وزير الطوارئ والكوارث السوري رائد الصالح لـ«القدس العربي»: نتطلع لشراكات دولية تترجم لاتفاقات تنفيذية

هبة محمد
في سياق التحديات العميقة التي تمرّ بها سوريا على صعيد إدارة الأزمات وتعقيدات المشهد الإنساني بعد سنوات من الحرب، تبرز وزارة الطوارئ والكوارث كمؤسسة وطنية حديثة النشأة تتولى مسؤولية لبناء منظومة فعّالة لحماية السكان والاستجابة للكوارث الطبيعية والطارئة.
وفي هذا الإطار، أجرت «القدس العربي» حوارا مع وزير الطوارئ والكوارث، رائد الصالح، استعرض فيه ملامح التحول الجاري في قطاع الطوارئ، وجهود الوزارة في ترسيخ بنية مؤسسية متماسكة، إلى جانب أولويات التعاون الدولي، لا سيما مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
الصالح سلّط الضوء على رؤية الوزارة في الانتقال من مرحلة التشتت المؤسسي إلى بناء منظومة متكاملة تعتمد على الإنذار المبكر، والقيادة المركزية، والتنسيق متعدد المستويات، بما يضمن استجابة وطنية موحّدة وفعّالة تحفظ أرواح المواطنين وتُسهم في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
كما أوضح أن الوزارة لا تعتبر مهامها مجرد مسؤوليات بيروقراطية، بل تندرج في إطار التزام وطني بحماية الأرواح والممتلكات، في ظل واقع ما بعد الحرب وما يتطلبه من إصلاح مؤسسي جذري.
هنا نص الحوار:
■ في ضوء الواقع السوري الراهن، ما أبرز التحديات التي تواجه الحكومة في مجال إدارة الطوارئ، وما الأولويات التي بدأتم العمل عليها؟
□ نعم، التحديات التي نواجهها كبيرة ومعقدة، تتعلق بالبنية التحتية، وضعف الإمكانات، وانعدام التنسيق سابقاً، لكننا نؤمن أن كل تحد هو فرصة للإصلاح والبناء، ونؤكد أن هذا العمل يجري برعاية الرئيس وتوجيهاته. بدأنا فعلياً بإعداد الخطة الوطنية للاستجابة للكوارث، وتفعيل مركز الإنذار المبكر الوطني، إلى جانب تأهيل الكوادر وتجهيز المعدات لضمان استجابات سريعة ومنظمة.
■ ما الإطار العام الذي تقوم عليه الاستراتيجية الوطنية لوزارة الطوارئ والكوارث؟ وما هي الخطوات العاجلة التي تنوون تنفيذها في المرحلة المقبلة؟
□ الخطة الاستراتيجية والخطة العاجلة للوزارة تقوم وفق المحاور التالية: التنسيق الوطني والدولي الشامل لضمان تكامل الجهود. تعزيز الجاهزية والتدخل السريع عبر فرق مدربة ومجهزة. تطوير أنظمة الإنذار المبكر وربطها بغرف العمليات. بناء القدرات البشرية والتدريب المستمر. التخطيط للتعافي وإعادة البناء بعد الكوارث. أما على المدى القريب: إطلاق مركز الإنذار المبكر الوطني. إعداد كوادر وطنية مدربة. إطلاق تطبيق لخدمة المواطنين. إعادة تأهيل أسطول الإنقاذ والإطفاء. إطلاق حملات توعية مجتمعية في جميع المحافظات.
■ خلال مشاركتكم في اللقاءات والمؤتمرات الدولية الأخيرة، ما أبرز القضايا التي تم طرحها فيما يتعلق بتطوير منظومة الطوارئ في سوريا؟
□ ناقشنا في اللقاءات الدولية الأخيرة قضايا تعزيز الاستجابة السريعة، وإدخال تقنيات حديثة للإنذار المبكر، وضمان استدامة دعم جهودنا الوطنية. أثمرت هذه اللقاءات عن توقيع اتفاقية شراكة مع فريق «لخويا» القطري لتعزيز قدرات البحث والإنقاذ، بالإضافة إلى تفاهمات مع منظمات أممية ودول صديقة لدعم جهودنا بالمعدات والخبرات.
■ ما هي النتائج الأولية التي خرجت بها الوزارة من لقاءاتها مع الوفود الدولية؟ وهل هناك آفاق لتعاون دولي مستدام في هذا المجال؟
□ يسعدنا أن نؤكد أن وزارة الطوارئ والكوارث شاركت خلال الفترة الماضية في سلسلة من اللقاءات مع عدد من الوفود الدولية على هامش المؤتمرات والمنتديات العالمية المختصة بإدارة الكوارث والطوارئ. وقد تركزت هذه اللقاءات على استعراض واقع قطاع الطوارئ في سوريا بعد التحرير، ومناقشة فرص التعاون الدولي في مجالات تعزيز منظومات الإنذار المبكر، ورفع قدرات الوزارة على الاستجابة السريعة والمنسقة، ورغم إيجابية الأجواء التي رافقت هذه اللقاءات وما شهدته من تفاهمات مبدئية وتوافقات تقنية وفنية، إلا أننا نؤكد أن المناقشات لا تزال في مراحلها التحضيرية، ولم يتم الوصول حتى الآن إلى مرحلة توقيع اتفاقيات أو مذكرات تفاهم رسمية.
■ هل تمّ التوصّل إلى تفاهمات أو شراكات فعلية مع أطراف إقليمية أو دولية بهدف دعم قطاع الطوارئ في سوريا؟ وما هي أبرز ملامح هذه التفاهمات؟
□ أسفرت اللقاءات عن تفاهمات أولية مهمة يمكن البناء عليها مستقبلاً، ومن أبرز هذه المخرجات الاتفاق على دمج نظام الإنذار المبكر وإدارة الكوارث في سوريا مع المنظومات الإقليمية والدولية، بما يتيح تنسيقاً عابراً للحدود في مواجهة المخاطر الكبرى، خاصة الزلازل والحرائق والفيضانات، كما تم الاتفاق على العمل المشترك لتطوير آليات التواصل وتبادل المعلومات بين سوريا والدول الشريكة، إلى جانب مشاريع مقترحة لتطوير منظومة الاتصالات الخاصة بالطوارئ وربطها بغرف العمليات الوطنية والمحلية. وضمن أولوياتنا الحالية، نعمل مع شركائنا على بلورة برامج لدعم وتطوير قدرات إطفاء حرائق الغابات، خاصة بعد الدروس المستفادة من حرائق ريف اللاذقية، إضافة إلى تعزيز إمكانيات إطفاء الحرائق في المدن الرئيسية من خلال تحديث الأسطول الوطني للمركبات والمعدات ورفع كفاءة الكوادر البشرية، وإننا نتطلع لأن تتحول هذه التفاهمات قريباً إلى اتفاقيات تنفيذية تخدم أهدافنا الوطنية وتضمن استجابة أكثر كفاءة وسرعة لجميع أنواع الطوارئ والكوارث.
■ ما طبيعة التعاون القائم حالياً مع دولة قطر في مجال الطوارئ، وهل هناك نية لتوسيع هذا التعاون ليشمل خططاً استراتيجية طويلة المدى؟
□ نؤكد أن دولة قطر شريك أساسي واستراتيجي لنا، وقد بدأنا بالفعل بالاستفادة من برامج التدريب والتجهيزات المقدمة من الجانب القطري، وهناك خطة واضحة لتوسيع هذا التعاون ليشمل نقل الخبرات، وبناء القدرات، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر، ونحن نثمن هذا الدعم الذي يعكس عمق العلاقات الأخوية بين الشعبين السوري والقطري.
■ على مستوى تطوير البنية التحتية لقطاع الطيران المدني، ما هي الخطوات التي اتخذتها الحكومة السورية لتعزيز السلامة الجوية والاستجابة للطوارئ المرتبطة بها؟
□ في إطار إعادة بناء مؤسسات الدولة وتعزيز منظومات السلامة الوطنية، أولت الحكومة السورية اهتماماً خاصاً بقطاع الطيران المدني باعتباره أحد القطاعات الحيوية التي تعكس استقرار البلاد وانفتاحها على العالم، ومن هنا جاءت خطة تطوير الطيران المدني كخطوة استراتيجية لضمان سلامة الأجواء السورية ورفع جاهزية الاستجابة لأي طارئ من خلال رفع كفاءة السلامة الجوية من خلال تحديث الأنظمة والإجراءات وفقاً للمعايير الدولية الصادرة عن المنظمة الدولية للطيران المدني، وتدريب الكوادر على إدارة الطوارئ الجوية، ويشمل ذلك إعداد برامج تدريبية متخصصة في الاستجابة السريعة لحوادث الطيران، وتطوير خطط طوارئ للمطارات، وتعزيز التنسيق مع الهيئات الدولية للاستفادة من الخبرات والدعم التقني وتطوير أنظمة الملاحة الجوية وإدارة الأزمات.
■ كيف تقيّمون واقع قطاع الطوارئ في سوريا بين مرحلة ما بعد سقوط النظام والمرحلة الحالية؟ وما الذي تحقق على مستوى بناء منظومة وطنية متكاملة لإدارة الكوارث؟
□ في البداية، لا بد أن نؤكد أن الفارق كبير وملموس بين ما كان عليه الحال بعد سقوط النظام وبين ما نشهده اليوم، رغم أننا زلنا في مرحلة إعداد الخطط والسياسات وبناء القدرات. في الفترة التي تلت سقوط النظام، كانت جهود الاستجابة مبعثرة وتفتقر إلى مركزية القيادة والتنظيم، أما اليوم ورغم أننا ما زلنا في مرحلة التأسيس والتطوير، إلا أننا قطعنا خطوة مفصلية بتشكيل أول غرفة عمليات مشتركة في تاريخ سوريا الموحدة بعد التحرير، ضمّت وزارات: الطوارئ والكوارث، الدفاع، الداخلية، الزراعة، الخارجية، والدفاع المدني السوري، هذه الغرفة كانت أول نموذج عملي لقيادة موحدة، أثبتت فاعليتها في مواجهة كارثة طبيعية معقدة رغم صعوبة الظروف. اليوم نحن نعمل على ترسيخ هذا النهج عبر بناء نظام حوكمة وطنية لإدارة الكوارث، وتطوير خطة استجابة وطنية شاملة، وإعداد هيكل إداري وتنظيمي يضمن استدامة القيادة والتنسيق المركزي.
■ ما هي الرسالة التي تودون توجيهها للشعب السوري في ظل المساعي الحكومية لتعزيز الجاهزية الوطنية لمواجهة الأزمات والكوارث؟
□ وزارة الطوارئ والكوارث ماضية بكل عزم في تنفيذ استراتيجيتها الوطنية، وتعزيز منظومة إدارة الكوارث، بالتعاون مع كافة الشركاء الوطنيين والدوليين، واضعة سلامة الإنسان السوري فوق كل اعتبار.
ونود أن نؤكد لأبناء شعبنا السوري أننا في وزارة الطوارئ والكوارث نعي تماماً حجم المعاناة التي واجهتموها خلال السنوات الماضية، وندرك أن حماية الأرواح والممتلكات ليست مجرد مسؤولية مؤسساتية بل هي أمانة وطنية في أعناقنا، وسنواصل العمل دون كلل لتطوير قدراتنا ورفع جاهزيتنا لنكون بجانبكم عند كل تحد أو كارثة، مؤمنين أن شعبنا يستحق الأمان والاستقرار، وسنعمل بلا هوادة لتحقيق ذلك، ونعدكم أننا سنبقى عند حسن ظنكم، نكبر بثقتكم، ونستمد قوتنا من صبركم وعزيمتكم، فأنتم الهدف والغاية، وحياتكم وسلامتكم أمانة في أعناقنا لن نفرط بها، وسنبقى ملتزمين بواجبنا، وسنواصل العمل بلا كلل أو تردد، حتى يعود الأمن والسلام إلى كل بيت سوري، وحتى تصبح سوريا نموذجاً في إدارة الأزمات وحماية الإنسان.
القدس العربي