التدخل الاسرائيلي السافر في سورياالعقوبات الأميركية على سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةلقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 21 أيار 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

ملف رفع العقوبات عن سوريا

————————–

تحدّيات ما بعد رفع العقوبات عن سورية/ مروان قبلان

21 مايو 2025

حققت سورية الأسبوع الماضي إنجازاً كبيراً، عندما أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في أثناء زيارته السعودية، عن رفع العقوبات المفروضة على دمشق، وبعضها يعود إلى عام 1979. ولن تكون هذه العملية سهلة، وسوف تأخذ وقتاً بسبب التعقيدات القانونية، والبيروقراطية المرتبطة بها أميركيّاً، خاصة وأن سورية من بين أكثر الدول معاقبة في العالم (إلى جانب روسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، وكوبا، وفنزويلا). كما يرجّح أن تنتظر واشنطن تنفيذ بعض شروطها السياسية والأمنية قبل أن تطلق جدّياً عملية رفع العقوبات. لكن هذا كله لا يقلل من أهمية الإنجاز، خاصة وأن دولاً أخرى، مثل العراق، ما زالت تعاني من استمرار بعض العقوبات المالية عليها رغم مرور 22 عاماً على الغزو الأميركي، وإسقاط نظام الرئيس صدّام حسين، وتحوّل العراق، نظريّاً على الأقل، إلى حليف للولايات المتحدة. بارتفاع العقوبات الأميركية، يؤمل أن تكون سورية قد خطت خطوة أخرى نحو القطيعة الكاملة مع كل “الحقبة الأسدية”، سواء في ممارساتها الداخلية، أو في علاقتها مع الخارج. يعطي رفع العقوبات مؤشّراً أيضاً على رغبة عربية ودولية لتجاوز الشكوك والتخوّفات ومساعدة سورية على النهوض وتجنب الفوضى. ورغم أنه مازال من المبكر الوصول إلى استنتاجات بشأن الموقف الأميركي، لكن الواضح أن واشنطن، التي ما زالت لا ترى مصلحة مباشرة لها في سورية، قد أوكلت لحلفائها في الخليج وتركيا مسألة مساعدة سورية، وتولي عملية نقلها من المعسكر الروسي- الإيراني إلى المعسكر الأميركي.

يزيد هذا كله من العبء على الإدارة الانتقالية في دمشق، التي صار يترتب عليها وحدها مسؤولية توفير الظروف المناسبة لاستقطاب الاستثمارات العربية والأجنبية والوطنية، وتشجيعها على دخول السوق السورية لإطلاق عملية إعادة الإعمار. عندما أعلن الرئيس ترامب رفع العقوبات من الرياض، لفت الانتباه قوله “ها قد رفعنا العقوبات، أرونا (يقصد السوريين) ماذا لديكم”. هذا تماماً ما ينتظر الجميع رؤيته، في ظل تحدّيات داخلية وخارجية، لن يكون سهلاً تجاوزها. ذلك أن رفع العقوبات يعد، من دون شك، شرطاً لازماً، لكنه ليس كافياً، لتحقيق الازدهار الاقتصادي، بدليل وجود دول كثيرة لم تفرض عليها عقوبات يوماً لكنها، مع ذلك، فاشلة وفقيرة، بسبب سوء الإدارة، وضعف الكفاءة، من بين عوامل ذاتية عديدة.

لتوفير بيئة جاذبة للاستثمار، بعد رفع العقوبات، يتوجّب تحقيق الاستقرار السياسي والأمني وتوحيد البلاد، وهذا لن يتحقّق، كما نؤكد دائما، من دون جمع السلاح، وبناء مؤسّسات عسكرية، وأمنية، على أسس وطنية، تنحلّ فيها كل الفصائل، فعليّاً لا اسميّاً، وتتبع لهيكلية قيادية واحدة، مرجعيتها مصالح الدولة العليا. هذا لن يحصل من دون عملية سياسية شاملة تشارك فيها كل الأطراف مسؤولية تحديد شكل الدولة، ونظامها السياسي، وموقعها فيها. سوف يترتب، أيضاً، وضع البنية التشريعية والقانونية المناسبة، التي تضمن، خصوصاً، مبادئ الشفافية وسيادة القانون، وبناء أدوات للرقابة، ومحاربة الفساد. وهذا يعني السماح بوجود حياة سياسية، وإطلاق الحريات العامة، فعلاً لا قولاً، وخاصة منها حرية الرأي والتعبير، ووجود إعلام مستقل، وبرلمان منتخب، يراقب عمل الحكومة. جوهر القول، هنا، “لا استثمار من دون استقرار ولا استقرار من دون دولة تقف على مسافة واحدة من الجميع”.

خارجياً، سوف يصطدم السوريون بعدم مطابقة التوقعات للإمكانات الفعلية بخصوص الاستثمارات الخارجية، الخليجية تحديدًا. لن نشاهد على الأرجح خلال العامين المقبلين، على الأقل، تدفقاً كبيراً للاستثمارات الخليجية، نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية، واحتمال تراجعها أكثر في المدى المنظور بسبب تنامي مؤشّرات الركود العالمي والحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة وأقطاب العالم الاقتصاديين، واحتمال انهيار اتفاق “أوبك بلس” لخفض الانتاج. وهذا يعني أن دول الخليج لن تفتقر إلى الفوائض المالية، فحسب، بل ستعاني من عجوزات، أيضا، تفرض عليها سياسات تقشّفية، تتضمن إلغاء العديد من مشاريع التنمية الداخلية. سوف يشتد، فوق ذلك، التنافس الدولي لتوفير أفضل البيئات لجذب الاستثمارات، وخلال ولاية دونالد ترامب، تحديداً، سوف تمتص الولايات المتحدة أكثر الاستثمارات الخليجية، كما اتضح في جولة الرئيس الأميركي الأخيرة في الخليج. هذا يعني أن التركيز سوف ينصب خلال الفترة المقبلة على استعادة رؤوس الأموال السورية المهاجرة، وهذا يتطلب، كما ذكرنا، تنازلاتٍ مهمّة، جوهرها تغيير مقاربة الحكم الحالية، لضمان الشفافية والمشاركة السياسية.

العربي الجديد

————————-

تحولات سورية ترافق رفع العقوبات الأميركية/ بشير البكر

20 مايو 2025

يلاحظ زائر دمشق هذه الأيام أنّ الأجواء مختلفة عن تلك التي كانت سائدة قبل قرار رفع العقوبات الأميركية عن سورية، والذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض خلال زيارته إليها الأسبوع الماضي، وإثر اجتماعه الأربعاء الماضي مع الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر تقنية فيديو كونفرانس.

بعد رفع العقوبات الأميركية عن سورية، بات الطريق مفتوحاً أمام الاستثمارات العربية والدولية، وبدأت تتقاطر على دمشق وفود عربية ودولية للبحث عن فرص استثمارات في قطاعات متعددة. يقول الخبير الاقتصادي سمير سعيفان، إنه منذ سقوط النظام باتت شركات كثيرة، وخصوصاً خليجية وتركية وربما صينية، تترقب رفع العقوبات عن سورية كي تقتحم أسواقها. وما إن أعلن ترامب عن إمكانية رفع العقوبات عن سورية، حتى اندفعت تلك الشركات الكبرى بقدراتها وخبراتها الكبيرة، تتسابق في إرسال وفود إلى دمشق مستبقة لحظة رفع العقوبات، وتقدم عروضها للاستثمار والاستيلاء على مرافق الخدمات ومرافق الإنتاج.

توظيف العقوبات لم يعد ممكناً

أبرز النتائج السياسية الملحوظة حتى الآن بعد قرار رفع العقوبات الأميركية عن سورية، هي أن القرار أدى إلى تغيير مهم في المواقف السياسية لأطراف عدة داخلية وخارجية، كانت ترى أن توظيف سلاح العقوبات يمكنه أن يقود إلى مردود سياسي، بتقديم تنازلات من قبل الإدارة الجديدة. لكن ما حصل هو العكس، ذلك أنه عزّز من موقعها، ووفّر لها غطاء عربياً ودولياً، وفتح أمامها الأبواب واسعة نحو مرحلة إعادة الإعمار.

فاجأ ترامب الأوساط كافة بخطوتي رفع العقوبات الأميركية والاجتماع مع الشرع. ولم يكن ذلك وليد مصادفة عابرة، بل نتيجة لجهود كبيرة قامت بها الرياض والدوحة وأنقرة على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، ومن أجل ذلك، زار واشنطن على نحو منفرد كل من وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، ووزير خارجية تركيا هاكان فيدان، ورئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وبحسب مصادر دبلوماسية سورية، فإن المسألة لم تكن سهلة، وواجهت موقفين معارضين بشدة، مارسا على الإدارة الأميركية ضغوطاً مباشرة، أو من خلال لوبيات، بهدف ثنيها عن التطبيع مع الإدارة السورية. الأول إسرائيلي، يربط رفع العقوبات بانضمام سورية الفوري إلى اتفاقات أبراهام والدخول في عملية تطبيع مع تل أبيب، وغضّ الطرف عن تدخلات إسرائيل في الشؤون الداخلية السورية، ودعم المشاريع التقسيمية. والثاني من جماعات سورية ذات ألوان طائفية وسياسية وعرقية متعددة. وقد حاول هؤلاء ثني الإدارة الأميركية عن رفع العقوبات ولقاء الشرع، وطالبوا واشنطن بأن تتبنى قراراً في مجلس الأمن، يعزز العقوبات ويربط رفعها بإلزام الحكومة السورية بقيام حكم فيدرالي يمنح شرق سورية وجنوبها ومنطقة الساحل حكماً ذاتياً، وإجراء انتخابات عاجلة من أجل اختيار مجلس تشريعي، وتشكيل حكومة جديدة بأطياف مختلفة.

المستفيدون من رفع العقوبات عن سورية

لن يسلّم هذان القطبان بقرار ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سورية، وسيعملان بصورة متوازية كونهما يتلاقيان ويتقاطعان في العديد من المصالح والأهداف، وسيواصلان الضغوط من أجل عدم تمكين الإدارة السورية من تطبيع علاقاتها مع الغرب. ولكن التأثير الذي سينجم عن عملهما في الساحة الدبلوماسية، لن يكون بالغاً إلى حدّ أنه يمنع حصول تطورات إيجابية مثل رفع الإجراءات الخاصة بالمصارف والتحويلات المالية والنقل والكهرباء، وقد ينجح في تأخير بعض منح إعادة الإعمار، لكنه لن يستطيع أن يثني الاستثمارات العربية والدولية عن التدفق نحو سورية بقوة، خصوصاً أن المجال مفتوح بقوة بسبب تعدد المجالات الخاصة بذلك على مستوى البنية التحتية وخدمات النقل والماء والكهرباء والصحة، بالإضافة إلى إعادة الإعمار، الذي يحتاج إلى جهد جديد، لا يقل عن ذلك الذي تمّ توظيفه من أجل تطبيع علاقات سورية عربياً وعالمياً.

لقد نجحت السعودية وقطر وتركيا في رهان رفع العقوبات عن سورية وتطبيع العلاقات بين واشنطن ودمشق، وهذا ليس بالأمر الهيّن في هذه المرحلة، ولولا الثقل الكبير لهذه الأطراف التي تعد من بين حلفاء الولايات المتحدة المقربين جداً، لما تمّ تحقيق ذلك بهذه الصورة وعلى نحو فوري ومن دون دفع ثمن، ولو أن الإدارة السورية حاولت رفع العقوبات بجهودها الخاصة، لاستغرق الأمر وقتاً طويلاً، والثمن كان سيكون كبيراً. كان عليها أن تقدم تنازلات سياسية كبيرة كي تبدأ مرحلة تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، ومن ثم أوروبا وبقية العالم.

التبني السعودي القطري التركي لسورية وسير الإدارة الأميركية في هذا الاتجاه فرصة كبيرة للإدارة السورية، والشعب الذي عانى لوحده من العقوبات، وظهر ذلك واضحاً في عهد نظام بشار الأسد، الذي وظّف المسألة لصالحه، واستخدمها وسيلة لتجويع السوريين والتحكم بهم. وبحسب التصريحات التي صدرت عن ترامب، فإنه أكد على ضرورة أن تلتقط الإدارة الجديدة الفرصة وتعمل على توظيفها للحفاظ على استقرار سورية، وهو الأمر الذي تؤيده الأطراف العربية والإقليمية والدولية، التي تعمل لمساعدة سلطات دمشق على تجاوز المرحلة الصعبة للوصول إلى طريق التعافي المبكر.

6 نتائج بعد رفع العقوبات الأميركية

لقاء الشرع مع ترامب بالنسبة لقطاعات واسعة من السوريين، يفتح الطريق لتحقيق تحول نوعي في وضع سورية الداخلي، وينعكس بسرعة على علاقاتها العربية الدولية، ويحقق نقلة سياسية، اقتصادية، وأمنية. ويتمثل ذلك في عدة نتائج منظورة.

أولاً، تحصين سورية بوجه مشاريع إسرائيل، كونه يوفر للإدارة السورية شرعية دولية، ويعزز من موقفها في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، واحتلال أراض سورية، وتدمير المقدرات العسكرية، وخرق اتفاقات فصل القوات لعام 1974، ووضع حدّ لمحاولات التدخل في الشؤون الداخلية السورية، وتشجيع نزعات التقسيم ومشاريع الفيدرالية في الجنوب والشرق، وممارسة الضغوط لجرّ دمشق إلى توقيع اتفاقات إذعان.

ثانياً، يثبت اللقاء هزيمة إيران وخروجها من المنطقة، وهذه إحدى الأوراق المهمة في يد الإدارة السورية، والتي أشهرتها منذ وصولها إلى دمشق. ومن الواضح أن هناك موقفاً سورياً رسمياً وشعبياً يقارب الإجماع حول ضرورة تصفية كل أشكال الوجود الإيراني في سورية، ورفض إقامة علاقات متميزة مع هذه الدولة، والعمل على مقاضاتها دولياً، بسبب الضرر الكبير الذي ألحقته بسورية خلال فترة الثورة بدعم نظام الأسد بالمال والسلاح والمتطوعين لقتل الشعب السوري وتهجيره. وهناك رأي عام سوري يطالب بأن تتحمل إيران القسط الأكبر من كلفة إعادة الإعمار، بسبب التدمير الذي قامت به المليشيات المحسوبة عليها في مدن سورية عدة.

ثالثاً، رفع العقوبات بجهود سعودية قطرية تركية يعني أن البلد الذي يعاني من هشاشة كبيرة، بات محصناً، اقتصادياً وأمنياً. وكان من الملاحظ أن الدول الثلاث بادرت إلى تقديم مساعدات لسورية بعد إسقاط النظام، ولكنها بقيت محدودة، بسبب العقوبات، وقد كان من المقرر أن تنهض كل من قطر والسعودية بتقديم مساعدات إسعافية عاجلة لحل مشاكل الكهرباء والبنى التحتية والطاقة. ومن المنتظر خلال الفترة القريبة تقديم مساعدات مالية عاجلة من الدوحة والرياض لتمويل بعض حاجات الدولة السورية العاجلة، وستبدأ قطر اعتباراً من شهر مايو/أيار الحالي بدفع جزء من رواتب موظفي الدولة السورية.

رابعاً، ينهي قرار رفع العقوبات حقبة طويلة دارت فيها سورية في فلك الاتحاد السوفييتي وروسيا، والانعطاف نحو الغرب، الذي وقف مع شعبها خلال أعوام المأساة، ودان أعمال القتل التي مارسها نظام الأسد، واستقبل قرابة مليوني مهجر، توزعوا في بلدان أوروبا. وقد كان أحد شروط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتقارب مع السلطات السورية الجديدة إحداث قطيعة مع روسيا، التي لا تزال تحتفظ بالقاعدتين العسكريتين في حميميم قرب اللاذقية وفي طرطوس على الساحل السوري، ولكن الإدارة الجديدة قيّدت عملهما ولم تعودا تتمتعان بنفس المزايا التي كانت خلال حكم نظام الأسد. ويشكل ذلك خطوة أولى نحو الإنهاء التدريجي للوجود العسكري الروسي في سورية. وعلى هذا تمّ توقيع عقود استثمارية مع شركتين، واحدة فرنسية، وأخرى من موانئ دبي، للعمل في ميناءي اللاذقية وطرطوس.

خامساً، رفع العقوبات ينعكس على نحو إيجابي إقليمياً ودولياً، ويمهد لتحرير دول حدودية مع سورية، الأردن، لبنان، وتركيا، من عبء التهجير السوري، ويفتح باب العودة الطوعية لقرابة خمسة ملايين لاجئ سوري يعيشون في البلدان الثلاثة، ويشكلون ضغطاً كبيراً على أنظمة الخدمات في هذه البلدان.

سادساً، يغير قرار رفع العقوبات الأميركية من المعادلات السورية الداخلية، ويمنح الإدارة الجديدة قوة دفع من أجل استكمال وحدة البلد الداخلية، وتراجع طروحات التقسيم والفيدرالية التي ينادي بعضها في شرق وجنوب سورية. ويرى مراقبون تراجع الأصوات التي ارتفعت في السويداء والساحل السوري مطالبة بالتدخل الأجنبي، وفي الوقت ذاته تسريع تنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار الماضي بين الرئيس الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، والقاضي بدمج هذا الفصيل في الجيش السوري الجديد، وتسليم الدولة آبار النفط والغاز والسجون التي تضم معتقلي تنظيم داعش.

العربي الجديد

——————————–

الكرة في ملعب السوريين!/ فايز سارة

21 مايو 2025 م

بدا أن موضوع رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على نظام بشار الأسد أهم ما يشغل بال السوريين في الأشهر الخمسة الأخيرة، التي أعقبت السقوط السهل للنظام في ديسمبر (كانون الأول) 2024، والتي كان يفترض رفعها بعد سقوط من تسبب بها، لكن الأمر لم يحصل رغم مطالبات السوريين في المستويين الرسمي والشعبي، ومساعي دول عربية وأجنبية كثيرة، كانت تقول إن استمرار العقوبات يعيق حتى استعادة السوريين للحد الأدنى من حياتهم، ويؤخر تطبيع علاقات سوريا مع المحيطين الإقليمي والدولي.

انشغال السوريين برفع العقوبات متصل مع روابط وتداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية، بل وأمنية أيضاً. ففي ظل استمرار العقوبات، كان لدى السوريين إحساس وكأن نظام الأسد ما زال قائماً، لأنها فرضت ضده وضد سياساته وأشخاصه ورداً على جرائمه، كما أن أغلب تداعياتها العملية على حياة السوريين وعلاقاتهم ما زالت مستمرة، وقد ساءت الأوضاع أكثر من السابق، حيث أدت في جانب منها إلى تدهور الأوضاع الأمنية في مناطق سورية متعددة نتيجة صعوبات معيشية، وفقدان الأمل بحصول تبدلات قريبة، خاصة في موضوع إعادة إعمار سوريا التي تعني بدء تصفية آثار العهد الأسدي الطويل والخلاص من كوارثه.

وبدل أن يتم رفع العقوبات، فإنَّ مطالب السوريين قوبلت باشتراطات، يحتاج بعضها إلى وقت وجهد في ظل حقائق بينها أنَّ البلاد مدمرة بصورة كلية، وأنَّ السوريين شعباً وحكومة في ظروف صعبة، يعيشون خلافات وانقسامات خطيرة، حتى وإن كان أغلبها مؤقتاً، وغير جوهري، ويبدو أن واقع الحال السوري واحتمال انسدادها كما سبق أن حدث مرات في ظل نظام الأسد، دفع المحيط إلى تحركات ومبادرات لتجنب انسداد الوضع وعودته للمراوحة وسط الكارثة.

وللحق فإن سياسة الحاضنة العربية، ولا سيما موقف المملكة العربية السعودية، التي شكلت مبادراتها في العامين الأخيرين خطوات عملية لأخذ سوريا نحو خلاص، يضع حداً لمعاناة السوريين، ويدفعهم على طريق تطبيع حياتهم وعلاقاتهم، وكانت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة للرياض ومحادثاته مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فرصة لإحداث خرق في موضوع العقوبات على سوريا، حيث أعلن الرئيس ترمب رفع العقوبات في ضوء محادثاته مع الأمير محمد بن سلمان، واضعاً حداً لمشكلة سورية توازي، إن لم نقل إنها تزيد على مشكلة وجود نظام بشار الأسد في حياة السوريين.

وإذا كان رفع العقوبات يمثل بوابة لخروج سوريا من مشاكلها ومعاناة شعبها، فإن ذلك لا يمثل إلا نصف حقيقة، تكتمل مع نصف آخر، يمثله جهد السوريين، الحكومة والشعب، لإخراج بلادهم من مشاكلها ومعاناة شعبها، حيث مطلوب من الحكومة أن تكون حكومة مسؤولة وشاملة وخبيرة ومنفتحة، تعبر عن أوسع طيف سوري، وتتبنى برنامج نهوض وطني في المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، قابلاً في تخصصاته ومستوياته للقياس والتقويم والتصحيح. ومطلوب من السوريين وقف صراعاتهم وخلافاتهم حول أغلب القضايا المثيرة للجدل، والالتفات نحو العمل من أجل إخراج أنفسهم وعائلاتهم ومواطنيهم من حفرة الأسد بما فيها من مشاكل ومعاناة، والوقوف صفاً واحداً مع حكومتهم في برنامجها الإنقاذي الذي يمهد لخلاص أكبر تمثله خطة ضرورية وقادمة هي خطة إعمار سوريا، التي لا تعني إعمار أبنية ومؤسسات وأنشطة سياسية واقتصادية بمقدار ما تعني إعادة بناء حياة السوريين بكل ما في الكلمة من معنى يتجاوز المعارف والخبرات والكوادر إلى تصفية آثار الحرب عبر علاج قضايا المفقودين والمغيبين وعودة النازحين واللاجئين وتعويض المتضررين وإعادة بناء السلم الأهلي.

دون قيام السوريين حكومة وشعباً بدورهم اللاحق لرفع العقوبات، لن يكون للأخير أهمية كبيرة، ولن يتحقق في سوريا إنجاز مهم يكون بمستوى طموحات السوريين وسعيهم إلى المستقبل.

لقد دقق الرئيس ترمب في توصيف ما قام به بالقول: «قررت رفع العقوبات لمنح الشعب السوري فرصة جديدة لبناء مستقبله»، وأعتقد أن السوريين من خلال ردات فعلهم الأولى على خطوته، أكدوا أنهم سوف يمضون إلى خلاصهم من كوارثهم، وأنهم ماضون على طريق بناء بلدهم ومستقبلهم.

الشرق الأوسط

——————————

مارشال سورية” بتمويل خليجي/ عدنان عبد الرزاق

21 مايو 2025

اكتملت شروط نجاح انتقال سورية، أو تكاد، إلى طور آخر وجديد، بوضعه وتموضعه، بعد قرار إلغاء العقوبات ولقاء الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، الأسبوع الماضي، وما سبقه من زيارات خارجية للشرع ضمن دول الإقليم، قبل أن تتوّج بزيارة باريس، لتفتح ما بعدها، ربما إلى لندن أو واشنطن دي سي، ولتتبدى تباعاً ملامح ماذا تريد سورية وماذا يراد منها؟

فقبل زيارة الرئيس السوري إلى فرنسا والمؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس إيمانويل ماكرون، كانت “الشروط الخمسة” لتحوّل سورية وتقبّلها، إقليمياً ودولياً، معلنة وواضحة، بيد أن تكهنات كثيرة حول الذي تريده دمشق، لقاء الطلبات المتفق عليها، أوروبياً وأميركياً، أتت عبر “كشف الشرع” خلال المؤتمر، موضحاً السلة العامة التي تسعى إليها دمشق، من دون أن يعدد قطاعياً على مستوى الاقتصاد، أو يستفيض بطبيعة العلاقات مع الجوار وشكل الحكم والمشاركة بالداخل، إذ قالها بوضوح “مشروع مارشال السوري” هو الرؤية العامة لإعادة إعمار سورية، على غرار خطة مارشال الأميركية ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وعلى الأرجح، ليست باريس مكان الكشف الأول لرؤية سورية، بالإعمار والأمن والعلاقات مع الجوار، إذ تقاطعت مصادر عدة، منها “وول ستريت جورنال” على أن الرئيس السوري بعث برسالة إلى البيت الأبيض، عبر وسطاء، يعرض فيها رؤيته لإعادة الإعمار طالباً لقاء مع ترامب… وهو ما حصل، بعد الطلب السعودي والدعم التركي.

يغدو المشروع الشامل (مارشال) أقرب للواقع، إثر توفر الشرط السياسي وبيئة التعاون، المضافين إلى المساعدات المالية، والمنتظر أن ترتسم ملامحهما قريباً، سواء عبر مؤتمر “إعادة إعمار سورية” تستضيفه عاصمة خليجية، أو من خلال قرار أميركي، متفق عليه وحوله، يدعو لوضع هيكلية الخطة بالتوازي مع تنفيذ دمشق الشروط الخمسة.

قصارى القول: الأرجح أن الخراب الهائل الذي نتج عن حرب الأسد وحلفائه على ثورة السوريين وحلمهم، والذي بلغ كلفاً مالية بـ400 مليار دولار وملايين البشر، بين عاطل ومعوّق ومهاجر، وضرورة احتواء ما بعد السقوط تداعيات أمنية، محلية وإقليمية ودولية، يستدعي مشروعاً كبيراً وحالماً، يعيد إعمار سورية وتبديل شكل الصراع والتحالفات ويؤسس، وفق نمط تنموي تشاركي، لتوازنات جديدة بالشرق الأوسط الجديد.

وخطة مارشال المنسوبة لوزير الخارجية الأميركي، جورج مارشال، واقتراحه الشهير خلال خطابه في جامعة هارفارد في يونيو/حزيران عام 1947، قبل أن يوقّع الرئيس الأميركي، هاري ترومان، على قانون التعاون الاقتصادي وتمويل بنحو 13.3 مليار دولار، على مدى أربع سنوات، لتحفيز النمو بعد تأهيل البنى وبناء المصانع واستعادة الثقة بالبيئة والعملات الأوروبية، قبل ربط القارة العجوز بالولايات المتحدة أو، إن شئتم، تحالفها معها بنموذج رأسمالي ليبرالي يواجه المد الاشتراكي السوفييتي وقتذاك.

لم تكن فكرة جديدة أو لمعت بذهن السوريين بعد هروب بشار الأسد، بل طرحتها إيران بمشروع مستوحى تماماً من الخطة الأميركية، وفق ما كشفته الوثائق بالسفارة الإيرانية بدمشق، عن دراسة رسمية “النفوذ الناعم” تحمل توقيع وحدة السياسات الاقتصادية الإيرانية في سورية، مؤرخة في أيار/مايو 2022، توضح عبر 33 صفحة، خطة شاملة لإعادة إعمار سورية وحصة إيران من الخراب، قبل أن تحيلها إلى منطقة نفوذ اقتصادي وسياسي، كالذي حققته الولايات المتحدة مع أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.

بيد أن وضع إيران الاقتصادي الداخلي شبه المنهار، وتوازي خطتها مع بدء سحب الأسد من حظيرتها إلى الحضن العربي، وظروف أخرى كثيرة تتعلق بتطبيق الخطة عبر الشراء والسيطرة على حوامل دينية، حالت دون تنفيذ “الحلم الفارسي” الذي أعدوا له بعد التمدد التدريجي عبر أربعين استثماراً بسورية خلال الثورة، حتى بمؤسسة مشابهة لوكالة التنمية الأميركية (USAID) لتدير “مارشال سورية” وتتهرب من العقوبات الغربية. ليأتي الثامن من ديسمبر، فيسقط الأسد ومشروعات طهران، بعد انسحابها من سورية، تاركة الاستثمار والحلم المارشالي، حتى من دون تحصيل الديون وأموال دعم بقاء الأسد على كرسي أبيه.

نهاية القول: سرب من الأسئلة بدأ يتوثب على الشفاه، بالتوازي مع عودة طرح “خطة مارشال سورية” اليوم وملاقاتها من قبول مبدئي عام، وربما البدء لإعداد مؤتمر وتحديد المانحين والداعمين والدائنين.

أول الأسئلة إمكانية نقل التجربة الأميركية بأوروبا إلى سورية، مع الاختلاف السحيق بالبيئة الاقتصادية والبنية المجتمعية، والتي لا تحل بقرار أو بالدعم المالي فحسب، فالذي يشهده الداخل السوري حتى الآن، من انقسامات وتعدد رؤى وارتباطات، قد يحيل مارشال بأرض غير مهيأة، لنموذج غير قابل للحياة والاستمرار.

ولأن خطة إعمار أوروبا لم تقتصر على الحجر، بل طاولت القوانين والعلاقات التجارية والبنى المؤسسية نسأل: هل ستمتد “مارشال سورية” لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وفق ما يطلبه الممول أو حسب التشكيل الجديد للمنطقة ودور سورية فيها وخلالها؟!

وأيضاً، هل تنجح براغماتية الرئيس الشرع هذه المرة أيضاً، في نقل المشروع لواقع، رغم مطالب تحييد الدور التركي، وتضارب المصالح والأهداف بين المتفقين على “مارشال سورية” إن بمنطقة الخليج نفسها، أو بين أوروبا والولايات المتحدة؟!

وربما الأهم، ما هي صيغة الأموال التي ستضخ في “مارشال سورية”، من الخليج أو حتى من أوروبا والولايات المتحدة؟ هل ستكون مساعدات من أجل تحقيق مصالح بعيدة وتشكيل حلف جديد، أم ديوناً تثقل كاهل سورية لعقود، إن لم نتطرق للوصفات والشروط التي سيفرضها الدائنون أو الداعمون، وأثرها على بيئة سورية وحياة أهليها الذين تبوؤوا أصلاً، المراتب الأولى عالمياً، بالفقر والبطالة؟

ولكن وعلى مشروعية تلك الأسئلة والهواجس، ولكي يستوي القول، لا بد من فتح باب الأمل على خطة مارشال العتيدة، فأن يضخ 250 مليار دولار، كما يتوقع الخبراء، بالجسد السوري، على مراحل ثلاث حتى عام 2035، توظف بالإعمار والاستثمارات، فعلى الأرجح، ستبدد الهواجس وتجيب، عملياً وعلى الأرض، على تلك الأسئلة.

فأن تتحول سورية إلى قلب منظومة اقتصادية مأمولة تربط المنطقة العربية بتركيا فأوروبا، عبر جغرافية واستثمارات وموانئ ومسارات تبادل، وكل ذلك برعاية أميركية، فذلك ما يرجّح نجاح الخطة، بعيداً عن الخوض بتفاصيل ما بدأ يتسرب، من سلبيات تتعلق بالوضع الداخلي السوري أو إعاقات إقليمية، أو إيجابيات تتعلق بمعادن سورية النادرة ووادي السيليكون السوري وإحياء خطوط نقل الطاقة بالبر والبحر، أو إعادة رسم المنطقة، وفق حلف التشاركية والمصالح بدل الحرب وصراعات اقتسام النفوذ.

العربي الجديد

سوريا ورفع العقوبات… مسار شاق للإصلاحات وأسئلة تحتاج الى إجابات/ مات زويغ

قرار ترمب يحتاج الى تفكيك “سلسلة متداخلة” لعقود من القرارات الأميركية ودمشق أمام مفترق طرق للتجدد والشفافية

آخر تحديث 20 مايو 2025

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب العالم بإعلانه من الرياض أن الولايات المتحدة ستقوم برفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، الدولة التي أنهكتها سنوات الحرب الطويلة والعزلة الدولية تحت حكم نظام بشار الأسد الوحشي، الذي سقط في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقد أشعل هذا الإعلان، في الثالث عشر من أيار/مايو 2025، موجة من الاحتفالات في أوساط السوريين، الذين يعيش 90 في المئة منهم تحت خط الفقر، مجددا آمالهم في مستقبل أكثر إشراقا.

غير أن إعلان ترمب، رغم ثقله السياسي، جاء محاطا بالغموض، إذ افتقر إلى التفاصيل الضرورية لفك التشابكات المعقدة لمنظومة العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.

وقد أفيد بأن مسؤولي وزارتي الخارجية والخزانة، الجهتين المعنيتين بصياغة سياسة العقوبات وتنفيذها، فوجئوا بالتصريح، وبدأوا محاولات حثيثة لفهم دلالاته وسط عقود من تداخل الأوامر التنفيذية والقوانين. ومع استمرار سريان عقوبات مكافحة الإرهاب، وتولي الرئيس السوري أحمد الشرع، القائد السابق في تنظيم “القاعدة” والمدرج على قوائم الإرهاب الأميركية والأممية، رئاسة الحكومة الانتقالية، يبقى المسار المستقبلي مبهما.

استراتيجيا تفكيك “منظومة” العقوبات

يتعيّن على الإدارة الأميركية أن تبادر فورا إلى توضيح ما المقصود برفع العقوبات: هل يشمل ذلك القيود الاقتصادية والتجارية الشاملة، أم تلك المرتبطة بمكافحة الإرهاب، أم الاثنين معا؟ إن تفكيك منظومة العقوبات المتداخلة يتطلب استراتيجيا دقيقة، تستند إلى أدوات متنوعة مثل إشراك الرأي العام، ومنح الإعفاءات، وتعليق بعض العقوبات، وإصدار التراخيص العامة، على أن تُستكمل هذه الإجراءات بتدابير شمول مالي تهدف إلى الحد من أخطار تمويل الإرهاب.

وفي الوقت ذاته، ينبغي للإدارة والكونغرس أن يحددا بوضوح المعايير والشروط التي يجب توفرها لأي تخفيف مستقبلي للعقوبات، بما يضمن محاسبة السلطات السورية في ما يتعلق بإنهاء علاقتها بالجماعات والأنشطة الإرهابية بشكل دائم وقابل للتحقق، مع إبقاء الاستعداد لإعادة فرض العقوبات في حال الإخلال بهذه الالتزامات.

شكّلت منظومة العقوبات الأميركية، التي تديرها وزارات الخزانة والتجارة والخارجية، أداة استراتيجية قوية استُخدمت لتقويض شبكات التمويل والمحسوبية التي اعتمد عليها النظام السوري السابق. فمنذ عام 1979، وُضعت سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو تصنيف شكل أساسا لفرض حظر على صادرات الأسلحة، وتشديد الرقابة على السلع ذات الاستخدام المزدوج، وتقييد معظم أشكال المساعدات الخارجية باستثناء الإنسانية منها، بالإضافة إلى الحدّ من قدرة سوريا على النفاذ إلى النظام المالي الأميركي.

وفي عام 2003، عزز قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية هذا الإطار، إذ ألزم دمشق وقف دعمها للجماعات الإرهابية، وسحب قواتها من لبنان، والتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل. كما فرض القانون حظرا شاملا على الصادرات، باستثناء الغذاء والدواء، وفرض قيودا مالية مشددة وضغوطا ديبلوماسية متزايدة.

أدى قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية لعام 2003 إلى إطلاق سلسلة من الأوامر التنفيذية، بدءا بالأمر التنفيذي 13338 الصادر عام 2004، الذي توسعت تداعياته لاحقا عبر الأوامر التالية 13399 (2006)، و13460 (2008)، و13572 و13573 (2011). وقد ركزت هذه الأوامر في بداياتها على التصدي للفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان، وزعزعة الاستقرار في لبنان والعراق، قبل أن تتصاعد في لهجتها وحدتها مع تفجر الحرب الأهلية في سوريا.

تجميد الأصول السورية في أميركا

فمع اندلاع الحرب الأهلية، صدر الأمر التنفيذي 13582 لعام 2011، الذي قضى بتجميد جميع أصول الحكومة السورية في الولايات المتحدة، كما حظر أي تعاملات مالية معها. وفي عام 2019، صدر “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، الذي أُدرج لاحقا ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2020، ليُدخل عقوبات ثانوية إلزامية تطال الشركات الأجنبية التي تتعامل مع نظام الأسد، مما أدى إلى شل قطاعات حيوية، أبرزها الطاقة والبناء.

وفي السياق نفسه، صدر الأمر التنفيذي 13894 في عام 2019 ليعزز نظام العقوبات الأميركي، عبر استهداف الأفراد والكيانات التي تعيق التوصل إلى حل سياسي للصراع. وشملت العقوبات شخصيات بارزة، من بينها أفراد من عائلة الأسد وعدد من المقربين منها، قبل أن يُعدّل هذا الأمر في يناير/كانون الثاني 2025 لاستثناء تركيا من أحكامه.

وإلى جانب العقوبات الخاصة بسوريا، فُرضت أيضا عقوبات موضوعية ضمن أطر أوسع: فقد استهدفت شركة الخطوط الجوية السورية بموجب الأمر التنفيذي 13224، بسبب دورها في تسهيل أنشطة إرهابية، كما أُدرج المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية على قائمة العقوبات بموجب الأمر التنفيذي 13382، نظرا لضلوعه في أنشطة تتعلق بانتشار الأسلحة النووية.

ستة أشهر لتوضيح المشهد السوري ومصير العقوبات؟

لم يطرح إعلان الرئيس ترمب، والتصريحات اللاحقة الصادرة عن وزير الخارجية ماركو روبيو، أي خريطة طريق واضحة لفك شبكة العقوبات المفروضة على سوريا بموجب سلطات متعددة. وذكرت وكالة “رويترز” أن مسؤولي وزارتي الخارجية والخزانة لم يتلقوا في البداية أي توجيهات من البيت الأبيض، مما أدى إلى حالة من الغموض حول ما إذا كان ترمب يقصد رفعا كاملا للعقوبات، أو تعليقا لتجميد الأصول بموجب الأمر التنفيذي 13582، أو إعفاءات انتقائية لبعض القيود، أو تعليقا شاملا لـ”قانون قيصر”، أو تخفيفا للقيود الواسعة المفروضة على الصادرات بموجب قانون محاسبة سوريا، أو حتى إعادة النظر في تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب.

رويترز رويترز

وتستلزم إعادة النظر في هذا التصنيف، بطبيعة الحال، إخطارا رسميا للكونغرس قبل 45 يوما، إلى جانب تقديم شهادة تؤكد أن سوريا قد أوقفت دعمها للإرهاب لمدة لا تقل عن ستة أشهر، أو أنها شهدت تغييرا جذريا في طبيعة حكمها، وهو شرط يبدو صعب التحقق في ظل الارتباط السابق للرئيس الشرع بـ”هيئة تحرير الشام”، المصنفة كمنظمة إرهابية منذ عام 2018.

“قوائم الإرهاب” والحكومة السورية

وتُفاقم عقوبات مكافحة الإرهاب تعقيد المشهد السوري، إذ أدرج عدد من المسؤولين في الحكومة السورية الحالية ضمن قوائم “المنظمات الإرهابية الأجنبية” و”الإرهابيين العالميين المحددين بشكل خاص”، ومن أبرز هذه الكيانات: “أنصار الإسلام” و”اتحاد الجهاد الإسلامي” و”كتيبة الإمام البخاري” و”كتيبة التوحيد والجهاد” و”لواء المهاجرين والأنصار”. ويثير هذا الواقع مخاوف جدية من احتمال اعتبار “الحكومة السورية” بمثابة إعادة تشكيل لكيان إرهابي، مما قد يعرّضها لعقوبات إضافية.

وفي ظل غياب تعريف قانوني دقيق يفصل بين “هيئة تحرير الشام” وهذه الجماعات من جهة، والحكومة السورية الجديدة من جهة أخرى، تجد الجهات الاستثمارية والمنظمات الإنسانية نفسها أمام تحديات كبيرة تتعلق بمخاطر الامتثال.

المسار الوعر لرفع العقوبات

إن إعلان ترمب في الثالث عشر من أيار/مايو، في ظل غياب أي إطار قانوني واضح، يهدد بإبطاء الزخم السياسي والاقتصادي الذي بدأ يتشكل. إذ تُحجم المصارف، والشركات، ومنظمات الإغاثة عن الانخراط في السوق السورية من دون وجود معايير قانونية دقيقة تحميها من تبعات المساءلة.

وخلال جولته في منطقة الخليج، قدّم ترمب سلسلة من الشروط للحكومة السورية كمتطلبات مسبقة لرفع العقوبات، من بينها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وطرد الجماعات الإرهابية الأجنبية، وترحيل “الإرهابيين الفلسطينيين” إضافة إلى دعم الجهود الأميركية الرامية إلى منع عودة تنظيم “داعش”.

وتشير تقارير إلى أن وزارة الخارجية كانت قد وضعت، في وقت سابق من عام 2025، مجموعة من الشروط لتخفيف جزئي للعقوبات، شملت التخلص من مخزونات الأسلحة الكيماوية، وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، ومنع المقاتلين الأجانب من شغل مناصب عليا في الدولة.

كما أبقت الإدارة الأميركية سريان الترخيص العام رقم 23، الذي يُجيز التعاملات المرتبطة بجهود الإغاثة من الزلازل في سوريا، بهدف تسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وكذلك الترخيص العام رقم 24، الذي يسمح ببعض التعاملات مع المؤسسات الحكومية السورية، لدعم الخدمات الأساسية والمرافق العامة في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد.

ولتحقيق رؤية ترمب، ينبغي على الولايات المتحدة أن تبني على هذه الخطوات من خلال اعتماد نهج مشروط ومنظم يستند إلى معايير واضحة ومحددة. كما يجب على كل من الإدارة والكونغرس أن يوضحا أن عدم تنفيذ الإصلاحات السياسية المطلوبة، مثل طرد المقاتلين الأجانب وتنظيم انتخابات شفافة، سيؤدي إلى إبطاء عملية تخفيف العقوبات، أو وقفها، أو حتى التراجع عنها من خلال إعادة فرض القيود وتوسيع نطاقها.

الإصلاحات المطلوبة من الحكم في دمشق

بالإضافة إلى المطالب السياسية، يتعيّن على سوريا أن تنفذ إصلاحات عميقة في مؤسساتها لاستعادة مكانتها ضمن النظام الاقتصادي العالمي وكسب ثقة المجتمع الدولي. وتشمل هذه الإصلاحات تعزيز التشريعات الخاصة بمكافحة غسل الأموال، وفرض رقابة صارمة على حركة النقد للحد من تمويل الإرهاب، وتبنّي أنظمة متقدمة في ما يتعلق بتقارير التعاملات المالية، إلى جانب اتخاذ تدابير تنظيمية أخرى تتوافق مع معايير “مجموعة العمل المالي” وغيرها من المؤسسات الدولية ذات الصلة.

من شأن هذه الخطوات أن تعكس التزاما حقيقيا من جانب سوريا في مكافحة التمويل غير المشروع وترسيخ بيئة اقتصادية أكثر شفافية، بما يمهد لاندماجها مجددا في الأسواق العالمية. والكرة الآن في ملعب الرئيس أحمد الشرع، فإذا أخفق في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، فإن سوريا قد تُهدر فرصة تاريخية للتجدد، في وقتٍ يستعد فيه كل من الكونغرس والإدارة لاتخاذ خطوات أكثر صرامة في حال تعثر التقدّم.

وعلى العكس من ذلك، إذا تمكّن الرئيس الشرع من تحقيق الإصلاحات السياسية والمؤسسية المطلوبة على المدى الطويل، فقد تسنح أمام سوريا فرصة تاريخية لإعادة الإعمار والازدهار. ويمكن الإدارة الأميركية أن تساهم في هذا المسار عبر تعاون ثنائي ومتعدد الأطراف لتطوير أدوات شمول مالي تُعدّ أساسية لتعافي الاقتصاد السوري. فقد تتيح جهات الإقراض الخارجية في كل من الأردن أو الإمارات، الخاضعة لبروتوكولات صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تمويلا موجّها للشركات السورية، على أن تنتقل هذه الخدمات تدريجيا إلى داخل سوريا مع استقرار القطاع المصرفي.

مشروع تجريبي للمدفوعات بعملة رقمية

وبمجرد إقرار مشاريع القوانين العالقة في الكونغرس وتحويلها إلى قانون نافذ، قد يُطلق مشروع تجريبي للمدفوعات باستخدام عملة رقمية مستقرة مدعومة بالدولار الأميركي، تُحوّل قيمتها إلى عملات ورقية خارج الأراضي السورية، بما يتيح ربط الباعة المحليين بالأسواق العالمية مع الالتزام بالمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وفي هذا الإطار، يمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب إنشاء سجل عام لعقود الدولة، أن تضمن درجة عالية من الشفافية، تحول دون استفادة الأفراد والكيانات الإرهابية المدرجين على قوائم العقوبات من الأموال العامة.

وتمثل الثروات المنهوبة من قبل عائلة الأسد فرصة محورية. فمن الضروري إبقاء العقوبات المفروضة على أفراد العائلة ومن يسهّلون أنشطتهم، لضمان استمرار حجز الأصول المجمدة وعدم تمكينهم من الوصول إليها، وهو ما يستدعي إدخال تعديلات دقيقة على أنظمة العقوبات المعتمدة دون المساس بإطارها العام.

وفي هذا السياق، يمكن لفريق متعدد الأطراف مختص باسترداد أصول الدولة السورية أن يتولى مصادرة ما يُقدّر بنحو ملياري دولار من الأموال غير المشروعة، المخبّأة ضمن شبكات من الشركات الوهمية. وتُربط إعادة توجيه هذه الأموال نحو مشاريع حيوية، مثل المستشفيات والبنية التحتية والمدارس، بتحقيق معايير ديمقراطية محددة، بحيث تُحوّل هذه الموارد عبر الحكومة السورية في حال استيفائها، أو عبر آليات دولية بديلة في حال تعذّر ذلك.

سوريا أمام مفترق طرق حاسم

ومن شأن تعيين مسؤول رفيع ضمن الإدارة الأميركية لتنسيق سياسة العقوبات المفروضة على سوريا أن يُحسّن التنسيق بين الوكالات المعنية، ويعزز وضوح الإجراءات وفاعليتها عند تنفيذ خطوات التخفيف. وسيساهم هذا الدور في إيصال التحديثات والسياسات ذات الصلة بسرعة وكفاءة إلى الجهات المعنية، بما في ذلك الشركات والمؤسسات الحليفة، مع الإشراف على مدى التزام المعايير الإصلاحية المطلوبة. كما يتيح هذا المنصب تسريع إصدار التراخيص الخاصة بالسلع الخاضعة للرقابة على الصادرات، ولا سيما المعدات المتعلقة بقطاع الطاقة، التي تُعدّ حيوية لعمليات إعادة الإعمار، وذلك بعد التأكد من تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها بشكل موثوق به.

تقف سوريا اليوم عند مفترق طرق حاسم. ويُحتّم هذا الواقع تحويل تعهّد ترمب إلى خريطة طريق واضحة ومبنية على أسس من الإنجاز الفعلي. فالشعب السوري، الذي عانى ويلات لا توصف، يستحق فرصة حقيقية للتجدد. لكن ينبغي على الولايات المتحدة أن تتعامل مع تخفيف العقوبات كأداة ضغط استراتيجية لضمان المساءلة، لا كمنحة مفتوحة بلا شروط. ومن دون وضوح وتحديد صارم للمعايير، فإن الرؤية الطموحة التي طرحها ترمب مهددة بالانهيار، تاركة آمال السوريين الهشة معلقة على حافة الغموض.

المجلة

——————————

الشرع وفاتورة رحلة الرياض/ رغيد عقلة

20 مايو 2025

لم تنتظر المتحدّثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى واشنطن، لتصرّح بأن هناك خمسة مطالب حدّدتها الإدارة الأميركية في مقابل الانفتاح على الإدارة السورية الجديدة، والمضي في رفع العقوبات عن سورية، وهي التي رشح أن ترامب قدّمها لرئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال لقائهما المُقتضَب في الرياض، الأسبوع الماضي.

المطلب الأول، كما ورد في الترجمة الحرفية لتصريح ليفيت، هو “توقيع الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل”، الذي كان واضحاً أنه يتمحور حول إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل، من دون إشارة إلى الجولان المحتل، وقبول إسرائيل في الوعي الجمعي السوري بتركيبتها الحالية القائمة على يهودية الدولة. لكنّ السؤال الأهم: هل سيستطيع الشرع تسويق فكرة الاتفاقات الإبراهيمية بجانبها العَقَدي الإيماني للدائرة الأقرب من محازبيه ومريديه؟ خصوصاً في صفوف المقاتلين المتشدّدين الذين ليس سرّاً أنه وإياهم يلتزمون نهجاً وفكراً سلفيّاً صارماً، إلى الدرجة التي دفعته إلى أن يقيم صلاة عيد الفطر الفائت في القصر الرئاسي، في سابقة لم تحصل في التاريخ السوري، ليتفادى ببراعة أن يكون مضطرّاً لحضور صلاة عيد قد تتخلّلها المدائح والأذكار النبوية المعتادة على طريقة الإسلام الشامي الأشعري؟

يتعلق المطلب الثاني بالطلب “من جميع الإرهابيين الأجانب مغادرة سورية”، وكان دوماً مطلباً سورياً داخلياً، بدأ مع رفض السوريين الفصائل الطائفية كافّة، التي استقدمها النظام الساقط، واستخدمها في حربه عليهم، ولكنّها تنسحب اليوم حسب صياغة ليفيت، وكما أشير إليه صراحةً من مسؤولين أميركيين ودوليين، على المقاتلين الذين دخلوا سورية مع عملية “ردع العدوان” كافّة، وينتمون إلى الجنسيات الشيشانية والإيغورية والتركستانية والعربية وغيرها، الذين تتهمهم جهاتٌ عديدةٌ بأنهم كانوا القوة الضاربة الحقيقية في أحداث الساحل الدامية. وفي وقتٍ قد لا تنقص فيه الشرع البراغماتية اللازمة لتلبية هذا الطلب، إلا أن السؤال الحقيقي يتمحور حول مدى قدرته على تنفيذه، خصوصاً أن هؤلاء المقاتلين الأجانب الجزء الأكبر والأقوى من القوات الداعمة له، في ظلّ الإحجام عن قبول أعداد كبيرة من العسكريين السوريين المنشقّين في صفوف القوات السورية النظامية الجديدة، مع الجيش النظامي السوري، وهما الأمران اللذان يجعلان حاجة الشرع لهؤلاء المقاتلين الأجانب ضرورةً حيويةً، وما ينطوي عليه تحييدهم من مخاطر جمّة، لا تستثنى منها إمكانية فتح حالة صراع عنيف وحقيقي معهم، قد لا يكون الشرع مستعدّاً لها أو قادراً عليها.

المطلب الثالث يتعلق بـ”ترحيل الإرهابيين الفلسطينيين”، كما جاء في تصريح ليفيت. والتعامل معه قد يكون أسهل لوجود حالة عدم حماس شعبي عريضة للمقصودين في هذه التسمية لدى التيّارات السورية الأكثر ولاءً للشرع، فيما فلسطين تاريخياً في عمق وجدان السوريين.

كان البندَان الأخيرَان حول الطلب من الشرع مساعدة الولايات المتحدة في منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتولّي مسؤولية مراكز اعتقال عناصره في شمال شرقي سورية، وقد يحمل هذان الأمران تحوّلاً أساسياً في الموقف الأميركي الذي كان يستند دوماً (ومعه الموقف الدولي) إلى حصر هذه المهمة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وقد يكون للبنتاغون فيه رأي مخالف لتوجه الرئيس بتكليف الشرع وإدارته هذا الملفّ، الذي لن يمرّ بالضرورة من دون معوقات في واشنطن كما في الأرض، لاعتقاد ثابت لدى العديد من المعنيين بوجود حالة تعاطف أقلَّه في مستوى القواعد بين مقاتلي هيئة تحرير الشام وأسرى تنظيم “داعش”، الأمر الذي قد يُعقّد مهمة الشرع لتلبية هذين المطلبين، خصوصاً في ظلّ عدم وجود قوات كافية لديه بعيدة من المناخات الفكرية لكلا التنظيمين المستندَين لأفكار متشابهة، وأصل عضوي واحد.

صحيح أن السعودية (محمّد بن سلمان شخصياً) كانت الضامن الرئيس للشرع لدى الرئيس ترامب، إلا أن الشرع لا تنقصه أبداً حصافة إدراك أن تركيا ورئيسها أردوغان في المشهد، وأن عليه دوماً مراعاة توازن دقيق في كلّ ما يقوم به بين النفوذَين السعودي والتركي في بلده، ورغم أن الرياض وأنقرة ليستا بالضرورة خصمتَين في المشهد السوري أو في تداعياته الإقليمية، فهناك كثير ممّا يجمع بين رؤى البلدَين هناك، إلا أن ذلك لن يمنع وجود حالة تنافسية حادّة بينهما على النفوذ في سورية، قد يكون التعامل معها تحدّياً جدّياً للشرع رغم ما يحمله هذا التحدّي من فرص مهمة له ولبلده، إذا استطاع التعامل معها ببراغماتية لا تنقصه، ولكن المشكلة تكمن في قلّة أدواتها في يده.

سيكون من المبكّر جدّاً الحكم على قدرة الشرع على الوفاء بالالتزامات التي تعهّد بها في الرياض، الأمر الذي أكّده وزير خارجية الإمارات، عبدالله بن زايد، في مقابلته في “فوكس نيوز”، خصوصاً البند المتعلّق بالمقاتلين الأجانب، وإذا كان خطابه عشية عودته من السعودية قد افتقر لمبادرات سياسية جريئة انتظرها منه سوريون كثر، فلعلّ في ذلك مؤشّراً جدّياً على مدى تعقيد مهمته وصعوبة القيام بها، على أن من وضع البنود المتعلّقة بالإصلاح السياسي في صلب كلّ المطالب الدولية والأميركية المتعدّدة، يدرك بوضوح أنه وحده سيهيئ للشرع ولسورية الرافعة السياسية التي ستمكّنهما من إيجاد حلول لأغلب المعضلات السورية، فالسياسة الأميركية رغم أنها مبنية أولاً وقبل كل شيء على المصالح الذاتية، إلا أنها تتسم دوماً بالواقعية لجهة تحديد مدى قدرة الأطراف التي تتعاطى معها على القيام بما تطلبه منها.

لن يكون من الإنصاف تحميل الشرع وحده مسؤولية مراعاة توازناتٍ دوليةٍ دقيقة في بلده، ولا الاستعصاءات العديدة التي تواجه قدرته على تنفيذ تعهداته لترامب وولي عهد السعودية، محمّد بن سلمان، فكثير منها نتيجة حالة تراكمية تتحمّل الأطراف الإقليمية والدولية والنظام البائد مسؤوليات جسيمة عنها، ولكن طريقة إدارته المشهد السياسي السوري، ومدى قدرته على الانفتاح على الشرائح الأعرض لعموم السوريين، السياسية والاجتماعية والطائفية والعرقية والدينية، وتحديداً ضمن محيطه السُّني، ستكون الفيصل في تحديد مدى قدرته على دفع فواتير لن تقبل التأخير، والتزامات لا ترضى التسويف، كانت ضغوطها واضحة في حالة الإرهاق الظاهرة عليه قبيل خطابه للسوريين عشية عودته من الرياض، والذي لم يحمل جديداً واعداً بعد.

—————————-

عن فرص الولايات المتحدة في سوريا/ محمود علوش

2025.05.20

منذ الإطاحة بنظام المخلوع بشار الأسد، تركزت النقاشات في واشنطن حول الفرص المُحتملة التي يجلبها التحول السوري للولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن المبادرات التي اتخذتها كل من إدارة الرئيس السابق جو بايدن والإدارة الحالية كانت متواضعة وتجنّبت حتى وقت قصير الاعتراف بالحكم الجديد، إلاّ أن إدارة الرئيس دونالد ترامب بدأت في وقت مُبكّر بالتواصل مع دمشق وقدّمت قائمة من ثمانية مطالب مُعلنة لها وكان لها كذلك انخراط مباشر في رعاية اتفاقية دمج قوات سوريا الديمقراطية بالدولة السورية الجديدة. وعليه، ينبغي النظر إلى قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا واجتماعه بالرئيس أحمد الشرع في الرياض على أنّه مُحصّلة مجموعة من المسارات التي أفضت في نهاية المطاف إلى اعتقاد أميركي بأن اللحظة قد حانت للاعتراف بالشرع ورفع العقوبات.

لا ينبغي بالطبع تجاهل الدور الكبير، الذي لعبته المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر على وجه الخصوص في تحفيز إدارة ترامب على هذه الخطوة، لكنّ ترامب هو رئيس الولايات المتحدة، وهو مثل أي رئيس أميركي، يتخذ قراراته الكبيرة في السياسة الخارجية بما ينسجم مع المصالح الأميركية أولاً. وفي حالة سوريا، فإن المصالح الأميركية تكمن في الانفتاح على الحكم الجديد وتفكيك نظام العقوبات لتمكين سوريا من الشروع في عملية التعافي وإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي، وفي التعاون الوثيق مع دول المنطقة وعلى رأسها السعودية وتركيا لتحقيق هذه الأهداف. لقد كان الهاجس من الرئيس أحمد الشرع أحد الأسباب التي تجعل الأميركيين أكثر حذراً في اتخاذ نهج واضح في سوريا في الفترة الماضية. لكنّ استمرار التردد الأميركي في التعامل مع دمشق لفترة طويلة لن يؤدي إلا إلى نتائج معاكسة للمصالح الأميركية.

وعند الحديث عن هذه المصالح، تظهر في الواجهة رغبة ترامب بسحب القوات من سوريا وضمان ألا تتحول إلى ملاذ للإرهاب العابر للحدود مرّة أخرى ومصالح إسرائيل، التي هي تحصيل حاصل، والوصول إلى حقول النفط والغاز فضلاً عن قائمة المطالب الثمانية. إن جميع هذه المصالح تندرج ضمن مصلحة كُبرى للولايات المتحدة وهي تحويل سوريا إلى دولة حليفة لها في الشرق الأوسط. والواقع أن هذه الرغبة تُشكل مُحرّكاً رئيسياً للسياسة الأميركية. لقد ظلت سوريا لأكثر من سبعة عقود في المعسكر الشرقي المعادي للولايات المتحدة في المنطقة. كما أنها دولة مركزية إقليمية تقع على خط صدع جيوسياسي كبير. وأي تحوّل في هويتها الجيوسياسي سيترك آثاراً كبيرة على الشرق الأوسط والدور الأميركي فيه. قد لا يكون هذا الهدف هو المُحرك المباشر لقرار ترامب رفع العقوبات، لكنّ إعادة تشكيل العلاقات السورية الأميركية على نطاق واسع سيصب في صالح هذا الهدف على المدى البعيد.

مع ذلك، لا تبدو الطريق وردية بالكامل. إن المرحلة الراهنة ستظل مرحلة اختبار ثقة بين واشنطن والقيادة السورية الجديدة. ومن المفيد التذكير بأن إزالة جميع العقوبات المفروضة على سوريا لن تكون على الأرجح عملية يسيرة تُنجز في بضعة أسابيع أو حتى أشهر وسنوات. والخطوات المُنتظرة من الإدارة الأميركية بهذا الخصوص هي إصدار تراخيص عامة من العقوبات تشمل قطاعات حيوية في الاقتصاد السوري وستُغطي مجالات واسعة لعملية إعادة الإعمار، لكنّ السبب الذي يحول دون إنهاء هذه العقوبات دفعة واحدة وإلى الأبد ليس تقنياً بحتاً وإن بدا كذلك. فإدارة ترامب ستُدير عملية بناء الثقة مع الرئيس الشرع بمزيج من المُحفّزات والتذكير بأن كل المبادرات يُمكن أن تتوقف إذا لم تؤد العملية إلى النتائج المرجوة. بمعزل عن المخاطر المُحيطة بهذا الوضع، فإن مبادرة ترامب توجد بالفعل فرصة كبيرة لسوريا الجديدة لتدشين عملية التعافي وللرئيس أحمد الشرع لإثبات صدق نواياه للمجتمع الدولي. وسيتعين عليه الاستفادة من هذه الفرصة إلى أبعد الحدود.

لقد كانت إدارة ترامب قادرة على ممارسة ضغط كبير على سوريا فيما لو قررت مواصلة ترددها تجاه الحكم الجديد. لكنّها بهذا الانفتاح أصبحت في الواقع أكثر قدرة على التأثير. من الواضح أن الرئيس أحمد الشرع يُريد أن ينجح في العبور بسوريا نحو الدولة الجديدة وإعادة تشكيل علاقاتها الخارجية بما ينسجم مع واقعها الجديد ومصالحها الوطنية. لكنّ بعض العقبات الكبيرة التي تواجه سوريا لن تُزال بمُجرد توفر هذه الرغبة. وعلى رأس هذه العقبات النهج العدواني الذي تتبعه إسرائيل ضد سوريا. إن العلاقة الجيدة مع الولايات المتحدة تُساعد دمشق في تفكيك هذه العقبة وتحفيز إدارة ترامب على الانخراط القوي في إعادة ضبط السياسة الإسرائيلية بما ينسجم مع المصالح الأميركية مع دمشق. كما أنّها تُساعد في إدارة أكثر سلاسة لتعارض المصالح التركية الإسرائيلية في سوريا. لهذه الأسباب وغيرها، يجلب الانفتاح الأميركي على دمشق فرصاً كثيرة لسوريا ويوجد بيئة دولية مُحفّزة لها. إن الانعطافة الأميركية الكبيرة تجاه سوريا تتجاوز في أهميتها وأبعادها الانفتاح على حكم الرئيس أحمد الشرع إلى التأسيس لتحول تاريخي في العلاقات السورية الأميركية يُعيد تعريف سوريا في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ودورها الإقليمي.

——————-

هل يسبب لقاء ترمب والشرع بتفجير المواجهة مع “داعش”/ عبد الحليم سليمان

عدد من الدول وفي مقدمها الولايات المتحدة وفرنسا طالبته بإبعاد المقاتلين الأجانب

الثلاثاء 20 مايو 2025

أسفرت مواجهة بين قوى الأمن العام وخلية تابعة لـ “داعش” في حلب عن مقتل عدد من عناصر التنظيم (وزارة الداخلية السورية)

ملخص

قال الدبلوماسي والمسؤول الأميركي السابق جيمس جيفري خلال مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والرئيس الشرع تعود لفترة حكمه منطقة إدلب، وإنهم أقاموا معه علاقة غير مباشرة من أجل ضمان وصول المساعدات إلى المدينة التي كانت تضم نحو 3 ملايين شخص.

يتعمق الخلاف بين تنظيم “داعش” وحكومة رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، خصوصاً عقب لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الرياض برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الـ 14 من مايو (أيار) الجاري، حيث طالب ترمب الشرع بتنفيذ خمس نقاط وهي مكافحة الإرهاب وطرد المقاتلين الأجانب والانضمام إلى جهود محاربة “داعش” ومنع عودته وتحمل مسؤولية المحتجزات في مناطق “قوات سوريا الديمقراطية، وهذه المطالب تشكل تحدياً أساساً في علاقة الرئيس السوري الشاب مع الولايات المتحدة، وهي طلبات أميركية متكررة حملتها بداية مساعدة وزير الخارجية الأميركي السابقة باربارا ليف مع طاقم من الدبلوماسيين في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن خلال زيارتهم إلى دمشق، أول أيام تولي الشرع مهماته عقب سقوط نظام بشار الأسد، ثم تلتها زيارة قام بها مبعوث الخارجية الأميركية دانييل روبنستاين وصولاً إلى عهد إدارة ترمب الذي سلّم دبلوماسيوه لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قائمة بالطلبات الأميركية التي لا تختلف كثيراً عن الإدارة السابقة على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في الـ 18 من مارس (آذار) الماضي، وكان التشديد على مسألة مكافحة الإرهاب واستبعاد المقاتلين الأجانب خلال لقاء ترمب – الشرع في الرياض، والذي لقي استجابة فورية من الشرع.

وسبق لقاء الرياض استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس السوري في باريس، حيث ناقش معه النقاط نفسها حول مكافحة الإرهاب واستبعاد المقاتلين الأجانب ومحاسبة المسؤولين عن القتل في أحداث الساحل، والتعاون مع “قوات سوريا الديمقراطية” التي تعتبر شريك التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب، كما أوصلت دول عربية عدة رسائلها للقيادة السورية الجديدة خلال مناسبات ولقاءات عدة، وكلها تحثه على مواجهة الإرهاب والتطرف.

أول مواجهة سياسية لدمشق

ولعل أولى الاستجابات العلنية لمطلب مكافحة الإرهاب جاء على لسان الشيباني في أنقرة عقب لقائه وزيري خارجية تركيا والأردن في الـ 12 من مايو الجاري، مؤكداً عزم دمشق “القضاء على ‘داعش’ والمنظمات الإرهابية الأخرى من الأراضي السورية، وأن هذا التنظيم لا يزال يشكل تهديداً وطنياً وإقليمياً”، وتابع الوزير السوري أن “مكافحة الإرهاب مسؤولية عالمية، وبخاصة ‘داعش’ الذي نملك خبرة طويلة في محاربته، ونعلم جيداً مدى خطورته على سوريا وجيرانها”.

ويقول الكاتب والباحث السياسي بسام السليمان في حديث لـ”اندبندنت عربية” إنه من الواضح أن تنظيم “داعش” بعد تحرير سوريا استغل الحالة، ويبدو أنه عزز قدراته التسليحية، وبدأ يغير توزعه الجغرافي من البادية السورية وينتشر في المدن، ولكن بصورة عامة لا يمكن أن نقول إنه يشكل خطراً كبيراً في سوريا لسببين، الأول أن أعداده قليلة، والثاني والأهم أن معظم قياداته الرئيسة لم تعد في سوريا وانتقلت إلى أفريقيا، ولا يوجد للتنظيم حاضنة شعبية، “لا سيما أن أهم سردية له كانت أنه جاء ليحمي السوريين من نظام الأسد، وهو ما لم يعد له وجود بعد سقوطه، فاليوم الذي يحكم سوريا قيادة جديدة”.

وبحسب السليمان، فإن كل ما ذكر يسبب تراجعاً لنفوذ التنظيم، لكن بصورة عامة بدأ يتحرك مثلما جرى في حلب قبل أيام وأيضاً في دمشق حيث كانت هناك محاولات للتحرك، لكن الحكومة استطاعت ضبطها على ما يبدو بالتعاون مع التحالف في إجهاض عملية تفجير مقام السيد زينب، الذي كان بتنسيق بين التحالف والحكومة السورية.

واضح أن الحكومة يهمها العمل مع التحالف الدولي ضد “داعش” لسببين: الأول لمواجهة هذا التنظيم الذي يمكنه أن يهدد الأمن والاستقرار، والثاني “لسحب هذه الورقة من قسد”، وفق تعبيره.

غضب التنظيم

وأثار لقاء الرئيس السوري نظيره الأميركي في الرياض توجس كثير من التنظيمات المسلحة في سوريا، ولا سيما “داعش”، وقد تطرقت افتتاحية صحيفة “النبأ” الإلكترونية التابعة للتنظيم في عددها الصادر الخميس الماضي إلى الشروط الأميركية التي طرحت على الشرع، وربطت ما يجري بـ “الحرب على الإسلام” واصفة الشرع، الجولاني بحسب ما ورد في الصحيفة، بـ “الطاغوت” وحكومته بـ “الكافرة”، وقال التنظيم إن تبرير “الثوريين لتنازلات الجولاني السابقة واللاحقة صفقات سياسية خاسرة بدأها باكراً قبل وصوله إلى الحكم بأعوام طويلة”، مضيفاً “صحيح أنها منحته الرئاسة لكنها سلبته دينه وشرفه حتى صار اسمه علماً على عداء الشرع والشرف”.

دعوة الأجانب إلى الانضمام

وأضاف “داعش” أن الرئيس السوري بدأ بالفعل تفكيك مشروع المقاتلين غير السوريين وأنه غدر بهم واستخدمهم لمصالحه فترة من الزمن، ليوجه التنظيم دعوة إليهم للتوبة والالتحاق بسرايا الدولة الإسلامية.

تاريخ الخلاف

ويعد هذا الموقف مؤشراً جديداً وواضحاً على عمق الخلاف بين التنظيم والرئيس أحمد الشرع الذي كان يتزعم فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا والذي سمي “جبهة النصرة لأهل الشام”، ومن ثم تحول إلى “هيئة تحرير الشام” حين نشأ الخلاف بينهما صيف عام 2013 من بدء تشكيل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الذي أراد إقامة نظام الخلافة، في حين أن “جبهة النصرة” كانت ترى حيز عملها داخل الحدود السورية، مما أدى بالطرفين إلى التقاضي الشرعي والسياسي لدى زعيم تنظيم “القاعدة” في أفغانستان أيمن الظواهري ليقضي لمصلحة الشرع، مما أدى مواجهات فكرية وأحياناً أمنية بين الطرفين داخل ساحات عدة داخل سوريا، لا بل تطورت أحياناً إلى مواجهات عسكرية أدت إلى سيطرة التنظيم على مناطق سيطرة “جبهة النصرة” والقتال المباشر بينهما.

وفيما أكد مراقبون ومسؤولون غربيون تخلص الشرع من قيادات تنظيم “داعش” عبر التعاون مع التحالف الدولي والقضاء عليهم بغارات جوية، قال الدبلوماسي والمسؤول الأميركي السابق جيمس جيفري خلال مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والرئيس الشرع تعود لفترة حكمه منطقة إدلب، وإنهم أقاموا معه علاقة غير مباشرة من أجل ضمان وصول المساعدات إلى إدلب التي كانت تضم نحو 3 ملايين شخص.

متطلبات الحكم

الرئيس المشترك السابق لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” والمطلع على قضايا الجماعات الإسلامية رياض درار، يرى أنه على رغم الاتفاق المرجعي بين الشرع وبين كثير من المتطرفين، وعلى رغم بعض التفاوت في الممارسة، فلا بد له بعد أن دخل الإطار الدولة ومفهومها أن يستجيب للمتطلبات العربية والإقليمية والدولية من حوله، مما يسرع الخطى لأخذ الشرعية، “لأنه يعتقد كبقية الحكومات والسلطات التقليدية أن المرجعية تكون بالموافقة الخارجية على الحاكم، وهذه خطيئة بشار الأسد، وهذا الأمر سيدخله في مواجهة مع العناصر المتطرفة التي ترفض الموالاة أو الاعتماد على الأجنبي، وهو خط أحمر بالنسبة لبعضهم مما يدفعهم إلى الدخول في مواجهات”.

ويتابع السياسي السوري في تصريح خاص أن المطالب الفرنسية والأميركية في مواجهة “داعش” وحل مشكلات الداخل ستفتح باباً للصراع، رأيناه في البيان الذي أصدرته “داعش” أخيراً حول المقابلة التي حصلت بين ترمب والشرع في السعودية، معتقداً أن المسألة لن تكون مواجهة صريحة بل على شكل محاولات من السلطة لاعتقال “الرموز الداعشية”، وهذا بالطبع “سيدفع هؤلاء إلى التحرك وافتعال أعمال تخريب قد تصل إلى أعمال انتقامية وتفجير مفخخات أو اغتيالات”، بحسب درار.

مراجعة الخطاب الديني

 وبحسب السياسي الذي يشغل منصب المستشار لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” حالياً، فإن عملية المراجعات مسألة قد تطول وتأخذ مداها بحسب التطور والتكيف مع مفهوم الدولة والمصالح التي تدار من خلالها الأمور، وكذلك العلاقات مع الداخل والخارج من قوى وأطياف وسياسيين متنوعين.

الملف الصعب

ويعتقد مراقبون أن مواجهة تنظيم “داعش” ليست بالأمر الهين مع المقاتلين الأجانب المنضمين لصفوف “هيئة تحرير الشام” أو المتحالفين معها مثل “الحزب الإسلامي التركستاني” والمقاتلين الأوزبك وغيرهم، وفي هذا الشأن تقول الباحثة لاما أركندي إن عدد المقاتلين الأجانب الذي يعتمد عليهم الشرع كقوات نخبة كبير ويعدون بالآلاف، وأنه ملف صعب بالنسبة إليه من ناحية التخلص منهم، ولا سيما أن كثيراً من المقاتلين المحترفين تلقوا التدريبات العسكرية خلال الأعوام السابقة من جهات خارجية.

لكن الكاتب السوري بسام السليمان يقول إن “الحكومة ليست عاجزة ولا تجد صعوبة في فتح معركة جديدة ضد ’داعش‘، ولكن مع انتشار عناصره في المدن فإنه من المفيد للحكومة أن تلقى تعاوناً استخبارياً من التحالف لمواجهته، لا سيما وأن الأجهزة الأمنية الحكومية في طور النشوء”.

فالحكومة الجديدة بحسب السليمان “منخرطة في قتال التنظيم وقاتلتهم سابقاً، و’هيئة التحرير الشام‘ من أكثر الفصائل التي دخلت في قتال ضد التنظيم، لكن بصورة عامة المهم أن يكون هناك تنسيق دولي ودعم وبخاصة أنهم يعتمدون على أسلوب ذئاب منفردة، يعني كل أربعة أو خمسة أشخاص يعملون كمجموعة مستقلة”.

مقاربة دمج الأجانب

ثمة وجه نظر مختلفة لملف المقاتلين الأجانب في سوريا، فهؤلاء المقاتلون بحسب السليمان ترفض بلدانهم استقبالهم، وعليه فإنه يرى أن الحل الأفضل أن تكون هناك مقاربة في عملية دمجهم، وبخاصة أن قسماً كبيراً منهم يريد الاندماج في المجتمع السوري، لكن هذا الدمج بحسب الباحث السوري يحتاج إلى آليات معينة اعتماداً على مقاربة جديدة بين الحكومة السورية والدول، تقضي بالوصول إلى نقطة وسط، “ولا بد أن تكون هناك مشاركة أممية في هذه العملية من حيث الرقابة والدعم التقني، فعملية الدمج والتأهيل النفسي تحتاج إلى خبرات عالية، وهو ما يتوفر لدى الأمم المتحدة من خلال تجارب سابقة”، وإذا ما سارت الأمور في هذا الاتجاه “فذلك يخفف من وطأة وحدة هذا الملف الذي يشكل أزمة للدولة السورية في الخارج”.

مواجهة في حلب

وفي تطور دراماتيكي لافت أعلنت وزارة الداخلية السورية يوم الجمعة الماضي حصول مواجهات بين قواتها وخلية تابعة لتنظيم “داعش” في أحد أحياء مدينة حلب الفقيرة، وقالت إن العملية الأمنية المشتركة بين إدارة الأمن العام وجهاز الاستخبارات العامة استهدفت “وكراً لخلية إرهابية تابعة لتنظيم ‘داعش’ مؤلفة من سبعة عناصر وأسفرت عن تحييد ثلاثة منهم وإلقاء القبض على أربعة آخرين”، إضافة إلى مقتل عنصر من قوى الأمن العام، كما ضبطت القوى الأمنية خلال تلك العملية عبوات ناسفة وسترة مفخخة وبدلات تعود لقوى الأمن العام، وختمت الداخلية بيانها بتأكيد استمرار جهاتها الأمنية في عملياتها الرامية “إلى رصد ومنع أي نشاط إرهابي، ومواصلة الجهود الحثيثة لضمان استتباب الأمن والاستقرار في جميع المناطق ضمن الأراضي السورية”، مما يفتح الباب أمام مواجهات محتملة في مقبل الأيام، سواء مع التنظيم أو مقاتلين أجانب أو سوريين يرفضون التوجه الجديد للقيادة السورية في مواجهة الإرهاب.

————————————

تفجير الميادين… تنظيم داعش يعاود التحرك شرقي سورية؟/ محمد أمين

20 مايو 2025

قتل وأصيب عدد من رجال الأمن شرقي سورية في انفجار سيارة مفخخة. وذكرت شبكات إخبارية محلية أن ثلاثة من رجال الأمن والشرطة قتلوا وأصيب آخرون مساء أول من أمس الأحد في انفجار استهدف مركز شرطة مدينة الميادين جنوب شرقي دير الزور في أقصى الشرق السوري. ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصدر أمني قوله إنه يُعتقد أن سيارة مفخخة وراء هذا الانفجار، مشيرة إلى أنه خلّف دماراً واسعاً وأضراراً مادية كبيرة. وجاء الانفجار بعد أيام قليلة من حملة قام بها جهاز الأمن العام في وزارة الداخلية السورية على خلايا تابعة إلى تنظيم داعش على أطراف مدينة حلب الشرقية، حيث قام أحد أعضاء هذه الخلايا بتفجير نفسه، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من عناصر الجهاز.

وذكرت مصادر محلية أن الأمن العام قام بحملة اعتقالات عقب التفجير طاولت العديد من العناصر الذين كانوا ضمن المليشيات الإيرانية التي كانت تسيطر على مجمل ريف دير الزور بين عامي 2017 و2024. ولم تعلن أي جهة حتى ظهر أمس الاثنين مسؤوليتها عن التفجير الذي ضرب مدينة الميادين، إلا أن الوقائع الميدانية تشير إلى أن خلايا تابعة إلى تنظيم داعش ربما من نقف وراء العملية.

وفي هذا الصدد، رجح الناشط الإعلامي إبراهيم الصالح، في حديث مع “العربي الجديد”، أن يكون تنظيم داعش وراء عملية التفجير، مؤكداً أنه لا يزال يمتلك القدرة على شن هجمات محدودة التأثير في ريف دير الزور الشرقي.

تراجع منسوب هجمات خلايا تنظيم داعش

وكان تنظيم داعش سيطر على أغلب مساحة محافظة دير الزور مترامية الأطراف لعدة سنوات، سواء جنوب نهر الفرات أو شماله. وقد انتهى وجوده جنوب النهر أواخر العام 2017، وفي شمال النهر مطلع 2019، إلا أنه احتفظ بخلايا له في الجانبين شنت عشرات الهجمات، بعضها كان واسع النطاق على قوات النظام المخلوع والمليشيات الإيرانية وعلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ويُعتقد أن للتنظيم وجودا في البادية السورية، ولكن نشاطه تلاشى بشكل شبه كامل بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث لم يشن هجمات على الجيش السوري، ما يؤكد أن النظام المخلوع كان يهوّل من قدرات تنظيم داعش لأسباب سياسية.

وكانت الإدارة السورية أعلنت مطلع العام الحالي إحباط محاولة تفجير من قبل تنظيم داعش داخل مقام السيدة زينب جنوب دمشق والذي كان معقلاً بارزاً لحزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية. ويبدو أن التنظيم أراد إشعال فتنة طائفية لخلط الأوراق في سورية بعد أقل من شهر على سقوط نظام الأسد الذي لطالما أبرم صفقات مع هذا التنظيم لنقل عناصره من منطقة إلى أخرى، وخاصة جنوب البلاد وفي العاصمة.

هجوم إعلامي لتنظيم داعش

وفي مقابل خفوت نشاطه العسكري، صعّد تنظيم داعش أخيراً من هجومه الإعلامي على الإدارة السورية، والذي وصل في إبريل/نيسان الماضي إلى حد تهديد الرئيس السوري أحمد الشرع في حال انضمام سورية إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة، وكان وراء القضاء على التنظيم في شمال شرقي سورية.

وأشار الخبير الأمني والعسكري ضياء قدور، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “عودة نشاط تنظيم داعش في الساحة السورية كانت منتظرة من مراقبي المشهد السوري، وخاصة أنه بعث بعدة رسائل سلبية باتجاه الحكومة السورية الجديدة في دمشق”. وأعرب عن اعتقاده أن التنظيم “يعتمد أسلوب التوقف التكتيكي في نشاطه في سورية بانتظار ما تؤول إليه الأوضاع في البلاد، وخاصة مع قرب انتهاء عمليات انسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سورية”. وتابع: ربما يشعر تنظيم داعش أن الانسحاب الأميركي من سورية يساعده على استعادة نشاطه الميداني والعسكري في شمال شرقي سورية.

ولم يستبعد قدور قيام التنظيم في المرحلة المقبلة بعدة عمليات شبيهة بالتفجير الذي حدث في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي لـ”جس نبض” الإدارة السورية. كما أعرب عن اعتقاده أن “داعش” يرى أن هناك فراغاً أمنياً تشكل في سورية بعد إسقاط نظام الأسد، ما يسهّل عليه القيام بعمليات واسعة النطاق وفرض نفسه لاعباً في الساحة السورية مرة أخرى، وأن التنظيم ينتظر حسم ملف السجون التي يُحتجز فيها آلاف القادة والعناصر المنتمين إليه والتي هي في عهدة “قسد” حالياً في شمال شرقي سورية.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلب من الشرع أثناء لقائهما منذ أيام في الرياض، استلام السجون التي تضم مقاتلي تنظيم داعش، ما يعني أن واشنطن تريد من دمشق تولي هذا الملف الأمني الحسّاس والذي يثير مخاوف الدول المجاورة لسورية. وكان الشرع وقد وقع في مارس/آذار الماضي اتفاقاً مع قائد “قسد” مظلوم عبدي نص على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”. ولطالما استخدمت هذه القوات ورقة التنظيم والسجون التي تضم قادته وعناصره ومخيم الهول الذي يضم عائلاتهم، ورقة للاستثمار السياسي للحصول على مكاسب، ولا سيما أن كل الدول التي ينتمي إليها هؤلاء ترفض استلامهم لأسباب أمنية.

العربي الجديد

————–

 العقوبات الأوروبية على سوريا: من فرضها على النظام المخلوع إلى رفعها الكامل

2025.05.20

في آذار 2011 اندلعت الثورة السورية التي قوبلت بقمع عنيف من قبل النظام ضد المحتجين، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض أول حزمة عقوبات في 9 أيار/مايو 2011 مستهدفًا المسؤولين عن العنف ضد المدنيين.

شملت الإجراءات الأولى حظرا على تصدير الأسلحة ومعدات القمع الداخلي إلى سوريا، بالإضافة إلى قيود على سفر الشخصيات الضالعة في القمع وتجميد أصولها المالية وجاء في القرار الأوروبي أن هذه العقوبات «لا تستهدف الشعب السوري، بل تهدف إلى حرمان النظام من الموارد المالية والدعم الذي يمكّنه من مواصلة القمع».

وقد أكدت الممثلة العليا للاتحاد حينها كاثرين آشتون أن الخطوة جاءت نتيجة «لحملة النظام السورية المروعة ضد شعبه».

بعد أيام من الحزمة الأولى، وسّع مجلس الاتحاد الأوروبي في 23 أيار/مايو 2011 قائمة العقوبات لتشمل مزيدًا من المسؤولين، من ضمنهم الرئيس المخلوع بشار الأسد ودائرة المقربين منه. وهكذا بات الأسد نفسه خاضعًا لحظر السفر وتجميد الأصول منذ مايو/أيار 2011.

وبذلك وجّه الاتحاد الأوروبي رسالة واضحة بأنه يحمّل رأس النظام والمسؤولين عن القمع مسؤولية مباشرة.

استمرت الاحتجاجات واتسع نطاق قمع النظام خلال عام 2011، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى سلسلة إجراءات تصعيدية إضافية خلال الأشهر اللاحقة.

توسيع وتشديد العقوبات (2011–2012)

مع تفاقم العنف، وسّع الاتحاد الأوروبي نطاق العقوبات بشكل ملحوظ. في أيلول/سبتمبر 2011، قرر المجلس الأوروبي توسيع معايير الإدراج على قائمة العقوبات لتشمل أيضًا الأشخاص والكيانات المستفيدة من النظام أو الداعمة له. كما فرض في الشهر نفسه حظرًا على استيراد النفط الخام والمشتقات النفطية السورية إلى دول الاتحاد، إلى جانب منع نقل النفط من سوريا بواسطة الشركات الأوروبية. وشملت القرارات أيضًا حظر تقديم أي خدمات مالية أو تأمينية تتعلق بتجارة النفط مع سوريا، وذلك في محاولة لحرمان النظام من عائدات النفط التي تشكّل مصدرًا حيويًا لتمويل حملته القمعية. وقد أدى هذا القرار فعليًا إلى وقف صادرات النفط السورية إلى أوروبا تمامًا، حيث كانت دول الاتحاد من أبرز مستوردي النفط السوري قبل الحرب.

بحلول أواخر 2011، استمر الاتحاد في إحكام الخناق الاقتصادي والدبلوماسي على النظام. في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، تم حظر استثمارات بنك الاستثمار الأوروبي (EIB) في مشاريع بسوريا، وتعليق الاتفاقيات التمويلية القائمة مع الحكومة السورية. تبع ذلك في 1 كانون الأول/ديسمبر 2011 اعتماد القرار 2011/782/CFSP الذي دمج وأعاد تنظيم كافة التدابير التقييدية المفروضة حتى ذلك التاريخ، بحيث أصبح الإطار القانوني للعقوبات أكثر شمولًا ووضوحًا. وفي مطلع العام 2012، أصدر المجلس اللائحة (EU) رقم 36/2012 التي حلّت مكان اللوائح السابقة ووضعت جميع العقوبات في نص موحّد.

خلال عام 2012، واصل الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات بالتوازي مع استمرار الصراع. في فبراير 2012 فُرض تجميد لأصول البنك المركزي السوري لدى أوروبا ومنع التعامل معه، بهدف عزل النظام ماليًا. كما تم حظر رحلات الشحن الجوي التابعة للخطوط السورية إلى مطارات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حظر تصدير الذهب والمعادن الثمينة من وإلى المؤسسات الحكومية السورية. في ربيع 2012، استهدف الاتحاد الأوروبي أيضًا أسرة الأسد والمقربين ضمن مساعيه للضغط على الدائرة الضيقة للنظام؛ فقد أُدرجت أسماء أسماء الأسد زوجة الرئيس المخلوع، ووالدته أنيسة مخلوف، وأخته بشرى الأسد، وعدد من أفراد عائلة مخلوف (أخوال الرئيس) على قائمة العقوبات في آذار/مارس 2012. وشمل ذلك حظر سفرهم وتجميد أموالهم داخل أوروبا. أوضح دبلوماسي أوروبي آنذاك أن العقوبات طالت «كامل العائلة» الحاكمة، في إشارة إلى السعي لمنع النخبة الحاكمة في النظام من التمتع بأسلوب حياة فخم في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من النزاع. كما استُهدفت شبكات رجال الأعمال المرتبطة بالنظام، حيث أضيفت شركات سورية وشخصيات أعمال تموّل النظام أو تستفيد منه، لضمان عدم قدرتهم على الالتفاف على العقوبات.

بنهاية 2012، كانت حزمة العقوبات الأوروبية قد أصبحت واحدة من أشمل أنظمة العقوبات التي يفرضها الاتحاد على بلد ما. ووفق مصادر دبلوماسية، وصلت القائمة السوداء بحلول منتصف 2012 إلى 126 شخصًا و41 كيانًا سوريًا محظورين أوروبيًا. وتضمنت القائمة معظم أركان النظام الأمني والعسكري السوري، وأفراد عائلة الأسد والمقربين، إلى جانب شركات حكومية وخاصة مساهمة في تمويل النظام. وقد مهّد هذا التشديد الشامل الطريق أمام إطار قانوني موحّد اعتمده المجلس لاحقًا في عام 2013.

استمرار العقوبات وتطوير الإطار (2013–2020)

بحلول أيار/مايو 2013، قام الاتحاد الأوروبي بإعادة هيكلة نظام العقوبات على سوريا لضمان استمراريته وفعاليته على المدى الطويل. أصدر المجلس في 31 مايو 2013 القرار 2013/255/CFSP الذي جمع كافة التدابير التقييدية في وثيقة واحدة ، وأصبح الأساس القانوني لسياسة العقوبات على سوريا في السنوات التالية. تزامن ذلك مع توسيع قائمة المستهدفين لتشمل مزيدًا من الشخصيات العسكرية والأمنية، والعلماء المشاركين في برامج التسلح الكيميائي، والممولين المحليين والأجانب للنظام. وقد ظل تحديث القائمة وإضافة أسماء جديدة يجري بانتظام مع كل تطور على الأرض؛ فمع كل تعديل وزاري أو تغيير في مناصب قيادية في النظام، يُسارع الاتحاد إلى إدراج الوزراء والمسؤولين الجدد إذا تبيّن استمرارهم على نهج القمع. على سبيل المثال، في مطلع عام 2019 أضاف المجلس 11 رجل أعمال و5 شركات على صلة بمشاريع عقارية فاخرة يدعمها النظام ، مشيرًا إلى أنهم «يدعمون النظام أو يستفيدون منه». وبإضافة هؤلاء بلغ إجمالي المستهدفين آنذاك 270 شخصًا و72 كيانًا قيد العقوبات.

شهدت الفترة 2013–2014 تطورات خطيرة في الصراع السوري، أبرزها استخدام الأسلحة الكيميائية. وبعد هجوم الغوطة الكيماوي في آب/أغسطس 2013، دعم الاتحاد الأوروبي جهود منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتفكيك الترسانة السورية، وأجرى «تعديلات تقنية» على نظام عقوباته في ديسمبر 2013 للسماح بتمويل عمليات إتلاف الأسلحة الكيميائية دون خرق العقوبات. في الوقت نفسه، استمر الاتحاد بإدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واستهداف المستشفيات والمدنيين، محمّلًا النظام «المسؤولية الأساسية عن الكارثة الإنسانية ومعاناة الشعب السوري». هذه المواقف السياسية الثابتة بررت استمرار وتجديد العقوبات سنويًا. فعلى مدى العقد، اعتاد مجلس الاتحاد الأوروبي أن يجدد سريان العقوبات كل سنة في مايو/أيار، بعد مراجعة الوضع الميداني والإنساني. وجاءت بيانات التجديد السنوية لتؤكد أن «غياب أي تحسّن في سلوك النظام واستمرار القمع» يجعل من الضروري إبقاء العقوبات. وقد صدر قرار المجلس مثلًا في 28 أيار/مايو 2020 بتمديد العقوبات عامًا آخر «نظرًا لاستمرار تعرض المدنيين لانتهاكات جسيمة». وبحلول 2022، ورغم تغير المشهد الميداني لصالح النظام، شدّد الاتحاد أنه لا يرى بديلًا عن الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، وأنه سيواصل سياسة الضغط والعزلة حتى تحقيق انتقال حقيقي

على الصعيد الاقتصادي، أظهرت العقوبات تأثيرًا واضحًا على قدرة النظام التمويلية. فقد تضمنت الإجراءات حظرًا نفطيًا كاملًا (أوقف تصدير قرابة 90% من النفط السوري إلى أوروبا، وحظر الاستثمار في قطاع النفط السوري أو تقديم أي دعم تقني فيه، إضافة إلى تجميد أصول المصرف المركزي السوري في دول الاتحاد. كما شملت حظر تصدير التقنيات الحساسة التي يمكن استخدامها للمراقبة أو القمع، مثل أجهزة الاتصالات والتنصت ومنعت العقوبات أيضًا تصدير السلع الكمالية إلى سوريا بهدف ضرب نمط حياة النخبة الحاكمة ولم يغفل الاتحاد عن ملاحقة الشبكات المالية المرتبطة بالنظام، ففرض قيودًا على تحويل الأموال والاستثمارات من قبل رجال أعمال مرتبطين بالأسد. في شباط/فبراير 2022 – على سبيل المثال – أضاف الاتحاد خمسة من أفراد عائلة مخلوف (أخوال الأسد) إلى القائمة السوداء ، مبررًا ذلك برغبته في منع انتقال ثروة رجل الأعمال محمد مخلوف إلى ورثته واستخدامها لتمويل النظام. وقتذاك بلغ عدد المدرجين في القائمة حوالي 292 شخصًا و70 كيانًا.

خلاصة هذه المرحلة أن الاتحاد الأوروبي تمكن من بناء نظام عقوبات صارم وشامل شمل معظم مفاصل النظام السوري وداعميه. وعلى مدار أكثر من عشر سنوات، ظلت بروكسل ملتزمة بموقفها المعلن: لا تطبيع ولا رفع للعقوبات ولا مساهمة في إعادة الإعمار دون انتقال سياسي حقيقي في سوريا وقد تكرس هذا الموقف في بيانات رسمية عديدة، منها خلاصات المجلس الأوروبي في أبريل 2024 التي شددت على «استحالة التطبيع أو رفع العقوبات قبل انخراط النظام بعملية سياسية وفق قرار 2254».

الإعفاءات الإنسانية وتدابير التخفيف

رغم شمولية العقوبات، حرص الاتحاد الأوروبي على تضمين استثناءات تهدف لتفادي الإضرار بالشعب السوري. فمنذ السنوات الأولى، أكدت القرارات أن العقوبات «مصممة لتجنب إعاقة وصول المساعدات الإنسانية». عمليًا، لم تشمل العقوبات حظرًا على صادرات الغذاء والدواء والمعدات الطبية إلى سوريا. كذلك أُدرجت بنود خاصة تتيح منح تراخيص استثنائية للتحويلات المالية أو توريد المواد لغرض إنساني، شريطة عدم استفادة أي شخص مدرج على اللائحة.

في عام 2013، وبعد الاعتراف بـ“الائتلاف الوطني” ممثلًا للمعارضة، سمح الاتحاد الأوروبي بإعفاءات تهدف لدعم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. ففي 22 نيسان/أبريل 2013، قرر المجلس تخفيف حظر النفط بشكل مشروط بهدف مساعدة المعارضة والمدنيين، حيث سُمِح للدول الأعضاء بالترخيص لـاستيراد النفط من مناطق تسيطر عليها المعارضة، وكذلك تصدير معدات نفطية لها واستثمار مشاريع هناك لكن ربط الاتحاد هذه الاستثناءات بالتنسيق مع قيادة المعارضة السورية والتأكد من عدم استفادة النظام منها. وقد جاء في البيان الرسمي آنذاك أن هذه الخطوة تأتي «بهدف مساعدة السكان المدنيين ودعم المعارضة». على المنوال نفسه، أتاحت التعديلات في 2014 إدخال مواد تموينية وطبية بشكل أسهل، عبر إعفاءات إنسانية إضافية من تجميد الأصول.

عقب كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 شباط/فبراير 2023، سارع الاتحاد الأوروبي إلى توسيع نطاق التسهيلات الإنسانية ضمن العقوبات السورية. فأقر المجلس في 23 فبراير 2023 إعفاءً إنسانيًا شاملاً لمدة ستة أشهر، يتيح تجاوز بعض قيود العقوبات مؤقتًا لتسهيل إيصال مواد الإغاثة والمساعدات الدولية بسرعة إلى المتضررين. وفي تموز/يوليو 2023، مُدّد هذا الإعفاء الإنساني حتى 24 فبراير 2024. ثم قرر المجلس في أيار/مايو 2024 جعل هذا الإعفاء مفتوح المدة ضمن نظام العقوبات. وأكد الاتحاد الأوروبي مرارًا أن عقوباته «لن تعرقل تسليم المساعدات الإنسانية إلى أي منطقة في سوريا» ، مشددًا على استثناء الغذاء والدواء بشكل تام من أي حظر.

أبرز الشخصيات والجهات المشمولة بالعقوبات

طال نظام العقوبات الأوروبي المئات من الأفراد والكيانات السورية على مدار السنوات. وفيما يلي أبرز الفئات والأسماء التي شملتها العقوبات:

رأس النظام وعائلته: الرئيس المخلوع بشار الأسد مُدرج منذ 2011 على قائمة العقوبات، إلى جانب زوجته أسماء الأسد (بريطانية الجنسية) التي أضيفت عام 2012، وكذلك والدته أنيسة مخلوف وشقيقته بشرى الأسد وشقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة وشملت العقوبات أيضًا أفرادًا آخرين من عائلة الأسد الموسعة مثل أبناء خاله من آل مخلوف.

أركان الحكومة والقيادات الأمنية: جميع رؤساء الأجهزة الأمنية السورية الكبار أُدرجوا على القائمة، منهم مدير المخابرات العامة علي مملوك، ورئيس شعبة الأمن السياسي سابقًا محمد ديب زيتون، ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق عبد الفتاح قدسية كما أضيف عشرات الضباط من رتب عليا في الجيش والاستخبارات الذين تورطوا في حملة القمع أو هجمات الأسلحة الكيميائية، مثل جميل حسن مدير مخابرات سلاح الجو، والعميد حسام لوقا وغيرهم. كذلك فُرضت عقوبات على مسؤولين حكوميين بارزين بينهم وزراء الدفاع والداخلية تباعًا، وكل من يشغل منصب وزير النفط أو المالية مثلًا أثناء الحرب. في نوفمبر 2024، أضاف الاتحاد ثلاثة وزراء حاليين (منهم وزير التجارة الداخلية لؤي منجد, ووزير النفط فراس قدور) بسبب استمرار القمع وانتهاكات حقوق الإنسان.

الشبكات المالية ورجال الأعمال: استهدفت العقوبات كبار رجال الأعمال السوريين الذين موّلوا النظام أو استفادوا من الحرب. من أبرزهم ابن خال الرئيس المخلوع رامي مخلوف (رجل الأعمال الأبرز قبل أن يُنحّى عام 2020)، إذ فُرضت عقوبات على شركاته في الاتصالات والعقارات. كما شملت محمد حمشو (رجل أعمال مقرب من النظام) ، وممولين آخرين مثل خضر علي طاهر وبسام القاطرجي (المرتبطة بشحن النفط) وغيرهم. إجمالًا، استُهدف العشرات من رجال الأعمال في قطاعات النفط والإنشاءات والمالية، خاصة أولئك المنخرطين في ما سُمّي «اقتصاد الحرب». وذكر بيان لمجلس الاتحاد الأوروبي في 2022 أن العقوبات تطال «شركات ورجال أعمال بارزين يستفيدون من علاقاتهم بالنظام واقتصاد الحرب».

الجهات والكيانات الرسمية: طالت العقوبات مؤسسات حكومية واقتصادية مختلفة، على رأسها مصرف سوريا المركزي الذي جُمّدت أصوله في أوروبا ، والخطوط الجوية السورية (السورية للطيران) التي مُنعت من الهبوط في مطارات الاتحاد. كما أدرجت عدة مصارف حكومية سورية كالمصرف التجاري والعقاري في فترات مختلفة. شملت العقوبات أيضًا شركات قطاع النفط مثل الشركة السورية للنفط والمؤسسات المشغّلة لحقول النفط ، وشركات الأسلحة والتكنولوجيا كالمركز السوري للبحوث العلمية المسؤول عن برنامج الأسلحة الكيميائية. وكذلك طالت الفرق والشركات العسكرية والأمنية الداعمة للنظام، بما فيها ميليشيات محلية. وامتد الإدراج ليشمل أحيانًا جهات غير سورية تورطت في الصراع، مثل قادة من الحرس الثوري الإيراني الذين ظهر دورهم في دعم النظام ميدانيًا.

أنواع العقوبات الأوروبية المفروضة

تنوّعت طبيعة العقوبات التي طبقها الاتحاد الأوروبي على النظام السوري ضمن مجالات متعددة:

عقوبات دبلوماسية وشخصية: حظر سفر إلى دول الاتحاد الأوروبي على المسؤولين السوريين المدرجين (يشمل ذلك الأسد وعائلته ومعظم وزرائه وكبار ضباطه)، وتجميد أصولهم وأموالهم في المصارف الأوروبية. يُمنع أيضًا على أي شخص أو شركة أوروبية تقديم أموال أو خدمات مالية لهؤلاء المدرجين.

عقوبات مالية ومصرفية: تجميد أصول البنك المركزي السوري لدى الاتحاد الأوروبي ، ومنع التعامل معه أو تمكينه من احتياطي النقد الأجنبي. حظر على المصارف الأوروبية فتح فروع أو إقامة علاقات مراسلة مع المصارف السورية، إلا في نطاق محدود سمحت به الإعفاءات الإنسانية. كما تم حظر بيع أو توريد العملات الورقية السورية (الأوراق النقدية) لمنع طباعة العملة للنظام.

حظر الأسلحة ومعدات الأمن: حظر شامل على تصدير الأسلحة والذخائر إلى سوريا، وكذلك معدات يمكن استخدامها في القمع الداخلي (مثل أدوات المراقبة والاتصالات الأمنية). ويشمل ذلك أيضًا المواد ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أن توظف عسكريًا.

حظر النفط والطاقة: حظر استيراد النفط الخام والمنتجات النفطية السورية إلى دول الاتحاد ، بما في ذلك منع شركات الشحن الأوروبية من نقل النفط السوري إلى أي مكان. منع الاستثمار في قطاع النفط والغاز بسوريا، وحظر تزويد سوريا بمعدات أو تقنيات تخص صناعة النفط والغاز. إضافة إلى حظر تصدير الوقود الجوي للقوات الجوية السورية.

قيود تجارية واقتصادية عامة: حظر تصدير السلع الكمالية إلى سوريا (مثل السيارات الفاخرة والمجوهرات وغيرها) منذ 2012. حظر التجارة بالذهب والمعادن الثمينة مع الجهات الحكومية السورية. منع تقديم التمويل أو التأمين لمشاريع أو صفقات يستفيد منها النظام، مع استثناءات تخضع لموافقة مسبقة في حالات إنسانية. كما علّق الاتحاد برامج التعاون الاقتصادي مع الحكومة السورية (كمشاريع التنمية والمساعدات الثنائية الحكومية) منذ 2011.

حظر النقل والطيران: منع طائرات الشحن السورية من الهبوط في مطارات دول الاتحاد، وتقييد رحلات الركاب التابعة لشركة الطيران السورية. وكذلك حظر تزويد الطائرات السورية بالوقود أو خدمات الصيانة في المطارات الأوروبية.

عقوبات تتعلق بالآثار والثقافة: حظر شراء أو استيراد الآثار والتحف الثقافية التي خرجت بصورة غير مشروعة من سوريا منذ مارس 2011 ، وذلك لمنع الاتجار بآثار سوريا المسروقة خلال الحرب.

تُطبَّق جميع هذه العقوبات عبر لوائح ملزمة قانونيًا لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد. وقد أكد المجلس أن هذه الإجراءات تتمتع بمرونة للسماح بالاستثناءات عند الضرورة الإنسانية ، لكن في المجمل شكّلت منظومة عقوبات غير مسبوقة من حيث اتساعها وصرامتها ضد النظام السوري.

سياسة التجديد السنوي والمراجعة الدورية

اعتمد الاتحاد الأوروبي آلية لمراجعة عقوباته على سوريا سنوياً واتخاذ قرار بتمديدها أو تعديلها كل ربيع. فمنذ 2012 دأب مجلس وزراء خارجية الاتحاد على إصدار قرار في أواخر شهر أيار/مايو من كل عام يقضي بتمديد سريان العقوبات لمدة 12 شهرًا إضافية. وجرت العادة أن يصاحب التمديد إجراء تعديلات فنية مثل إضافة أو إزالة بعض الأسماء بحسب المستجدات. فمثلاً، في 31 أيار/مايو 2022 مدّد المجلس العقوبات حتى يونيو 2023 وقرر شطب 3 أشخاص من اللائحة (لتوفّيهم أو تغيّر الظروف)، مما جعل القائمة تشمل 289 شخصًا و70 كيانًا وقتها. وبالمثل في 28 أيار/مايو 2024 مُدّدت العقوبات حتى 1 حزيران/يونيو 2025، مع حذف 6 أسماء (خمسة منهم توفوا). بعد هذا التعديل الأخير ارتفع عدد المُدرجين بسبب إضافات العام 2023 ليبلغ 316 شخصًا و86 كيانًا. وأكد المجلس في بيان التمديد عام 2024 أن «استمرار تدهور الوضع الإنساني وغياب حل سياسي يبرر الإبقاء على العقوبات». كما شدد أن النظام لا يزال «ينتهج سياسة القمع وانتهاك حقوق الإنسان» بحق الشعب السوري.

إلى جانب التمديد المنتظم، أبقى الاتحاد الأوروبي الباب مفتوحًا لمراجعة موقفه على ضوء التطورات الميدانية والسياسية. وقد ورد في كل بيان رسمي تقريبًا أن بروكسل «تتابع النزاع في سوريا عن كثب، وستعدّل سياستها بناء على تطورات الوضع على الأرض». في هذا السياق، رحّب الاتحاد أحيانًا بخطوات معينة – مثل انضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية 2013 – وقام بتعديل طفيف للعقوبات لتسهيل تنفيذ تلك الخطوات. لكنه بالمقابل لوّح بتشديد العقوبات في حال تفاقمت الانتهاكات، وأدرج شخصيات جديدة متورطة في جرائم حرب (مثل مسؤولين عن هجمات بالأسلحة الكيميائية في 2017–2018). هذه المقاربة المرنة سمحت للاتحاد بالحفاظ على ضغط مستمر على النظام، مع إظهار استعداد مشروط لتعديل العقوبات إذا «شهدت سوريا تغييرًا جوهريًا».

نحو رفع العقوبات: تغيّر السياق السياسي (2023–2025)

مع مطلع عام 2023، برزت متغيرات إقليمية ودولية دفعت نحو إعادة تقييم سياسة العزلة التامة تجاه نظام الأسد. فقد شهدت المنطقة انفراجات دبلوماسية تمثلت بعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية في أيار/مايو 2023، وميل بعض الدول الإقليمية لاستئناف العلاقات مع حكومة النظام.

ظلّ الاتحاد الأوروبي رسميًا عند موقفه الرافض للتطبيع بدون انتقال سياسي، لكنه واجه ضغوطًا لمراجعة عقوباته، لاسيما في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية للسوريين. الزلزال المدمر في فبراير 2023 كان أيضًا حافزًا قويًا دفع الأوروبيين لاتخاذ إجراءات تخفيف إنسانية عاجلة كما أسلفنا.

وبعد سقوط نظام الأسد، أكد الاتحاد الأوروبي هذا الحدث في بيان على لسان الممثل الأعلى (جوزيب بوريل حينها) اعتبر فيه «سقوط النظام الاستبدادي لحظة تاريخية للشعب السوري» داعيًا إلى انتقال سلمي.

إثر ذلك، شكّلت حكومة انتقالية جديدة في دمشق، قادها الرئيس أحمد الشارع. وحاز هذا التطور ترحيبًا حذرًا من المجتمع الدولي، بما فيه الاتحاد الأوروبي الذي رآه «فرصة تاريخية لتوحيد وإعادة بناء البلاد»، وتعهّد القادة الأوروبيون بدعم السلطات الجديدة طالما التزمت بنهج شامل يحترم حقوق جميع المكونات.

في هذا المناخ، بدأت ملامح تخفيف تدريجي للعقوبات الأوروبية بالظهور. بتاريخ 19 ديسمبر 2024، تبنّى المجلس الأوروبي (قادة الاتحاد) خلاصات بشأن سوريا أقرّ فيها بوجوب دعم “الانتقال السياسي الشامل” في مرحلة ما بعد الأسد.

وأوعز القادة إلى وزراء الخارجية بدراسة رفع العقوبات الاقتصادية التي تستهدف قطاعات بأكملها، بهدف إنعاش الاقتصاد وتسهيل إعادة الإعمار، مع الإبقاء على العقوبات الموجهة ضد شخصيات النظام السابق الضالعين بالانتهاكات. وبالفعل، بتاريخ 24 شباط/فبراير 2025 أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي تعليق عدد من العقوبات القطاعية الرئيسية المفروضة على سوريا. وشملت هذه الخطوة:

تعليق الحظر النفطي وقطاع الطاقة: رفْع القيود عن التعامل في مجالات النفط والغاز والكهرباء بهدف السماح باستئناف إنتاج الطاقة وشراء النفط السوري تحت إشراف الحكومة الجديدة.

تعليق قيود قطاع النقل: السماح لشركات الطيران السورية (مثل الخطوط السورية) باستئناف الرحلات إلى أوروبا، ورفع الحظر عن الشحن البحري والبري لنقل البضائع من وإلى سوريا.

إعادة ربط القطاع المصرفي: إزالة أسماء خمسة مصارف سورية من قائمة تجميد الأصول (هي المصرف الصناعي، التسليف الشعبي، التوفير، التعاوني الزراعي) ، والسماح بإقامة بعض العلاقات المصرفية بين البنوك السورية ونظيرتها الأوروبية لتسهيل التحويلات المتعلقة بقطاعي الطاقة والنقل والأغراض الإنسانية. كما سمح بالتعامل مع مصرف سوريا المركزي لتيسير الاستقرار النقدي.

إعفاءات إضافية: إدخال استثناءات تسمح للمسافرين من أوروبا إلى سوريا بحمل سلع كمالية للاستعمال الشخصي رغم بقاء حظر تصديرها تجاريًا. وكذلك تثبيت العمل بـالإعفاء الإنساني الشامل بشكل دائم في نظام العقوبات.

وصف الاتحاد هذه الإجراءات بأنها جزء من دعمه لـ“تعافي سوريا اقتصاديًا بشكل سريع” شريطة انتقال سياسي حقيقي. وأوضح بيان المجلس أن الخطوات تهدف إلى «تسهيل انخراط سوريا وشعبها وشركاتها في مجالات الطاقة والنقل» وتيسير تدفق الأموال اللازمة لأغراض إعادة الإعمار والإغاثة. في الوقت نفسه، أكد البيان أن الاتحاد سيواصل مراقبة الوضع عن كثب لضمان مناسبة هذه التعليقيات، مع إمكانية «تعليق مزيد من العقوبات الاقتصادية» في ضوء تطورات إيجابية مستقبلية.

بذلك، أسدل الستار على حقبة طويلة من العقوبات الأوروبية الشاملة على سوريا. وتدخل العلاقات الأوروبية-السورية مرحلة جديدة عنوانها التعاون، بدلاً من سياسة العزل الكامل.

العربي الجديد

—————————————

 ملف حصر الملكيات يعرقل إعادة الإعمار في سوريا.. من يملك الحق في البناء؟/ مختار الإبراهيم

2025.05.20

في مدينة داريا المدمَّرة ببراميل الأسد، يقف مروان بعد غياب لأكثر من عقد من الزمن أمام أنقاض المبنى الذي كان يسكن فيه قبل أن يُقصف بالكامل في سنوات الثورة الأولى. مروان، الذي يفكر بالعودة من ألمانيا إلى سوريا، يواجه اليوم عائقًا قانونيًا يحول بينه وبين إعادة إعمار منزله: لا يستطيع إزالة الأنقاض أو الشروع بأي عمل ترميمي، لأن ملكية البناء موزعة على عدد كبير من الأشخاص، بعضهم توفي دون تسجيل واقعة الوفاة، وبعضهم مفقود أو مجهول المصير وقسم منهم توزع في الشتات. هذه الحالة ليست استثناءً بل تمثل واحدة من أبرز العقبات التي تواجه أي جهود لإعادة الإعمار في البلاد.

ينص القانون السوري على ضرورة حصول إجماع أو تفويض قانوني من جميع مالكي العقار أو ورثتهم للقيام بأي عمل بناء.

في ظروف ما بعد الحرب، يصبح هذا الشرط شبه مستحيل: ملايين السوريين في الخارج، آلاف المفقودين، وآلاف آخرين تُوفوا دون تحديث في السجلات العقارية أو المدنية.

وفي ظل غياب إحصاء رسمي حديث للوفيات أو المفقودين، تتحول أي مبادرة لإعادة البناء إلى عملية قانونية معقدة ومحفوفة بالجمود.

وهنا نرفق جدولا بمنظومة التشريعات التي تحكم عملية البناء في سوريا:

المرجع القانوني          الجهة المسؤولة/الضابطة         الملاحظات

القانون المدني السوري (المرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1949)          وزارة العدل / المحاكم المدنية          يتضمن المبادئ العامة للملكية والتصرف بها، بما فيها البناء والإرث.

قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983       الجهات العامة / وزارة الإدارة المحلية      يمنح الدولة الحق في استملاك العقارات للمنفعة العامة.

القانون رقم 10 لعام 2018        المحافظون / الجهات التنظيمية يسمح بإنشاء مناطق تنظيمية جديدة، ويتطلب من السكان إثبات ملكيتهم خلال فترة زمنية قصيرة.

القانون رقم 15 لعام 2008 (التطوير العقاري)       هيئة التطوير العقاري     ينظم إنشاء شركات تطوير عقاري ويتيح بمشاركة القطاع الخاص في مشاريع الإعمار.

المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012 محافظة دمشق / الجهات التنظيمية      وضع لتنظيم مناطق المخالفات السكنية ويعد الأساس القانوني للقانون رقم 10 لاحقاً.

قانون التنظيم العمراني رقم 5 لعام 1982          وزارة الإدارة المحلية      ينظم عمليات التقييم، وفتح الطرق، وتحديد وجلب حق البناء.

الدستور السوري لعام 2012      السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية)           ينص على حماية الملكية الخاصة، لكن ضمن إطار يتيح للدولة الإعمار والاستملاك.

الأثر على الواقع العمراني والاجتماعي

يرى المهندس المدني راكان نور الدين أن هذه المعضلة لا تؤجل فقط إعادة إعمار المباني، بل تؤجل أيضًا عودة السكان واستقرارهم، فعشرات الأحياء في دمشق، وحلب، وحمص، ودرعا، ما تزال تحت الأنقاض بسبب وجود قيود قانونية تحول دون إعادة إعمارها. وهناك مخاوف حقيقية من أن يتحول هذا الجمود إلى وسيلة لتغيير ديموغرافي بطيء عبر تضييع حقوق المالكين الأصليين.

ويشير نور الدين في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أنه من الحلول المقترحة لتسريع عملية إعادة الإعمار مع حفظ الحقوق هو منح تفويض جزئي مشروط يتم عبره السماح ببدء أعمال الإعمار بناءً على موافقة الأغلبية الحاضرة من المالكين، مع حفظ حقوق الغائبين عبر آلية رسمية تضمن إعادة أملاكهم بعد دفع نصيبهم من تكاليف البناء، سواء فور عودتهم أو بالتقسيط.

ويضف نور الدين أنه بالإمكان أن يتم إنشاء سجل خاص للمتغيبين والمفقودين يتيح هذا السجل تتبع أملاك الأشخاص الغائبين مؤقتًا، على أن تُدار أملاكهم بشكل يحفظ حقوقهم، ولعل “آلية تحكيم عقاري مؤقت تتم من خلال تأسيس لجنة قضائية مستقلة بإشراف قضائي/حقوقي تُمنح صلاحيات استثنائية لتسهيل اتخاذ قرارات في قضايا الإعمار المتعثرة” تترافق مع تحديث نظام السجلات العقارية والمدنية عبر حملات وطنية وبالتعاون مع منظمات دولية لتوثيق الوفيات والمفقودين، مما يسهل عمليات حصر الإرث وتسجيل الملكيات.

ويختم نور الدين أن إعادة الإعمار في سوريا لا يمكن أن تبدأ دون إصلاح المنظومة القانونية العقارية، بما يتناسب مع الواقع الاستثنائي الذي خلفته الحرب، ولا يكفي الحديث عن التمويل والبنية التحتية، بل يجب أولاً معالجة مسألة من يملك الحق القانوني في الإعمار، وإن تقديم حلول عملية تحفظ الحقوق دون تعطيل عملية البناء هو السبيل الوحيد لإعادة الحياة إلى المدن السورية المدمّرة.

دروس من تجربة ألمانيا في تحديد الملكيات

واجهت ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية تحديات قانونية وإدارية كبيرة فيما يخص تحديد ملكية العقارات التي تهدّمت بفعل القصف والمعارك، خاصة في المدن الكبرى مثل برلين، وفرانكفورت ودريسدن.

وكان جزء كبير من المالكين قد توفي، أو أصبح في عداد المفقودين، أو هاجر إلى مناطق أخرى داخل ألمانيا أو خارجها. هذا الغموض في هوية المالكين عطّل لفترة إعادة الإعمار وفتح الباب أمام نزاعات قانونية متعددة حول الحقوق العقارية.

وفي حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا، أوضح المحامي الألماني ياكوب كلارسن، المختص في قضايا إعادة الإعمار، أن هذه المشكلة ليست فريدة من نوعها، بل شهدتها دول أخرى في مراحل ما بعد النزاعات.

وقدّم كلارسن عدداً من التجارب القانونية الدولية التي يمكن أن تشكل مرجعاً لصياغة إطار قانوني سوري جديد يُراعي الواقع الحالي.

ويسوق المحامي الألماني مثالاً قريباً من بلده ففي ألمانيا، وبعد الحرب العالمية الثانية، تم تأسيس هيئة لإعادة الإعمار منحت صلاحيات مؤقتة للدولة لإعادة بناء العقارات المهدّمة مع الحفاظ على حقوق المالكين الأصليين، فإذا كان المالك غائباً، يُرمم العقار وتُسجّل نفقات الترميم ليتم تسديدها لاحقاً عند عودة المالك أو ورثته.

ووفقا للمحامي كلارسن فقد مُنحت “هيئة إعادة الإعمار” صلاحيات مؤقتة لإدارة الأراضي والعقارات المدمّرة، والشروع بإعادة الإعمار حتى في حال عدم اكتمال السجلات العقارية أو غياب بعض المالكين.

وأضاف المحامي كلارسن في حديثه أنه تم اعتماد مبدأ “الترميم مع الاحتفاظ بالحق”، حيث كان يُسمح بترميم العقار من قبل الدولة أو الجهات المحلية، ويتم توثيق تكاليف الترميم وتسجيلها كديون على العقار، تُسدّد لاحقًا من قبل المالك الأصلي أو ورثته بمجرد ظهورهم أو إثباتهم للملكية، كما تم تحديث السجلات العقارية من خلال لجان مختصة، بالتنسيق مع البلديات والسجلات المدنية، لحصر الوفيات وإثبات الورثة قانونيًا، ما سمح بتسريع عمليات نقل الملكية بشكل قانوني وسلس.

يضاف لها – وفقا لكلارسن – سنّ قوانين انتقالية، منها قوانين الملكيات المؤقتة التي أجازت للدولة أو البلديات استخدام العقارات المدمّرة أو المهجورة لفترة مؤقتة إلى حين اتضاح ملكيتها الأصلية.

تجربة رواندا والبوسنة في تحديد الملكيات

ومن الأمثلة العالمية التي ساقها المحامي كلارسن تجربة رواندا، فبعد الإبادة الجماعية عام 1994، تم اعتماد محاكم محلية مجتمعية (Gacaca Courts) قامت بتسوية قضايا الملكية والنزاعات بسرعة ومرونة، عبر السماح للناجين بتمثيل أسرهم قانونياً، وهو ما ساعد على تحريك ملف الإعمار رغم الغياب الواسع للسكان.

ومن الأمثلة العالمية القريبة للحالة السورية ما حصل في البوسنة والهرسك، فقد تم سن قانون “الممتلكات المهجورة”، والذي سمح باستخدام العقارات المهجورة بشكل مؤقت من قبل الدولة أو البلديات، على أن تُعاد للمالكين الأصليين عند عودتهم، أو يتم تسديد كلفة الإعمار لهم لاحقاً.

المحامي كلارسن يؤكد أن الحل في سوريا يتطلب تعديل القانون العقاري بما يتيح للجهات المحلية أو المالكين الحاضرين البدء بإعادة الإعمار بتفويض مشروط، مع حفظ الحقوق الكاملة للغائبين عند عودتهم.

كما يمكن تبني آلية تقسيط لتغطية تكاليف الإعمار لمن يتأخر في العودة، ويختم: “نحتاج إلى مرونة قانونية تحمي الحقوق وتسمح بالبدء بإعادة الإعمار، وإلا ستبقى الأنقاض شاهداً على العجز القانوني لعقود”.

———————

ماذا حول إعادة الإعمار في سوريا؟/ موفق نيربية

لا بدّ أن خبر الموسم هو إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا، والتصديق على ذلك بالاجتماع مع الرئيس الشرع على هامش القمة الخليجية، وبوجود وليّ العهد السعودي. يعطي هذا الخبر دفعة قوية لمعنويات السوريين، الذين أنهكتهم وما زالت تلك العقوبات، التي كانت بدورها سبباً في إضعاف حكم الاستبداد السابق، إلى حدّ كبير ونوعي.

وقبل ذلك كان قد لفت الانتباه بقوة ما تردّد من أنباء غير مؤكّدة، عن أن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع يحمل مشروعاً لإعادة بناء بلاده، يستوحي مشروع مارشال، الذي قادته وموّلته الولايات المتحدة، لإعادة بناء أوروبا الغربية، وألمانيا خصوصاً، حتى تستطيع الوقوف في وجه الشيوعية والاتحاد السوفييتي آنذاك، وضمن إطار الحلف الأطلسي الجديد.

لا توجد مؤشّرات بعد على استعداد الولايات المتّحدة لكل ذلك الطموح، وهي تنسحب بالتدريج، وربّما جزئياً من أوروبا، ومن الشرق الأوسط أيضاً، لأنها لا تستطيع حمل عدة بطيخات بيدها، وهي تواجه الصين وحلفاءها والمتوجهين نحوها. لن تتخلّى عن الشرق الأوسط تماماً، لكنّها لن تقبل بدفع فاتورة باهظة بكلّ أقسامها، انطلاقاً من فكرة أن سوريا مركز استراتيجي قادر على ضمان وضع أفضل لموازين القوى في العالم المقبل، لكنّ الاستلهام من أوروبا القديمة والجديدة ربّما يكون أضمن، أو على الأقلّ أكثر وأسرع استجابة لأوضاع جيرانها، الذين أنهكوها بمهاجريهم وأزماتهم المتوالدة. في مارس الماضي حثّ البرلمان الأوروبي، الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء على دعم القوى التي تقود العملية الانتقالية السورية، كما دعا دمشق إلى إنهاء تحالفاتها التاريخية مع طهران وموسكو، كذلك دعا مفوضيّته والدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي إلى مساعدة السلطات السورية في توحيد البلاد وإعادة إعمارها، بعد الإشادة بشجاعة الشعب السوري وكرامته وصموده.

ذلك الاتّحاد نفسه، أو سلفه، كان قد انشغل لسنوات في محاولة تأسيس شراكة أوروبية سورية، بالتوازي مع انشغال البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالتوازي معه… وبعد دراسات ونقاشات طويلة وأطنان من ورق البحث والدراسة، فقد الطرفان اهتمامهما، بعد أن أكّدا أن الإصلاح والشراكة والتحديث كلّها مستحيلة، من دون سيادة القانون واستقلال القضاء، ومن دون وجود الحرّيات الأساسية، مع الانتهاء – يومها- من حالة الطوارئ المستدامة، ووضع أسس إنهاء انتعاش الفساد المستشري، حتى أصبح هو النظام ذاته. كان يُنظر إلى ذلك كجوهر يكمل اللازم ماديّاً لتشجيع الاستثمار وتأمينه بالبنية التحتية والقوانين الحديثة والأنظمة والبنية المصرفية، وبالأمن والأمان أولاً. ودفع مماطلة النظام إلى ذلك اليأس الأوروبي والأممي، الأمر الذي أسهم بدوره في أن يصل السوريون لاحقاً إلى حالة صالحة لاستنبات ثورة في ربيع 2011.

حالياً، تحتاج سوريا إلى ورشة إنعاش أو إسعاف لن تقدر على الانتظار طويلاً، وتحتاج إلى التعافي المبكر، الذي قد تساعد عليه نوعياً عملية رفع العقوبات، بتحريرها لإمكانيات السوريين أنفسهم، وإمكانيات غيرهم على مساعدتهم، لكنّها تحتاج كذلك إلى تعبيد الطريق لإعادة الإعمار بعد الدمار الرهيب الذي حدث، في كلّ شيء: من البنية الإدارية للدولة، إلى التعليم والقضاء، إلى هجرة العقول، إلى خراب المسكن وتراجع مستوى المأكل، ثمّ البطالة الكبيرة التي كانت، وأصبحت هائلة بعد سقوط النظام و»صَرف» الجيش والشرطة وجزء كبير من شاغليّ الوظائف في الدولة، و»تصفير» الاحتياطيّ، حتى العجز عن المدفوعات البسيطة جداً الضرورية لاستعادة الناس قدراتهم على العمل في اليوم التالي.

والعالم في حالة انشغال بقضايا أكثر أهمّية، كالحرب التجارية وتعديلات النظام الدولي وحرب أوكرانيا، إضافة إلى حرب غزّة، التي أخذتنا فيها إسرائيل – وحماس – إلى دوّامة سموتريتش وبن غفير ونتنياهو وترامب. وليس من أفق واضح لمستقبل إعادة إعمار سوريا، مع تركيبة التغيير السياسي الذي حصل فيها، وهو العامل الأهم في تقرير مستقبل البلاد عملياً.

لا بأس هنا أيضاً من طرح بعض الأفكار التي يتدارسها الاتّحاد الأوروبي بشأن مركز اهتمامه في أوكرانيا، ومستقبلها بعد الحرب، للاستنارة والقياس وحسب، من دون نقل ميكانيكي بين الحالتين. وهنالك عدة مبادئ ضرورية تنبغي مراعاتها عندما تتوقف الحرب ويبدأ استحقاق إعادة الإعمار:

أولها، أنه يجب أن تصبح أوكرانيا ديمقراطية ليبرالية متكاملة الأركان، مع جميع الضمانات المؤسسية للديمقراطية. وثانيها، أنه لحماية هذا التوجه، ونظرا لأن أوكرانيا أصبحت مركز ثقل الحرب الباردة الجديدة في العالم بين الديمقراطية والاستبداد، فيجب أن تصبح أوكرانيا عضوا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي. وثالثها، أنه يجب الاعتراف بدور الأوكرانيين في هذه العملية؛ بعد أن أثاروا إعجاب العالم بصمودهم، أمام القوة الروسية الساحقة، ودفاعهم عن بلادهم وحريّتهم وطريقتهم في الحياة، ولا بدّ أن ذلك المسار قد عمّق نضجهم السياسي وقدرتهم على الإصلاح والتطوير. من الضروري بالطبع تشجيع التدفّقات المالية والاستثمارات الاقتصادية والمساعدة الإدارية، ولكن دور الأوكرانيين أنفسهم، دور حاسم أيضاً، ولا يقلّل التكاليف على الأوروبيين وحسب، بل يشجّعهم على أن جهودهم تذهب إلى أرض خصبة ومنتجة.

ترى موجزات التجربة الدولية، أن نجاح إعادة بناء الدولة – بعد صراع أو كارثة أو فشل نظام ـ يعتمد على عدة عوامل مترابطة، منها تنفيذ سياسات لتحفيز النمو الاقتصادي، بما في ذلك الاستثمار في القطاعات الرئيسية، وخلق فرص عمل ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحسين سبل العيش، إضافة إلى توفير الموارد المالية والمساعدات الدولية، لإعادة بناء البنية التحتية والخدمات. يحتاج ذلك إلى إعادة بناء البنية التحتية الأكثر حيوية، فما بعدها، كالنقل والطرق والاتصالات والصحة ونظام التعليم؛ والاستثمار في بنية تحتية مستدامة وقادرة على الصمود لمواجهة الصدمات المستقبلية. يحتاج إلى تعاون جدي مع المنظمات الدولية لتأمين الدعم الفني والمالي. من الضروري أيضاً ضمان تدفّق المساعدات الإنسانية والخدمات الصحية، مع وجود سياسات استراتيجية بعيدة الأمد، لا تحجب أهميتها الحاجات الإسعافية المستعجلة. ذلك كله معروف تقريباً ولا يعترض عليه الحكام الانتقاليّون عادة، أو يعرقلونه، أو ربّما كان مجرّد «مكروه» لدى بعضهم، لكنّ ذلك سيكون صعب الوصول إلى غايته من دون الاستقرار السياسي والحوكمة، ومن دون الشفافية والمساءلة، والمبادرة إلى المشاركة في العملية السياسية بكلّ مراحلها. وتكون الشرعية منقوصة ومشوّهة من غير ذلك جزئياً أو كلياً.

ليس هنالك مسار مضمون من دون استعادة الأمن والنظام العام لضمان حماية المواطنين والممتلكات، وتشكيل أنظمة إنفاذ قانون وقضاء فعالة لدعم العدالة وحقوق الإنسان.. مع الموضوع الحسّاس- ولكن الجوهري- المتعلق بنزع سلاح المقاتلين السابقين، وإعادة إدماجهم لمنع تجدد العنف وقلب المسار على أعقابه من جديد. ولن يكون ذلك ممكناً من دون جيش متماسك ومحايد ومحترف لا يأتي بـ»الترقيع» والترضيات.. إضافة إلى جهاز أمني رفيع التدريب ومتقدّم، ومحايد أيضاً. ذلك كله صعب جداً في سوريا. هناك من هو على استعداد له في السلطة مع إرادة مخلصة أو مضطرة، وهناك من يظن أن الأمور مؤقتة وستستعيد مسارها» الطبيعي» قريباً. الأصعب من ذلك هو قدرة السلطة الانتقالية على تحقيق وتسهيل ما يقتضيه تعزيز التماسك الاجتماعي والمصالحة بين مختلف المجموعات الإثنية أو الثقافية والدينية والطائفية.

قذ يتوقّف الأمر على أو يبدأ بالدخول في مسار العدالة الانتقالية، من خلال مأسسته وتأكيد استقلالها القانوني، لأنّها الباب إلى السلم الأهلي، الذي يدمّره الانتقام الكامن والثأر البدائي. تحويل كل تاريخ الاستبداد والإجرام إلى المسار القانوني يمنع تلك المغامرة بالنسيج الاجتماعي، كما حدث في جنوب افريقيا ورواندا والبوسنة والهرسك. يمكن للحروب الأهلية والثورات أو الكوارث الكبرى أن تسرّع تاريخ الشعوب وحركتها باتّجاه مستقبل أفضل وأكثر تقدّماً وعدالة؛ لكنّها تستطيع في ظروف أخرى أن تعيد تلك الشعوب أجيالاً إلى الوراء أيضا!

كاتب سوري

القدس العربي

—————————

سوريا والشرق الأوسط بعد زيارة ترامب: تغيّر يصعب تصديقه/ بسام مقداد

الثلاثاء 2025/05/20

في تعليقه على إعلان ترامب خطة لرفع العقوبات عن سوريا، قال الناطق باسم الكرملين إن الخطة الأميركية لبناء علاقات مع السلطات السورية “مفهومة تماماً”. وأضاف، أن روسيا أيضاً تعمل على تطوير العلاقات مع الجانب السوري، حسب صحيفة الإزفستيا في 14 الجاري. ورأى أن إقامة العلاقات ضرورية  لكي يحصل الشعب السوري أخيراً على السلام الذي يستحقه، وعلى الاستقرار وإمكانية رؤية المستقبل، لكي تبقى سوريا دولة موحدة.

وكالة نوفوستي نقلت في 15 الجاري عن السفير الأميركي السابق في سوريا بيتر فورد قوله، إن قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا، يشير إلى إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، وقد يُضعف موقف إسرائيل. ورأى السفير أن إنطلاق التقارب مع سوريا يشكل تحدياً لإسرائيل. فقد كانت إسرائيل (وما زالت) تريد إبقاء سوريا معزولة “لأنها بقيت الدولة العربية الوحيدة القادرة على مقاومة طموحاتها”. وأضاف، أن خطوة ترامب تشكل تجلياً نادراً واختباراً لاستقلال واشنطن عن الشريك الرئيسي في المنطقة. ورأى أن المكان الذي أعلن منه ترامب قراره، يمنح الخطوة رمزية خاصة.

ويبدو أن السفير السابق ذهب بعيداً في تقديراته، إذ افترض أن سوريا في المستقبل قد تصبح “شريك” الولايات المتحدة، على غرار ما هي عليه الأردن. ويرى أن هذا قد يجبر إسرائيل على إعادة النظر في مقاربتها لسوريا، وقد تخفض من عدد غاراتها على الأراضي السورية. كما يرى أن تطبيع العلاقات مع واشنطن قد يتم بسرعة، وذلك لأن القيادة السورية التي وصلت إلى السلطة في ظل العقوبات، “مستعدة لتولي دور الشريك الإقليمي الأصغر لواشنطن”.

ورأى السفير السابق، على خلفية التقارب المحتمل مع الولايات المتحدة، تبدو إمكانية تبرير الوجود العسكري الأميركي في سوريا أكثر صعوبة. ويقول إن انسحاب هذه القوات سيكون خطوة منطقية، ومن شأنها أن تخفض المخاطر في حال تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

موقع Caliber الأذري نشر في 14 الجاري نصاً بعنوان “برج ترامب والنفط أيضاً: ما الذي تغري به سوريا الولايات المتحدة؟”. اعتبر الموقع أن إعلان ترامب يبدو بمثابة انتصار دبلوماسي كبير للحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع. ورأى أنه، وعلى الرغم من رفع العقوبات، لن يكون من السهل أن تحصل سوريا على استثمارات كبيرة. ويرد السبب إلى اندلاع الصدامات الإثنية الدينية بين المجموعات السورية من وقت لآخر، وإلى  الغارات المتكررة لسلاح الجو الإسرائيلي.

يشير الموقع إلى المفاوضات غير الرسمية مع إسرائيل التي تخوضها الحكومة السورية في الإمارات وبوساطتها. وينقل عن الصحافي الإسرائيلي المخضرم بن كاسبيت قوله إن الرئيس الشرع يريد وقف الغارات الجوية وانسحاب إسرائيل من جنوب سوريا، بما فيه جبل حرمون، وكذلك “توقف الأنشطة الإسرائيلية التي تقوض الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار وتوحيد البلاد”.

أما ما تريده إسرئيل من سوريا، فيقول الموقع، من دون أن يحدد ما إن كان ينقل ن الصحافي الإسرائيلي، بأنها تريد ضمانات أمن للأقلية الدرزية؛ الحد من نفوذ تركيا ونزع السلاح من منطقة جنوب دمشق المحاذية للحدود مع إسرائيل. ويؤكد الموقع أن حكومة الشرع سبق أن نفذت إحدى اهم الرغبات الإسرائيلية: طرد الإيرانيين والأذرع التابعة لإيران من المنطقة المجاورة لإسرائيل ومن كافة المناطق السورية.

يرى الموقع أن الرئيس السوري يبدو رجلاّ براغماتياً وسياسياً حاذقاً. فقد سبق أن صرح بأنه مستعد من حيث المبدأ للموافقة على اتفاق بشأن الاعتراف بإسرائيل مقابل وقف القصف وإنهاء الاحتلال في جنوب سوريا.

موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية نشر في 14 الجاري نصاً بعنوان “ترامب يرفع العقوبات عن سوريا. ماذا بعد؟”.

مما قاله الموقع، إن من شأن رفع العقوبات أن يشكل دفعة قوية للحكومة في دمشق، ولقاء ترامب مع الرئيس السوري في الرياض أصبح إشارة أخرى إلى العالم، بأن العزلة الدولية لسوريا يجب أن تنتهي.

أشار الموقع إلى أنه منذ وصول الشرع إلى السلطة في سوريا، أطلق هو وحكومته حملة ضغط مكثفة لتخفيف العقوبات، ومساعدة البلاد على التعامل مع الدمار الواسع النطاق الناجم عن الحرب الأهلية. وكان الشرع يعمل بتأنٍ للحصول على شرعية دولية. وبذلت الحكومة السورية الجديدة جهوداً متناسقة لتقديم نفسها كقوة معتدلة يمكن قبولها في المجتمع الدولي. وكانت تعمل على النأي بنفسها عن الجماعات الإرهابية، وتبذل الوعود بالتعاون مع البلدان الأخرى في مكافحة الإرهاب، وتدلي بتصريحات تدعم حقوق الأقليات.

ويشير الموقع إلى أن الولايات المتحدة سبق أن ألغت المكافأة التي رصدتها للقبض على الشرع، مما سمح له بالسفر خارج سوريا. وجاء إلغاء العقوبات إثر خطوة مماثلة اتخذتها بريطانيا في آذار/مارس المنصرم، ورفعت العقوبات عن 24 مؤسسة سورية، بما فيها المصرف المركزي. وسبق للاتحاد الأوروبي قبل ذلك بشهر أن رفع العقوبات عن القطاع المصرفي السوري.

بعد أن يستعرض الموقع العقوبات التي يستطيع ترامب شخصياً إلغاءها، وبين تلك التي تحتاج إلى موافقة الكونغرس، يشير إلى أن سوريا لا تزال تحمل صفة “الدولة الممولة للإرهاب”. وطالما بقيت هذه الصفة ملتصقة بالسلطة السورية، لا تستطيع الولايات المتحدة دعم حصول سوريا على قروض من البنك وصندوق النقد الدوليين,

وعد ترامب برفع العقوبات عن سوريا، كان حدثاً بارزاً في زيارة ترامب، التي ستبقى أصداؤها تتردد طويلاً في فضاء المنطقة، لكنه لم يكن الحدث الابرز، كما لم يكن غير متوقع. فقد نقلت صحيفة Gazeta الروسية في 12 الجاري عن The Times البريطانية قولها بأن السلطات السورية، ولرفع العقوبات الأميركية التي فرضت على سوريا في عهد النظام السوري السابق، سوف تقترح سلسلة من التنازلات، بما فيها حصول الشركات الأميركية على إمكانية استثمار الخامات الطبيعية السورية، على غرار الاتفاقية مع أوكرانيا.

وقد يكون الأثر الأبرز والأهم لزيارة ترامب إلى الخليج، ما كشفت عنه من إشارات إلى تغير ما في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، كشفت عنها عدة وقائع مرتبطة بالزيارة ومن خارجها. وقد كرست الصحافة الإسرائيلية والعالمية عدة نصوص تركز على التغيّر الذي يصعب تصديقه في العلاقات الإستراتيجية بين البلدين.

من النصوص الإسرائيلية التي تجدر الإشارة إليها، النص الذي نشره في 17 الجاري موقع zahav الإسرائيلي الناطق بالروسية، والذي تحدث فيه عن “الميزة الكبرى” (الثروات الهائلة) التي تتمتع بها الدول الخليجية، والتي تستطيع بفضلها استمالة ترامب إلى جانبها. وترامب، هو الذي يقود الآن التحولات في الشرق الأوسط، والذي ينظر إلى العالم من منظور المال.

صحيفة Kommersant الاتحادية الروسية نقلت في 15 الجاري عن عدد من مواقع الإعلام العالمية الكبرى تعليقاتها على زيارة ترامب إلى دول الخليج وإعلانه رفع العقوبات عن سوريا. عنونت الصحيفة نصها المقتضب بوصف ترامب بأنه “يريد الصفقات، الصفقات، والمزيد من الصفقات”.

نقلت الصحيفة عن الفايننشال تايمز تعليقها على آثار الزيارة على إسرائيل، وأوجزتها بالقول “نتنياهو يتحول إلى مجرد متفرج خلال جولة ترامب في الشرق الأوسط”

تايمز أوف إسرائيل: ترامب يرحب بسوريا، يسلح السعوديين، يتعامل مع إيران والحوثيين، ويهمش المشاكل الإسرائيلية.

Politico: رحلة ترامب كشفت عن الميزة الشديدة التي تتمتع بها بعض الدول العربية على إسرائيل.

—————————–

المقاتلون الأجانب… اختبار سوريا والمجتمع الدولي/ يوسف الديني

«يهبنا الله اللوز، لكن لا يُقشّره لنا»، هذه الحكمة تختزل لحظة سوريا الجديدة: فرصة تاريخية، لكنها مشروطة، معقّدة لكنها ليست مستحيلة وتحتاج إلى تجاوز لغة التعميم والتبرير ومحاولة ترحيل المعضلة إلى مقاربات لا تنتمي إلى منطق الدولة ومفهومها بل إلى مفاهيم وثقافة المناخات الثورية أو «الجهادية» مثل الأنصار والوفاء لرفاق الأمس، والهدنة إلى أن يحين التمكين… إلخ.

سوريا على موعد استحقاق كبير وفرصة كبيرة بعد أكثر من عقد على الحرب، وسقوط النظام السابق في ديسمبر (كانون الأول) 2024، إذ يجد السوريون أنفسهم أمام أكبر مفترق سياسي منذ بداية الثورة. فالمجتمع الدولي، وبدعم فاعل من دول الاعتدال العربي وفي مقدمتها السعودية، ينحاز اليوم بوضوح إلى فرصة بناء دولة سورية موحّدة، ومستقرة، تُعيد تشكيل نفسها ضمن محيطها العربي، بعد سنوات من العزلة والتدويل. الرهان كبير، والثقة ممنوحة لقيادة جديدة، انطلاقاً من أن الثمن، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، باهظ في حالة الفشل، لذلك منحُ الفرصة كان الخيار السياسي الواقعي.

ومع أن شروط رفع العقوبات وإعادة الإعمار والاستثمارات معروفة، إلا أن أكثرها تعقيداً وخطورةً هو ملف المقاتلين الأجانب. المقاتلون بشكل أساسي باتوا عبئاً متعدد المستويات: أمنياً، وقانونياً، واجتماعياً، وثقافياً. إذ لم تشهد ساحة صراع في العصر الحديث تجمّعاً دولياً للمقاتلين الأجانب كما حدث في سوريا منذ 2012، حين تحوّلت البلاد إلى نقطة جذب لعشرات الآلاف من المقاتلين من أكثر من مائة دولة -سنة وشيعة- انخرطوا في الصراع على جانبي الجبهة، وحملوا معهم أجندات تتجاوز حدود الوطن السوري.

اليوم، وبعد نهاية المعركة العسكرية، تُطرح أسئلة وجودية لمستقبل سوريا:

ما مصير هؤلاء المقاتلين؟ كيف يمكن معالجة تداعيات وجودهم؟ وهل يمكن أن تستعيد سوريا وحدتها وهويتها في ظل وجود جيوش عقائدية لا تدين بالولاء للدولة؟

ترك الملف بلا حل ليس خياراً. فبعد حرب أفغانستان، عاد «الأفغان العرب» ليؤسّسوا تنظيم «القاعدة». وفي البوسنة، خلّف العشرات من المقاتلين الأجانب جيوباً ثقافية متطرفة، أثّرت في هوية الإسلام البوسني المعتدل. وفي العراق أسهم عائدو «الجهاد» في ولادة «دولة (داعش)» لاحقاً، في حين العراق واليمن ولبنان عالقة في ميليشيات شيعية تتلبس شكل الدولة وتؤثر في استقرارها.

في سوريا المشكلة مضاعفة؛ هناك مقاتلون ما زالوا ينتشرون في الشمال أقرب إلى فكر «داعش»، ومقاتلون ضمن فصائل يدينون بطريقة شكلانية إلى جسد الفصيل الأكبر «هيئة تحرير الشام»، لكن ولاءهم مشروط بالآيديولوجيا، إضافة إلى بداية الانشقاقات الفكرية من الهجوم الشرس لإعلام «داعش» في آخر عدد وبشكل مباشر تجاه الرئيس ثم لشخصيات من رموز «السلفية الجهادية»، منهم أبو محمد المقدسي، عدا الكثير من المتن «الجهادوي» على وسائل التواصل الذي يشعر بالقلق تجاه ما يجري، والمؤثرون منهم طوائف شتى، كل منهم يحمل تصوراً خاصاً عن «الشرعية»، ويتصرف بوصفه صاحب فضل في النصر أو التضحية.

هذا الواقع يفرض على الإدارة السورية ثلاثة خيارات. أولاً: الترحيل الكامل، ويعني إخراج كل المقاتلين الأجانب من الأراضي السورية، بدعم أممي، بوصفه شرطاً أساسياً لإعادة الشرعية الدولية؛ لكنه خيار محفوف بالعقبات، فالكثير من الدول ترفض استعادة مواطنيها، والبعض فقد جنسيته أصلاً. كما أن عمليات الترحيل قد تكون شرارة جديدة للفوضى، ما لم تقترن بخطة أمنية دقيقة.

ثانياً: الدمج المشروط، ويقوم على التمييز بين من ارتكب جرائم جسيمة ومن يمكن استيعابه، خصوصاً من تزوج داخل سوريا أو عاش فيها سنوات. لكن هذا السيناريو يواجه تحفظات داخلية، ويتطلّب قدرة أمنية وقانونية عالية، وبرامج تأهيل شاملة؛ لكن بالطبع هذا الحل صعب جداً في ظل وجود مناصب قيادية للمقاتلين الأجانب وهيكلية مبنية على التراتبية التنظيمية والولاء الجزئي للفصيل.

ثالثاً: المماطلة ومعالجة الفوضى وهو السيناريو الأخطر، فإذا فشلت الدولة في معالجة الملف، يتحول المقاتلون إلى قوة موازية تهدّد السلم الأهلي، وتستدرج تدخلات إقليمية، خصوصاً على حدود العراق ولبنان وتركيا. وقد تتحول سوريا إلى مسرح دائم لإعادة تدوير التنظيمات المسلحة العابرة للحدود.

الآن الأمر واضح، ليس فقط لأن المجتمع الدولي يترقّب، بل لأن الداخل السوري بحاجة إلى دولة تعيد الاعتبار إلى المواطنة، وتنهي منطق «الولاء العابر للحدود» والشعارات الشمولية المبنية على ثنائيات طائفية أو جهوية أو حتى تاريخية تستدعي أمجاداً متخيلة، فضلاً عن ثقافة التطرف التي يمكن بعيداً عن حالة العسكرة أن تؤدي إلى تجريف الإسلام المعتدل لصالح مجتمع راديكالي محتقن وقابل للانفجار في أي لحظة.

إن علاج ملف المقاتلين الأجانب يجب ألا يكون رد فعل أمنياً فقط، بل جزءاً من رؤية متكاملة لإعادة بناء الدولة والمجتمع، قائمة على العدالة، والمحاسبة، والمواطنة، والاستفادة من تجارب الدول التي خاضت معركة طويلة وشرسة ضد الإرهاب، وفي مقدمتها السعودية، التي أدركت مبكراً أن المعركة مع الفكر لا تقل أهمية عن المعركة مع السلاح.

سوريا اليوم، بغض النظر عن الإدارة السياسية، أمام لحظة تأسيس ثانية، والنصر الحقيقي الذي بدأ بإسقاط النظام يتطلّب استدامة وجهداً سورياً مضنياً تشارك فيه كل المكونات والخبرات السورية لإقامة دولة مواطنة لا تحمل في باطنها بذور تفككها… البدء من ملف المقاتلين الأجانب هو الامتحان الأهم لإثبات أن سوريا قادرة على الانحياز إلى نفسها، قبل أن ينحاز إليها المجتمع الدولي الذي هو على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة وفرص أكبر.

الشرق الأوسط

——————————-

رفع العقوبات الأميركية عن سوريا: بداية تحول اقتصادي مشروط بالإصلاحات/ أحمد العكلة

20 مايو 2025

شهد الملف السوري تطورًا بارزًا تمثّل في إعلان الولايات المتحدة الأميركية رفع جزء كبير من عقوباتها المفروضة على سوريا. جاء هذا القرار بعد مشاورات مع قوى إقليمية ودولية، في خطوة تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار وتهيئة بيئة استثمارية مناسبة.

يتيح رفع العقوبات لسوريا إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، مما يسهل تدفق الاستثمارات الأجنبية، خاصة في مجالات حيوية مثل البنية التحتية، والطاقة، والزراعة.

وبدأت دول خليجية مثل السعودية وقطر في دراسة مشاريع استثمارية في سوريا، مستفيدة من البيئة الجديدة، وخصوصًا في مجالات البناء والصحة والتعليم.

يقول مصدر مقرب من الحكومة السورية لـ”الترا سوريا” إن عدة مستثمرين خليجيين وسوريين عرضوا مشاريع ضخمة جاهزة للتنفيذ بعد رفع العقوبات.

وبحسب المصدر، فإن الاستثمارات تشمل بناء مصانع ضخمة بمليارات الدولارات كمرحلة أولى، ستوفر عشرات الآلاف من فرص العمل، خاصة في مجالات الأسمنت والحديد، على أن يتم تصدير الفائض منها بعد تلبية حاجات السوق المحلية.

كما أشار إلى وجود عروض لبناء “مدينة دمشق الحديثة” في المنطقة الواقعة بالقرب من مطار المزة، على مساحة تُقدَّر بمئات الدونمات، إضافة إلى إقامة قرى نموذجية وإعادة بناء الأحياء المدمّرة.

وأكد المصدر أن الاعتماد على رجال الأعمال السوريين، ورفع القيود عن التحويلات المالية والمعاملات التجارية، قد يؤدي إلى تحسن مناخ الأعمال ويشجع المستثمرين على دخول السوق السورية.

ورغم الخطوة الأميركية، ما تزال هناك عقوبات أوروبية وأممية مفروضة، مما قد يعيق حركة رؤوس الأموال والتعاملات مع بعض الشركات.

وفقًا لخبراء اقتصاديين، فإن البنية التحتية المالية لا تزال غير مهيأة بشكل كافٍ للتعامل مع متطلبات الاستثمار الحديث، وتحتاج إلى إصلاحات عميقة.

ويقول الخبير الاقتصادي محمد قلعة جي، في حديث لـ”الترا سوريا”، إنه يجب العمل على تطوير البنية التحتية المالية وتسهيل التحويلات لجذب رؤوس الأموال. ويطالب قلعة جي بضرورة توفير بيئة قانونية واضحة وتطبيق عادل للقوانين يعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، مع إقامة تحالفات مع دول وشركات قادرة على دعم عملية إعادة الإعمار وتوفير التمويل اللازم.

في سياق متصل، ناقش الرئيس السوري أحمد الشرع مع وزراء ومديري هيئات مشروع تعديل قانون الاستثمار، وقالت الوكالة السورية للأنباء “سانا” إن “الشرع التقى عددًا من الوزراء ومديري الهيئات المعنية”. وأوضحت أن اللقاء هدفه “مناقشة مشروع صياغة قانون الاستثمار وتعديلاته، بما يسهم في تعزيز بيئة الأعمال، ويواكب متطلبات المرحلة المقبلة والانفتاح الاقتصادي الواسع الذي تشهده سوريا”.

من جهته، تحدّث محمد المستو، وهو مستثمر سوري في مجال المقاولات، عن رغبة قوية لدى رجال الأعمال السوريين في الخارج بالعودة للاستثمار في سوريا، مشيرًا، في حديث لـ”الترا سوريا”، إلى أن الكثير من رجال الأعمال في دول عربية وأوروبية يتواصلون معه باستمرار ويعبّرون عن حماسهم للاستثمار بمشاريع ضخمة داخل البلاد.

وأكد أن رفع العقوبات كان ضرورة ملحّة لدعم إعادة بناء الاقتصاد السوري، مضيفًا أنها كانت العائق الأكبر أمام الاستثمار والتنمية، رغم وجود رجال أعمال مستعدين لضخ مليارات الدولارات في السوق السورية بمجرد تهيئة البيئة القانونية الملائمة.

يمثل رفع العقوبات الأميركية عن سوريا نقطة تحوّل اقتصادية مهمة، لكنه ليس كافيًا وحده لتحقيق التعافي والاستقرار، ومن الضروري أن ترافقه إصلاحات اقتصادية وهيكلية جادة، إلى جانب تعزيز الثقة السياسية والأمنية، لتمكين سوريا من استعادة دورها الاستثماري في المنطقة.

الترا سوريا

———————————-

رفع العقوبات الأمريكية خطوة أولى تبقى قاصرةً… ما الذي ينتظر سوريا؟/ عمار جلّو

الأربعاء 21 مايو 2025

“لا يمكن لشركة ‘آبل’ بيع الجهاز لي إذا كنت أخطط لنقله إلى سوريا، بسبب العقوبات”؛ أجابني مدير متجر “آبل” في لندن، عندما استفسرت عن كيفية تفعيل جهاز كنت أنوي شراءه كهدية لأحد أفراد أسرتي في سوريا، حيث باتت العقوبات الأمريكية سخيفةً للغاية. ففي أثناء وجودك في سوريا، لا يمكنك استخدام العديد من التطبيقات أو مواقع الويب التي يتعامل بها الناس في أماكن أخرى، بل لا يمكنك حتى تنزيل تطبيق طقس أو قراءة مقال على موقع “سي إن إن”، حسب مجلة “نيولاينز”.

مؤخراً، وفي خطوة غير متوقعة، خلال منتدى استثماري في العاصمة السعودية الرياض، في الثالث عشر من الشهر الجاري، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: “سآمر بإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا من أجل منحهم (أي السوريين) فرصةً للعظَمَة. حان وقت تألّقهم. سنلغي جميع العقوبات”. أضاف: “حظاً سعيداً يا سوريا، أرينا شيئاً مميزاً للغاية”، وذلك في خطوة تشكل إعادة ضبط جريئةً لمجريات الأمور، بعد إسقاط نظام الأسد، الذي صُممت العقوبات في الأصل لعزل حكومته والضغط عليها، حسب معهد كوينسي.

ويشير الموقع، إلى أنه مع سقوط النظام السابق، لم يعد بقاء هذه العقوبات مستنداً إلى حجج مقنعة، وينبّه إلى أنّ قرار ترامب لا يوسّع الإغاثة الاقتصادية فحسب، بل يتضمن مبادرةً سياسيةً أيضاً، قد تمنح القيادة السورية الجديدة فرصةً لاكتساب قدر أكبر من الاعتراف والشرعية، “فنجاح الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في تأمين الموارد والانفتاح الاقتصادي والاستقرار الإقليمي مستقبلاً، قد يجعل ترامب ينظر إليه كزعيم يمكن إبرام العديد من الصفقات معه. وهو عامل مهم بشكل خاص في سياق الانسحاب الكامل المحتمل للقوات العسكرية الأمريكية من سوريا. وعليه، سيكون لدى الإدارة الأمريكية حافز أكبر لتعزيز علاقات إيجابية مع أي حكومة تتولى السلطة في دمشق، لتلافي الحاجة إلى أي وجود على الأرض السورية. وفي السياق الأوسع، سيؤدي الاستمرار في العقوبات إلى اكتساب الصين وروسيا نفوذاً أكبر في سوريا، ولا سيّما في مجال الدفاع وإعادة الإعمار”، والكلام للمعهد.

وفي خطوة وصفت بأنها “إنجاز تاريخي” من شأنه أن يعزّز أمن واستقرار وازدهار سوريا، وافق الاتحاد الأوروبي، مساء الثلاثاء 20 أيار/ مايو الجاري، على رفع العقوبات المفروضة على البلاد.

تاريخ من العقوبات

بعد أن صنّفت نظام الأسد، نظاماً راعياً للإرهاب عام 1979، فرضت واشنطن قيوداً واسعة النطاق على تصدير أو إعادة تصدير بعض المواد الخاضعة للرقابة و”ذات الاستخدام المزدوج”، إلى سوريا. مع ذلك، بقيت التجارة العامة مسموحاً بها بين الجانبين، حسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

ومع توقيع قانون مساءلة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية (SALSRA)، عام 2003، تم فرض عقوبات إضافية على سوريا، تضمنت حظر تصدير المواد العسكرية الأمريكية أو المواد ذات الاستخدام المزدوج، مع عقوبتين على السلطة التنفيذية، ومنع الشركات الأمريكية من الاستثمار أو العمل في سوريا، وفرض قيود على سفر الدبلوماسيين السوريين في نيويورك وواشنطن العاصمة، بجانب منع شركات الطيران السورية من الوصول إلى المجال الجوي الأمريكي أو المطارات الأمريكية، وتقليص الاتصالات الدبلوماسية الأمريكية مع سوريا، بالإضافة إلى تجميد معاملات الممتلكات التي كانت لدمشق مصلحة فيها.

كما أضافت الأوامر التنفيذية الأمريكية، عقوبات أخرى، منها الأمر التنفيذي رقم 13572 الخاص بانتهاكات حقوق الإنسان، والأمر التنفيذي رقم 13573 الذي حظر ملكيات كبار مسؤولي دمشق، والأمر التنفيذي رقم 13582 الذي يحظر ممتلكات نظام الأسد والمعاملات معه، فارضاً حظراً وعقوبات واسعة النطاق على التجارة والاستثمار مع سوريا.

لاحقاً، أوقع قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، الذي تم إقراره عام 2020، أشدّ العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، ما أدى إلى خنق الاقتصاد السوري قبل سقوط نظام الأسد وبعده، نظراً إلى فرضه عقوبات ثانويةً أو مشتقةً ضد ميسّري نظام الأسد، وبما يؤدي إلى تقييد الأشخاص والكيانات الأمريكية، وغير الأمريكية أيضاً، ويمنعها من الانخراط في إعادة إعمار سوريا في عهد الأسد. وعليه، سيخاطر المستثمرون الراغبون في الاستثمار في إعادة إعمار سوريا في معضلة الانقطاع عن التجارة والمعاملات مع الولايات المتحدة، ومع المؤسسات المالية العالمية أيضاً.

على ذلك، لا يُعدّ رفع العقوبات أمراً سهلاً، حيث يتطلب غالباً تنسيقاً وثيقاً بين العديد من الوكالات الأمريكية المختلفة والكونغرس. ووفقاً لوكالة الأنباء الأمريكية “رويترز”، في حالة سوريا يمثّل الأمر تحدّياً خاصاً، نظراً إلى طبقات الإجراءات التي تعزلها عن النظام المصرفي الدولي وتمنع العديد من الواردات الدولية إليها. وعن ذلك يقول المسؤول الأمريكي السابق ومؤلف كتاب “نقاط الاختناق”، إدوارد فيشمان، إنّ تخفيف العقوبات على سوريا قد يستغرق شهوراً، منبّهاً إلى إمكانية استفادة وزارة الخزانة من ممارسة تخفيف العقوبات المفروضة على إيران كجزء من الاتفاق النووي في عام 2015. وما يزيد المهمة تعقيداً، هي العقوبات المفروضة بموجب “قانون قيصر”، الذي تم تمديده نهاية العام الماضي، والذي يتطلب إلغاؤه إجراءً من الكونغرس. لكن القانون يتضمن بنداً يسمح للرئيس بتعليق العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي. كذلك يمكن لترامب إصدار ترخيص عام يعلّق بعض أو كل العقوبات. مع ذلك، سيكون رفع كل العقوبات على سوريا كجزء من أمر ترامب، مفاجئاً لفيشمان، وذلك نظراً إلى إيقاع بعضها على أشخاص أو كيانات محددة نتيجة أسباب قائمة على السلوك، مثل دعم جماعة إرهابية.

وتنقسم العقوبات الأمريكية إلى نوعين، حسب الباحث الاقتصادي المختص بالشأن السوري، يونس الكريم؛ “عقوبات تصدر بأوامر تنفيذية، وتُعدّ عقوبات ذكيةً كونها تقع على أشخاص وكيانات دون أن تطال قطاعات معيّنةً، وتسمّى أحياناً العقوبات الثانوية، والأخرى عقوبات قطاعية وهي التي تُقرّ من قبل الكونغرس. كذلك يجب التمييز بين رفع العقوبات كأن لم تكن، وبين تعليقها أو تجميدها، بمعنى إيقافها لفترة زمنية معينة، وهو أمر غير واضح لغاية الآن، بسبب تضارب تصريحات المسؤولين الأمريكيين”.

الاقتصاد والتنمية عنوانا المرحلة المقبلة

على ما سبق، فإنّ رفع العقوبات سيجعل عنوان المرحلة القادمة في سوريا اقتصادياً-تنموياً بامتياز. خلالها، سيتركز العمل على تحسين المناخات الاقتصادية الدافعة باتجاه تذليل العقبات الحائلة دون امتلاك الدولة والمجتمع السوري الأدوات كافة التي تتطلبها برامج الإصلاح والتعافي والتنمية.

هذا الواقع الجديد، سيشكل دافعاً باتجاه تحسن قيمة العملة الوطنية، مع تنشيط القطاع المصرفي، والسماح بعودة التعاملات البنكية والتحويلات المالية الدولية، نتيجة دخول سوريا نظام “سويفت” المصرفي العالمي، حسب مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، بالإضافة إلى تنشيط حركة التجارة الخارجية، بما في ذلك استيراد وتصدير المواد الأساسية والمحروقات، ورفع الحجز عن الأموال السورية المجمّدة في الخارج، ما يخفف معدلات التضخم، ويوفر فرص العمل وتحسين مؤشرات سبل العيش، وأيضاً تعزيز البيئة الجاذبة للاستثمارات الوطنية والدولية، مع زيادة معدلات الإنتاج الوطني، بجانب إطلاق عجلة إعادة الاعمار، مع تذليل العوائق الفنية والمالية التي تحول دون إعادة تأهيل قطاعات التعافي، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية والأدوية، وتحسين قدرة المنظمات على العمل داخل سوريا من دون قيود مصرفية أو لوجستية.

رفع العقوبات الأمريكية سيتبعه بالتأكيد رفع مماثل لعقوبات اقتصادية مفروضة من قبل أطراف دولية أخرى، بدأت بالفعل بقرار مماثل من الاتحاد الأوروبي قبل بضع ساعات من نشر هذا التقرير، حسب الباحث الاقتصادي السوري، ملهم الجزماتي، ما سيساعد سوريا على إعادة الاندماج في المجتمع الدولي، بعد عزلة اقتصادية استمرت لأكثر من أربع عشرة سنةً. وسيسمح تالياً لهذه الدول والكيانات الدولية بالمساهمة مباشرةً في بناء الاقتصاد السوري، من خلال المنح والمشاريع التنموية والقروض الميسّرة، وسيسمح أيضاً لكبار المستثمرين الدوليين بالاستثمار المباشر في سوريا، ناهيك عن ملف إعادة الاعمار الذي يُعدّ وجبةً دسمةً لكبار المستثمرين والمقاولين الدوليين.

“هذا سيؤثر إيجاباً على الاقتصاد السوري”، يضيف الباحث الاقتصادي، لرصيف22، “لكن بشرط عمل السلطات السورية على خلق البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات إلى البلاد، من خلال مراجعة القوانين الاقتصادية المعمول بها في سوريا، كقانون الاستثمار وقانون الشركات وقانون الضرائب، والتي تتطلب وضوحاً وعدالةً وحسن تنفيذ، سواء للمستثمرين أو للشعب السوري. كما يجب على البنك المركزي السوري وضع سياسة نقدية واضحة والالتزام بها، وهو ما ينسحب على وزارة المالية بوضع سياسة مالية واضحة وعادلة. وهذا إلى جانب ضرورة معالجة مشكلة نقص الكفاءات وحوكمة جميع مؤسسات الدولة التي تعاني من ترهّل إداري كبير”، يضيف.

كذلك، وفقاً للجزماتي، يجب عدم إغفال الجانب الأمني، وهو موضوع حساس في عالم الاستثمارات، فمن المعروف أنّ رأس المال جبان، ما يعني هروباً مباشراً للاستثمارات عند أول اختلال أمني. لذلك، من دون تحقيق الأمان المطلوب ستذهب جهود المشرّعين الحكوميين سدى، إذ إنّ رفع العقوبات الاقتصادية ليس سوى نقطة بداية في طريق طويل لبناء اقتصاد متين، وهذا الطريق يحتاج إلى العمل الدؤوب والالتزام من قبل السلطات والمؤسسات السورية.

جهود نوعية

ويذكر مركز عمران، أنّ سوريا تحتاج إلى جهود نوعية للاستفادة التامة من قرار رفع العقوبات، بما فيها إنجاز تقدير احتياجات سوري يراعي المنظور القطاعي والجغرافي، ويعيد ترتيب أولويات التعافي المبكر وإعادة الإعمار، مع ضرورة الاستفادة من جهود وخبرات المنظمات السورية، وتحسين آليات العمل في القطاع المصرفي والمالي، وإقرار سياسات نقدية ومالية ناجعة، تؤكد على الملكية الوطنية للمشاريع التنموية كافة لضمان تنفيذها وفق معادلات الاحتياج السوري وضروراته، مع الاستمرار في تطوير وتحديث البيئة الاستثمارية في سوريا، عبر إقرار قوانين جديدة وإعفاءات ضريبية، وتقديم تسهيلات للمستثمرين، لخلق إيرادات تخفف من عبء الاعتماد المتنامي على المساعدات الخارجية، بالإضافة إلى تعزيز مؤشرات الشفافية، وضرورة إجراء إصلاحات هيكلية في سياسات المراقبة ومكافحة الفساد وسوء الإدارة.

وفي هذا السياق، يشير موقع سوريا في مرحلة انتقالية، إلى أنه ولغاية اليوم، لم يتم سنّ أيّ تشريع سوري جديد للاستثمار، برغم ربط المادة 8 من الإعلان الدستوري، صراحةً، مسألة التعافي في سوريا برفع العقوبات الدولية واستئناف تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، ما يمثّل مناخاً استثمارياً غير مشجع، في حال تعليق العقوبات كجزء من اتفاق إقليمي.

كذلك، ينبّه مركز “ستراتيجكس”، إلى غياب سابق للهوية الاقتصادية في سوريا، نتيجة عجز النظام الاقتصادي عن بلورة نموذج متكامل يحقق التوازن بين متطلبات التنمية واحتياجات العدالة الاجتماعية، وهو ما أدى إلى تشوهات هيكلية مزمنة، وإلى أزمة هوية هيكلية عميقة، تجلت في غياب رؤية تنموية واضحة وتذبذب النموذج الاقتصادي بين اشتراكية مقيّدة وليبرالية مشوّهة.

يقول المركز في قراءته: “تواجه سوريا الجديدة تحدّياً في إعادة تعريف هوية اقتصادها الوطني؛ إما أن تبني نموذجاً تنموياً متكاملاً قادراً على استيعاب التحولات العالمية، أو ستستمر في إجراءات التبعية والهشاشة، وهو ما يتطلب جرأةً في إعادة هندسة النظام الضريبي، والسياسة الصناعية، والبنية التشريعية، وآليات الحوكمة. فالهوية الاقتصادية ليست شعاراً، بل نظام متكامل من السياسات والمؤسسات التي تحدد مكانة الدولة في الخريطة الاقتصادية العالمية. كذلك تحتاج سوريا إلى توحيد اقتصادها المجزّأ، والذي بقي حتى إسقاط نظام الأسد موزّعاً بين أربع مناطق اقتصادية مستقلة، في إدلب، وفي شمال حلب، وفي مناطق سيطرة نظام الأسد، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال وشمال شرق سوريا”.

وعليه، فإنّ سوريا في معضلة سياسية بالغة التعقيد، وتحتاج إلى استقرار اقتصادي كشرط أساس لانتقال سياسي ناجح. فيما تظل العقوبات أداة ضغط حيويةً تجاه إصلاحات سياسية شاملة. لكن استمرار التشدد في تطبيق العقوبات دون مراعاة الواقع الميداني المتدهور ينطوي على مخاطر جسيمة، قد تؤدي إلى انهيار العملية الانتقالية برمتها، وفقاً للقراءة نفسها.

سيسّهل الاندماج في النظام المصرفي العالمي عمليات التجارة والاستثمار، حسب الكريم. وتالياً سيسّهل التعافي والانتعاش الاقتصادي الوطني، ويؤدي إلى تحسن سعر صرف الليرة السورية، نتيجة عمليات الاستيراد والتصدير، وذلك بعد الانتعاش الاقتصادي وتحسن الإنتاج، وهو ما يحسّن قيمتها الشرائية، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، نتيجةً لعودة البنوك للعمل بعد رفع العقوبات، وحينها تصبح عملية الجذب معتمدةً على الفرص كمعيار لها. كما أنه بعودة الاقتصاد الوطني للاندماج في الاقتصاد العالمي، سيعاد تأهيل البنى التحتية، نتيجة الانطلاق بعملية إعادة الإعمار مع السماح بشراء التكنولوجيا اللازمة، وهو ما يُعدّ أيضاً ساحةً لجذب المستثمرين، بما فيها من فرص للاستثمار.

لكن ذلك يحتاج إلى إعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي، حيث تحاط الشكوك الكثيرة بالدول الخارجة من وطأة العقوبات عادةً، سواء لناحية آليات بناء الثقة، أو لناحية تجنّبها تصرفات قد تعيد فرض العقوبات عليها، عبر صفقات تتسم بعدم الشفافية والمصالح الشخصية، ما يهدد السلم الأهلي الهش الذي يعقب عملية تغيير الأنظمة السياسية. كذلك يجب إصلاح النظام المصرفي، حيث تعاني الدول المعاقبة اقتصادياً من انغلاق نظامها المصرفي، ووجود قنوات غير رسمية كثيرة كأسلوب لعملياتها المصرفية بعيداً عن العقوبات. لذا فإنّ عملية الانتقال الى اقتصاد من دون عقوبات قد تحول دونه متطلبات الشفافية والمعايير الدولية مستفيدةً من حالة التخبط في الاقتصاد.

“تجب مكافحة الفساد، الذي يشكل مكوّناً أساسياً في اقتصاد الدول الخاضعة للعقوبات”، يقول الكريم، لرصيف22، مع التخطيط المسبق لإدارة التضخم الكبير المرافق عادة لحالات رفع العقوبات، وهو ما يتطلب وجود سياسة نقدية فعالة تسبق الرفع المزمع. كما يجب التحضير لإشكالية المنافسة المحتملة بين الشركات القادمة للاستثمار، خصوصاً في جانب شراء الأصول الوطنية، مستفيدةً من الأسعار البخسة وغير الدقيقة لهذه الأصول. وبجانب ذلك، يجب وضع نظام اقتصادي واضح يبين الحقوق والواجبات، يوضح آليات تنفيذ كل إجراء.

وختاماً، يجب التركيز على مشروع العدالة الانتقالية، كأحد محفّزات استجرار الاستثمارات، نظراً إلى ما يضفيه من شعور بالقطيعة مع النظام السابق، سواء في ما يخصّ تجنّب عودة الصراع، أو ما يخص حروب الظل المحتملة بين نظام فساد سابق ونظام جديد يُفترض أن يثبت الشفافية والحوكمة.

رفع العقوبات… تمهيد لاعتراف رسمي؟

على المستوى الجيو-سياسي، قرار رفع العقوبات عن سوريا، هو الأمر الأكثر لفتاً للانتباه خلال زيارة ترامب إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، حسب صحيفة “ذا ناشيونال”، حيث يمثّل القرار، الذي أعقبه اجتماع دافئ بين ترامب والشرع، تغييراً جذرياً تجاه سوريا، التي بقيت خلال العقود الستة الماضية خصماً للولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول الخليج، أولاً كحليف قديم للاتحاد السوفياتي، ثم كحليف لإيران وعميل لها في نهاية المطاف.

لذا، فإن تمكّن الشرع من الاستفادة من هذا الدعم لانتشال بلاده من حالة الحرب والانهيار الاقتصادي، فسوف يعيد تنظيمها جنباً إلى جنب مع الخليج والولايات المتحدة ويعكس عقوداً من تاريخ الشرق الأوسط الحديث.

إلى ذلك، يشير خبير الشرق الأوسط، فرانشيسكو ساليسيو شيافي، خلال حديثه إلى معهد “كوينسي”، إلى أنّ قرار رفع العقوبات بعيد كل البعد عن الاعتراف الرسمي، لكنه يزرع بذور عملية تطبيع مرحلية، تبدأ باتصال محدود وربما تؤدي إلى إعادة الانخراط في مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار وأمن الحدود، بشرط نأي الشرع بصدق عن ماضيه المتشدد.

رصيف 22

———————————

المطلوب من الشرع للحصول على اعتراف أميركي كامل/ جون بولتون

الثلاثاء 20 مايو 2025

مصالح السعودية والعالم العربي الأوسع في قبول حكومة الشرع الجديدة واضحة فقد مثَّل سقوط الأسد هزيمة كبرى لإيران، إذ خسرت أهم حليف إقليمي لها وانقطعت طرق الإمداد البرية التي تمتع بها “حزب الله”، أبرز الأذرع الإيرانية الإرهابية

حظيت الزيارة التي اختتمها دونالد ترمب أخيراً إلى الشرق الأوسط بتغطية إعلامية واسعة بفضل الاتفاقات التجارية والاستثمارات التي أعلنها ونظراؤه. غير أن أبرز ما في الزيارة كان إعلانه أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على سوريا خلال حكم نظام الأسد. وفي هذا الشأن، قال ترمب في الرياض، “أفعل هذا من أجل ولي العهد (الأمير محمد بن سلمان)”.

إضافة إلى ذلك حظي زعيم سوريا الجديد أحمد الشرع بلقاء موجز مع ترمب في الرياض. وكانت الولايات المتحدة عام 2013 صنفت الشرع، المعروف باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، “إرهابياً عالمياً مصنفاً بشكل خاص”، ورصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه. وكانت الولايات المتحدة سبق أن صنفت جماعته الإرهابية، “هيئة تحرير الشام”، التي كانت تعرف باسم “جبهة النصرة” والمرتبطة بتنظيم “القاعدة”، منظمة إرهابية أجنبية.

لا يلتقي الرؤساء الأميركيون عادةً إرهابيين، لكن الشرع تلقى فيما يبدو نصائح جيدة في مجال العلاقات العامة بعد استيلائه على السلطة: لقد تخلى عن لقبه، وقصر لحيته، واستبدل بزته العسكرية ببدلة وربطة عنق، فبدا أشبه برجل أعمال منه إلى إرهابي، لكن هل تخلى الشرع و”هيئة تحرير الشام” فعلاً عن العقلية الإرهابية؟

لم ينتظر ترمب ليعرف الإجابة. صحيح أنه نصح الشرع خلال لقائهما بالتوقيع على اتفاقات أبراهام والاعتراف بإسرائيل، وطرد المقاتلين الإرهابيين الأجانب من سوريا، والانضمام إلى الحرب على تنظيم “داعش”، لكن الشرع لم يلتزم أياً من ذلك، أقلها علناً. ومن المؤكد أن ما جرى لا يعد مثالاً ناجحاً على “فن إبرام الصفقات”.

أما مصالح السعودية والعالم العربي الأوسع في قبول حكومة الشرع الجديدة فواضحة، فقد مثَّل سقوط الأسد هزيمة كبرى لإيران، إذ خسرت أهم حليف إقليمي لها وانقطعت طرق الإمداد البرية التي تمتع بها “حزب الله”، أبرز الأذرع الإيرانية الإرهابية. وكان من المهم أيضاً التحرك لتقليص نفوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا، إذ ما كان لـ”هيئة تحرير الشام” أن تطيح الأسد لولا الدعم التركي الكبير.

كذلك تصب هزيمة الملالي في طهران وتقييد النفوذ الأردوغاني العثماني الجديد والذي يستهدف سوريا خصوصاً، والشرق الأوسط عموماً في مصلحة الولايات المتحدة، لكن هذه الأهداف وحدها لا تكفي. تحتاج واشنطن من الشرع إجراءات تتجاوز مجرد الخطابات، مما يعني أفعالاً ملموسة تثبت أنه تخلى عن الإرهاب لا لفظياً فقط، بل فعلياً أيضاً. لقد ضيع ترمب الفرصة التي سنحت حين كان ينبغي عليه أن يربط رفع العقوبات بشروط أميركية واضحة، غير أن تصنيف الشرع كإرهابي، وتصنيف “هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية، وتصنيف سوريا في عهد الأسد كدولة راعية للإرهاب لا تزال قائمة. ويجب ألا تلغى هذه التصنيفات إلا إذا استوفت حكومة الشرع شروطاً إضافية عدة، كما هو مفصل أدناه، بل يجب إعادة فرض العقوبات إذا فشلت الحكومة في القيام بالمطلوب بسرعة.

الأهم من ذلك كله، أن على الشرع أن يبطل نهائياً سياسات الأسد التي أدت إلى عزل سوريا، وأن يكون شفافاً تماماً في شأن محتويات أرشيف حكومة الأسد وسائر المواد ذات الصلة. وبما أن الحكومات غير الإرهابية لا تأخذ رهائن، ينبغي على الشرع أن يفتح سجلات الحكومة السورية أمام مراجعة دولية في خصوص حالات اختطاف الأجانب كلها على مدى العقود الماضية من الزمن. ولصالح عائلات الرهائن، يجب الكشف الكامل عن هذه القصص، والإفصاح عن أي علاقات سورية بجهات أجنبية ساعدت في هذه العمليات لتتولى أجهزة إنفاذ القانون متابعتها.

كذلك تتوجب القطيعة التامة مع جهود نظام الأسد كلها في مجالات تطوير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية، ولا سيما تلك المندرجة من ضمن العلاقات التي أقامها مع حكومات مثل حكومة إيران. بعد سقوط الأسد، أفادت تقارير بأن إسرائيل قصفت منشآت مشتبه في إنتاجها أسلحة كيماوية، ومع ذلك ينبغي على الشرع أن يحدد المواقع كلها المتصلة بهذه الأسلحة في سوريا، وأن يفتح هذه المواقع والملفات الحكومية أمام تفتيش تجريه واشنطن أو منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. وينبغي اتخاذ خطوات مماثلة في شأن الأسلحة البيولوجية.

أما في خصوص النشاط النووي السوري، فمن المرجح أنه تمحور حول المفاعل النووي الذي ساعدت إيران وكوريا الشمالية في بنائه دير الزور. وقد تكون السجلات السورية المتعلقة بدير الزور وعلاقات أخرى مع إيران مفيدة للغاية في مواجهة التهديد الإقليمي الإيراني. ويجب على سوريا اتخاذ الإجراءات كلها لحفظ هذه الأدلة وإتاحتها أمام مراجعة دولية. كذلك ينبغي على الشرع التخلي عن دعم الجهود التي تبذلها إيران بغرض السيطرة على لبنان من خلال “حزب الله”.

وإلى ذلك، إذا كان الشرع قد تخلى فعلاً عن الإرهاب، عليه أن يكشف القائمة الكاملة لممولي “جبهة النصرة” على مر السنوات. كذلك يجب أن يلتزم التعاون مع الأكراد، ولا سيما “قوات سوريا الديمقراطية”، في تأمين احتجازهم آلاف الأسرى من تنظيم “داعش”. ويجب سجن الإرهابيين الآخرين في سوريا، لا طردهم، وفق اقتراح ترمب، ذلك أن طردهم يتيح لهم العودة إلى ممارسة الإرهاب في أماكن أخرى. أما مؤشرات المصالحة التركية المحتملة مع الأكراد داخل تركيا فلا تثبت أن الطموحات العثمانية الجديدة الخاصة بأردوغان، والتي تستهدف المناطق الكردية داخل سوريا وخارجها قد انحسرت. وعلى ذلك، ينبغي أن تبقى القوات الأميركية في الشمال الشرقي لسوريا إلى أن يثبت حسن نية “هيئة تحرير الشام” بشكل كامل.

وأخيراً، ينبغي على سوريا طرد روسيا من قاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدتها الجوية في حميميم المجاورة. ذلك أن عدوان روسيا غير المبرر على أوكرانيا عام 2022، فضلاً عن دعمها الطويل للأسد، يثبتان مدى خطورة الوجود العسكري الروسي الواسع النطاق في سوريا.

باختصار، لا يزال أمام الشرع ونظام “هيئة تحرير الشام” الذي يترأسه طريق طويل قبل أن يستحقا اعترافاً كاملاً وشرعية من الولايات المتحدة. هذه “الصفقة” لم تبرم بعد.

اندبندنت عربية

———————————–

امتحان الشرع الداخلي بعد الخارجي/ رفيق خوري

الفارق كبير بين رفع العقوبات والاعتراف الرسمي بالإدارة الجديدة في سوريا

الأربعاء 21 مايو 2025

بدأ الرئيس السوري تنفيذ بعض لائحة المطالب الأميركية منه والتزم تنفيذ بعضها الآخر مع حاجته إلى وقت وقرار صعب بالنسبة إلى إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد، ومنع منحهم الجنسية وضمهم إلى الجيش.

لا شيء اسمه وجبة مجانية، بحسب المثل الإنجليزي الشهير، ولا من خارج الحسابات الواقعية الدقيقة بدأ الانفتاح العربي والدولي على الإدارة الجديدة في سوريا قبل أن تمسك بالبلد تماماً، فكل شيء موقت في انتظار البراهين العملية، وكل خطوة لها ثمن أقله خطوات في الداخل.

والثابت في حسابات الانفتاح وأسبابه هو أهمية الموقع الإستراتيجي والجيوسياسي لسوريا، وإسقاط نظام الأسد وإخراج نفوذ الملالي من الشام وتحويل ما كان جسراً للمشروع الإقليمي الإيراني إلى جدار عازل وقوة صد، والمتغير هو الأثمان المطلوبة عبر لوائح تضيق أو تتوسع، بحسب الظروف ومدى تجاوب دمشق.

ذلك أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع حصل على الفرصة التي عمل لها بنشاط في الخارج مع دفع من السعودية وتركيا وقطر، فالوسيط القوي بينه وبي أميركا وأوروبا هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ثم يأتي دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبناء على رغبة الأمير محمد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا من قبل أن يُبلغ إدارته بالقرار، والتقى الشرع في الرياض بحضور ولي العهد السعودي وحضور تقني لأردوغان.

أما لائحة المطالب الأميركية من الشرع فإن الرئيس السوري بدأ تنفيذ بعضها والتزم تنفيذ بعضها الآخر، مع حاجته إلى وقت وقرار صعب بالنسبة إلى إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد ومنع منحهم الجنسية وضمهم إلى الجيش، فهم نحو 30 ألف مقاتل كانوا رأس الحربة في معركة “هيئة تحرير الشام”، وأما أوروبا التي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول من استقبل الشرع في قصر الإليزيه فإنها سبقت ترمب في تخفيف بعض العقوبات عن سوريا ثم زادت عيار التخفيف بعد القرار الأميركي.

لكن الكل يعرف أن الرهان هو على امتحان في لعبة مكشوفة على الطاولة، وإذا كانت دمشق قد أجرت مفاوضات مع إسرائيل بوساطة من دولة الإمارات وحتى باتصال مباشر مع حكومة بنيامين نتنياهو للحد من الاجتياح الإسرائيلي لأراض سورية في حوض اليرموك بعد احتلال المنطقة المجردة من السلاح بحسب اتفاق فك الارتباط عام 1974، فإن من الصعب على الشرع الانضمام إلى “الاتفاقات الإبراهيمية” كما طلب منه ترمب، ففي رفع العقوبات الأميركية كثير من التعقيدات بين المفروض بقرارات رئاسية وقرارات في وزارتي الخزانة والخارجية، وبين المفروض بقوانين في الكونغرس وأخطرها “قانون قيصر”، وهي مرتبطة بمهلة مدتها 180 يوماً لمراقبة السلوك في سوريا.

والفارق كبير بين رفع العقوبات والاعتراف الرسمي بالإدارة الجديدة، فلا تطبيع حتى الآن، بصرف النظر عن رفع العقوبات، وإذا كان رفع العقوبات قد فتح الباب أمام الاستثمارات وإعادة إعمار سوريا وحديث الشرع عن “مشروع مارشال” لسوريا واستعداده لإعطاء الأولوية للشركات الأميركية، فإن العقوبات ليست قليلة وإزالتها تحتاج إلى وقت، من إكمال الصورة القانونية للنظام الاقتصادي السوري إلى وضوح البنية السياسية للنظام، مروراً بأمر بالغ الأهمية وهو النظام القضائي ووجود قضاء مستقل في البلد يطمئن المستثمرين، فلا اطمئنان في قاعدة هشة وإن كانت مدعومة عربياً وإقليمياً.

ولا حدود للمبالغ التي تحتاج إليها إعادة الإعمار ومعاودة النشاط الاقتصادي في بلد إنهار دخله القومي إلى حدود 7 مليارات دولار، ولم يترك النظام الساقط في مصرفه المركزي أكثر من 200 مليون دولار، ويحتاج إلى 50 عاماً للعودة لما كان عليه عام 2010، وما بين 500 و800 مليار دولار.

والتحدي بعد النجاح الأولي في امتحان الانفتاح على الخارج هو الانفتاح على الداخل، فلا شيء يجعل المكاسب في الخارج ثابتة سوى بناء سلطة على قياس التنوع في المجتمع السوري والخروج من مقاييس الجهادية السلفية الضيقة على سوريا، ولا معنى للحديث عن وحدة سوريا مع الاستمرار في التضييق والاعتداءات على الأقليات العلوية والدرزية والمسيحية والكردية، لأن شرط الوحدة هو أن تكون “سوريا لكل السوريين” باعتراف الشرع، فلا أكثرية ولا أقليات، بل دولة مواطنة، ولا قوة خارجية مهما تكن لديها من مخططات للتقسيم والتفتيت، مثل إسرائيل، يمكن أن تنجح في مواجهة الوطنية السورية والشراكة الوطنية في الدولة، ولعل سوريا في حاجة إلى بند في دستورها على غرار البند في مقدمة الدستور اللبناني الذي نصه “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.

في كتاب جديد تحت عنوان “من الجهاد إلى السياسة: كيف تبنى جهاديون سوريون السياسة”، يسجل المؤلف جيروم دريفون تحولات “هيئة تحرير الشام” من جبهة النصرة التابعة لـ “القاعدة” والإرهاب والزرقاوي و”داعش” إلى حركة سياسية أدارت بلديات وحكومة في إدلب، والكل في الداخل والخارج يسأل إن كانت الإدارة السورية الجديدة قادرة ومستعدة لأن تصبح معتدلة وبراغماتية وجامعة أم أن الجهادية السلفية متجذرة فيها، والجواب على الطريق.

—————————

 هل يعيد داعش تموضعه وسط التحولات في سوريا؟/ حسام الملحم

2025.05.21

مع سقوط نظام بشار الأسد المخلوع في 8 كانون الأول 2024، تصاعدت تهديدات تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، بشكل ملموس عبّر عن نفسه بوضوح من خلال العملية الأمنية التي نفذتها وزارة الداخلية السورية السبت الماضي، بالاشتراك مع جهاز الاستخبارات العامة، واستهدفت وكراً تتحصن به خلية للتنظيم مكونة من سبعة عناصر.

أسفرت العملية التي جرت في الأحياء الشرقية من حلب (الحيدرية وكرم الجزماتي) عن القبض على أربعة من أفراد الخلية، ومقتل ثلاثة آخرين، بالإضافة إلى مقتل عنصر في الأمن العام السوري، من جراء الاشتباكات التي رافقت العملية، قبل اقتحام الموقع وضبط عبوات ناسفة مواد متفجرة وسترات مفخخة وبدلات تعود لقوى الأمن العام كانت بحوزة أفراد الخلية.

وقد سبق هذه العملية مهاجمة التنظيم عبر صحيفة “النبأ” الأسبوعية التابعة له، للرئيس السوري، أحمد الشرع، إثر لقائه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في الرياض، إذ اعتبر التنظيم أن الصورة باتت أوضح بعد لقاء ترمب والشرع وذلك بشأن كون خلاف الشرع العقائدي مع التنظيم، ليس سياسياً ولا حزبياً.

كما اعتبر تنظيم “الدولة الإسلامية” أن تسلسل الأحداث الذي بدأ بإخراج إيران من سوريا “رزمة واحدة على طاولة الصفقات الدولية مربطها الحرب على الإسلام وحماية المصالح الدولية”، متهماً الرئيس السوري باستبدال “ملة إبراهيم” في إشارة إلى الدين الإسلامي، باتفاقيات إبراهام (اتفاقيات التطبيع العربي مع إسرائيل خلال الولاية الأولى لترمب).

التنظيم دعا المقاتلين الأجانب في وزارة الدفاع السورية إلى الالتحاق بخلاياه في الأرياف، معتبراً أن الشرع استغلهم لخدمة مشروعه.

هجمات ومحاولات متكررة

ليست هذه المرة الأولى التي يهاجم بها التنظيم الدولة السورية الجديدة، إذ هدد في كانون الثاني الماضي الحكومة السورية بأنها في حال التزمت بمواثيق وقوانين الأمم المتحدة فينطبق عليها واجب الحرب والسلم، معتبراً الفصائل التي شاركت في عملية “ردع العدوان” (أسقطت نظام الأسد بعد انطلاقها بـ11 يوماً) “بيادق بيد تركيا والدول الأخرى”، و”تنفذ حرباً بالوكالة” بين “البيادق التركية والأذرع الإيرانية”.

وفي الإصدار المرئي الصادر في 24 كانون الثاني الماضي، وصف التنظيم الثورة بأنها “ثورة جاهلية” لأنها تسعى لترسيخ مفهوم الدولة المدنية، وأنها “ثورة وليست جهاداً في سبيل الله”.

الدولة السورية الجديدة استشعرت مبكراً خطر التنظيم، ومحاولاته التحرك في أرض رخوة لم تستتب الحالة الأمنية فيها على كامل الجغرافيا السورية بعد، وهي مسألة لم ينكرها وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، في مقابلة مصورة في 21 كانون الثاني، وتحدث فيها عن خطر قائم لتنظيم “الدولة الإسلامية” مع الإشارة إلى العمل على مكافحته من قبل وزارة الدفاع وجهاز الأمن السوري.

وعلى مستوى سوري رسمي آخر، أصدر الرئيس السوري في 13 آذار الماضي، قراراً بتشكيل مجلس الأمن القومي في سوريا، يتألف من وزراء الخارجية والدفاع والداخلية ومدير الاستخبارات العامة، كما يضم مقعدين استشاريين يتم تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية وفقاً للكفاءة والخبرة، بالإضافة إلى مقعد تقني تخصصي يتم تعيينه من قبل الرئيس لمتابعة الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بمحضر الجلسة، وذلك في ظل وجود تحديات أمنية كبيرة في سوريا لا تتلخص فقط بمخاطر تنظيم “الدولة الإسلامية”.

دول جوار سوريا أيضاً تستشعر مخاطر تحركات التنظيم في ظل الظروف الأمنية غير المستقرة في سوريا، فخلال الاجتماع الذي جرى في عمان بمشاركة وزراء خارجية كل من سوريا والأردن والعراق وتركيا ولبنان، ووزراء دفاع ورؤساء هيئات أركان ومدراء أجهزة الاستخبارات للبلدان ذاتها، جرى الاتفاق في 9 آذار على إطلاق مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ودعم جهود القضاء على التنظيم وما يمثله من خطر على أمن سوريا والمنطقة والعالم.

الرسائل التي بعث بها “التنظيم” لم تقف عند إطار التصريحات والتهجّم اللفظي، والعملية الأمنية ضد خلاياه في أحياء حلب الشرقية ليست الأولى، إذ جرى إحباط محاولة تفجير داخل مقام السيدة زينب في ريف دمشق، وفق ما أعلنه جهاز الاستخبارات العامة السوري مطلع العام، مع توجيه أصابع الاتهام للتنظيم واعتقال متورطين من أفراده وبث اعترافات لهم، ما يفتح الباب واسعاً أمام التساؤل حول أسباب هذا التصعيد وما إذا كان مدفوعاً من قبل أطراف إقليمية ساءها التغيير في سوريا.

يتجه نحو الانكماش

الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، عرابي عرابي، أوضح لموقع تلفزيون سويا، أن المؤشرات تدل على اتجاه التنظيم نحو التصعيد التكتيكي لا الاستراتيجي، ويبدو ذلك في تكرار عملياته النوعية خصوصاً في شمالي وشرقي سوريا، مستغلاً الفراغ الأمني النسبي بعد سقوط النظام السابق، إلى جانب محاولة التنظيم إعادة فرض نفسه كقوة تهديد من خلال “إرهاب النكاية”، وتعزيز صورته أمام أنصاره في ظل المنافسة مع “القاعدة” على الاستقطاب.

وقد أظهرت تجربة السنوات الماضية نجاح الأمن العام في تفكيك خلايا محلية، لكنها لم تصل إلى اختراق البنية القيادية العالمية أو شبكات التمويل والتجنيد للتنظيم عالمياً، لكن الوصول للقيادة المحلية ليس أمراً صعباً بالنسبة لها، بالإضافة إلى أن التنظيم يعمل غالباً في بيئات مغلقة باستخدام “التنظيم الشبكي” مما يزيد صعوبة اختراقه، لكن حتى هذه الميزة قد تنقلب نقطة ضعف في البيئات المتماسكة اجتماعياً وأمنياً، وفق الخبير.

ولا يستبعد عرابي تصاعد العمليات المحدودة والمركزة، وليس التوسع الجغرافي، وذلك لأن الخلايا النائمة بدأت بإعادة التموضع في مناطق شهدت انهيارات أمنية وفيها بيئة محتملة للعمل، والتنظيم لا يسعى حالياً للسيطرة على أراضٍ بل لتنشيط “التمرد غير المتمركز”.

كما أنه في ظل تفكك الحضور الجغرافي للتنظيم، يجب الانتقال إلى منظومة مقاومة تمرد شبكية، عبر تعزيز فرق OSINT (فرق جمع معلومات)، ومكافحة الإرهاب السيبراني، ودمج الأمن المحلي بالمجتمع، عبر وحدات أمن مجتمعي تعتمد على الرصد والإنذار المبكر.

بنية التنظيم مخترقة

من جانبه، يرى المحلل العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي، أن التنظيم لو استطاع التصعيد سيصعد بالنظر للبيانات التي يكفّر بها الدولة ويتهمها بالهوان والانفتاح محلياً ودولياً، من دون أن ينفي ذلك وجود خلايا له في المدن أو البادية والصحراء.

ويرى العكيدي أن هيئة “تحرير الشام” (نواة السلطة الأمنية الحالية) مخترقة للتنظيم سيما أنهما كانا تنظيماً واحداً قبل انفصالهما في 2013، كما أن الدولة السورية مدركة لمخاطر التنظيم وتعمل على متابعة ومراقبة عناصره وخلاياه التي يمكن أن تهدد الدولة، وتحديداً بعد دمج الفصائل العسكرية وتشكيل جهاز استخبارات، ما يعني أن تعقب هذه الخلايا من أولويات الدولة السورية.

ويتابع أنّ “تنظيم داعش لا يتحرك من نفسه، سيما أنه شركة مساهمة تشارك بها أغلب أجهزة مخابرات العالم، وتحديداً في المنطقة، كما أن انحسار نفوذ إيران، المتضررة من رحيل الأسد، يفقدها القدرة على التحرك باستثناء نفوذها داخل التنظيم أو عبر تنظيمات أخرى موالية لها يمكن أن تتحرك لزعزعة الاستقرار في سوريا”.

واعتبر العكيدي أنه لا مستقبل للتنظيم في سوريا خاصة أن الشعب السوري بات يمتلك وعياً لخطر هذا التنظيم وكذب شعاراته وإضراره بالثورة السورية وسمعتها، بالإضافة إلى أهمية التعاون الإقليمي المتفق عليه لمحاربة مخاطر هذا التنظيم.

وخلال سنوات طويلة من نفوذها وسيطرتها في الشمال السوري، كانت هيئة “تحرير الشام” تعلن بشكل متكرر عن القبض على قياديين في التنظيم، وتحتوي سجونها في إدلب العديد منهم.

كما يبدي الرئيس الأميركي رغبة بتولي الدولة السورية إدارة السجون المكتظة بعناصر التنظيم في شمال شرقي سوريا، كما أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عرض في شباط الماضي، على دمشق دراسة الشراكة مع التحالف الدولي لمحاربة “الدولة الإسلامية” لمنع استقرار سوريا في المرحلة الانتقالية.

تلفزيون سوريا

————————————-

هل تنجح الحكومة السورية في طيّ صفحة المقاتلين الأجانب؟/ عمار دروبي

20/5/2025

دمشق- تزامن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مع كشف البيت الأبيض عن 5 شروط تشكل الأساس السياسي للمرحلة المقبلة في العلاقة مع دمشق، من بينها بند يُعد الأكثر تعقيدا وهو مغادرة جميع المقاتلين الأجانب الأراضي السورية.

ويأتي هذا المطلب في لحظة دقيقة من الانتقال السياسي في البلاد، حيث تواجه الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع تحديا حقيقيا في كيفية التعامل مع هذه المسألة بالنظر إلى الوجود الواسع لمقاتلين أجانب قاتلوا لسنوات إلى جانب فصائل معارضة، وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام” سابقا.

وترتبط هذه القضية بحسابات تتجاوز البُعد الأمني، إذ يرى مراقبون أن إخراج هؤلاء المقاتلين لن يكون مسألة فنية فقط، بل يتطلب تفاهمات مع قوى كانت تمثل ثقلا عسكريا واجتماعيا في سنوات الحرب، حيث لعبت دورا محوريا في إسقاط نظام الأسد، وراكمت نفوذا ميدانيا وسياسيا لا يمكن تجاوزه.

توضيح رسمي

ويُطرح السؤال عما إذا كانت الحكومة الجديدة ستتمكن من إقناع هذه القوى أو الضغط عليها لإتمام الانسحاب دون الدخول في صدام جديد، بالتزامن مع أنباء متداولة عن بدء الحكومة حملة أمنية ضد المقاتلين الأجانب.

لكن المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا نفى وجود أي حملات أمنية تقوم بها الوزارة في سوريا، “لاستهداف جماعة من الناس لجنسيتهم أو مذهبهم أو عرقهم”. وقال للجزيرة نت إنها -وعلى العكس تماما- تقوم بحماية الجميع دون تفريق، وتنظر إلى الأشخاص في البلاد من زاوية احترامهم للقانون أو مخالفته فقط.

وبشأن أي خطط حكومية قادمة بخصوص هذا الملف، أكد البابا أن الداخلية جهة تنفيذية أمنية تلتزم بالقرارات والمراسيم والتوجيهات من الجهة الأعلى منها وهي الرئاسة السورية حسب ما تقتضيه الأنظمة والقوانين، وعملها يقوم على حفظ أمن البلاد، وحماية السوريين من التهديدات الأمنية.

ووفق البابا، فإن المواقف السياسية للدولة تعبر عنها إما الرئاسة أو وزارة الخارجية، ولا دخل للداخلية بهذا الأمر.

ضوابط واضحة

يرى مراقبون أن المطالب الأميركية فيما يتعلق بملف المقاتلين الأجانب جرى تضخيمها، وأنه يمكن للحكومة السورية حسم المسألة دون أي صدامات عسكرية أو أيديولوجية مع أي فصيل.

في السياق، يعتبر الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة حسام جزماتي أن الفهم السائد لمطلب واشنطن مبالغ فيه، موضحا أن الأمر لا يتعلق بطرد شامل أو ترحيل قسري، بل بوضع ضوابط واضحة لأدوارهم ضمن الدولة السورية القادمة.

وأكد جزماتي -في حديث للجزيرة نت- أن الشروط الغربية تركز على منع هؤلاء المقاتلين من تقلد مناصب قيادية في الجيش أو الأجهزة الأمنية أو الحكومة، بالإضافة إلى منع استخدام الأراضي السورية كنقطة انطلاق لأي عمليات عسكرية خارجية.

ويرى أن هذه السياسة تتيح مساحة للتفاهم والحلول الوسط، تجمع بين متطلبات المجتمع الدولي وتعقيدات الواقع الميداني، لكنها تفرض على الإدارة السورية الجديدة مسؤولية صارمة في مراقبة وضبط الوضع، لمنع أي خروج عن السيطرة قد يؤثر سلبا على جهود إعادة الانخراط الدولي.

وبحسب الباحث جزماتي، يمكن الاستفادة من تجارب مماثلة أقربها حالة البوسنة التي لم تتخل عن المتطوعين الإسلاميين الذين أسهموا في معركتها، لكنها أطّرت وجودهم بسياقات قانونية تضمن لهم الحماية، وتضمن للبلاد أن يقودها أبناؤها، وألا يتعرض سلمها الداخلي للتهديد، وألا تقع في إحراج خارجي بوصفها منصة محتملة للجهاديين.

معالجة هادئة

ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأن حضور المقاتلين الأجانب في سوريا تراجع إلى حدّ كبير، وانحصر ضمن مجموعات محلية لا تملك تأثيرا فعّالا، وأن كثيرا منهم جزء من النسيج الاجتماعي في مناطق إقامتهم، بعدما اندمجوا في الحياة اليومية من خلال العمل أو الروابط الأسرية.

وأكد الباحث السياسي عرابي عبد الحي عرابي تقلص عدد المقاتلين الأجانب في سوريا بشكل كبير، مشيرا إلى أن وجودهم اليوم بات محصورا ضمن تشكيلات محلية محدودة وغير فاعلة سياسيا أو عسكريا.

وقال عرابي -في حديث للجزيرة نت- إن معظم هؤلاء الأفراد اندمجوا اجتماعيا في المجتمعات السورية التي استقروا فيها منذ سنوات، سواء عبر الزواج أو العمل أو الانخراط في الحياة المدنية ضمن المناطق الخارجة عن النزاع.

ووفقا له، لا توجد مؤشرات على انتساب المقاتلين لتنظيم الدولة الإسلامية أو أي كيان مصنف إرهابيا من قبل الحكومة السورية أو المجتمع الدولي، كما أن تحركاتهم لا تتسم بالطابع العابر للحدود، بل تتماهى مع خصوصية البيئة المحلية التي يعيشون فيها.

ويعتقد الباحث عرابي أن هذا الملف لا يشكّل محور توتر داخلي أو تهديدا للأمن، بل تحوّل إلى قضية إنسانية وإدارية تتطلب معالجة هادئة تتجنب التصعيد، مع احترام الخصوصيات الثقافية والاعتبارات الاجتماعية للأهالي والمجتمعات المضيفة.

المصدر : الجزيرة

—————————

مفتاح باليد/ يعرب العيسى

20 مايو 2025

يحتفل الناس عادةً عند الحصول على الفرصة، يعرفون أن الوصول بها إلى التحقّق يتطلب جهوداً ومشقّة، ستواجهه عقبات، ويخالطه تعثّر، ولكنهم يفرحون، لأنها فرصة.

يرقصون في حفلات زواجٍ سينتهي بالطلاق، ويحتفلون بقدوم مولود سيكبر ليصبح مجرماً، أو عاقّاً، وبرسو مناقصة مشروع سيشهد تنفيذه إصابات عمّال، وتأخير مدفوعات، وتصدّعات في التربة، وأحوالاً جوية معطّلة. هذا طبع الناس، وهذي طباع الفرص، لا بأس.

حصلنا، نحن السوريين، خلال ستة أشهر على فرصتين كبيرتين، تحمل كلٌّ منهما في داخلها الصفات النموذجية للفرصة الحقيقية، تفتح الباب الذي يفضي إلى المستقبل، وتنثر الأهوال في الطريق، تحضّر الألغام التي قد تنفجر بنا ونحن نحقق فرصتنا، تلوح بعصاها وبجزرتها، وتتربص بنا وبها.

سقط نظام الأسد، هذه فرصة كبيرة أجل، سنمضي السنوات المقبلة ونحن نحاول فهم حجم ما تتيحه لنا، وسنحاول استثمارها، سنتعثر، ونواجه التحدّيات، سنفهمها خطأً، سنتقلّب بين تحويلها إلى استقلال جديد، وبلد جديد، وبين تحويلها إلى صراع جديد، وبلد قديم للغاية.

إعلان ترامب فرصة ثانية لا تقل حجماً عن الأولى، بآفاقها وبمخاطرها، ولكنها مجرد فرصة، وليست إنجازاً بحد ذاتها. 

حين مرّت بلدان مثل اليونان والبرازيل والأرجنتين بأزماتٍ اقتصاديةٍ كبرى، كادت تودي بها، لم تكن خاضعة لعقوبات أميركية، وحين انفجرت صراعات في قبرص وكوسوفو والنيجر ومالي، لم تكن خاضعة لعقوبات. وحين انهارت اقتصادات سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، لم تكن معاقبة. وحين سارت الصين على طريق التنمية لتصبح أكبر اقتصاد في العالم، كانت مكبّلة بخصومة الولايات المتحدة.

لذلك ليست العقوبات وحدها ما تؤخّر مسار البلدان، وليس رفع العقوبات وحده من يصنع مستقبل الشعوب، هذه أشياء متعلقة بها، وبإرادتها، وبرغبتها الحقيقية في بناء بلدٍ حُرمت طويلاً من المشاركة في قراره ومقدراته.

رفع العقوبات بترجمة عملية بسيطة يعني أن في وسع السوريين اليوم استقبال استثمارات وتلقّي أموال، استيراد بضائع، تصديرها، وأشياء طبيعية مثل هذه تحصل في كل أنحاء العالم كل يوم. وهي تحصل بصعوبة طبعاً، وبشكل أقرب إلى القتال، في مناخ تنافسي شرس، ولذلك الفرصة ليست رفاهية مغلّفة بعلبة ملوّنة ومربوطة بشريط هدايا، بل هي تذكرة دخول لحلبة صراع فيها رابحون وخاسرون.

لن تقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في طريق الاستثمارات، ولكن هل تريد هذه الاستثمارات أن تأتي؟ أو ماذا تريد كي تأتي؟

يعرف كل طالب اقتصاد في السنة الثانية أن النمو استثمار، والاستثمار مناخ، والمناخ عملية واسعة تضم تشريعات ونمط علاقات، وبنية تحتية، وطاقة، وأماناً، واستقرار مجتمع، وبشراً قابلين للاجتماع في مكانٍ واحد للعمل معاً، منظومة تعليمية تجدّد دماء القوة العاملة. والأهم الأهم ألا تسيل الدماء على الطرقات.

نحن أمام فرصة، ليس أكثر من ذلك، وهي فرصة أُعطيت لبلد. ولكي نلتقطها ينقصنا بلد فقط. كي نركّبها عليه.

وشروط امتلاك بلد بسيطة للغاية، مواطنون متساوون ينظرون للمستقبل فيما تظللهم جميعاً بنية دستورية قانونية تحميهم وتضمن حقوقهم، وآلية تكفل مشاركتهم في صنع قراره.

نحن في أول الطريق، وحالتنا اليوم تشبه احتفال مجموعة مهندسين رَسَت عليهم مناقصة مشروع “بناء بلد تسليم مفتاح باليد”، وبقي عليهم تنفيذه.

العربي الجديد

——————————————-

 كيف خسرت إسرائيل تأثيرها على ترمب في الملف السوري؟/ إياد الجعفري

2025.05.21

لو قُدّر للأكاديمي الأميركي الشهير، جوزيف صموئيل ناي الابن، أن تمتد حياته لبضعة أيام أخرى فقط، ربما لأشاد بحصيلة زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، وبالذات، لقاؤه بالرئيس أحمد الشرع، وإعلانه رفع العقوبات عن سوريا.

لكن الرجل الذي اعتُبر من أوائل المنظّرين للنيوليبرالية في العلاقات الدولية، غادر حياتنا، في 6 أيار/مايو الجاري، ليترك إرثاً ضخماً أثّر بشدة على صنّاع القرار وعلماء السياسة في الولايات المتحدة، بصورة خاصة، وفي العالم أجمع، بصورة عامة.

في الأشهر الأخيرة من حياته، أبدى الرجل علانيةً، استياءه من طريقة إدارة ترامب وتياره السلطوي، للدبلوماسية الأميركية.

وقال مبتكر مفهوم “القوة الناعمة”، إن ترامب خلال أشهر قليلة فقط من توليه للسلطة، بدد معظم مصادر هذه القوة وفكك أدواتها. وقد شاءت الأقدار أن يغادر ناي الحياة، قبل أن يشهد استخداماً بارعاً لـ “القوة الناعمة” من جانب عدد كبير من اللاعبين، من بينهم ترامب شخصياً، إلى جانب صنّاع الدبلوماسية في كلٍ من السعودية وقطر والإمارات وتركيا، ومن جانب صنّاع السياسة الخارجية داخل الحكومة السورية أيضاً. حيث حلت وسائل الجاذبية والإغواء بدلاً من الإكراه السافر للقوة، لتكون ركيزة صفقات استثمارية، واتفاقات كبرى، كان أبرزها، جذب سوريا إلى دائرة تأثير الدول الغربية وحلفائها التقليديين في المنطقة (دول الخليج، وتركيا).

الحليف الوحيد للغرب، الذي كان مستاءً مما حدث، هو إسرائيل. تلك التي غلب منطق “المدرسة الواقعية” على عقلية صنّاع القرار فيها، وبقيت “القوة”، هي المحدد الوحيد لانتزاع المصلحة، لديها، حتى خسرت جانباً كبيراً من القدرة على التأثير فيما يخص الملف السوري، داخل دوائر صنع القرار بواشنطن.

في عام 1977، كتب جوزيف ناي، مع روبرت كوهان، كتاباً شهيراً، بعنوان “القوة والاعتماد المتبادل: السياسة العالمية في مرحلة انتقالية”. اعتُبر الكتاب نقلة نوعية في أدبيات العلاقات الدولية، وتأسيساً لفهم جديد فيها، عُرف باسم “المؤسساتية الليبرالية الجديدة”، أو –النيوليبرالية في العلاقات الدولية-. تحدث ناي وكوهان في الكتاب عن عالمٍ يسوده الاعتماد المتبادل الدولي – المركب. وأبرز سماته، أنه لا توجد فيه هرمية واضحة للقضايا، ولا تمثل فيه القوة وسيلة فعالة في السياسة.

كان ذلك، من زاوية ما، ثورة ضد ركائز المدرسة الواقعية التي حكمت، وما تزال، الكثير من عالم السياسات الدولية، على صعيد صناعتها ومحاولة تحليلها وفهمها.

وتميّز أدبيات العلاقات الدولية بين ما يعرف بـ “السياسات الدنيا” – (القضايا الاقتصادية والاجتماعية)، و”السياسات العليا” – (القضايا الأمنية). ووفق أدبيات المدرسة الواقعية تقدّم الدول الأمن على الاقتصاد والقضايا الاجتماعية. وقد حكم هذا الفهم، وما يزال، الكثير من عمليات صنع القرار في السياسة الخارجية، لدى الكثير من دول العالم. لكن كلفته كانت باهظة وفق الليبراليين الجدد. الذين رأوا أن الدولة التي تقدم الأمن على

حساب التعاون الاقتصادي، تخسر على مستوى الفرص التعاونية الرائجة.

وفيما يرى الواقعيون أن القوة هي الوسيلة المثلى لتحقيق الأمن بوصفه غاية الدولة، يرى الليبراليون الجدد أن الاعتماد الدولي المتبادل، يتيح وسائل أفضل من القوة لتحقيق مصالح الدول. وكان ذلك المدخل الذي عرج منه ناي باتجاه التأسيس لمفهومه الشهير عن “القوة الناعمة”، في العام 1990.

هذا الإبحار السابق في أدبيات ومدارس العلاقات الدولية، يتيح لنا فهم كيف خسرت إسرائيل تأثيرها على الإدارة الأميركية –بصورة خاصة على شخص ترامب- في الملف السوري. فمنذ سقوط النظام البائد، استخدمت إسرائيل القوة “العارية” للتأثير سلباً في المشهد السوري، بصورة تتيح لها تحقيق الأمن، وفق مفهوم صنّاع القرار لديها. لكن هذه القوة بدأت تهدد كياناً هشاً بالانحدار نحو حالة خطرة من عدم الاستقرار، بدا جلياً أنها غير مرغوب بها من جانب معظم المعنيين الإقليميين والدوليين بالشأن السوري. فالأوروبيون والأتراك والأردنيون والخليجيون، لم يجدوا في “سوريا ضعيفة ومقسمة”، كما تريد إسرائيل، مشهداً مرغوباً به، لأنه يضرّ بأمن معظم هذه الدول. وبذلك، تفوق الفهم الليبرالي الحديث القائل بالاعتماد الدولي المتبادل، عبر قضايا من قبيل الأمن الجماعي والهجرة وتأثير الفقر.. إلخ، على الفهم الواقعي القائل بانتزاع المكاسب باستخدام “القوة العارية”. واستطاعت دول المنطقة، الخليجية وتركيا – بصورة خاصة-، باستخدام أدوات “القوة الناعمة”، التأثير على ترامب، أكثر من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي راح إلحاحه على عدم رفع العقوبات عن سوريا، أدراج الرياح. حتى أن ترامب أقر أنه لم يستشر إسرائيل في قراره هذا، قبيل إعلانه في 13 أيار/مايو الجاري.

من المفردات التي أشار إليها كل من ناي وكوهان في كتابهما الشهير: تشكيل الائتلافات، والتأثير في شبكات النخبة. وقد نجحت الدبلوماسية السورية باقتدار، في هذين المسارين، عبر تشكيل مظلة داعمة لسوريا من دول كتركيا والسعودية وقطر والإمارات. ومن خلال الانفتاح على نخب رأسمالية أميركية، من قبيل رجل الأعمال، جوناثان باس، الذي لعب دور جسرٍ بين الشرع وترامب، قبيل لقائهما، ناهيك عن دور الجالية السورية –الأميركية، التي حظيت بودٍ ملحوظ من جانب إدارة الشرع ووزير خارجيته، في الأشهر الفائتة.

وهكذا اضطرت إسرائيل للانقلاب على هدفها المعلن، بـ “سوريا ضعيفة ومقسمة”، والذي كانت قد أعلنت عنه، وضغطت باتجاهه، خلال الأشهر القليلة الفائتة، لتتحدث بصورة مفاجئة عن الرغبة بعلاقات جيدة مع النظام السوري الجديد. بطبيعة الحال، فإن انفتاح إدارة الشرع على الخوض في قنوات تفاوضية غير مباشرة لتبديد المخاوف الأمنية مع تل أبيب عبر الوسيط الإماراتي، إلى جانب قناة التفاوض الإسرائيلية – التركية في أذربيجان، أسهما في خفض التوتر، ونزع الذرائع الأمنية الإسرائيلية.

وكما يعلم المتخصصون، تستند النيوليبرالية في العلاقات الدولية إلى الإرث الليبرالي القائم على الحريات وحقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين وسيادة القانون، داخل الدول.

وبالعكس من ذلك، تفضّل معظم الأنظمة الشمولية عزل الداخل لديها، عن التأثير الخارجي. وتعتمد بصورة أكبر على “القوة العارية”، وتكتيكات المدرسة الواقعية. ويكون استقرارها غير مستدام على المدى البعيد. لذا، وكي يُستكمل النجاح الدبلوماسي السوري المشهود به، والمستند إلى أدوات الليبرالية الجديدة، يجب أن يُحكم الداخل السوري بالعقلية نفسها أيضاً. فالتناقض بين انفتاح وتعاون مع الخارج، وانغلاق وتقوقع حيال الفرقاء والجمهور في الداخل، سيمثّل مقتلاً لنجاحات الدبلوماسية، وعامل إجهاض لمكاسبها.

 تلفزيون سوريا

—————————–

العقوبات التي وحّدتنا/ رباب هلال

20 مايو 2025

برع الطاغية الزائل، على مدى سنوات الحرب، في قصقصة البلاد وشمل العباد، وخنق فرحتنا وثورتنا بحبال الترعيب والترهيب الدمويّ، والتغييب خلف القضبان. تهلهلت البلاد، وتمزّقت، وقدم المحتلّون العديدون، واستباحوا البلاد وحطّوا في جنباتنا واتجاهاتنا. ثمّ أُغرقنا وحدنا، نحن الفقراء “المعثّرين”، في وحول الدماء، ثمّ قانون العقوبات الاقتصاديّة الجائر. ومع الزمن، لم تلبث معاناتنا الضخمة، أن وحّدت عويل الشعب في الداخل السوريّ، من دون صخب، وذلك بين المناطق التي بقيت تحت سيطرة النظام. في حين ظلّ رأس النظام الفاسد يرفل بالنعيم وعبيده من المناطق والطوائف كافّة.

ظُلم أبناء الساحل، كما ظلم جميع السوريين. كان الساحل أسيراً للأسديْن، استفحل الظلم، وتمدّد قمعه بصفاقة، ليتّقد الهمس الرافض كجمر تحت الرماد، وتتأجج الأصوات وتعلو شيئاً فشيئاً وصولاً إلى العام 2021، وقد باتت صريحة في العامين 2023-2024. نتذكّر جيّداً، كيف استنفر عسس النظام، لمراقبة وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، لاصطياد، واعتقال كثيرين من المنتقدين، ومعلني الحقيقة، أغلبهم من موالاته وشبّيحته، وبعضهم صحفيّون.

وما يؤكّد معاناة أهل الساحل البؤساء في أغلبهم، هي فرحتهم العارمة بسقوط ظالمهم. وسارعوا إلى استقبال العهد الجديد، فاتحين لهم أذرعهم العزلاء وصدورهم المنهكة اليائسة. وبثقة واطمئنان، امتثل مالكو الأسلحة لأمر السلطة الانتقاليّة في تسليمها للدولة لإيمانهم أنّها مصدر أمانهم الأوحد والطبيعيّ. كانت رغبتهم بالغة كغيرهم في استعادة حرّيتهم، وحياتهم الآمنة والكريمة؛ أبسط حقوق المواطنة.

لم تكد تمضي أشهر ثلاثة على حضور الحكومة الانتقاليّة السلطة، وبثّها تطمينات للشعب، حتّى تقصقص فرح أهل الساحل مجدّداً، نقص هنا، واختفى هناك، لقد اغتالت المجازر اطمئنانهم وثقتهم. وبدأ القتل، واتسع تبعاً للهويّة الطائفيّة بشكل سافر مُعلن. قتل كثير من المدنيّين الأبرياء، ومن معارضي النظام الآفل وسجنائه. وانتهكت بيوتهم وحرق كثير منها، وسرقت ممتلكاتهم. فنزح من نزح، وهجّر من هجّر. وفاضت جرائم الفصائل بعضها منفلت كما أعلن رسميّاً، حتّى إنّها غطّت على ذريعة محاربة فلول النظام المجرمة، وتجاوزتها، وبدت الوجه الآخر لهم. بل ساهمت مع الفلول بقتل عديد من شباب الأمن العام؛ أبنائنا. وما تزال الفصائل منفلتة، تمعن في إجرامها، وفي قطع روابط الثقة. وفقدان الثقة هو أخطر ما يحدُث بين الحاكم والمحكوم.

لو تزور الساحل اليوم ستلاحظ، على الفور، التوجّس والخوف في عيون أهالي مدينتيّ طرطوس واللاذقيّة، حيث الوضع الأمنيّ منضبط إلى حدّ مقبول نسبيّاً. وبأمّ العين سترى اختلافه في الأرياف، ستصدمك الحياة شبه المتوقّفة كمصابة بالفالج، إذ لا علاقات اجتماعيّة وتواصل كعادة الريفيّين عامّة، ولا حركة تجاريّة على بساطتها أصلاً، ولا حرف مهنيّة تسير كما ينبغي، وحركة زراعيّة شديدة التعثّر؛ المهنة الأصليّة للأهالي، وأحد أعمدة الاقتصاد الوطنيّ، سواء في المناطق التي غالباً ما تتعرض للانتهاكات والجرائم المختلفة، وشاع الخطف، ليتسيّد الخوف حتّى في المناطق الآمنة. وسيباغتك كمّ الفقر يتفاقم. ويصفعك توقّف الطلاب والطالبات عن إكمال دراساتهم، في منطقة لطالما افتخرت البلاد بها، وبكفاءاتها العلميّة، والفكريّة، والثقافيّة والأدبيّة والفنّيّة.

كان من حقّ تلك الأرياف الفقيرة أن تصخب فرحاً بقرار رفع العقوبات الاقتصاديّة عن لقمة عيشها، كان من حقّها أن تشارك بقيّة أخوتها صخب الفرح، عوض أن يكمّ الخوف أفواهها، ويحبسها المنع المسلّح، خلف أبواب بيوتها الموصدة عند الغروب، على صفير اللاطمأنينة. فمتى تكتمل فرحة السوريّين الموحّدة؟

العربي الجديد

———————-

سورية إذ تستدير غرباً/ شعبان عبود

20 مايو 2025

ساهم إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن رفع العقوبات عن سورية، خلال جولته أخيراً في المنطقة، في إشاعة حالة من الفرح العارم عند غالبية السوريين، وذلك بعد عقود من الحرب والمعاناة على كل الصعد، لا سيّما المعيشية.

جاء هذا الإعلان، وكما يعلم الجميع، بعد مرحلة مفصلية في تاريخ سورية، الأمر الذي أعاد تشكيل الخريطة السياسية الداخلية وأحدث ارتدادات إقليمية ودولية واسعة النطاق. وبعد الإعلان الأميركي عن رفع العقوبات، يبدو أن تغييراً هائلاً في موقع سورية على خارطة التحالفات والعلاقات الدولية سيحصل.

نقول ذلك؛ لأنه لا يخفى على أحد أن النفوذ الروسي شكَّل عبر عقود إحدى ركائز السياسة الخارجية لموسكو منذ الحقبة السوفييتية، بنفس الوقت الذي ساهم في تشكيل موقع وهوية سياسية لسورية والسوريين، سورية مع حزب البعث كانت إحدى ركائز المحور الشرقي، والسوريون ونخبهم وأحزابهم ومنذ أواسط الخمسينيات مالوا يساراً، تطرّف بعضهم بعيداً في ذلك، لدرجة كادت فيه أن تصبح كلمة “الغرب” معادلة للشتيمة والاتهام بالخيانة. وتعزّز هذا الحضور لاحقاً خلال الثورة والحرب، إذ لعبت روسيا دوراً حاسماً في دعم نظام بشار الأسد عسكرياً وسياسياً. ولا يمثل خروج سورية اليوم من دائرة النفوذ الروسي تحولاً في خريطة الشرق الأوسط فحسب، بل يعكس أيضاً بدايةَ تصدّع التحالفات التقليدية، وتحولاً في الهوية السياسية وفي تطلعات السوريين وطموحاتهم. واليوم حيث الإدارة الجديدة التي تسعى إلى بناء دولة وطنية مستقلة ومتصالحة مع محيطها، تبدو أكثر ميلاً نحو الانفتاح على الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، التي تملك أدوات سياسية واقتصادية تمنحها قدرة أكبر على دعم إعادة الإعمار والاندماج الدولي.

بالطبع، تلعب رؤية الرئيس الأميركي دوراً في ذلك، رؤيته القائمة على الصفقات، إضافة إلى المنافسة أو الحرب الاقتصادية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، التي تعيد تعريف أولويات واشنطن في العالم. وسورية اليوم، بموقعها بين العراق وتركيا والأردن ولبنان وإسرائيل، وبإطلالتها على البحر المتوسط، ربما تكون من المواقع الهامة في المنطقة في إطار ذلك التنافس، فهي تشكّل بوابة برّية إلى أوروبا وآسيا، ومفتاحاً مهمّاً لأي مشروع اقتصادي وسياسي كبير في الشرق الأوسط.

قبل ذلك، يجب أن نتذكر أن الاستدارة نحو أميركا والغرب عموماً سيكون عملية تحول تاريخيّة. نقصد أن تكون سورية الجديدة ضمن الفضاء الغربي سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

في الوقت نفسه، وبصراحة أكثر، الانفتاح على العالم، خاصّة على الغرب، يجب ألّا يعني هنا الخضوع أو التبعية، بل الانخراط الواعي في القيم والممارسات التي تساهم في بناء دول حديثة مستقرة تحترم الإنسان وتوفر لمواطنيها فرص الحياة الكريمة.

القيم الغربية مثل؛ سيادة القانون، والفصل بين السلطات، واحترام الحريات الفردية، وحقوق الإنسان، يمكن أن تشكل أساساً صلباً لأي مشروع وطني جديد. فهذه القيم لا تعني التفريط بالهوية أو الخصوصية الثقافية، بل تتيح إعادة صياغة العقد الاجتماعي بطريقة تضمن المشاركة السياسية، والمساءلة، والعدالة الاجتماعية.

يجب ألّا يعني الانفتاح على الغرب إغلاق الأبواب أمام الشرق أو الجوار الإقليمي، بل يعني امتلاك القدرة على التوازن، وبناء علاقات خارجية متعددة تراعي المصالح الوطنية. في هذا السياق، يمكن لسورية الجديدة أن تتحول إلى دولة محورية، لا تابعة، تلعب دوراً في تعزيز الاستقرار. إضافة إلى أن الانفتاح اليوم على العالم الغربي ضرورة استراتيجية وثقافية، تُمكّنها من عبور المرحلة الانتقالية بثقة، وتمنح شعبها ما يستحقه من كرامة وحرية وفرص.

——————————

 منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب: خطوة محفوفة بالمخاطر/ مها غزال

الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب: حسابات الأمن والتكلفة الاجتماعية

الثلاثاء 2025/05/20

تُعد مسألة الجنسية من أكثر القضايا حساسية في الدول الخارجة من الحروب والنزاعات. ومع بدء مرحلة إعادة بناء الدولة السورية، تبرز قضية المقاتلين الأجانب الذين مكثوا في البلاد لفترات طويلة وتزوجوا سوريات وأنجبوا أطفالاً، كأحد أعقد الملفات التي تتشابك فيها الأبعاد القانونية والاجتماعية والأمنية.

الرئيس السوري، أحمد الشرع، طرح مؤخراً فكرة منح الجنسية لهؤلاء المقاتلين بدافع إنساني. حيث يرى أن إعادة ترحيلهم قد يشكل خطراً على حياتهم وحياة أسرهم، في ظل الملاحقات القضائية التي قد يتعرضون لها. لكن هل يمكن اعتبار هذا الطرح خطوة نحو العدالة الانتقالية، أم أنه قرار محفوف بالمخاطر الأمنية والقانونية وقد يفتح الباب أمام تحديات جديدة؟

التجربة البوسنية

تقدم التجربة البوسنية نموذجاً يستحق التأمل، إذ شهدت البلاد تدفقاً للمقاتلين الأجانب خلال الحرب الأهلية، حيث قدموا تحت شعارات الجهاد والدفاع عن المسلمين. بعد انتهاء النزاع، واجهت البوسنة معضلة قانونية تتعلق بوضع هؤلاء المقاتلين الذين تزوجوا وأنجبوا أطفالاً على أراضيها.

في البداية، منحت السلطات الجنسية للبعض بناءً على ظروف استثنائية، لكن سرعان ما تراجعت عن هذه الخطوة بعد تصاعد الضغوط الدولية واتهامات بتسهيل بقاء “الجهاديين”.

وفي عام 2007، أطلقت البوسنة حملة واسعة لسحب الجنسية ممن حصلوا عليها بطرق غير قانونية، ما أدى إلى معارك قانونية معقدة استمرت سنوات. وخلال تلك الفترة، برزت انتقادات دولية تتهم الحكومة البوسنية بالتراخي في مكافحة الإرهاب وتسهيل بقاء أفراد يشكلون تهديداً للأمن الإقليمي. وفي نهاية المطاف، تحولت هذه القضية إلى أزمة قانونية وإنسانية تداخلت فيها أبعاد الأمن والسيادة والحقوق الإنسانية.

تؤكد تلك التجربة على أن قرارات منح الجنسية في سياقات ما بعد الحرب لا يجب أن تكون وليدة الضغوط الآنية، بل يجب أن تُبنى على أسس قانونية متينة لتجنب تحوّلها إلى قنبلة موقوتة تهدد الأمن والاستقرار.

شروط صارمة

في السياق السوري، تثير مسألة المقاتلين الأجانب تساؤلات حول الإطار القانوني الذي ينظم منح الجنسية. فمعظم هؤلاء دخلوا البلاد بطرق غير قانونية وانخرطوا في فصائل مسلحة مصنفة على قوائم الإرهاب. فهل من المعقول أن يُمنحوا الجنسية دون مراعاة المخاطر الأمنية والاجتماعية في البلاد التي تشهد انقسامات حادة في هذا السياق؟ لا سيما أن الجنسية ليست مجرد وثيقة تمنح حق الإقامة والعمل، بل هي عقد اجتماعي يتضمن حقوقاً وواجبات. لذلك، إذا قررت الدولة السورية المضي قدماً في هذا الاتجاه، ينبغي وضع شروط صارمة تشمل إثبات حسن السيرة والسلوك، والخلو من السجلات الإجرامية، والالتزام بالقوانين، وإثبات الرغبة في الاندماج وتفهم التنوع والتعدد في المجتمع السوري.

لكن إذا كان المقاتلون الأجانب الذين تزوجوا سوريات يستحقون الجنسية، فلماذا لا يمتد هذا الحق لشرائح أخرى مهمشة منذ عقود، مثل الفلسطينيين السوريين الذين ولدوا وتربوا في البلاد ولا يزالون يُعاملون كأجانب. إن التعامل الانتقائي في هذا الملف لا يعكس ازدواجية في تطبيق القانون فحسب، بل يعزز مناخ الإقصاء والإحباط لدى شرائح مجتمعية عانت من التهميش.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه الشرع عن حماية المقاتلين الأجانب من مخاطر الترحيل، يتغافل عن ضرورة حماية المجتمع السوري من المخاطر الأمنية الناتجة عن إدماج أفراد ارتبطوا بجماعات مسلحة في مؤسسات الدولة. هنا تبرز ضرورة وضع ضوابط صارمة للانتساب إلى الوزارات السيادية كالدفاع والداخلية، مع تحديد فترة زمنية بين حصول الفرد على الجنسية وبين الحق في الانضمام لتلك المؤسسات، واشتراط خلو السجل من أي ارتباطات بجماعات مسلحة.

العدالة الانتقالية

أما الملف الأخطر، فهو العدالة الانتقالية. إذا كان الهدف من التجنيس هو تحقيق العدالة وتجنب العنف المستقبلي، فلا بد أن تشمل المحاسبة كل من تورط في إراقة دماء السوريين، سواء كان أجنبياً أو سورياً، تابعاً للنظام أو للمعارضة.

كما لا يجوز أن يتحول الخطاب إلى استهداف المقاتلين الأجانب حصرياً، بل يجب التعامل مع ملف الجرائم بمعايير قانونية شاملة، تنظر إلى الجريمة كجريمة، بغض النظر عن جنسية الفاعل أو انتمائه.

في النهاية، إن منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب ليس قراراً بسيطاً يمكن اتخاذه بدافع الرحمة أو تحت ضغط الظروف الآنية، بل هو قرار سيادي يتطلب مراجعة شاملة لمنظومة القوانين المتعلقة بالجنسية والإقامة، مع مراعاة مصلحة المجتمع السوري أولاً، دون إغفال الحقوق الإنسانية للمقيمين.

—————————–

الرياضة السورية تحرّرت من العقوبات أيضاً/ مازن الهندي

20 مايو 2025

تلقّى الشارع الرياضي إعلان رفع العقوبات بسرور بالغ وتفاؤل كبير بإمكانية تحقيق نهضة حقيقية في القطاع الرياضي بشكل عام وكرة القدم السورية بشكل خاص.

عانى قطاع الرياضة في سورية طويلاً من حصار حقيقي أثر على النتائج والحضور الخارجي بشكل كبير، إضافة إلى الترهل الكبير الذي أصاب البنية التحتية للمنشآت الرياضية التي أصبحت في محافظاتِ كثيرة لا تصلح لإقامة أي نشاط رياضي، إضافة إلى الحظر الذي فرض على إقامة المباريات واستضافة الأحداث بشكل عام.

على مدى عقود خمسة، لم تشهد الرياضة السورية سوى ثلاث محطات رئيسية لإنشاء مدن رياضية وملاعب كروية على مستوى جيد، أولها في مطلع الثمانينيات من خلال تشييد ثلاث مدن رياضية في العاصمة دمشق (الفيحاء – تشرين – الجلاء) قبل تشييد المدينة الرياضية في اللاذقية في العام 1987 من أجل استضافة دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وأخيراً ملعب الحمدانية الدولي الذي يتسع لأكثر من 60 ألف متفرج والذي جرى افتتاحه في 2007… ولكن هذه المدن عانت (حتى في أوقات الازدهار والرخاء) من الإهمال، سواء على مستوى الصيانة أو التحديث، ما جعلها تصبح بعيدة كل البعد عن المعايير الدولية لاستضافة الأحداث الرياضية الدولية، علماً أن كثيراً من هذه الأحداث عرفت تنظيماً مخجلاً قبل 2011 لافتقارها إلى المرافق الأساسية والتكنولوجية، حيث كانت أكثر الملاعب السورية حتى وقت قريب جداً تفتقر إلى كراسي جلوس المتفرجين الذين كانوا يفترشون (الحجر) كي يتابعوا المباريات.

ومع بدء الثورة السورية في 2011، فرض حظر شامل على استضافة المباريات والأحداث الرياضية لدواع أمنية وغيرها، ما أجبر المنتخبات السورية على اختيار أرض بديلة للعب فيها، فتنوّعت ما بين لبنان والأردن وماليزيا والسعودية وقطر وإيران، إضافة إلى الجانبين الأمني والمادي الصعب، ما فرض على هذه المنتخبات السفر عن طريق لبنان أو الأردن لإقامة المعسكرات والمشاركة في المباريات الخارجية، في حين كانت هناك صعوبة بالغة في استقدام الخبرات والمدربين الأجانب للعمل في سورية لأسباب تتعلق بالتمويل وكيفية تحصيل الأموال والأجور.

كيف تستفيد الرياضة السورية من رفع العقوبات؟

على مدى السنوات الأخيرة، عانى القطاع الرياضي كثيراً من مسألة الحصول على دعم الاتحادات والدول الصديقة في تمويل أي مشروع لتطوير البنية التحتية والمنشآت الرياضية، خوفاً من التعرّض للمساءلة تحت وطأة قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية، إضافة إلى عزوف شركات رياضية عالمية كثيرة عن الاستثمار في سورية (خصوصاً اتحاد كرة القدم) الذي يملك قرابة ثمانية ملايين دولار من الأموال المجمّدة التي تخصّص لها من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في البنوك السويسرية. ولكن قرار رفع العقوبات سيكون من شأنه تحرير الأموال المجمدة وتحويلها إلى سورية والاستفادة منها من أجل تطوير القطاع الرياضي بشكل عام، سواء ما يتعلق منها بالمنشآت أو بإقامة الدورات وتأهيل الكوادر وتحسين مستوى البطولات المحلية واللاعبين. كما أنه سيسمح بتلقي المساعدات الخارجية من الاتحادات الصديقة بشكل علني من دون الخوف من تبعات ذلك بسبب وطأة العقوبات والتعامل مع المؤسسات السورية بشكل عام.

وسيتيح رفع العقوبات مساعدة الكوادر السورية وخاصة في قطاع التحكيم للحصول على أموالهم التي يحصلون عليها مقابل قيامهم بقيادة العديد من المباريات الخارجية، بعد أن عانى كثيرون من تجميد أجورهم في البنوك الدولية منذ 2010.

كرة القدم المستفيد الأكبر

ستكون كرة القدم المستفيد الأكبر من قرار رفع العقوبات، إذ ستستفيد من تحرير أرصدتها البنكية والأموال التي يقدّمها برنامج (fifa forward)، إذ سيكون بالإمكان التصرّف بهذه الأموال ضمن القيود والمعايير المتعلقة بالأماكن والقطاعات المخصصة للإنفاق، حيث يقسم “فيفا” مساعداته المالية إلى عدة أبواب، يمكن إنفاق الأموال من خلالها بنسب محدّدة، إذ تقسم هذه الأموال إلى مصاريف تشغيلية وأخرى تتعلق بالبنية التحتية والتطوير وغير ذلك. وبعبارة أخرى، لا يمكن للاتحاد السوري لكرة القدم إنفاق كل أمواله المجمدة من خلال باب واحد فقط، كالتعاقد مع مدرّبين أجانب أو تطوير الملاعب فقط…

في المقابل، سيتيح رفع العقوبات للاتحاد السوري لكرة القدم الاستفادة من برامج الدعم المالي المقدّمة من الاتحاد الآسيوي، الذي أوقف تخصيص نظيره السوري بهذا الدعم منذ 2020، عبر برامج عدة أبرزها برنامج (enhance)، إضافة إلى سهولة تحويل المكافآت والأموال التي تحصل عليها المنتخبات والأندية السورية من مشاركاتها الخارجية، من دون محاولة الالتفاف على العقوبات المفروضة كما كان يحدث في السابق، حيث سيكون بالإمكان تحويل هذه الأموال مباشرة إلى حساب الاتحاد السوري لكرة القدم في البنوك السورية.

العقوبات وملف رفع الحظر

شكلت العقوبات المفروضة على سورية عائقاً رئيسياً أمام استضافة سورية الأحداث الرياضية والكروية العربية والإقليمية والقارية، لكن قرار رفع العقوبات سيساعد ولو جزئياً في دعم ملف رفع الحظر عن الملاعب السورية، وهو الملف الذي عملت عليه الاتحادات المتعاقبة على مدار العقد الأخير، من دون أن تنجح إلا في أحداث قليلة جداً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وخاصة في رياضة كرة السلة. ولكن رفع العقوبات لن يعني في أي حال إمكانية عودة المنتخبات والأندية السورية إلى اللعب على أرضها مجدّداً في الوقت الحالي، فملف رفع الحظر لم يتعلق يوماً بجاهزية الملاعب وتوفر الأموال فحسب، وإنما يتعدّى ذلك إلى أمور أخرى، أساسها الوضعان الأمني والسياسي للبلاد، وهو ما أرفقته لجانٌ عديدة زارت سورية من الاتحادين الآسيوي والدولي في السنوات الأخيرة، وهي لجان كشفت على المنشآت الرياضية أولاً، وكذلك على المرافق والبنية التحتية للبلاد حيث يتطلب قرار رفع الحظر توفر الأمن أولاً والمطارات والفنادق والمواصلات والاتصالات وأمور أخرى تتعلق بالبنية التحتية للبلاد.

لكن الأكيد أن رفع العقوبات خطوة أولى نحو عودة شركات الطيران الأجنبية وبناء فنادق على مستوى عال، إضافة إلى أنه سيتيح لشركاتٍ عديدة الاستثمار في القطاع الرياضي وإعادة تأهيل الملاعب والصالات، بحيث تكون قادرة على استضافة الأحداث الرياضية وفق المعايير الدولية.

العربي الجديد

————————–

روبيو يحذّر من إنهيار الإدارة السورية: حرب أهلية شاملة

الثلاثاء 2025/05/20

حذّر وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو من حرب أهلية شاملة في سوريا، في حال انهيار السلطات الانتقالية التي تقود البلاد، داعياً مجلس الشيوخ إلى الموافقة على رفع قانون عقوبات “قيصر”.

الاستثناءات ليست كافية

وخلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قال روبيو إن تقييم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هو أن “السلطة الانتقالية ربما تكون على بُعد أسابيع، وليس شهوراً، من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد كارثية، في مقدمتها تقسيم البلاد”، معيداً السبب إلى التحديات التي تواجهها السلطة في سوريا.

ودافع الوزير الأميركي خلال الجلسة، عن طلبه من مجلس الشيوخ رفع قانون عقوبات “قيصر” عن سوريا، وكذلك عن قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا، والتواصل مع الحكومة السورية في دمشق.

وعلّل روبيو طلبه بالتأكيد أن رفع العقوبات من قبل ترامب لن يكون كافياً مع استمرار العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قيصر”. وأضاف “يمكننا إصدار استثناءات، لكن إلغاء هذه الاستثناءات، نظراً لانتهاء صلاحيتها، لن يجذب النوع المطلوب من الاستثمار الأجنبي”. وتابع: “في النهاية، يجب أن يتم اتخاذ شيء على مستوى الكونغرس أو بصورة أشمل لضمان أنه إذا تم اتخاذ الخطوات الصحيحة، يمكننا خلق بيئة لنمو القطاع الخاص الذي يبدأ في توفير فرص اقتصادية للشعب السوري”.

وأوضح روبيو أن السبب وراء رفع ترامب للعقوبات عن سوريا، هو فتح المجال أمام دول المنطقة لمساعدة الحكومة الانتقالية هناك.

السفارة الأميركية بدمشق

وأكد الوزير الأميركي أن ما يحصل في سوريا، سيكون ذا تأثير عميق على لبنان، قائلاً: “إذا نظرنا إلى المنطقة بعد عامين من الآن، ستكون سوريا ولبنان مستقرتين، وسيفتح ذلك فرصاً هائلة في المنطقة لتحقيق السلام والأمن وإنهاء الصراعات والحروب، وهي من الواضح مهمة كبيرة وتحتاج إلى تفكير واسع النطاق، لكنها فرصة”.

ولفت إلى أن سبب تأخر فتح السفارة الأميركية في دمشق، هو المخاوف الأمنية في سوريا، مضيفاً أن سوريا غير مستقرة، يعني أن المنطقة غير مستقرة.

لكن الوزير أوضح أنه سيتم السماح لموظفي السفارة الأميركية في سوريا، بالعمل من تركيا، لتحديد نوع المساعدات التي يحتاجها المسؤولون في سوريا.

ويأتي حديث روبيو بعد أيام على محادثات مع نظيره السوري أسعد الشيباني في تركيا، وذلك غداة إعلان ترامب من العاصمة السعودية الرياض، رفع العقوبات الأميركية عن سوريا.

وقال روبيو لصحافيين بعد المحادثات: “نعتقد أن سوريا مسالمة ومستقرة ستكون واحدة من أبرز أوجه التحسينات في المنطقة منذ زمن، ونريد أن نفعل كل ما بوسعنا للمساعدة في تحقيق ذلك”، مضيفاً أن الإدارة الأميركية ستبدأ برفع العقوبات للسماح للدول الأخرى بتدفق المساعدات.

———————————

 وزير الخارجية الأميركي: نحتاج خطوة من الكونغرس لجذب استثمارات حقيقية إلى سوريا

2025.05.20

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في كلمته أمام الكونغرس، اليوم الثلاثاء، إن بشار الأسد كان السبب الرئيسي في زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، بعدما حوّل سوريا إلى ساحة مفتوحة للجماعات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم داعش، لتستخدمها كنقطة انطلاق لعملياتها وزعزعة استقرار الشركاء الإقليميين.

وأوضح روبيو،أن التحول الذي شهدته سوريا في كانون الأول/ديسمبر الماضي يمثل منعطفًا مهمًا، لكنه يحمل تحديات كبيرة.

وأشار إلى أن بعض شخصيات الإدارة السورية الجديدة لم تنجح في اجتياز الفحص الأمني الذي تجريه الأجهزة الأميركية، ولديهم ماضٍ صعب بحسب ما هو متاح من معلومات.

وتابع وزير الخارجية الأميركي قوله، “إذا قررنا عدم التعامل معهم، فإن الفشل سيكون أكيدا. أما التواصل، فقد يحمل فرصة للنجاح.

ووفقاً لـ روبيو، فإن السلطة الانتقالية تواجه تحديات هائلة، و”ربما كانت على بعد أسابيع فقط من الانهيار، مما ينذر بحرب أهلية شاملة وانقسام فعلي للبلاد”. في تبرير منه لقرار ترمب السريع” برفع العقوبات.

وأكد الوزير، أنه “لا تزال الهوية الوطنية السورية موجودة. فقد كانت سوريا بلدًا تعايش فيه العلويون والدروز والمسيحيون والسنّة والشيعة والأكراد ضمن نسيج وطني واحد، إلى أن جاء الأسد ومزّق هذا النسيج عبر تحريض المكونات على بعضها، مدّعيًا حماية بعضهم وتخويفهم من الآخرين”.

وشدد على أن من أبرز التحديات التي تواجهها سوريا اليوم هو غياب الثقة المتبادلة بين مكونات المجتمع، وملف التهجير، حيث يعيش نحو 6 إلى 8 ملايين سوري في الخارج، يحقق كثير منهم نجاحات في الدول المضيفة، لكنهم يحتاجون إلى بيئة آمنة للعودة والمساهمة في إعادة بناء بلادهم.

الدعم الأميركي للتحول في سوريا

وكشف الوزير أن الخطوات التي اتخذها الرئيس الأميركي مؤخرًا فيما يتعلق برفع العقوبات عن سوريا جاءت نتيجة خطة مدروسة، مشيرًا إلى منح تأشيرات لمسؤولين في الحكومة السورية لحضور اجتماعات في الأمم المتحدة والبنك الدولي. ولفت إلى أن الرئيس التقى نظيره السوري أحمد الشرع في خطوة وُصفت بالجريئة، مدفوعة بتشجيع من حلفاء إقليميين بينهم السعودية وتركيا.

وأضاف روبيو، أن “الشركاء الإقليميون يريدون تقديم المساعدة، لكنهم يخشون من العقوبات الأميركية. رفع هذه العقوبات سيسمح بانطلاقة حقيقية في دعم السلطة الانتقالية، وتأسيس مؤسسات حكم فعالة، وتوحيد القوى الأمنية، وبدء عملية إعادة بناء الدولة”.

رفع العقوبات وحده لا يكفي

وأشار وزير الخارجية الأميركي إلى أن رفع العقوبات وحده لا يكفي، فبموجب قانون قيصر، فإن الإعفاءات المؤقتة لا تشجع على الاستثمار طويل الأمد. لذا سيكون من الضروري اتخاذ خطوات تشريعية في الكونغرس لخلق بيئة جاذبة للاستثمار، مما يتيح للقطاع الخاص أن يساهم في توفير فرص اقتصادية للشعب السوري.

وختم روبيو كلمته بالإشارة إلى الترابط بين مستقبل سوريا ولبنان، قائلًا: “ما يجري في سوريا سينعكس بشكل مباشر على لبنان، سواء من حيث استقراره الحدودي أو قدرته على إدارة ملف اللاجئين.

وقال الوزير، إن هدفنا هو شرق أوسط مستقر خلال العامين المقبلين، تكون فيه سوريا ولبنان دولتين قادرتين على المضي نحو السلام والتنمية”.

وأضاف روبيو، “نعلم أن الطريق طويل، لكن الفرصة تاريخية، ويجب أن نبذل كل جهد ممكن لإنجاحها”.

الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات

تأتي تصريحات وزير الخارجية الأميركية بعد ساعات من إعلان الاتحاد الأوروبي كل العقوبات عن سوريا، بحسب وكلاة الأنباء الفرنسية.

وأشارت الوكالة إلى أن “جزءاً من العقوبات الأوروبية المرفوعة كان يطال النظام المصرفي السوري ويحرمه من الوصول إلى السوق المالية الدولية”.

ولفتت إلى أن “العقوبات على أزلام رئيس النظام المخلوع بشار الأسد وحظر السلاح تبقى سارية”.

من جهتها، أكدت وسائل إعلام ألمانية أيضاً أن “الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن سوريا”.

وسبق أن أعربت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، عن أملها في التوصل إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وذلك قبيل انطلاق اجتماع وزراء الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، اليوم الثلاثاء، في العاصمة البلجيكية بروكسل.

وقالت كالاس: “نعمل على رفع العقوبات عن سوريا منذ بداية العام، نريد أن تدورَ عجلةُ الحياةِ في سوريا، وأن نمنحَ شعبَها فرصةً لإنقاذ البلاد”.

—————————-

وزير الخارجية الأميركي: فشل الحكومة الانتقالية في سوريا يعني حربًا أهلية تهدد المنطقة

20 مايو 2025

قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن بعض الشخصيات التي تقود السلطة الانتقالية في سوريا لم تنجح في اجتياز الفحص الأمني الذي أجرته وكالة التحقيقات الفيدرالية، وذلك على خلفية تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا.

وقال روبيو، في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ اليوم الثلاثاء، إن بعض هذه الشخصيات “لديهم ماضٍ صعب، ونحن نعرفه جيدًا”، وفقًا لما أفادت به وكالة “رويترز”.

وأشار روبيو، في سياق دفاعه عن القرار الذي اتخذه ترامب برفع العقوبات عن سوريا، إلى أن إدارة ترامب كانت أمام خيارين: إما تتواصل مع الإدارة السورية الجديدة، وحينها “ربما تنجح تجربتها وربما لا”، أو أن تمتنع عن التواصل معها، وهنا “سيكون الفشل مؤكدًا”، على حد قوله.

وشدد روبيو على أن ما دفع الإدارة الأميركية إلى هذه الخطوة تجاه الحكومة السورية الجديدة هو قناعتها بأنها قد تنهار خلال أسابيع من دون دعم الولايات المتحدة الأميركية، لافتًا إلى أن إدارة ترامب تريد نجاح تجربتها لأن البديل سيكون حربًا أهلية شاملة تزعزع استقرار المنطقة.

وقال روبيو، أمام مجلس الشيوخ، إن الخارجية ستسمح لموظفي سفارة واشنطن في تركيا، وربما للسفير أيضًا لفترة مؤقتة، بالتعاون مع المسؤولين المحليين في سوريا لتحديد نوع المساعدات التي يحتاجونها.

وتأتي إفادة روبيو أمام مجلس الشيوخ في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا بهدف منح دمشق “بداية جديدة”، وذلك خلال زيارته إلى دول الخليج الأسبوع الماضي.

——————————

 واشنطن: رفع العقوبات عن سوريا قيد التنفيذ ولدينا انطباع جيد بعد لقاء ترمب والشرع

2025.05.19

أعلنت الولايات المتحدة أن عملية رفع العقوبات عن سوريا باتت قيد التنفيذ، في خطوة تهدف إلى تعزيز فرص تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، وفقاً لما أكده المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، مايكل ميتشل.

وأوضح ميتشل في تصريح لقناة “الإخبارية السورية” أن إدارة الرئيس دونالد ترمب تعتزم إصدار أوامر تنفيذية لاستكمال عملية رفع العقوبات، بعد الانتهاء من بعض الإجراءات القانونية الضرورية.

وأشار إلى أن سوريا تُعد بلداً مهماً في المنطقة، وأنه من المنطقي بدء حوار شامل مع جميع الشركاء الإقليميين من أجل دعمها في هذه المرحلة.

وأضاف ميتشل أن الحكومة السورية “تتصرف بعقلانية وبأسلوب مقبول”، مؤكداً أن واشنطن خرجت بانطباع إيجابي عقب اللقاء الذي جمع الرئيس ترمب بالرئيس أحمد الشرع.

ويوم الأربعاء الماضي، عُقد لقاء تاريخي في الرياض جمع الرئيس السوري بنظيره الأميركي، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الاتصال المرئي.

ترمب يعلن رفع العقوبات عن سوريا

أعلن ترمب، يوم الثلاثاء الماضي، عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكداً أن الهدف من هذه الخطوة هو منحها فرصة لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، حيث أشار إلى أن سوريا “عانت من بؤس شديد، وموت كبير، ومن حروب طويلة وعمليات قتل امتدت لسنوات”، معرباً عن أمله في أن تنجح الإدارة الحالية في إحلال الاستقرار والحفاظ على السلام في البلاد.

وأكد أن إدارته اتخذت الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، مشيراً إلى أن قراره جاء بعد مشاورات أجراها مع ولي العهد السعودي، والرئيس التركي، وعدد من أصدقائه في الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن هؤلاء القادة دعوه إلى اتخاذ هذه الخطوة.

وشدد ترمب على أن العقوبات “أدت فعلاً مهمة أساسية”، لكنه اعتبر أن الوقت قد حان لإعطاء سوريا فرصة جديدة، قائلاً: “استناداً إلى ما أستمع إليه من أخبار، أتمنى لها حظاً طيباً، وآمل أن تكون النتيجة طيبة وممتازة”.

يُشار إلى أن إعلان الرئيس الأميركي لاقى ترحيباً واسعاً من الحكومة السورية ومن عدد من الدول العربية، التي اعتبرت القرار خطوة باتجاه دعم الاستقرار الإقليمي وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون مع دمشق.

————————————

رفع العقوبات الاقتصادية الأوروبية عن سورية: خطوة لدعم التعافي وجذب الاستثمارات

20 مايو 2025

تتطلع سورية إلى دعم دولي وإقليمي لمساعدتها في معالجة تداعيات 24 سنة من حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد (2000-2024). ومنذ الإطاحة بنظام الأسد، تطالب الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، برفع تلك العقوبات، لأنها تعرقل جهود إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات. واليوم الثلاثاء، أعطت دول الاتحاد الأوروبي الثلاثاء الضوء الأخضر لرفع كل العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية في محاولة لدعم تعافي الاقتصاد السوري.

وأشارت المصادر وفقا لوكالة “فرانس برس” الى أن سفراء الدول الـ27 الأعضاء في التكتل القاري توصلوا الى اتفاق مبدئي بهذا الشأن، ومن المتوقع أن يكشف عنه وزراء خارجيتها رسميا في وقت لاحق اليوم. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس قبيل الاجتماع اليوم الثلاثاء، إنها تأمل أن يتمكن وزراء خارجية التكتل المجتمعين اليوم، في بروكسل من التوصل إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية.

وذكر مسؤولون أن الوزراء يدرسون قرارا سياسيا لرفع العقوبات الاقتصادية، والإبقاء في الوقت نفسه على العقوبات المرتبطة بنظام بشار الأسد وفرض إجراءات ضد انتهاكات حقوق الإنسان. وأضافت “من الجلي أننا نريد (توافر) الوظائف وسبل المعيشة لشعب (سورية)، كي يصبح بلدا أكثر استقرار”.

وفرض الاتحاد الأوروبي أولى عقوباته على النظام السوري في مايو/أيار 2011، عقب اندلاع الثورة السورية، مستهدفًا شخصيات بارزة من الدائرة المقربة من بشار الأسد، متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وقد شملت العقوبات حظر السفر وتجميد الأصول المالية. كما شملت العقوبات إجراءات قطاعية طالت قلب الشبكة المالية للنظام، منها حظر استيراد النفط الخام ومشتقاته من سوريا، ومنع تصدير معدات ذات استخدام مزدوج (مدني وعسكري)، إضافة إلى قيود على تمويل مشاريع البنية التحتية.

وفي 24 فبراير/ شباط الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي قراره تعليق بعض العقوبات المرتبطة بقطاعات مثل البنوك والطاقة والنقل، مع التأكيد على مراقبة الوضع الميداني في سورية وتقييم إمكانية تعليق المزيد من العقوبات في المستقبل.

دول اخرى في الطريق لرفع العقوبات عن سورية

كما تتجه اليابان إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، وأكدت صحيفة الاقتصاد اليابانية السبت الماضي، أن “الحكومة سترفع العقوبات عن سورية في نهاية مايو/ أيار الجاري تماشياً مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”. وقال وزير الخارجية الياباني تاكيشي إيوايا، السبت، إن بلاده تدرس رفع العقوبات عن سورية، وذلك بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع إدارته للعقوبات المفروضة على دمشق. وأضاف تاكيشي في مؤتمر صحفي بطوكيو، أن بلاده “ستراقب عن كثب المناقشات في المجتمع الدولي وتتخذ القرار المناسب بشأن رفع العقوبات عن سورية”.

وأعلن البنك الدولي الجمعة، تسوية المتأخرات المالية المستحقة على سورية، والبالغة قيمتها 15.5 مليون دولار لتصبح مؤهلة للحصول على تمويلات جديدة. وذلك بعد يوم من بحث وزير المالية السوري محمد يُسر برنية، مع وفد من البنك سبل التعاون في إعادة تأهيل القطاعات ذات الأولوية في البلاد.

وفي 27 أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت وزارتا المالية في السعودية وقطر سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي، والتي تبلغ نحو 15 مليون دولار، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” حينها. وقبيل قرار ترامب، كانت المؤسسات المالية الدولية لا تستطيع تقديم الدعم المالي لسوريا، في ظل العقوبات المفروضة على دمشق.

والثلاثاء الماضي، أعلن ترامب خلال زيارة رسمية إلى السعودية، رفع إدارته للعقوبات المفروضة على سورية، ما اعتبرته أوساط أوروبية تطورا قد يدفع نحو مراجعة أوسع للعقوبات الغربية. وعلى خلفية انتهاكات نظام الأسد ومجازره في قمع الثورة بسورية منذ 2011، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بينها بريطانيا عقوبات على هذا البلد العربي، شملت تجميد أصول، ووقف التحويلات المالية، والحرمان من التكنولوجيا، وحظر التعامل مع نظامه.

والخميس، قالت وزارة الخزانة الأميركية إنها تعمل مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لتنفيذ توجيهات الرئيس ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا. وأضافت في منشور على حسابها بمنصة إكس: “نتطلع إلى تطبيق التصاريح اللازمة التي ستكون حاسمة لجلب استثمارات جديدة إلى سورية”. ورجحت وزارة الخزانة أن “إجراءاتها قد تساعد في إعادة بناء الاقتصاد والقطاع المالي والبنية التحتية في سورية، ويمكن أن تضع البلاد على طريق مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر”.

وأكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني السبت الماضي، أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات التي فرضت على سورية، هو خطوة مهمة في طريق التعافي الوطني وإعادة الإعمار، ويعكس جهدا دبلوماسيا عربيا صادقا أثمر نتائج ملموسة. ولفت الشيباني في كلمة بلاده أمام القمة العربية الـ34 المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد، إلى أن رفع العقوبات ليس نهاية المطاف، بل هو بداية طريق يأمل أن يكون معبدا بالتعاون الحقيقي، وتكامل الجهود العربية لتحقيق التنمية.

وناقش الرئيس السوري أحمد الشرع مع وزراء ومديري هيئات أول من أمس الأحد، مشروع تعديل قانون الاستثمار، في وقت تسعى فيه البلاد للتعافي من تداعيات عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد. وأوضحت وكالة الأنباء السورية-سانا-أن اللقاء هدف “لمناقشة مشروع صياغة قانون الاستثمار وتعديلاته، بما يسهم في تعزيز بيئة الأعمال، ويواكب متطلبات المرحلة المقبلة والانفتاح الاقتصادي الواسع الذي تشهده سورية”.

(فرانس برس، العربي الجديد)

———————

الشيباني: رفع العقوبات يعبّر عن إرادة إقليمية ودولية لدعم سورية/ أنور الزيادات

20 مايو 2025

اعتبر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الثلاثاء، أن قرار رفع العقوبات يعبّر عن “إرادة إقليمية ودولية” لدعم سورية، بعيد تأكيد دبلوماسيين مَنْح الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر لرفع كل العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ اندلاع النزاع. وقال الشيباني خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في دمشق: “إزالة العقوبات تعبر عن الإرادة الإقليمية والدولية لدعم سورية”، مؤكداً أن لدى “الشعب السوري اليوم فرصة تاريخية ومهة جداً لإعادة بناء بلده”. وأفاد الشيباني: “توجّنا جهودنا الدبلوماسية برفع العقوبات الأوروبية، بعد أيام من رفع العقوبات الأميركية”، مشيراً إلى أن رفع العقوبات سيحدث أثراً إيجابياً على البلاد، و”سيفسح المجال لشراكات أكبر بالتنسيق مع الجانب الأردني”.

وفي السياق، وحول العلاقات مع الأردن، قال وزير الخارجية السوري: “وقّعنا اتفاقية لإحداث مجلس تنسيقي أعلى لتعزيز العمل المشترك بما يخدم مصالح بلدينا”، لافتاً إلى “تهديدات أمنية مشتركة تواجه سورية والأردن”، وأن العلاقات مع الأردن تبشر “بازدهار مقبل”.

إلى ذلك، قال الشيباني: “نركز مع الجانب الأردني على ترجمة العلاقة المتميزة بين البلدين إلى عقود واتفاقيات وشراكات يستفيد منها الشعبان السوري والأردني”، مشيراً إلى وجود “تنسيق كامل مع الأردن لتعزيز الروابط بين المنطقة وبين شركائها في الدول الأوروبية والأميركية”.

من جانبه، قال الصفدي إن سورية “تمر بمرحلة تاريخية، والأردن سيكون لها السند والداعم حتى تصل إلى بناء سورية الحرة السيدة المستقرة الآمنة لكل مواطنيها، والتي يشكل استقرارها ركيزة لاستقرار المنطقة برمتها”. وأضاف الصفدي: “ما يهدد أمن واستقرار سورية يهدد أمن الأردن واستقراره، ونسعى إلى تعزيز التعاون في مواجهة التحديات المشتركة”.

وحول الاعتداءات الإسرائيلية شدّد الشيباني على أنها “لا تهدد سورية فقط بل جميع المنطقة، وتمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية، ومنذ اليوم الأول قلنا نريد سورية مستقرة، فالشعب السوري تعب من الحروب”، بينما أشار الصفدي إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب سورية هي اعتداء على الأردن، واستقرار سورية يتطلب وقف كل التدخلات الخارجية في شؤونها.

وأكد الوزير الأردني أن “سورية بوابة الأردن إلى أوروبا”، مشيراً إلى مشاريع مرتقبة “تؤسس لعلاقات تعود بالنفع على المنطقة”، محذراً من أن “إسرائيل تريد الفرقة والانقسام حتى تُبقي سورية في حالة فوضى”، واصفاً ذلك بأنه “خطر على السلم والأمن في المنطقة”.

وبدأ الصفدي اليوم الثلاثاء، زيارة عمل إلى دمشق، يترأس خلالها وفدا وزاريا يضم كلا من وزير المياه والري رائد أبو السعود، ووزير الصناعة والتجارة والتموين يعرب القضاة، ووزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة، ووزيرة النقل وسام التهتموني. وبحسب ما ذكر بيان للخارجية الأردنية في وقت سابق، سيعقد الوزراء مباحثات موسّعة مع نظرائهم السوريين، وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، ووزير الاقتصاد والصناعة محمد الشعار، ووزير الطاقة محمد البشير، ووزير النقل يعرب بدر. وقرر مجلس الوزراء الأردني، الأحد الماضي، الموافقة على الإطار العام لإنشاء مجلس للتنسيق الأعلى بين المملكة وسورية. وجاء القرار للتوافق على أجندة عمل مشتركة بين البلدين، وتعزيز “التعاون الأخوي” بينهما في العديد من المجالات، خصوصاً الأساسية منها كالتجارة والنقل والطاقة والصحة، والتوسع لاحقاً إلى بقية المجالات. ويضم المجلس في عضويته وزراء الطاقة والصحة والصناعة والتجارة والنقل والزراعة والمياه وتكنولوجيا المعلومات والاتصال والتعليم والسياحة.

ويجتمع المجلس بالتناوب في كل من البلدين، على أن يكون الاجتماع الأول في الأردن، ويعقد دوراته مرة كل ستة أشهر، ويجوز له عقد دورة استثنائية في أي وقت يتفق عليه الطرفان إذا دعت الحاجة لذلك. وأجرى الصفدي في 12 مايو/أيار الجاري، محادثات مع نظيريه التركي هاكان فيدان، والسوري أسعد الشيباني خلال اجتماع ثلاثي استضافته تركيا، وبحث آليات التعاون لدعم الجمهورية العربية السورية في جهودها لإعادة البناء والتصدي للتحديات التي تهدد مسيرتها وأمنها واستقرارها وسيادتها. وأكد الوزراء، خلال الاجتماع، أهمية مأسسة التعاون بين الدول الثلاث في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية وضرورته لدعم سورية في إعادة البناء على الأسس التي تضمن وحدتها وأمنها وسيادتها وسلامة مواطنيها.

وعلى هامش اللقاء الثلاثي، أجرى الصفدي اجتماعًا مع الشيباني بحث الخطوات التي سيتخذها البلدان لتعميق التعاون ومواجهة التحديات المشتركة. واتفق الصفدي والشيباني على عقد اجتماع موسع يحضره الوزراء المعنيون لبحث التعاون في القطاعات المختلفة، تفعيلًا لمجلس التنسيق الأعلى الذي كانا اتفقا على إنشائه خلال لقائهما في دمشق الشهر الماضي.

كما بحث الوزراء التعاون القائم لمواجهة خطر تهريب المخدرات والسلاح ومواجهة الإرهاب. وفي مؤتمر صحافي بعد اللقاء الثلاثي، أكد الصفدي أن المحادثات خلال الاجتماع “عكست موقفنا الموحّد في دعم  السوريين”. وأضاف: “دعمنا لسورية مطلق، وقوفنا إلى جانب سورية في مواجهة كل ما يهدد أمنها واستقرارها مطلق، واستقرار سورية هو ركيزة لاستقرار منطقتنا، وحصول الشعب السوري الشقيق على حقه في الحياة الآمنة الكريمة بعد سنوات من المعاناة أولوية بالنسبة لنا”. وشدد على أن المملكة لن تدخر جهدًا في دعم سورية.

وقال الصفدي إن الاجتماع بحث خطوات عملية لدعم سورية وللمساعدة في تفعيل المؤسسات، وبناء القدرات، وبناء علاقات اقتصادية تجارية استثمارية تنعكس خيرًا على الجميع. وتابع: “صحيح أن ثمة تحديات في سورية، لكن ثمة فرصاً كبيرة أيضًا، وكلما عملنا معًا ونسقنا مواقفنا، استطعنا أن ندفع باتجاه الإفادة من هذه الفرص بما ينعكس خيرًا على سورية وعلى شعبها”. وأكد الصفدي أن التحديات الأكبر هي التي تستهدف أمن سورية واستقرارها من الخارج، وفي مقدمة هذه التحديات العدوان الإسرائيلي المتجدد، ومحاولة إسرائيل التدخل في الشؤون السورية وبث الفرقة والفتنة والانقسام.

———————————–

رفع عقوبات أميركا عن سوريا.. تحديات وآلية معقدة قد تستغرق سنوات محدث 20 مايو 2025

19 مايو 2025

تُصوَّر العقوبات الأميركية على سوريا عادةً كمصعد له اتجاه واحد إلى الأعلى فقط، وذلك بسبب أن إبطالها في التشريع الأميركي أمر صعب جدًا، بخلاف فرضها الذي يكون أسهل.

ولذا، فإن القرار الأخير للرئيس الأميركي دونالد ترمب برفع العقوبات عن سوريا هو خطوة غير معتادة تفتح الباب لأسئلة كثيرة عن التحديات التي تواجه آليات رفع العقوبات وجدواها بالنسبة للسوريين.

تاريخ العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا

ولم تكن عقوبات قيصر الوحيدة المفروضة على سوريا، لكنها الأشد والأكثر تأثيرًا، حيث تشل الاقتصاد السوري بالكامل، بفرضها تبعات كارثية على أي دولة أو جهة أو شركة تمارس نشاطًا تجاريًا أو استثماريًا في سوريا.

وأُقرت هذه العقوبات عام 2019 بعد تسريب آلاف الصور المروعة لضحايا معتقلات الأسد.

وبدأت العقوبات الأميركية على سوريا قبل 46 عامًا، حين أدرجت واشنطن دمشق على قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1979، إبان حكم حزب البعث.

وتفاقمت العقوبات في 2003، حين فرض الرئيس بوش الابن قانون محاسبة سوريا، ثم توسعت على مدار سنوات الثورة السورية عام 2011.

عقوبات تنفيذية وأخرى تشريعية

وتندرج العقوبات الأميركية على سوريا تحت فئتين: تتمثل أولاهما في عقوبات صدرت بأوامر تنفيذية، مثل التي فرضت على خلفية قمع المتظاهرين عام 2011.

ويمكن للرئيس الأميركي إلغاؤها أو تعديلها بأمر تنفيذي معاكس من دون الرجوع للكونغرس، وقد يحتاج هذا الإجراء فقط أسابيع لمراجعة قوائم الإعفاء مع الجهات الحكومية وعلى رأسها وزارة الخزانة الأمريكية.

أما الفئة الثانية فهي عقوبات أقرّها الكونغرس الأميركي وضَمنّها في قوانينه وهي ثلاث: قانون إدراج سوريا على قوائم الدول الراعية للإرهاب، وقانون محاسبة سوريا، وقانون قيصر.

ولكونها صادرة عن الكونغرس، فلا يمتلك غيره صلاحية إلغاء هذه العقوبات أو تعديلها. ولكن، يمتلك رئيس الولايات المتحدة صلاحية تجميد العقوبات بإطار محدد المدة وقابل للتمديد.

وفي نهاية ولايته بعد سقوط الأسد فعّل الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ذلك، وإن كان قراره حينها قد شمل بنودًا هامشية فقط. ولهذا، فإن شطب العقوبات بالكامل يحتاج تشريعات معقدة.

عقبات وآمال

ويبرز في وجه إلغاء العقوبات التي أقرها الكونغرس الأميركي تحديان أساسيان: الأول هو التجاذبات الحزبية الداخلية في الولايات المتحدة.

فعلى سبيل المثال، لن يطرح قانون قيصر للنقاش أمام الكونغرس حتى عام 2028، وعملية إدراجه قبل هذا الموعد على جدول أعمال المجلس ترتبط بصراعات الجمهوريين والديمقراطيين.

أما التحدي الثاني، فيُعَدّ الأكثر تعقيدًا، وهو إقناع أعضاء الكونغرس أن سوريا استوفت الشروط التي فرضت العقوبات من أجلها أصلاً.

ومن المتوقع أن يصدر ترمب أوامر تنفيذية لتجميد أو تعليق أو تأجيل العقوبات الأميركية على سوريا، أو إقرار أذونات مرحلية للسماح.

وخلال السنوات التالية ستبقى أعين المشرعين الأميركيين على سوريا تراقب عن قرب مدى التزامها بشروط إزالتها من قوائم العقوبات نهائيًا.

ولعلّ الجانب الإيجابي في الأمر، أن نتائج أوامر ترمب التنفيذية ستظهر سريعًا، فبقدر ما تبدو عملية رفع العقوبات قانونية في الظاهر، إلا أنها في الجوهر سياسية محضة.

ويعتبر رجال الاقتصاد أفضل من يقرأ رسائل السّاسة، خاصة في ظل حماس دول الإقليم العربي للمساهمة في إعادة إعمار سوريا والدخول إلى سوقها الواعدة.

———————-

بعد قرار ترامب.. سوريا في معترك إعادة البناء والنفوذ الإقليم/ يرشا إبراهيم

– واشنطن

20 مايو 2025

يتيح قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا، فتح صفحة جديدة، ليس في تاريخ هذا البلد الذي حطمته الأزمات والحروب فحسب، بل في تاريخ المنطقة برمتها.

وتتهيأ أطراف إقليمية ودولية كثيرة لاغتنام القرار، الذي يحمل وعودا بالازدهار للشعب السوري، في التنافس من أجل ترسيخ نفوذها في سوريا.

“من سيحظى بماذا من الكعكة السورية؟” سؤال يتردد في أروقة التكهنات. لكن “أعتقد أننا لا نزال بحاجة إلى مراقبة التطورات،” كما يقول  كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، سنان سيدي لـ”الحرة”.

وفي الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات الداعية إلى الاستثمار والتعاون الدولي وعودة سوريا إلى “الحضن العربي”، تظهر في المقابل تحذيرات من مخاطر تدخلات خارجية ومحاولات لاستغلال الوضع السوري الهش.

“النفوذ الروسي في الساحة السورية قد تراجع، لكن هذا لا يعني أن هذه القوى قد اختفت تماما. بل يعني أنه مع رفع العقوبات، سيسعى الروس والإيرانيون للاستفادة من هذه الفرص، نظرا لوجود مصالح تجارية ومالية داخل سوريا تحظى بدعمهم،” يقول سيدي.

لكن، “المملكة العربية السعودية وتركيا،” يستدرك سيدي، “ستجدان نفسيهما في وضع يمكنهما من ممارسة نفوذ كبير داخل سوريا، حيث ستتدفق الفرص الاستثمارية والأموال إليها، وهو ما طالما تمنته دول الخليج”.

ما بعد العقوبات

لن تكون مرحلة ما بعد العقوبات لسوريا طريقا مفروشا بالورود. يحتاج السوريون إلى إعادة بناء بلد ببنية تحتية متهالكة، واقتصاد منهار، ومجتمع ممزق. وكما كانت مسرحا لتنافس وتنازع مسلح، إقليمي ودولي، قد تصبح في مرحلة ما بعد العقوبات مسرحا لتنافس اقتصادي سلمي على الأرجح.

 يشير رئيس مركز القرن للدراسات، سعد بن عمر، خلال حديثه مع قناة “الحرة”، إلى أن “الرئيس ترامب يعتقد أن المنطقة يجب أن تسير نحو السلام من خلال الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأميركية في لبنان وسوريا وتركيا”.

لطالما اعتمدت واشنطن على العقوبات كوسيلة لعزل نظام بشار الأسد. ومع ذلك، فإن قرار رفع هذه العقوبات يدل على تغيير في الاستراتيجية، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز دور حلفائها الإقليميين، مثل تركيا والسعودية، في عملية إعادة إعمار سوريا، مع تقليل النفوذ الإيراني والروسي.

وتتوافق السياسة الأميركية هذه مع توجهات دول إقليمية عديدة.

“المملكة العربية السعودية تدعم الشعب السوري، لأنها لا ترغب في أن يكون خاضعًا أو تحت سيطرة أي دولة،” يقول بن عمر.

ويضيف: “كانت التجربة الإيرانية تجربة مؤلمة للغاية. لا نرغب في أن يستبدل الشعب السوري القيادة الإيرانية أو السيطرة الإيرانية بسيطرة دول أخرى. أعتقد أن الحكومة السورية الجديدة تدرك أن سوريا يجب أن تبقى بعيدة عن المحاور والتحالفات الضيقة”.

تعزيز النفوذ الإقليمي

تسعى تركيا، التي كانت داعما رئيسيا للمعارضة السورية، إلى تعزيز نفوذها في سوريا من خلال التعاون مع الحكومة الجديدة بما يتيح لأنقرة توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة ككل.

وتظهر السعودية اهتماما متزايدا بإعادة دمج سوريا في المحيط العربي لتعزيز الاستقرار الإقليمي والمشاركة في جهود إعادة الإعمار، بما يتماشى مع رؤيتها الاستراتيجية.

ولا يقتصر على تركيا والسعودية، السعي لضمان النفوذ والمصالح في سوريا ما بعد العقوبات. رغم ذلك، تعد الخطوة التاريخية التي مثلها قرار ترامب، بتنافس محسوب على إيقاع مرحلة إقليمية جديدة عنوانها الاستثمار والنمو الاقتصادي والمصلحة المشروعة لجميع الدول.

رشا إبراهيم – واشنطن

الجرة

—————————————

تصريحات إيجابية جدّاً عن ⁧‫سوريةوالسوريين من وزير الخارجية الأميركي ماركو ⁧‫روبيوفي شهادته اليوم أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، والسناتور ريش يقترح إعطاء الرئيس السوري تأشيرة لزيارة الولايات المتحدة

‏أوّل ما طربتُ لسماعه هو افتتاح رئيس اللجنة السناتور جيم ريش أسئلته للوزير بسؤال عن ⁧‫سورية⁩ وشكره لروبيو وللرئيس ترمب على رفع ⁧‫العقوبات⁩! فقد كنّا قد كثّفنا لقاءاتنا بالسناتور ريش مؤخراً لضمان الحصول على موافقته وموافقة اللجنة التي يرأسها على رفع العقوبات—وهو الأمر اللازم لإتمام الأمر. وقد كان السناتور ريش معارضاً لرفعها، إلا أنه غيّر رأيه مؤخراً بعد عملنا الحثيث معه ومع فريقه، وهو العمل الذي بدأناه معهم عقب التحرير مباشرة.

‏ذكر السناتور ريش اليوم أن سورية تمثل “فرصة” للولايات المتحدة، وأن على الولايات المتحدة أن “تستكشف هذه الفرصة”. ومن ثم سأل روبيو عن سبب عدم إرسال دبلوماسيين لسورية حتى الآن  [إعادة افتتاح السفارة الأميركية]، وهو الأمر الذي ناقشناه مع السناتور ريش وطلبناه منه، إذ أنّ الجالية تدفع لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ولإعادة افتتاح السفارات.

‏أجاب روبيو بأن المانع هو مانع أمني بحت وبأن: “المخاطر غير نابعة من السلطات الانتقالية فنحن لا نعتقد أن الأذى سيصدر عنهم” لكن بسبب وجود بعض الجماعات المسلحة والعناصر الإرهابية التي ما زالت ناشطة في البلد.

‏في معرض إجابته ذكر روبيو أن تاريخ المنطقة يثبتُ بأن استقرار سورية يؤثر في استقرار المنطقة برمًتها، وبأنّ المنطقة لا تستقرّ حين تكون سورية غير مستقرّة. وأردف بأنّ الربيع العربي و”الانتفاضة” في سورية على نظام الأسد قد أثبتا ذلك. وأضاف: “طيب، حصل هذا التغيير [سقوط النظام البائد ووصول إدارة جديدة للسلطة] في كانون الأول. ورأيي الذي ذكرته لكم على حدة [في لقاءات ثنائية] من قبل هو التالي:

‏لو أجرت وكالة التحقيقات الفيدرالية (الإف بي آي) اختباراً أمنياً لشخصيات الإدارة الانتقالية لما استطاعوا النجاح فيه [يعني بسبب أنشطتهم في الماضي] إذ أن لديهم ماضياً صعباً. ولكن من جهة أخرى فإننا إن انخرطنا معهم فقد ينجح الأمر وقد يفشل. لكن إن رفضنا الانخراط معهم فالفشل محتّم.

‏وبصراحة فإن تقديرنا الحالي هو أنّ السلطات الانتقالية— ونظراً للتحديات التي تواجهها—قد تكون على بعد أسابيع— أو أشهر بسيطة— من احتمال الانهيار، ما سيؤدي لنشوب حرب أهلية واسعة النطاق وبحجم ضخم جداً، وبعبارة أخرى يعني تقسيم البلد.

لكن الإيجابي في الموضوع هو أن هناك هوية سورية وطنية جامعة، فسورية هي أحد الأمكنة [القليلة] في المنطقة التي عاش فيها العلويين والدروز والمسيحيون  والسنة والشيعة والكرد مع بعضهم البعض تحت لواء هوية وطنية جامعة، إلى أن نقض السفّاح الأسد عُراها وزرع الفتنة والعداوة بين هذه المكونات.

‏لذا فهم يواجهون اليوم عدداً من التحديات. أوّلها هو الريية العميقة داخلياً [بين المكونات] في ذاك البلد، لأن الأسد، وعن سبق إصرار وترصد، زرع العداوة والبغضاء بين هذه المجموعات، ونصّب نفسه حامياً للعلويين والمسيحيين، ووضعهم في مواجهة المجموعات الأخرى حسب هواه.

‏وثاني هذه التحديات هو النزوح واللجوء— إذ يعيش أكثر من ٨ مليون سوري في الخارج— هم ناجحون جداً بالمناسبة في البلدان التي لجؤوا إليها— لكن علينا أن نتوصل لطريقة تمكن السلطات الانتقالية من خلق بيئة إيجابية تمكنهم من العودة لديارهم، والمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد السوري.

‏أمّا عن السبب الذي دفع الرئيس ترمب للاستعجال في قضية العقوبات— حيث كان لدينا قبل ذلك خطة [تدريجية]، فقد التقينا [يعني شخصيات من الحكومة الأميركية] مع وزير الخارجية السوري في الأمم المتحدة في نيويورك، وأعطيناه تأشيرة للقدوم للولايات المتحدة، كما سمحنا لوزير ماليتهم بحضور اجتماعات البنك الدولي هنا في واشنطن. الخطوة التالية كانت ستكون لقائي بوزير الخارجية السوري. أعلم أنكم [السناتور ريش والسناتورة شاهين] قد التقيتم به في ميونيخ. لكن الفرصة سنحت للرئيس ترمب للقاء بالشرع وبصراحة فقد اتخذ قراراً جريئاً قائلاً “سأفعلها، سألتقي به” بتشجيع من السعوديين والأتراك الذين حثّوه على ذلك.

‏والسبب الأساسي لذلك، والأمر الأهم الآن، هو أن شركاءنا في المنطقة يريدون إدخال المساعدات ويريدون الشروع في مساعدة السوريين، لكنهم لا يستطيعون ذلك لأنهم يخشون من عقوباتنا، ولذا لم يقدموا على ذلك بعد.

‏أول أثر سيظهر لرفع العقوبات هو السماح لدول الجوار بالشروع في مساعدة السلطات الانتقالية على بناء منظومة حكم تمكّنهم من بناء الدولة وتوحيد القوات المسلحة تحت راية واحدة، وما إلى هنالك.

ولكن حتى أكون صريحاً فإن ذلك لن يكون كافياً. فمثلاً بالنسبة لقانون قيصر بوسع الإدارة أن تصدر إعفاءً منه [لستة أشهر]، لكن تاريخ انتهاء صلاحية هذه الإعفاءات [القصير] لن يقنع المستثمرين الأجانب بالاستثمار، ولذا فعلى الكونغرس في نهاية المطاف أن يقوم بذلك [إلغاء قيصر والقوانين الأخرى المشابهة] لنضمن أنه إذا ما التزمت [السلطات السورية] بتعهداتها فإن بوسعنا أن نخلق بيئة تسمح للقطاع الخاص بالنموّ وخلق فرص اقتصادية للشعب السوري.

‏ختاماً عليّ أن أذكر أنّ مآل الأمور في سورية سيكون له أثر عميق على ما سيحدث في لبنان— ((السناتور ريش مقاطعاً “نحن متفقون معك في ذلك”))— فالنتيجة أنه إذا تخيلت معي سورية ولبنان بعد سنتين وكلّ منهما مستقرّ فإن ذلك سيفتح فرصاً هائلة للسلام والأمن وإنهاء الحروب في المنطقة. إنّها مهمة ضخمة ولا شكّ، لكن الفرصة تاريخية وعلينا أن نستكشفها، وأن نرى ما إذا كان بوسعنا إنجاحها.”

‏وهنا قال السناتور ريش “أشكرك على ذلك، وأعتقد أننا متفقون معك بالكامل….. فعلاً العقوبات معضلة بسبب الأشهر الستة، لكن كما ذكرت من الصعب التكهن بالمستقبل قبل أن يقع وهناك مشاكل حقيقية ومخاطر في المستقبل، لكن بوسعنا أن نسير في الأمر خطوة بخطوة.”

‏ومن ثم أردف السناتور ريش قائلاً: “التقيت مع السناتورة شاهين بوزير الخارجية السوري في ميونيخ وقد أعطيتموه تأشيرة للسفر لنيويورك، وهو أمر هام بحيث يستطيع الالتقاء بقادات الدول الأخرى. هل بوسعك أن تصدر تأشيرة مماثلة للرئيس السوري أيضاً؟”

‏فأجاب روبيو: نعم، وقد تسنح الفرصة لفعل ذلك لدى انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام.”

‏ربش: “نعم، قد تسنح الفرصة، وأعتقد أن ذلك شيء مهم.”

——————————–

==========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى