العقوبات الأميركية على سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةلقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 19 أيار 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

ملف رفع العقوبات عن سوريا

—————————-

 جولة ترامب الخليجية: مقاربة براغماتية يجسّدها مبدأ “أميركا أولاً

المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات

الإثنين 2025/05/19

أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال الفترة 13-16 أيار/ مايو 2025، أول جولة خارجية رسمية له منذ تولّيه الحكم في 20 كانون الثاني/ يناير 2025، شملت المملكة العربية السعودية ودولة قطر والإمارات العربية المتحدة، وركّزت على إبرام صفقات تجارية ضخمة معها؛ إذ رافقه العديد من كبار رجال الأعمال الأميركيين. وعلى الرغم من التركيز على الجانب الاقتصادي، فقد تناولت الزيارات قضايا أخرى مهمة، أبرزها قرار ترامب رفع العقوبات عن سورية، ولقاؤه برئيس الإدارة الانتقالية السورية أحمد الشرع، في الرياض. وقد عبّرت جولته واللقاءات الرفيعة المستوى التي أجراها في العواصم الخليجية الثلاث عن رغبة مشتركة في بناء شراكات تجارية وعسكرية وتكنولوجية كبرى. وبدا في بعض الحالات أنه لم يتحرر من خطاب الدعاية الانتخابية وركّز على شخصه وإنجازاته، وهاجم الإدارات السابقة وسياساتها.

الاتفاقات الموقّعة

تناولت الاتفاقات، التي وقّعتها الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الشركات الوطنية مع الدول الخليجية الثلاث، مجالات مختلفة في حقول الطاقة، والدفاع، والذكاء الصناعي والبنى التحتية، والاستثمار، والتعليم، والتجارة، والصحة. وبلغت القيمة الإجمالية المعلنة لهذه الصفقات أكثر من تريليونَي دولار أميركي، فقد تعهّدت السعودية باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، مع إمكانية رفع هذا المبلغ إلى تريليون دولار، في حين وقّعت الإمارات مشاريع استثمارية بقيمة 1.4 تريليون دولار تمتد على مدى عشر سنوات، أما قطر فتوصلت إلى اتفاقات للتبادل التجاري مع الولايات المتحدة بقيمة 1.2 تريليون دولار، بما في ذلك الطاقة. وعلى الرغم من الأجواء الاحتفالية التي رافقت توقيع الاتفاقات، خصوصاً من جانب ترامب، فإن بعض هذه الاتفاقات ليس جديداً، وقد أُثيرت شكوك حول قيمتها الفعلية وإمكانية تنفيذها، لا سيما في ظل انخفاض أسعار النفط. ووفقاً لتقديرات وكالة “رويترز”، فإن القيمة الإجمالية للصفقات المتوقع تنفيذها خلال السنوات العشر القادمة تقدّر بنحو 740 مليار دولار. ويُتوقع أن يستغرق تنفيذ بعضها، مثل طلب قطر شراء 210 طائرات من طراز “بوينغ”، وصفقة الأسلحة السعودية مع الولايات المتحدة البالغة قيمتها 142 مليار دولار، عقوداً من الزمن.

مقاربة براغماتية

انطلق ترامب في جولته الخليجية هذه من مبدأ “أميركا أولاً”، وهو شعار حملته الانتخابية الذي صار الموجِّه الرئيس للسياسة الخارجية لإدارته. وعبّر عن قناعته بأن إبرام الصفقات التجارية مع دول الخليج، وتدفق الاستثمارات إلى الولايات المتحدة لتعزيز اقتصادها، أفضل من التورط في نزاعات مكلفة في الشرق الأوسط. وانطلاقاً من هذا التصوّر، حرص خلال خطابه في منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي في الرياض على إدانة المقاربة التدخّلية Interventionism التي لجأت إليها إدارات أميركية سابقة وقوى غربية أخرى بذريعة “بناء الدول”.

وبحسب ترامب، فإن “من يوصفون ببناة الدول دمّروا، في النهاية، دولاً أكثر من تلك التي بنوها، وكان التدخليون يتدخلون في مجتمعات معقدة لم يفهموها هم أنفسهم”. وفي هذا الإطار، حثّ شعوب المنطقة على “رسم مصائرها بطريقتها الخاصة”، من دون “محاضرات” من أحد حول “كيفية العيش”، وشدّد على أن “التحولات العظمى” التي تشهدها بعض الدول الخليجية لم تكن نتيجة “التدخلات الغربية، أو من يسمّون بناة الدول، أو المحافظين الجدد، أو المنظمات الليبرالية غير الربحية، مثل أولئك الذين أنفقوا تريليونات الدولارات من دون تطوير كابول وبغداد، وغيرهما كثير من المدن. بل إن ولادة الشرق الأوسط الحديث جاءت على يد شعوب المنطقة نفسها […] الذين طوروا بلدانهم ذات السيادة، وسعوا وراء رؤاهم الفريدة، ورسموا مصائرهم بأنفسهم”. ويضيف أن ثمّة اليوم “جيلاً جديداً من القادة يتجاوزون صراعات الماضي القديمة وانقساماته البالية، ويصنعون مستقبلاً يُعرَّف فيه الشرق الأوسط بالتجارة، لا بالفوضى؛ ويُصدِّر التكنولوجيا، لا الإرهاب”.

تمثل مقاربة ترامب التعاقدية، البعيدة عن مزاعم نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، قطيعة كاملة مع السياسات التقليدية للولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة مع سياسة إدارة الرئيس السابق جو بايدن التي شهدت خلالها علاقات واشنطن مع دول الخليج نوعاً من الفتور. لكن التغيير الذي طرأ على المقاربة الأميركية نحو دول الخليج، والشرق الأوسط عموماً، في إدارة ترامب الثانية لم يقتصر على التباين مع إدارة بايدن، بل يشمل أيضاً اختلافات واضحة مقارنةً بإدارته الأولى. ففي حين اقتصرت زيارة ترامب الأولى إلى المنطقة عام 2017 على السعودية، التي كانت حينئذ أول وجهة خارجية له بعد توليه الرئاسة، فقد شملت زيارته الثانية قطر والإمارات أيضاً. ويُسجَّل كذلك أنه تجاهل زيارة إسرائيل في جولته الأخيرة، بخلاف جولته الأولى التي انتقل فيها مباشرة من الرياض إلى تل أبيب، وهو ما فعله أيضاً الرئيس بايدن خلال زيارته المنطقة عام 2022.

وعلى الرغم من أن ترامب حثّ السعودية على الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية والتطبيع مع إسرائيل، فإنه لم يجعل من ذلك أولوية، ولم يشترط ربط أيٍّ من الاتفاقات الاقتصادية أو الصفقات العسكرية بذلك. وتشير تقارير وتسريبات متعددة إلى وجود تباين في الأولويات، وربما توتر مكتوم بين إدارة ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو، إذ إن انطلاق ترامب من مقاربة “أميركا أولاً” ولّد حالة من “الإحباط” لدى نتنياهو إزاء تفاعلات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. وفي المقابل، يعرب مسؤولون في إدارة ترامب، في أحاديث خاصة، عن استيائهم من نتنياهو بسبب إفشاله مساعي الرئيس للوفاء بوعدٍ كان قد قطعه في حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في قطاع غزة. ومع ذلك، لا يمكن الحديث عن خلافات استراتيجية بين ترامب ونتنياهو، أو عن اختلاف مبدئي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذه المرحلة؛ فترامب، وإن كان قادراً على وقف مخططات نتنياهو العدوانية في غزة، لا يُبدي رغبة في ذلك، ولا يعدّه أولوية. وهو لا يختلف مع نتنياهو في الهدف المتمثل في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في غزة، لكنه يرفض أن يُملي عليه نتنياهو سياسات الولايات المتحدة الإقليمية برمّتها، ويفضّل في الوقت ذاته تجنّب الدخول في حرب مع إيران. أما بخصوص سياسات ترامب في الخليج، وعدم التدخل في قضايا حقوق الإنسان وغيرها، فلا يسجَّل خلاف بشأنها مع نتنياهو، باستثناء ما قد يكون من تحفّظ عن تقارب ترامب مع القيادة القطرية، التي يقود ضدها اللوبي الإسرائيلي ونتنياهو حملةً في الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن قطر هي الدولة التي ألحّت على وقف الحرب على غزة في المحادثات مع ترامب خلال زيارته الخليجية.

ويبدو أن ترامب عازم على المضي قُدماً في أجندته التي تركّز على الصفقات التجارية والاستثمارية في المنطقة وتهيئة الظروف الملائمة لنجاحها، حتى لو تطلّب ذلك تجاوز إسرائيل. ويندرج ضمن هذا التوجه انخراط إدارته في المفاوضات النووية مع إيران، رغم معارضة نتنياهو لها، إضافة إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة أنصار الله (الحوثيون) في اليمن، والذي لم يتضمن اشتراطات بعدم التعرض للسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر أو قصف إسرائيل بالصواريخ. كذلك، خاضت إدارته مفاوضات مع حركة حماس، بوساطة قطرية ناجحة، لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الحامل للجنسية الأميركية، عيدان ألكسندر، من دون التنسيق مع إسرائيل، الأمر الذي أدى بنتنياهو إلى تصعيد وتيرة قصف غزة بعد إطلاق سراحه. وأخيراً، إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا ودعوته إلى تطبيع العلاقات مع دمشق تحت رئاسة الشرع الذي تتهمه إسرائيل بأنه “جهاديّ”. وعلى الرغم من أن ترامب نفى وجود توتر في العلاقة مع إسرائيل، وتأكيد نتنياهو من جانبه على متانة هذه العلاقة، مستنداً إلى أن ترامب لم يضغط على إسرائيل لعدم التصعيد في غزة خلال زيارته المنطقة، أو إدخال المساعدات الإنسانية إليها كما وعد في حال إطلاق حماس سراح عيدان، فإن ذلك كله لم يُخفِ وجود نوع من التوتر الكامن في علاقتهما. ولكنه ليس توترًا سياسيًا أو استراتيجيًا، بل يُعزى إلى توقعات مفرطة لدى نتنياهو بشأن ما كان يأمل أن يفعله ترامب. وهو ما تنشغل به الصحافة الإسرائيلية، ولا سيما الأصوات الناقدة لنتنياهو التي تضخّم الخلاف، متجاهلة أن الولايات المتحدة قد رفعت جميع القيود على مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وأطلقت يد نتنياهو ووزير أمنه في غزة.

العلاقة مع سوريا

انعكست الطبيعة البراغماتية والتعاقدية في شخصية ترامب أيضاً في قراره المفاجئ، حتى لبعض مسؤولي إدارته، برفع العقوبات عن سوريا ولقائه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في الرياض، في 14 أيار/ مايو، بوساطة تركية – سعودية. وقد برّر ترامب قراره باعتباره دعماً “لحكومة جديدة نأمل أن تنجح في تحقيق الاستقرار في البلاد وحفظ السلام”، واصفاً العقوبات بأنها “وحشية ومعوِّقة، وحان الوقت لتنهض سوريا”. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تصنّف الشرع “إرهابياً”، كما تصنف هيئة تحرير الشام التي يتزعمها منظمة إرهابية، فإن عوامل متعددة ساهمت في إقناع ترامب بلقائه، من أبرزها دور الهيئة في إسقاط نظام الأسد، وإخراج إيران من سوريا، إضافة إلى علاقات الشرع الجيدة مع السعودية والإمارات، والدعم التركي، واستعداده للتفاوض مع إسرائيل والتعاون في محاربة الإرهاب.

وتشير المعطيات المتوافرة إلى وجود معسكرين في إدارة ترامب فيما يتعلق بمقاربة الملف السوري. المعسكر الأول الذي يمثّله مجلس الأمن القومي الأميركي، يتبنّى موقف الحذر ويدعو إلى الانتظار وعدم الوثوق بالشرع وحكومته استنادًا إلى تاريخه، أما المعسكر الثاني الذي تمثّله وزارة الخارجية، فيرى ضرورة المسارعة إلى ملء الفراغ الذي خلّفه سقوط الأسد، منعًا لعودة روسيا وإيران إلى بناء نفوذ جديد في سوريا. ويعدّ لقاء ترامب بالشرع، وإعلان رفع العقوبات عن سوريا، بمنزلة انتصار مقاربة المعسكر الثاني الذي سهّل الشرع مهمته من خلال سلسلة من الخطوات أقدم عليها كي يحظى بدعم واشنطن لإعادة إعمار سوريا، شملت اعتقال مسلحين أجانب، والتواصل من خلال وسطاء مع إسرائيل، وإبداء الاستعداد لإبرام صفقات تسمح لشركات النفط والغاز الأميركية بالقيام بالعمل في سوريا. وفي بيان رسمي، أعلن البيت الأبيض أن ترامب طلب من الشرع المساعدة في منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، و”تولّي مسؤولية” مراكز احتجاز عناصره في شمال شرق سوريا، إضافة إلى ترحيل فصائل المقاومة الفلسطينية الموجودة في سوريا، وحثّه على التطبيع مع إسرائيل. ولا شك في أن عملية رفع العقوبات لن تكون فورية، إذ من المرجّح أن تتحول بعض المطالب الأميركية إلى شروط وضغوط تفاوضية، ولكن رفع بعضها على الأقل بمرسوم رئاسي، ولا سيما تلك التي تمنع التحويلات المالية، سيسهم في إنعاش الاقتصاد السوري.

العامل الصيني

ثمّة عامل آخر شديد الأهمية يؤكد البعد البراغماتي والعملي في مقاربة ترامب لجولته في المنطقة وتركيزه على الصفقات التجارية والاستثمار، ويتعلق بالمنافسة التجارية والتكنولوجية مع الصين، وتحديد صاحب اليد العليا في المنافسة على كسب النفوذ داخل الخليج. وتبرز في هذا السياق مسألة مدى استعداد إدارة ترامب لرفع القيود المفروضة على بيع مئات الآلاف من أشباه الموصلات المتقدمة (الرقائق الإلكترونية) إلى الإمارات والسعودية. ومن هذا المنطلق، أصدر ترامب قراراً بإلغاء “قاعدة انتشار الذكاء الاصطناعي” التي وضعتها إدارة بايدن، وفرضت بموجبها قيوداً على تصدير أشباه الموصلات المتقدمة إلى دول شملت الإمارات والسعودية، إضافة إلى الهند والمكسيك وإسرائيل وبولندا ودول أخرى خشية “تسريبها” إلى الدول المعادية، وخاصة الصين. وتدرس إدارة ترامب حالياً صفقة محتملة لتوريد مئات الآلاف من أكثر شرائح الذكاء الاصطناعي الأميركية تطوراً إلى شركة G42، وهي شركة إماراتية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، كانت قد قطعت صِلاتها بالشركاء الصينيين تمهيداً للدخول في شراكة جديدة مع الشركات الأميركية. كما أعلن البيت الأبيض عن صفقات أخرى مع السعودية تضمنت التزاماً من شركة Humain، وهي شركة ذكاء اصطناعي في الرياض مملوكة للدولة، ببناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي باستخدام مئات الآلاف من شرائح Nvidia الأميركية المتقدمة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وتؤكد تقارير أميركية أن دخول إدارة ترامب في مفاوضات مع الإمارات والسعودية حول الشراكة في تكنولوجيا الذكاء الصناعي يشير إلى ترجيح الكفّة لصالح الرأي القائل إن تعزيز التفوق التجاري والتكنولوجي الأميركي على الصين يتطلب مثل هذه الشراكة والاستثمارات. ويمثّل هذا التوجه الموقف الذي تتبنّاه الرياض وأبو ظبي، اللتان تؤكدان أنه إذا كانت الولايات المتحدة تسعى لشراكتهما، وتطالب بتقييد علاقاتهما التكنولوجية المتقدمة مع الصين في سياق سباق التسلح العالمي في الذكاء الاصطناعي، فإن على واشنطن القيام بدورها في رفع القيود المفروضة على تقنياتها. وفي المقابل، لا يزال هناك تيار داخل إدارة ترامب يرى أن شراكةً مثل هذه تحمل مخاطر جمّة حول إمكانية تسرب التقنيات الحيوية إلى الصين.

خاتمة

يمنح تماسك الحزب الجمهوري وتوحده خلف الرئيس ترامب قوة كبيرة له في رسم السياسة الخارجية، من دون الالتفات إلى القيود الداخلية التي كانت تحدّ من قدرة رؤساء سابقين على الحركة. ويشمل ذلك قرارات بارزة منها تخلّيه عن الدعم المطلق لأوكرانيا، وتأييده المحادثات المباشرة مع إيران حول برنامجها النووي. بل إن نتنياهو الذي لم يتردد في تحدي الرئيس الأسبق باراك أوباما وكذلك بايدن في ملف المفاوضات النووية مع إيران وملفات أخرى، التزم الصمت إزاء قرار ترامب استئناف المفاوضات مع إيران، وتفاوضه مرتين مع حركة حماس من دون تنسيق مع إسرائيل، وتوصله إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين، واعترافه لاحقًا بحكومة الشرع في سورية. وتجسد هذه الخطوات السابقة مجتمعة، إلى جانب جولته الخليجية والصفقات التي عقدها خلالها، مقاربة ترامب لشعار “أميركا أولاً”. ومع ذلك، لا ينبغي أن يحجب هذا التوجه بُعدًا آخر يتمثّل في الطابع الشخصي المحتمل لتحركات ترامب ومكاسبه، خاصة في ظل تركيزه على الصفقات التجارية والاستثمارية، بدلًا من المصالح الاستراتيجية الأوسع للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فالمنطقة باتت موطنًا للعديد من المشاريع الجديدة لشركات عائلة ترامب، بما في ذلك أبراج ترامب السكنية في دبي وجدة. كما قدّم صندوق استثماري إماراتي دعمًا لعملة ترامب الرقمية في وقت سابق من هذا العام. ويبدو أن دول الخليج تنظر إلى الطابع التعاقدي والبراغماتي لترامب باعتباره فرصة لها لتعزيز تحالفاتها الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، تبقى الإشارة ضرورية إلى أن زيارة ترامب للمنطقة لم تسفر عن أيّ انفراجة في ملف قطاع غزة؛ فعلى الرغم من استيائه المعلن من التصعيد العسكري الإسرائيلي هناك، فإنه لم يتخذ أيّ خطوات فعلية للضغط على نتنياهو لوقفه.

————————————

لماذا ترفع العقوبات عن دمشق؟/ عبد الرحمن الراشد

18 أيار 2025

كانَ للعقوبات على سوريا أن تمتدَّ لعام أو أعوام مقبلة لاعتبارات منها غموضُ المستقبل السياسي في سوريا، وتحفظاتُ البعض على القيادة الجديدة، أو مخاوفُ قوى مثل إسرائيل. فالولايات المتحدة لا ترفع الحظرَ إلَّا بعد اختبار طويل، فقد سبقَ أنْ سلَّمت ووقعت اتفاقاً مع طالبان، ولا تزال أفغانستان تحت طائلة العقوبات الاقتصادية منذ أربع سنوات. كما أنَّ الاختلاف حول رفع العقوبات من عدمِه محتدمٌ داخل الإدارة الأميركية نفسها.

لهذا جاءَ اللجوء مباشرة إلى الرئيس دونالد ترمب، وعبر حليفٍ موثوق هو السعودية، فكانَ أقصرَ الطرق. ويتطلَّب جهوداً مكملة من قبل حكومة الشرع التي عليها أولاً أنْ تقدّمَ المزيدَ من التطمينات باحتواء القوى المحلية، وحمايةِ الأقليات، وبذلِ المزيد ضد الفكر المتطرف الذي سيهدّد سلطةَ أحمد الشرع نفسَها ما لم تحاربه.

وجهة نظر الذين يعارضون رفعَ العقوبات ترتكز على أنَّ النظامَ الجديدَ هو تنظيمٌ مُصنفٌ إرهابياً، وعليه أن يثبتَ العكس. وهناك مطالب اشترطتها الحكومة الأميركية، خمسة منها أشار إليها ترمب بعد لقائه الشرع. أولها إخراج المقاتلين الأجانب، والثاني المساعدة في محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا، والثالث إبعاد التنظيمات الفلسطينية، وتولي إدارة مراكز احتجاز مقاتلي «داعش»، والخامس، التوصل إلى علاقة مع إسرائيل.

لكن قبل الخوض في إمكانية تنفيذ هذه الشروط على حكومة الشرع، من المناسب الترافع حول لماذا يستحق النظام السوري الجديد أن يعطى «الفرصة»، كما سماها ترمب.

أولاً الشرع ونظامه في سوريا هو حقيقة وأمرٌ واقع على الجميع التعامل معه، وهو الحال مع أنظمة أخرى في المنطقة فيها ميليشيات وتتعاون معها. والواقع يقول أن تغيير النظام الجديد ليس مطروحاً، والعودة للحرب مرفوضة، والشعب السوري يستحق أن يخرج من النفق المظلم.

ثانياً، إبعاد النفوذ الإيراني من سوريا نتيجة ذات قيمة كبيرة غيَّرت مسار تاريخ المنطقة ومستقبلها وليس فقط سوريا. وحرَّرت الشمال العربي، سوريا ولبنان وفلسطين. ولولا التغول الإيراني في دمشق ونتائجه الوخيمة على المنطقة، ربما ما تغيَّر الوضع القديم. إضعاف النظام الجديد سيعيد إيران سواء نتيجة الفوضى المحتملة أو ضعف دمشق.

الثالث، أنَّ إعادة العقوبات أسهل من رفعها، في حال اتضح أنَّ دمشق لم تفِ بوعودها. أما العكس، عدم رفعها، سيشجّع على التمرد والفوضى، أو دفع دمشق نحو محاورَ أخرى تتسبَّب في المزيد من التوتر الإقليمي.

الرابع، إسرائيل اليوم هي ضابط الإيقاع في تلك المنطقة. ولا يمكن مقارنة دمشق بكابل وحكومة الشرع بطالبان التي لا يجاورها من يوازنها. دمشق في مرمى القوات الإسرائيلية التي أصبحت تتمتعَّ بهيمنة واسعة وترسم لجيرانها خطوطاً حمراء تشمل أنواع السلاح والمسافات والمواقع، وبالتالي إسرائيل أصبحت الضامن لاعتباراتها هي. ولبنان اليوم نموذجٌ تحت الهندسة الأمنية الإسرائيلية.

بين القبول بالأمر الواقع، والمخاوف من الفوضى، والعودة الإيرانية فإنَّ خيار المجتمع الدولي والإقليمي الأسلم هو إعطاء دمشق ما تحتاجه لإعادة الحياة لهذا البلد المدمر. ومن حق الجميع أن يضعوا شروطهم التي تهدف لاستقرار سوريا وأمن المنطقة معاً. سوريا تقع في قلب منطقة الأزمة، وفي حال تركها ستهددها الفوضى ونتائجها الوخيمة مؤكدة، ليبقى الخيار الأهون منحها الفرصة مع ما قد تحمله من «مغامرة» يمكن التعامل معها في أسوأ الأحوال.

التعاون العربي مع دمشق عن قرب اليوم، خير من محاولة تدارك الوضع مستقبلاً. ولو جئنا بعد عام أو عامين نحاول إصلاح الوضع، فالأرجح سيكون الكسر أصعبَ على الجبر. ويمكن القول إنّه ما بين 7 ديسمبر الماضي وحتى اليوم، بين المخاوف والآمال، قدمت حكومة الشرع أدلةً على انفتاحها واستعدادها للتعاون، وبالتأكيد المتوقع منها أبعد من ذلك.

المطالب الأميركية تبدو محرجة في العلن، إنَّما تصب في صالح دمشق في الأخير. فحظر المقاتلين الأجانب مطلوب من كل الحكومات، ومحاربة الإرهاب ملزم دولياً. أما التنظيمات الفلسطينية هناك، فهي في الحقيقة ميليشيات تابعة لنظام الأسد السابق، كانَ يستخدمها في لبنان ضد الدول العربية، باستثناء «حماس»، فقد كانت ليست سورية.

المتوقع أنَّ الشرع سيخرج كل هذه الجماعات، برغبته، كما أخرجها الأردن من قبل، ويحاول لبنان التخلّصَ من ما تبقى منها.

ماذا عن شرط الانخراط في اتفاق مع اسرائيل،؟ للتذكير فإن الشرع ووزراءه سبقوا ترمب بالحديث مرات عن استعدادهم لذلك في إطار مشروع سلام عربي. ومهما كانت بقية المخاوف، التي لم استطرد فيها، فإن المنطقة قادرة على الاستيعاب والتغيير، ويبقى هذا خيراً من ترك البلاد تقع فريسةً للفوضى الأخطر على الجميع.

ونتوقع أن تتفهم حكومة دمشق وتبتعد عن التجاذبات الإقليمية والدولية المعقدة. والحق يقال أنَّ الرئيس الشرع كان يلمح في كثير من تصريحاته على انفتاحه على الجميع ورغبته في التركيز على التنمية والتطوير.

الشرق الأوسط

——————————

هل يستطيع الشرع تحقيق مطالب ترامب؟/ عبد الرحمن الحاج

18/5/2025

عندما رجعت المبعوثة الأميركية باربرا ليف (مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط) من لقاء استكشافي للقيادة الجديدة بدمشق في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2024 قالت إنها ترى في الشرع شخصًا “براغماتيًا”، وإنها سمعت منه تصريحات “عملية ومعتدلة للغاية”، وخلصت إلى أن السوريين الآن “لديهم فرصة نادرة لإعادة بناء وتشكيل بلادهم”، وكانت ليف قد أبلغت الشرعَ بقرار واشنطن إلغاء المكافأة المرصودة (10 ملايين دولار،) والتي عرضتها واشنطن سابقًا مقابل الحصول على معلومات تؤدّي للقبض عليه.

وفي اليوم التالي لتولّي ترامب رئاسة الولايات المتحدة أرسل الرئيس أحمد الشرع رسالة تهنئة “باسم قيادة وشعب الجمهورية العربية السورية”، تضمّنت رسالة التهنئة توددًا ملحوظًا، حيث قال فيها عن ترامب “إنه القائد الذي سيجلب السلام إلى الشرق الأوسط ويعيد الاستقرار إلى المنطقة”، وإنه (الشرع) يتطلع إلى “تحسين العلاقات بين البلدين بناء على الحوار والتفاهم”، و”إقامة شراكة تعكس تطلعات البلدين”، ولم ترد الإدارة الأميركية على الرسالة، وأظهرت بعض التحفظ والغموض في التعامل مع الشرع الذي كان قد أصبح رئيسًا للمرحلة الانتقالية ابتداءً من 29 يناير/ كانون الثاني 2025 بموجب تفويض القيادة العسكرية.

يرجع هذا التحفظ إلى عدم تبلور تصور واضح لإدارة ترامب عن الإستراتيجية التي ستتبعها في سوريا، وتأثرها بوجهة النظر الإسرائيلية، وهو توجه كان يقوده مسؤولون في مجلس الأمن القومي، بالإضافة إلى مديرة المخابرات تولسي غابارد، ومدير قسم مكافحة الإرهاب سباستيان كورغا، والذي يرفض أي انخراط مع الحكم السوري الجديد، وينظر إلى الإدارة في سوريا من خلال التصنيف الدولي لـ”هيئة تحرير الشام” وقياداتها، ومن خلال تاريخهم في الانخراط في منظمات جهادية.

الشروط الثمانية

على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في 18 مارس/ آذار الماضي، سلّمت ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية بمكتب شؤون الشرق الأدنى، قائمة بثمانية شروط/ مطالب إلى وزير الخارجية أسعد الشيباني في اجتماع شخصي، للبدء في تخفيف العقوبات، وإعطاء رخصة لمدة عامين، تتضمن هذه الشروط “إصدار إعلان رسمي عام يحظر جميع الفصائل الفلسطينية والأنشطة السياسية”، والموافقة على قيام أميركا باستهداف أي شخص تعتبره واشنطن تهديدًا لأمنها، وتصنيف كل من “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” اللبناني تنظيمَين إرهابيين، والتعهد بالتعاون مع المنظمة الدولية لنزع سلاح الدمار الشامل لتدمير ما تبقى من مخزون السلاح الكيميائي، وضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الجيش، والتزام علني بمحاربة تنظيم الدولة بالتعاون مع التحالف الدولي، وتشكيل لجنة للبحث عن المفقودين الأميركيين في سوريا، والتعهّد بتسلم عائلات تنظيم الدولة من معسكر الهول الواقع تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”.

