقها أبناؤها: سوريا العدالة، والديمقراطية، والتنمية، والسلام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حاصل على الماجستير في القانون الدولي، ومتوّج بالجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان عام

————————————

هيئة العدالة الانتقالية.. آمال ومخاوف من الانتقائية والعدالة المجتزأة/ محمد سليمان

19 مايو 2025

أصدرت الرئاسة السورية، السبت الفائت، مرسومًا يقضي بتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية، تتولى ”كشف الحقائق بشأن انتهاكات النظام البائد، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ المصالحة الوطنية”. وقد أُسندت رئاسة الهيئة إلى عبد الباسط عبد اللطيف، مع منحه مهلة ثلاثين يومًا لتشكيل فريق العمل ووضع النظام الداخلي.

يُعد المرسوم أول إجراء رسمي يُعلن في سياق العدالة الانتقالية، وقد فُسّر على نطاق واسع باعتباره خطوة أولى في هذا المسار، لكنه في الوقت نفسه أثار سلسلة من المخاوف والانتقادات القانونية والسياسية.

يرى المحامي عز الدين عز الدين أن هذا القرار كان متوقعًا، لكنه يُشدد على أن تشكيل الهيئة لا بد أن يستند إلى قانون خاص يحدد صلاحياتها المكانية والزمانية بشكل دقيق، وينظّم طبيعة عملها.

وأكد عز الدين، في حديثه لـ”الترا سوريا”، أن اللجنة يجب أن تكون مستقلة، نزيهة، شفافة، وأن تُجرى كل إجراءاتها بشكل علني، وفي مقدمتها الاستماع إلى إفادات الضحايا والشهود، معتبرًا أن ذلك يمثّل جوهر عمل أي هيئة للعدالة الانتقالية. وأضاف أنه يجب أن تضم أفرادًا يتمتعون بخبرة حقيقية، واطلاع واسع على تجارب العدالة الانتقالية في الدول الأخرى.

وأشار عز الدين إلى ضرورة أن تضم الهيئة مختصين بالقانون الجنائي الدولي، وخاصةً اتفاقية روما التي تُعنى بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، إضافةً إلى ذوي دراية بآليات جبر الضرر والتعويض. ويقترح أن تضم الهيئة أيضًا اقتصاديين قادرين على تدبير مصادر التمويل، وتوزيع المساعدات، ووضع برامج تعويض فعالة.

وأوضح أن الهيئة ليست جهة قضائية، وإنما لجنة قانونية تُصدر توصيات فقط، لا أحكامًا. وهذه التوصيات “قد تُحال إلى المحاكم لملاحقة مرتكبي الانتهاكات، أو تُرفع إلى الوزارات المختصة، مثل وزارة الاقتصاد ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل”.

وفيما يخص آليات الجبر والتعويض، أعاد عز الدين التأكيد على أن الاستقلالية تعد الشرط الجوهري لنجاح الهيئة، مشددًا على وجوب أن تكون مستقلة تمامًا عن الحكومة أو أي طرف آخر، إلى جانب توافر النزاهة والخبرة لدى أعضائها.

تساؤلات حول الحياد وضمانات غير كافية

من جانبه، يرى المحامي مصطفى كليب أن هذا المرسوم يمكن اعتباره بالفعل نقطة بداية لمسار العدالة الانتقالية، لكن الخطوة المنطقية، بحسب رأيه، كان يجب أن تبدأ بإصدار قانون خاص بالعدالة الانتقالية في سوريا، يُقر من خلال مجلس تشريعي من المفترض أن يتشكل لاحقًا، بحيث يوفّر الأساس القانوني الذي يحدد اختصاصات الهيئة، ويضمن آليات شفافة لاختيار أعضائها، ويكفل استقلالها، وحياد من يشغلون مواقعها، إلى جانب إنشاء منظومة رقابة على عملها.

ويؤكد كليب أن مجرد التأكيد على استقلال الهيئة المالي والإداري في نص المرسوم لا يكفي، ولا يُعد ضمانًا فعليًا لهذا الاستقلال، إذ إن التجربة السورية تُظهر أن القوانين دون إرادة تنفيذية صادقة قد تبقى “حبرًا على ورق”.

ويشير إلى أن أكثر ما يُؤخذ على المرسوم هو حصر اختصاص الهيئة بـ”الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد”. إذ إنه “على الرغم من أن الجرائم التي ارتكبها النظام تشكل الغالبية الساحقة من الانتهاكات في سوريا –  وتصل بحسب التقديرات إلى ما بين 85% إلى 90%  – إلا أن هذا لا يُبرر تجاهل ما ارتكبته أطراف أخرى بحق السوريين”.

وبرأيه، فإن العدالة لا يمكن أن تُجزأ، والضحايا لا يجوز أن يُصنّفوا حسب الجهة التي انتهكت حقوقهم، لأن ذلك يُفضي إلى “عدالة اجتزائية”، تُعيد إنتاج الظلم بدل معالجته. كما حذّر من أن هذه الصياغة تفتح الباب نحو نموذج من العدالة الانتقالية قائم على منطق “عدالة المنتصر”، كما حدث في تجارب فاشلة حول العالم.

ويضيف كليب أن هناك إشكالًا في المفهوم نفسه، متسائلًا: من يحدد ما يُعدّ “انتهاكًا جسيمًا”؟ فالعدالة الانتقالية لا تُعنى فقط بأشد الجرائم قسوة، رغم أن هذه تشكّل محورًا رئيسيًا، بل هي معنية بكل الانتهاكات على اختلاف طبيعتها، خاصةً عندما تُبنى العملية على مبدأ الشمول والاعتراف بالضحايا كافة.

ويُبدي قلقًا بالغًا من تعيين شخصية معروفة بانتمائها السابق إلى المكتب السياسي لأحد الفصائل العسكرية، في إشارة إلى عبد الباسط عبد اللطيف، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تثير كثيرًا من التساؤلات حول مدى الالتزام بالحياد، وهو شرط أساسي في أي هيئة عدالة انتقالية ذات مصداقية.

ويتابع كليب بأن ما سيتضمنه النظام الداخلي المنتظر سيكون كاشفًا لكيفية إشراك المجتمع المدني، وعائلات الضحايا، في عمل الهيئة. ويُصر على أن العدالة الانتقالية ليست مسارًا تقنيًا تصممه الدولة من فوق، بل هي عملية مجتمعية تشاركية. ويؤكد على أنه من دون إشراك الضحايا الحقيقي “لا يمكن أن تكون هناك مصالحة صادقة، ولا يمكن للمجتمع أن يشعر أن الحقيقة تُصاغ لصالحه، لا لصالح السلطة”.

بين الفرصة والتوجّس

يبقى تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية تطورًا بارزًا في السياق السوري، لكنه محفوف بالأسئلة الجوهرية: هل هي بالفعل بداية مسار وطني للإنصاف والمساءلة والمصالحة؟ أم أنها ستكون إطارًا شكليًا تُفرض فيه “العدالة من الأعلى” دون مشاركة مجتمعية فعلية؟

تجارب الشعوب التي سبقت سوريا إلى العدالة الانتقالية تُظهر بوضوح أنه لا عدالة دون اعتراف كامل بالضحايا، ولا مصالحة دون مساءلة حقيقية، ولا حقيقة تُحتكر من طرف واحد. فما ستقرره الأيام القادمة، وخاصةً ما سينص عليه النظام الداخلي، هو ما سيحسم ما إذا كانت هذه الهيئة بداية طريق، أم التفافًا جديدًا على آمال السوريين في العدالة.

تلفزيون سوريا

—————————–

تشكيل هيئتين وطنيتين للعدالة الانتقالية والمفقودين في سورية/ عدنان علي و حسام رستم

18 مايو 2025

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، مساء يوم السبت، مرسومين رئاسيين بتشكيل “الهيئة الوطنية للمفقودين” و”الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية” في سورية. وجاء في مرسوم رئاسي: “بناء على الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية، واستناداً إلى الإعلان الدستوري، وحرصاً على الكشف عن مصير آلاف المفقودين في سورية، وإنصاف ذويهم، يعلن عن تشكيل هيئة وطنية مستقلة باسم الهيئة الوطنية للمفقودين”.

وحدد المرسوم مهمة الهيئة في الكشف عن مصير آلاف المفقودين والمختفين قسراً في سورية، وتوثيق الحالات، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية، وتقديم دعم قانوني وإنساني لعائلاتهم. وأوضح أن أمام الهيئة 30 يوماً لوضع نظامها الداخلي والانطلاق في عملها. وعين المرسوم محمد رضا جلخي رئيساً للهيئة، مع منحها استقلالاً إدارياً ومالياً. وتأتي هذه الخطوة بعد مطالب متكررة من ذوي المفقودين والمختفين قسراً، ومن منظمات وجمعيات حقوقية وإنسانية، للحكم الجديد في سورية، بالاهتمام بهذا الملف، نظراً إلى أنه يمس مئات آلاف العائلات السورية.

كما نص المرسوم الآخر على تشكيل هيئة مستقلة باسم “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية”، وتعنى بكشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام السابق، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية. وبموجب المرسوم، “يعين عبد الباسط عبد اللطيف رئيساً للهيئة، ويكلف بتشكيل فريق العمل ووضع النظام الداخلي خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ الإعلان”. ومنح المرسوم الهيئة الاستقلال المالي والإداري، وصلاحية ممارسة عملها في جميع أنحاء الأراضي السورية.

محمد رضا جلخي.. أكاديمي سوري يرأس هيئة المفقودين

محمد رضا جلخي أكاديمي سوري يحمل دكتوراه في القانون الدولي عام 2023 من جامعة إدلب. وشغل عدة مناصب في مجال التعليم العالي، منها أمين جامعة إدلب. وعقب سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عين جلخي عميداً لكلية العلوم السياسية في جامعة دمشق، كما جرى اختياره ليكون عضواً في مجلس الأمناء الجديد لـ”الأمانة السورية للتنمية”، التي تحول اسمها إلى “منظمة التنمية السورية”. وعُين جلخي في 2 مارس/آذار الماضي في اللجنة المكلفة بصياغة مسودة الدستور السوري في إطار تنظيم مرحلة الانتقال السياسي في البلاد.

وإلى جانب عضويته في مجلس أمناء “منظمة التنمية السورية”، يتولى جلخي عدة مناصب قيادية في قطاع التعليم العالي والتنمية، مثل أمين جامعة إدلب، وعضو اللجنة المكلفة بتسيير أعمال جامعة دمشق منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، ورئيس لجنة تسيير أعمال الجامعة الافتراضية السورية منذ 3 فبراير/شباط 2025، وهو باحث مشرف في المركز السوري للدراسات الاستراتيجية.

عبد الباسط عبد اللطيف.. المكلف بهيئة العدالة الانتقالية

أما المكلف بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية عبد الباسط عبد اللطيف، فهو من مواليد محافظة دير الزور 1963، وشغل منصب الأمين العام السابق للائتلاف الوطني السوري التابع للمعارضة السياسية السورية. كان قد حصل على إجازة بالحقوق من جامعة حلب 1986، وهو نائب سابق لرئيس لجنة الحج العليا السورية، ورئيس المكتب السياسي لفصيل “جيش أسود الشرقية”، كما شغل منصب نائب رئيس المجلس المحلي لدير الزور في الحكومة السورية المؤقتة 2018.

العربي الجديد

———————————

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى