عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 19 ايار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
———————————–
لا تسلّموا سورية إلى إسرائيل/ لميس أندوني
18 مايو 2025
ليس عنوان المقال موجّهاً إلى الشعب السوري، وأيضاً ليس بالضرورة إلى الإدارة السورية، وإنما هو للتحذير من التخلي عن سورية وتركها رهينة الشروط الأميركية لرفع الحصار الخانق عنها، هذا من ناحية. والتهديدات الإسرائيلية التي قد لا تنسحب من الأراضي التي توغلت فيها، وتمارس الابتزاز لتقسيم سورية وتفتيتها، أو على الأقل إنهاكها أكثر مما هي عليه. العنوان رسالة إلى الدول العربية القادرة على حماية سورية، ليس بشنّ حربٍ نيابة عنها، وهو أصلاً أمر غير مطروح، وإنما بدعم اقتصادها والوقوف معها سياسياً وإنسانياً.
الخوف أن بعض الدول لن تفعل ذلك، بل تضغط على سورية لدخول الاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل، وكأن هضبة الجولان غير محتلة، وكأن إسرائيل لا تسيطر على أراضٍ سورية وتقصفها حينما تشاء، دمّرت الجيش السوري منذ أول أيام سقوط النظام السابق، في خطوة مقصودة، فسورية لم تكن لتشنّ حرباً على إسرائيل، لأنها تحتاج إلى استعادة جزء من عافيتها، فالوضع يحتاج إلى الهدوء والاستقرار لإعادة بناء بلد دمّره نظام دموي، وعانى شعبه سنوات طويلة من الغُبن والاستبداد.
لا يمكننا إلا مشاركة الشعب السوري فرحته بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه وجّه بوقف العقوبات القاسية، التي لم تطاول النظام السابق في تأثيرها، بل الدولة والشعب السوريين.
بغض النظر عن أي رأي أو موقف من ترامب، فشعور التحرّر من قبضة المقاطعة لا يمكن التقليل منه، ومن يريد أن لا يحس أو يفهم لأسباب أيدولوجية مسبقة فهذه مشكلته، وفي رأيي الموضوع هو موقف أخلاقي قبل كل الاعتبارات والحسابات.
لكن انعدام الثقة في أميركا ليس عبارة عن وهم أو انطلاقاً من نظريات المؤامرة؛ فهذه ليست المرّة الأولى ولا الأخيرة التي تخذل أميركا أو تخون شعوباً اطمأنت إلى وعودها، وغزّة شاهدة على ذلك، فقد نام أهلها على وقف إطلاق النار كان وراءه ترامب، وأفاقوا عند الفجر على نار القصف تلتهمهم في أيام عيد الفطر، ونأمل أن نكون مخطئين بشكوكنا ومحاذيرنا، لكن تجربة الشعوب مع أميركا وإسرائيل مريرة.
للحق؛ لا يمكن لوم الشعب السوري إذا تعلق بأي قشّة للخلاص، ولا يحقّ لأحد المزاودة، فالعلّة الأساس أن أي دولة أو شعب يقع لا يجد أملاً في نظام عربي مهترئ، لأن الكل وضع الحلّ في يد أميركا التي لديها مصالحها، فنحن منطقة نفوذ، ولست متأكدة أن كل بوادر النية الحسنة العربية، بما فيها مشاركة دول عربية في استثمارات هائلة لإنعاش الاقتصاد الأميركي، كافية لتغيير أي شقٍّ من الاستراتيجية الأميركية، وإلا لوضع ترامب كل ثقله لوقف حمّام الدم الذي تدفق بكثافة خلال جولته في المنطقة، فما يريده لا يجعله يستعجل بإنقاذ أرواح الفلسطينيين بل يعمل على مهله.
خلاف ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإنْ كان حقيقياً، ليس كافياً ليعاقب إسرائيل أو أيضاً يهدّد بوقف تزويدها بالأسلحة أو المساعدات، ولا يجعله يأخذ موقفاً علنياً من التوغل الإسرائيلي في سورية، بل ما صرح به من ضرورة التخلص من السلاح الفلسطيني في غزّة، فلديه مصلحة في السيطرة على القطاع المنكوب من حرب الإبادة الصهيونية، ومن دعوته الرئيس السوري أحمد الشرع للانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية التي كانت الإمارات أول من وقع عليها عام 2021، بدون أن يذكر، حتى من قبيل الإشارات، الاعتداءات المتكرّرة على الأرض، إذ إنها تزيد من الضغوط على سورية للمصالحة مع إسرائيل بدون المطالبة بحقوقها واستعادة السيادة على أراضيها.
التطبيع مع دولة لديها مشروع استيطاني إحلالي وتنفذه، إضافة إلى أنه يزيد من إمعانها في إبادة الشعب الفلسطيني، فهو لا يضمن الأمان لأي دولة عربية خاصة التي تأذت من احتلال إسرائيل لأراضيها وتقع في المنطقة الجغرافية المحاذية لإسرائيل. وليس أن الامارات والبحرين في منأى من أطماع إسرائيل، فهي ترى في الدولتين مصدر نهبٍ لأموال ونفط لا يُشبِع شراهتها إلى الهيمنة والتحكّم، لكن الخطر أكثر مباشَرة على لبنان والأردن ومصر وسورية، فالمشروع الصهيوني يتطلب احتلال أراضٍ في كل من الأردن ولبنان وفلسطين، بحجّة توفير الأمن لإسرائيل، والتحكم في شروط علاقاتها وتحالفاتها بل عقيدة جيوشها، لقد أصبح الأمر ليس مجرد كلماتٍ في كتبٍ صهيونية، بل تحس أنها تستطيع تنفيذ ذلك، من خلال الاعتداء المباشر ومن خلال توقيع اتفاقيات مجحفة بحق سيادة هذا الدول وثرواتها، فكما نرى في لبنان والأردن، تتصرف إسرائيل وكأن الغاز اللبناني والثروات الطبيعية في الأردن والمياه، على شح توافرها، حقّ لها. وللتذكير، أو لتنبيه من لا يعرف، حوّلت إسرائيل، بل سرقت، حصة الأردن من مياه بحيرة طبريا في الستينيات، وفرضت على الأردن تقاسم موارده المائية، بالرغم من التوصل إلى معاهدة وادي عربة “للسلام” عام 1994.
أنا في حيرة؛ إذ ما زلنا نجد أن علينا التحذير من أخطار إسرائيل بعد مرور 77 عاماً على النكبة الفلسطينية، وبالرغم من فداحة المجازر اليومية التي لا تأبه إسرائيل بارتكابها أمام عدسات التصوير وتبثّ على الشاشات في العالم، فإذا كان هناك شك أن الخطر الإسرائيلي يهدد الفلسطينيين فقط فهذه مشكلة كبيرة، والمصيبة إذا كانت حرب الإبادة بتفاصيلها المرعبة لا تقنع أي عربي بجرم إسرائيل، فلا شي يقنعه إلا إذا وصل إليه الخطر ويكون الوقت متأخّراً… كتبت هذه الجملة وأنا في ذهول من أن قد نكون قد وصلنا إلى مرحلةٍ من عدم الاهتمام بالنكبة الفلسطينية، فالأصوات المطالبة والمؤيدة للتطبيع تعلو أكثر من أي وقت مضى في زمنٍ يسود فيه وهم الخلاص الفردي، أو في خلاص كل دولة عربية على حدة، فالحرب على الشعب الفلسطيني بدأت قبل ظهور حركتي حماس وفتح، بل كان ظهورهما نتيجة مشروع اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، وليس العكس، فمن يرى من الدول القادرة على دعم دولة عربية وحمايتها من الانجرار إلى فخ المعاهدات الإسرائيلي، وبدلاً من ذلك تساهم بالضغط لإغراق العرب في المستنقع الإسرائيلي، لا تهتم وتحسّ بمعاناة الشعب الفلسطيني أو السوريين، وإنما ترى المشهد من زاوية عقد صفقات أمنية أو مالية لا أكثر.
أسوق المقال، من منطلق الحرص، وأوجّه رسالة إلى الرئيس السوري، أحمد الشرع، أن لا يقبل التوقيع، لأن ذلك قراره في نهاية الأمر، لكن الأهم التوجّه إلى الدول التي تستطيع أن تلعب دوراً حاسماً في حماية سورية، فيكفينا النكبة الفلسطينية، ولا يستحق الشعب السوري إلا إنهاء عذابه وولوج فجر حريته وازدهاره، فالشعب الفلسطيني ليس أهم الشعوب، لكن تجربته هي، للأسف، درسٌ عن معنى ومأساة استهداف المشروع الصهيوني، الذي لا يؤمن بالتعايش مع الشعوب بل بالهيمنة عليها.
العربي الجديد
————————————
إسرائيل أرادت استمرار العقوبات على سوريا/ محمود سمير الرنتيسي
2025.05.18
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا كان رفع العقوبات عن الدولة السورية والشعب السوري الذي يتطلع لمرحلة جديدة من الحرية والتعافي أمرا منطقيا واستحقاقا متوقعا، وبالفعل كانت معظم الأطراف الإقليمية والشعوب العربية والإسلامية وعلى رأسها الشعب السوري تنتظر هذه النتيجة المنطقية، في المقابل كانت هناك جهة تعمل على إقناع الأميركيين بعدم رفع العقوبات عن سوريا وهي دولة الاحتلال الإسرائيلي.
لقد كان استقبال خبر رفع العقوبات عن سوريا في دولة الاحتلال الإسرائيلي مختلفا عن استقباله في سوريا وفي بقية البلدان العربية والإسلامية حيث أزعج هذا الخبر حكومة الاحتلال وعلى رأسها نتنياهو لأنه بالفعل كما ذكرت التقارير مؤخرا كان رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الذي طلب من ترامب حتى وقت قريب عدم رفع العقوبات عن سوريا، وقد استغل نتنياهو لقاءه الأخير مع ترامب في واشنطن الشهر الماضي لتكرار هذا الطلب.
لم تنكر دولة الاحتلال الإسرائيلي أن طلب نتنياهو وقد قالت القناة 12 العبرية أنهم في إسرائيل لا ينكرون أن نتنياهو طلب الابقاء على العقوبات على سوريا وعدم دعم الاستقرار في سوريا وتم رفض الطلب.
من الواضح أن ترامب كان له رأي آخر وهو ما يشير إلى وضع دولة الاحتلال الإسرائيلي في التأثير في موازين القوى بعد 7 أكتوبر. وإضافة لما سبق لم تكن إسرائيل على علم مسبق بقرار ترامب عقد الاجتماع مع الرئيس السوري في الرياض ولا بقرار ترامب رفع العقوبات، ويأتي هذا في سياق عدم علم إسرائيل باتفاق ترامب مع الحوثيين وكذلك ببدء المفاوضات مع إيران حول المشروع النووي الذي أعلن عنه ترامب في مؤتمر صحافي مع نتنياهو.
وقد قال الكاتب الصهيوني تامير هايمن نحن لسنا في الملعب بل نشاهد الدوري بانتظار انتهاء اللعبة ونلعب على الإسفلت الساخن لعبة عنيفة ومحلية ستنتهي بإصابات تلحق الجميع.
ولكن رغم كل هذا وبالنظر إلى ما يجري في غزة فإن نتنياهو يتعامل على أنه يمكن أن يسير على سياسة خاصة به حتى لو كانت نظرة ترامب مختلفة، ولهذا قام الجيش الإسرائيلي بالقصف قرب القصر الرئاسي في دمشق قبل أسبوعين من أجل تهيئة المجال للسيناريو الذي يريده في سوريا وهو سيناريو عدم الاستقرار. وقد أصدر نتنياهو ووزير الدفاع كاتس بيانا مشتركا قالا فيه “أن إسرائيل هاجمت بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق وهذه رسالة واضحة للنظام السوري”. وفي تحد صارخ قال البيان أن إسرائيل لن تسمح بانتشار قوات جنوب دمشق أو أي تهديد للطائفة الدرزية.
وتزعم إسرائيل أن سياستها تجاه سوريا تأتي في إطار سياسة الردع لمنع تكون ما تصفه بأنه “التموضع العسكري المهدد”، وفي الحقيقة تريد إسرائيل نشر الفوضى والتهيئة لمزيد من عدم الاستقرار ليكون بمتناولها العبث والتصرف كيفما تشاء لأنها تعتقد في الحقيقة أن أي استقرار حقيقي في سوريا أو دول الجوار الأخرى لن يكون في مصلحتها.
لا يزال نتنياهو يحلم بتغيير الشرق الأوسط ولكنه لم ينجح في إثارة النعرات عبر دعم بعض الأقليات لنشر الفوضى في سوريا كما أنه من الواضح لم ينجح في إعاقة مسار رفع العقوبات عن سوريا وهذا يؤكد مرة أخرى أن قوة دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تعد كما كانت من قبل كما أن قدرتها على التأثير في الولايات المتحدة أيضا لم تعد كما كانت من قبل.
ولذلك فإن ما سبق يشدد على ضرورة التصرف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنها طرف يريد تعطيل مسارات الاستقرار في كل المنطقة، ويشدد على التعامل معها من منظور أنها دولة وكيان يسير نحو مزيد من التراجع والتدهور.
————————-
السويداء تغادر عزلتها مع رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا/ أيمن الشوفي
17/5/2025
السويداء- تُبدي السويداء ارتياحا بعد قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، ولا سيما بعد المرونة التي شهدتها علاقتها مع الحكومة السورية بدمشق، مع آمال أبناء الطائفة الدرزية بمقدرة الإدارة السياسية الحالية للبلاد على إعادة سوريا إلى مكانتها الإقليمية اقتصاديا وسياسيا.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر خلال زيارته الأخيرة للسعودية قبل أيام، رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، في خطوة وصفها بأنها “ضرورية” لمنح الإدارة السورية فرصة حقيقية تتيح لها النهوض بالبلاد.
وقال شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء الشيخ يوسف جربوع، إن رفع تلك العقوبات أدى إلى تغيير المزاج العام لدى أبناء المحافظة، كما أفشل الرهانات السياسية السابقة، بما فيها رهان التيار السياسي الذي كان يسعى إلى إضعاف السلطة السوريّة، أو عدم الاعتراف بها.
وفي حديث للجزيرة نت، قال جربوع “أعتقد أن الأمور في السويداء تسير باتجاه أفضل، بما في ذلك تعميق العلاقة مع السلطة المركزية، حيث تراجعت الأصوات التي كانت تطالب بالحماية الدولية للدروز في جنوب البلاد على أثر رفع العقوبات الأميركية، وعاد المجتمع المحلي إلى وعيه السياسي المعهود الذي لا يُجيز سوى الارتباط بدولتنا السورية، ومجتمعنا السوري الكبير”.
وكان الرئيس الروحي لدروز فلسطين المحتلة الشيخ موفق طريف، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، قد دعا، في بيان له، دروز سوريا إلى أخذ مكانتهم المستحقّة في الوطن السوري الموحد.
وجاء كلام الشيخ طريف سابقا لإعلان رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في محاولة لرفض أي تدخل خارجي بشأن دروز السويداء، حسب مراقبين.
مزاج متفائل
يقول نجيب أبو فخر، رئيس “المكتب السياسي للمجلس العسكري في جنوب سوريا” (تشكيل درزي)، إن المزاج العام في السويداء، أسوة بما هو عليه الحال في سوريا، سعيد جدا برفع العقوبات عن البلاد، ومتفائل أيضا بأن مستقبل سوريا سيكون أفضل.
وأضاف أبو فخر للجزيرة نت، إن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يعكس الموقف الدولي الجديد من الإدارة السورية الحالية، مما سيؤدي إلى إنهاء التوترات المحلية، وسدّ الطرق بوجه الفتن والمشاريع غير الوطنية التي كانت تلاقي قبولا واستساغة لدى البعض.
ورأى أن رفع العقوبات كان نتاج جهد “مكثف وذكي” من الدولة السورية، وخصوصا من الرئيس أحمد الشرع والفريق الدبلوماسي “الذي واجه اختبارا معقدا نظرا للظروف الإقليمية، والضغوطات المتعددة داخليا وخارجيا”.
وقال أبو فخر “ربما عكس لقاء الرئيس الشرع بترامب، وطريقة المصافحة والجلوس جميعُها الأنفة التي اشتاق السوريون لرؤيتها على مسؤول سوري أمام مسؤول غربي أو عربي، وهذا ما كان ملفتا للغاية”.
وحسب المسؤول، فإن مشاريع الانفصال لم يعد صوتها عاليا كما في السابق، “بالرغم من أنها لم تختفِ كليا” من المشهد السياسي. ويعتقد بأنه إن تحمّل السوريون مسؤولية خطابهم، وأبعدوه عن الإقصاء والتجييش الديني والمذهبي والمناطقي، “فسنكون حينها على أعتاب نهاية طرح مشاريع الانفصال وتغييبها عن المشهد السوري برمته”.
خطاب الهجري
في هذه الأثناء، جاء لافتا بعض المرونة والتبدّل الذي اكتسبهُ خطاب الرئيس الروحي لدروز السويداء الشيخ حكمت الهجري، في بيانٍ صدر عنه صبيحة اليوم التالي لقرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا.
واعتبر الهجري أن “أي انتصار للوطن إنما هو انتصار لحقوق كل السوريين”، وقال في بيانه “بعيدا عن الإقصاء والتهميش، لنعشْ جميعا كشركاء تحت سقف سوريا الواحدة المدنية، بكل إثنياتها وطوائفها وأعراقها وتلاوينها”.
وبرأي عضو مؤتمر الحوار الوطني جمال درويش، فإن قرار رفع العقوبات عن سوريا “سينقل البلاد من حالة الفشل والانهيار إلى مرحلة بناء الدولة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي”.
وقال للجزيرة نت، إن قرار رفع العقوبات يمثّل “فرصة حاسمة” ينبغي استثمارها من أجل إعادة مسارات العملية السياسية الجارية في سوريا إلى نصابها الصحيح، ومراجعة العديد من الأسس التي قامت عليها، مع التركيز بشكل خاص على قضية المشاركة الشعبية في المرحلة الانتقالية.
ويعتقد درويش أن معظم أهالي السويداء يؤيدون وحدة البلاد، وبناء المؤسسات وفق معيار الدولة الحديثة. وبالتالي، فإنهم ضد إسقاط المرحلة الانتقالية. لكنهم “يطالبون بفتح مسار وطني جامع، يهدف إلى تقويم الانزياح والانحراف السياسي والدستوري” على حد وصفه.
تراجع الخطاب الانفصالي
ولم يستطع الخطاب الانفصالي الذي جرى ترويجه خلال الأسابيع الماضية في السويداء من المضي كثيرا أو التوسّع داخل الفضاء السياسي للدروز، كما يرى المراقبون. وأخفق دعاة هذا المشروع السياسي في تنظيم وقفات احتجاجية داخل ساحة الكرامة وسط المدينة، والتي شهدت فيما مضى انتفاضة شعبية واسعة بدأت في صيف العام 2023 واستمرت حتى سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي.
يقول المتحدث الإعلامي باسم لواء الجبل زياد أبو طافش، إن “المزاج العام في السويداء وطني الهوى ووجهته دمشق، وكنّا سمعنا وشاهدنا تصريحات موثّقة لمعظم القيادات الروحية والاجتماعية، ومعظم الفصائل المسلّحة في المحافظة، تؤكد على نبض أبناء السويداء الوطني بالرغم من بعض الاختلاف، وهو أمر طبيعي وصحيّ لا ينذر بأي سوء”.
وقال أبو طافش للجزيرة نت إن “المطالبة بالإدارة الذاتية أو الحماية الدولية ليست مطالب شعبية عامة، ولم تلقَ تأييدا لدى الجميع، وأبناء السويداء سيكونون سباقين إلى بناء الدولة السورية ومؤسساتها..”.
وباعتقاد المتحدث، فإن “مشكلة الحكومة المؤقتة والرئيس أحمد الشرع ليست مع السويداء، فالسويداء وأبناؤها لن تكون حجر عثرة في طريق بناء الدولة الوطنية السورية القوية، الدولة الديمقراطية التشاركية التي تُعبّر عن أحلام السوريين”. وبرأيه فإن المشكلة تكمن مع بعض المجموعات غير المنضبطة، والتي ارتكبت الانتهاكات، وسببت توترا في حياة السوريين، على حد وصفه.
وأيده الأمين العام للتحالف الوطني السوري لدعم الثورة خالد جمول، الذي قال إن أغلبية المكونات في السويداء هي مع الحكومة السورية، ومع بناء دولة القانون. وأضاف للجزيرة نت أن “طلب الحماية الدولية الصادر عن بعض الشخصيات في السويداء لا يمثّل إلا مجموعة أو فئة معينة ضيّقة، وأغلبية أبناء السويداء ترفض أي تقسيم، وتميل إلى اللامركزية الإدارية غير الموسّعة”.
وشدد على أن السويداء تؤكد استمرار ارتباطها بالدولة السورية، ولا تفكر بالانفصال عنها، كما ويسود لدى دروز السويداء ارتياح بشأن المستقبل القريب، وما قد يحمله من انفراجات ملموسة على الصعيدين المعيشي والاجتماعي.
وكانت وزارة الداخلية السورية قد شرعت بخطوات تهدف لاعتماد هيكل تنظيمي جديد لتحديث الجهاز الشرطيّ والأمنيّ، مع الحفاظ على مركزيّة القرار فيه، بحيث سيتم تقسيم البلاد إلى 5 قطاعات جغرافيّة يشرف على كل منها معاون خاص لوزير الداخلية.
المصدر : الجزيرة
——————————-
عقيدة المحيط.. هل تسعى إسرائيل لحرق العرب بنار “الأقليات”؟/ شادي إبراهيم
19/5/2025
في كتابه “مهمة الموساد في جنوب السودان: 1969-1971″، يكشف ضابط الاستخبارات الإسرائيلي ديفيد بن عوزيل تفاصيل العمليات السرية التي نفذتها إسرائيل، لدعم متمردي حركة أنيانيا الجنوبية في السودان، إبان التمرد الذي شنه الجنوبيون في ستينيات القرن الماضي ضمن وقائع ما عُرفت لاحقا بـ”الحرب الأهلية السودانية الأولى”.
ويوضح بن عوزيل، المعروف حركيا باسم “طرزان” في جهاز الاستخبارات، أن هذا الدعم شمل نقل أسلحة ومعدات اتصال متطورة إلى المتمردين، إضافة إلى تدريب مقاتلي الحركة على يد فريق من الضباط الإسرائيليين، كما امتد إلى التخطيط لتنفيذ عمليات تخريبية شملت تفجير الجسور وإغراق قوارب التموين، إلى جانب نصب كمائن استهدفت وحدات الجيش السوداني.
يقدم الكتاب وقائع انفصال الجنوب السوداني في عام 2011 باعتباره نجاحا خاصة للموساد، وإنجازا لعملية إسرائيلية استمرت لعقود طويلة عمدت خلالها إسرائيل إلى دعم التمرد في جنوب السودان وبناء القوة العسكرية وحتى الاقتصادية للانفصاليين الجنوبيين.
أكثر من ذلك، في مقابلة لاحقة مع صحيفة يديعوت أحرونوت، أشار بن عوزيل إلى أن الغرض الأساسي من التحالف مع “أنيانيا” كان “استنزاف قدرات الخرطوم، ودفعها إلى تركيز قواتها جنوبًا، بعيدًا عن ساحات المواجهة العربية مع إسرائيل”، مما يعني أن ذلك الدعم كان في جوهره توظيفًا لأقلية عرقية واستخدامها أداةً ضغط على دولة عربية في المنطقة، وهو ما يعدّ تطبيقا مبكرًا لـ”عقيدة المحيط”، التي صاغها ديفيد بن غوريون ومستشاره إلياهو ساسون، في مطلع خمسينيات القرن الماضي.
أحزمة الفتنة
تقوم “عقيدة المحيط” على إستراتيجية مزدوجة تعتمد على تطويق المنطقة بحزامين من التوترات، يستهدف الأول تأزيم العلاقات بين الدول العربية وجيرانها الإقليميين (خاصة من الدول الإسلامية غير العربية)، مما يشغل هذه الدول بصراعات بعيدة عن إسرائيل ويستنزف مواردها في نزاعات جانبية.
أما الحزام الثاني، فيرتكز على توظيف أقليات الشرق الأوسط، خاصة في النطاق المحيط بفلسطين، عبر فصلهم عن مجتمعاتهم وربطهم بمعادلة الأمن الإسرائيلي، مما يدفعهم للتحالف مع تل أبيب، تحت ضغط المخاوف التي غذتها إسرائيل بنفسها منذ البداية.
هذا النهج لم يكن مجرد نظرية، بل خطة عملية تجسدت في بناء إسرائيل شبكة من التحالفات مع دول غير عربية، مثل تركيا وإثيوبيا وإيران خلال عهد الشاه في محاولة لعزل هذه الدول عن جيران إسرائيل العرب، فضلا عن دعم جماعات محلية مثل الأكراد في العراق، والدروز في سوريا، والموارنة في لبنان، وحركات التمرد في جنوب السودان ودارفور.
ولم يكن الهدف الفعلي هو دعم هذه الأقليات أو “تحريرها”، بل تحويلها إلى أدوات تخدم المصالح الإسرائيلية عبر شعارات وعناوين برّاقة.
كان السودان هو المثال الأوضح لتطبيق هذه السياسة، ودفع ثمنها على المدى الطويل، حيث دعمت إسرائيل متمردي أنيانيا بالأسلحة والتدريب، بغية استنزاف السودان وتشتيت موارده في نزاع ممتد.
وحينما حصل جنوب السودان على استقلاله عام 2011، لم يجلب هذا الاستقلال استقرارًا، إذ سرعان ما انزلقت البلاد في حرب أهلية جديدة عام 2013، وهي نتيجة طبيعية لإرث الصراع والتسلح الذي تمت تغذيته لعقود طويلة.
فوفقًا لدراسة صادرة عن مشروع “مسح الأسلحة الصغيرة” (Small Arms Survey)، وهو مؤسسة دولية معنية بدراسة انتشار الأسلحة الخفيفة وتأثيرها في مناطق النزاع، أدى تدفق الأسلحة الخارجية إلى أنيانيا خلال الحرب الأهلية الأولى إلى تراكم ترسانة عسكرية ضخمة، استمرت في تغذية دوامة العنف لفترة طويلة لاحقة.
يتقاطع ذلك مع رؤية المفكر المصري عبد الوهاب المسيري، التي أشار إليها في موسوعته “اليهود واليهودية والصهيونية”، حيث لفت إلى أن “المشروع الصهيوني” يستند إلى ركيزتين أساسيتين، الأولى “البلقنة”، أي تفكيك الدول العربية إلى كيانات صغيرة متصارعة، والثانية ربط المصالح الاقتصادية لهذه الدول، وخاصة المجاورة، بالاقتصاد الإسرائيلي، بما يضمن تبعيتها واستمرار نفوذ تل أبيب عليها.
بناءً على هذا، يرى المسيري أن العالم العربي تم تقسيمه من قبل إسرائيل إلى أربع دوائر جيوسياسية، مع تحديد آلية التعامل مع كل منها، بغرض ضمان هيمنة إسرائيل الإقليمية. ففي الدائرة الأولى منطقة الهلال الخصيب، حيث سوريا والعراق والأردن، تعمل إسرائيل على تقسيم سوريا إلى دويلات عرقية وطائفية: دولة علوية على الساحل، وأخرى سنية في حلب، وثالثة سنية معادية لها في دمشق، ورابعة درزية في حوران والجولان.
أما العراق، فيقُسّم في الرؤية الإسرائيلية إلى دولة شيعية في الجنوب حول البصرة، وسنية حول بغداد، وكردية في الشمال حول الموصل، مع الحرص على ألا تتحول الثروة النفطية إلى تهديد لأمن إسرائيل. لبنان بدوره خُطّط أيضًا لتقسيمه إلى خمس مناطق طائفية: درزية في الشوف، ومارونية في كسروان، وشيعية في الجنوب والبقاع، وسنيّتين في طرابلس وبيروت.
الدائرة الثانية تضم مصر والسودان، حيث تسعى إسرائيل إلى زعزعة مكانة مصر في قيادة العالم العربي، عبر إذكاء التوترات الطائفية، وتقويض الدولة المركزية، ودفع البلاد نحو التفكك إلى كيانات هشة بلا سلطة موحدة.
كما أن فصل جنوب السودان عن شماله حوّله إلى نقطة ضعف إستراتيجية على خاصرة مصر، بحسب رؤية المسيري. بعد ذلك تأتي الدائرة الثالثة التي تضم دول الخليج العربية والدائرة الرابعة وتحوي دول المغرب العربي وكلاهما ترغب إسرائيل في تحييدها بشكل دائم عن دائرة الصراع.
من جوبا إلى السويداء
وبعد أكثر من نصف قرن من تسليح أقليات جنوب السودان، تعود “عقيدة المحيط” إلى الواجهة، مع دخول دروز الجنوب السوري إلى دائرة الأضواء الإسرائيلية حيث تستخدمهم دولة الاحتلال الإسرائيلي أداةً للضغط على النظام الجديد في سوريا وذريعة لتوسيع عملياتها العسكرية في البلاد بدعوى “حماية الدروز”.
وعلى عكس الصورة النمطية؛ لا يعدّ الدروز جماعة موحدة أو كتلة متجانسة، فهم مجموعات متعددة تختلف في رؤاها السياسية وتوجهاتها، فبعضهم يدعم التحالف مع إسرائيل، بحثًا عن حماية أو مصالح خاصة، بينما يرفض آخرون هذا النهج ويفضلون الاندماج في إطار الدولة التي يعيشون فيها.
هذا التباين في المواقف لم يغب عن حسابات إسرائيل التي سعت إلى استغلاله منذ وقت مبكر، ففي عام 1948، أنشأ جيش الاحتلال “كتيبة السيف”، وهي وحدة مشاة خفيفة ضمت جنودًا من الأقليات، كان معظمهم من الدروز، إلى جانب مجندين من القبائل البدوية والشركس والمسيحيين. عُرفت هذه الوحدة لاحقًا باسم “وحدة الأقليات” في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكانت منفصلة عن الهيكل العسكري الأساسي. وكان للدروز وضع فريد من نوعه، فقد خضعوا لتجنيد إجباري، بشكل مشابه لتجنيد اليهود، بينما سُمح للأقليات الأخرى بالانضمام طواعية.
ومع مرور الوقت، انتقلت إسرائيل من سياسة الفصل إلى الدمج التدريجي، خاصةً مع الدروز الذين أصبحوا جزءا من الجيش الإسرائيلي، بعد إغلاق وحدة الأقليات عام 2015، خلال فترة رئيس الأركان غادي آيزنكوت.
لكن تلك السياسة أثبتت نجاحها مع الدروز أكثر من غيرهم، حيث ظلت الأقليات الأخرى تواجه فحوصات أمنية مشددة وعراقيل مؤسسية، تحدّ من ترقية أفرادها في المؤسسات العسكرية والأمنية، بسبب أزمة ثقة مستمرة تتعلق بولائهم.
ورغم هذا “الاندماج العسكري”، ظلت النظرة الإسرائيلية إلى الدروز قائمة باعتبارهم أداة قابلة للتوظيف ضمن إطار “عقيدة المحيط”.
يتضح ذلك في تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في أكتوبر/تشرين الأول 2024، التي دعا خلالها إلى “بناء تحالفات مع الأقليات الأخرى” في المنطقة، باعتبار أن إسرائيل ستبقى دائمًا أقلية في محيطها، وخص ساعر بالذكر الدروز والأكراد في سوريا، واعتبرهم حصنا منيعًا في مواجهة الأغلبية العربية السنية التي هللت، بحسب وصفه، عندما اخترقت المقاومة الفلسطينية الحدود الإسرائيلية مع غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ينسجم هذا مع تحليل دان ديكر، الباحث في مركز القدس للشؤون العامة، الذي طالب المسؤولين في دولة الاحتلال الإسرائيلي ببناء شبكة تحالفات إقليمية تمتد من شمال غرب إفريقيا إلى إيران، قائمة على التعاون مع الأقليات مثل الأذريين، والبربر، والشركس، والأكراد، والإزيديين.
ويرى ديكر أن هذه الأقليات، التي يزيد تعدادها عن 100 مليون نسمة، تشكل ركائز محتملة لنفوذ إسرائيلي واسع في منطقة تتسم بهشاشة الدول المركزية التي تحتضنها.
وفي وقت لاحق، تزامنا وسقوط نظام بشار الأسد، كشف ساعر عن اتصاله المباشر مع الأقليات في سوريا، مشددًا على أن إسرائيل، كأقلية إقليمية، تحتاج إلى بناء تحالفات مع الأقليات الأخرى في المنطقة لحماية مصالحها، وخصّ بالذكر الأكراد والدروز، مشيرًا إلى أن الأكراد يفتقرون إلى الاستقلال السياسي، رغم تمتعهم بحكم ذاتي جزئي في سوريا والعراق.
وفي مايو/أيار الجاري، صعّد ساعر خطابه؛ داعيًا المجتمع الدولي إلى حماية الأقلية الدرزية في سوريا، محذرًا من “عصابات الإرهاب” التابعة للنظام السوري التي تستهدفهم، بما يعكس تزايد الاهتمام الإسرائيلي بتوظيف الأقليات كأوراق ضغط إقليمية، وهو توجه يعزز نفوذ تل أبيب في مناطق الهشاشة والفراغ السياسي.
تزامن ذلك وشنّ سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة من الضربات على البنية العسكرية السورية، تحت ذريعة حماية الأقلية الدرزية، وهي سردية استخدمتها إسرائيل طوال الأشهر التي تلت سقوط نظام الأسد، في تبرير تدخلها العسكري في سوريا ومحاولتها إجهاض قدرة النظام الجديد.
ورغم أن بعض الأصوات الدرزية في سوريا تميل إلى تأييد رواية إسرائيل بشأن حماية الدروز، فإن هذه الأصوات تبقى هامشية مقارنة بغالبية الدروز في سوريا ولبنان، الذين يرفضون هذا التدخل ويرون فيه مصدرًا لتوتر متصاعد بين الدروز وبقية السوريين، مما يهدد بإشعال صراع داخلي في الطائفة الدرزية نفسها، ويهدد النسيج الطوائفي السوري بشكل أوسع.
وصفة الفوضى تتكرر
هكذا ينتقل الدعم الإسرائيلي نفسه من أدغال جوبا إلى جبال السويداء، حاملًا معه الوصفة ذاتها: استنزاف الدول المركزية وتحويل الأقليات إلى بيادق في لعبة أكبر، حتى لو تغيّر اللاعبون وتبدلت خرائط الصراع.
بيد أن هذا أثار أسئلة عدة داخل المجموعات الدرزية في السويداء، أهمها يتعلق بمدى الثقة في التحالف مع إسرائيل، فإذا ما كانت الجغرافيا تفصل الدروز عن جوبا، فالتجربة اللبنانية تلوح أمامهم كتحذير واضح، فقد تحالفت المليشيات المسيحية مع تل أبيب لكنها انتهت إلى الانهيار أو النزوح، بمجرد أن غيَّرت إسرائيل أولوياتها.
كانت البداية في مايو/أيار 1976، عندما سلّحت إسرائيل مليشيات الجبهة اللبنانية وزوّدتها بالمستشارين العسكريين، بغرض تحويلها إلى خط دفاع أول في وجه الفصائل الفلسطينية. وسرعان ما برزت “القوات اللبنانية” بقيادة بشير الجميّل كنموذج لتحالف مصلحة بين تل أبيب والأقلية المارونية، مقابل تعهّد الأخيرة بحماية الحدود الشمالية لإسرائيل.
تلا ذلك تأسيس جيش لبنان الجنوبي عام 1978، وهو قوّة مسيحية مارونية خالصة تلقت تدريبًا وتسليحًا إسرائيليًّا كثيفًا وعملت ذراعًا ميدانية لتل أبيب في قتال منظمة التحرير الفلسطينية، ولاحقًا في قتال حزب الله. لكن مع انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في مايو/أيار 2000، انهار الجيش الجنوبي وفرّ كثير من أعضائه إلى إسرائيل.
تفتح هذه الوقائع نقاشًا داخليًّا بين الدروز، فالتحالف مع قوى خارجية قد يوفّر سلاحًا وحماية لحظية، لكنه يترك الأقليات مكشوفةً أمام تقلبات المزاج السياسي في تل أبيب ومن خلفها واشنطن. ويزيد هذا القلق مع توجه الإدارة الأميركية إلى خفض وجودها العسكري في سوريا.
فإذا تركت الولايات المتحدة المنطقة بعد استقطاب الدروز من قبل إسرائيل وفصلهم عن نسيجهم السوري، فسوف يجد هؤلاء أنفسهم أمام خياريْن كلاهما مُرّ، إما البقاء “كتيبة” تحت إمرة الجيش الإسرائيلي وحمايته، أو ترك أوطانهم والنزوح إلى الجليل الأعلى داخل الحدود الإسرائيلية الحالية.
وبشكلٍ مماثل، تضيف التجربة الكردية عِبرةً أخرى، فقد دعمت إسرائيل البشمركة الكردية بالسلاح والتدريب بين عامي 1961 و1970، أثناء الحرب العراقية الكردية الأولى وما بعدها، لكن هذا التحالف انتهى فعليا عام 1975، عقب توقيع “اتفاقية الجزائر” بين العراق وإيران، وتعهد الأخيرة بوقف الإمدادات عن الأكراد.
واليوم يعاد رسم اللوحة، فقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تحالفت أمنيًّا مع واشنطن، سارعت إلى البحث عن غطاء إسرائيلي في مواجهة تقارب دمشق وأنقرة بعد سقوط نظام الأسد، في حين تلمّح سفيرة الإدارة الذاتية الكردية إلهام أحمد إلى أن “أمن سوريا يحتاج مشاركة إسرائيل”.
غير أن الاتفاق الذي أُبرم في مارس/آذار الماضي بين الحكومة السورية وبين قوات سوريا الديمقراطية ربما يقطع الطريق -ولو مؤقتا- أمام لعب إسرائيل بالورقة الكردية في سوريا، خاصة مع اتجاه إدارة ترامب للرهان على الحكومة السورية الجديدة ورفع العقوبات عنها، وهو ما يعني التخلي عن تحالفها المستقل مع الأكراد.
لكن ذلك لا يعني أن “عقيدة المحيط” الإسرائيلية سوف تخفت في وقت قريب. فلا تزال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تتقاطر حول ضرورة “حماية الدروز والمسيحيين” في ضواحي دمشق، بالتوازي مع غارات جوية متكررة على البنية العسكرية السورية بذريعة توفير هذه الحماية.
لكن التاريخ يُظهر أن مثل هذه التدخلات كثيرًا ما أدت إلى تحوّل الصراع المحلي إلى حرب إقليمية تدفع ثمنها أولا الأقلية التي يتم توظيفها.
هكذا تُعاد الحلقة: وعدٌ بالحماية، يليه تصعيدٌ طائفي وتدفّق سلاح، ثم خذلان عند أوّل منعطف جيوسياسي. في غضون ذلك، لا تستنكف إسرائيل على ما يبدو أن تستنسخ سياساتها القديمة ذاتها مع أقلية جديدة في ساحة حرب جديدة، تاركةً السؤال ذاته مفتوحًا: كم مرة من التكرار يحتاج التاريخ، كي يقنع الضحايا بأن بندقية الحليف الإسرائيلي مؤقتة وأنها لا تخدم إلا مصالحه؟
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية
——————————————-
==========================