مثلت الشروط بداية انخراط أميركي مع الإدارة الجديدة، وهو توجه كان يدعمه وزير الخارجية ماركو روبيو، ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، بناء على المكاسب التي يحققها هذا الانخراط في تثبيت خسائر إيران الإستراتيجية التي تحقَّقت، وتعزيز استقرار الشرق الأوسط، وقد عكست الشروط ذلك التوجّه بوضوح.

كانت معظم المطالب الأميركية الثمانية تتلاقى بطبيعة الحال مع مساعي دمشق لتحقيق الاستقرار، باستثناء مطلبَين: حظر الفصائل الفلسطينية وتولي أجانب مناصب قيادية في الجيش، ولم يتأخّر الرد، فقد أرسلت الخارجية السورية رسالة موقّعة من وزير الخارجية الشيباني في 14 أبريل/ نيسان تضمّنت الوثيقة إبلاغًا بأن دمشق شكّلت لجنة خاصة لـ”مراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية”، مع تأكيد أن الدولة السورية “لن تسمح للفصائل المسلحة غير الخاضعة لسيطرة الدولة بالعمل داخل أراضيها”، وتعهدًا بعدم السماح باستهداف إسرائيل من خلال الأراضي السورية، وتوضيحات بشأن التقدم في ملف الأسلحة الكيميائية، والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وأظهر الرد تقدمًا محدودًا في تلبية مطالب أخرى، مثل إبعاد المقاتلين الأجانب عن المواقع القيادية، لكن بحسب الوثيقة تعهدت دمشق بعدم منح مزيد من الرتب والمناصب القيادية للأجانب في الجيش، وتحفظًا يتعلق بقضايا سيادية مثل منح الولايات المتحدة صلاحيات تنفيذ ضربات مضادة للإرهاب، وحرية تحرك قوات التحالف داخل الأراضي السورية.

وعلى الرغم من التحفظات كانت الرسالة بمنزلة رد إيجابي على المطالب الأميركية، نُظر إليه في الولايات المتحدة على أنه تقدم في مساعي الحكومة في دمشق لرفع العقوبات، وكانت الرسالة الجوابية قد أرسلت قبل أيام قليلة من قيام السلطات السورية باعتقال مسؤولين فلسطينيين تابعين لحركة الجهاد الإسلامي، تمهيدًا لزيارة مهمة للشيباني إلى نيويورك، مع وزراء آخرين، التقى فيها بمسؤولين أميركيين على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن.

مطالب ترامب

وفي سياق المساعي الضخمة المبذولة من الحلفاء الإقليميين والدوليين لرفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا مهّدت الرسالة للتعاطي الإيجابي مع دمشق، ومع وصول تلك الجهود إلى نهايتها، أعلن ترامب رفع العقوبات بالكامل عن سوريا، في 13 مايو/ أيار الجاري، وشكل هذا الإعلان حدثًا كبيرًا تلقّاه السوريون بسعادة بالغة.

وفي اليوم التالي لإعلان ترامب رفع العقوبات التقى الشرع بحضور الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أونلاين)، وبحسب بيان البيت الأبيض فإن ترامب الذي بدا معجبًا بالرئيس الشرع قدم 5 مطالب، بحسب ما ورد في وكالة رويترز:

    الانضمام إلى اتفاقية أبراهام مع إسرائيل.

    مطالبة جميع الإرهابيين الأجانب بمغادرة سوريا.

    ترحيل الإرهابيين الفلسطينيين.

    مساعدة الولايات المتحدة على منع عودة تنظيم الدولة.

    تحمل مسؤولية مراكز احتجاز تنظيم الدولة في شمال شرق سوريا.

من الواضح أن جزءًا من المطالب الأميركية تغيّر بعض بنوده وأصبح أكثر جرأة، فقد كان على الأميركيين على ما يبدو أن يحصلوا على بعض تعهدات من الرئيس الشرع بخصوص قضايا إستراتيجية تهم الأميركيين والإسرائيليين مقابل الخطوة الأميركية الكبيرة في رفع العقوبات والاعتراف بالحكومة الانتقالية في دمشق، كما أن جزءًا من هذه المطالب الجديدة يرجع إلى التحفظات، أو الخطوات غير الحاسمة التي اتخذتها دمشق بخصوص الفصائل الفلسطينية، وجزءًا آخر يرجع إلى ضمان عدم عودة إيران إلى المنطقة ومحاربة الإرهاب، والجزء الثالث والأخطر يتعلق بإسرائيل وعقد اتفاق سلام معها.

إخراج الفصائل الفلسطينية

يُظهر الطرح الأميركي تشددًا غير مسبوق بخصوص الفصائل الفلسطينية، المقصود بدرجة رئيسية هنا حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والانتقال من حظرها إلى إخراجها من سوريا، ويبدو أن تشكيل لجنة مختصة بمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية، وضمان عدم استهدافها إسرائيل من الأراضي السورية لم يكن كافيًا، تريد الولايات المتحدة ضمان عدم وجود أي فصيل فلسطيني على الأراضي السورية، وهذا بطبيعة الحال يقصد به قيادات الفصائل السياسية والعسكرية.

يواجه الشرع، الذي يسعى لأن يظهر التزامًا يعزز الثقة به في الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، قرارًا صعبًا، وصعوبة هذا القرار تكمن في أن القضية الفلسطينية تمثل جزءًا من وجدان الشعب السوري، ووجدان الشرع نفسه، الذي كرر ذكر القضية الفلسطينية في معظم مقابلاته قبل التحرير، إضافة إلى أنها قضية عربية وإسلامية وعالمية، أي أنها معززة بطبقات من الوجدان الإنساني، ومن الصعب الفصل بين القضية الفلسطينية والفصائل الفلسطينية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي.

الخيارات المتاحة للشرع محدودة بخصوص التعامل مع الفصائل الفلسطينية، وسيتعين عليه التعاون مع الحلفاء الإقليميين مرة أخرى لتفادي تنفيذ سيناريو سيئ لهذا المطلب، ومن المحتمل أن تقوم تركيا وقطر بدور مهم في هذا السياق، في استضافة قيادات الفصائل التي أغلقت مكاتبها في دمشق بطبيعة الحال، وستمثل هذه الاستضافة مخرجًا معقولًا يحفظ الكرامة لهم وللقيادة السورية.

معظم قادة هذه الفصائل غادروا دمشق، خلال الأشهر الفائتة، إما بسبب القصف الإسرائيلي، أو بسبب الضغوط ومحاولتهم ألا يشكلوا عبئًا محرجًا لدمشق التي تحاول النهوض من تحت الركام، وبكل الأحوال فإن لدى هذه الفصائل مكاتبها في لبنان، ولا تزال تتمتع ببعض الحرية في نشاطها هناك، ما يجعل لدى هذه الفصائل هامشًا للمناورة يسمح لها بالبقاء قريبة من فلسطين.

الانضمام إلى اتفاقية أبراهام

كان أول المطالب المذكورة في بيان البيت الأبيض هو طلب توقيع اتفاقية أبراهام مع إسرائيل، وهي “معاهدة للسلام والتطبيع الكامل للعلاقات الدبلوماسية بين الأطراف الموقعة مع إسرائيل، واتخاذ تدابير لمنع استخدام أراضي أي منهما لاستهداف الطرف الآخر”.

وعلى الرغم من أن الشرع تحدث في اللقاء، كما أشار بيان البيت الأبيض، عن الالتزام باتفاق الهدنة (فض الاشتباك) عام 1974، فإن ترامب ألحّ على الشرع، كما يوضح ترامب نفسه في لقاء صحفي على متن طائرته، بالتعهد بتوقيع اتفاقية أبراهام مع إسرائيل، فكان رد الشرع بالإيجاب.

ثمة العديد من العقبات تحول دون توقيع اتفاق سلام جديد مع إسرائيل، فمن جهة لا يملك الشرع في المرحلة الانتقالية صلاحية عقد مثل هذه الاتفاقية، فهو يملك صلاحيات محدودة، فهو رئيس غير منتخب، كما يتطلب مثل هذا القرار وجود برلمان منتخب، ومن جهة أخرى يجب معالجة وضع الأراضي المحتلة، لا يمتلك الشرع الآن صلاحية التنازل عنها، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى ارتدادات وإضعاف الدعم الشعبي الذي يتمتع به، فقد مثلت قضية الجولان واحدة من القضايا الرئيسية للطعن في شرعية نظام الأسد السابق.

بكل الأحوال الالتزام بتوقيع اتفاقية أبراهام غير محدد الأجل، ويتطلب إذا ما أراد الشرع تنفيذه ضمان استقرار البلاد، والحفاظ على الشرعية التي حصدها بإنجازاته المتتالية، وصحيح أن السياسي في بعض اللحظات مضطر للذهاب إلى خيارات قاسية، إلا أن الالتزام بتوقيع الاتفاق غير المحدد بزمان يتيح للشرع هامشًا واسعًا للمناورة، ويدرك الأميركان أن هذا ليس أمرًا يسيرًا يمكن أن يتم بين يوم وليلة حتى لو أراد الشرع ذلك، فثمة عوامل موضوعية تجعل من الواقعي تمامًا اعتبار هذا الالتزام مجرد توجه عام في الوقت الراهن، سيكون من نتائجه “اتخاذ تدابير لمنع استخدام أراضي أي منهما لاستهداف الطرف الآخر”.

ومن المحتمل أن يكون حرص ترامب على أخذ التزام من قبل الشرع بالانضمام إلى اتفاقية أبراهام هو مستند أيضًا لضبط الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، ومنع الإسرائيليين من القصف المستمر وغير المبرر في الأراضي السورية، ووقف تهديداتهم، فقد كان هذا واحدًا من المطالب السورية والتي كررها الحلفاء مع الأميركيين الذين يملكون وحدهم القدرة على لجم نتنياهو، خصوصًا مع ظهور تباين في موقف الإدارة الأميركية مع نتنياهو وحكومته.

المجموعات المصنفة تحت لوائح الإرهاب

طلب ترامب “مطالبة جميع الإرهابيين الأجانب بمغادرة سوريا”، والمقصود بذلك جماعات وشخصيات غير سورية مصنفة إرهابية، ينطبق ذلك على تنظيم الدولة، وعلى الفصائل المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، والجماعات الجهادية الأخرى المندرجة في القوائم الأميركية للإرهاب.

ومن الواضح أن معظم ما هو مصنف من الجماعات الأجنبية في سوريا في قوائم الإرهاب هم جهات معادية للسوريين عمومًا، ومعادية بشكل خاص للقيادة السورية الجديدة، وهي تبذل أقصى الجهود لمنعها من التواجد في سوريا، وأعني بذلك تنظيم الدولة والمليشيات الشيعية، والحرس الثوري، وحزب الله، ولكن المشكلة تتعلق بأفراد محدودين ومجموعات صغيرة متواجدة في سوريا، وبعض هؤلاء لعب دورًا في العمليات العسكرية ضد نظام الأسد.

ليس كل المقاتلين الأجانب البالغ عددهم نحو 2500 في هيئة تحرير الشام مصنفين تحت القوائم كإرهابيين، فمعظمهم من قومية الإيغور الصينية (التركستان)، وقد تم إزالتهم من التصنيف عام 2020، وعلى الأغلب سيتم تجنيس هؤلاء وتوطينهم ودمجهم بالمجتمع السوري، خصوصًا أن الكثيرين منهم خلال العقد المنصرم أقاموا علاقات زواج مع السوريين وصار لديهم عائلات، ولديهم إسهامات مهمة في العمليات العسكرية ضد نظام الأسد، وبشكل خاص في معركة ردع العدوان أو معركة التحرير.

من الصعب على الشرع بدون شك التخلي عن رفاق الدرب، يتعلق الأمر بشكل خاص ببعض المقاتلين العرب والأجانب، لكن يمكنه أن يدفعهم للتواري عن المشهد، ويأخذ تعهدًا بالتزامهم بعدم النشاط في سوريا أو اتخاذ الأراضي السورية منصة لاستهداف أنظمة بلدانهم، في حين يمكنه الطلب من التنظيمات التي صنفت كتنظيمات إرهابية المغادرة، إذا كان ذلك ممكنًا، مثل الشيشان، ومعظم هذه التنظيمات المصنفة لم تكن على وفاق مع الشرع، ما يسهل له إمكانية طلب المغادرة منها.

كما يمكنه تخيير بعض الشخصيات بين اللجوء السياسي ومنعهم من النشاط السياسي انطلاقًا من الأراضي السورية، أو المغادرة، قد يكون هذا مقبولًا للأميركيين، الذين يدركون أن التطبيق الحرفي ليس دائمًا ممكنًا في السياسة، ويظهر إسقاط مطلب عدم تولي القادة الأجانب مناصب قيادية في الجيش نوعًا من الرضا الأميركي عن طريقة معالجة الأمر من قبل الشرع، التي شُرحت في رسالة الخارجية للرد على المطالب الثمانية.

تنظيم الدولة وقسَد

البند الخامس المكرر في المطالب الثمانية ومطالب ترامب والمتضمن تعهدًا بـ”تحمل مسؤولية مراكز احتجاز تنظيم الدولة في شمال شرق سوريا” يشير إلى تأكيد انسحاب الجيش الأميركي من شمال شرق سوريا، وتفكيك الإدارة الذاتية، ويتطلب هذا التعهد القيام بجملة إجراءات، منها التفاهم مع قيادة قسَد، وهو أمر حدث في اتفاق المبادئ الذي وُقّع برعاية أميركية في القصر الجمهوري بين مظلوم عبدي والرئيس الشرع، والبدء بتنفيذ الترتيبات الميدانية على الأرض، وضمان تسلم مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، وبشكل خاص المؤسسات الحيوية (النفط والسدود)، وهو أمر جارٍ على الأرض، وإن كان يلقى ممانعة وعرقلة من قبل قيادات قسَد، ولربما يكون لحل حزب العمال الكردستاني نفسَه أثر قوي في تسريع تنفيذ الاتفاق وتسلم السلطة المركزية بدمشق جميع المرافق والمؤسسات، وبسط نفوذها على جميع الأراضي السورية، بما في ذلك مراكز احتجاز أسر مقاتلي تنظيم الدولة في مخيم الهول وأماكن أخرى.

كل الظروف الآن باتت مهيأة لدمشق لتحقيق ذلك، والتأكيد على المطلب الخاص بتسلم مسؤولية مراكز الاحتجاز يتضمن رسالة لقسد من جهة، بأن الأمر منتهٍ، ويجب تنفيذ الاتفاق، ومن جهة أخرى التأكيد على مسؤولية الإدارة السورية في مكافحة الإرهاب، وهو ما يعني التعامل مع دمشق كشريك في هذا الملف، ما يجعل مطلب التفويض بالضربات العسكرية لقوات التحالف بدون موافقة دمشق غير وارد مرة أخرى، ويبدو أن الإدارة الأميركية تفهّمت الحساسية وتأثيره على استقرار الدولة وتعزيز السلطة المركزية التي يعني استقرارها استقرار الشرق الأوسط كله.

الآفاق

كما هو ملاحظ فإنّ بعض هذه المطالب قابل للتنفيذ الفوري، لكن معظم المطالب الأخرى إستراتيجية طويلة الأمد، يحتاج تنفيذها من جهة وقتًا طويلًا، ومن جهة أخرى يجب التعامل معها بطريقة نسبية تسمح بتنفيذها على مراحل وبطرق مختلفة تحقق الهدف، دون أن يعني ذلك تنفيذًا حرفيًا، غير أن الأهم بالنسبة للإدارة الأميركية أن ترى في دمشق التزامًا ملحوظًا بما تعهّدت به يسمح بتحوّل الشرع إلى حليف موثوق.

وبالنسبة لدمشق فإن الالتزام في حدود الممكن، يعزز فرص استقرار سوريا وانتقالها للحلف الغربي والتخلص من الإرث البائس للنظام السابق، ويمكن أن يستفاد منها لتعزيز الاعتدال ومواجهة التشدد في الجناح المتشدد في هيئة تحرير الشام المنحلة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أكاديمي وباحث متخصص في الحركات الإسلامية

الجزيرة

———————————-

حين يلتقي الشعبوي بالجهادي: صفقة تتجاوز التوقعات/ وائل السواح

19.05.2025

شكّل لقاء ترامب والشرع لحظة مفصلية لا تخص سوريا وحدها، بل تعكس انقلاباً أوسع في النظرة الأميركية إلى العالم: من تبني المشاريع القيمية إلى التماهي مع منطق القوة والوقائع.

لو سئل عشرة محللين سياسيين قبل عشرة أيام إن كانوا يرون أن لقاء يجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع ممكن، لأجاب تسعة منهم على الأقل بأن ذلك مستحيل أو بعيد المنال.

ومع ذلك، في الثالث عشر من أيار/ مايو، فاجأ ترامب المحللين ومعهم العالم بلقائه مع الشرع في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شخصياً، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان افتراضياً. وتلا اللقاء إعلانه قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا. وكان سبق ذلك اللقاء، وربما مهد له، لقاء جمع الشرع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس.

جاء هذا التطور في لحظة حرجة من تاريخ سوريا والمنطقة، بعد أكثر من عقد من العزلة والعقوبات والانقسامات والصراعات الإقليمية والدولية على الساحة السورية. لم يكن اللقاء مجرد حدث بروتوكولي عابر، بل تجلياً لتحوّل استراتيجي كبير في السياسة الأميركية تجاه الملف السوري، قد تكون له تداعيات بعيدة المدى. وهو بالتأكيد لم يأت من فراغ، بل كان – على الأرجح – نتيجة أسابيع من الحراك الدبلوماسي المكثف، أعادت خلاله قوى إقليمية أساسية، في مقدمها الرياض وأنقرة، وضع الملف السوري على طاولة البحث كأولوية سياسية مشتركة. في هذا السياق، يمكن القول إن قرار رفع العقوبات لم يكن أميركيا صرفاً، بل ثمرة توافق إقليمي – دولي على إعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي ضمن معادلات جديدة تراعي المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة.

لا بد أن للرئيس ترامب حساباته الخاصة، فهو آخر من يهتم فعلاً لحال السوريين، وقد لعب – كعادته – لعبة ماكرة جعلت منه حديث العالم مجدداً. أما بالنسبة الى السوريين، فقد كان رفع العقوبات مطلباً محقاً، ولذلك انفجر الشارع السوري بفرحة عارمة فور سماعهم بالخبر، فهم يدركون أن من دون رفع العقوبات لن تكون هناك مساعدات ولا كهرباء ولا إعمار ولا وظائف.

أما الأميركيون، فهم منقسمون بين ثلاث فئات: فأنصار ترامب يسيرون معه بعيون مغمضة، لا يناقشون أياً من أفعاله؛ في حين ينقسم الآخرون بين من يتعامل مع رفع العقوبات بتسامح، آملا بأن يخفف ذلك من معاناة السوريين، وبين من يرى أن ترامب قد صافح فعلياً “إرهابياً” على يديه آثار دماء جنود أميركيين سقطوا في العراق.

ولسنا نعرف، على وجه اليقين، ما إذا كان الشرع قد قتل فعلاً جنوداً أميركيين، ولكننا نعلم أنه قاتل في صفوف “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” بقيادة أبي بكر البغدادي، الذي أصبح لاحقاً “خليفة” الدولة الإسلامية. وبينما يحتاج الجزم بمشاركته في تلك العمليات إلى تحقيقات مطوّلة وأحكام قضائية، فإن افتراض ذلك لا يبدو مبالغاً فيه.

في مقال افتتاحي نشرته “وول ستريت جورنال” غداة لقاء الرجلين في الرياض، لم تُخفِ الصحيفة – على رغم إقرارها بضرورة الواقعية السياسية – قلقها من انقلاب الخطاب الترامبي وتخلي واشنطن عن مشاريع “بناء الدولة” والديمقراطية الليبرالية. كما حذرت أصوات داخل الكونغرس والإعلام من أن “الرهان على جهادي سابق” قد تكون له نتائج عكسية، ما لم يقترن بتغيير جوهري في سلوك السلطة الجديدة.

ونحن نعلم أن الشرع قد واجه تهديداً بالاعتقال في حال حضوره القمة العربية المرتقبة في بغداد، على رغم دعوة رسمية تلقاها من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وهو ما اضطره للاعتذار عن عدم المشاركة.

تحوّل نوعي في المقاربة الأميركية

ما حصل لم يكن مجرد تعديل عابر في مقاربة واشنطن للملف السوري، بل تحولا جذريا في العقيدة التي حكمت سياساتها في الشرق الأوسط منذ عام 2011. فبعد سنوات من تبني نهج العزلة والعقوبات القصوى، جاءت مقاربة ترامب لتقلب المعادلة، مستبدلة خطاب بناء الدولة ونشر الديمقراطية بسياسة واقعية لا تقيس المواقف بالقيم بل بالنتائج.

ولم تكمن المفاجأة في رفع العقوبات فحسب، بل في هوية الطرف الذي استُقبل بهذا الانفتاح: رجل سبق أن صنّفته الولايات المتحدة كقيادي في جماعة جهادية، ورصدت مكافأة بملايين الدولارات للقبض عليه، ولا تزال حركته مدرجة على قوائم الإرهاب. واليوم، تصفه الإدارة الأميركية بأنه قائد قوي يملك فرصة حقيقية لإعادة الاستقرار إلى سوريا. هذا التحول الحاد في الخطاب والتوصيف يكاد يعلن نهاية فعلية لمرحلة “الحرب على الإرهاب” كنموذج ناظم للسياسة الأميركية، وبداية زمن جديد تُقدّم فيه البراغماتية على ما سواها.

شكّل لقاء ترامب والشرع لحظة مفصلية لا تخص سوريا وحدها، بل تعكس انقلاباً أوسع في النظرة الأميركية إلى العالم: من تبني المشاريع القيمية إلى التماهي مع منطق القوة والوقائع.

لم تعد واشنطن تسعى إلى تشكيل أنظمة على صورتها، بل باتت تقبل التفاهم مع أي سلطة قائمة، ما دامت قادرة على ضبط الأرض وتحقيق التوازنات التي تخدم مصالحها. لقد غادرت دورها كمشرّع ومعيار، لتغدو شريكاً في إدارة الأمر الواقع، أياً كانت هويته.

ولا ينبغي أن يُفهم لقاء الرياض على أنه نتاج مبادرة أميركية منفردة، بل هو ثمرة ترتيب دبلوماسي واسع شاركت فيه أطراف إقليمية ودولية وازنة، في مقدمها السعودية وتركيا وفرنسا. فقرار رفع العقوبات عن سوريا لم يصدر من فراغ، بل جاء تتويجاً لأسابيع من الحراك المنسّق، هدفه إعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي ضمن معادلة جديدة تراعي مصالح الشركاء وتضمن استقرار المنطقة. بهذا المعنى، لم يكن ما حصل في الرياض مجرد لقاء ثنائي، بل محطة فاصلة في صفقة دبلوماسية جماعية أعادت رسم شروط الانخراط الدولي في الملف السوري، وفتحت الباب أمام إعادة تأهيل النظام الجديد وفق ضوابط إقليمية دقيقة.

ارتباك حكومي وتضخيم شعبي

على رغم أهمية الحدث، بدا في الأيام الأولى أن الحكومة السورية الانتقالية غائبة عن إدارة الخطاب السياسي والإعلامي المصاحب لقرار رفع العقوبات، فلم تُصدر أي بيانات فورية توضّح طبيعة القرار أو ترسم ملامح خريطة طريق لكيفية الاستفادة منه. وبدلاً من ذلك، تُرك المجال مفتوحاً لخطاب شعبي احتفالي، بلغ في بعض جوانبه حدّ الشماتة والاستعراض، ليملأ الفراغ ويعيد إلى الأذهان أنماطاً سلطوية سابقة كرّست منطق الغلبة على حساب منطق الشراكة.

وعلى رغم ظهور الرئيس أحمد الشرع بعد أيام من إعلان قرار رفع العقوبات وإلقائه خطاباً مطولاً وجّه فيه رسائل شكر وتقدير لشعوب وقادة دول عربية وغربية دعمت سوريا الجديدة، بدا الخطاب أقرب إلى مهرجان شعاراتي منه إلى بيان سياسي رصين يُفترض به أن يحدّد ملامح المرحلة المقبلة. فقد غلبت عليه العبارات العاطفية والإنشائية، وتكرّرت فيه صيغ المديح والمبالغات، من دون أن يتضمن تصوراً واضحاً لخطة العمل المقبلة أو برنامجاً عملياً لمعالجة التحديات الاقتصادية والأمنية والمؤسساتية الجسيمة التي تواجه البلاد. اكتفى الشرع بعرض علاقاته مع قادة دول الجوار، والاحتفاء برفع العقوبات، من دون أن يتطرّق إلى سبل ترجمة هذا التحوّل إلى سياسات ملموسة داخلية، أو إلى تقديم رؤية متماسكة لبناء دولة جامعة تتجاوز منطق الفصائل، وتؤسس لعقد اجتماعي جديد.

وبذلك، لم يساهم الخطاب في تبديد القلق الداخلي والدولي، بل ربما عمّق الشعور بأن السلطة الجديدة ما زالت تفتقر إلى خطاب دولة، وتكتفي بخطاب وجداني إنشائي لا يقدّم إجابات عن الأسئلة الكبرى.

كان الشرع، في خطابه ذاك، أقرب ما يكون إلى صورة الرئيس الهارب، وأشبه ما يكون بزعيم حزبي قديم، يستخدم اللغة نفسها والشعارات نفسها. فقد خاطب “الشعب السوري العظيم”، واستعاد صور المرحلة “المأساوية تحت حكم النظام الساقط”، حيث “قُتل الشعب، وهُجر الناس، وغُيّب الآلاف في سجون الظلام، وهُدمت مقدّرات الدولة، ونهبت بأيدي القتلة والسراق، وتحوّلت سوريا إلى بلد طارد لأبنائها وجيرانها”. ثم تحسّر على “سوريا الحضارة” التي باتت “غريبة عن تاريخها، وبعيدة عن أصالتها”، بينما “هناك في إدلب العز… كان يُبنى مستقبل سوريا الجديدة”، وقد “تحررت البلاد، وفرح العباد، وفرح معهم أشقاؤنا، بل والعالم بأسره، وعادت روح الانتماء لشعبنا، وظهر جلياً حرصه على دولته الجديدة”.

ومثل خطابات سابقة، غابت عن حديثه مفاهيم المواطنة والديمقراطية وتداول السلطة وحقوق الإنسان، في مقابل تكرار لافت وذي مغزى لكلمات من قبيل “الجوار” و”الجوار،” وكأنه يُسدّد ديناً أو يُوفي نذراً سياسياً. أما المديح، فقد توزّع على قادة المنطقة والرئيس الفرنسي ماكرون، واختُتم بالإشادة الخاصة بترامب، الذي “استجاب مشكوراً لهذا الحب، فكان قراره التاريخي الشجاع برفع العقوبات، باعثاً على نهضة الشعب، وأساساً لاستقرار المنطقة”.

صحيح أن رفع العقوبات عن سوريا مناسبة تستدعي الفرح، لكن الشجاعة السياسية كانت تقتضي من رئيس البلاد في خطابه أن يدعو إلى الوحدة لا أن يتعامل معها كأمر مفروغ منه، وأن يتعهد بفعل ما يلزم لتحقيقها، بما في ذلك محاسبة الجهات التي تفرّط بها وتهدّد مستقبل البلاد ككيان موحد ومستقل. فقد بدا الخطاب الذي تحدث فيه الشرع بعد رفع العقوبات، أقرب إلى نموذج بشار الأسد أو صفوان قدسي، لا إلى خطاب رجل يُفترض به أن يقود بلداً نحو تحوّل تاريخي. وبدلاً من تقديم صورة عن دولة تتجه نحو التعددية والمساءلة، صُوِّر القرار وكأنه “نصر” سياسي لطرف على حساب باقي الأطراف. هذا التوظيف الشعبوي للقرار يهدّد بتقويض الفرصة المتاحة، ويثير قلق الداخل والخارج من نوايا السلطة الجديدة.

ماذا عن الداخل؟

بينما تنشغل الحكومة السورية الجديدة في تلميع صورتها خارجياً، تبدو عاجزة عن تحسين شروط حياة السوريين وضمان أمنهم وسلامتهم. لا تزال البطالة في مستوياتها القصوى، وتنتشر حالات الانتقام الشخصي في مناطق عدة، من الساحل إلى حمص وحلب وريف حماة، فيما يزداد الوضع الأمني سوءاً في الساحل، حيث يفقد كثر من السكان العلويين الشعور بالأمان والكرامة. يتحدث هؤلاء عن سعار طائفي بات يهدد سلامتهم وهيبتهم، وعن تغييرات ديمغرافية متعمّدة يتم فيها احتلال منازلهم، المملوكة سابقاً لموالين للنظام المنهار، ومنحها لأشخاص وافدين من خارج المنطقة.

لا تزال البلاد عمليّاً مقسّمة، ولا تتجاوز سيطرة الحكومة شريطاً ضيقاً يمتد من حلب شمالاً إلى دمشق جنوباً، مروراً بالساحل. أما شرق البلاد وشماله الشرقي، فتسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، بينما تفرض الفصائل المدعومة تركيا نفوذها على أجزاء واسعة من الشمال. ولا تتمتع الحكومة بأي سلطة حقيقية في السويداء ودرعا ومناطق من ريف دمشق، في حين تلوح في الأفق إشارات مقلقة عن تنامي حضور داعش في البادية.

ولا نرى للدولة دوراً في أي من هذه الملفات، كما لا نرى لها موقفاً واضحاً أو تدخلاً حاسماً في مواجهة مظاهر التشدّد الديني التي باتت تطغى على الفضاء العام: من الشوارع إلى الجامعات، ومن المؤسسات العامة إلى الفعاليات المجتمعية. فعلى رغم تطمينات الحكومة بعدم نيتها فرض تعليمات دينية تحدّ من الحريات، إلا أن انتشار هذه الظواهر – خصوصا في مناطق ذات تنوّع ديني – ولّد قلقاً واسعاً، يتضاعف مع غياب موقف رسمي يضبط العلاقة بين حرية الدعوة الدينية ومبدأ حيادية الدولة. وتزداد المخاوف مع تكرار هذه الممارسات في سياقات زمنية ومكانية غير مناسبة، وسط هشاشة مؤسسات الدولة وعجزها المتكرر عن ردعها.

حكاية ميرا

غير أن الغياب الأوضح والأكثر رمزية للدولة يتجلّى في قصة ميرا جلال ثابت. فتاة علوية من ريف حمص، اختفت بعد تلقيها اتصالاً للحضور إلى معهد إعداد المدرسين لأداء امتحان. وبعد أيام، ظهرت على شاشة قناة الإخبارية السورية، محجبة بالكامل بنقاب أزرق، تهمس بأنها تزوجت “عن حب”. غير أن ملامحها المنطفئة، والرجل الممسك بمعصمها، والزي الغريب عن بيئتها الاجتماعية، كلها عناصر فجّرت شكوكاً واسعة بشأن صحة الرواية الرسمية.

ما تمّ تسويقه بوصفه “عودة عروس” بدا لكثيرين “مسرحية رخيصة” لإخفاء جريمة اختطاف وتزويج قسري برعاية أمنية. فقد أنكرت السلطات مسؤوليتها، في حين تعرضت عائلة ميرا للتهديد، واعتُقل والدها. وعلى رغم ذلك، قُدِّمت رواية “الزواج الشرعي” كغطاء لتبرئة الدولة من أي شبهة تواطؤ، في مجتمع مرهق لا يرغب، أو لا يملك رفاهية الاعتراف، بأن أنماط العنف القديمة ما زالت تتكرر بأقنعة جديدة. تحولت ميرا إلى مرآة تعكس انهيار المعنى، وألم الحقيقة التي يخشى الجميع مواجهتها.

 قصة ميرا تتجاوز بعدها الشخصي لتغدو رمزاً دالاً على مأزق الدولة السورية الجديدة، وتناقضات وعيها الجمعي. فلم تُفسَّر عودتها تفسيراً عقلانياً: هل اختُطفت؟ هل هربت؟ هل سُبيت؟ أم أنها اختارت مصيرها بفعل الحب؟ الكارثة لا تكمن في الإجابة، بل في طبيعة الأسئلة نفسها: أين الدولة؟ ولماذا غابت؟ ولماذا فشلت في الحضور حتى بعد وقوع الحدث؟ ومعها غاب أيضاً المجتمع كسلطة تضامنية، وفضل كثيرون تصديق الرواية الرسمية خشية انهيار الوهم القائم على أن الثورة نجحت، وأن الدولة الجديدة تختلف عمّا سبقها.

وأحسب أن من أولى أولويات الدولة، إن أرادت بناء شرعية حقيقية، أن تحضر داخلياً قبل أن تسعى الى الاعتراف الخارجي، وأن تكسب ثقة مجتمعها من خلال الأفعال لا الأقوال، وأن تنهض على أسس وطنية لا على شعارات طائفية أو انتصارات زائفة.

الحذر الغربي: دعم مشروط وتقييم مستمر

وعوداً إلى البداية، لم يُقابل قرار رفع العقوبات بحماسة غير مشروطة في الغرب. ففي الولايات المتحدة وأوروبا، لا سيما في الإعلام المحافظ، صدرت مقالات عدّة تشكّك في نوايا الرئيس الشرع، واعتبرت الخطوة “مجازفة عالية”. وفي افتتاحيتها المعنونة “ترامب يراهن على الجهادي السابق في سوريا”، رأت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن التحوّل الأميركي يعبّر عن فكّ ارتباط متسارع بالقيم التي حكمت السياسة الخارجية لواشنطن طويلاً، ويكشف انزياحاً واضحاً نحو براغماتية صرفة تقيس السياسات بالمصالح لا بالمبادئ.

لكن هذه التحفظات، وعلى رغم كثافتها، لم تتحول إلى معارضة سياسية فعالة، ما يعني أن الغرب – وإنْ كان متردداً – قد قبل بالأمر الواقع، على أن يبقى أي انفتاح لاحق مشروطاً بالأداء الفعلي للحكومة السورية، لا بنواياها المعلنة أو خطاباتها الاحتفالية.

السؤال اليوم لم يعد فقط: ماذا يعني رفع العقوبات؟ بل: كيف سيتم توظيف هذا القرار؟ وهل تملك السلطة الجديدة القدرة والإرادة لترجمته إلى مكاسب وطنية شاملة، أم أنها ستُهدر فرصة نادرة كما أُهدرت سابقاتها؟ فهذه الخطوة الأميركية ليست نهاية مسار، بل بدايته. وقد تفضي إلى استقرار فعلي إذا أحسن التعاطي معها، أو إلى انتكاسة جديدة إذا بقيت البلاد أسيرة منطق الغلبة والاحتكار.

في كل الأحوال، تبقى المسؤولية داخلية قبل أن تكون خارجية. فإمّا أن تمضي الحكومة في تشكيل سلطة انتقالية جامعة تُعيد الاعتبار الى المؤسسات الوطنية، وتضع حداً لحكم الفصائل وتغوّل الأجهزة، وإمّا أن تعيد تدوير الأزمة في لبوس جديد أكثر هشاشة وخطورة.

وحده الأداء السياسي – لا الاحتفال الإعلامي – هو ما سيحسم المسار المقبل. وربما كانت الرسالة الأبلغ صدرت من الرئيس ترامب نفسه، حين قال: “دعونا نرى شيئاً خاصاً من أجل مستقبلكم”. فهل نراه حقا؟

درج

———————————–

ترامب والشرع.. ماذا تريد أميركا من سوريا؟/ صبا عبد اللطيف

18/5/2025

عادة ما تواجه الدول التي تخوض فترات ما بعد النزاعات المسلحة، وتعاني من عدم استقرار أمني واضطراب سياسي، تحديات كبيرة موروثة من زمان الصراع، وهو ما يتطلب عادة من تلك الدول، والأنظمة الجديدة التي تحكمها، البحث عن توازن خاص ودقيق في علاقاتها الدولية لضمان الدعم اللازم للدولة الجديدة، مع الحد من  التنازلات التي قد تُفرض عليها.

وفي السياق السوري، تتعامل الإدارة الجديدة مع الإرث الثقيل لنظام الأسد، وهي تتلمس خطاها للبحث عن التوازن المطلوب وسط العديد من الصراعات المحتدمة والقوى الإقليمية والدولية الساعية لضمان مصالحها.

وتُعدّ الولايات المتحدة الطرف الأهم في صياغة هذا التوازن، نظرًا لاستمرار وجودها العسكري في شمال شرق سوريا، ودورها في دعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتحكّمها المباشر في العديد من أدوات الضغط الاقتصادي والعسكري. غير أن قمة الرياض التي جمعت الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو/أيار 2025، مثّلت نقطة تحوّل في السياسة الأميركية تجاه دمشق، التي تزامنت مع الإعلان عن بدء رفع العقوبات، مقابل التزامات سياسية وأمنية محددة.

كما ظهرت مؤشرات على تحول أميركي في ملف “قسد”، مع إبداء ترامب رغبته بأن تتولى الحكومة السورية الجديدة مسؤولية الإشراف على مراكز احتجاز عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (الواقعة حاليا تحت سيطرة قسد)، بحسب ما ورد في بيان المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفت على منصة إكس. وتعبر هذه الخطوة عن استعداد الولايات المتحدة لتقليص تحالفها مع قسد، والتعامل مع الإدارة السورية الجديدة.

بالتوازي، تلعب واشنطن مؤخرا -على ما يبدو- دورًا موازنًا في ضبط التحركات العسكرية الإسرائيلية في الجنوب السوري، ورغم امتناعها عن انتقاد الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع قرب العاصمة دمشق تحت ذريعة حماية الدروز، فإنها وجهت الدعوة إلى “خفض التصعيد” و”حماية الأقليات الدينية”.

يركز هذا المقال على تحليل الدور الأمني الأميركي في سوريا ما بعد الأسد، وعلى المواقف المتبادلة التي قد تشكل مستقبل العلاقة الثنائية، من خلال تفكيك ثلاث قضايا محورية: سياسة العقوبات والربط بين رفعها وبين شروط أمنية سياسية محددة يتعين على النظام السوري الجديد الوفاء بها، ودور واشنطن في إدارة التوتر الإسرائيلي السوري، وأخيرا مسار العلاقة بين الحكومة الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية.

العقوبات.. بوابة الانفتاح على سوريا

مثّل اللقاء بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأميركي دونالد ترامب مؤخرا تطورًا نوعيًا غير مسبوق في مسار العلاقات السورية الأميركية. فهذا الاجتماع، الذي عُقد في الرياض برعاية سعودية، هو الأول من نوعه بين رئيس أميركي ورئيس سوري منذ 25 عامًا، إذ تعود آخر قمة مماثلة إلى لقاء حافظ الأسد وبيل كلينتون عام 2000.

وحضر القمة إلى جانب ترامب والشرع، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (مضيف اللقاء) بينما شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر دائرة الاتصال المرئي، مما أبرز طبيعة التنسيق الدولي والإقليمي خلف هذا الحدث المفصلي.

ويعكس هذا اللقاء مدى الأهمية التي توليها واشنطن للمتغيرات الجديدة في سوريا، كما يعكس استعداد ترامب للتصرف بشكل غير تقليدي أحيانا، حيث كان اللقاء مع الشرع محل خلاف داخل فريق الرئيس الأميركي حتى قبيل ساعات قليلة من زيارته للمنطقة.

بيد أن لقاء ترامب والشرع لم يكن التطور الوحيد من ترامب تجاه سوريا، حيث أعلن الرئيس الأميركي عزمه رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بصورة تدريجية. ووصف ترامب تلك العقوبات بأنها “وحشية” و”معيقة”، مؤكدًا أنه حان الوقت لكي “تنهض سوريا” من جديد. جاء هذا الإعلان بعد أكثر من عقد من عقوبات مشدّدة عزلت سوريا عن المنظومة المالية العالمية بشكل كلي.

ومن الواضح أن واشنطن اعتمدت مقاربة جديدة في التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، تنتقل فيها من سياسة العزل والعقاب إلى سياسة الانخراط المشروط والدعم الحذر، فقد أبدى المسؤولون الأميركيون استعدادهم للعمل مع سلطات دمشق الانتقالية إذا التزمت بمسار التسوية السياسية وراعت المطالب الدولية، وهو نهج مقارب لرؤية حلفاء أميركا الأوروبيين الذين اعتبروا تشكيل الحكومة الجديدة معلمًا مهمًا في الانتقال السياسي في سوريا.

لم يكن التحول في الموقف الأميركي حيال العقوبات وليد قرار أحادي، بل جاء ثمرة وساطات إقليمية مكثفة وجهود دبلوماسية مشتركة، فقد لعبت السعودية وتركيا وقطر دورًا محوريًا في إقناع إدارة ترامب بمنح دمشق فرصة جديدة؛ إذ كشف ترامب نفسه أن ولي العهد السعودي والرئيس التركي أسهما في التوسط لترتيب اجتماعه مع الرئيس الشرع ولاتخاذ قرار رفع العقوبات.

كما رحبت قطر علنًا بالتوجه الأميركي الجديد، وبرز دعمها عبر القنوات الدبلوماسية لهذه الخطوة. ومن جانبها وجّهت الحكومة السورية الشكر إلى السعودية وقطر وتركيا لمساندتها جهود إنهاء العزلة الاقتصادية عن دمشق، معتبرةً أن وقوف الأشقاء العرب إلى جانبها ساهم بشكل مباشر في صدور القرار الأميركي.

ويعكس هذا التنسيق توجّها إقليميًا على ضرورة انتشال الاقتصاد السوري من أزمته الخانقة وتهيئة الظروف لإعادة الإعمار، باعتبار ذلك جزءًا أساسيًا من ترسيخ الاستقرار في سوريا الجديدة.

خلال المحادثات، طرح الرئيس ترامب بصورة واضحة خارطة مطالب أميركية من القيادة السورية الجديدة كأثمان سياسية وأمنية للتطبيع الكامل معها ورفع العقوبات وإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي. ووفق ما ورد في بيان متحدثة البيت الأبيض، حدد ترامب خمسة مطالب أساسية موجّهة للرئيس الشرع.

أول هذه المطالب هو انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، في تحول جذري عن نهج الصراع السابق، وثانيها هو إخراج كافة المقاتلين الأجانب من سوريا، ويُفهَم منه خصوصًا المليشيات غير السورية التي كانت تنشط إبان الحرب (وفي طليعتها القوات الموالية لإيران)، كما يشمل أيضا المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب الثورة السورية وجرى دمج بعضهم مؤخرا ضمن وزارة الدفاع السورية الجديدة.

أما المطلب الثالث فيتعلق بترحيل كوادر الفصائل الفلسطينية المسلحة المتواجدة على الأراضي السورية (وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي) إلى خارج البلاد، بما يبدد هواجس إسرائيل والولايات المتحدة حيال وجود تلك الجماعات.

بعد ذلك يأتي المطلب الرابع وهو تعزيز التعاون مع واشنطن في مكافحة تنظيم الدولة ومنع عودته للظهور، بينما يُلزِم المطلب الخامس والأخير دمشق بتحمّل المسؤولية الكاملة عن مراكز احتجاز مقاتلي تنظيم الدولة في شمال شرق البلاد بدلًا من الاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي.

من جانبه، أبدى الرئيس أحمد الشرع مرونة لافتة إزاء تلك المطالب، سعيًا منه للاستفادة القصوى من فرصة الانفتاح الأميركي. وبحسب بيان متحدثة البيت الأبيض، شكر الشرع الرئيس ترامب والأمير محمد بن سلمان والرئيس أردوغان على جهودهم في تنظيم اللقاء، معتبرًا أن خروج القوات الإيرانية من سوريا قد أتاح “فرصة مهمة” لاستعادة سيادة سوريا الكاملة وبناء شراكات جديدة.

كما أكّد الشرع -وفق البيان- التزامه الثابت باتفاق فك الاشتباك مع إسرائيل لعام 1974 كأساس لضمان أمن الحدود، وأبدى انفتاحًا على فكرة التحاق سوريا بركب “السلام الإقليمي” عندما تسمح الظروف بذلك.

وفي خطوة رمزية تعبّر عن الرغبة في كسب ثقة الأميركيين، عرض منح الشركات الأميركية أولوية في الاستثمار بقطاع النفط والغاز السوري. هذه المواقف السورية الإيجابية قوبلت بترحيب حذر من الجانب الأميركي، حيث اعتبر ترامب أن لدى الشرع فرصة تاريخية لتحقيق تحوّل حقيقي في بلاده إذا نفّذ تلك التعهدات، مؤكدًا استعداد واشنطن لمواكبة هذا التحول ودعمه بخطوات ملموسة على الأرض.

واشنطن بين دمشق وإسرائيل

يُعد ملف العلاقة غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل داخل الأراضي السورية من أعقد التحديات التي تواجه السياسة الأميركية تجاه دمشق ما بعد الأسد، إذ لطالما شكلت الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، خصوصًا ضد أهداف مرتبطة بإيران أو حزب الله اللبناني، عامل توتر دائم.

ومع سقوط نظام الأسد، وظهور حكومة انتقالية بدأت تنال دعما وزخما دوليا، دخلت واشنطن في حالة توازن دبلوماسي حساس بين شراكتها التاريخية مع إسرائيل وبين محاولتها دعم الاستقرار السياسي في سوريا الجديدة.

من جهة، لا تخفي تل أبيب نيتها في مواصلة نهجها العسكري، وتستغل انشغال السوريين بالانتقال السياسي من أجل ترسيخ وجودها في الأراضي والأجواء السورية، بل وتُبرر تصعيدها أحيانًا بذريعة “حماية الأقليات” كما حصل عقب الضربة الإسرائيلية التي استهدفت محيط القصر الجمهوري.

ورغم أن الولايات المتحدة لم تؤيد هذه العملية بشكل علني، فإنها امتنعت عن إدانتها أيضًا. وبدلاً من ذلك، ركّز بيان الخارجية الأميركية على إدانة ما وصفه “بالعنف والتحريض ضد أبناء الطائفة الدرزية في سوريا”، داعيا إلى “خفض التصعيد وحماية المكونات الدينية، في موقف فسّره مراقبون على أنه تماهٍ ضمني مع  الرواية الإسرائيلية دون تبنٍّ مباشر للضربة.

وقد رأت واشنطن أن تحميل دمشق مسؤولية التوتر الطائفي في مناطق مثل جرمانا والسويداء، يمكّنها من توجيه رسالة مزدوجة: فهي من جهة تُبقي على دعمها لإسرائيل، ومن جهة أخرى تضغط على الحكومة السورية الجديدة “لضبط سلوكها الأمني”، دون تقويض مسارها الانتقالي. غير أن واشنطن، وعلى النقيض من إسرائيل، تظل حذرة من أي تصعيد يمكن أن يقوض الانتقال السياسي في سوريا.

يأتي هذا الحذر الأميركي في ظل قناعة متزايدة لدى الأوساط الغربية بأن إسرائيل تسعى، عبر تكثيف عملياتها العسكرية، إلى فرض وقائع جديدة على دمشق، مستغلة حالة السيولة السياسية وضعف البنية العسكرية للدولة بعد الحرب، وأن الاستراتيجية الإسرائيلية الراهنة تقوم على الضغط العسكري-الدبلوماسي لإجبار الحكومة السورية الجديدة على قبول الوجود الإسرائيلي على أراضيها وفي أجوائها كأمر واقع، ووضع ضغوط مستمرة على الإدارة الجديدة في دمشق.

من هذا المنطلق، تبدو واشنطن وكأنها تلعب دور “الكابح” في هذا المسار، فهي راضية عن النفوذ الإسرائيلي في معادلة الردع الإقليمي بما يشمل سوريا، لكنها لا ترغب أيضا في زيادة التصعيد العسكري إلى الحد الذي يخلق فوضى تقوض عملية الانتقال السياسي في دمشق. وفي ضوء هذه الرغبة الأميركية، يمكننا قراءة التهدئة النسبية في نبرة المسؤولين الإسرائيليين تجاه النظام السوري الجديد.

ففي 12 مايو/أيار الحالي، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر، بأن إسرائيل “تسعى لعلاقات جيدة مع الحكومة السورية الجديدة”، رغم إقراره بوجود مخاوف أمنية مستمرة  تجاهها. التحول في لهجة إسرائيل لم يأتِ من فراغ، بل تزامن مع إعلان استعادة رفات الجندي تسفيكا فيلدمان الذي فُقد منذ عام 1982، في عملية نُفّذت داخل العمق السوري، ما اعتُبر مؤشرا على وجود تفاهمات أمنية غير معلنة بين الطرفين.

بالتوازي مع هذه التطورات، خرج الرئيس السوري أحمد الشرع عن المألوف، معلنًا في مؤتمر صحفي بالعاصمة الفرنسية باريس عن وجود محادثات غير مباشرة مع إسرائيل بوساطة دولية، تهدف إلى تهدئة التوترات في الجنوب السوري، ومنع الانزلاق نحو حرب مفتوحة. كما أكد التزام حكومته باتفاقية فصل القوات لعام 1974، في خطوة فُهمت على أنها رغبة سورية في احتواء التصعيد بدل مواجهته، وهو ما ينسجم مع تطلعات الولايات المتحدة لاستقرار سياسي وأمني طويل الأمد في سوريا.

ومن جهة واشنطن، جاءت أبرز إشارة سياسية في هذا السياق من رفض إدارة ترامب طلبا إسرائيليا بالإبقاء على العقوبات الاقتصادية ضد دمشق، وهو ما كشفته تقارير صحفية مؤخرا.

هذا الرفض عكس إدراكًا أميركيًا بأن المبالغة في الضغط على سوريا الجديدة قد تعيق انخراطها البنّاء في الملفات الإقليمية، بما في ذلك ملف التطبيع مع إسرائيل نفسه. كما يبرز أن واشنطن صارت تنظر بعين القلق إلى أي سلوك إسرائيلي قد يقوض مشروعها الناشئ في بناء شريك سوري موثوق ومتوازن.

في المحصلة، تلعب الولايات المتحدة في هذه المرحلة دورًا معقّدًا ومزدوجًا بين دعمها لإسرائيل ورغبتها في الانخراط مع الإدارة السورية الجديدة وتجنب الانزلاق إلى مواجهة إقليمية تعيق عملية الانتقال السياسي السورية.

ويبدو أن هذا التوازن سيتطلب من واشنطن مناورة دقيقة مستمرة بين الحليف التقليدي والشريك المحتمل الجديد، لضمان استقرار المعادلة الأمنية في مرحلة ما بعد الأسد.

سوريا – دمشق – وصف اتفاق دمشق و”قسد” بأنه اتفاق تاريخي ويمهد لمرحلة جديدة في سوريا (الجزيرة)

قسد ودمشق.. دمج معقّد في ظل التحول الأميركي

يُعد الدعم الأميركي المستمر لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) أحد أبرز مصادر التوتر المحتمل بين واشنطن والحكومة السورية الجديدة. فمنذ وقت مبكر من عمر الصراع في سوريا، اعتمدت الولايات المتحدة على “قسد” شريكًا أساسيًا في الحرب ضد تنظيم الدولة، ووفرت لها غطاءً جويًا ودعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا.

ورغم زوال نظام الأسد، لا تزال واشنطن تحتفظ بحوالي 900 جندي أميركي في مناطق شمال وشرق سوريا، وهو ما يُثير مخاوف القيادة السورية الجديدة من خطر التفكك الوطني أو محاولات الأكراد لفرض حكم ذاتي خارج سيطرة الدولة المركزية.

وقد شهد شهر مارس/آذار الماضي توقيع اتفاق غير مسبوق بين قيادة قوات قسد والحكومة السورية الانتقالية في دمشق. وقتها، ظهر الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي وهما يوقعان وثيقة من 8 بنود تمهد لإعادة توحيد الأراضي السورية تحت سلطة الدولة.

نص الاتفاق على دمج مؤسسات قسد المدنية والعسكرية في مؤسسات الدولة، ووضع الموارد الاستراتيجية (المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز) تحت سيطرة الحكومة المركزية، واعتبر الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء الانقسام الجغرافي الذي عانته سوريا، وخطوة على طريق الاستقرار السياسي والأمني.

وقد رحبت واشنطن وحلفاؤها الغربيون بالاتفاق، إذ أعلنت الخارجية الأميركية دعمها لاتفاق الشرع-عبدي بوصفه “خطوة نحو سوريا جديدة جامعة لكل أبنائها”، كما كشف مسؤولون أميركيون أن واشنطن أدّت دور الوسيط خلف الكواليس لتقريب وجهات النظر بين الأكراد والحكومة السورية، وفق ما أوردته “وول ستريت جورنال”.

غير أن تنفيذ هذا الاتفاق، رغم الترحيب الإقليمي والدولي به، لم يكن سَلِسًا كما بدا في بادئ الأمر. فمن جهة، أعلنت دمشق استلامها السيطرة على بعض الحقول الحيوية مثل العمر والشدادي، وبدأت عمليات تنسيق أمني مع قسد ضد فلول تنظيم الدولة، بدعم وتسهيل من واشنطن. ومن جهة أخرى، برزت عدة تحديات معقدة بدأت تُهدّد استمرارية التفاهم، وعلى رأسها الطريقة التي سيجري بها دمج الفصائل الكردية ضمن الجيش السوري الجديد.

ومع توقيع الاتفاق، أوفدت تركيا مسؤولين إلى دمشق لبحث تفاصيل الدمج، وأكّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن وفدًا تركيًا ناقش اتفاق الحكومة السورية وقسد خلال زيارة للعاصمة السورية، وفق ما أوردته وكالة رويترز. وتشمل اهتمامات تركيا الرئيسية بشأن الاتفاق؛ ضمان عدم وجود مقاتلين أجانب منتمين إلى حزب العمال الكردستاني (الذي أعلن حل نفسه مؤخرا) ضمن الهيكلية الجديدة، مع إخراجهم من سوريا وإعادتهم إلى بلدانهم، بالإضافة إلى ضمان أمن الحدود وسلامة المجتمعات المحلية مثل التركمان.

في الداخل السوري، لم يكن المشهد أقل اضطرابا، إذ تسبّب الاتفاق في انقسام داخلي حاد ضمن صفوف قسد نفسها، حيث عبّر عدد من القادة العسكريين المحليين (خصوصًا في منبج والقامشلي) عن رفضهم المطلق للاندماج الكامل ضمن الجيش السوري، واعتبروا ذلك تهديدًا لوجودهم، حتى إن بعضهم طالب باستمرار الحكم الذاتي تحت إشراف دولي، بينما لوّح آخرون بتعليق التعاون مع دمشق إذا لم تُحترم الخصوصية الثقافية والإدارية للأكراد.

ولم يكن الغموض بشأن مستقبل الوجود الأميركي في المنطقة أقل تأثيرًا، فواشنطن رغم إشرافها على صياغة الاتفاق، لم تعلن عن أي جدول زمني واضح لانسحاب قواتها. هذا التأرجح أربك حسابات قسد، التي تخشى أن تُترك في مواجهة مباشرة مع الحكومة الجديدة أو مع تركيا حال حدوث انسحاب مفاجئ.

غير أن  التحول الواضح في السياسة تجاه قسد، تمثّل في إدراج تفهم جوهري خلال قمة الرياض التي جمعت الرئيسين الأميركي والسوري، إذ اشترط ترامب على الحكومة السورية تقديم ضمانات واضحة بشأن إدارة مراكز اعتقال عناصر “تنظيم الدولة” شمال شرق البلاد، والتي تديرها قسد منذ سنوات.

هذا المطلب يعد مؤشرا أوليا لا يمكن تجاهله على تراجع أهمية قسد بالنسبة للأميركيين، ورغبة واشنطن في نقل الأعباء الأمنية إلى الدولة السورية الجديدة. ويشير ذلك -ربما- أن واشنطن ترى أن مسؤولية احتجاز ومحاكمة العناصر المتطرفة يجب أن تتحول من كيان غير معترف به دوليًا إلى حكومة شرعية مركزية قادرة على إنفاذ القانون في جميع أراضيها.

باختصار، يمكن القول إن اتفاق مارس/آذار 2025 بين قسد والحكومة السورية أسس لمرحلة جديدة من التفاعل السياسي – الأمني، لكنه ما زال هشًا ويواجه تحديات داخلية وإقليمية معقدة. ويظل نجاحه مرهونا بمعالجة الانقسامات الكردية الداخلية، واستيعاب المكوّن الكردي دون تهميش، والأهم؛ التزام قسد بتعهداتها بالتخلي عن الطموحات الانفصالية، فضلا عن الضمانات الأميركية لتنفيذ الاتفاق على الأقل في المرحلة الانتقالية، حيث ترى الحكومة السورية الجديدة أن إعادة بناء هياكل الدولة الأمنية لا يمكن أن تُجرى في ظل جيش موازٍ، وتطالب واشنطن بوقف دعم قسد أو ضمان دمجها في المؤسسة العسكرية الوطنية.

إدارة الانتقال

في الختام، يتضح أن الدور الأميركي في سوريا ما بعد الأسد لم يتراجع، بل أعيد تشكيله وفق مقاربة أكثر واقعية تتلاءم مع الحقائق الجديدة، حيث انتقلت واشنطن من سياسة إدارة الصراع إلى إدارة الانتقال، ومن دعم الكيانات غير الرسمية إلى التنسيق المشروط مع الدولة المركزية الناشئة. ويبرز ذلك بوضوح في ثلاثة ملفات مركزية شكّلت اختبارًا لجدية التحول الأميركي:

أولا، مثّلت العقوبات أداة مركزية في يد واشنطن استخدمتها للضغط على النظام السابق، لكنها تحوّلت في عهد الحكومة الانتقالية إلى ورقة مساومة، كما أظهرت قمة الرياض التي ربط فيها الرئيس ترامب رفع العقوبات بخارطة شروط أمنية وسياسية واضحة، في مقدمتها سياسة النظام الجديد تجاه إسرائيل ومصير “المليشيات الأجنبية”، وهي ملفات شائكة قابلة للانفجار في أي وقت.

ثانيًا، تعمل واشنطن على ضبط إيقاع التصعيد الإسرائيلي داخل سوريا. ورغم تمسّك الولايات المتحدة بحق إسرائيل “المزعوم” في “الدفاع عن النفس”، فإنها عبّرت عن رفض “ضمني” لتوسيع دائرة العمليات على نحو يهدد الاستقرار السياسي السوري، وهو ما يعكس رغبتها في احتواء الحليف، لا إطلاق يده دون حساب.

ثالثا، حافظت الولايات المتحدة على دعم قوات قسد لسنوات كشريك ميداني، لكنها أظهرت بوادر تحوّل استراتيجي من خلال الدفع نحو اتفاق الدمج مع دمشق، ثم اشتراطها في قمة الرياض أن تتحمل الحكومة السورية مسؤولية سجون مقاتلي تنظيم الدولة، في ما يُعدّ تخليًا تدريجيًا عن “قسد” كشريك سياسي، والبحث لصالح عملية انتقال سياسي ترغب واشنطن أن تكون أكثر سلاسة وتنظيما.

في المحصلة، ترسم هذه الوقائع ملامح دور أميركي جديد في سوريا لا هو بالانسحاب الكامل، ولا بالتورط المباشر، بل شراكة أمنية مشروطة، تتقاطع فيها مصالح واشنطن مع استقرار دمشق.

وهي معادلة دقيقة، يبدو أن نجاحها مرتبط بقدرة الطرف السوري على التوازن بين الاستجابة للمطالب الغربية دون التفريط في سيادة البلاد، كما يرتبط بقدرة واشنطن على ضبط سقف مطالبها من النظام الجديد دون أن تخاطر بتقويضه، مع منحه ما يكفي من الحوافز لاستكمال عملية الاندماج ضمن المجتمع الدولي.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

——————————-

اللحظة التي غيّرت ترامب تجاه سوريا/ محمد سرميني

18/5/2025

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأوساط الدولية بإعلانه رفع العقوبات عن سوريا خلال زيارته إلى السعودية، وذلك في لحظة سياسية كانت كل المؤشرات تشير فيها إلى احتمال انحيازه لخيار اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يدفع باتجاه تقسيم سوريا إلى دُويلات مذهبية وإثنية متناحرة.

هذا القرار، الذي جاء من قلب الرياض لا من واشنطن، مثّل انعطافة كبرى في مقاربة الملف السوري، وأطلق دينامية إقليمية جديدة تمحورت حول إعادة تأهيل سوريا كدولة موحدة ومستقرة، ضمن توازنات ترعاها قوى إقليمية وازنة.

لم يكن الحديث عن رفع العقوبات عن سوريا مجرّد خطوةٍ مفاجئة أو تحوّلٍ تكتيكي عابر. بل هو، في جوهره، انعكاس لتحوّل أوسع في موازين القوى الإقليمية والدولية، ونتاج لتراكمات سياسية ودبلوماسية تقودها قوى إقليمية وازنة، وعلى رأسها السعودية وتركيا وقطر، ضمن رؤية لإعادة تشكيل النظام الإقليمي بما يتجاوز الحسابات الضيقة للسنوات الماضية.

الحضور السعودي: رافعة سياسية واقتصادية

يبرز الحضور السعودي، ممثلًا بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كعنصر حاسم في صياغة هذا التحول. فالسعودية لم تعد فاعلًا تقليديًا يكتفي بإدارة توازنات مالية أو دينية، بل أصبحت مركز ثقل إستراتيجي في المنطقة، وقائدة مسارات إعادة التموضع في العالم العربي.

المبادرات السعودية تجاه سوريا تنطلق من فهم واضح لمعادلة الأمن والاستقرار: لا يمكن أن تستقر المنطقة في ظل استمرار انهيار الدولة السورية، ولا يمكن للسعودية أن تقود مشروعًا تنمويًا متكاملًا في الخليج والشرق الأوسط دون تطويق بؤر التوتر الرئيسية.

رفع العقوبات، في هذا السياق، لا يخدم فقط مصالح دمشق، بل يفتح الباب أمام مشروع اقتصادي- سياسي طموح، يمكن للسعودية أن تكون راعيه الأساسي.

ومن خلال تحفيز الاستثمارات في البنى التحتية، والتعليم، والطاقة، يمكن تحويل سوريا من عبء إقليمي إلى فرصة للتكامل والتنمية، خصوصًا في ظل حاجة السوق السورية المدمّرة إلى كل أشكال الدعم والإعمار.

الدور التركي: مقاربة أمنية وتنموية مزدوجة

تلعب تركيا دورًا محوريًا، لكن من زاوية مختلفة. فأنقرة التي كانت لعقد من الزمن جزءًا من الأزمة، باتت اليوم أكثر انخراطًا في مسار الحل، لكنها تحرص على حماية مصالحها الأمنية في الشمال السوري، خصوصًا ما يتعلق بملف الأكراد وتنظيم “قسد”.

وبقدر ما تسعى تركيا إلى إعادة ضبط علاقتها بسوريا، فإنها تدرك أن رفع العقوبات وإطلاق عجلة إعادة الإعمار سيفتحان المجال أمام مشاريع اقتصادية وتنموية تربط المناطق الحدودية بسوريا من جديد، وتقلص من تدفق اللاجئين، وتعيد الاستقرار إلى الجنوب التركي.

تركيا تنظر إلى الملف السوري من منظارين: الأول أمني بحت يهدف إلى منع إنشاء كيان كردي مستقل، والثاني اقتصادي يهدف إلى استثمار مرحلة إعادة الإعمار في سوريا لتوسيع نفوذ الشركات التركية، ودمج الاقتصاد السوري تدريجيًا في المحور التجاري بين أنقرة ودول الخليج.

قطر: دبلوماسية مرنة وشريك تنموي واعد

أما قطر، التي لطالما تموضعت في قلب الملفات الإقليمية الحساسة، فهي تستثمر في المرحلة الجديدة بسلاسة دبلوماسية واقتصادية. من خلال علاقاتها المتقدمة مع الولايات المتحدة من جهة، وقدرتها على فتح قنوات اتصال مع الأطراف السورية والدولية من جهة أخرى، تشكل الدوحة جسرًا مهمًا في مرحلة الوساطة السياسية، وتطرح نفسها كشريك اقتصادي قادر على ضخّ الاستثمارات، وتفعيل الحضور العربي في مرحلة ما بعد الحرب.

الدوحة، التي ساهمت في إعادة توجيه بوصلة الحلّ في عدد من الأزمات الإقليمية (أفغانستان نموذجًا)، ترى في سوريا فرصة جديدة لتعزيز الاستقرار، وترسيخ توازن إقليمي يصب في مصلحة الجميع، شرط أن تكون المعادلة قائمة على احترام السيادة السورية، والانفتاح على حلول سياسية عادلة.

تكتل ثلاثي بفرص استثنائية

إن اجتماع هذه القوى الثلاث: السعودية وتركيا وقطر، على خط تحوّل سياسي- اقتصادي في سوريا، يشكّل بذاته حدثًا إستراتيجيًا غير مسبوق. رغم الاختلافات السابقة، فإن هذا التكتل بات يرى في استقرار سوريا فرصة مشتركة، لا تهديدًا متبادلًا. وهو ما يعزز فرص الاستثمار في الملفات الآتية:

    إعادة الإعمار: وهي عملية ستتطلب عشرات المليارات من الدولارات، وستكون مجدية لدول الخليج وتركيا من حيث العقود والبنى التحتية والخدمات.

    إعادة تموضع اللاجئين: حيث ستساهم بيئة مستقرة ومموّلة بإعادة جزء من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهو ما تريده أنقرة والرياض والدوحة.

    التوازن مع إيران: عبر إخراج طهران من الساحة السورية تدريجيًا بالوسائل الاقتصادية والسياسية لا العسكرية.

    التكامل الأمني: من خلال التنسيق الاستخباراتي حول التهديدات العابرة للحدود مثل الإرهاب والمليشيات غير المنضبطة.

    اقتصاد مفتوح: لا يمكن القفز فوق أهمية رفع العقوبات والتي ستحفز المستثمرين بالدخول بحجم أوسع في قطاعات الطاقة والبيئة والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، وخاصة المستثمرين السوريين في دول الخليج وأوروبا.

من العقوبات إلى التحوّل: لحظة إستراتيجية

رفع العقوبات، إذًا، لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة تحوّل في الرؤية الأميركية تجاه سوريا والمنطقة. إذ بات واضحًا أن الإدارة الأميركية لم تعد تؤمن بأن إضعاف سوريا يخدم المصالح الإستراتيجية، بل ترى أن سوريا مستقرة ومنفتحة على الخليج وتركيا وأوروبا ستكون شريكًا أفضل في محاربة الإرهاب وضبط الحدود وتثبيت الاستقرار الإقليمي.

يأتي هذا التحول بالتزامن مع رغبة الولايات المتحدة في إنهاء أزمات الشرق الأوسط، وتوجيه الموارد والتركيز نحو آسيا ومواجهة الصين. وبالتالي، فإن تسوية الملف السوري تندرج ضمن خطة “تصفير النزاعات” في المنطقة.

لحظة اختبار للقيادة السورية

لكن كل هذه الفرص، تبقى رهنًا بمدى استعداد القيادة السورية لالتقاط التحول والانخراط في مشروع إعادة البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

سوريا ما بعد العقوبات ليست كسابقتها، والمطلوب اليوم ليس فقط إعادة الإعمار بالحجارة، بل بناء عقد اجتماعي جديد، يضمن المشاركة السياسية، ويخرج السوريين من دوامة الخوف والانقسام، ويعيد دمجهم في محيطهم العربي.

إن الفرصة الإستراتيجية التي تتشكل اليوم بقيادة السعودية وشراكة قطر وتركيا، تحتاج إلى شجاعة سياسية من دمشق، واستعداد للانفتاح، وتجاوز مرحلة العزلة الدولية التي دامت لأكثر من عقد.

فإما أن تتحول سوريا إلى “خلية نحل” كما يقول بعض المحللين الخليجيين، وإما أن تبقى رهينة ماضٍ دموي يعيد إنتاج نفسه في كل دورة عنف.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

المدير العام لمركز جسور للدراسات

الجزيرة

——————————-

ترامب في الخليج: تعزيز دور الحلفاء التقليديين… «هدية سورية» بديلا عن «خيبة غزة» والصفقة الكبرى لم يحن أوانها بعد/ رلى موفَّق

18 أيار 2025

شهد الخليج العربي أربعة أيام سياسية حافلة بين 13 و16 أيار/مايو الحالي. خصَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنطقة بالزيارة الخارجية الأولى في ولايته الثانية كما فعل في ولايته الأولى، مع فارق 8 سنوات حصلت فيها أحداث وحروب وتحولات كبرى في المنطقة والعالم، لا تزال تداعياتها مستمرة، وفي مقدمها غزو روسيا لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، وهجوم «7 أكتوبر» 2023 الذي شنَّته حركة «حماس» على إسرائيل، والذي اعتُبر بمنزلة «11 أيلول» إسرائيلي.

في هذه الفترة الزمنية، تمَّ توقيع اتفاق سعودي – إيراني برعاية صينية لإعادة العلاقات الدبلوماسية في 10 آذار/مارس 2023 شكَّل الدخول السياسي الأول لبكين إلى المنطقة. وكانت المملكة العربية السعودية تقدَّمت بخطوات ملموسة في المفاوضات مع الأمريكيين حول مسار التطبيع مع إسرائيل وفق الرؤية السعودية التي استندت إلى عوامل أساسية هي توقيع اتفاقية دفاعية سعودية – أمريكية، وإنشاء برنامج نووي سلمي مدني في المملكة برعاية أمريكية، والتوصل إلى اتفاق لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يلبّي احتياجات الفلسطينيين ويجلب الهدوء إلى المنطقة. حينها كشف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، للمرة الأولى، عبر مقابلته مع «فوكس نيوز» في 21 أيلول/سبتمبر 2023 عن أن السعودية تقترب أكثر من التطبيع مع إسرائيل، وأن المفاوضات جادة. وكان سبق ذلك في الشهر نفسه الإعلان عن الممر الاقتصادي الهندي – الشرقي أوسطي الأوروبي خلال قمة العشرين في نيودلهي، والذي قُرئ في السياسة أنه مشروع في مواجهة مشروع «الطريق والحزام» الصيني.

نجحت دول الخليج في الخروج من دائرة الاصطفاف القاتل في الحرب الروسية على أوكرانيا، واستفادت من لعب دور «الحياد الإيجابي» وتوسيع مروحة الاتفاقات السياسية والشراكات الاقتصادية، ولا سيما أن لكل من دول الخليج رؤيتها الاقتصادية. وتعوِّل المملكة العربية السعودية على نجاح «رؤية 2030» التي أطلقها ولي العهد في 25 نيسان/أبريل 2016، وهو الذي قال قبل سنوات: «أعتقد أن أوروبا الجديدة ستكون الشرق الأوسط».

ما الذي تحقَّق خلال زيارة ترامب للسعودية وقطر والإمارات على صعيد الصفقات الاستثمارية؟

أعلنت الرياض عن التزامها باستثمارات تُقدَّر بـ600 مليار دولار. وتَّم توقيع اتفاقية مبيعات دفاعية وصفها ترامب بأنها الأكبر في التاريخ بقيمة تقارب 142 مليار دولار تهدف إلى تزويد المملكة بمعدات وخدمات قتالية متطورة. المملكة تطمح للحصول على طائرات «إف 35»، تعزِّز فيها قدراتها العسكرية، وهي طائرات من الجيل الخامس يُعطي سلاح الجو الإسرائيلي تفوقاً عسكرياً على الآخرين في الشرق الأوسط. شهدت زيارة ترامب توقيع اتفاقيات تتعلق بالاستثمار في مشاريع الطاقة والفضاء والذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات. هذا فيما تمَّ في الدوحة توقيع اتفاق بقيمة 200 مليار دولار لشراء الخطوط الجوية القطرية طائرات بوينغ، فيما حظيت الإمارات بشراكة استراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يُحوِّلها إلى مركز عالمي للتكنولوجيا، في وقت أضحى فيه الذكاء الاصطناعي ساحة تنافس جيوسياسي. وسيضع هذا التحوُّل الخليج العربي عموماً، والإمارات خصوصاً، في موقع متقدِّم بين دول العالم بعد الولايات المتحدة والصين، بما سيعيد رسم خارطة القوة التكنولوجية في العالم.

لا شك في أن الرئيس الأمريكي الحالي يعتريه هاجس الاستثمارات، وكلما كانت قياسية كان ذلك معياراً لنجاحه في قيادة بلاده وجعلها عظيمة من جديد. رافع شعار «أمريكا أولاً» لا يقرأ إلا لغة الأرقام. عبَّر عن سعادته الكبرى وهو في طريق العودة إلى العاصمة الأمريكية بأنه حصل على 4 تريليونات دولار في 4 أيام، وبالتالي ليس محبطاً حتى ولو لم تسر المحادثات الروسية – الأوكرانية في إسطنبول كما كان يأمل، والتي كان مستعداً أن يطير إليها إذا جاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكان الأفق مفتوحاً للتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في أوكرانيا والذهاب إلى عملية سلام.

أخذ ترامب العلاقات الاستراتيجية مع الحلفاء التقليديين في المنطقة إلى مستوى آخر. فإلى الاستثمارات القياسية، حملت زيارته رسائل سياسية تُعيد رسم ملامح «توازن ما» في المنطقة. أكَّد من الرياض على دور المملكة القيادي وتأثيرها في المنطقة، وأبدى إعجابه بما تحقَّق فيها خلال سنوات بقيادة الأمير محمد بن سلمان وغازله كثيراً. ولم يفته في الدوحة مغازلة الأمير تميم بن حمد آل ثاني، ولا نسي الثناء على دور أبو ظبي في الاتفاقيات الإبراهيمية التي لا تزال هدفاً سامياً لدى «سيد البيت الأبيض»، ويعتبر أنها ستكون قصة نجاح عظيمة له إذا اكتمل عنقود التطبيع، والذي تُشكِّل السعودية الرافعة الحقيقية له في العالمَين العربي والإسلامي.

مخاض التغيير

ولكن العالم تغيَّر بعد «طوفان الأقصى» وما زالت المنطقة في مخاض هذا التغيير. ففي البُعد السياسي، حيث أمل العالم بأجمعه، لا العرب وحدهم، بأن يحمل ترامب خبراً سعيداً في شأن غزة كانت الخيبة. حتى إنها لم تكن في موقع متقدِّم من كلامه. وحين أتى على ذكرها في الدوحة، التي تؤدي دور الوسيط في محادثات الهدنة بين «حماس» وإسرائيل، أثار اقتراحه بأن على أمريكا أخذ غزة وتحويلها إلى «منطقة حرية»، جدلاً من جديد، باعتباره محاولة لإعادة توطين الفلسطينيين بشكل قسري. دفع ترامب بالوعود إلى المستقبل، بقوله في الإمارات إن الكثير من الأمور الإيجابية ستحدث في غزة خلال الشهور المقبلة، وإن العالم سيكون أفضل خلال أسابيع قليلة، وسنجد حلاً للوضع في غزة والمجاعة التي تحدث هناك… نُفكِّر في غزة وسنتولى الاعتناء بالأمر.

ولم يكن قد غادر المنطقة حتى أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية جديدة تحت مسمى «عربات جدعون»، أقرب إلى اجتياح شامل للقطاع، بهدف دفع سكان شمال ووسط القطاع إلى النزوح نحو رفح، ثم إلى خارج القطاع، إما باتجاه مصر أو إلى أقصى جنوب صحراء النقب، في أكبر عملية تهجير قسري جماعي في التاريخ الحديث، حسب المتابعين. ولا يُراهن في هذا الإطار على الكلام الممتلئ بالأوهام عن توتر العلاقة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واستثناء تل أبيب من الزيارة إلى المنطقة.

الاختراق الحقيقي الذي حصل في هذه الزيارة، والذي يمكن النظر إليه على أنه إنجاز سياسي، هو القرار المتعلق برفع العقوبات عن سوريا، والذي شكَّل مفاجأة أكثر من المتوقع زاد من زخمها لقاء ترامب بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع. باع ترامب هذا الإنجاز للأمير محمد بن سلمان، وإن كان كل من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والإمارات وقطر قد لعبوا دوراً أيضاً لرفع العقوبات. التقى الشرع في الرياض ترامب بحضور بن سلمان ومشاركة هاتفية من قبل اردوغان. تحوَّل قرار رفع العقوبات عن سوريا ولقاء ترامب – الشرع إلى الحدث الأكبر خلال زيارة ترامب. ويُعدُّ منعطفاً تاريخياً يؤسِّس لانتقال سوريا من المعسكر الشرقي إلى الدخول في عصر العلاقة مع الغرب مع ما يحمله من تحولات جيوسياسية، ويتطلب إعادة النظر بدور دمشق في الجغرافيا السياسية الإقليمية. وبدا واضحاً أن الملف السوري وُضع على نار حامية، ولا سيما أن لقاء أنطاكيا بين وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو ونظيره السوري أسعد الشيباني، بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بحث في خريطة طريق لمسار العلاقة الجديدة بين واشنطن ودمشق لكيفية خروج سوريا من العزلة إلى رحاب النظام العالمي، وكيفية تعاملها مع جملة المطالب الأمريكية، والتي يأتي من ضمنها ملف المقاتلين الأجانب، ومحاربة «داعش»، وملف «قسد»، وإدارة العلاقة التركية – الإسرائيلية في سوريا، وحماية كل المكونات السورية ومشاركتها في الحكم. والأهم ملف التطبيع بين سوريا وإسرائيل.

وستكون لعودة سوريا إلى الحضن العربي، وتحوُّلها الاستراتيجي، انعكاسات كبيرة على دول الجوار، من إسرائيل إلى الأردن والعراق ولبنان الذي حضر في أجندة ترامب في الرياض، حيث اعتبر أنه أمام فرصة تاريخية للتحرُّر من قبضة «حزب الله، مشدداً على أن أي دعم دولي للبنان سيكون مشروطاً بحصر السلاح بيد الدولة. ومضيفاً بالقول: «أسمع أن الإدارة الجديدة في لبنان محترفة وتريد الأفضل، نحن مستعدون لمساعدة لبنان على بناء مستقبل مع جيرانه، وعلى إقامة السلام معهم»، معتبراً أن «حزب الله» نهب الدولة اللبنانية وجلب البؤس إلى لبنان، وأن إيران نهبت دولة عاصمتها بيروت كانت تُسمى «باريس الشرق الأوسط». وكرَّر ولي العهد السعودي التأكيد على أن لبنان يجب أن يستعيد سيادته، وأن يكون السلاح محصوراً بيد الدولة.

في نظر المراقبين أن ترامب وبن سلمان ودول الخليج التي أعربت عن دعمها الكامل للقيادة الجديدة في لبنان إذا التزمت بالإصلاحات واستعادة القرار السيادي، ما زالت تمنح لبنان فترة سماح، لكنها ليست مفتوحة، ذلك أن القطار يسير، ومَن يتأخر، سيتخلَّف عن الصعود إليه.

يرى كثيرون أن العهد الجديد بدأ يأكل من رصيده داخلياً وخارجياً، وأن قوة الدفع التي حظي بها عند انطلاقها لا يمكنها أن تستمر من دون إنجازات ملموسة وفعل قوي. يحاول لبنان الاتكاء على الخارج للقيام بما يُفترض هو أن يفعل في إطار بسط سلطة الدولة على أراضيه، ويحاول تقطيع الوقت علَّ المحادثات الأمريكية – الإيرانية تأتي بنتائج إيجابية، تنعكس حلحلةً في ملف السلاح، الذي هو من وجهة نظر القيادة اللبنانية ملف إقليمي مفتاحه في طهران. ولكن مهما كانت نظرة السلطة اللبنانية الراهنة، فإن محاولة الالتفاف على ما هو مطلوب منها عربياً ودولياً يُبقي لبنان في عين العاصفة.

يدرك لبنان حجم التحولات، وقد تحدَّث رئيس الحكومة اللبناني عن «المشهد المهيب» الذي رُسم في المملكة خلال زيارة ترامب، معتبراً أن هناك «تحولاً كبيراً في المنطقة، وأن المملكة العربية السعودية نجحت في تكريس نفسها لاعباً أساسياً»، ومؤكداً أن «لا عودة إلى الوراء في حصرية السلاح»، وهو ما يؤكده على الدوام رئيس الجمهورية الذي يريد حواراً ثنائياً مع «حزب الله» حول ملف تسليم السلاح، لكن المسألة تبقى مرهونة بالأفعال لا الأقوال.

يبدو للمراقب أن في ثنايا حديث ترامب عن إيران ما يُشبه التمهيد لقرب التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني.

هو قال «أريد عقد صفقة مع إيران، وإذا استطعت، فسأكون سعيدًا للغاية بجعل المنطقة والعالم أكثر أمانًا. ولكن إذا رفضت القيادة الإيرانية غصن الزيتون هذا، واستمرت في مهاجمة جيرانها، فلن يكون أمامنا خيار سوى ممارسة أقصى درجات الضغط، ودفع صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، كما فعلت سابقًا». هو طلب من أمير قطر تقديم المساعدة في الملف الإيراني، وأكد أن إيران «لن تمتلك سلاحًا نوويًا أبدًا». ومع ذلك، أبدى استعدادًا لمنحها فرصة لمستقبل أكثر إشراقًا، وترك الخيار بيد القيادة الإيرانية. وأعاد دغدغة مشاعر القيادة الايرانية: «أريد حقًا أن تكون إيران دولة ناجحة، رائعة، آمنة، وعظيمة، لكن لا يمكنها امتلاك سلاح نووي. هذا العرض لن يبقى قائمًا إلى الأبد. الآن هو الوقت المناسب لاتخاذ القرار، وليس لدينا الكثير من الوقت للانتظار».

اختُتمت زيارة ترامب إلى الخليج محمّلة باتفاقيات استثمارية من الخليج نالها كما تمنى، وبهدايا سياسية لسوريا، وفترة سماح للبنان، وتلميحات إيجابية حيال اتفاق نووي مع إيران. إلا أن الملف الفلسطيني بقي خيبة الزيارة الكبرى. فقد رُحِّل الملف برمته، إلى جانب المطلب العربي ـ الإسلامي المتعلق بحل الدولتين، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر للحلحلة.

ترك ترامب للسعودية حرية اختيار توقيت التطبيع مع إسرائيل، إلا أن المعاهدة العسكرية لم تُستكمل، ولم تُطرح علنًا أي تفاصيل بشأن البرنامج النووي السلمي السعودي. وكأنما أراد ترامب أن يسير نصف خطوة فقط بعيدًا عن إسرائيل، مكتفيًا بتأكيد موقع السعودية لاعبًا رئيسيًا في المنطقة، وشريكًا استراتيجيًا لواشنطن، لكنه لم يتمكن ـ أو لم يرغب ـ في اتخاذ الخطوة الكاملة.

الصفقة الكبرى، على ما يبدو، لم يحن أوانها بعد.

القدس العربي

———————————

إدارة الشرع مثقلة بالمقاتلين الأجانب… وخطر عودة تنظيم «الدولة»/ منهل باريش

18 أيار 2025

عادت قضية المقاتلين الأجانب في سوريا إلى الواجهة بعد اللقاء الذي جمع الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والسوري أحمد الشرع برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض، حيث طرح ترامب على الرئيس السوري الانتقالي، خمسة شروط (لا ثمانية كما في السابق) أبرزها مطالبته بترحيل المقاتلين الأجانب وإبعاد من وصفهم بـ«الإرهابيين الفلسطينيين» من سوريا، والمقصود بهم حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس وباقي التنظيمات الفلسطينية المسلحة. بالإضافة إلى ذلك يأتي شرط مساعدة أمريكا على منع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتسليم غدارة مراكز احتجاز عناصر التنظيم في شمال شرق سوريا إلى السطات في دمشق.

واكتسب الأمر أهمية أكبر بعد تهديد إعلام التنظيم الرئيس الشرع، فقالت افتتاحية صحيفة «النبأ» الناطقة باسم التنظيم إنه نقض «ملة ابراهيم» واستبدلها بـ«اتفاقيات إبراهام»، في إشارة إلى عرض ترامب ضم سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية.

واتهمت الصحيفة في عددها الصادر يوم الخميس الماضي، بعد يوم واحد على لقاء الرئيسين، الشرع بأنه يسعى إلى «التخلص من المقاتلين الأجانب بحسب الاملاءات الأمريكية»، مشيرة إلى انه «استطاع في النهاية أن يفكك جماعاتهم -مستقلين وغير مستقلين – وينهي مشروعهم الذي طوعه لخدمة مصالحه دهرا». وذكرت الصحيفة المقاتلين الأجانب بأنهم لم يسمعوا نصائح قادة «الدولة الإسلامية»، وهم  يدفعون الثمن.

ومن غير المرجح أن تلاقي دعوة التنظيم صدى في أوساط المقاتلين الأجانب، فبعضهم شارك في القتال ضد التنظيم إلى جانب «جبهة النصرة» وآخرون تجنبوا ذاك القتال وامتنعوا عن الالتحاق به في عز انتصاراته وتوسعه في سوريا والعراق. كما أن غالبية المقاتلين الأجانب الذين بقوا في سوريا خبروا طعم الحياة في الحواضر الريفية وأسسوا شبكات كبيرة من المصالح في الشمال السوري وهؤلاء غير مستعدين للتخلي عن حياتهم واللجوء إلى الكهوف والصحاري مرة أخرى.

ولكن في المقابل، ليس من المبالغة القول إن ملف المقاتلين الأجانب يعتبر اليوم بين الأكثر تعقيدا بالنسبة للسلطة السورية الجديدة وعبئاً حقيقياً عليها. فعلى رغم التحولات الكثيرة التي شهدتها «هيئة تحرير الشام» لغاية وصولها إلى السلطة  وانتقالها من تنظيم جهادي يوالي القاعدة إلى تحالف عسكري يضم غالبية الطيف المسلح المعارض، إلا أنها اعتمدت فعلياً وبشكل كبير على المقاتلين الأجانب (المهاجرين) في تثبيت سلطتها على مناطق الشمال السوري في مراحل الاقتتال مع بقية الفصائل، ثم للوصول إلى ما وصلت إليه بدخولها دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد.

إنذارات وتوقيفات

في الأيام القليلة الماضية سارعت الإدارة السورية إلى إنذار عدد من المقاتلين الأجانب النشطين على وسائط التواصل الاجتماعي بضرورة الامتناع عن الظهور بصفة عسكرية. وعلمت «القدس العربي» من مصدر عسكري مطلع أن القيادة السورية الجديدة «طلبت من بعض المقاتلين الامتناع عن الظهور باللباس العسكري والتحدث بصفتهم مقاتلين في الجيش السوري». وأضاف المصدر أن القيادة «خيرتهم بين الالتزام بتعاليم المؤسسة العسكرية وضوابطها أو مغادرتها والظهور بصفة مدنية دعوية» وعزت القيادة أسباب ذلك التحذير  بالتسبب في «إثارة النعرات الطائفية» بين مكونات الشعب السوري، حسب المصدر العسكري. وزاد أن القيادة أبلغت  عددا من المقاتلين الأجانب ومنهم أبو دجانة التركستاني ضرورة الامتناع عن نشر صور أو مقاطع مصورة له بالزي العسكري، علماً أن التركستاني هو أحد عناصر الحزب الإسلامي التركستاني الذين نشروا صورا على وسائط التواصل الاجتماعي يهددون فيها الأقليات السورية.

بالتوازي، أكد مصدر أمني سوري اعتقال القيادي في «هيئة تحرير الشام» شامل الغزي أبو خطاب قبل عدة أيام على خلفية «التحريض على الأقليات السورية على وسائط التواصل الاجتماعي». ونفى المصدر أن يكون لاعتقاله أي علاقة بملف «المقاتلين الأجانب» لافتاً إلى أنه جرى «تنبيه الغزي في وقت سابق بوقف نشاطه والالتزام بالتعليمات العسكرية، لكنه استمر».

في المقابل نفى المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا الأخبار المتداولة عن بدء اعتقال السلطات السورية أي من المقاتلين الأجانب في سوريا، واصفاً تلك الأخبار بأنها «مضللة». وأكد في تصريح رسمي أن وزارة الداخلية أو مؤسساتها الأمنية لم تنفذ مثل هذه الحملة في إشارة إلى انتشار معلومات حول تضييق واعتقال لمقاتلين أجانب في إدلب وحماه. كذلك نفى أن يكون ما يجري على علاقة بأحداث الساحل.

وفي حين ليس واضحاً بعد كيف ستتعامل حكومة الشرع مع هذا الملف الشائك، إلا أن الأكيد إن السنوات الخمس الماضية كانت محطة اختبار كبيرة له ولجماعته في التعاطي الدولي لا سيما بالشأن الأمني. فقد تعلم سريعاً من تجربته وقضى على كثير من التنظيمات الجهادية التي حاولت بناء تحالف يهدد كيانه وسلطته في إدلب، وقام بتفكيك تلك الجماعات ترغيبا وترهيبا وحربا حتى أعلنت استسلامها وقبلت بسلطته.

لذا، من المرجح أن ينتهي ملف المقاتلين الأجانب عبر «حل سلمي» ومن المستبعد خوض صراع كبير معهم، وذلك لعدة أسباب، أولها أن أغلب الجماعات الأجنبية المقاتلة هي جماعات صغيرة جداَ، باستثناء مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني «الايغور» الذين يشكلون القوة الأبرز في الجماعات الجهادية الموالية للشرع والباقية في سوريا. وفي حين تتضارب المعلومات عن أعداد مقاتلي الحزب، الذين قدرتهم مجلة «فورين بوليسي» بنحو خمسة آلاف مقاتل، وأن عددهم الإجمالي مع عوائلهم نحو 15 ألفا، تقاطعت معلومات لـ«القدس العربي» حول أن عددهم لا يتجاوز 1500 مقاتل في أحسن الأحوال.

وكان أبو محمد التركستاني ظهر خلال أحداث الساحل السوري في أذار (مارس) الماضي على طريق اللاذقية ـ طرطوس إلى جانب عشرات المقاتلين الإيغور والسوريين. وخلال شهر نيسان (ابريل) أبعدت وزارة الدفاع السورية الفرقة التركستانية  عن الساحل السوري لمنع مقاتليها من ارتكاب أية انتهاكات هناك ضد العلويين وأعادت نشرها على الطريق الواصل بين حمص وطرطوس لضبط الحدود ومنع عمليات تهريب السلاح والكبتاغون من لبنان وإليه.

والجدير بالذكر أن الشرع منح التركستاني، واسمه عبد العزيز داوود خدابردي التركستاني، رتبة عميد في كانون الأول (ديسمبر) 2024، وهو يقود الفرقة 133 في الجيش السوري الجديد، ضمن عدد من الترفيعات العسكرية التي أجراها الشرع.

وحالياً تتجنب وزارة الدفاع السورية إضافة المقاتلين الأجانب إلى ذاتية الفرقة والألوية وخصوصا المقاتلين العرب، في إشارة واضحة إلى أن الإدارة الجديدة بدأت تنظر لهم كمشكلة يجب التعاطي معها بجدية وعدم تجاهل ضمانة الأمير محمد بن سلمان والرئيس اردوغان لتنفيذ مطالب ترامب. ومن المرجح أن تلعب تركيا دورا كبيرا في هذا الملف، من خلال تسهيل عودة المقاتلين الأجانب والمشاركة في تقديم ضمانات أمنية لهم في بعض الدول.

المغادرة خارج سوريا خيار قد ينطبق على مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني القادمين من تركيا والذين أقاموا فيها سابقاً. أما القادمون من جنسيات أجنبية فقد يكون أحد الحلول العملية إبعادهم عن مراكز القوة العسكرية ومحاولة توفير خيارات أخرى لهم للعيش كمدنيين وتسهيل إقامتهم، سواء من خلال تجنيسهم كمواطنين سوريين، وهذا الخيار قد يلاقي معارضة شديدة من جمهور كبير من السوريين، وقد يشجع  قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على المطالبة بتجنيس بعض قادتها وعناصرها من غير السوريين أو من خلال منحهم إقامات وتقديم ضمانات لهم للبقاء ومنحهم حقوقهم في الحياة والعمل وإبعادهم عن الموسسة العسكرية والأمنية.

إضافة إلى ذلك فإن الفلسطينيين السوريين يرغبون بالحصول على الجنسية أيضا ومعهم عشرات آلاف السوريات المتزوجات من مقاتلين أجانب وبمنح جنسيتهن لأزواجهن وأولادهن ويطالبن بها منذ سنوات طويلة.

قسد و«سجون داعش»

أما في شرق سوريا، فقد أدت شروط ترامب الأخيرة بنقل سجون «داعش» من إدارة «قسد» إلى إدارة الشرع، إلى إضعاف نفوذ المقاتلين الأكراد الذين يشكلون الشركاء المحليين الفعليين في «التحالف الدولي للقضاء على داعش». ولطالما شكلت سجون عناصر التنظيم  أقوى أوراق القوة بيدهم، وجعلت واشنطن تمانع رغبات تركيا الدائمة في القضاء على وحدات «حماية الشعب» باعتبارهم الذراع السوري من حزب العمال الكردستاني التركي. ولا شك إن الخطوة هذه ستخفف من الإنفاق الأمريكي المباشر على تلك السجون، ويرجح أن تحل السعودية محلها في تحمل تكلفة الرعاية في تلك السجون.

كذلك، تسعى واشنطن إلى الاعتماد على الإدارة السورية في القضاء على خلايا التنظيم النشطة على تخوم البادية السورية وفي عمقها، وهذا يعني تعاونا أمنيا ورقابة أمريكية إلى حد كبير على الأجهزة الأمنية السورية. وتعزز هذه الشراكة المحتملة أدوار أكبر للتعاون بين الدولتين وتفتح أبواب التعاون الأمني في ملفات أخرى بما يمنع عودة إيران والحد من نشاط حزب الله.

القدس العربي

——————————-

طريق دمشق إلى واشنطن عبر الرياض/ إبراهيم حميدي

آخر تحديث 18 مايو 2025

كانت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الرياض، محطة مفصلية تسجل في كتب التاريخ ضمن الزيارات التي تترك آثارا كبيرة في مستقبل المنطقة وصوغ النظام العالمي الجديد، لما تضمنته من تفاهمات واتفاقات اقتصادية ودفاعية وعلمية وصفقات تخص الذكاء الاصطناعي.

والمفاجأة الكبيرة من ترمب، خلال زيارته التاريخية، كانت إعلانه رفع العقوبات المفروضة على سوريا واستعادة العلاقات معها، ولقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برعاية ودعم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. أي إن طريق دمشق للخروج من العزلة الدولية التي فرضتها واشنطن عليها لعقود طويلة يمر من الرياض بوزنها ودورها المحوري في الإقليم والعالم.

وعليه، شكل لقاء الرياض قطيعة مع عقود من العزلة والحصار اللذين فرضا على سوريا بسبب سلوك النظام السابق على شعبه وجواره وتحالفاته الإقليمية. إذ إن سقوط نظام الأسد نهاية العام الماضي، هو أوسع من تغيير نظام سياسي. وكان حدثا استراتيجياً هو الأهم في الشرق الأوسط منذ عقود. ومثلما شكّل سقوط نظام صدام في 2003 تقدما أساسيا لـ”الهلال الإيراني” في الإقليم، فإن سقوط نظام الأسد في 2024، كان محطة في تدحرج نكسات “الهلال”. وكما كان انحياز سوريا إلى طهران عامل ترجيح لـ”محور الممانعة” في الإقليم، فإن عودتها إلى الحضن العربي يشكل تحولا استراتيجياً في ميزان القوى الإقليمية.

لا شك أن سوريا بحكم موقعها الجغرافي وتاريخها وإمكاناتها، تشكل قاعدة أساسية لبناء الهيكل الإقليمي الجديد والعلاقات العربية. ويجوز القول إنها بمثابة حجر الزاوية في بناء الشرق الأوسط الجديد. إنها الهزيمة الأكبر التي تتعرض لها إيران منذ “الثورة” في 1979 وتحالفها مع نظام الأسد-الأب، ثم الأسد-الابن. كما أن تثبيت الهزيمة الاستراتيجية لإيران يأتي من سوريا.

ولا شك أن رهان طهران كان على استدامة الحصار والعقوبات لدفع الأمور إلى الانفجار والفوضى وانتعاش “داعش” على أمل استعادة بقايا النفوذ. وعليه، فإن قطع الطريق على ذلك يكون بالعمل على توفير أسباب استقرار سوريا من بوابة إخراجها من الثلاجة الاقتصادية ورفع سيف العقوبات عن رقبتها.

صحيح أن الطريق إلى سوريا الجديدة لا يزال طويلا سواء ما يتعلق بتوضيح كيفية وحدود رفع العقوبات أو تخفيفها من جهة، أو ما يتعلق بإعمار سوريا وتوفير الأموال الطائلة لذلك من جهة ثانية. لكن المفتاح كان اتخاذ قرار سياسي برفع العقوبات، وهذا ما فعله ترمب، أي تحديد اتجاه القطار ومحطته النهائية.

بات الموضوع الآن في أيدي المفاوضين السوريين والأميركيين. إذ إن واشنطن حددت بعض المطالب من دمشق تتعلق بالمقاتلين الأجانب، ومحاربة الإرهاب و”داعش”، وطرد التنظيمات الفلسطينية “أدوات” النظام السابق، وتدمير السلاح الكيماوي، والانضمام إلى اتفاقات السلام مع إسرائيل. كما أن دمشق وضعت على مائدة التفاوض توقعاتها من أميركا المتعلقة بالمساعدة في بسط السيادة السورية على كامل الأراضي، والتعاون الفني في تدمير السلاح الكيماوي، ودعم جهودها لتوفير الأمن في الجنوب وتحييد التوغلات الإسرائيلية، إضافة إلى تبادل المعلومات الأمنية لمحاربة “داعش”.

في سوريا الآن، سباق بين مسارين: مسار رفع العقوبات وتدوير عجلة البناء والاستقرار في سوريا وما وراء الحدود، ومسار بطء الماكينة الأميركية في الإفادة من الدينامية السياسية وبروز العراقيل وفيضان المشاكل إلى الجوار. من مصلحة سوريا والإقليم والشرق الأوسط، توفير أسباب نجاح سريع للمسار الأول.

المجلة

——————————

عندما تخذُلنا الركاكة السياسية/ مازن علي

18 مايو 2025

لأن السياسة ليست اختياراً طوعياً يمكن الابتعاد عنه أو تجنّبه، ولأن السياسة تحدّد مستوى التعليم والطبابة التي نتلقاها، بل جودة الهواء الذي نتنفّسه، ولأنها تتدخّل في شروط الحياة، بدءاً من أدنى الحاجات إلى أعمق معاني المواطنة والحرية، فإننا لا نستطيع الإفلات منها ومن تأثيرها على واقعنا ومصيرنا، تماما كما لا نستطيع الإفلات من المناخ الذي نعيش فيه، على حد تعبير روبرت دال. لهذا؛ عندما تختلّ السياسة أو تتعطّل، لا يظل أثرها حبيس الجدل النظري، بل يلقي بثقله على تفاصيل الحياة اليومية.

هذه مقدّمة مبسطة ومختزلة لمعنى السياسة التي تصفع وجوهنا بتداعياتها وانعكاساتها على واقعنا مع كل تصريح أو قرار يصدر عن السلطة السورية الحالية، فبعد مرور نحو ستة أشهر على سقوط نظام الأسد، تستخدم السلطة خطاباً سياسياً ينطوي على وعود مُعلّقة التنفيذ، وإجراءات غير قابلة للصرف السياسي، شهدنا تجلياتها في مؤتمر الحوار الوطني الذي أنجز على عجل، في مشهد بروتوكولي أكثر منه آلية حقيقية لإنهاء الصراع أو الاستماع إلى المكوّنات المتضرّرة. مثله، الإعلان الدستوري المؤقت الذي صدر من دون مشاوراتٍ مجتمعية كافية، وأهمل المبادئ الأساسية للانتقال الديمقراطي؛ كالمشاركة السياسية والتمثيل العادل. سبق ذلك تسريح آلاف الموظفين تحت ذرائع الفلول أوالعمالة الزائدة، من دون البحث في تداعيات ذلك على مؤسّسات الدولة، وما تُحدثه من توترات اجتماعية بمظلومية مضافة إلى الجرح السوري لتبقيه مفتوحاً، ما عزّز الريبة في دوافع السلطة الجديدة.

أضف إلى ذلك إعادة إنتاج شبكة زبائنية جديدة من المحسوبين على دوائر السلطة، في التعيينات والترقيات، وجدل المقاتلين الأجانب، ما أفرغ الوعود من محتواها، وأعاد تدوير النخبة الوافدة إلى دمشق بعد إسقاط نظام الأسد، بدل فتح المجال أمام الطاقات الوطنية المعطّلة في المؤسسات الأصيلة، ثم جاء تأليف الحكومة تحت يافطة التكنوقراط، لتؤكّد أن أداء السلطة يركز على إدارة الصورة، لا بناء الثقة، واستثمار رمزية التحرير لتبرير احتكار القرار، عبر الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس المرحلة الانتقالية.

لا يُراد من كل ما سبق التحامل على التجربة الوليدة في سورية، ولكن ما نعايشه مع السلطة ليس مجرّد ضعف في الأداء، بل صورة أوضح لما يمكن تسميتها الركاكة السياسية، التي لو أردنا تعريفها لفهمناها انطلاقاً من كنايتها اللغوية وإسقاطاتها السياسية؛ فكما أن للّغة أصولاً تضبط المعنى وتمنح العبارة تماسكها، فإن للسياسة منطقاً يحكم الفعل ويمنعه من التشتت والتناقض. والركاكة، في أصل معناها اللغوي، ليست خطأ صريحاً بقدر ما هي ضعف في التكوين؛ جملة لا تعرف أين تبدأ وأين تنتهي، كلمات مترابطة شكلياً، لكنها لا تحمل فكرة واضحة. وعلى هذا القياس، تبدو الركاكة السياسية شبيهة بسابقتها، لا تنفي النية الطيبة، ولكنها تكشف عن افتقار إلى الحنكة، والحكمة في اتخاذ القرار. ليست الركاكة هنا فعلاً متعمّداً، بل ارتباكٌ وتلكؤٌ يتنكّر في هيئة الحذر، لكنها، في النهاية، تُنتج الأثر نفسه؛ تآكلاً في المعنى السياسي، وعجزاً عن بناء جملة مفيدة اسمها الدولة.

قد يعطي بعضهم العلامة الكاملة لنجاح السلطة في تسجيل اختراقات على مستوى الدبلوماسية الدولية؛ كالحصول على تعهد من الرئيس الأميركي دونالد ترمب برفع العقوبات، التي أثقلت كاهل الشعب السوري، ولكن لا ينبغي أن يُنسى أنها ثمرة جهد هائل بذلته دول إقليمية، وتحديداً الأشقاء العرب في سبيل ذلك؛ لهذا يُعدُّ نسب هذا النجاح إلى كفاءة السياسة الخارجية للسلطة تعبيراً عن ركاكة سياسية مضاعفة، فكلنا يعرف أن المصالح لا تُمنح بتعهد لفظي، ولا تُبنى عبر المجاملات الدبلوماسية، بل تُشتق من الداخل، ومن تماسك المشروع الوطني.

التهافت خلف الاعترافات الخارجية، وتقديم تنازلات لا يعلم المواطنون كلفتها، ولا مواضع المقايضة فيها، يشي بمسار تفاوضي غير شفاف، ويقوض جوهر السياسة التي يفترض أن تكون شأناً عاماً، لا ساحة مغلقة لصفقات النخبة.

الأهم أن محاولة التوفيق بين أطراف دولية كبرى تختلف مصالحها وتتناقض طلباتها تشبه السير في حقل ألغام من دون خريطة وطنية، فمن الصعب، بل المستحيل، إرضاء واشنطن وموسكو وأنقرة وباريس والعرب وغيرهم في آنٍ معاً، من غير تقديم أثمان سيادية أو إيجاد تناقضات داخلية عميقة، بالنظر إلى قائمة الشروط التي قد تفجر السلطة ذاتها. السياسة هنا تتحول إلى حقل توازنات هشّة، لا إلى مشروع واضح لبناء الدولة من الداخل. في حين أن المسار الطبيعي لأي سلطة محمّلة بإرث ثوري، يفترض أن تنطلق من قيمها وشعاراتها التي خرج السوريون من أجلها، بدل البحث عن شرعية خارجية قد تُمنح اليوم وتُسحب غداً.

ما نراه اليوم من أداء السلطة الانتقالية في دمشق ليس سوى امتداد واضح لتلك الركاكة؛ فهي لا تمارس القمع، ولكنها توحي به. لا ترفض الديمقراطية، ولكنها تُسوّف بحجة الوقت، وحساسية المرحلة. ربما ليست مسوّغات خاطئة تماماً، لكنها تبريرات تنمّ عن الافتقار إلى الدربة والمهارة السياسية. تحاول تجنّب الاصطدام بالمطالب والاستحقاقات الملحّة، فإذا بها تصطدم بالواقع. فالأمن ينفلت، والثقة تتآكل، والمجتمع الذي يمنح المقبولية والشرعية يتسلل إليه الخذلان.

لو قُيّض لأهل السلطة فهم أصيل وراسخ للسياسة، لما كنّا أمام جدل بديهيات الحكم والإدارة والمشاركة والتمثيل، بل كنّا نحث الخطا إلى رسم ملامح الدولة المنشودة، المعبّرة عن الإرادة العامة للسوريين، وشكل النظام الذي يوجه السياسات، ومنها يمكن الانطلاق نحو بناء استراتيجية خارجية تلبي مكانة سورية الحضارية وموقعها الجيوسياسي والاستثمار بهما، لتجاوز السنوات المهدورة في عهد النظام البائد.

العربي الجديد

—————————-

المجلس التشريعي الغائب/ عبسي سميسم

18 مايو 2025

لا تزال الحكومة السورية تدير شؤون البلاد وفق قوانين النظام السابق، ووفق ما نصّ عليه الإعلان الدستوري من تعديلات، دون أن تتمكن هذه السلطة من التعاطي مع القضايا التي تحتاج إلى سنّ قوانين جديدة، بسبب عدم وجود سلطة تشريعية تصادق أو تسنّ قوانين تتماشى مع الواقع الجديد. هذا الأمر أدّى إلى إصدار العديد من القرارات المخالفة للدستور السابق، ولا تستند إلى شرعية قانونية مستمدة من سلطة تشريعية، كما أدّى عدم وجود سلطة تشريعية إلى تعطيل جزئي لعمل السلطة القضائية، التي لا تزال تقف عاجزة عن حلّ الكثير من القضايا التي تتطلب قانوناً يستند إلى مرجعية تشريعية.

كما لا يزال هذا الفراغ التشريعي يشكّل إرباكاً لمعظم مفاصل السلطة التنفيذية بسبب عدم وجود سند قانوني للكثير من القرارات التي ستتخذها، علماً أن الرئيس أحمد الشرع، ومنذ تعيينه رئيساً لسورية من قبل غرفة العمليات العسكرية المشتركة ضمن خطاب النصر الذي ألقاه العقيد حسن عبد الغني في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، جرى تفويضه بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ، إلا أن هذا المجلس لم يجد طريقه إلى النور رغم الصلاحيات المطلقة التي أعطيت للشرع بطريقة تشكيله، سواء لناحية طريقة اختيار الأعضاء، أو عددهم، أو توزعهم المناطقي.

ولكن رغم كل الملاحظات على هذا المجلس، فإن إقراره يشكل ضرورة أكثر من ملحة في المرحلة الحالية، وخصوصاً بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية، والذي يتطلب من الجانب السوري تغييرات جذرية في القوانين المتعلقة بالاستثمار، وبالسياسات المالية والسياسات النقدية، والقوانين المرتبطة بحركة التجارة من استيراد وتصدير وحركة النقل بالعبور “ترانزيت” وغيرها من القطاعات التي سترفع عنها العقوبات ويتطلب تفعيلها سن قوانين جديدة تحتاج إلى مصادقة هيئة تشريعية، تسنّ من خلالها تلك القوانين. وبالتالي يجب على الرئيس السوري أن يسارع إلى تشكيل المجلس التشريعي الذي أقرّه منذ نحو أربعة أشهر، وعلى كل القطاعات الاقتصادية في البلاد أن تعمل على تهيئة بنية قانونية تؤسس لواقع جديد في مرحلة ما بعد رفع العقوبات، بدلاً من الانتظار، ومن ثم أخذ دور المتفاجئ من التطورات التي تحصل.

العربي الجديد

———————————–

ما بعد زيارة ترامب/ محمد أبو رمان

18 مايو 2025

أكبر فائز من زيارة الرئيس الأميركي ترامب الخليج العربي، الأسبوع الماضي، سورية، إذ أعلن تجميد العقوبات وتخفيفها على سورية (هنالك فرق بين التجميد والإلغاء والتخفيف؛ مرتبط بما يتعلق بقوانين أميركية، لكن التجميد مؤقتاً خيار جيد للاقتصاد السوري)، ولا في القول إنّ لهذا التوجّه، بانتظار تطبيق القرار على أرض الواقع، أهمية سياسية بقدر ما له أهمية اقتصادية وجودية لاستقرار سورية في المرحلة المقبلة.

على الصعيد السياسي، هذا القرار بمثابة فك ارتباط، ولو إلى حين، بين المنظور الأميركي لسورية وأجندة بنيامين نتنياهو، الذي حاول مرّاتٍ بصورة شخصية وسلوكية عبر العدوان العسكري المباشر، وعبر اللوبي الصهيوني، وحتى من خلال تيار في الإدارة الأميركية، أن يقنع ترامب بأنّ النظام السوري الحالي خطير، وأنّ ما تقوم به إسرائيل وما تحاول القيام به من خلال اللعب بورقة الأقليات يخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية.

الأردن وقطر قاما بدور مهم في التطبيع الدبلوماسي لصالح النظام السوري، والدور الأبرز مع إدارة ترامب كان للسعوديين والأتراك، الذين شكّلوا تحالفاً إقليمياً مهمّاً لدعم سورية، وتمكين الدولة أن تنهض من جديد وتفويت الفرصة على مخطّطات التقسيم والفوضى، فرفع العقوبات بمثابة منح شرعية سياسية أخرى للنظام الجديد وتمكين له، وإضعاف الأصوات في الداخل والخارج التي كانت تراهن على إسقاط النظام والتقسيم، فهي اليوم محدودة وعاجزة في الداخل أولاً وهذا المهم، ودوران عجلة الاقتصاد، وإن كان الأمر سيكون بطيئاً في البداية، سيساعد على تعزيز حالة الاستقرار والأمن الداخلي.

لن ينفكّ نتنياهو في محاولة إطاحة الدولة، واستثمار الفرصة، وعلى الأغلب سيستخدم أدواته المختلفة في أروقة البيت الأبيض واللوبي الصهيوني لتنفيس قرار ترامب أو محاولة ربطه بشروط معينة. وفي النهاية، لن يقبل نتنياهو إلّا بسورية ضعيفة هشّة، بلا جيش قوي، وغير قادرة على الدفاع عن نفسها تجاه هذه الهمجية الإسرائيلية.

من الواضح أنّ الرئيس السوري أحمد الشرع وفريقه يدركون جيداً الاختلال الكبير في موازين القوى الخارجية، وأهمية التركيز على الوضع الداخلي، ويراهنون كثيراً على الأدوار العربية والتركية في دعم الدولة، ويتجنّبون أي صراع مع إسرائيل شراءً للوقت وتفويتاً لأجندة التقسيم التي يؤمن بها الفريق اليميني حول نتنياهو. لذلك المعركة لم تنته بعد في الكواليس الأميركية، وإن كان الموقف الأوروبي داعماً قوياً للنظام الجديد من الضروري استثماره.

من جهةٍ أخرى، باء الرهان المبالغ فيه الذي عززته تقارير وتسريبات إعلامية أميركية وإسرائيلية على موقف أميركي حاسم في ما يتعلّق بنتنياهو وبوقف العدوان على غزّة وبالحل السياسي بفشل ذريع، ولم يكن واقعياً في الأساس، لذلك وبالرغم من إفراج حركة حماس عن الجندي الإسرائيلي الإسرائيلي- الأميركي، عيدان ألكسندر، لم يؤد إلى انفراج، فما يزال نتنياهو متمسّكاً بخطّته “عربات جدعون” لتهجير أهل غزّة، عبر توسيع العملية العسكرية، وفرض واقع جديد، لاستباق ضغوط ترامب، إن كان هنالك ضغوط.

لا تبدو مؤشّرات على تغير جذري وجوهري في موقف ترامب تجاه غزّة، وما تتناقله تلك التقارير مبالغ فيه، في رأي الكاتب، وإن كان هنالك خلاف على أكثر من صعيد بينه وبين نتنياهو، فإنّ بعض تصريحاته خلال زيارته الخليج، أظهرت أنّه ما يزال متمسّكاً بخطة التهجير، عبر الحديث عمّا أطلق عليه “أرض الحرية” في غزّة، وهو مشروع يستبطن التهجير بوضوح؛ بل صعّدت إسرائيل من عملياتها وقصفها في غزّة والضفة الغربية في نهاية جولة ترامب الخليجية، ما يؤكّد عدم وجود تغيير جوهري، حتى اللحظة، في موقف الإدارة الأميركية.

ماذا عن المرحلة المقبلة؟ على الصعيد السوري؛ المطلوب عربياً- تركياً البناء على موقف ترامب الجديد، ومتابعة الموضوع، ودعم سورية. وعلى صعيد غزة من الضروري تكثيف الضغوط الدولية والإقليمية لوقف الإبادة الكاملة لأهل غزّة، فإسرائيل ستصعّد كثيراً من الناحية العسكرية، وسيحاول نتنياهو الخروج من المأزق الحالي عبر قدر أكبر من استخدام القوة العسكرية وتفويت الفرصة على خصومه في الداخل لاستثمار الإفراج عن عيدان.

العربي الجديد

———————————-

سورية… توازن العلاقات الدولية/ فاطمة ياسين

18 مايو 2025

لم تعلن الإدارة الأميركية بشكل حاسم عن نيّة الرئيس ترامب رفع العقوبات عن سورية حتى اختار الرجل طريقة درامية لإعلان القرار، عندما كان يلقي خطاباً في الرياض أمام ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وفي حضور كثيرين. ولم يكتف ترامب بالإعلان، بل أزال كل ما كان يثير الجدل بشأن شخصية الرئيس السوري أحمد الشرع عندما قابله في اجتماع جمعهما مع ولي العهد، وانضم إليهم عبر الهاتف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وهناك في تلك القاعة، ذاب كثير من الجليد الذي تراكم بين سورية وأميركا طوال عقود ترجع إلى ما قبل زمن الوحدة مع مصر. وفي الاجتماع بالذات، كانت إشارة البدء قد انطلقت نحو شكل آخر من التحالفات التي ستغيّر اللون السياسي للإقليم. كان الشرع قد صرح بوضوح بأن لا مكان لوجود إيراني من أي نوع في سورية، وهو هدف منشود لدى الولايات المتحدة، وإسرائيل بشكل خاص، ومن ثم قد يصبح الوضع مهيأ للتحدّث بشأن الوجود الروسي في سورية، حيث لا تزال قاعدتان عسكريتان روسيتان في الساحل… لم تُخفِ حكومة الشرع نيات إرساء السلام، وخصوصاً في ظل عدم امتلاكها جيشاً متماسكاً بعد، وقد لا يتجاوز الدور الإسرائيلي في الجنوب تأمين نفسه مع إمكانية مراقبة محيطه لرصد حالات تسلّل ممكنة، أما الدور المنتظر أن يكون قوياً ومؤثّراً فهو الدور التركي.

ما تحتاجه سورية بالفعل التعاون مع تركيا، نظراً إلى ما يحمله الأتراك من إرث تنموي طويل وبشكل خاص خلال الفترة الأردوغانية التي حققت خطواتٍ اقتصادية وسياسية مهمّة. ونظراً إلى التاريخ المشترك الطويل الذي عاشه البلدان، وتداخلت فيه الجغرافيا بالسكان. وإذا أعيد بناء المؤسسات السورية على أسس جديدة بإشراف تركي، وخاصة المؤسّسات العسكرية والأمنية وبعض هياكل الاقتصاد، يمكن أن يعتبر ذلك مكسباً سورياً حقيقياً، بالإضافة إلى الدعم التركي الجاد للثورة السورية خلال كل مراحلها، فقد استضافت المدن التركية اللاجئين السوريين، واحتضنت أكبر عدد منهم، كما كان لتركيا الدور الأكبر في تنظم المجموعات المسلحة في سورية وإبعادها التدريجي عن الفكر الجهادي، لتُظهره بالشكل الوطني المطلوب. وكانت خلف الهجوم الكبير الذي أطاح بشّار الأسد وأوصل الثورة إلى قصر الشعب، وهذه رحلة تؤهّل تركيا لتكون لاعباً أساسياً في الداخل السوري، ليس على طريقة إيران التي هيمنت على القرار السوري ودمجت سورية في خطها القتالي، إلى جانب حزب الله وبعض الجماعات العراقية، بل في تحالف واضح المعالم يحترم سيادة الدول… رغم ذلك، تبدو الموازنة مطلوبة بين مصالح دول الإقليم وخاصة في المراحل الأولى لتشكيل الدولة، ومن الجيد أن يكون للعرب دورٌ مهمٌّ أيضاً، وخصوصاً دول الخليج الثلاث التي رعت، أو رحبت، بسورية الوليدة، وسعت في إزالة العقوبات عنها، وهي تحاول حالياً تنظيم نفسها للدخول في سوق الاستثمارات السوري الذي سيدفع سورية إلى الأمام، ويمكن ضبط موازنة تحالفات تركية عربية بواسطة حكومة رشيدة.

لوحظ بوضوح غياب رئيسي لمصر عن المشهد، ولا يُعتقد أن الشرع سيتجاوز دوراً مصرياً يمكن أن يكون مهماً لإبقاء سورية منفتحة على الجميع، لا تعلن عن نفسها ضمن تكتل بعينه.. حتى العراق المربوط إلى إيران بحبل قوي يجب أن تدار العلاقة معه بحكمة إضافية، وها إن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني شارك في القمة العربية في بغداد. كان العراق أحد مصادر المجموعات المقاتلة التي أطالت زمن الحرب السورية، وما زالت موجودة قرب الحدود، ومحتقنة، وهذا أحد التحديات التي يجب وضعها في الاعتبار، كما يجب تجاوز علاقة الشرع السابقة مع العراق كما جرى تجاوزها مع الولايات المتحدة، وذلك لاستمرار التواصل ومراقبة الوضع الأمني على الأقل. وفي النهاية، يمكن لعلاقات سورية متوازنة مع الإقليم ودول العالم أن تعبّد أمام هذا البلد طريقاً مشرقاً بعيداً عن إرث الماضي كله.

العربي الجديد

————————————–

السويداء تغادر عزلتها مع رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا/ أيمن الشوفي

17/5/2025

السويداء- تُبدي السويداء ارتياحا بعد قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، ولا سيما بعد المرونة التي شهدتها علاقتها مع الحكومة السورية بدمشق، مع آمال أبناء الطائفة الدرزية بمقدرة الإدارة السياسية الحالية للبلاد على إعادة سوريا إلى مكانتها الإقليمية اقتصاديا وسياسيا.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر خلال زيارته الأخيرة للسعودية قبل أيام، رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، في خطوة وصفها بأنها “ضرورية” لمنح الإدارة السورية فرصة حقيقية تتيح لها النهوض بالبلاد.

وقال شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء الشيخ يوسف جربوع، إن رفع تلك العقوبات أدى إلى تغيير المزاج العام لدى أبناء المحافظة، كما أفشل الرهانات السياسية السابقة، بما فيها رهان التيار السياسي الذي كان يسعى إلى إضعاف السلطة السوريّة، أو عدم الاعتراف بها.

وفي حديث للجزيرة نت، قال جربوع “أعتقد أن الأمور في السويداء تسير باتجاه أفضل، بما في ذلك تعميق العلاقة مع السلطة المركزية، حيث تراجعت الأصوات التي كانت تطالب بالحماية الدولية للدروز في جنوب البلاد على أثر رفع العقوبات الأميركية، وعاد المجتمع المحلي إلى وعيه السياسي المعهود الذي لا يُجيز سوى الارتباط بدولتنا السورية، ومجتمعنا السوري الكبير”.

وكان الرئيس الروحي لدروز فلسطين المحتلة الشيخ موفق طريف، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، قد دعا، في بيان له، دروز سوريا إلى أخذ مكانتهم المستحقّة في الوطن السوري الموحد.

وجاء كلام الشيخ طريف سابقا لإعلان رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في محاولة لرفض أي تدخل خارجي بشأن دروز السويداء، حسب مراقبين.

مزاج متفائل

يقول نجيب أبو فخر، رئيس “المكتب السياسي للمجلس العسكري في جنوب سوريا” (تشكيل درزي)، إن المزاج العام في السويداء، أسوة بما هو عليه الحال في سوريا، سعيد جدا برفع العقوبات عن البلاد، ومتفائل أيضا بأن مستقبل سوريا سيكون أفضل.

وأضاف أبو فخر للجزيرة نت، إن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يعكس الموقف الدولي الجديد من الإدارة السورية الحالية، مما سيؤدي إلى إنهاء التوترات المحلية، وسدّ الطرق بوجه الفتن والمشاريع غير الوطنية التي كانت تلاقي قبولا واستساغة لدى البعض.

ورأى أن رفع العقوبات كان نتاج جهد “مكثف وذكي” من الدولة السورية، وخصوصا من الرئيس أحمد الشرع والفريق الدبلوماسي “الذي واجه اختبارا معقدا نظرا للظروف الإقليمية، والضغوطات المتعددة داخليا وخارجيا”.

وقال أبو فخر “ربما عكس لقاء الرئيس الشرع بترامب، وطريقة المصافحة والجلوس جميعُها الأنفة التي اشتاق السوريون لرؤيتها على مسؤول سوري أمام مسؤول غربي أو عربي، وهذا ما كان ملفتا للغاية”.

وحسب المسؤول، فإن مشاريع الانفصال لم يعد صوتها عاليا كما في السابق، “بالرغم من أنها لم تختفِ كليا” من المشهد السياسي. ويعتقد بأنه إن تحمّل السوريون مسؤولية خطابهم، وأبعدوه عن الإقصاء والتجييش الديني والمذهبي والمناطقي، “فسنكون حينها على أعتاب نهاية طرح مشاريع الانفصال وتغييبها عن المشهد السوري برمته”.

خطاب الهجري

في هذه الأثناء، جاء لافتا بعض المرونة والتبدّل الذي اكتسبهُ خطاب الرئيس الروحي لدروز السويداء الشيخ حكمت الهجري، في بيانٍ صدر عنه صبيحة اليوم التالي لقرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا.

واعتبر الهجري أن “أي انتصار للوطن إنما هو انتصار لحقوق كل السوريين”، وقال في بيانه “بعيدا عن الإقصاء والتهميش، لنعشْ جميعا كشركاء تحت سقف سوريا الواحدة المدنية، بكل إثنياتها وطوائفها وأعراقها وتلاوينها”.

وبرأي عضو مؤتمر الحوار الوطني جمال درويش، فإن قرار رفع العقوبات عن سوريا “سينقل البلاد من حالة الفشل والانهيار إلى مرحلة بناء الدولة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي”.

وقال للجزيرة نت، إن قرار رفع العقوبات يمثّل “فرصة حاسمة” ينبغي استثمارها من أجل إعادة مسارات العملية السياسية الجارية في سوريا إلى نصابها الصحيح، ومراجعة العديد من الأسس التي قامت عليها، مع التركيز بشكل خاص على قضية المشاركة الشعبية في المرحلة الانتقالية.

ويعتقد درويش أن معظم أهالي السويداء يؤيدون وحدة البلاد، وبناء المؤسسات وفق معيار الدولة الحديثة. وبالتالي، فإنهم ضد إسقاط المرحلة الانتقالية. لكنهم “يطالبون بفتح مسار وطني جامع، يهدف إلى تقويم الانزياح والانحراف السياسي والدستوري” على حد وصفه.

تراجع الخطاب الانفصالي

ولم يستطع الخطاب الانفصالي الذي جرى ترويجه خلال الأسابيع الماضية في السويداء من المضي كثيرا أو التوسّع داخل الفضاء السياسي للدروز، كما يرى المراقبون. وأخفق دعاة هذا المشروع السياسي في تنظيم وقفات احتجاجية داخل ساحة الكرامة وسط المدينة، والتي شهدت فيما مضى انتفاضة شعبية واسعة بدأت في صيف العام 2023 واستمرت حتى سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي.

يقول المتحدث الإعلامي باسم لواء الجبل زياد أبو طافش، إن “المزاج العام في السويداء وطني الهوى ووجهته دمشق، وكنّا سمعنا وشاهدنا تصريحات موثّقة لمعظم القيادات الروحية والاجتماعية، ومعظم الفصائل المسلّحة في المحافظة، تؤكد على نبض أبناء السويداء الوطني بالرغم من بعض الاختلاف، وهو أمر طبيعي وصحيّ لا ينذر بأي سوء”.

وقال أبو طافش للجزيرة نت إن “المطالبة بالإدارة الذاتية أو الحماية الدولية ليست مطالب شعبية عامة، ولم تلقَ تأييدا لدى الجميع، وأبناء السويداء سيكونون سباقين إلى بناء الدولة السورية ومؤسساتها..”.

وباعتقاد المتحدث، فإن “مشكلة الحكومة المؤقتة والرئيس أحمد الشرع ليست مع السويداء، فالسويداء وأبناؤها لن تكون حجر عثرة في طريق بناء الدولة الوطنية السورية القوية، الدولة الديمقراطية التشاركية التي تُعبّر عن أحلام السوريين”. وبرأيه فإن المشكلة تكمن مع بعض المجموعات غير المنضبطة، والتي ارتكبت الانتهاكات، وسببت توترا في حياة السوريين، على حد وصفه.

وأيده الأمين العام للتحالف الوطني السوري لدعم الثورة خالد جمول، الذي قال إن أغلبية المكونات في السويداء هي مع الحكومة السورية، ومع بناء دولة القانون. وأضاف للجزيرة نت أن “طلب الحماية الدولية الصادر عن بعض الشخصيات في السويداء لا يمثّل إلا مجموعة أو فئة معينة ضيّقة، وأغلبية أبناء السويداء ترفض أي تقسيم، وتميل إلى اللامركزية الإدارية غير الموسّعة”.

وشدد على أن السويداء تؤكد استمرار ارتباطها بالدولة السورية، ولا تفكر بالانفصال عنها، كما ويسود لدى دروز السويداء ارتياح بشأن المستقبل القريب، وما قد يحمله من انفراجات ملموسة على الصعيدين المعيشي والاجتماعي.

وكانت وزارة الداخلية السورية قد شرعت بخطوات تهدف لاعتماد هيكل تنظيمي جديد لتحديث الجهاز الشرطيّ والأمنيّ، مع الحفاظ على مركزيّة القرار فيه، بحيث سيتم تقسيم البلاد إلى 5 قطاعات جغرافيّة يشرف على كل منها معاون خاص لوزير الداخلية.

المصدر : الجزيرة

——————————-

شكرا سمو الأمير محمد بن سلمان/ عالية منصور

آخر تحديث 17 مايو 2025

بعد قرابة 6 شهور على سقوط بشار الأسد، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب من المملكة العربية السعودية رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، فاجأ ترمب الكثيرين وأعلنها، لقد استمع لمطلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فلم يكتف برفع العقوبات بل أعلن إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، وفي اليوم التالي لإعلانه رفع العقوبات، جمع ولي العهد الرئيس الأميركي بالرئيس السوري أحمد الشرع، وانضم عبر تقنية الفيديو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاجتماع.

وفي البداية لا بد من القول إن ما حصل ليس فقط نجاحا لسوريا الجديدة، ما حصل أثبت للجميع أن السعودية لم تعد قوة إقليمية مؤثرة بل أصبحت قوة ذات ثقل دولي، تجمع الأضداد كما جمعت بين أوكرانيا وروسيا، والولايات المتحدة وروسيا، تضغط لوقف حروب بين قوتين نوويتين كما فعلت بين الهند والباكستان، ويقول رئيس أقوى دولة في العالم لولي العهد: “أنت طلبت وأنا ألبي”.

ضغط محمد بن سلمان لرفع العقوبات عن سوريا وضغط رئيس الوزراء الإسرائيلي لعدم رفعها، فرفعت العقوبات، هذه ليست تفاصيل، هذا مستقبل منطقة وملايين البشر، هذا مشروع استقرار نابع من قوة، مشروع ازدهار منطقة نابع من إيمان بقدرات أهلها، وهذه فرصة لكل دول المنطقة للحاق بهذا المشروع.

ما حصل أن العالم أدرك أن نجاح سوريا الجديدة هو نجاح لهذه الرؤية السعودية، فسوريا المعاقبة حتى وإن سقط النظام الذي فرضت عليه العقوبات لن تعرف الاستقرار، والأعداء كثر.

اليوم عملت المملكة العربية السعودية ومعها تركيا وقطر لإعطاء سوريا الأمل، ولإعطاء نظامها الجديد فرصة للانتقال بسوريا من “محور الشر” الذي أدخلها فيه حافظ الأسد إلى محور الاعتدال.

فرحة السوريين لحظة إعلان ترمب رفع العقوبات عن بلادهم كانت فرحة مضاعفة، فبقدر ما فرحوا برفع العقوبات، فرحوا بموقف الأمير محمد بن سلمان الذي “صدق في ما وعد به” كما قال الرئيس الشرع في كلمته، فرحوا بهذا الاحتضان العربي لهم ودعم بلادهم، بعد أن كانت سوريا مختطفة معادية لكل محيطها.

اليوم لم تعد سوريا تصدر الإرهاب والمخدرات والمفخخات، لم تعد سوريا خنجرا في خاصرة محيطها، شعر السعوديون بذلك وشعر العرب بذلك.

اليوم نحن أمام فرصة لن تتكرر، لم يعد لدى السوريين أي ذريعة تمنعهم من الانطلاق بعملية إعادة الإعمار، إعمار الإنسان قبل الحجر، الفشل ممنوع ولا يستطيع أحد في سوريا تحمل تكاليفه.

على الإدارة السورية أن تلتفت إلى الداخل، أن تنطلق بعملية تعافي سوريا بالشراكة مع جميع السوريين، هؤلاء السوريون الذين كانوا سندا وداعما للنظام الجديد أمام العالم كله.

قال ترمب لسوريا: “أظهري لنا شيئا مميزا للغاية”، وسوريا ستفعل وأهلها سينجحون، هذا ليس حلم بل هذا ما أثبتته الأحداث، فهم إذا ما أرادوا فعلوا، واليوم السوريون يريدون النجاح، يريدون الحياة والسلام، يريدون الحرية والازدهار، لقد اكتفى السوريون من الموت والحروب، وكل ما عدا ذلك تفاصيل قابلة للنقاش.

فشكرا لكل من آمن بسوريا وشعبها، وشكراً لكل من شارك بتحريرها من الخطف، وشكرا لمن منح سوريا الفرصة لتستعيد ألقها ولتظهر للعالم كل تميز… شكرا سمو الأمير محمد بن سلمان.

—————————–

إسرائيل أرادت استمرار العقوبات على سوريا/ محمود سمير الرنتيسي

2025.05.18

بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا كان رفع العقوبات عن الدولة السورية والشعب السوري الذي يتطلع لمرحلة جديدة من الحرية والتعافي أمرا منطقيا واستحقاقا متوقعا، وبالفعل كانت معظم الأطراف الإقليمية والشعوب العربية والإسلامية وعلى رأسها الشعب السوري تنتظر هذه النتيجة المنطقية، في المقابل كانت هناك جهة تعمل على إقناع الأميركيين بعدم رفع العقوبات عن سوريا وهي دولة الاحتلال الإسرائيلي.

لقد كان استقبال خبر رفع العقوبات عن سوريا في دولة الاحتلال الإسرائيلي مختلفا عن استقباله في سوريا وفي بقية البلدان العربية والإسلامية حيث أزعج هذا الخبر حكومة الاحتلال وعلى رأسها نتنياهو لأنه بالفعل كما ذكرت التقارير مؤخرا كان رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الذي طلب من ترامب حتى وقت قريب عدم رفع العقوبات عن سوريا، وقد استغل نتنياهو لقاءه الأخير مع ترامب في واشنطن الشهر الماضي لتكرار هذا الطلب.

لم تنكر دولة الاحتلال الإسرائيلي أن طلب نتنياهو وقد قالت القناة 12 العبرية أنهم في إسرائيل لا ينكرون أن نتنياهو طلب الابقاء على العقوبات على سوريا وعدم دعم الاستقرار في سوريا وتم رفض الطلب.

من الواضح أن ترامب كان له رأي آخر وهو ما يشير إلى وضع دولة الاحتلال الإسرائيلي في التأثير في موازين القوى بعد 7 أكتوبر. وإضافة لما سبق لم تكن إسرائيل على علم مسبق بقرار ترامب عقد الاجتماع مع الرئيس السوري في الرياض ولا بقرار ترامب رفع العقوبات، ويأتي هذا في سياق عدم علم إسرائيل باتفاق ترامب مع الحوثيين وكذلك ببدء المفاوضات مع إيران حول المشروع النووي الذي أعلن عنه ترامب في مؤتمر صحافي مع نتنياهو.

وقد قال الكاتب الصهيوني تامير هايمن نحن لسنا في الملعب بل نشاهد الدوري بانتظار انتهاء اللعبة ونلعب على الإسفلت الساخن لعبة عنيفة ومحلية ستنتهي بإصابات تلحق الجميع.

ولكن رغم كل هذا وبالنظر إلى ما يجري في غزة فإن نتنياهو يتعامل على أنه يمكن أن يسير على سياسة خاصة به حتى لو كانت نظرة ترامب مختلفة، ولهذا قام الجيش الإسرائيلي بالقصف قرب القصر الرئاسي في دمشق قبل أسبوعين من أجل تهيئة المجال للسيناريو الذي يريده في سوريا وهو سيناريو عدم الاستقرار. وقد أصدر نتنياهو ووزير الدفاع كاتس بيانا مشتركا قالا فيه “أن إسرائيل هاجمت بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق وهذه رسالة واضحة للنظام السوري”. وفي تحد صارخ قال البيان أن إسرائيل لن تسمح بانتشار قوات جنوب دمشق أو أي تهديد للطائفة الدرزية.

وتزعم إسرائيل أن سياستها تجاه سوريا تأتي في إطار سياسة الردع لمنع تكون ما تصفه بأنه “التموضع العسكري المهدد”، وفي الحقيقة تريد إسرائيل نشر الفوضى والتهيئة لمزيد من عدم الاستقرار ليكون بمتناولها العبث والتصرف كيفما تشاء لأنها تعتقد في الحقيقة أن أي استقرار حقيقي في سوريا أو دول الجوار الأخرى لن يكون في مصلحتها.

لا يزال نتنياهو يحلم بتغيير الشرق الأوسط ولكنه لم ينجح في إثارة النعرات عبر دعم بعض الأقليات لنشر الفوضى في سوريا كما أنه من الواضح لم ينجح في إعاقة مسار رفع العقوبات عن سوريا وهذا يؤكد مرة أخرى أن قوة دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تعد كما كانت من قبل كما أن قدرتها على التأثير في الولايات المتحدة أيضا لم تعد كما كانت من قبل.

ولذلك فإن ما سبق يشدد على ضرورة التصرف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنها طرف يريد تعطيل مسارات الاستقرار في كل المنطقة، ويشدد على التعامل معها من منظور أنها دولة وكيان يسير نحو مزيد من التراجع والتدهور.

————————-

بين إنقاذ النظام العلوي… وإنقاذ سوريا/ خيرالله خيرالله

الاثنين 2025/05/19

لا توجد في السياسة هدايا مجانية. من الآن، يُفترض التفكير في الثمن المطلوب من سوريا دفعه لقاء إعلان الرئيس دونالد ترامب، من الرياض، رفع العقوبات المفروضة على البلد، وهي العقوبات التي تسبب بها النظام العلوي. ترافق ذلك مع صدور بيان عن البيت الأبيض يشير إلى أن الرئيس الأميركي “حضّ” الرئيس السوري أحمد الشرع على الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية. أشار البيان ذاته إلى أنّ الشرع اكتفى بتأكيد التزام سوريا اتفاق فكّ الاشتباك مع إسرائيل، وهو اتفاق يعود إلى أواخر العام 1974.

لم يرد النظام العلوي، الذي سقط مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو في الثامن من كانون الأوّل – ديسمبر 2024، استعادة الجولان يوما. كان الاحتلال الإسرائيلي للجولان منذ العام 1967، ضمانة لبقاء النظام الذي وقع مع هنري كيسينجر وزير الخارجية الأميركي ورقة تفاهمات مع إسرائيل. تتضمن ورقة التفاهمات، التي نقلت “شفهيا” إلى إسرائيل، نقاط الالتقاء التي توصّل إليها كيسينجر مع حافظ الأسد. تشمل النقاط  الضمانات الأمنية المطلوبة إسرائيليا وذلك تمهيدا للتوصّل إلى اتفاق لفك الاشتباك في الجولان.

نصت ورقة التفاهمات على أنّ ما تضمنته الورقة، ذات النقاط الست، جزء لا يتجزّأ من اتفاق فكّ الاشتباك المنوي التوصل إليه. تمّ التوصل إلى مثل هذا الاتفاق بالفعل في أواخر العام 1974.

حملت التفاهمات بين الأسد الأب ووزير الخارجية الأميركي، التي تاريخها 28 أيار – مايو 1974، توقيعي وزير الخارجية الأميركي ووزير الخارجية السوري عبدالحليم خدّام. هذا يعني بكل بساطة أنّ العلوي كان يتفاهم مع إسرائيل، فيما السنّي من يوقع على التفاهم… أو يلتقي بالإسرائيليين. لا يمكن للعلوي ارتكاب “فعل خيانة”، أقلّه علنا. “فعل الخيانة” متروك للسنّة من أمثال حكمت الشهابي أو فاروق الشرع اللذين التقيا مسؤولين عسكريين ومدنيين إسرائيليين. تفاوض فاروق الشرع مع إيهود باراك (رئيس الوزراء الإسرائيلي) وتفاوض حكمت الشهابي مع أمنون شاحاك (رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي) بغية التوصل إلى اتفاق يُفضي إلى انسحاب إسرائيلي من الجولان. كانت المفاوضات مجرّد مفاوضات من أجل المفاوضات. بقيت في الأساس التفاهمات التي توصل إليها كيسينجر مع حافظ الأسد وهي في أساس اتفاق فكّ الاشتباك السوري – الإسرائيلي الذي يعني قبل كلّ شيء ضمانة إسرائيلية لبقاء النظام العلوي في سوريا في مقابل ضمان هذا النظام للأمن الإسرائيلي في الجولان بموجب عبارات صريحة لا لبس فيها.

تغيّرت اللعبة في سوريا حاليا بعدما دخلت تركيا على الخط بقوة. عاد السنّة إلى حكم سوريا، للمرّة الأولى منذ العام 1966، بعدما رفعت إسرائيل الغطاء الذي كانت توفّره لبشّار الأسد والنظام العلوي. لا شكّ أن اللقاء الذي حصل بين الرئيس ترامب والرئيس الشرع، برعاية الأمير محمّد بن سلمان ولي العهد السعودي، يشكلّ منعطفا في غاية الأهمّية على الصعيد الإقليمي. يعود ذلك إلى أنّه سبقت اللقاء الذي استضافته الرياض اتصالات سورية ـ إسرائيلية وأخرى بين وفود أميركيّة زارت دمشق حديثا. كان أبرز هذه الوفود وفد من زعماء  المنظمات اليهوديّة – الأميركيّة على رأسه جوناتان باس الذي يمتلك شركة نفطية أميركيّة. لم يخف باس، الذي التقى الرئيس السوري الجديد، في أثناء وجوده في دمشق أن المطلوب انضمام سوريا إلى الاتفاقات الإبراهيميّة. وقعت هذه الاتفاقات في العام 2020 وكانت بين دولة الإمارات العربيّة المتحدة والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. أدت إلى تطبيع كامل للعلاقات الإماراتية – الإسرائيلية والبحرينية – الإسرائيلية. في وقت لاحق حصل أيضا تطوير للعلاقات بين المغرب وإسرائيل، وهي علاقة من نوع خاص في ضوء وجود جالية يهودية مغربيّة كبيرة في إسرائيل. لا يزال يهود المغرب الذين انتقلوا إلى إسرائيل يمتلكون علاقة خاصة ببلدهم الأصلي، بما في ذلك الولاء للعرش المغربي كمؤسسة لم تفرّق يوما بين مواطن مغربي وآخر.

في استطاعة أحمد الشرع، الذي يتمتع حاليا بشعبية كبيرة بين السوريين في ضوء الدور الذي لعبه وليّ العهد السعودي في جعل ترامب يتخذ قرارا برفع العقوبات، الذهاب بعيدا في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. يعود ذلك إلى عوامل عدّة من بينها أنّه زعيم سنّي سوري استطاع هزيمة النظام العلوي المرفوض كلّيا من أكثرية السوريين. الأكيد أن الوساطة التي تقوم بها دولة الإمارات مع الإسرائيليين ستلعب دورا مهمّا في تحديد توجّه الرئيس السوري. يساعد في ذلك أيضا أنّ تركيا تعرف قبل غيرها أن دورها في مجال استفادة شركاتها من إعادة إعمار سوريا رهن برضا إدارة ترامب وما تريده هذه الإدارة التي لم تتردد في دعوة سوريا إلى الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيميّة إضافة إلى تقديم طلبات أخرى.

يشبه وضع الرئيس السوري الجديد وضع أنور السادات الذي قرّر في العام 1977 إلقاء خطابه في الكنيست الإسرائيلي تمهيدا لتوقيع معاهدة سلام بين البلدين في آذار – مارس 1979. كان السادات يتمتع وقتذاك بشعبية كبيرة في ضوء خوض حرب تشرين أو حرب أكتوبر، أمّا مصر فكانت تعاني في تلك المرحلة من أزمة اقتصادية عميقة الجذور. بين امتلاك الشعبية الكبيرة في ظلّ أزمة اقتصادية عميقة ورفض السنّة في سوريا فكرة عودة العلويين إلى حكم البلد، توجد مبررات كافية لذهاب أحمد الشرع إلى الاتفاقات الإبراهيمية التي تبدو إدارة ترامب مصرّة عليها.

استخدم بشّار وحافظ الأسد الضمانات التي قدماها لإسرائيل من أجل المحافظة على النظام العلوي طوال ما يزيد عن نصف قرن. هل يستخدم السنّي أحمد الشرع التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، بموجب الشروط الأميركيّة الواضحة كلّ الوضوح، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا… وبناء نظام جديد وتثبيت حكمه سنوات طويلة أخرى؟

إعلامي لبناني

العرب

——————————

ترمب وجائزة نوبل للسلام.. هل سوريا هي المفتاح؟/ أحمد زكريا

2025.05.18

تعدّ جائزة نوبل للسلام واحدة من أرفع الجوائز العالمية، تحمل في طياتها رمزية استثنائية تجمع بين الطموح الإنساني والإنجاز الملموس. منذ تأسيسها عام 1901 على يد ألفريد نوبل في السويد، أصبحت هذه الجائزة حلمًا يراود العلماء والسياسيين والناشطين، من نيلسون مانديلا إلى العالم المصري أحمد زويل.

في خضم هذا السياق، يبرز اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب كشخصية مثيرة للجدل تسعى بقوة لنيل هذا اللقب المرموق، مدفوعًا بطموحه لترك بصمة تاريخية تخلّد اسمه، لكن هل يمكن أن يحقق ترامب هذا الهدف؟ وما الدور الذي قد تلعبه سوريا في هذا المسعى؟

يُعرف ترمب بشخصيته الجريئة وتصريحاته الواثقة، وقد أعرب مرارًا عن رغبته في نيل جائزة نوبل للسلام، معتبرًا أن إنجازاته تفوق ما حققه سلفه باراك أوباما، الذي نال الجائزة عام 2009.

يرى ترمب أن جهوده في إنهاء النزاعات وتعزيز السلام تستحق التقدير، بل إنه يعتبر نفسه مصلحًا لما أفسده آخرون، وهذا الطموح لا ينبع فقط من رغبة شخصية، بل يعكس استراتيجية سياسية تهدف إلى تعزيز مكانته كرجل دولة يسعى لإعادة تشكيل النظام العالمي.

خلال ولايته الأولى، ركز ترمب على دبلوماسية الصفقات، حيث أسهم في رعاية اتفاقيات أبراهام التي جمعت إسرائيل بدول عربية مثل الإمارات والبحرين.

هذه الاتفاقيات، التي وُصفت بأنها خطوة تاريخية نحو التطبيع في الشرق الأوسط، أُبرزت كدليل على قدرته على تحقيق السلام. ومع عودته إلى البيت الأبيض في 2025، يبدو أن ترمب يضع نصب عينيه توسيع هذه الاتفاقيات لتشمل دولًا أخرى، وربما تكون سوريا إحدى المحطات الرئيسية في هذا المسار.

في الآونة الأخيرة، أثارت تصريحات وتحركات ترمب حول سوريا تساؤلات حول دورها المحتمل في مساعيه لتحقيق السلام، خاصة وأن سوريا، التي عانت من حرب مدمرة لأكثر من عقد، تمثل تحديًا معقدًا لأي مبادرة دبلوماسية، ومع ذلك، يبدو أن ترمب يرى فيها فرصة لتحقيق إنجاز دبلوماسي كبير.

هناك تلميحات إلى إمكانية عقد اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، أو ربما دمج سوريا في إطار اتفاقيات أبراهام، كما أشار البعض إلى أن ترمب قد يسعى لتطوير معاهدة فك الاشتباك بين البلدين التي أُبرمت عام 1974 برعاية هنري كيسنجر.

إحدى الخطوات الملفتة التي اتخذها ترمب مؤخرًا هي رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وهو قرار أثار جدلًا واسعًا، فالبعض يرى أن هذا القرار لم يكن مجرد إجراء إنساني، بل جزءًا من صفقة مشروطة تهدف إلى دفع سوريا نحو التطبيع مع إسرائيل.

هذه الخطوة، إذا نجحت، قد تعزز صورة ترمب كصانع سلام، خاصة إذا أدت إلى استقرار المنطقة وتقليص التوترات الإقليمية.

ومع ذلك، فإن هذا المسار ليس خاليًا من العقبات، فالعلاقات بين سوريا وإسرائيل ظلت متوترة لعقود، مع قضايا شائكة مثل هضبة الجولان، التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، وأي اتفاق سلام محتمل سيحتاج إلى معالجة هذه القضايا، إلى جانب ضمانات أمنية ودعم دولي، علاوة على ذلك، فإن الإدارة السورية، بقيادة أحمد الشرع، قد يواجه ضغوطًا داخلية وإقليمية تحول من دون قبوله باتفاقيات تُنظر إليها على أنها تنازل عن الحقوق الوطنية.

لنيل جائزة نوبل للسلام، يتطلب الأمر إنجازات ملموسة ومستدامة، وليس مجرد نوايا طيبة أو صفقات سياسية.

لجنة نوبل النرويجية معروفة بمعاييرها الصارمة، حيث تمنح الجائزة لمن يسهمون بشكل مباشر في “تعزيز السلام العالمي”، في حين أن ترمب، الذي يروّج لنفسه كرجل صفقات، يواجه تحديات جمة في إثبات أن جهوده تتجاوز المصالح السياسية أو الاقتصادية الضيقة.

على سبيل المثال، اتفاقيات أبراهام، رغم أهميتها، لم تحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وهو العقبة الأكبر أمام السلام الشامل في الشرق الأوسط، كما أن محاولاته لإنهاء الحرب في غزة أو التوترات بين إسرائيل وإيران لم تُكلل بالنجاح الكامل حتى الآن.

وفي سوريا، فإن أي اتفاق مع إسرائيل قد يُنظر إليه على أنه انتصار دبلوماسي لترامب، لكنه قد يثير انتقادات حادة إذا اعتُبر تنازلًا عن مصالح الشعب السوري.

من ناحية أخرى، يتمتع ترمب بدعم قوي من أوساط معينة، خاصة في الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث يُنظر إليه كقائد غير تقليدي قادر على اتخاذ قرارات جريئة.

تصريحات مستشاريه ومقربيه تشير إلى أنه يضع نصب عينيه إنهاء الصراعات الكبرى، سواء في أوكرانيا أو الشرق الأوسط، كوسيلة لتعزيز فرصه في نيل الجائزة، لكن هناك أصوات تشكك في نواياه، معتبرة أن سعيه لنوبل قد يكون مدفوعًا برغبة شخصية أكثر من كونه التزامًا حقيقيًا بالسلام.

إذا أراد ترمب تحقيق هذا الحلم، فعليه مواجهة عدة تحديات:

أولًا، يجب أن تكون أي اتفاقية سلام مستدامة وشاملة، تشمل أطرافًا رئيسية مثل الفلسطينيين، الذين ظلوا خارج إطار اتفاقيات أبراهام.

ثانيًا، يحتاج إلى كسب تأييد المجتمع الدولي، بما في ذلك دول أوروبا والصين، التي قد تنظر بحذر إلى تحركاته الدبلوماسية. ثالثًا، يجب أن يتعامل بحذر مع التوازنات الإقليمية، خاصة مع إيران، التي تمثل لاعبًا رئيسيًا في سوريا والمنطقة.

في المقابل، فإن الفرص متاحة أمام ترمب، إذ إن سوريا، بظروفها الحالية، قد تكون أرضية خصبة لتحقيق اختراق دبلوماسي، خاصة إذا تمكن من إقناع الإدارة السورية بالانضمام إلى اتفاقيات أبراهام أو تطوير معاهدة سلام جديدة، ونجاحه في هذا المجال قد يعزز صورته كرجل سلام، لكنه يتطلب مهارة دبلوماسية استثنائية وتنازلات من جميع الأطراف.

سوريا ليست مجرد ساحة نزاع، بل قد تكون العامل الحاسم في طموح ترامب لنيل جائزة نوبل، فقراراته الأخيرة، مثل رفع العقوبات، تشير إلى أنه يراهن على دمشق كمحور لتحقيق اختراق دبلوماسي غير مسبوق.

لكن ما الذي يجعل سوريا مفتاحاً محتملاً وطريقاً بوصول ترمب إلى جائزة نوبل؟

أولاً، استقرار سوريا قد يغير ديناميكيات الشرق الأوسط، خاصة مع تراجع النفوذ الإيراني بعد ضربات إسرائيلية استهدفت قواعد عسكرية في سوريا.

ثانيًا، إشراك سوريا في اتفاقيات أبراهام قد يفتح الباب أمام دول أخرى مترددة، مثل لبنان أو العراق، للانضمام إلى مسار التطبيع.

ثالثًا، نجاح ترمب في إقناع سوريا بتسوية مع إسرائيل، خاصة بشأن الجولان، قد يُنظر إليه كإنجاز تاريخي يتجاوز ما حققه أي رئيس أميركي سابق، لكن هذا المسار يتطلب تنازلات كبيرة، سواء من سوريا التي قد تخشى ردود فعل شعبية، أو من إسرائيل التي قد ترفض التفاوض حول الجولان.

وإذا نجح ترمب في تجاوز هذه العقبات، فقد يصبح اسمه مرادفًا للسلام في المنطقة، لكن الفشل قد يعزز الانتقادات التي تصفه بالانتهازية.

في النهاية، يبقى السؤال: هل سيحصل ترمب على جائزة نوبل للسلام؟ الإجابة تعتمد على قدرته على تحقيق إنجازات ملموسة ومستدامة، وليس فقط على طموحه الشخصي.

سوريا قد تكون مفتاحًا لهذا الهدف، لكن التحديات السياسية والإقليمية تجعل هذا المسار محفوفًا بالمخاطر.

وإذا نجح ترمب في تحقيق سلام حقيقي يشمل سوريا وإسرائيل، فقد يقترب خطوة كبيرة نحو تحقيق حلمه، لكن، كما يعلم الجميع، فإن طريق السلام ليس مفروشًا بالورود، وجائزة نوبل تتطلب أكثر من مجرد نوايا طيبة أو صفقات سياسية.

تلفزيون سوريا

—————————

حول رفع العقوبات وما بعدها/ أحمد مظهر سعدو

2025.05.18

تنبع أهمية القرار الأميركي في رفع العقوبات عن كاهل السوريين، في أنها ستكون عتبة مهمة في تاريخ سوريا الحديث، تأتي إبان كنس الاستبداد الأسدي، وحالة التغيير الكبرى التي حصلت في سوريا، ويبدو أن إزاحة العقوبات من فوق صدر السوريين، سوف تؤسس لما بعدها، ومن الممكن أن تكون بداية جديدة، ومساحة مهمة متجددة، قد تعادل ماحصل في صبيحة 8 كانون أول/ ديسمبر 2024، من حيث أنها ستفتح الباب على مصراعيه نحو نهضة اقتصادية، وحالة تنموية سورية متميزة طالما حلم بها الشعب السوري، وعمل من أجلها بكل مايستطيع، بعد أن أوصل نظام الفاشيست الأسدي الوضع السوري، والدولة السورية، إلى ما يمكن أن ينطبق عليه بشكل واضح حالة الدولة الفاشلة. ولقد كان أمام الحكومة الانتقالية السورية التي تم تشكيلها بعد الحكومة الأولى المؤقتة، الكثير من المهام والتحديات الصعبة، ليس أقلها الاجابة المباشرة على سؤال يقول: هل من الممكن أن تنهض الحكومة السورية الانتقالية بالاقتصاد المتهالك والخدمات المعدومة، وإعادة لملمة الصفوف السورية، وبناء السور العالي للدولة السورية الطامحة، في ظل وجود عقوبات كثيرة، ليس من ذنب للسوريين أنها موجودة، بقدر ما يتحمل ذلك (بكل تأكيد) نظام الاستبداد المخلوع كل تبعاتها وأسبابها، ومن ثم فإنه من العبث الحقيقي واللاعقلانية في السياسة أن تستمر هذه العقوبات بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث كانت تعيق واقعيًا (بعد سقوط النظام المخلوع) أي عمل نهضوي اقتصادي أو خدمي، أو حتى سياسي، يمكن أن تعمل عليه حكومة الرئيس أحمد الشرع.

والآن وقد زالت هذه العقوبات نظريًا (على الأقل) لمدة 180 يوم حسب التصريحات الأميركية الأخيرة، حيث تحتاج إلى مزيد من الوقت، لتكون ضمن سياقات التنفيذ الفعلي المؤسساتي الأميركي المباشر، قبل أن تمر بما سبق ومرت به قوانين العقوبات أثناء فرضها، من مثل قانون قيصر وسواه، اعتبارًا من أدراج البيت الأبيض والرئاسة الأميركية تحركًا نحو بيروقراطية الكونغرس، ومن ثم وصولًا إلى آليات عمل وتصويت وموافقة مجلس الشيوخ، وبعدها إلى التطبيق العملياتي ثم النفاذ الممارس، وهو الذي سيأخذ بعض الوقت ومع ذلك سوف ينتظره السوريون حكومة وشعبًا، لماله من ضرورات وأهمية، ترتبط به وبها جملة القرارات الحكومية والتحركات الواقعية السورية على طريق بناء الدولة السورية وتحسين الخدمات، وإعادة الاعتبار كليًا أو جزئيًا إلى الليرة السورية، حيث بدأنا نلمس تجلياته في السوق السورية،  تلك الليرة السورية كانت قد التي هوت إلى الحضيض، في ظل وجود نظام العصابات الأسدية، والفساد والإفساد كسياسة ممنهجة اتبعها آل الأسد لأنهم كانوا يعتبرون الوطن السوري بمثابة مزرعة مملوكة لآل الأسد وآل مخلوف وتوابعهما.

لعل مابعد قرار الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) من العاصمة السعودية الرياض، برفع العقوبات، هناك المزيد من جولات التفاوض والتحركات على جوانب عملية رفع العقوبات، ليس مع الأميركان في تركيا فحسب، بل لا يمكن أن يكون ما يجري من مفاوضات (غير مباشرة) بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل، بعيدًا (أو بالتساوق) مع الشروط الأميركية لرفع العقوبات، لأن (دونالد ترامب) يهمه جدًا مايسميه دائمًا بالأمن القومي الإسرائيلي، كما يهمه أيضًا، وضمن عقلية التاجر الأميركي، أن تكون كل الصفقات هذه مرتبطة ببعضها وتؤدي إلى مزيد الفائدة المالية والسياسية، وتساهم في إنجاز وإنفاذ سياسات أميركية في المنطقة العربية والعالم يمكن للرئيس الأميركي (دونالد ترامب) أن يقبض ومعه إدارته الأميركية  الكثير من الأموال على طريقها ولصالح الخزينة الأميركية.

وقد يكون الطريق إلى إنفاذ رفع العقوبات قد أضحى سالكًا وسريعًا كما يبدو عبر وبعد العرض السوري الحكومي بمنح معظم استثمارات عملية إعادة الإعمار في سوريا إلى أهم الشركات الأميركية المستوطنة في دول الشرق الأوسط، على حساب السوريين أو الشركات الاستثمارية العربية الخليحية أو الإقليمية.

إذًا من الممكن أن يكون ما بعد رفع العقوبات عن سوريا ليس أقل صعوبة مما قبله، ومن الممكن أيضًا أن يتابع (العم سام) إرسال المزيد من الطلبات والشروط الأميركية وكذلك الإسرائيلية بالضرورة، كي تستمر مسيرة وإجراءات رفع العقوبات سارية المفعول، ومتحركة إجرائيًا دون معوقات قانونية أو سياسية.

إن مابعد رفع العقوبات الأميركية الكثير من المتطلبات الأميركية، والعديد من انبثاقات المصالح الأميركية، التي لابد من تنفيذها من قبل الحكومة السورية، لتكون مدخلًا جديًا لذلك وحتى تكون عملية الانتقال السوري من العقوبات إلى حالة صفر عقوبات، ماثلة وناجزة في ساحة الفعل والممارسة. ويعلم كل متابع لمسارات السياسة الأميركية في العالم، وكان آخرها زيارات الرئيس الأميركي  (دونالد ترامب) لبعض دول الخليج ( السعودية، وقطر ، والإمارات) وكيف أن ترامب وإدارته، بل وكل الإدارات الأميركية المتعاقبة، ما زالت تمسك العصا من المنتصف، و تلوح بالعقوبات والحسم إن لم يكن هناك من فوائد تعود بالضرورة على الخزينة الأميركية، حيث يشارك مع ترامب وزير الخزانة الأميركية كل جولاته في المنطقة العربية والعالم أيضًا.

من الصحيح القول: إن فرحة السوريين لايمكن أن تعادلها فرحة، شعبيًا وحكوميًا،  بعد قرار رفع العقوبات الأميركية من فوق كاهل وصدر السوريين، وإن التفاؤل كان وما زال متوفرًا وحيًا، إلا أن (ما بعد السكرة تأتي الفكرة ) كما يقال ، أوالعكس،  وهي مسألة لابد من تحمل نتاىجها، حيث يأمل السوريون أن لا تكون النتاىج سلبية على الواقع السوري، وأن تكون هناك أقل الخسائر وليس أكثرها.

ويبدو أن ذلك سوف يبقى مرتبطًا بالضرورة بمستوى أداء الحكومة السورية وجودته، وقدرتها على تحقيق عملية رفع العقوبات، وإنجاز عملية النهوض والتنمية الاقتصادية والخدماتية، بدون أن تعطي للأميركان والإسرائيليين ماتريدانه، ضمن حالة الممكن والمتاح الموضوعية، فمستقبل سوريا المستقرة الموحد والشامخة، هو الأهم، وإعادة عجلة التنمية في سوريا، ضرورة حياتية للناس، بالتساوق مع عملية إعادة الإعمار.

تلفزيون سوريا

———————————

عن إعادة تموقع سورية في الإقليم/ رانيا مصطفى

19 مايو 2025

قرَّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية، قبل لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، استجابةً لمطلب ولي العهد السعودي محمّد بن سلمان، وجهود كلٍّ من تركيا وقطر والإمارات وبريطانيا، وبدعم فرنسي كبير. ورغم التباس موقف الكونغرس الأميركي تجاه هذا الشأن بسبب سوء معالجة الحكومة ملفَّي الساحل والجنوب السوري، وبسبب الخلفية الجهادية للحكّام الجُدد، إلا أن عودة ترامب من الخليج العربي إلى البيت الأبيض منتصراً ومحمّلاً باتفاقات بمئات مليارات الدولارات كفيلة بتمرير استثناءٍ أوَّلي يسمح بجذب الاستثمارات إلى سورية وإعادة عجلة الاقتصاد، وصولاً إلى رفع معظم العقوبات.

فرضت واشنطن العقوبات على سورية، وأبرزها قانون قيصر، لمعاقبة نظام بشار الأسد على جرائمه ضدّ السوريين، وأرادت بها منع روسيا وإيران من الاستفادة من سياستهما الداعمة نظام الأسد. ورغم دورها في إنهاء تلك الحقبة، لم تكن تلك العقوبات منصفةً بحقّ السوريين، فليس من المنطق أن تُعاقِب نظاماً على جرائمه بفرض عقوباتٍ على مؤسّسات الدولة أدّت إلى تجويع الشعب، فيما استمرّ الأسد ومقرّبوه بجني الأرباح غير المشروعة. وجاء قرار ترامب اليوم ضمن صفقة تجارية وأمنية أميركية خليجية تعطي دوراً رائداً للسعودية في إعادة تشكيل المنطقة بعد إنهاء النفوذ الإيراني، وإعطاء أدوارٍ متوازنة لكلٍّ من تركيا والسعودية، إذ يلعب موقع سورية الاستراتيجي أهميةً كبيرةً في هذه الخريطة. وسورية اليوم منهكة ومقسّمة، وسلطة الرئيس أحمد الشرع ضعيفة وغير مسيطرة، ومثقلة داخلياً بإرثها السلفي الجهادي، ومنذ وصوله إلى دمشق، تردَّد على لسان الشرع وباقي المسؤولين أن سورية لن تكون منصَّة تهديد لدول الجوار.

لافت أنه بعكس زيارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إلى المنطقة في النصف الثاني من عام 2022، لم يزر ترامب، رجل الصفقات الكبرى، تلّ أبيب، ما يعكس حجم الخلاف بينه وبين بنيامين نتنياهو، ورغبته في إحداث توازن عربي تركي في مواجهة طموحات حكومة الأخير في المزيد من التهديدات لأمن المنطقة، من دون التردّد في منح الكيان الإسرائيلي كلّ الدعم في مشروعه لتدمير غزّة و”تطهيرها” من حركة حماس، على حدّ تعبير وزير ماليّته بتسلئيل سموتريتش، الذي ربط أيضاً بين أمن إسرائيل وتقسيم سورية. وباستثناء غزّة، التي يريدها ترامب “منطقةً حرّةً”، حسب قوله، وغياب التوافق العربي في إيقاف الحرب فيها، فإن الرجل يسعى إلى إيقاف الحروب كلّها، والقيام برحلات فارهة لإجراء صفقات ضخمة. على ذلك، استطاع كلٌّ من الرئيس التركي أردوغان ووولي العهد السعودي محمد بن سلمان إقناعه بالمراهنة على إعطاء كل الدَّعم للشرع لتحقيق المصالح الأميركية في سورية، التي تتلاقى مع مصالح الدول العربية، ومنها الأردن وقطر والإمارات، حول إنهاء ملفّ النفوذ الإيراني، وتجارة الكبتاغون، وضبط الحدود، واستقرار سورية، وتدفّق الاستثمارات.

في سنوات حكم الأسد الأخيرة، كانت هناك مبادرات عربية تسعى إلى إعادة سورية إلى الحضن العربي، وإبعادها عن إيران، ومحاربة تجارة المخدّرات، ووافقت واشنطن على تلك الخطوة بانتظار خطوة مقابلة من الأسد، الذي فشل وكان على وشك الانهيار. وكان الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان قد انضم إلى قطار إعادة العلاقات مع الأسد، لأسباب داخلية تتعلّق بعودة اللاجئين إلى سورية، الأمر الذي رفضه الأسد تعجرفاً وسوء تقدير. بعد سقوط الأخير، باتت الفرصة مؤاتيةً لتلك العودة السورية إلى الحضن العربي، بوجود سلطة وليدة تحاول ترتيب بيتها الداخلي، وقد أحسنت العمل بالإسراع إلى فتح علاقات مع دول الخليج ودول الجوار العربية، وهنا تأتي الخطوة الأميركية برفع العقوبات عن سورية دفعةً إلى الأمام، لتمكين السوريين من تحقيق الاستقرار الداخلي، وتحقيق المطالب الأميركية.

جاءت تلك المطالب على لسان المتحدِّثة باسم البيت البيض كارولين ليفينت خلال زيارة ترامب إلى الرياض، وتتقاطع مع الشروط الأميركية السابقة، خاصّة ما يتعلق بطرد المقاتلين الأجانب، والمساعدة في منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومعالجة مراكز الاعتقال التي تخصّ التنظيم، وقد أضيف إليها ترحيل الفصائل الفلسطينية التي وُصفت بالإرهابية، ودعوة دمشق إلى الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية. يبدو أن المطلب الأخير جزء مهم من ترتيب إعادة التموضع السوري الجديد، إذ أجاب الشرعُ ترامبَ بـ”نعم” (بحسب الأخير) من دون أن يذكر الحقوق السورية باستعادة الجولان المحتلّ وفق القرارات الأممية، وقد رُفع العلم السوري الجديد فوق تلك الأراضي تعبيراً عن رغبة السوريين هناك باستعادته. ولم يأتِ الشرع على ذكر التجاوزات الإسرائيلية أخيراً باحتلال مناطق في العمق السوري تتجاوز خطّ فكّ الاشتباك لعام 1974، والضربات الإسرائيلية التي دمَّرت كلّ مقدرات الجيش السوري، وهدّدت الرئيس في قصره.

هناك من يرى أن درجة إنهاك السوريين تمنع حكومتهم حتى من العمل الدبلوماسي، وتقديم الشكوى في المحافل الدولية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وهذا استنتاج خاطئ، لا يدرك خطورة الاستباحة الإسرائيلية للأراضي السورية بحجّة تولّي تنظيم ذي ماضٍ جهادي الحكمَ. ودولة الاحتلال أرادت ألّا تفوّت فرصة الضعف السوري لإثبات تفوّقها العسكري على دول الجوار، ولمنع بناء قدراتها العسكرية، ولاحتلال المناطق العازلة عملاً استباقياً لأيّ تهديد جديد، ولمنع ظهور نظام سوري قوي، إضافة إلى الحدّ من تهديد النفوذ التركي المتصاعد، وهذا يعني أن دولة الاحتلال تتعامل بوصفها دولةَ “بلطجةٍ” في المنطقة، بمباركة أميركية وأوروبية. في كلّ الأحوال، من المبكر القول إن سورية ستنضمّ إلى الاتفاقات الإبراهيمية، فالسلطة غير مكتملة، وما زالت في المرحلة الانتقالية، إلا أن الموافقة المبدئية من الحكومة السورية من دون استعادة الحقوق والاعتراف بتلك الانتهاكات والتَّعويض عنها ليست الخيار الإجباري للشرع.

الاستناد إلى الشرعية الداخلية سيقوّي أوراق الشرع لتشكيل موقف عربي ضاغط يندّد بالانتهاكات الإسرائيلية في سورية، ويقوّي قدرة الدولة على الاستفادة من تلك الفرص التاريخية كلّها التي تُعطى للسوريين. هذا يعني أنه من الحصافة حسن التصرف، وإعادة النظر في كلّ السياسات التي اتَّبعها الشرع، وتوسيع المشاركة السياسية، وبناء دولة المواطنة للسوريين كلّهم، بدلاً من توجيه سهام التخوين إلى الطوائف والأعراق، وقد ردّد السوريون المحتفلون برفع العقوبات في مختلف المحافظات السورية شعارات تندّد بالطائفية تعبيراً عن رغبتهم في الانتقال إلى مرحلة جديدة يسودها الاستقرار. ومن الجدير ذكره أن تجارب دول مماثلة لم تنجح في النهوض بالوضع المعيشي والخدمي لمواطنيها بسبب تفشّي الفساد وتغييب دور الدولة. والتصريحات الحكومية كلّها تقول باقتصاد السوق الحرّ شعاراً للمرحلة، من دون تحديد الهدف من تلك السياسات الاقتصادية، هل هي تنموية تخدم طبقات اجتماعية متوسّطة ودنيا، هي في أشدّ الحاجة إلى تحسين أوضاعها، وبناء منازلها المهدّمة، وهذا يستدعي قدراً كبيراً من تدخّل الدولة؟ أم هو اقتصاد حرّ منفلت يخدم طبقة أوليغارشية احتكارية جديدة وحسب، وفاسدة بالضرورة، في ظلّ غياب تشريعات تضمن حرية العمل النقابي والحزبي؟

العربي الجديد

——————————

بغداد والشرع وظلُّ ترمب/ غسان شربل

19 مايو 2025 م

لبغداد قدرةٌ غيرُ عادية على دفع الزائرِ إلى فتح دفاتر الماضي وأوجاعه. تتضاعف القدرةُ حين يختار الأصدقاء أن يكونَ العشاء على ضفة دجلةَ ثم تكتشف لدى وصولك أن المنتجعَ الحالي حلّ ضيفاً على ما كان واحداً من قصور حقبة صدام حسين.

لازمني شعورٌ بأنَّ الناسَ كما العهود والأفكار ركاب في قطار الوقت يعبرون كما تعبر مياه النهر محكومة بالاختناق عند المصب. والفارق بين العابرين هو الوجهة التي يسافر إليها والبصمات التي يتركها. حراس الماضي يسافرون إليه ويغرقون فيه. ورجال المستقبل يكافحون لإزالة الركام والنجاة من زنزانات الخوف أو القوالب. هذا الحديث طويل. لنترك الماضي يمضي وننتقل إلى الحاضر.

احتضنت بغدادُ القمة الرابعةَ والثلاثين لجامعة الدول العربية وكأنَّها ترغب في إيفاد رسائل عدة. أولى الرسائل أنَّ بغداد مستقرة وآمنة وقادرة على احتضان حدث بهذا الحجم من دون تدابير أمنية منهكة لبعض المدينة وبعض سكانها. والثانية أنَّ بغداد تدرك أهمية العمل العربي المشترك وفرص تفعيله وأنَّها صاحبة مصلحة في تسارع وتائر رحلة القطار العربي في التعاون والتبادل والتشاور. والرسالة الثالثة أنَّ بغداد ملتزمة ما اصطلح على تسميته الثوابتَ العربية سواء في ما يتعلق بحل الدولتين أو البحث عن حلول عبر التفاوض لتضميد جروح الخرائط العربية المتصدعة.

يعرف الصحافيون بحكم التجربة أنَّ المناقشات التي تدور على هامش القمة لا تقل أهمية أحياناً عن الكلام الذي يقال داخلها، خصوصاً أنَّ أروقة المؤتمر والفنادق تحرر المتحدثين من القيود الرسمية.

كان باستطاعة الصحافي الزائر أن يلاحظَ أن موضوعين هيمنَا على مناخات القمة وما حولها انطلاقاً من الاعتقاد أنَّهما سيتركان بصماتها على التطورات في المرحلة المقبلة. التطور الأول يتعلَّق بسوريا بعد مصافحة دونالد ترمب وأحمد الشرع في الرياض وقرار الإدارة الأميركية الحالية رفع العقوبات عن سوريا تلبية لطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

لاحظ كثيرون أنَّ الشرع «حصل على جرعة استثنائية من الدعم العربي والدولي، ما يُبقي دول الجوار أمام خيار وحيد هو التطبيع مع سوريا الشرع والتعاون معها».

راودتني رغبة في معرفة صورة الشرع لدى عدد من الذين التقوه من بلدان عدة. ورجعت من الأسئلة بالآتي:

– الشرع رجل براغماتي يدرك جيداً على أي أرض يقف ويدرك تعقيدات الجغرافيا السورية وذيول علاقاتها الصعبة مع جيرانها.

– يحاول تبديد أي شكوك حول إمكان أن يغرف من تجاربه السابقة لانتهاج سياسة متشددة. ثمة من سمعه يردد علانية وفي اللقاءات المقفلة أنَّ سوريا لن تكون مصدر قلق لأي من جيرانها. واستنتج الزوار أنَّ إسرائيل مشمولة بهذا الكلام.

– ثمة من سمعه يقول إنَّ مواجهة إسرائيل بالطرق التقليدية قادت إلى الكوارث التي نراها. الخيار الوحيد أمام سوريا هو أن تصون وحدتها واستقرارها وتبني اقتصادها وتسترجع المهجرين ثم تستثمر علاقاتها العربية والدولية للضغط الدبلوماسي على إسرائيل. وهذا يعني ببساطة الخروج من النزاع العسكري مع إسرائيل، وهذا ليس بسيطاً بالنسبة إلى من يمسك بمفاتيح دمشق.

– لمس الزائرون أنَّ إيران و«حزب الله» يتصدران لائحة خصوم الشرع، في حين يعتبر أن بقاء القواعد الروسية يتوافق ومصلحة سوريا.

– يتفق كثيرون على أنَّ التحدي الأكبر أمام وفاء الشرع بالوعود التي قطعها للإدارة الأميركية هو طبيعة القوى التي عملت معه إلى موعد إطاحة نظام بشار الأسد ولكونه يشير إلى نهاية زمن الفصائل.

– لاحظ مشاركون أنَّ الدور الذي لعبه الأمير محمد بن سلمان في إحداث تحول سريع في موقف ترمب من الشرع هو إشارة إلى ازدياد الثقل السعودي لدى واشنطن، فضلاً عن احتفاظ الرياض بعلاقات ممتازة مع الصين وروسيا وأوروبا.

– توقع مشاركون أن يلعب الثقل السعودي دوراً كبيراً في إطفاء الحرائق المشتعلة في المنطقة.

تطور آخر يعني العراق ودول المنطقة، وهو ظلّ ترمب الذي خيّم على المنطقة بعد زيارته الخليجية الأخيرة ومحطتها الاستثنائية في الرياض.

قال عدد من المشاركين إنَّ زيارة ترمب طوت صفحة الحديث القديم عن أن أميركا تعبت من الشرق الأوسط وتريد الاستقالة من أي مسؤولية تجاه مستقبله. أعادت زيارة ترمب التأكيد على أنَّ الحديث عن عالم متعدد الأقطاب لا يزال مبكراً، ذلك أنَّ الأرجحية لا تزال محسومة للهالة الأميركية في العسكرية والاقتصاد، وأنَّ المعبر الأميركي إلزامي لمن يبحث عن حلول للأزمات المستعصية، من غزة إلى النووي الإيراني.

ويلمحون إلى أنَّ ظلّ ترمب أرخى بثقله على الملفات الشائكة من أوكرانيا إلى غزة ومعها النووي الإيراني. وتسمع في بغداد أنَّ التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران مرجح لأنَّ عواقب الانزلاق إلى مواجهة ستكون باهظة التكاليف للمنطقة وللاقتصاد العالمي وستضع العراق في وضع شديد الصعوبة.

وهناك من يعتقد أنَّ طهران تدرك بلا شك أنَّ ملامح جزء من المنطقة قد تغيرت، وتحديداً في الجزء الذي نشط فيه الجنرال قاسم سليماني واستثمر فيه عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. ويلمح هؤلاء إلى أنَّ إيران بدأت في حلقات ضيقة عملية مراجعة لتجربة العقود السابقة لأنَّ ما يجري يتناول أمنها وحجم دورها وحضورها في الإقليم.

ولا ينكر بعض المشاركين أنَّ إسرائيل خرجت من حروب ما بعد «طوفان الأقصى» وهي «أقوى بكثير مما كانت عليه قبله»، وأنَّ ترمب «هو الوحيد القادر على ضبط سلوكها العدواني أو تخفيفه».

تقرأ بغداد في تجربة الشرع وتحاول استكشاف توجهات ظل ترمب خصوصاً على إيران وخياراتها. انشغال بغداد بهذه الملفات لا يلهيها عن الانغماس قريباً في مناخات الانتخابات النيابية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي الطريق إلى الانتخابات سؤال عن ظل مقتدى الصدر على الانتخابات إن شارك فيها وبوادر معركة قاسية داخل «الإطار التنسيقي» وتطلع نوري المالكي إلى حرمان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من الفوز بولاية جديدة.

الشرق الأوسط

———————————-

سورية من إرث الاستبداد إلى بناء الدولة الجديدة/ فيصل يوسف

19 مايو 2025

في ظلّ سنوات طويلة من الصراع والدمار، ومعاناة يومية أثقلت كاهل السوريين، يبرز قرار الإدارة الأميركية رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية بصيصَ أمل في نفق طويل من الظلمة، لما يحمله من دلالاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ قد تُفضي إلى بداية مسار جديد نحو انفراج تدريجي للأزمة، وتوفير أرضية أكثر ملاءمةً لعملية سياسية شاملة ومستدامة، تعالج ما خلّفه النظام البائد من دمار ومعاناة وشرخ عميق في بنية المجتمع والدولة.

تكشف نظرة فاحصة إلى التجربة السابقة أن الإجراءات الاقتصادية، التي غالباً ما يجري تقديمها في سياق “الأدوات غير العسكرية”، قد أثبتت محدوديةَ فعّاليتها في تحقيق الأهداف المُعلَنة، بل إنها، في الواقع، لامست بشكلٍ مباشر حياة المواطنين السوريين، وأثّرت في قدرتهم على تأمين ضرورات الحياة الأساسية. لقد تحوّلت هذه الإجراءات، في أحيانٍ كثيرة، إلى عوامل مساعدة في تسريع وتيرة الانهيار الاقتصادي، وتفسير قصور الخدمات العامّة، وتفاقم مشكلة الفقر والنزوح على نطاق واسع. من هذا المنطلق، يمكن اعتبار القرار الأميركي المعلن أخيراً بمثابة قراءة جديدة للواقع، نحو تبنّي استراتيجيات أكثر واقعية وتركيزاً في البعد الإنساني، وتشجّع على تفاعل بنّاء وتدريجي مع أيّ سلطة تنفيذية تلتزم مساراً انتقالياً حقيقياً.

إن الآثار الإيجابية المحتملة لتخفيف العقوبات تتجاوز البعد الاقتصادي المباشر، لتشمل إمكانية إيجاد مناخ أكثر إيجابية لتعزيز الثقة وفتح قنوات للحوار. ومع ذلك، يظلّ تحقيق هذه الإمكانات مرهوناً بمدى قدرة المؤسّسات السورية، حكوميةً ومجتمعيةً، على إدارة الموارد بشفافية وعدالة، وضمان وصولها إلى مستحقّيها بعيداً من مظاهر الفساد والاستئثار. كما يستلزم ذلك تضافر الجهود بين الأطراف المحلّية والإقليمية والدولية لدعم الاستقرار الشامل وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، التي تمسّ حياة المواطنين بشكل ملموس.

وعلى صعيد السياق السياسي الأوسع، يكتسب تخفيف العقوبات دلالاتٍ إضافيةً، إذ يتزامن مع حراك دبلوماسي إقليمي ودولي متزايد بشأن مستقبل سورية. يمكن النظر إلى هذه الخطوة حافزاً غير مباشر إلى دفع العملية السياسية، وفقاً لجوهر قرار مجلس الأمن 2254، الذي يشدّد على أهمية بناء نظام حكم ديمقراطي تعدّدي يضمن كل حقوق السوريين، وتنوّعهم، ويضع حدّاً لممارسات الاستبداد والإقصاء التي عانتها البلاد عقوداً.

تفرض المرحلة المقبلة مسؤوليةً مضاعفةً على عاتق الحكومة السورية، والقوى الوطنية الفاعلة كافّة، تستدعي التعامل مع هذه اللحظة المفصلية بروح من الجدّية والمسؤولية الوطنية. يتطلّب ذلك ترجمةَ النيات الحسنة خطواتٍ عمليةً ملموسةً على صعيد إطلاق إصلاحات هيكلية حقيقية في منظومة الحكم، وإظهار التزام راسخ بسيادة القانون ومكافحة الفساد بأشكاله كلّها، وتوسيع فضاء الحرّيات العامّة، وضمان مشاركة سياسية فاعلة لكل ألوان الطيف السوري. لم تعد تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين مجرّد مسألة خدماتية، بل أصبحت مكوّناً أساسياً في عملية استعادة الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع، وخطوةً ضروريةً نحو تحقيق مصالحة وطنية حقيقية.

في صميم أيّ تصوّر لمستقبل سورية، تبرز القضية الكردية اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة والمجتمع على استيعاب التنوّع وتحقيق العدالة، فالشعب الكردي، الذي يمتلك جذوراً عميقةً في هذه الأرض، وإسهامات تاريخية في بنائها، ظلّ يعاني سياسات التهميش وإنكار الهُويَّة والحقوق المشروعة عقوداً. لا يمكن أيّ مشروع وطني شامل ومستدام أن يكتمل من دون معالجة هذه القضية بشكل عادل وجذري، من خلال تضمين الحقوق الثقافية والسياسية للكرد في الدستور السوري، وضمان مشاركتهم الفاعلة في صياغة مستقبل البلاد، بما يعكس انتماءهم الوطني الأصيل وشراكتهم الكاملة في بناء سورية الغد.

إننا نرى اليوم ملامح إجماع وطني متزايد حول الرؤية المستقبلية لسورية، دولةً مدنيةً ديمقراطيةً لا مركزيةً، تستند إلى مبادئ العدالة والمساواة وحقوق الإنسان والمساءلة، وتقوم على شراكة وطنية حقيقية ومتكافئة بين جميع مكوّناتها. وفي هذا الإطار، فإن أبناء سورية يتطلّعون، إلى مبادرات بنّاءة من الأشقاء والأصدقاء، تسهم في تعزيز هذا التوجّه، عبر تمكين الشعب السوري من بناء دولته الجديدة على أسس راسخة من الوحدة الوطنية، والتنوّع، الثقافي والقومي والديني.

تكتسب الجهود المبذولة لتوحيد الموقف الكردي وتشكيل وفد موحّد أهمية قصوى، ليس ضرورة لتمثيل مصالح المكوّن الكردي فقط، بل إسهامٌ حيوي في تعزيز الوحدة الوطنية، لأن وجود صوتٍ كرديٍّ موحّد في أيّ حوارات سياسية مقبلة يُعزّز من قوة هذا المكون وقدرته على الدفاع عن حقوقه المشروعة، ويمثّل، في الوقت نفسه، إضافةً نوعيةً إلى الجهود الوطنية الرامية إلى إرساء نظام ديمقراطي تعدّدي، يضمن المواطنة المتساوية، ويؤسّس لحكم رشيد يشارك فيه الجميع في صنع القرار وتحديد المصير المشترك.

تأكيد وحدة الأراضي السورية وسيادتها الوطنية قاسم مشترك يجمع عليه جميع السوريين، إلا أن هذا المفهوم لا ينبغي أن يُختزَل في إطار المركزية الصارمة، التي أثبتت التجارب أنها كانت بيئةً حاضنةً للفساد والتهميش والإقصاء. يمثّل تبنّي نظام ديمقراطي لا مركزي ضمانةً حقيقيةً لتوزيع عادل للسلطة والموارد، وتمكين المجتمعات المحلّية من إدارة شؤونها بكفاءة وفعّالية ضمن إطار الوحدة الوطنية، بما يُعزّز الانتماء الوطني، ويُحقّق التنمية المتوازنة في كل أنحاء البلاد. تصوير هذا الخيار دعوةً إلى التقسيم ينبع من فهم ضيّق لطبيعة الدولة الحديثة، التي تستمدّ قوّتها من قدرتها على احتواء تنوّعها، وتقدير اختلافات مكوّناتها، وبناء شرعيتها على أساس من رضا مواطنيها وثقتهم بمؤسّساتها.

ختاماً، يتطلّب استثمار هذه اللحظة التي تحمل في طياتها بوادر انفتاح سياسي واقتصادي تبنّي رؤية وطنية متكاملة وشاملة لبناء سورية المستقبل. رؤية تنطلق من الاعتراف بالحقائق الراهنة، وتؤمن بالشراكة السياسية والاجتماعية الحقيقية، وتتبنّى إصلاحاتٍ جوهريةً تمسّ جوهر المشكلات، وتضع المواطن السوري، بكلّ مكوناته وتطلعاته، في صلب أيّ مشروع وطني. لقد آن الأوان لتجاوز حقبة الاستبداد والانقسام، والانطلاق نحو بناء عقد اجتماعي جديد، يفتح الباب أمام مستقبل تزدهر فيه سورية بتنوعها ووحدة أبنائها.

العربي الجديد

——————————

رفع العقوبات عن سوريا والتنسيق الأمني على طاولة البحث بين واشنطن وأنقرة

تستضيف العاصمة الأميركية واشنطن، يوم غد الثلاثاء، مجموعة العمل التركية ـ الأميركية بشأن سوريا.

ووفقاً لما كشفته مصادر وكالة «الأناضول» في وزارة الخارجية التركية، اليوم، سيُعقد الاجتماع برئاسة مشتركة بين نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز ونظيره الأميريكي كريستوفر لاندو، وذلك بصيغة اجتماع بين مؤسسات البلدين.

ومن المتوقع أن تتم مناقشة آلية رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، إلى جانب الجدول الزمني والخطوات المزمع اتخاذها في هذا الخصوص. كما من المنتظر أن يؤكد يلماز خلال الاجتماع، أهمية التنسيق متعدد الأبعاد بين تركيا والولايات المتحدة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، من أجل ضمان الأمن والاستقرار في سوريا عبر الحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها.

كذلك، من المتوقع أن يتناول الاجتماع أولويات كل من تركيا والولايات المتحدة في سياساتهما تجاه سوريا، بالإضافة إلى «بحث فرص التعاون من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا»، وفقاً لـ«الأناضول». وسيكون ملف مكافحة «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى من أبرز القضايا المدرجة على جدول أعمال الاجتماع أيضاً.

كذلك، يُنتظر أن يتم خلال الاجتماع تقييم فرص التعاون بشأن المعسكرات الموجودة شمال شرق سوريا، إلى جانب تقديم واشنطن معلومات عن العملية الجارية لإعادة تنظيم وجود قواتها العسكرية في هذا البلد، بحسب الوكالة نفسها.

ويكتسب هذا الاجتماع أهمية كبيرة نظراً لانعقاده بعد لقاء مباشر بين الرئيسين السوري والأميركي (في السعودية)، وإعلان دونالد ترامب نيته رفع العقوبات المفروضة على دمشق.

——————————-

 “الديون البغيضة” في القانون الدولي: هل تنجو سوريا من فواتير الأسد؟

2025.05.19

أثار الإعلان الأميركي عن رفع العقوبات عن سوريا بعد لقاء الرئيس دونالد ترمب مع نظيره السوري الجديد أحمد الشرع، تساؤلات قانونية حول مصير الديون التي راكمها نظام بشار الأسد خلال سنوات الحرب، وتطرح هذه التساؤلات في وقت تسعى فيه دمشق إلى إعادة دمج اقتصادها المنهك في النظام المالي العالمي.

تحمّل النظام المخلوع ديوناً ضخمة، خصوصاً من إيران وروسيا، لتمويل عملياته العسكرية منذ اندلاع الثورة في آذار 2011، وتواجه الحكومة الجديدة، التي يقودها أحمد الشرع بعد الإطاحة بالأسد، خياراً قانونياً وسياسياً حساساً: هل تلتزم بهذه الديون، أم تحاول التنصل منها باعتبارها “ديون حرب” أو حتى “ديون بغيضة”؟.

وفقاً لمبدأ “الخلافة الحكومية” في القانون الدولي، يُفترض أن ترث الحكومات الجديدة التزامات أسلافها، بغض النظر عن الاختلافات السياسية، لكن فقهاء القانون ناقشوا منذ أكثر من قرن استثناءً نادراً لهذا المبدأ، هو “الديون البغيضة”، التي تُعد غير ملزمة إذا استُخدمت لقمع الشعب أو لم تحقق أي نفع له.

تصنيف “ديون الحرب”

يرى كاتبا المقال، سي بوشايت وميتو جولاتي، في مقالهما الذي حمل عنوان: (ماذا سيحدث لديون الحرب السورية؟

)، لـ”رويترز”، أن هذا الاستثناء يصعب تطبيقه قانونياً، إلا أن فئة “ديون الحرب” قد تمثل مخرجاً للحكومة الجديدة، وتستند هذه الحجة إلى أمثلة تاريخية، كرفض بريطانيا دفع ديون حكومة جنوب إفريقيا بعد حرب البوير، ورفض كمبوديا سداد ديون حرب حكومة لون نول، ما يدل على إمكانية التنصل من ديون تم اقتراضها لتمويل القتال ضد ثورة انتهت بانتصار المتمردين.

لكن الوضع السوري يطرح تحديات إضافية، فهناك تساؤلات حول ما إذا كانت الالتزامات المالية التي أبرمت قبل اندلاع القتال واستُخدمت لاحقاً في الحرب، تندرج تحت هذا الاستثناء، كما أن الجانب السياسي والدبلوماسي للديون، خاصة مع موسكو وطهران، يعقّد أي محاولة للتنصل منها من دون تداعيات.

يبقى ملف الديون السوري معقداً، وقد تحتاج الحكومة الجديدة إلى مفاوضات دقيقة أو دعم قانوني دولي للتمييز بين الديون المشروعة وتلك التي استخدمت لقمع السوريين.

—————————–

واشنطن تنهي العزلة الاقتصادية لدمشق بعد إعلان ترامب رفع العقوبات

19 مايو 2025

في مشهد دراماتيكي قلب موازين السياسة الأميركية تجاه سوريا، أعلن الرئيس دونالد ترامب رفع جميع العقوبات عن دمشق واضعًا حدًا لعقود من العزلة، ومطلقًا وعودًا ببداية اقتصادية جديدة، بحسب تقرير لصحيفة “ذا أوبزيرفر” البريطانية.

وتشير “ذا أوبزيرفر” في مقدمة تقريرها إلى أنه بعد أن قضى الرئيس السوري، أحمد الشرع، عقدًا من الزمن مُلاحَقًا بمكافأة قدرها 10 ملايين دولار لقيادته جماعة جهادية، في إشارة إلى “هيئة تحرير الشام”، صافح مبتسمًا رئيس الدولة التي احتجزته في سجن أبو غريب سيئ السمعة في العراق.

وأعادت الصحيفة التذكير بالتصريحات التي أطلقها ترامب، واصفًا الشرع بأنه “شاب جذاب لديه فرصة حقيقية للنجاح”، مشيرةً إلى أن لقاء ترامب المفاجئ بالشرع في الرياض، خلال جولته في الشرق الأوسط، لم يكن يقتصر على الرمزية السياسية الثقيلة، بل أعقبه “إعلان مذهل”، وفق تعبير الصحيفة.

وكان ترامب قد قال مخاطبًا قادة دول الخليج: “سنرفع كل العقوبات عن سوريا لنعطيهم فرصة لبداية جديدة”، وأضاف أن العقوبات الأميركية التي امتدت لعقود “كانت مدمرة حقًا وقوية جدًا”. وبحسب “ذا أوبزيرفر”، فإن هذا الإعلان كان له وقع كبير في الشارع السوري، إذ خرج الآلاف للاحتفال في الساحات من دمشق إلى حمص وإدلب، رافعين الأعلام السورية إلى جانب الأعلام السعودية.

وقال الخبير المالي السوري كرم شعار في رسالة مصوّرة لـ”ذا أوبزيرفر”، بينما كانت أبواق السيارات تدوي في شوارع دمشق: “أنا في غاية السعادة لرؤية هذا يحدث”، وأضاف: “نحن السوريون نستحق بداية جديدة”.

ووفقًا لـ”ذا أوبزيرفر”، عانى السوريون لسنوات تحت حكم سلطوي صارم من الانقطاع عن النظام المالي العالمي، وحتى من خدمات البريد الإلكتروني الأميركية، بسبب العقوبات المفروضة على نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وفي المقابل، فيما كانت عائلة الأسد تعيش في قصور فارهة، وترتدي أزياء لمصممين عالميين وتتنقل بسيارات فاخرة، كان المواطن العادي مهددًا بالسجن إذا خرق قوانين مشددة تمنع التعامل بالعملات الأجنبية.

وكانت السلع المستوردة تُخبّأ بعيدًا عن الأنظار، بينما يتداول الناس أسعار الدولار بكلمات مشفرة مثل “ربطة بقدونس” أو “نعناع”، في إشارة إلى السوق السوداء، بحسب التقرير ذاته.

ورأت “ذا أوبزيرفر” في تقريرها أن قرار ترامب انقلب على سنوات من السياسة الأميركية التي أبقت على العقوبات الشاملة، حتى بعد فرار الكثير من رموز النظام السابق إلى موسكو في كانون الأول/ديسمبر الماضي، لافتةً إلى ذهاب ترامب إلى أبعد من تخفيف العقوبات، داعيًا إلى رفعها بالكامل.

وقبل أسبوع من زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط، التقت مجموعة العمل الطارئة السورية بالشرع ومسؤولين آخرين في الحكومة الجديدة، حيثُ عملوا على إقناع ترامب برؤية فرصة اقتصادية في سوريا التي تعيد بناء نفسها.

واقترحوا خلال الاجتماع أن تتخلص شركات الاتصالات الأميركية سريعًا من منافسيها الصينيين، ونقلت “ذا أوبزيرفر” عن رجل أعمال أميركي قوله مازحًا إن بإمكان أحدهم بناء “برج ترامب” في دمشق.

وقال مسؤول حكومي أميركي لم يُكشف عن اسمه: “ما أعلنه الرئيس كان مفاجئًا للجميع”، وأضاف أن إعلان رفع العقوبات بشكل كامل “فاق التوقعات بكثير”، مشيرًا إلى أن ترامب “تبنى أقصى موقف ممكن في رفع العقوبات”.

وأضاف أن البيت الأبيض كان يشهد منذ أشهر صراعًا داخليًا حادًا بين بيروقراطيين واقعيين أرادوا رفع العقوبات بعد سقوط الأسد، وبين فريق يقوده مدير مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، سيباستيان غوركا، المعروف بتشدده ومخاوفه من ماضي الشرع الجهادي.

ولفتت “ذا أوبزيرفر” إلى أن فريق غوركا هو من صاغ لائحة “الشروط السامة” التي قُدمت لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في بروكسل، بهدف إجهاض أي محاولة لرفع العقوبات عبر وضع شروط يصعب تحقيقها.

ونقلت “ذا أوبزيرفر” عن المسؤول الحكومي قوله إن “ترامب وحده من امتلك الجرأة والصلاحية للمضي في رفع العقوبات بالكامل”، مشيرًا إلى أن “المعركة الحقيقية الآن هي حول مدى وسرعة تنفيذ القرار”، لافتًا إلى أنه “بدون أمر مباشر من الرئيس، سيتحول التنفيذ إلى مراحل بطيئة ومعقدة”.

وأضاف التقرير أنه كما جرت عادته في السياسة الخارجية، قلب ترامب قواعد اللعبة بكلمات جريئة، لكن التنفيذ يبقى رهن التفسيرات والتجاذبات، موضحًا أنه لا يزال الغموض في واشنطن سيد الموقف حول ما يمكن أن يحدث لاحقًا.

ونوه التقرير إلى طلب موظفي الخارجية من وزارة الخزانة إعداد خطة لإنقاذ الاقتصاد السوري ومنع انهيار المصرف المركزي بعد سقوط الأسد، لكن الخطة بقيت مجمّدة بسبب العقوبات. ومع ذلك أصبح الآن يمكن نظريًا تنفيذها، بشرط الانتصار في المعركة البيروقراطية.

ووصفت الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، ديلاني سيمون، قرار ترامب بأنه: “خطوة تاريخية بكل المقاييس”، مضيفة أنه “أمر شبه غير مسبوق في تاريخ تخفيف العقوبات”. لكنها حذّرت من أن رفع العقوبات “عملية معقدة بطبيعتها”، وتتطلب موافقة وكالات متعددة، بالإضافة إلى الكونغرس.

ويُشير أنصار رفع العقوبات إلى “قانون قيصر”، الذي وقّعه ترامب بنفسه عام 2019 لمعاقبة الأسد على جرائم حرب، باعتباره يُعطل جهود إعادة الإعمار، ويجب التصويت على إلغائه سريعًا، وفقًا لـ”ذا أوبزيرفر”.

وقال مدير المنظمة السورية للطوارئ، معاذ مصطفى، إن سياسة الرئيس “تحتاج إلى الدفاع عنها من خصومها داخل إدارته”، مشيرًا إلى أن هذا هو السبب الذي أعدت المنظمة بفعله وثيقة أطلقت عليها مسمى “قرار تنفيذي تجريبي”.

وتقترح الوثيقة، بحسب “ذا أوبزيرفر”، رفع التجميد عن ممتلكات الحكومة السورية، بالإضافة إلى إزالة القيود المفروضة على الأعمال التجارية، والتي تشمل بندًا يمنح ترخيصًا عامًا يُشرع كل المعاملات التي كانت محظورة سابقًا، بما فيها “استيراد وتصدير السلع والخدمات والتكنولوجيا، والاستثمار في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والإنشاءات”.

وأشار مصطفى إلى أن العقوبات التي تطلب الوثيقة رفعها هي “من الوثائق التي يحب ترامب توقيعها، وتمنحه الفرصة لتجاوز من يريدون إبطاء رفع العقوبات”.

ورغم الفرح في دمشق، يرى خبراء مثل كرم شعار أن الكثير من الأسئلة لا تزال مفتوحة. إذ على الرغم من إعجاب ترامب بالشرع، ما زال الأخير وعدد من وزرائه خاضعين لعقوبات مكافحة الإرهاب الصادرة عن الأمم المتحدة.

واختتمت “ذا أوبزيرفر” تقريرها بالإشارة إلى قول شعار الذي أكد أن “هناك ما يستحق الاحتفال، لكن علينا ألا نستبق الأحداث”، مضيفًا “السؤال الكبير الآن هو: هل ستدفع واشنطن مجلس الأمن الدولي إلى إلغاء تلك العقوبات؟”.

——————————–

=====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى