تشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 21 أيار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

تشكيل الحكومة السورية الجديدة

—————————-

الحكومة السورية الجديدة ومعضلة الثقة/ مصطفى إبراهيم المصطفى

2025.05.20

يعتقد علماء النفس السياسي أن الدور الذي يؤديه الانفعال – أو العاطفة – لا يمكن غض الطرف عنه لكي تكون الصورة أكثر كمالا، فكثير من ظواهر علم السياسة يكتنفها الانفعال والمشاعر وليس مجرد المعالجة الباردة للمعلومات.

فحقيقة الأمر أن جميع المفاهيم السياسية مشحونة بشيء من الانفعال، إما الإيجابي أو السلبي، وهو ما يشير إليه العديد من العلماء بمسمى “الأفكار الساخنة”، فالمثيرات أو القضايا السياسية كثيرا ما تستدعي انفعالات قوية ومشاعر مثل: الإعجاب والنفور والسعادة والحزن والغضب والشعور بالذنب، والشكر والتقزز والانتقام والفرح وعدم الأمان والخوف والقلق، وغيرها.

مشاعر غير متوقعة

بعد مشوار طويل انتهت الثورة السورية بانتصار ساحق، وبشكل دراماتيكي غير متوقع أثار دهشة العالم، فالجميع أخذتهم المفاجأة. وعلى إثر ذلك؛ كان من المفترض – نظريا – أن تقتصر مشاعر السوريين على المشاعر المرتبطة بالفرح، باستثناء قلة خائفة، لكن الملفت أن كل تلك المشاعر التي وردت في المقدمة انفلتت من عقالها مفصحة عما يجول في نفوس بعض السوريين من خلال الأقوال والأفعال المشحونة بالعاطفة المثقلة بكل ماله علاقة بالتاريخ القريب أو البعيد. في مجمل الأحوال؛ لم يعد خافيا على أحد أن معظم هذه المشاعر التي يستغربها البعض ويتفهمها البعض الآخر مرتبطة إلى حد كبير بالخلفية الجهادية للفريق الذي قاد النصر وأمسك بالسلطة، وهنا لا بد من التنويه إلى قضية غاية في الأهمية، وهي أنه بينما كان السوريون المقيمون في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام والمناطق المجاورة لها يشاهدون ويلمسون التحولات الجذرية في سلوك الهيئة وقيادتها، كانت البقية الباقية من السوريين في غالبيتهم العظمى ما زالوا واقعين تحت وطأة الاضطهاد العقلي وحملات الشيطنة المنسقة التي كانت تقودها الآلة الإعلامية والدعائية لنظام منحط يقتات على الكذب ويتكئ عليه في بقائه.

نظم اعتقاد مصطنعة

مع الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية خرج رأس النظام على السوريين بخطاب وضع السوريين أمام خيارين: إما معنا أو ضدنا، فلا وجود للحياد اليوم. وفي نفس التوقيت انطلقت آلة النظام الإعلامية والدعائية في عملية دفع المجتمع السوري نحو الاستقطاب الحاد وتكريس حالة: نحن وهم. ويبدأ الاستقطاب باستفزاز الطرف الآخر بأساليب وأفعال مختلفة؛ تكون نتيجتها تحفيز مشاعر الغضب والثأر التي يغلب عليها الطابع الانفعالي. وهكذا مع بعض التضخيم والتهويل يمكن إيصال الجماهير إلى الشعور بالتهديد الوجودي، وكخطوة استباقية تمهيدا للقتل الجماعي وتجريد الضحية من إنسانيتها؛ حكم النظام على معارضيه جميعا بأنهم إرهابيون تكفيريون، ومع تكرار الرسالة عبر عدة مصادر من الطبيعي أن يبدأ الأفراد بتصديقها كحقيقة جماعية. وهكذا يمكن القول إن النظام السوري استطاع خلال سنوات الثورة التي امتدت نحو أربعة عشر عاما تشكيل ما يطلق عليه علماء النفس مصطلح “نظم الاعتقاد”، وحسب “ياكوف فيرتزبيرغر”: فإن منظومة اعتقادات الفرد تمثل جميع الفرضيات والنظريات التي يكون الفرد مقتنعا بصدقها في لحظة معينة.

إذا نظرت بعين الإنصاف عذرت الناس أجمعين

تتحكم نظم الاعتقاد بالأفراد بدرجات مختلفة، أشدها خطورة ذلك الذي يتخذ طابعا ثابتا ومغلقا، وهو ما يكون عادة متشددا وعصيا على التغيير، وهو ما يدعى في أدبيات علم النفس السياسي: “نموذج سوء الظن المتأصل”. وكباقي البشر تتحكم بأفكار هؤلاء آلية الانحياز التأكيدي؛ بمعنى أنهم يبحثون عن أي خطأ أو هفوة – حتى وإن كانت لا يعتد بها – ليدعموا معتقداتهم، وفي المقابل يتجاهلون كل ما ينافي هذه المعتقدات. كما ويتخذ “سوء الظن المتأصل” شكل “النبوءة المحققة لذاتها” في بعض الأحيان، ذلك أن هذا النوع من النبوءات يحفز سلوكا من شأنه أن يجعل التصور الزائف يصبح واقعا. فعلى سبيل المثال: قد يشاهد أحدهم مجموعة من الرجال المسلحين قادمين باتجاهه (كانوا سيمرون بجانبه ويتابعون طريقهم) فيتنبأ أنهم قادمون لقتله، فيطلق عليهم النار مما يضطرهم لقتله بالفعل. بهذا المعنى يمكن تفسير المقولة التي تنسب لابن خلدون: “وإذا نظرت بعين الإنصاف عذرت الناس أجمعين”. بمعنى آخر، ليس البشر أحرارا وعقلانيين للدرجة التي يتصورها البعض، إنما سلوكهم – بالعموم – مقيد بالنزعات الموروثة والبيئة المحيطة بهم وإسقاطاتها في وعيهم الجمعي.

الدعم الدولي كأحد الضمانات المطمئنة

حاولت الحكومة السورية الجديدة منذ اليوم الأول لتحرير حلب طمأنة الجميع بأن الحريات مصونة والثقافات محترمة، وأن الحكومة السورية سوف تكون ذات طابع مدني، وأنه لا داعي للمخاوف والهواجس التي تساور بعض السوريين، ولكن البعض من القوى الاجتماعية والسياسية لم تقتنع بتلك التطمينات التي صدرت لاحقا من قمة هرم السلطة، وذلك تحت وطأة هواجس ذات بعد تاريخي أحيانا، وبعد تربوي في أحيان أخرى. وعدم الثقة بالتعهدات البينية أمر شائع، فعلى المستوى الاجتماعي يلجأ الأفراد إلى توثيق تعهدات الأطراف المتنازعة أمام الوجهاء والزعماء كضمانة لالتزام المتعهد بتعهده. وعلى نفس المنوال يمكن لمن يرغب قراءة الدعم الذي تتلقاه الحكومة من قوى إقليمية ودولية وازنة، فعلى سبيل المثال: هل يمكننا أن نتصور أن تدعم كل من ألمانيا والسعودية وتركيا والإمارات وقطر، ومن ثم فرنسا وأميركا حكومة تتجه إلى أفغنة سوريا كما يدعي البعض؟ في الواقع، ودونما تصريح بذلك، يستطيع المرء أن يستنتج بسهولة أن أهم بند في تعهدات الحكومة السورية أمام حكومات هذه الدول هو ما يتعلق بطبيعة نظام الحكم وتوجهاته التي تتطابق تماما مع التعهدات التي قُدمت للسوريين.

بالطبع يمكن لقراءة الأحداث بهذا الشكل أن تجعل نسبة المشككين تتناقص، لكن التراجع الكبير في أعداد المشككين يمكن أن تتحصل عليه الحكومة من خلال مسلكين: أولهما بعض الإجراءات العملية لبناء الثقة، وثانيهما أن تسارع الحكومة بإنجاز كل ما من شأنه أن يشعر المواطن بالفائدة، ففي هذه الحالة مهما كانت البدايات سرعان ما تصبح عادات الطاعة هي مضمون الضمير، وسرعان ما يهتز شعور كل مواطن بشعور الولاء للعلم.

ملاحظة: هذا المقال لا يدعي تفسير وتحليل طبيعة المماحكات السياسية بكل خلفياتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وإنما يقدم إضاءة على أحد الجوانب النفسية.

تلفزيون سوريا

—————————–

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى