لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 23 أيار 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
——————————-
ثلاث أولويات أمام المصرف المركزي السوري مع رفع العقوبات/ عبد القادر حصرية
سوريا بعد العاصفة… هل تكون السياسة النقدية بوابة التعافي؟
23 مايو 2025
بعد أكثر من عقد ونيف من الحرب، لا تزال سوريا تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة. فمنذ اندلاع الصراع عام 2011، دُمّر أكثر من نصف البنية التحتية في البلاد، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تفوق 60 في المئة، فيما يعيش أكثر من 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر. وفي حين كان التركيز العالمي منصبا على المأساة الإنسانية والسياسية، فإن البعد الاقتصادي، على أهميته، ظل مهمشا في السرد الدولي.
لكن التحولات السياسية الأخيرة، وأبرزها سقوط النظام السابق في ديسمبر/كانون الأول الماضي وإعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأسبوع الماضي رفع العقوبات عن سوريا، وإعلان الإتحاد الأوروبي النية لرفع العقوبات عن سوريا أيضا، فتح نافذة نادرة. إنها لحظة إعادة نظر، وفرصة لبناء اقتصاد جديد من تحت الأنقاض، أكثر مرونة وانفتاحا واستقلالية. إلا أن هذا المسار لن يكون ممكنا من دون إصلاح جذري يبدأ من قلب النظام المالي: مصرف سوريا المركزي.
بين السياسة والنقد
تُعد تجربة مصرف سوريا المركزي واحدة من أكثر التجارب تعقيدا في إدارة السياسة النقدية تحت الضغط السياسي الدولي. فالعقوبات الغربية، على الرغم أنها وُضعت في الأصل بهدف الضغط على النظام السياسي، أثرت إلى حد بعيد في قدرة المصرف على أداء أبسط وظائفه: إدارة العملة، الحفاظ على الاستقرار النقدي، تمويل الواردات الحيوية، وحتى الإشراف على النظام المالي. والأسوأ، أن هذه القيود لم تسقط بسقوط النظام، بل لا تزال قائمة، وتعرقل أي جهد جاد لبناء مؤسسات اقتصادية فعالة.
وهذا ما يجعل رفع العقوبات الأميركية وكذلك قرار الإتحاد الأوربي قرارات بالغة الأهمية. فهي لا تمثّل فقط تحولا في السياسة، بل فرصة عملية لتجديد الانخراط الدولي، واستعادة الثقة، وإعادة ربط الاقتصاد السوري بالنظام المالي العالمي.
ثلاث أولويات
لا بد، كي تستطيع سوريا المضي قدما في سلوك مسار التعافي، أن يتحول المصرف المركزي من أداة دفاعية إلى محفز استراتيجي للنمو والاستقرار. ويتطلب تحقيق هذا العمل على ثلاث جبهات:
أولا: تحديث السياسة النقدية
الانتقال من التدخلات القصيرة الأمد إلى سياسة قائمة على قواعد واضحة أمر حتمي. في الأفق، نعمل على تبني نظام “استهداف التضخم”، مدعوما باستقلالية مؤسساتية للمصرف المركزي وفق المعايير الدولية، وشفافية في إدارة السيولة، وتحسين جودة البيانات. كذلك، فإن استقرار سعر الصرف أصبح الآن ضرورة. فتقلب سعر الصرف لا يخلق فقط تشوهات اقتصادية، بل يقوّض ثقة المستثمرين، ويضعف فعالية السياسات.
ثانيا: إعادة بناء النظام المالي
المصارف السورية تحتاج إلى التحول من مؤسسات حفظ ودائع إلى محركات للإقراض والاستثمار. يتطلب ذلك إعادة هيكلة شاملة: تعزيز معايير كفاية رأس المال، تحسين الحوكمة، وتوجيه التمويل نحو مشاريع إنتاجية – خصوصا في البنية التحتية والقطاع الخاص. وقد أبدت مصارف إقليمية، من المملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة، اهتماما مبدئيا بالاستثمار حالما يتم رفع العقوبات فعليا، مما يشير إلى وجود شهية حقيقية للانخراط المالي.
ثالثا: الانفتاح على النظام المالي العالمي
لن تكون مواردنا المحلية كافية لإعادة الإعمار. نحن في حاجة إلى تدفقات رأسمالية خارجية، من القطاعين العام والخاص. ولتحقيق ذلك، لا بد من بناء بيئة استثمارية شفافة، تعزز حماية المستثمر، وتكافح غسل الأموال بصرامة. السوريون في المهجر، بكفاءاتهم ورؤوس أموالهم، يمثلون شريكا محوريا في هذه العملية، ونحن نعمل على أدوات مالية تتيح لهم المشاركة دون أن يخضعوا للأخطار السياسية المعتادة.
وفي ضوء التحولات الراهنة، يتمثل أحد المحاور الجوهرية لعمل مصرف سوريا المركزي في إعادة مواءمة السياسات والإجراءات مع المعايير العالمية المعتمدة في العمل المصرفي. تتبلور الرؤية في بناء مؤسسة نقدية مستقلة وفعالة، تتبنى أطر الحوكمة والشفافية والمساءلة، وتطبق معايير “بازل” لإدارة الأخطار وكفاية رأس المال، كما تعتمد الأنظمة المحاسبية والرقابية المعترف بها دوليا.
الهدف ليس فقط تحسين الأداء المحلي، بل أيضا تمكين النظام المصرفي السوري من الاندماج التدريجي والآمن ضمن النظام المالي العالمي، عبر استئناف العلاقات مع المصارف الدولية، والانخراط في شبكات الدفع العالمية، واستقطاب استثمارات مباشرة وغير مباشرة. ويُعد هذا الاندماج شرطا أساسيا لتعزيز ثقة المستثمرين، وتوسيع قاعدة التمويل، ودعم جهود إعادة الإعمار الشاملة التي تحتاجها البلاد بشدة.
نتطلع الى شراكات قائمة على المصالح المتبادلة
نحن لا نطلب تبرعات ولا مساعدات مشروطة، بل شراكات قائمة على المصالح المتبادلة. فاستقرار سوريا ليس مسألة محلية فقط، بل مصلحة إقليمية ودولية. عزل مصرف سوريا المركزي لا يضر فقط باقتصادنا، بل يؤدي إلى حالة من عدم اليقين في النظام المالي الإقليمي ككل.
وفي هذا السياق، نرحب بأي تعاون مع المؤسسات المالية الدولية -كصندوق النقد والبنك الدولي- ليس فقط للحصول على تمويل، بل لبناء القدرات، وتبني أفضل الممارسات، وتصميم سياسات واقعية تراعي ظروفنا المعقدة.
المصرف المركزي يحمل عبء توجيه البوصلة
في النهاية، لا يكفي انتهاء الحرب لتبدأ عملية التعافي. بل نحتاج إلى مؤسسات ذات صدقية، وشفافية، وقدرة على التخطيط للمستقبل. ومن بين هذه المؤسسات، يحمل مصرف سوريا المركزي عبئا ومسؤولية مزدوجة: كبح جماح التدهور، وتوجيه البوصلة نحو اقتصاد مستقر ومنفتح.
رفع العقوبات هو بداية. لكن النجاح سيتوقف على ما إذا كنا، كسوريين وشركاء دوليين، مستعدين لتحويل هذه الفرصة إلى نقطة انطلاق حقيقية نحو التعافي.
المجلة
———————————–
رفع العقوبات.. قرار تاريخي يغيّر الاتجاهات في سوريا/ جنى العيسى | خالد جرعتلي | حسن إبراهيم | أمير حقوق
شكّل إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، حدثًا تاريخيًا، ستنتهي بموجبه، بشكل مباشر أو تدريجي، تلك العقوبات التي بدأت واشنطن بفرضها على دمشق عبر قرارات متعددة منذ 46 عامًا في عهد الأسد الأب.
رفع العقوبات، الذي سعت إليه الإدارة الجديدة لسوريا دبلوماسيًا بكثافة منذ تسلّمها زمام الحكم في سوريا عقب سقوط النظام المخلوع في 8 من كانون الأول 2024، من شأنه أن ينقل البلاد إلى مستويات أفضل بكثير مما تعانيه حاليًا، ليس على صعيد الاقتصاد والمعيشة والإنتاج فقط، إنما قد يبرز الانعكاس السياسي على علاقاتها بالكثير من الدول، ويفتح لها المجال أمام شراكات تغيّر مصيرها.
نتيجة استخدام النظام المخلوع آلته العسكرية ضد الشعب الذي خرج مطالبًا بالحرية عام 2011، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على مؤسسات حكومية، ومنعت التعامل معها، وقد دفع الشعب السوري ثمنًا باهظًا جراء ذلك، إذ تأثّر أضعاف تأثّر النظام وواجهاته وقياداته، وكانت آخر الإحصائيات تشير إلى ارتفاع معدل الفقر من 33% قبل الحرب إلى 90% حاليًا، بينما بلغت نسبة الفقر المدقع 66%.
رفع العقوبات في هذا التوقيت من شأنه تحسين الواقع الاقتصادي والخدمي، كما أنه بوابة ستدفع البلاد إلى التغيير الإيجابي، سواء في المستقبل القريب أو على المدى البعيد.
تحاول عنب بلدي في هذا الملف تسليط الضوء على أثر رفع العقوبات عن سوريا، وتحليل الحالة القانونية للعقوبات المفروضة منذ عقود، مع الإشارة إلى الظرف السياسي الجديد الذي قد تعيشه سوريا مستقبلًا في إطار الشروط الأمريكية التي فُرضت مقابل رفع العقوبات.
منظومة معقدة.. الرفع يحتاج أشهرًا
لطالما كانت العقوبات الأمريكية على سوريا من أكثر أدوات الضغط تعقيدًا وتشابكًا واستمرارية في السياسة الخارجية الأمريكية، وتعاظمت عبر السنوات لتصبح آليات هدفها العزل التام للنظام السوري سياسيًا واقتصاديًا، حيث بدأت أولى هذه العقوبات عام 1979 عندما أُدرجت سوريا على قائمة “الدول الراعية للإرهاب”.
زادت العقوبات الأمريكية خلال السنوات، وتنوّعت بين فردية تطال أشخاصًا محددين، وقطاعية تستهدف مجالات مثل النفط والطاقة والبناء، وعقوبات فُرضت عبر قرارات تنفيذية رئاسية وأخرى تشريعية، أبرزها “قانون قيصر” الذي دخل حيّز التنفيذ عام 2020، ووسّع نطاق الاستهداف ليشمل داعمي النظام من أطراف خارجية.
ويتّسم ملف العقوبات بتعقيد كبير نتيجة تداخله مع قضايا دولية، منها مكافحة الإرهاب، ومنع انتهاكات حقوق الإنسان، ومنع انتشار الأسلحة النووية والكيميائية، والأمن الإقليمي. ولم تقتصر تأثيراتها على النظام فقط، بل امتدّت لتطال الحياة الاقتصادية والإنسانية اليومية للسوريين.
الإدارة الأمريكية في حيرة
إعلان ترامب رفع العقوبات على سوريا فاجأ مسؤولي العقوبات في وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتين وبعض أفراد إدارته، ووضعهم في حيرة، إذ رأى كبار المسؤولين في الوزارتين أن رفعها سيكون معقّدًا وسيستغرق أشهرًا، وفق ما نقلته “رويترز”.
رفع العقوبات نادرًا ما يكون مباشرًا، وغالبًا ما يتطلّب التنسيق الوثيق بين العديد من الوكالات الأمريكية المختلفة والكونغرس. ويشكّل الأمر تحدّيًا خاصًا في حالة سوريا، نظرًا لمستويات التدابير المتعدّدة التي تعزلها عن النظام المصرفي الدولي وتمنع العديد من الواردات الدولية.
إدوارد فيشمان، المسؤول الأمريكي السابق ومؤلف كتاب “نقاط الاختناق”، قال لـ”رويترز” إن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، والتي فُرضت بموجب مزيج من الأوامر التنفيذية والقوانين، قد يستغرق شهورًا. ومع ذلك، أشار إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية لديها خبرة سابقة في تخفيف العقوبات على إيران بموجب الاتفاق النووي عام 2015.
ما يزيد المهمة تعقيدًا هو العقوبات المفروضة بموجب “قانون قيصر”، إذ يتطلّب إلغاء مشروع القانون إجراءً من الكونغرس، لكنه يتضمّن بندًا يسمح للرئيس بتعليق العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي. كما يمكن لترامب إصدار ترخيص عام بتعليق بعض العقوبات أو كلها، وفق “رويترز”.
وقال فيشمان إنه سيتفاجأ إذا تم رفع كل العقوبات كجزء من أمر ترامب، مضيفًا أن بعض الأشخاص أو الكيانات المحددة في سوريا التي فُرضت عليها عقوبات لأسباب تتعلّق بسلوك محدد، مثل دعم جماعة إرهابية، قد لا يتم إزالتها من قائمة العقوبات.
عقوبات رئاسية وتشريعية واستنادًا لحالات طوارئ
مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية قال لعنب بلدي، عبر مراسلة إلكترونية، إن الولايات المتحدة لا تزال تراقب استجابة دمشق للتدابير المحددة والمفصلة التي طرحتها واشنطن سابقًا، مضيفًا أن تخفيف العقوبات يهدف إلى تحقيق الاستقرار في سوريا ودفعها نحو السلام.
وذكر أن الولايات المتحدة اتخذت بالفعل الخطوات الأولى نحو استعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، من خلال اجتماعها مع “السلطات المؤقتة”.
وأضاف أنه لا توجد معلومات لمعاينتها حاليًا في هذه المرحلة فيما يتعلق بالجدول الزمني لبدء رفع العقوبات.
وقال المسؤول، “لقد طلبنا من السلطات السورية المؤقتة اتخاذ تدابير محددة ومفصلة لبناء الثقة. ونواصل تقييم استجابتها”.
الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي ذكر أن العقوبات الأمريكية على سوريا متنوعة، منها رئاسية (تصدر بقرار من الرئيس الأمريكي)، عددها ثمانية أوامر تنفيذية رئيسية أصدرها رؤساء الولايات المتحدة لفرض عقوبات على سوريا، بدءًا من عام 2004 وحتى عام 2019.
وتشمل العقوبات الرئاسية معظم العقوبات على الاقتصاد السوري، وتُفرض عبر “أوامر تنفيذية”، ويمكن للرئيس ترامب أن يلغي أو يجمّد هذه العقوبات فورًا، دون الحاجة للرجوع إلى الكونغرس، وفق ما نشره بربندي.
وأضاف أن هناك عقوبات تشريعية وهي قوانين أصدرها الكونغرس مثل “قانون قيصر”، وهي أكثر تعقيدًا، لأنه لا يمكن للرئيس وحده إلغاؤها، ويتطلّب رفعها أن تثبت الإدارة الأمريكية للكونغرس أن سوريا حققت الشروط الموجودة في القانون نفسه.
ولفت بربندي إلى أن العديد من العقوبات تستند إلى “حالة طوارئ وطنية” يتم تجديدها سنويًا، وإذا لم يُجدّدها الرئيس، تُعلّق بعض العقوبات بعد ستة أشهر، وهنا يمكن تخفيف العبء الاقتصادي جزئيًا، حتى لو لم يتم إلغاء القانون نفسه.
وبحسب بربندي، يمكن لترامب أن يُلغي الأوامر التنفيذية التي فرضت عقوبات اقتصادية، ويصدر تراخيص استثنائية لتسهيل التحويلات أو الاستيراد، ويُعدّل بعض الفقرات حتى لا يشمل رفع العقوبات الأشخاص والشركات المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ويُعلّق تطبيق العقوبات في حال لم يُجدّد حالة الطوارئ.
ولن يستطيع الرئيس الأمريكي رفع العقوبات المرتبطة بـ”قانون قيصر” إلا إذا تحقّقت الشروط التي يطلبها الكونغرس، لكنه يستطيع إلغاء بعض المواد فيه، وفق بربندي.
“رفع تدريجي” مرهون بالتجاوب السوري
المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، حازم الغبرا، قال لعنب بلدي إن ملف العقوبات معقد، ورفعها يستغرق وقتًا، لافتًا إلى أن الرفع سيكون بشكل تدريجي ومجدول وتعاظمي. الأدوات بيد الرئيس ترامب والحكومة الأمريكية اليوم هي “الترخيص”، وهو أسلوب لتعطيل العقوبات عبر السماح لشركات بالعمل في قطاعات سورية خاضعة للعقوبات.
وأضاف الغبرا أن جزءًا كبيرًا من هذه العقوبات مشمول بقوانين، بعضها يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وهناك ضرورة للعمل نحو إصدار قوانين جديدة، وهذا يستغرق وقتًا ومباحثات في أروقة الإدارة الأمريكية، وما سيفعله ترامب هو العمل على تعطيل العقوبات حتى يتم رفعها بشكل قانوني ورسمي مستقبلًا.
وتابع الغبرا أن الأمر مرهون بالتجاوب وقدرة الحكومة السورية على الالتزام بالخطوط العريضة، على الأقل، التي اتفق عليها الطرفان في المرحلة القادمة، وعبر العمل مع السعودية وتركيا، وهما بمثابة الدول المساعدة التي ستحاول العمل مع الحكومة السورية لمساعدتها على الوصول إلى مرحلة متقدمة، بعيدًا عن العودة إلى العقوبات.
ولفت الغبرا إلى أن التفكير اليوم في واشنطن هو أن يكون هناك ترخيص لمدة عامين، مع مراجعته كل ستة أشهر، ويتم تعديله حسب الحاجة، بينما يتم العمل مع الكونغرس الأمريكي لرفع العقوبات بشكل رسمي عبر قانون.
تقارب مشروط.. المكاسب في أي سلّة
يتفق على أن إعلان ترامب حول رفع العقوبات جاء مشروطًا، وكانت واشنطن واضحة في هذا السياق، إذ طالبت الأخيرة دمشق بعدة قضايا سياسية، إلا أن التساؤلات تدور في فلك قدرة سوريا على التفاوض في ظل هذه الشروط.
جاءت تغريدة مساعدة الرئيس والسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، موضحةً لما عقب اجتماع الرئيس دونالد ترامب والرئيس السوري في المرحلة المؤقتة، أحمد الشرع، إذ أوضحت كواليسه، وشددت على شروط طرحتها الولايات المتحدة مقابل تطبيع العلاقات مع دمشق.
وقالت ليفيت، التي كانت ترافق ترامب في السعودية، عبر “إكس”، وعقب الاجتماع مباشرة، إن الرئيس ترامب شجع الرئيس الشرع على خمس قضايا رئيسة هي:
● التوقيع على اتفاقيات “أبراهام” مع إسرائيل.
● الطلب من جميع “الإرهابيين” الأجانب مغادرة سوريا.
● ترحيل “الإرهابيين” الفلسطينيين.
● مساعدة الولايات المتحدة على منع عودة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
● تحمل مسؤولية مراكز احتجاز عناصر تنظيم “الدولة” في شمال شرقي سوريا.
ولم يخرج ما نقلته ليفيت عن ترامب عن إطار الشروط التي خرجت من الولايات المتحدة باتجاه سوريا منذ سقوط الأسد، لكن اللقاء بين الرئيسين عكس إصرار واشنطن عليها وقبول دمشق لها.
سوريا “بموقع قوة”
منذ سقوط النظام، كان رفع العقوبات المطلب الأول والأساسي للدبلوماسية السورية، وشهدت سوريا احتفالات واسعة النطاق بعد إعلان ترامب برفعها، ومنح سوريا “فرصة جديدة”.
المقابل الذي طرحته واشنطن اعتبره الخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مايكل أريزانتي، أنها وضعت سوريا في موقع قوي للتقدم، لافتًا إلى أن الأطراف المحيطة بسوريا صارت اليوم هي من يحتاج إلى إثبات استعدادها للسلام، وخفض التصعيد، وإعادة الاندماج الإقليمي، في إشارة إلى إسرائيل.
وأضاف أريزانتي لعنب بلدي أن إدارة الشرع أظهرت اهتمامًا واضحًا بالتطبيع، بل وحتى الانضمام إلى اتفاقيات “أبراهام”، واصفًا ذلك بـ”التحول الكبير والشجاع” بالنظر إلى التاريخ.
ولفت إلى أن المشكلة ليست في دمشق، بل في المناخ السياسي في إسرائيل، معتبرًا أن دوافع قيادة نتنياهو مبنية على تطلبات الأمن والبقاء السياسي الداخلي، وليس باهتمام حقيقي بسلام طويل الأمد.
الخبير اعتبر أنه من المرجح أن تطلب إسرائيل “شروطًا مسبقة متطرفة”، مثل التماهي الكامل مع سياساتها تجاه إيران والسيطرة الدائمة على مرتفعات الجولان.
ورجّح أن تنظر سوريا لهذه المطالب على أنها تتجاهل السيادة السورية وتجعل من التطبيع الحقيقي أمرًا أكثر صعوبة، في وقت تمد سوريا فيه يدها.
طرد الأجانب
شكل طرد المقاتلين الأجانب من سوريا ثاني الشروط الأمريكية، وشمل الجهاديين ممن قاتلوا في فصائل المعارضة، وفصائل فلسطينية كان يدعمها النظام المخلوع على مدار خمسة عقود.
الخبير أريزانتي اعتبر أن هذه الخطوة تصب في مصلحة سوريا، مشيرًا إلى أن لدى الحكومة الجديدة كل الحوافز لـ”تنظيف البيت”، خصوصًا فيما يتعلق بالجماعات الجهادية المعترف بها دوليًا مثل تنظيم “الدولة” وتنظيم “القاعدة”.
ولفت إلى أن خطوة من هذا النوع تعزز الشرعية، وتقرب البلاد من تخفيف العقوبات، وتزيد من الثقة الإقليمية، لكن التحدي يكمن في القيام بذلك دون زعزعة الاستقرار المحلي.
وبالنظر إلى المشهد العام، اعتبر الخبير أن لا أحد لديه ما يكسبه من إزالة هذه العناصر أكثر من سوريا نفسها، وهو أبرز المكاسب الاستراتيجية لدمشق إن تحقق.
القيادة الجديدة تسعى إلى النأي بنفسها عن ذلك الإرث، وترحيل المسلحين الذين يخضعون لطهران أو يسعون لزعزعة استقرار سوريا يعزز موقف دمشق.
إنها خطوة ذكية ومنخفضة التكلفة تُضعف النفوذ الإيراني وتطمئن الجيران المتشككين، وعلى عكس المطالب الأخرى، فإن هذه الخطوة تتماشى تمامًا مع أهداف سوريا الأمنية والدبلوماسية، كما أنها قيد التنفيذ بالفعل، وهي من أسهل المكاسب في هذا الإطار كله، بحسب ما يرى أريزانتي.
منع عودة تنظيم “الدولة”
تزامنًا مع التطورات السياسية القادمة من سوريا، يلوّح تنظيم “الدولة الإسلامية” بخلايا الاغتيال والاستهداف والعبوات الناسفة من الشرق السوري، ويكثّف عملياتها رغم أنشطة التحالف الدولي وضده في المنطقة، وسط تحذيرات رسمية وأممية من عودة تنامي نشاط التنظيم الذي يحاول استعادة قوته على الدوام.
الخبير أريزانتي اعتبر أن تنظيم “الدولة” يجعل الأمور “أكثر تعقيدًا”، مضيفًا أنه يجب على صانعي السياسات في الغرب أن يكونوا صادقين مع أنفسهم فيما يتعلق بهذه الخطوة.
وقال لعنب بلدي، إن سوريا تتعاون بالفعل مع الأردن وتركيا لتأمين حدودها ومواجهة تهديدات التنظيم.
لكن مشكلة “الفيل في الغرفة” (عالقة) هي “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أمريكيًا، والتي تحاول الحكومة السورية دمجها بقواتها لإنهاء حالة تفردها بالسيطرة على المنطقة، معتبرًا أنها صارت كيانًا “شبه مستقل” ومدعومًا من الخارج، ويتحكم بجزء من الأراضي السورية.
أصبحت قوات سوريا الديمقراطية كيانًا شبه مستقل مدعومًا من الخارج يعمل داخل الأراضي السورية، ولا يمكنها البقاء كسلطة موازية، وإذا كان من المتوقع أن تقود سوريا حملة وطنية ضد داعش، على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يتوقفوا عن التظاهر بأن نموذج قسد مستدام.
مايكل أريزانتي،
خبير في شؤون الشرق الأوسط.
واعتبر الخبير أن الحل الحقيقي يكمن في دمج “قسد” بالجيش السوري، بشروط متفق عليها، أو انتهاء استقلالها الإداري، لأن السماح لها بالعمل خارج سلطة دمشق سيؤدي إلى “تمزيق سوريا وإطالة أمد الأزمة”، وهو ما ينطبق على البند المتعلق بإدارة سجون تنظيم “الدولة الإسلامية”.
خطوات تخفي شروطًا
رسم اللقاء التاريخي بين الرئيس السوري أحمد الشرع ودونالد ترامب معالم جديدة للعلاقات السورية-الأمريكية، بشكل يتجاوز مجرد إعادة الاتصالات الدبلوماسية، لتُفتح أمامها ملفات شائكة تتعلق بخطوات ذكرتها واشنطن، وأخرى لم يعلن عنها رسميًا.
واعتبرت الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس، لعنب بلدي، أن شروط واشنطن أكثر مما ذُكر عن لقاء ترامب-الشرع، إذ بدأت أمريكا مبكرًا بإرسال رسائل تعاون، وشرعت سوريا بالتنفيذ فورًا.
وقالت كولوريوتيس إن الشروط الأمريكية لا تقتصر فقط على تلك الخمس، بل تُضاف إليها ملفات أخرى تعاملت معها الإدارة السورية الجديدة وبدأت بتنفيذها، من أبرزها:
● إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا.
● محاربة شبكات إنتاج وتصدير الكبتاغون.
● منع إيصال السلاح إلى حزب الله اللبناني.
● ملف الأمريكيين المفقودين، وخاصة الصحفي أوستن تايس، حيث باشرت فرق أمريكية-قطرية عمليات البحث.
وأضافت الخبيرة أن سوريا قادرة فعلًا على تنفيذ شروط واشنطن بدعم عربي ودولي، معتبرة أنه من المهم إتمام انسحاب الولايات المتحدة من شرق الفرات لتمكين دمشق من السيطرة الكاملة على سجون تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وفيما يتعلق بالفصائل الفلسطينية، لفتت كولوريوتيس إلى أن “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” قد جُمّدت نشاطاتها وغادر جزء من قيادتها إلى لبنان، فيما تجري ترتيبات لنقل قيادة “حركة الجهاد الإسلامي” إلى إيران والعراق.
الاستقرار مشروط بالتشاركية
منذ سقوط النظام، تمسّكت واشنطن بثمانية شروط، جاء خمسة منها في لقاء ترامب-الشرع، لكن ثلاثة أخرى لم تذكرها مساعدة الرئيس الأمريكي، كارولين ليفيت، منها حماية حقوق الأقليات في البلاد، وتشكيل حكومة تمثيلية.
الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، اعتبر من جانبه أن إدارة الملفات الداخلية هي التحدي الأكبر، رغم نجاح سوريا في إعادة تموضعها خارجيًا.
وأضاف لعنب بلدي أن سوريا وجّهت منذ اللحظة الأولى رسائل واضحة بأنها لن تكون ساحة صراعات إقليمية، بل طرفًا فاعلًا في الاستقرار المحلي، عبر العودة إلى محيطها العربي، بما يعكس هويتها الإسلامية والعربية.
وفي الوقت نفسه، حذّر طلاع من تعقيدات المشهد الداخلي، قائلاً إن “التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تتطلب عقدًا اجتماعيًا جديدًا، وحوارًا وطنيًا شاملًا، وبرامج لإعادة اللاجئين، وتحقيق العدالة الانتقالية، وإعادة الإعمار، وكلها تحتاج إلى بنية قانونية ومحلية متماسكة”.
ويرى أن “نجاح سوريا في مواجهة التحديات لا يكون من خلال الدولة فقط، بل بانخراط المجتمع في اتخاذ القرار ومراقبته وتنفيذه”، مضيفًا أن “التشاركية، لا المحاصصة، هي الضمان لبناء الدولة”.
وفيما يخص العلاقات الدولية، اعتبر طلاع أن أي انفتاح دولي يُبنى على الاستقرار سينعكس إيجابًا على سوريا، مستبعدًا أن تُنهي هذه الانفراجات التعديات الإسرائيلية على المدى القريب، لكنه يعتبرها مدخلًا لتعزيز وحدة القرار العربي، ما قد يردع بعض تلك التدخلات مستقبلًا.
وأضاف أن سوريا اليوم تقف أمام مرحلة عنوانها “تراكم الثقة”، لا الحسم، وفكرة السلام في الإقليم تتطلب مناخًا داخليًا متماسكًا، تنطلق منه القرارات الخارجية، وفق تعبيره.
الباحث معن طلاع لفت إلى أن أي انفتاح في العلاقات الدولية يقوم على مبدأ الاستقرار سينعكس بطبيعة الحال بشكل إيجابي على سوريا، مشيرًا إلى أن سوريا تحتاج اليوم إلى فك الحصار والعقوبات من أجل إطلاق عجلة التنمية والتعافي، كما أنها تحتاج إلى علاقات إيجابية مع دول الجوار، لأن استحقاقاتها الداخلية تتطلب تركيزًا على الداخل، لا الانخراط في محاور وصراعات إقليمية قد تُعيق هذا التركيز وتنعكس سلبيًا عليه.
أما الملفات الاستراتيجية التي يُتوقع أن تنتج عن هذه العلاقات، مثل ملف العلاقة مع الكيان الصهيوني أو انخراط سوريا في النظام الأمني الإقليمي، اعتبر طلاع أنها ستكون محل نقاش محلي، مرجحًا أن الموقف السوري سيكون منسجمًا في نهاية المطاف مع الموقف العربي العام، لكن ذلك لن ينهي الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا، إذ لا يوجد اتفاق نهائي أمريكي- سوري حتى اليوم.
التعافي الاقتصادي مبشر.. ينتظر خطوات
على خلاف تعقيدات المشهد السياسي، يطل الملف الاقتصادي واضحًا عقب رفع العقوبات عن سوريا التي تعاني شحًا اليوم في مختلف الاستثمارات، ما يجعلها هدفًا جذابًا كانت العقوبات تقف بوجهه.
عودة التعامل التجاري والاقتصادي الخارجي مع المؤسسات الرسمية أو عبر الأفراد من شأنها تنشيط دورة الحياة الاقتصادية التي كانت تلفظ آخر أنفاسها منذ سنوات.
الباحث الاقتصادي ملهم الجزماتي أوضح أنه على المدى القصير لن يكون هناك تأثير كبير لرفع العقوبات، حتى تتضح الإجراءات التنفيذية للآلية القانونية لرفعها.
المستشار التنفيذي لشؤون التخطيط والمتابعة لدى وزارة الاقتصاد والصناعة السورية، الدكتور رازي محي الدين، قال لعنب بلدي إن الآثار الإيجابية المتوقعة لرفع العقوبات عن سوريا تبقى مرهونة بمدى تفاعل جميع مكونات المجتمع السوري من حكومة، وقطاع خاص، ومجتمع مدني، ونخب فكرية واقتصادية، في تنفيذ برامج التعافي والتنمية، فكلما كان الأداء متناغمًا ومتكاملًا، وكلما تم تعزيز الشراكة بين هذه المكونات في صياغة وتنفيذ السياسات، كانت النتائج الإيجابية أسرع وأكثر استدامة.
وأما على صعيد التوقعات، يرى الدكتور رازي محي الدين أنه على المدى القريب (6-12 شهرًا) من المتوقع:
● تحسّن السيولة، ومع تحرير القيود المصرفية يمكّن المصارف المحلية من إجراء الحوالات واستيراد المواد الأولية والأدوية بسهولة أكبر، ما يخفف ضغوط نقص السلع الأساسية.
● انخفاض تكاليف التمويل: رفع العقوبات يقلل من غرامات ورسوم المصارف المراسلة، فينعكس ذلك على أسعار الفائدة ويحفز الإقراض للقطاع الخاص.
● إنعاش التبادل التجاري: استئناف العلاقات المصرفية الدولية يسرّع استيراد وتصدير السلع، ما ينعش بعض القطاعات الإنتاجية بسرعة.
أما على المدى المتوسط (1–5 سنوات) فمن المفترض ملاحظة تحسن كبير في عدة نقاط أبرزها:
● جذب الاستثمار الأجنبي المباشر: ثقة المستثمرين سترتفع مع انفتاح البلاد مصرفيًا وتجاريًا، وستتدفق رؤوس الأموال على قطاعات البنية التحتية والصناعة والسياحة.
● تنويع الاقتصاد: حرية الوصول إلى الأسواق العالمية تشجع على تطوير قطاعات جديدة (خدمات لوجستية، تكنولوجيا معلومات، زراعة متقدمة) بدل الاعتماد على استيراد المواد الاستهلاكية.
● استدامة النمو وخلق فرص العمل: مع تحسّن المناخ الاقتصادي وتوسّع الأنشطة التجارية، سيزداد الطلب على العمالة المحلية وتقل معدلات البطالة.
رغم ما يحمله رفع العقوبات من فرص اقتصادية واعدة، إلا أن الانفتاح السريع وغير المنضبط على الأسواق العالمية قد يشكل تحديات حقيقية، خصوصًا على القطاع الصناعي المحلي، وبالأخص الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي لا تزال تعاني من ضعف البنية التحتية، وغياب الحماية والدعم الكافي.
فمن دون سياسات حكومية رشيدة تحمي هذه الصناعات من الإغراق والمنافسة غير العادلة، قد نجد أنفسنا أمام موجة من الإغلاق وخسارة آلاف فرص العمل، مما يعاكس أهداف التنمية والتعافي.
قطاعات تتعافى
حول أبرز القطاعات التي ستتعافى عقب بدء تنفيذ عملية إزالة العقوبات عن المؤسسات، أكد ملهم الجزماتي لعنب بلدي أن جميع القطاعات ستشهد تحسنًا إيجابيًا، بالدرجة الأولى قطاعي المصارف والطاقة، إذ سيتيح رفع العقوبات للعديد من الدول الصديقة تقديم المنح النقدية للحكومة السورية، أو إيداع مبالغ مالية في مصرف سوريا المركزي.
الدكتور رازي محي الدين من جهته ذكر خمسة قطاعات ستتعافى تدريجيًا بشكل رئيسي تتمثل بما يلي:
● القطاع المصرفي والمالي: استئناف العلاقات مع المصارف المراسلة ينعش التحويلات الدولية ويخفض تكلفة الائتمان.
● الصناعات التحويلية (المواد الكيميائية والأدوية): توفير المواد الخام والتكنولوجيا الخارجية سيعجّل من قدرتها على الإنتاج والتصدير وخاصة مع تحسن وضع السلم الأهلي.
● الزراعة ومنتجات الحبوب: استيراد المدخلات الزراعية (أسمدة وآلات) يعود بالنفع الفوري على الإنتاج ويحسن الأمن الغذائي.
● الطاقة (نفط وغاز): إمكانية توقيع عقود شراكة جديدة مع شركات دولية ترفع الإنتاج وتولّد موارد حكومية إضافية.
● السياحة والسفر: رفع الحظر على التعاملات يتيح لشركات السفر الأجنبية استئناف برامجها إلى سورية، ما ينعش الفنادق والخدمات المرتبطة بها.
أموال بانتظار استردادها
حول مصير الأموال المجمدة في أرصدة البنوك الأمريكية، قال جزماتي إن هذا الملف يحتاج إلى عدة خطوات تقنية قبل الحصول عليها، أبرزها إقرار وزارة الخزانة الأمريكية، ثم إعادة ربط مصرف سوريا المركزي بنظام “سويفت”، يليه التنسيق الدولي السياسي اللازم لذلك.
يرى الدكتور رازي محيي الدين أن الأصول المجمدة تخضع لحزمة من القوانين واللوائح الأمريكية والدولية، ولا تُفرج تلقائيًا بمجرد رفع العقوبات، مشيرًا إلى عدد من الآليات المحتملة لاسترجاعها.
تتمثل تلك الآليات في اتفاقيات ثنائية وتسويات مصرفية تقنية بين الحكومة السورية والجهات المقيِّدة للأصول، أو عبر إعادة تقييم القوائم السوداء تبعًا لالتزام سوريا بشروط رفع العقوبات (مثلاً في ملف مكافحة غسل الأموال أو مكافحة الإرهاب)، بالإضافة إلى آليات قانونية دولية، عبر مؤسسات مثل محكمة العدل الدولية، أو بموجب قرارات دولية توضّح اختصاص إعادة الأرصدة إلى المصرف المركزي.
صناعيون متفائلون.. إجراءات واجبة
يُعدّ القطاع الصناعي من أبرز القطاعات المتأثرة سلبًا بالعقوبات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بغياب القدرة على استيراد المواد الأولية، وارتفاع التكاليف الإنتاجية، وتراجع التصدير بنِسَب كبيرة، إذ انعدمت الأسواق التصريفية للمنتجات الصناعية.
ويمثّل القطاع الصناعي أحد أعمدة الاقتصاد السوري، وأهم ركائزه، وبالتالي فإن رفع العقوبات سيشكّل نقطة حاسمة في إعادة عجلة الصناعة السورية، وفي مساهمتها في تعافي الاقتصاد الوطني.
رئيس لجنة العرقوب الصناعية، ونائب رئيس لجنة القطاع الهندسي في غرفة صناعة حلب، تيسير دركلت، قال لعنب بلدي إن قرار رفع العقوبات عن سوريا سينعكس إيجابًا على المنحى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وخاصة الصناعة كقطاع اقتصادي، كون العقوبات كانت جائرة بحق الإنتاج الصناعي.
وتأثير رفع العقوبات على القطاع الصناعي يتمثّل بداية في مدخلات الإنتاج، إذ ستتوفّر المواد الأولية لبعض الصناعات، والتي كان يُمنع استيرادها من دول معينة، مضيفًا أن ملف تصدير المنتجات الصناعية السورية سينتعش، ويفتح أسواقًا لتصريفها، وأيضًا ستتولّد حرية نقل الأموال للصناعيين.
فرصة حيوية
عضو غرفة صناعة دمشق وريفها، طلال قلعجي، قال لعنب بلدي إن العقوبات، على مدى عقود، كبّلت الصناعة، مما اضطر الصناعي السوري إلى إبداع طرق للاستمرار في الإنتاج والصناعة، رغم كل القوانين الجائرة التي كانت تصدر عن النظام البائد، وتزيد المعوقات، وتحاصر الصناعيين أكثر.
وأكد قلعجي أن رفع العقوبات عن سوريا سيُعيدها إلى النظامين المالي والتجاري العالميين، وهذا ما يُمكّنها من التواصل مع الأسواق الخارجية، وفتح أسواق جديدة للصناعة السورية، إضافة إلى انخفاض تكاليف الإنتاج، وتحسين جودة الصناعة من خلال استيراد المواد الأولية بيسر وسهولة من أي دولة في العالم.
واعتبر الصناعي أن رفع العقوبات فرصة حيوية للتعافي الاقتصادي الصناعي السوري، وفتح مرحلة حقيقية لإعادة الإعمار، الأمر الذي يتطلب رفع القدرة الإنتاجية الصناعية لتغطية الطلب الكبير الذي سينتج عن هذه المرحلة.
إجراءات واجبة
يتفق الصناعيون على أنه يجب على الحكومة استغلال قرار رفع العقوبات، وتحسين قطاع الصناعة، وتذليل العقبات التي تحدّ من القدرة الإنتاجية.
تيسير دركلت أشار إلى أهمية دراسة انخفاض تكاليف الإنتاج، وتعديل بعض القوانين التي كانت تحدّ من قدرة الصناعيين، بدءًا من أسعار المحروقات، كما أن النظام الضريبي يتوجّب أن يكون عادلًا ومنصفًا للصناعيين.
بدوره، يرى الصناعي طلال قلعجي أن الصناعة السورية ستنتقل من مرحلة صعبة إلى مرحلة يستطيع فيها الصناعي تأمين مدخلات صناعته، وتطويرها تكنولوجيًا وإنتاجيًا وترويجيًا، إضافة إلى قدرة الحكومة السورية على تأمين حوامل الطاقة للصناعة.
كما سيُتيح زيادة الطلب على المنتجات زيادة الإنتاج، وبالتالي رفع القيمة المضافة للمنتج والناتج المحلي، مشيرًا إلى إمكانية عودة انتعاش صناعات مهمة وثقيلة، كإنتاج الطاقة (النفط والغاز)، والصناعات الثقيلة التي تعتمد على الطاقة، كالحديد والإسمنت وغيرها.
ووفق قلعجي، تركّز غرفة صناعة دمشق في هذا الوقت على النهوض بالصناعة السورية بكل قطاعاتها: الكيميائية، والنسيجية، والغذائية، والهندسية، وتعزيز تنافسيتها محليًا ودوليًا، من خلال دراسات يُعدّها مستشارون مختصون، عبر لقاءات شاملة مع الصناعيين، لدراسة الصعوبات والمعوقات.
تتطلع الغرفة إلى العمل على وضع استراتيجية طويلة الأمد، تشمل تحليل نقاط القوة والضعف في القطاع الصناعي، إضافة إلى وضع المقترحات التي ستُقدَّم للحكومة، لتعديل القوانين الناظمة للعمل الصناعي وقطاع الأعمال، في سبيل خلق بيئة استثمارية صناعية، وتشجيع التصدير، وتخفيض كُلَف الإنتاج، حسب ما ختم به قلعجي.
عنب بلدي
—————————————–
ماذا بعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا؟/ بكر صدقي
22 أيار 2025
أخيراً حدث ما لم يكن متوقعاً وقرر ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا لـ«إعطاء القيادة الجديدة في سوريا» التي وصفها بالقوة والدينامية «فرصة». الواقع أن الإدارة الجديدة كانت في كل المناسبات الدبلوماسية التي أتيحت لها تطالب برفع تلك العقوبات باعتبارها عقبة كبيرة أمام طموحاتها بشأن إطلاق عملية إعادة الإعمار وتدوير عجلة الاقتصاد المنهار وبناء أسس «دولتها الجديدة». ولعبت كل من السعودية وتركيا دوراً مهماً في إقناع ترامب بهذه الخطوة، إضافة إلى لقائه بأحمد الشرع بناء على طلب محمد بن سلمان ومصافحته له وإملاء عدد من المطالب الأمريكية عليه.
يمكن القول إن رفع العقوبات هو حقاً فرصة لا نعرف هل ستستفيد منها إدارة الشرع وكيف، أو أنها ستهدرها كما أهدرت فرصاً أخرى قبلها، كمؤتمر الحوار الوطني واللجنة الدستورية والحكومة الانتقالية بنسختيها الأولى والثانية. والمقصود هنا استفادة لمصلحة بناء سوريا جديدة لكل أبنائها وليس لمصلحة الطبقة الحاكمة التي تشير كل مسالكها إلى أنها تسعى لتأسيس نظام أحادي يحتكر السلطة ولا يبتعد كثيراً عن نموذج نظام الأسد المخلوع إلا باللون الإيديولوجي. وقد ركزت جهودها على نيل الاعتراف والشرعية من الدول العربية والإقليمية والدولية، مكتفيةً للداخل الوطني بـ«شرعية ثورية» تعرضت لكثير من التآكل في الأشهر الستة من حكمها، ومعرضة لمزيد من التآكل باطراد. ولا يمكن لصخب الجهاز الدعائي الموالي أن يغطي على هشاشة سيطرة الحكم على فصائل محسوبة عليها تتحرك بلا أي ضوابط، ولا على الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الطاحنة التي تشمل غالبية كاسحة من السوريين، ولا على انعدام ثقة مكونات وطنية تعرضت لمجازر أو تمييز بالطاقم الحاكم.
يمكن لرفع العقوبات أن يسمح بتدفق بعض الأموال على شكل مساعدات واستثمارات وقروض ستتوقف نجاعة استخدامها على الشفافية والتخطيط السليم واعتماد معيار الكفاءة بدلاً من الولاء، وقبل كل شيء تحديد الأهداف: هل الغاية هي إعادة بناء شاملة تنتشل سوريا من هوة العدم وتبني دولة وطنية يشعر جميع السوريين أنها دولتهم، أم تثبيت أركان نظام سياسي قادر على السيطرة وإقصاء كل ما يقع خارجه؟
من المحتمل أن النواة الصلبة للحكم الجديد تفكر في حل التناقض بين متطلبات إرضاء الخارج ومتطلبات إرضاء القاعدة السلفية الجهادية التي أوصلتها إلى الحكم من خلال تقوية جهاز الأمن العام ومنح مكاسب لبعض قادة الفصائل تمهيداً للتخلص منها. وهو ما قد يؤدي إلى صدام بين الجهاز المذكور وهذه الفصائل لا يمكن التكهن بمدى دمويته. كذلك لا شيء يضمن أن يقنع قادة الفصائل بما قد يقدم لهم من مكاسب على شكل مناصب عسكرية في الجيش أو الإدارة المدنية وما يمكن أن يترتب على ذلك من مكاسب مادية. هذا المخطط المفترض أن يستعيد النمط الذي اتبعه حافظ الأسد لتوطيد أركان حكمه: توزيع المناصب والمكاسب والمغانم على رفاق الدرب الذين ساعدوه في الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها، من كبار ضباط الجيش والمخابرات إلى من بقي معه من قيادة حزب البعث، مع وضعهم تحت المراقبة وابتزازهم بملفات فسادهم المنتفخة باطراد على مر السنوات تمهيداً للتخلص منهم واحداً بعد آخر. هذا ما كانه مصير أخيه رفعت الأسد الذي قام بمحاولة انقلابية ضده، وعلي حيدر وشفيق فياض وعلي أصلان وعلي دوبا، ثم عبد الحليم خدام ومصطفى طلاس وغيرهم.
غير أن الفارق بين هذا المسار وبين ما يمكن أن يرتسم من مسار أمام سلطة الشرع هو أن الأسد قد استولى على السلطة في ظروف مريحة نسبياً بالقياس إلى الوضع الكارثي لسوريا في أواخر العام 2024. كان ثمة دولة في 16تشرين الثاني 1970، وجيش وشرطة وقضاء وتعليم واقتصاد معافى بالمعايير المحلية ومجتمع غير منقسم على نفسه. واهتم الأسد الأب بنيل شرعية داخلية بقدر اهتمامه بالاعتراف الدولي، فاستمال الطبقة التجارية التي كانت متضررة من الحكم الاشتراكي المتشدد لنظام سلفه صلاح جديد، وأنشأ إطاراً تحالفياً مع مجموعة من الأحزاب القومية واليسارية في إطار أسماه «الجبهة الوطنية التقدمية»، وورث ولاء الفلاحين عن النظام السابق، كما راعى التنوع الإثني والديني والمذهبي للمجتمع فكان حريصاً على جعلهم يشعرون بأنهم ممثلون في السلطة. إن إفراغ حافظ الأسد لكل هذه الأطر من مضامينها وتحويلها، بمرور السنوات، إلى مجرد واجهات لتعزيز دكتاتورية فردية ستتحول إلى وحش دموي بدءا من العام 1980، لا يلغي واقع أنه كان حريصاً على تأمين ولاء شعبي بأوسع ما يمكن.
مؤسف أن اضطر لهذه المقارنة التي تبدو وكأنها لصالح نظام الأسد. هي كذلك من زاوية مصلحة بقاء النظام. أعني أن الأسد قد اشتغل سياسياً على تأمين قاعدة اجتماعية واسعة قدر الإمكان لتحقيق ديمومة لحكمه، في حين تعمل الإدارة القائمة اليوم في دمشق وكأنها ليست في حاجة لقاعدة اجتماعية وتحالفات سياسية مماثلة، نائمة في عسل وهم أنها تمتلك فعلاً قاعدتها الاجتماعية المتمثلة «بداهةً» في الأكثرية العددية السنّية. في حين أن السنة لا يشكلون كتلة سياسية موحدة، ناهيكم عن الكرد والشركس والبيئات العلمانية والمجموعات الإسلامية غير السلفية. هذا إذا لم نحسب الأقليات الدينية والمذهبية التي لا تثق بالإدارة القائمة.
مختصر القول إن رفع العقوبات ليس عصاً سحرية لحل مشكلات سوريا الهائلة، قد تساهم قليلاً في تخفيف حدة بعض المشكلات، لكنها لا تكفي للمضي إلى الأمام ما لم يتم ترميم الهوية الوطنية من خلال توسيع قاعدة المشاركة السياسية والاقتصادية.
كاتب سوري
القدس العربي
———————————-
سوريا: عقد اقتصادي جديد بعد رفع العقوبات/ صبا ياسر مدور
الخميس 2025/05/22
رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا جاء كخطوة لاحقة وحتمية، بعد إعلان واشنطن فك قيودها الاقتصادية، في لحظة شكلت التحول الفعلي باتجاه إعادة دمج سوريا في السوق الدولية لعبورها إلى العالم وعبوره إليها.
ورغم أن وزن الاستثمارات الأوروبية على المدى الطويل قد يفوق ما قد تحققه المشاريع الأميركية من أثر بنيوي في الاقتصاد السوري، فإنها لم تحظَ بالاحتفاء ذاته؛ إذ جرى التعامل مع رفع العقوبات الأوروبية كتحصيل حاصل، تالية للقرار الأميركي الذي غيّر قواعد اللعبة ومنح سوريا هوية جيوسياسية غربية. هذا التحول السياسي رافقه إعلان من الرئيس السوري أحمد الشرع في خطابه الأخير، حدد فيه ملامح التوجه الاقتصادي المقبل، موجهاً دعوة علنية وصريحة لرؤوس الأموال الإقليمية والدولية للدخول إلى السوق السورية والاستثمار في القطاعات المتاحة، في مؤشر واضح إلى أن المرحلة المقبلة تتجه نحو نموذج اقتصادي حر الطابع، قائم على المبادئ النيوليبرالية والانفتاح الواسع.
وفي سياق اقتصاد الحرب الذي ما زالت ترزح تحته سوريا، حيث أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وما يزيد عن 30% تحت خط الفقر المدقع، وفقا لمعيار 2.15 دولار يومياً الذي تعتمده المؤسسات الدولية، فإن الانفتاح على رؤوس الأموال الخارجية كمصدر لإعادة الإعمار، ضرورة حتمية لا مناص منها لانتشال سوريا من هوة الانهيار الذي أطبق على أنفاسها. فبعد سنوات من التآكل البنيوي العميق، الناجم عن مزيجٍ مركب من السياسات الخانقة التي انتهجها نظام الأسد، والعقوبات الغربية، والعزلة الإقليمية، بات من الملح تبني نموذج اقتصادي متسارع الخطى، لعل أبرزه كان إعلان سوريا عن خططها لطباعة عملتها الوطنية في الإمارات وألمانيا، بدلاً من روسيا التي كانت تتولى هذه المهمة خلال السنوات الماضية. وهذا بحد ذاته انعكاس لإعادة التموضع الجيوسياسي في التحالفات الاقتصادية ونهاية النفوذ الروسي داخل المؤسسات المالية السورية، في مقابل انفتاح على شراكات جديدة خليجية وأوروبية تحديداً، يُراد لها أن تكون شركاء حصريين في المرحلة المقبلة بلا الصين وروسيا، والاتفاقات وصلت إلى الموانئ أكثر القطاعات المرغوبة للأخيرين حيث وقعت سوريا اتفاقية بقيمة 800 مليون دولار مع شركة ” DP World” الإماراتية لتطوير ميناء طرطوس.
وعلى الرغم أن هذا النموذج الاقتصادي الذي تتبناه الإدارة الجديدة يبدو الطريق الوحيدة، لكنه أيضاً محفوف بالمخاطر. فإن لم يُضبط الانفتاح بأطر تنظيمية وتشريعية واعتبارات اقتصادية تحمي أولويات التنمية، قد يتحول إلى مسار ارتدادي يخلق التبعية لرؤوس الأموال الكبرى. وهنا، لا يمكن تجاوز التجربة اللبنانية التي تعد من أكثر النماذج المجاورة دلالة على هذا النوع من الانهيارات المقنعة. فبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وتوقيع اتفاق الطائف عام 1989، روج حينها لمشهد بيروت العائد، والأبراج الزجاجية و”وسط المدينة” بوصفها مؤشرات نهضة، لكنها كانت مجرد واجهة براقة لأزمة اقتصادية هيكلية، حيث تمثل الانفتاح الاقتصادي هناك في شكل مشروع إعادة إعمار ضخم، قاده رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، قام على الاقتراض الخارجي الكثيف، وجذب رؤوس الأموال الخليجية، واعتماد مفرط على قطاعي العقارات والخدمات والمصارف، مع تهميش كامل للقطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة، وتضخم دور المصارف كأداة تمويل للدولة بفوائد خيالية، إلى أن انفجرت الفقاعة عام 2019، وانهار النظام المالي، وانكشفت هشاشة النموذج. في المقابل، في رواندا، بعد الإبادة الجماعية عام 1994، اعتمدت الدولة على إعادة بناء الاقتصاد من خلال الزراعة والموارد المحلية، وتم توجيه الاستثمارات إلى التعليم والصحة والتكنولوجيا، لا إلى بناء مراكز تسوق أو واجهات نفعية.
في الحالة السورية، لا يمكن إنكار وجود فرص موضوعية حقيقية. فإلى جانب ما تملكه البلاد من موارد طبيعية، وموقع جيوسياسي بالغ الأهمية، وإرادة سياسية، تمتلك سوريا قاعدة من الكفاءات والخبراء، وشبكة واسعة من المغتربين القادرين على المساهمة في بناء نموذج اقتصادي متفرد. إلا أن ترجمة هذه الفرص إلى واقع فعلي يتطلب أكثر من مجرد تفاؤل أو رفع عقوبات، بقدر ما يحتاج إلى خطة اقتصادية واضحة ومتكاملة، تقوم على الإنتاج لا الريع، وعلى المساءلة لا الحماية، وعلى الشراكة بين الدولة والمجتمع والقطاع الخاص.
فعند الحديث عن محاولة للانتقال إلى نموذج اقتصادي متقدم مثل النموذج السنغافوري، الذي يُطرح أحياناً كإطار طموح لسوريا المستقبل، لا يمكن أن تتحقق ما لم تحدد الأولويات بدقة، وعلى رأسها إعادة بناء القطاعين الزراعي والصناعي كأولوية استراتيجية، لخلق فرص العمل، وتحقيق الاستقلال الغذائي والاقتصادي. كذلك الانتقال من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد الدولة يتطلب أيضاً تفكيك شبكات التهريب والاقتصاد الموازي التي ترسخت في سنوات الصراع وابتلعت الموارد خارج أي رقابة مؤسساتية.
وفي سياق الانفتاح الاقتصادي على رؤوس الأموال الإقليمية والعالمية، يجدر التذكير هنا بما جرى في دول الاتحاد السوفياتي السابق، التي عاشت في التسعينيات موجة الخصخصة الصادمة، حين بيعت أصول الدولة من مصانع وشركات وقطاعات حيوية بأسعار زهيدة لمستثمرين خارجيين ولأفراد من نخبة محدودة، تحولت لاحقاً إلى طبقة الأوليغارشيا. تلك التجربة أدت إلى تفكيك القاعدة الإنتاجية وانتقال القرار الاقتصادي إلى أيد يصعب محاسبتها، وفقاً لحق ملكيتها واحتكارها.
من هذا المنطلق، على سوريا أن تتفادى الوقوع في هذه الأفخاخ، لا سيّما وأن ملامح المرحلة الحالية تحمل ظروفاً أولية لكل الحالات المشابهة الناجحة والمتعثرة. وكما يعاد رسم العقد السياسي في هذه المرحلة، فإن الفرصة متاحة بل مستحقة لكتابة العقد الاقتصادي الذي يحفظ للبلاد سيادتها الاقتصادية ويحقق للسوريين العدالة الاجتماعية تلك التي منتهى حلم الثورات.
المدن
————————-
فورد وروبيو: أميركا المتحمّسة للاستحواذ على مستقبل سوريا
الخميس 2025/05/22
لم تكن المرّة الأولى التي يخرج بها السفير الأميركي السابق إلى سوريا، روبرت فورد، بموقف يثير الكثير من الجدل. في ظل تحولات كبيرة وكثيرة غالباً ما كانت تخرج من الولايات المتحدة الأميركية مواقف أو تسريبات أو تصريحات تنسب إلى مسؤولين أميركيين تحدث جدلاً وتخلط الأوراق. بالتزامن مع رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا، جاء كلام فورد بالتوازي مع شرح مفصل قدمه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمام الكونغرس، لخلفيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات عن دمشق، والتعامل بإيجابية مع الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وإعطاء سوريا فرصة جديدة.
موقف وزير الخارجية الأميركي نُقل بطريقة تحمل الكثير من الالتباسات، خصوصاً عندما نقل عنه أن سوريا مقبلة على حرب أهلية أو تفكك للدولة وللمجتمع، علماً أن تصويب الموقف جاء ليشير إلى أن هذا العرض كان في معرض تبرير خطوة رفع العقوبات.
يقول فورد “دعتني مؤسسة بريطانية غير حكومية، متخصصة في حل الصراعات، من أجل مساعدتهم في إخراج هذا الشاب (يُشير إلى صورة الشرع حين كان عضواً في تنظيم القاعدة) من عالم الإرهاب وإدخاله إلى عالم السياسة التقليدية”. وأردف الدبلوماسي الأميركي السابق قائلاً: “وعلي أن أخبركم أنني في البداية كنت متردداً جداً بالذهاب، وتخيلت نفسي مرتدياً بدلة برتقالية والسكين على رقبتي، لكن بعد أن تحدثت إلى عدد من الأشخاص الذين خاضوا التجربة وأحدهم قابله (الشرع) شخصياً قررت أن أجرب حظي”.
وتابع فورد قائلاً: “عندما التقيته للمرة الأولى، حين كان اسمه الحركي الجولاني، لكن اسمه الحقيقي الذي لم يكشف عنه إلا بعد السيطرة على دمشق في ديسمبر/كانون الأول الماضي قبل حوالى 5 أشهر هو أحمد الشرع، جلست بجانبه بمثل قربي الآن إلى روي (رئيس مجلس بالتيمور) وقلت له باللغة العربية: خلال مليون سنة لم أكن أتخيل أنني سأكون جالسا بجانبك… ونظر إلي وتحدث بنبرة ناعمة قائلاً: ولا أنا”.
بدا الكلام وكأنه إيحاء برغبة من فورد لإظهار دوره ودور مؤسسات دولية أخرى في التأسيس لحقبة الشرع، وتحضيره لاستلام قيادة سوريا. ربما أراد من وراء ذلك نسب الدور لنفسه، أو للولايات المتحدة الأميركية. وذلك في إطار محاولة للالتفاف على كل القوى الإقليمية والدولية التي تعتبر نفسها معنية بإنجاح التجربة السورية الجديدة، وفي ظل الانفتاح على سوريا. تبدو الصورة وكأن واشنطن تريد أن تتصدر المشهد وحدها، وأن يكون رفع العقوبات عن دمشق هو من ضمن السياق الأميركي وليس بناء على جهود دولية أو عربية أخرى بذلت في سبيل ذلك.
لا شك أن كلام فورد من شأنه أن يعزز منطق “المؤامرة” الدولية، التي حاول نظام بشار الأسد ترسيخها لدى الرأي العام السوري، العربي والدولي. بمعنى أن جهات دولية أميركية وبريطانية بالتحديد هي التي عملت على إثارة الثورة، ورعاية قوى مختلفة فيها، تمهيداً لتسليمها السلطة عندما يحين الوقت المناسب بالنسبة إليهم. هنا تجدر العودة سنوات إلى الوراء وإلى بدايات الثورة السورية، عندما اقترف فورد خطأ قاتلاً، إثر زيارته إلى حمص وحماه في العام 2011 وعقد لقاءات مع المتظاهرين والثوار. في حينها اتخذ نظام الأسد من زيارته ذريعة للقول إن التظاهرات تحصل بإشراف ورعاية من قبل الأميركيين.
موقف فورد في سوريا، له الكثير من المواقف التي تشبهه في لبنان لديبلوماسيين أميركيين. من أبرز هؤلاء كان السفير جيفري فيلتمان، والذي كان متحمساً إلى حدود بعيدة لقوى 14 آذار في فترة ثورة الأرز. في حينها، كان فيلتمان يقدم دعماً ووعوداً لهذه القوى في إطار مواجهة حزب الله، وصولاً إلى أحداث 7 أيار 2008 والتي اجتاح خلالها حزب الله لبيروت، بينما كانت الوعود الأميركية بمنع الحزب من ذلك، وتوفير كل الدعم اللازم لإنهاء مسألة سلاحه. أدى خطأ فيلتمان إلى تعزيز سطوة حزب الله أكثر على لبنان، في مقابل خسارة المشروع المضاد، وصولاً إلى حصول تقاطع أميركي إيراني في لبنان تُرجم أكثر فأكثر في سوريا والعراق طوال السنوات الفائتة، لا سيما لدى الوصول إلى الاتفاق النووي في العام 2015.
لا يمكن فصل موقف فورد، وكلام وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن إطار مواصلة المزيد من الضغوط الأميركية على سوريا، لدفعها إلى السلام مع إسرائيل وتخويفها من الحرب الأهلية الداخلية أو من الانهيار. يتزامن ذلك مع حماسة أميركية للاهتمام بسوريا الجديدة القريبة من الغرب، بالإضافة إلى تدفق الكثير من المشاريع والاستثمارات إليها، في ظل الهجمة الكبرى على الاستثمار في المرافق والموانئ وفي القطاعات الزراعية والنفطية.
في موازاة هذه المواقف أو التسريبات، تشير مصادر متابعة إلى أن المسار السوري الأميركي لا يزال يحرز تقدماً، وفي ظل تشديد الأميركيين على إيجاد حلّ لمعضلة المقاتلين الأجانب. فبحسب ما تكشف مصادر متابعة لـ”المدن”، هناك اتجاه إلى عدم إدخال أي مقاتل أجنبي في مؤسسات الدولة، كما أن الضباط الكبار الذين تم منحهم الجنسية السورية وعينوا بمناصب عالية سيحالون إلى التقاعد قريباً. كما سيتم إخراج الكثير من المقاتلين من سوريا إلى دول أخرى من بينها أفغانستان.
المدن
——————————————
ترامب كاره الحريات… كانت أميركا تبتز حكّامنا بها/ دلال البزري
22 مايو 2025
بالسرعة التي يجيدها دونالد ترامب، وصلت الولايات المتحدة إلى حافّة الاستبداد. الأميركيون خائفون، يراقبون كلّ كلمة ينطقها الواحد منهم، فيبدون اليوم أقرب إلى سكّان عالمنا المطحون. فماذا حقّق ترامب منذ تنصيبه قبل أربعة أشهر؟… بمراسيمه الخاصّة، ألغى الحقّ في التظاهر، وخصوصاً من أجل فلسطين. مئات من الطلاب شاركوا فيها، استُهدفوا بالترحيل أو بالاحتجاز في “مراكز”، هي في الواقع سجون. خاض ترامب (وما زال) معارك مع الصحافة، فهاجم الصحافيين المستقلّين، وأقام دعاوى ضدّهم، وقطع عنهم التمويل الحكومي، وأملى عليهم قواعده الخاصّة. أضعفَ سلطة القانون بتجاهله قرارات قضاة خالفت مراسيمه، بتهديدهم، بل باعتقال قاضيةٍ عارضت أحد إجراءاته غير القانونية. ثمّ هاجم المحامين، وابتزّهم، ونال من الذين أقاموا عليه دعاوى الاغتصاب والاحتيال، فأرغمهم على العمل مجّاناً لقضاياه الشخصية، كالعبيد. أغلق كلّ البرامج الخاصّة بالحريات والمساواة، وأوقف برامج الحريات المخصّصة للخارج. هدد بقطع تمويل الجامعات المعروفة بمناهضتها التمييز العنصري، عزّزه بكلام عنصري صريح ضدّ السود والأقلّيات الأخرى. انتهك حقوق النساء والمختلفين جنسياً، وحقوق المهاجرين القانونية بالعيش في أميركا. ففصل بين العائلات، بين الأولاد وآبائهم وأمّهاتهم. أنذر خصومه السياسيين بالملاحقة والعقاب، بمن فيهم مرشّحون ديمقراطيون، والرئيس السابق جو بايدن نفسه.
وقد تمكّن من ذلك بفضل مراسيم سريعة أيضاً، وقّعها فور تنصيبه، الواحد تلو الآخر، بها وسّع من صلاحياته الشخصية، وخالف القانون والدستور، وبثّ الرعب في قلوب الموظّفين الحكوميين، وأزاح من لا يعجبه واستبدل بهم موالين له. وينكّب الآن على تطوير مشروعه المسمّى “مؤسّسة التراث”، غرضها تقليص الفصل بين السلطات، ومنح كلّ السلطات للرئيس، أي له. وهو مفتون بالرؤساء الدائمين؛ بعض أسلافه دافعوا عن الديكتاتوريين مثل أيزنهاور ونيكسون وريغان. ولكن، ولا واحد منهم عبّر عن ميله هذا صراحةً. في عهده الأول، كان يسترسل في “حبّه” فلاديمير بوتين وعبد الفتاح السيسي وكيم جونغ أون. وفي عهده الثاني صار يحلم بأن يصبح مثلهم، فعبّر عن رغبته بالتمديد لرئاسته، ما يخالف الدستور الأميركي. كرّرها مرّات، وجملته الشهيرة إنه ليس هو الراغب إنما “كثيرون يريدون أن أفعل ذلك”، منهم مستشاره السابق ستيف بانون، الذي أعلن أنه يمتلك أربع أو خمس طرق للتمديد لرئاسته، يسمّيها “مفاتيح”، عارضاً عليه النصائح الدستورية اللازمة. وكما بتنا نعرف عن سلوكه، بعد هذا الإعلان، أبقى التمديد احتمالاً غائماً، ملتبساً، أو سيفاً مسلّطاً فوق رقاب الجميع، من خصوم وأصدقاء.
والديستوبيا، عكس اليوتوبيا، باتت الكلمة الأكثر تداولاً لوصف الخراب المقبل الشامل الذي هيأ أرضيّته ترامب في مختلف مجالات الحياة الأميركية. الديستوبيا تصف مجتمعاً “كارثياً” في المستقبل القريب، يكون أحد مجالاتها، أيّ الحريات، قد تآكل واشتدّ القمع في حقّ المعارضين، الذين تحوّلوا أكباش فداء لأيّ خراب تكون سياسته سبباً له. بهذه الروحية، وبهذا المزاج، زار ترامب الخليج مستعرضاً، على هامشها، أو في صلبها، بحسب زاوية نظرك، كان ذاك الإعجاب الفائق بولي العهد السعودي محمّد بن سلمان: إنه “رجل غير معقول”، “قائد عظيم”، “أحبّه كثيراً، أحبّه فعلاً كثيراً”. وفي كلمة أمام المستثمرين العالميين، دان ترامب “التدخّل الغربي في بناء الأمم”، و”عشرات السنوات من التدخّل الأميركي في الشرق الأوسط” من أجل الحريات، ووعد بأن “الولايات المتحدة لن تعطي دروساً حول طريقة الحياة” لغيرها من الأمم، واستنكر ما يفعله “الذين يتدخّلون في مجتمعات معقّدة، لا يفهمونها أصلاً”، غامزاً ولامزاً بحقّ أسلافه، خصوصاً بايدن، داعياً سكّان هذه المجتمعات إلى أن “يُحدّدوا مصيرهم على طريقتهم”.
ومن طرائف ردّات الفعل على هذه الكلمات ما كتبه أحد المغرّدين السعوديين في “إكس”، إن ترامب هنا يتكلّم كما لو كان فرانز فانون، المناضل والكاتب المارتينيكي، الداعم للثورة الجزائرية، ولكلّ حركات التحرّر في العالم في ستينيّات القرن الماضي وسبعينياته.
وترامب لم يتوقّف عند هذه النقطة. الأهم ربّما في هذه الزيارة كان لقاؤه برئيس سورية أحمد الشرع، بحضور محمّد بن سلمان. بعيد هذا اللقاء، أسهب ترامب في مديح الشرع أيضاً: إنه “رجل شابّ وجذّاب”، إنه “قوي البنية”، رجل “واعد”. الموضوع؟… إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، أي تدعيم حكم الشرع. وهذا مطلبه، ومطلب الأوروبيين والعرب. العقوبات كما نعلم قائمة منذ حكم الأسد الأب، تزايدت بعد الثورة السورية ضدّ الابن. كانت ذريعتها الدفاع عن الحريات، ولكنّها في الواقع أفقرت السوريين بغالبيتهم، وحقّقت أرباحاً عاليةً لأولئك الذين انتهكوها.
ماذا يريد ترامب من الشرع في مقابل رفع هذه العقوبات؟… لا شيء جدّياً غير “التطبيع مع إسرائيل”، وملحقه “محاربة الإرهاب” و”الوجود الفلسطيني في سورية”. والموضوع ليس جديداً. الاتصالات التي تسرّبت إلى العلن بين موفدين من الشرع والإسرائيليين تجعل الطلب الأميركي مقدوراً عليه، ولكن على الطريقة العربية المعطوفة على الترامبية الآن، يتركها في مجال الالتباس والهمهمة، وبالونات الاختبار، من نوع اعتقال فلسطينيين في منظّمات فلسطينية، أو من هيئة تحرير الشام عندما كان أحمد الشرع هو أبو محمّد الجولاني، ثمّ إطلاق سراحهم. وقد ينضج ظرف الإعلان الرسمي عن تلبية الطلب الأميركي، بعدما يكتمل الاحتلال الإسرائيلي لجبل الشيخ وللأراضي الجديدة المحتلّة أخيراً، ناهيك عن هضبة الجولان. الجولان الذي نسيناه، وتحتلّه إسرائيل منذ 1967، ضمّته إليها عام 1981 بـ”قانون الجولان”، ولم يعترف أحد في العالم بهذا الضمّ إلا ترامب في ولايته الأولى عام 2019.
هكذا، بهذه السياسة المتحرّرة من التزام بالديمقراطية، ولو صورياً، ولو على سبيل الابتزاز، تعيش سورية معادلةً صفريةً؛ أيام الديكتاتور الدموي كانت الحريات تُسحق بحجّة النضال من أجل التحرّر الوطني. والآن، تهاوى التحرّر الوطني، وصارت الديمقراطية أضغاث أحلام، أو وسوسة شيطان.. الآن، لا تحرّر وطني، ولا حرّيات، ولا عزاء للاثنين.
العربي الجديد
———————————
الغارديان: كيف ولدت فكرة “برج ترامب” في دمشق وما هي فرص تحقيقه بعد رفع العقوبات؟
نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعده ويليام كريستو، شرح فيه كيف ولدت فكرة بناء “برج ترامب” في دمشق. وقال إن الفكرة قامت على بناء برج بارتفاع خمسة وأربعين طابقا وكلفة محتملة تصل إلى 200 مليون دولار، وكلمة “ترامب” محفورة بالذهب على قمته.
وهذا هو برج ترامب دمشق، وبمثابة نصب تذكاري براق يهدف إلى إعادة سوريا التي مزقتها الحرب إلى الساحة الدولية. وكما تشير الحروف الذهبية، صمم المبنى البراق لجذب الانتباه: انتباه الرئيس الأمريكي.
ونقلت الصحيفة عن وليد محمد الزعبي، رئيس مجموعة تايغر ومقرها في الإمارات وتقدر قيمتها بـ5 مليارات دولار، والتي تطور برج ترامب: “هذا المشروع هو رسالتنا أن هذا البلد الذي عانى وأُنهك شعبه لسنوات عديدة، وخاصةً خلال السنوات الـ15 الماضية من الحرب، يستحق أن يتخذ خطوة نحو السلام”.
وتضيف الصحيفة أن مقترح بناء البرج قدم للتقرب من الرئيس الأمريكي، في ظل سعي الحكومة السورية الجديدة إلى رفع العقوبات الأمريكية وتطبيع العلاقات مع واشنطن. وتزامن ذلك مع عرض بمنح الولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى النفط السوري وفرص الاستثمار، بالإضافة إلى ضمانات لأمن إسرائيل.
وتخضع سوريا لعقوبات أمريكية منذ عام 1979، وتفاقمت بعد حملة القمع الدامية التي شنها الرئيس السابق، بشار الأسد، على المتظاهرين السلميين عام 2011. ورغم إطاحة جماعات المعارضة المسلحة بالأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، إلا أن الولايات المتحدة أبقت على العقوبات المفروضة على البلاد، بسبب مخاوفها من الحكومة الجديدة بقيادة الإسلاميين.
وتضيف الصحيفة أن المقترح السوري إلى جانب دفعة من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان نجحت. فقد أعلن الرئيس ترامب أثناء زيارته للرياض، أنه سيوقف كل العقوبات المفروضة على سوريا، والتقى مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووصفه بالرجل “الجذاب” و “الصعب”.
والآن، وبعد رفع العقوبات وتوطيد العلاقات مع واشنطن، يمكن لبرج ترامب أن ينتقل من التصميم إلى أرض الواقع.
وتضيف الصحيفة أن الزعبي سيزور دمشق هذا الأسبوع لتقديم طلب رسمي والحصول على تراخيص بناء البرج العملاق. وقال: “ندرس عدة مواقع، نقترح بناء 45 طابقا قابلة للزيادة أو النقصان حسب الخطة”. وأضاف أن تكلفة بناء البرج التجاري ستتراوح بين 100 مليون و200 مليون دولار. وبعد حصوله على رخصة البناء، سيحتاج الزعبي إلى التواصل مع علامة ترامب التجارية للحصول على حقوق الامتياز.
ولا تتضمن صور نموذج المبنى، التي اطلعت عليها صحيفة “الغارديان” شعار ترامب، إذ لا يزال الحصول على رخصة الامتياز قيد البحث. وقدر الزعبي أن عملية البناء ستستغرق ثلاث سنوات بعد حصوله على الموافقات القانونية من الحكومة السورية وحقوق مؤسسة ترامب التجارية.
مع ذلك، لا تزال هناك عقبات، إذ لا تزال عملية رفع العقوبات غير واضحة، في حين أن الاقتصاد السوري المتدهور والبيئة السياسية الهشة قد تعقد المشروع. ويستعين رجل الأعمال السوري- الإماراتي بتجرية بناء برج ترامب في اسطنبول، وقد بنى 270 مشروعا في معظم أنحاء الشرق الأوسط. وهو الآن بصدد بناء برج تايغر سكاي في دبي، وهو مشروع بقيمة مليار دولار يزعم أنه يضم “أعلى مسبح لا متناهي في العالم”. كما التقى الزعبي مع الشرع في كانون الثاني/ يناير قبل تعيينه رئيسا لسوريا.
وتقول الصحيفة إن فكرة بناء برج ترامب في دمشق ولدت في كانون الأول/ ديسمبر، وذلك بعدما أشار النائب الجمهوري جو ويلسون للفكرة في خطاب له أمام الكونغرس. ونقلت الصحيفة عن رضوان زيادة، الكاتب المقرب من الرئيس السوري قوله: “كانت الفكرة الرئيسية هي جذب انتباه الرئيس ترامب”، واقترح على الزعبي فكرة بناء برج ترامب، وبدأ الاثنان العمل على المشروع.
كان هذا النهج جزءا من حملة تسويقية متعددة الجوانب تهدف إلى وضع سوريا على أجندة ترامب، وبخاصة أنه لم يدل بتصريحات تذكر بشأن سوريا عند توليه منصبه، وبدا الطريق إلى رفع العقوبات الذي تديره وزارة الخارجية، طويلا. وقد استضاف الرئيس السوري رجال أعمال أمريكيين وأعضاء من الكونغرس في دمشق، حيث قاموا بجولة في سجون النظام السابق والقرى المسيحية المحيطة بالعاصمة.
كما التقى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بزعماء مقربين من إدارة ترامب أثناء زيارته للأمم المتحدة في نيويورك.
ومع استمرار الدبلوماسية، بدا مشروع “برج ترامب” وسيلة لاستمالة الرئيس الأمريكي وطريقة تعامله غير التقليدية في طمس الحدود بين مملكة عائلته التجارية ومنصبه السياسي وبخاصة في الشرق الأوسط. وقدم زيادة نموذجا للبرج المقترح إلى الشيباني في نيسان/ أبريل والذي “أبدى تحمسا شديدا له”، وقدمه أيضا للسفير السعودي في دمشق، على أمل أن يراه فريق ترامب. وقال زيادة: “هكذا تكسب قلبه وعقله”.
وتشير الصحيفة إلى أن ثقته باستراتيجيته زادت بعد أن نشر ترامب مقطع فيديو في شباط/ فبراير يظهر برج ترامب في غزة كجزء من مقترحه المثير للجدل لتهجير الفلسطينيين فعليًا وبناء ريفييرا فاخرة في الأراضي الفلسطينية.
وإلى جانب كسب القلوب والعقول في الولايات المتحدة، يأمل السوريون أن يجذب مشروع عقاري ضخم مثل برج ترامب المزيد من الاستثمارات الدولية إلى سوريا. ذلك أن البلد بحاجة لاستثمارات كبيرة في البنية التحتية والخدمات الأساسية تتجاوز المشاريع الاستثمارية البراقة. وتقدر الأمم المتحدة أن 90% من الشعب السوري يعيشون في فقر، ويقضون معظم يومهم بدون كهرباء أو رعاية طبية مناسبة.
—————————————-
ما مدى سرعة تنفيذ رفع العقوبات الأميركية عن سوريا؟
2025.05.23
يدور نقاش داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ أن قرر الأخير إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا منذ نحو نصف قرن، حول مدى السرعة والشمولية التي ينبغي أن يُنفّذ فيها ذلك القرار.
فرض رؤساء الولايات المتحدة على مر السنين عقوباتٍ مُتراكمة على العائلة المُستبدة التي كانت تُسيطر على سوريا سابقاً، وكان من الممكن رفعها أو إلغاؤها بسرعة من خلال قرارٍ تنفيذي. لكن الكونغرس فرض بعضاً من أشدّ الإجراءات صرامةً، وسيتعين عليه إلغاؤها نهائياً، وفق تقرير نشرته اليوم الجمعة وكالة “أسوشيتد
برس” الأميركية.
يقول الرئيس السوري أحمد الشرع إنه يعمل على بناء حكومة شاملة صديقة للغرب. ويسعى بعض مسؤولي إدارة ترامب إلى رفع العقوبات أو التنازل عنها بأسرع وقت ممكن دون فرض شروط صارمة أولاً.
“رفع تدريجي للعقوبات”
مسؤولون آخرون في الإدارة الأميركية اقترحوا نهجاً تدريجياً، يُمنح بموجبه إعفاءات قصيرة الأجل قريباً من بعض العقوبات، ثم يُربط التمديد أو إصدار أمر تنفيذي أوسع نطاقاً باستيفاء سوريا للشروط، مما قد يُبطئ بشكل كبير -أو حتى يمنع بشكل دائم- تخفيف العقوبات على المدى الطويل. ويقول المنتقدون إن ذلك من شأنه أن يُعيق قدرة الحكومة المؤقتة على جذب الاستثمارات وإعادة إعمار سوريا بعد الحرب.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ماكس بلوستاين إن “العقوبات المفروضة على سوريا عبارة عن شبكة معقدة من القوانين والإجراءات التنفيذية وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي يتعين التعامل معها بعناية وحذر”.
وقال بلوستين في بيان لوكالة أسوشيتد برس يوم أمس الخميس إن الإدارة “تحلل حالياً الطريقة المثلى للقيام بذلك” وستصدر إعلاناً قريباً.
مسؤول أميركي كبير مطلع على الخطة، والذي لم يكن مخولاً بالتعليق علنا وتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، قال إن اقتراحاً من وزارة الخارجية تم تداوله بين المسؤولين بعد تعهد ترامب خلال زيارته للشرق الأوسط الأسبوع الماضي يضع شروطاً شاملة لمراحل مستقبلية من تخفيف العقوبات أو رفعها بشكل دائم، بما في ذلك تفكيك الجماعات الفلسطينية المسلحة كمطلب رئيسي.
وأضاف المسؤول أن هناك مقترحات إضافية متداولة، بما في ذلك مقترح تم تداوله هذا الأسبوع أكد على نطاق واسع على اتخاذ كل الإجراءات الممكنة، في أسرع وقت ممكن، للمساعدة في إعادة بناء سوريا.
إعلان أميركي مرحب به في سوريا
رقص الناس في شوارع دمشق بعد أن أعلن ترامب في المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي أنه “سيأمر بوقف العقوبات ضد سوريا من أجل منحها فرصة العظمة”.
قال ترامب قبل يوم من لقائه بالزعيم الجديد للبلاد: “سنزيلهم جميعاً. حظاً سعيداً يا سوريا. أرنا شيئاً مميزاً”.
هذا الأسبوع، دعا وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى اتباع نهج حذر في شهادته أمام المشرعين الأميركيين. ودعا روبيو إلى البدء في تخفيف العقوبات بسرعة، قائلاً إن الحكومة الانتقالية السورية التي لم يمض على تشكيلها خمسة أشهر قد تكون على بعد أسابيع من “الانهيار وحرب أهلية كاملة النطاق ذات أبعاد ملحمية”.
ولكن عندما سئل روبيو عن الشكل الذي ينبغي أن يبدو عليه تخفيف العقوبات بشكل عام، قدم تفسيراً من كلمة واحدة: “تدريجياً”.
فرضت واشنطن عقوبات على العائلة الحاكمة السابقة في سوريا منذ عام 1979 بسبب دعمها لـ “حزب الله” وجماعات مسلحة أخرى متحالفة مع إيران، وبرنامجها المزعوم للأسلحة الكيميائية ووحشيتها ضد المدنيين بينما كانت عائلة الأسد تقاتل من أجل البقاء في السلطة.
تشمل العقوبات عقوباتٍ صارمةً على الشركات أو المستثمرين الأجانب الذين يتعاملون مع البلاد. تحتاج سوريا إلى استثماراتٍ بمليارات الدولارات لإصلاح بنيتها التحتية المدمرة ومساعدة ما يُقدّر بنحو 90 بالمئة من السكان الذين يعيشون في فقر.
أقرّ روبيو أمام المشرعين هذا الأسبوع بأن قادة سوريا المؤقتين “لم يجتازوا فحص سجلاتهم لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي”. وكانت جماعة “هيئة تحرير الشام” التي قادها الشرع في السابق، مرتبطةً في الأصل بتنظيم القاعدة، إلا أنها تخلّت عنه لاحقاً واتخذت نهجاً أكثر اعتدالاً. ولا تزال الولايات المتحدة تُدرجها على قائمة المنظمات الإرهابية.
ولكن حكومة الشرع قد تكون الفرصة الأفضل لإعادة بناء البلاد وتجنب الفراغ في السلطة الذي قد يسمح بعودة “تنظيم الدولة” والجماعات المتطرفة الأخرى.
قال روبيو: “إذا تواصلنا معهم، فقد ينجح الأمر وقد لا ينجح. وإذا لم نتواصل معهم، فمن المؤكد أن الأمور لن تنجح”.
وقال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لمجموعة عمل الطوارئ السورية ومقرها الولايات المتحدة والمدافع الذي كان مؤثرا في المساعدة على تشكيل السياسة الأميركية السابقة بشأن سوريا، إنه كان يتداول إطار عمل لأمر تنفيذي مقترح من شأنه أن يسمح لترامب بإزالة العديد من العقوبات بسرعة.
وأكد مصطفى أن خطوة ترامب برفع العقوبات تهدف إلى “منع قيام دولة فاشلة وإنهاء العنف الدائم”، لكن البعض في الإدارة يحاولون “تخفيف” القرار.
النقاش داخل إدارة ترامب
اقترحت الوثيقة الأولية التي أصدرها فريق السياسات والتخطيط بوزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي خارطة طريق من ثلاث مراحل لتخفيف العقوبات، تبدأ بإعفاءات قصيرة الأجل. وسيرتبط التقدم نحو تخفيف إضافي ورفع تام للعقوبات في مراحل لاحقة بشروط صارمة أثارت معارضة بعض المسؤولين.
يُعدّ إبعاد “الجماعات الفلسطينية” من سوريا أول متطلبات المرحلة الثانية. ويقول مؤيدو تخفيف العقوبات إن هذا الشرط قد يكون مستحيلاً، نظراً لطبيعة تحديد الجماعات التي ينطبق عليها وصف “إرهابية”، ومتى يُمكن إعلان إبعادها.
ومن بين الشروط الأخرى للانتقال إلى المرحلة الثانية أن تتولى الحكومة الجديدة رعاية مراكز الاحتجاز التي تضم مقاتلي “تنظيم الدولة” في شمال شرقي سوريا، وتنفيذ الاتفاق الأخير مع “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد” المدعومة من الولايات المتحدة -والتي تدير مراكز الاحتجاز- والذي يتضمن دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري.
وللوصول إلى المرحلة الثالثة، يتعين على سوريا الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام -تطبيع العلاقات مع إسرائيل- وإثبات أنها دمرت كل الأسلحة الكيميائية للحكومة السابقة.
سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حثّ إدارة ترامب على عدم رفع العقوبات عن سوريا. وتشكّك إسرائيل في الحكومة الجديدة، رغم أن مسؤولين سوريين صرّحوا علناً بعدم رغبتهم في صراع مع إسرائيل.
منذ سقوط الأسد، شنت إسرائيل مئات الغارات الجوية واستولت على منطقة عازلة تسيطر عليها الأمم المتحدة في سوريا.
العقوبات المفروضة من الكونغرس
وفي حين يمكن رفع بعض العقوبات من خلال إجراء تنفيذي، فإن عقوبات أخرى تواجه عملية أكثر تعقيداً.
ولعل الأصعب هو قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، وهو مجموعة واسعة النطاق من العقوبات أقرها الكونغرس في عام 2019 رداً على جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها حكومة الأسد.
إن العقوبات الجديدة تمنع بشكل خاص أنشطة إعادة الإعمار، وعلى الرغم من أنه يمكن التنازل عنها لمدة 180 يوماً بموجب أمر تنفيذي، فمن المرجح أن يكون المستثمرون حذرين من مشاريع إعادة الإعمار عندما يمكن إعادة فرض العقوبات بعد ستة أشهر.
وفي اجتماع عقد الأسبوع الماضي في تركيا مع وزير الخارجية السوري، أوضح روبيو والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أنهما يؤيدان دعوة ترامب لتخفيف العقوبات على الفور، لكن التخفيف الدائم يتطلب اتخاذ إجراءات من جانب الحكومة السورية لتلبية الشروط التي وضعها الرئيس، وفقا لمسؤولين أمريكيين آخرين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة المداولات الداخلية.
قال غراهام هذا الأسبوع: “لدينا فرصة سانحة هنا لتزويد هذه الحكومة الجديدة ببعض الإمكانيات التي ينبغي أن تكون مبنية على الشروط”. “ولا أريد أن تفوت هذه الفرصة”.
تلفزيون سوريا
——————————
هل تتعلّم سوريا السر من ألمانيا وكوريا؟/ محمد ياسين نجار
22/5/2025
حين تُرفع العقوبات، لا تُفتح فقط الأبواب أمام المال والمشاريع، بل تُطرح أسئلة عميقة: هل يمكن إعادة بناء بلد خرج بعد عقد من الحرب، دون إعادة إنتاج الأسباب التي أوصلته إلى الانهيار؟
إن ما تحتاجه سوريا اليوم ليس مجردَ إعمار للبنية التحتية، بل تعافيًا سياسيًا ومجتمعيًا يضع الأسس لدولة حديثة عادلة ومشتركة.
إنّ التحولات العميقة في رواندا، وألمانيا، وكوريا، وأميركا، لا تمنحنا وصفات جاهزة، لكنها تكشف كيف يمكن للدول أن تنهض من تحت الركام إذا امتلكت إرادة جماعية ورؤية واضحة. فهي تساعدنا على تمييز ما يُصلح الدول بعد الصراع، وما يُعيدها إلى الدوامة. ومن هنا، نفهم أن الإعمار لا يبدأ من المال، بل من الإصلاح والمؤسسات.
تجارب الفشل: حين يُبنى الإعمار على الطائفية والإنكار
العراق
بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، خُصصت مبالغ ضخمة لإعادة الإعمار، لكن النتائج كانت كارثية. غابت الرؤية الوطنية، وهيمنت المرجعيات الدينية على المشهد السياسي، وتشكّلت مليشيات طائفية موازية لمؤسسات الدولة تُدار من الخارج، ما أدى إلى تآكل السلطة المركزية.
تزامن ذلك مع انتشار واسع للفساد المالي والإداري، وغياب أي مساءلة حقيقية، مما حوّل الإعمار إلى أداة تعميق للانقسام بدل أن يكون وسيلة لتجاوزه.
لبنان
تجربة إعادة الإعمار بقيادة الرئيس رفيق الحريري بعد الحرب الأهلية بدت واعدة في بدايتها، لكنها افتقرت إلى استقلالية القرار الوطني، الذي كانت تهيمن عليه آنذاك أجهزة المخابرات السورية، بالإضافة إلى غياب إصلاح جذري في بنية الدولة.
تركّز الجهد بشكل مفرط على دور الحريري كمحرّك للإعمار، على حساب بناء مؤسسات فاعلة ومستقلة. تم التركيز على البنيان العمراني، فيما غابت المحاسبة والشفافية، واستُبدلت الدولة بشبكات مصالح طائفية، ما أدى لاحقًا إلى انهيار شامل في مؤسسات الدولة ومقوماتها الاقتصادية.
كما تكشف لنا التجارب السابقة: لا يمكن بناء دولة عادلة ما لم تتوفر مصالحة وطنية شاملة، وعدالة انتقالية، وهوية وطنية جامعة، وفي حال التغاضي عما سبق فإن أي مشروع إعمار لن يكون إلا استراحة قصيرة في طريق أزمة أعمق.
تجارب النجاح: من رماد الدمار إلى نهضة الدول.. كيف نجحت رواندا وكوريا وألمانيا وأميركا؟
رواندا
خرجت من إحدى أفظع الإبادات في القرن العشرين، لكنها اختارت طريق المصالحة الجماعية بدل الثأر. أنشأت محاكم شعبية (غاتشاكا)، وركزت على التعليم، وتمكين المرأة، واستخدام التقنية والحكومة الإلكترونية. فنجحت في التحول من دولة فاشلة إلى واحدة من أكثر الدول كفاءة في أفريقيا.
ألمانيا الغربية
بعد الحرب العالمية الثانية، كانت البلاد مدمرة اقتصاديًا وسياسيًا. لكن تجربة مشروع مارشال فيها لم تكن ناجحة بسبب المال، علمًا بأنها ليست أكثر المستفيدين أوروبيًا منها، بل لأن الشعب الألماني امتلك مشروعًا للإصلاح وإعادة البناء. ارتبط الدعم الخارجي بحكومة شرعية، ومؤسسات منتخبة، وقانون صارم ضد الفساد. ويُعزى تميز النجاح الألماني مقارنة بدول أوروبية أخرى إلى عدة عوامل:
وجود قاعدة صناعية وتعليمية متقدمة نسبيًا قبل الحرب.
تمكين القيادة المحلية من إدارة الدعم بدل فرضه من الخارج.
البيروقراطية الفعالة.
الإرادة الشعبية الواضحة للنهوض من جديد.
كوريا الجنوبية
بعد الحرب الكورية، كانت من بين أفقر دول العالم. لكنها اختارت طريق التنمية من خلال التعليم، والإصلاح الزراعي، والتصنيع الموجه للتصدير. بدعم من الدولة، نشأت شركات وطنية كبرى واستثمرت في الإنسان قبل البنيان، مما مهّد لتحولها إلى قوة اقتصادية عالمية.
ما تعلّمناه من التحولات الكبرى الناجحة: التنمية ليست منحة خارجية، بل رؤية داخلية. إعادة الإعمار الناجحة تبدأ من الإنسان، ومن الثقة بين الدولة والمجتمع، ومن العدالة، قبل أن تبدأ من التمويل أو العقود.
ما الذي تحتاجه سوريا؟
سوريا لا تحتاج فقط إلى أموال أو مؤتمرات، بل إلى رؤية وطنية جذرية تُرسي أسس الدولة الجديدة على أربعة محاور مترابطة:
هيئة وطنية مستقلة لإدارة الإعمار: تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة، وتخضع لمجلس رقابي متعدد التمثيل وبرلمان محترف فاعل، مما يضمن الشفافية التامة في التمويل والتنفيذ.
مصالحة وطنية عميقة: لا تستند إلى تسويات فوقية، بل إلى حوار مجتمعي شامل يشمل جميع الضحايا والفاعلين، وتؤطره آليات العدالة الانتقالية والمساءلة.
اقتصاد إنتاجي وتنمية متوازنة: يقوم على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتعليم المهني، والزراعة والصناعة، والانتقال إلى اقتصاد حيوي لا رَيعي.
سيادة وطنية وشراكات نزيهة: الانفتاح على التمويل الخارجي يجب ألا يتحول إلى وصاية سياسية، بل إلى شراكات إستراتيجية تحفظ القرار الوطني.
وفي الوقت ذاته، من الضروري أن يعي كل من يعوّل على الخارج أو يراهن على تدخلاته، أن هذا الخيار لم يكن يومًا مسارًا ناجحًا لبناء الأوطان. فالتجارب القاسية في الإقليم والعالم أثبتت أن الاستقرار لا يُستورد، وأن التنمية الحقيقية لا تُبنى على انتظار الخارج، بل على إرادة الداخل.
خاتمة
رفع العقوبات لا يعني بالضرورة بداية التعافي، بل هو فرصة مشروطة. نجاحها يتوقف على خيارات الداخل أكثر من الخارج. سوريا اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تختار طريق رواندا، وألمانيا، وكوريا في لحظاتها التحولية، فتنهض ببطء ولكن بثقة، أو تعيد تكرار أخطاء العراق، ولبنان فتُغرق نفسها في دوامة جديدة.
لكن ما تحقق حتى الآن ليس بالقليل: من التحرير العسكري لأجزاء واسعة من البلاد، إلى تعزيز الانفتاح الإقليمي، وصولًا إلى رفع العقوبات. كلها مؤشرات على أن مشروع الدولة السورية الجديدة يسير بثبات نحو استعادة السيادة والفاعلية.
وتبقى إحدى المهام المصيرية أمام القيادة اليوم هي استكمال استعادة وحدة الأراضي السورية، لا سيما في شمال شرق البلاد، وتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وتشكيل البرلمان الفاعل، بما يعزز الشعور الوطني ويؤسس لبيئة سياسية واقتصادية مستقرة.
ويبقى السؤال: هل تنجح القيادة؟ وفي مقدمتها الرئيس الشرع في إنجاز المهام الكبرى القادمة من إعادة بناء المؤسسات، وتحقيق العدالة إلى إطلاق تنمية حقيقية؟
إنها لحظة كتابة التاريخ مجددًا لا ترميمه، إعادة الإعمار ليست إعادة بناء لما كان، بل رؤية إبداعية لما يجب أن يكون.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
وزير سابق في الحكومة المؤقتة التابعة لائتلاف المعارضة السورية
الجزيرة
—————————————–
سوريا الجديدة: تحولات ما بعد العقوبات/ عبد اللطيف البصري
22/5/2025
تمثل مرحلة رفع العقوبات الأميركية عن سوريا -بعد سقوط النظام المخلوع وتسلّم الرئيس أحمد الشرع مقاليد الحكم- نقطة تحول محورية في تاريخ البلاد المعاصر.
فهذا التطور لا يعكس مجرد تغيير في السياسة الخارجية الأميركية، بل يشير إلى اعتراف دولي بالتحولات العميقة التي شهدتها سوريا على المستويات؛ السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
وتأتي هذه الخطوة في سياق إقليمي ودولي متغير، يتطلب فهمًا عميقًا لدلالاتها وتداعياتها المستقبلية.
السياق التاريخي للعقوبات
فُرضت العقوبات الأميركية على سوريا على مدى عقود طويلة، وتصاعدت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة من حكم النظام السابق.
لم تكن هذه العقوبات مجرّد إجراءات اقتصادية، بل مثّلت أداة سياسية هدفت إلى عزل نظام اتُّهم بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتقويض الاستقرار الإقليمي.
وقد شكلت هذه العقوبات جزءًا من منظومة ضغط دولية، استهدفت تغيير سلوك النظام السابق، لكنها أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد السوري والمواطنين العاديين. وبالتالي، فإن رفعها اليوم يمثل اعترافًا ضمنيًا بالتغيير الجذري في بنية النظام السياسي السوري.
الأبعاد السياسية للانفتاح الجديد
يحمل قرار رفع العقوبات دلالات سياسية عميقة، أبرزها الاعتراف الدولي بشرعية النظام الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع؛ فالولايات المتحدة، من خلال هذا القرار، تقدم إشارة واضحة بأنها ترى في سوريا الجديدة شريكًا محتملًا في المنطقة، وليس خصمًا يجب احتواؤه.
كما يعكس هذا القرار تحولًا في الإستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة، حيث تسعى واشنطن إلى إعادة ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط، وتعزيز العلاقات مع الدول التي تتبنى مسارات إصلاحية، وهذا يفتح المجال أمام سوريا للعودة إلى المشهد الإقليمي والدولي كفاعل مؤثر.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا الانفتاح إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والدول الغربية، وإعادة فتح السفارات، وتنشيط قنوات التواصل السياسي، ما يسهم في كسر العزلة التي عانت منها البلاد لسنوات طويلة.
التداعيات الاقتصادية المرتقبة
تفتح هذه المرحلة الجديدة آفاقًا واسعة للاقتصاد السوري الذي عانى من الركود والانهيار خلال سنوات الصراع والعقوبات؛ فرفع العقوبات يعني إمكانية استئناف التعاملات المصرفية الدولية، وعودة الاستثمارات الأجنبية، وفتح الأسواق العالمية أمام المنتجات السورية.
كما يتيح هذا التطور فرصة للحصول على قروض وتمويلات من المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لدعم برامج إعادة الإعمار، وتأهيل البنية التحتية المتضررة. ويمكن أن يسهم ذلك في خلق فرص عمل جديدة، وتحسين مستوى المعيشة، وتخفيف معدلات الفقر المرتفعة.
غير أن الاستفادة القصوى من هذه الفرص تتطلب إصلاحات هيكلية في الاقتصاد السوري، وتبنّي سياسات شفافة في إدارة الموارد، ومكافحة الفساد، وتحسين بيئة الأعمال لجذب المستثمرين.
الانعكاسات الاجتماعية والإنسانية
على المستوى الاجتماعي، يمكن أن يسهم رفع العقوبات في تحسين الأوضاع الإنسانية للمواطنين السوريين، من خلال توفير السلع الأساسية والأدوية، التي كانت شحيحة بسبب القيود المفروضة على الاستيراد. كما يمكن أن يساعد في تطوير قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.
ومن المتوقع أن يشجع هذا الانفتاح على عودة اللاجئين والمهجرين السوريين من دول الجوار وأوروبا، خاصة مع تحسن الظروف الأمنية والاقتصادية، وهذا يتطلب برامج وطنية لإعادة الإدماج، وتوفير السكن والعمل، وضمان المصالحة المجتمعية.
كما يمكن أن يسهم الانفتاح في تعزيز دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، التي يمكنها الآن العمل بحرية أكبر وتلقي الدعم الدولي لبرامجها التنموية والإنسانية.
التحديات والفرص المستقبلية
رغم الإيجابيات المتوقعة، تواجه سوريا الجديدة تحديات كبيرة في مرحلة ما بعد العقوبات؛ فالبلاد بحاجة إلى إعادة بناء مؤسساتها على أسس ديمقراطية، وتحقيق المصالحة الوطنية، ومعالجة إرث الانتهاكات السابقة من خلال آليات العدالة الانتقالية.
كما أن إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة تتطلب موارد ضخمة وخططًا إستراتيجية طويلة المدى. وهناك تحدي إعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، بعيدًا عن الاعتماد على قطاعات تقليدية محدودة.
نجاح سوريا في استثمار هذه الفرصة التاريخية سيكون له انعكاسات إيجابية، ليس فقط على مستقبل البلاد، بل على استقرار المنطقة بأكملها
غير أن هذه التحديات تقابلها فرص واعدة، خاصة مع الدعم الدولي المتوقع، والموقع الإستراتيجي لسوريا، وإمكانية الاستفادة من خبرات السوريين في المهجر.
ويمكن لسوريا الجديدة أن تستثمر هذه الفرصة التاريخية لبناء نموذج تنموي مستدام، يقوم على المشاركة والشفافية والعدالة الاجتماعية.
يمثل رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بداية مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، تحمل في طياتها آمالًا كبيرة وتحديات جسيمة. وتتطلب هذه المرحلة رؤية وطنية شاملة، وإرادة سياسية قوية، وتعاونًا دوليًا فاعلًا، لتحويل الانفتاح السياسي والاقتصادي إلى واقع ملموس يلمسه المواطن السوري في حياته اليومية.
إن نجاح سوريا في استثمار هذه الفرصة التاريخية سيكون له انعكاسات إيجابية، ليس فقط على مستقبل البلاد، بل على استقرار المنطقة بأكملها.
وتبقى المسؤولية مشتركة، بين القيادة السياسية الجديدة والمجتمع السوري والمجتمع الدولي، لضمان أن تكون هذه المرحلة بداية حقيقية لسوريا ديمقراطية مزدهرة ومستقرة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
مدون، ماجستير دراسات القدس وفلسطين (علاقات دولية
الجزيرة
——————————————-
ترحيب برفع العقوبات: واشنطن تدعو سوريا للسلام مع إسرائيل
الأربعاء 2025/05/21
لاقى قرار رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا ترحيباً عربياً ودولياً واسعاً داخل مجلس الأمن، مع التأكيد مع وحدة وسلامة الأراضي السورية وإدانة الاعتداءات الإسرائيلية، كما دعا المجلس إلى استجابة دولية شاملة تُسرّع وتيرة التعافي وإعادة الإعمار.
وعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم الأربعاء، جلسة لبحث آخر التطورات في سوريا، تقدم فيها المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسين بإحاطة أمام أعضاء المجلس، الذين تقدموا بدورهم بمداخلات، قبل أن تُغلق الجلسة أمام وسائل الإعلام لعقد مشاورات مغلقة بين الأعضاء.
تفاؤل حذر
وفي إحاطته أمام المجلس، قال بيدرسن: “يسود جو التفاؤل الحذر وتطلع إلى التجديد، في ظل تحركات دولية بعيدة المدى بشأن سوريا”، مؤكداً أن هذه التطورات تحمل إمكانات هائلة لتحسين الظروف المعيشية في جميع أنحاء البلاد، وكذلك لدعم الانتقال السياسي السوري.
ورحّب بالدعم الذي قدمته السعودية وتركيا وقطر، بما في ذلك معالجة التزامات سوريا المعلقة تجاه المؤسسات المالية الدولية، ودعم دفع رواتب القطاع العام، وضمان توفير الموارد الحيوية في مجال الطاقة، مشدداً على وجود تحديات هيكلية كبيرة تواجه سوريا، في ظل اقتصاد متضرر بفعل أكثر من عقد من الحرب والصراع، وعوامل أخرى المزعزعة للاستقرار.
وأكد أن “إنعاش الاقتصاد المنهار سيتطلب من السلطات المؤقتة اتخاذ إجراءات مستدامة تشمل الإصلاح الاقتصادي الشامل ومعايير الحوكمة في النظام المالي، وسيحتاج ذلك إلى دعم دولي”.
وفيما رحّب بتشكيل للجنة الوطنية للعدالة الانتقالية واللجنة الوطنية للمفقودين في سوريا، أوضح بيدرسن أن “الخطوة التالية الأساسية”، هي تشكيل اللجنة العليا المسؤولة عن اختيار أعضاء مجلس الشعب الجديد، فيما حذّر التصعيد الأخير في مناطق الأغلبية الدرزية في السويداء وضواحي دمشق.
وأعرب عن قلقه الشديد إزاء تجدد الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، بما في ذلك خلال أحداث العنف في المناطق ذات الغالبية الدرزية وقرب القصر الرئاسي، مشدداً على أن “مثل هذه الهجمات غير مقبولة ويجب أن تتوقف. ويجب احترام سيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها. هناك فرص دبلوماسية واضحة، ويجب إعطاؤها الأولوية”.
وأكد أن “الشعب السوري شعر بالارتياح لأن قرارات الأسبوع الماضي برفع العقوبات تمنحه فرصة أفضل من ذي قبل للنجاح في مواجهة صعوبات كبيرة”.
العلاقات الأميركية-السورية
وأكدت بعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، بدء خطوات استعادة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية مع سوريا، مؤكدةً التطلع إلى جذب استثمارات جديدة إلى سوريا، لإعادة بناء اقتصادها. وقالت إن “إجراءات الحكومة السورية حتى الآن من شأنها رفع سقف توقعاتنا لما سيأتي لاحقاً”.
وقال مندوب واشنطن في مجلس الامن جون كيلي، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يريد أن يرى سوريا والمنطقة بأسرها تزدهر، “ولذلك اتخذ قراراً جريئاً بشأن سوريا، على أمل أن تغتنم الحكومة الجديدة هذه الفرصة لإعادة الإعمار، وتحويل البلاد من مصدر لعدم الاستقرار إلى مصدر للاستقرار”.
وأضاف أن الوكالات الحكومية الأميركية تعمل حالياً على تنفيذ توجيهات ترامب بشأن العقوبات على سوريا، وإصدار التراخيص اللازمة لجذب استثمارات جديدة إلى سوريا للمساعدة في إعادة بناء اقتصادها، ووضع البلاد على مسار نحو مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر.
ودعا الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات “جريئة” وإظهار تقدم مستدام في التوقعات التي أبلغتها الولايات المتحدة، وهي تحقيق السلام مع إسرائيل بالانضمام إلى اتفاقات “أبراهام”، وإبعاد “المقاتلين الإرهابيين الأجانب من الجيش السوري بسرعة”، وضمان “عدم تمكن الإرهابيين الأجانب بما في ذلك الميليشيات الفلسطينية، من العمل انطلاقاً من سوريا”.
كما دعا المندوب، الحكومة السورية إلى التعاون مع الولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي لمنع عودة ظهور داعش، وتحمّل مسؤولية مراكز احتجاز عناصره وكذلك مخيمي الهول وروج للنازحين في شمال شرق البلاد.
واعتبر أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية بشأن ملفات حيوية، بما في ذلك تدمير أسلحة بشار الأسد الكيماوية والبحث عن المفقودين الأميركيين والأجانب في سوريا، تبعث على “الأمل”.
المندوب الروسي
من جهته، قال مندوب روسيا في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا، إن لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الحكومة السورية للتحقيق بأحداث الساحل تواصل عملها، مشدداً على ضرورة احترام وحدة وسلامة الأراضي السورية.
وأعرب في كلمته في مجلس الأمن، عن إدانة بلاده للانتهاكات الإسرائيلية في سوريا، مشيراً لوجود تقدم ملحوظ في عودة السوريين إلى بلادهم. كما شدد على دعم موسكو، وحدة سوريا وسلامة أراضيها ونحترم اختيار السوريين لتقرير مصيرهم، بينما أكد التزام موسكو، بالتعاون مع الحكومة السورية ودعمها، لافتاً إلى أن العلاقات بين روسيا وسوريا قائمة على الاحترام المتبادل.
المدن
——————————–
هل أعادت زيارة ترامب إلى الخليج تشكيل النظام الإقليمي؟/ هلا نهاد نصرالدين
22.05.2025
زيارة ترامب إلى الخليج 2025 لم تكن مجرد جولة بروتوكولية، بل هي نقطة تحوّل إقليمية ودولية في العلاقات الأميركية الشرق الأوسطية في عهد ترامب. أعادت هذه الزيارة تعريف دور الخليج في المعادلة الدولية كحليف استراتيجي وأساسي للولايات المتحدة الأميركية.
منذ اللحظة الأولى لوصوله، ومع رقصته الشهيرة على سلّم الطائرة، عكست زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى دول الخليج رغبة واضحة في إعادة تعريف التحالفات الأميركية في المنطقة. لا يُخفى على أحد أن ترامب هو رجل أعمال وهمّه “البزنس” والصفقات التجارية المربحة على حساب القضايا الاستراتيجية والإنسانية. لم يقدّم نفسه كرئيس مهتم بالقضايا الإنسانية والحريات. الّا أنّ حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة لم تغب عن الاجتماعات. سعى ترامب إلى طرح مبادرة لإدارة قطاع غزة تحت إشراف أميركي مباشر بعد الحرب، وتحويله إلى منطقة اقتصادية حرة، إلا أن الدول الخليجية رفضت هذا الطرح، وشددت على ضرورة إعادة إعمار غزة ضمن خطة عربية شاملة دون المساس بحقوق السكان أو فرض إدارة خارجية مؤقتة.
تراجعت مركزية إسرائيل كحليف أوحد، وبرزت دول الخليج كشريك اقتصادي وأمني رئيسي، بخاصة مع تصاعد الدور الجيوسياسي والاقتصادي لهذه الدول. لم يزر ترامب إسرائيل ولم يلتقِ برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو خلال زيارته الأولى الى المنطقة، على رغم تأكيد المسؤولين الأميركيين أن ذلك لم يكن تجاهلاً متعمداً، إذ التقى مبعوثه للشرق الأوسط برهينة إسرائيلية أُفرج عنها حديثاً.
حملت هذه الخطوات رسالة واضحة إلى نتانياهو بأن المصالح الأميركية لم تعد مرهونة فقط برغبات تل أبيب – بخاصة مع استمرار الحرب في غزة ورفض نتانياهو وقف إطلاق النار أو الانخراط في أي مسار سياسي – بل باتت ترتبط أكثر بمصالح اقتصادية واستراتيجية مع دول الخليج.
شهدت منطقة الشرق الأوسط في أيار/ مايو 2025، واحدة من أكثر الزيارات الرئاسية الأميركية المثيرة للجدل والتأثير، إذ اختار ترامب أن تكون أولى جولاته الخارجية في ولايته الثانية إلى دول الخليج الثلاث: السعودية وقطر والإمارات، متجاوزاً بذلك تقاليد الرؤساء الأميركيين. لم تكن هذه الخطوة مجرد زيارة بروتوكولية، بل حملت رسائل استراتيجية عميقة متعلقة بإعادة رسم توازن القوى في الشرق الأوسط وصعود الخليج كلاعب مركزي في السياسة الإقليمية والدولية وكحليف أساسي واستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة ينذر بتراجع محتمل لمركزيّة اسرائيل في المنطقة بالنسبة الى الولايات المتحدة الأميركية.
جاءت زيارة ترامب في فترة استثنائية تمر بها المنطقة، مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، واستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة لأكثر من عام، إضافة إلى الحرب الأخيرة على لبنان التي آلت إلى هزيمة حزب الله واغتيال أمينه العام حسن نصرالله، ما أدى إلى تغيّر موازين القوى وبدء ما وُصف بـ “عهد جديد” في لبنان وتطبيق قرار الأمم المتحدة 1701 فيه، بما في ذلك حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
إعادة تشكيل النظام الإقليمي
اعتُبرت جولة ترامب على دول الخليج في الداخل الأميركي بمثابة إعادة تموضع كبيرة وتحوّل جريء في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ تم تقديم العلاقات مع السعودية وقطر والإمارات على التحالف التقليدي مع إسرائيل، لكنها أثارت أيضاً تساؤلات حول الاستقرار الإقليمي، والقيم الأميركية، ومستقبل التحالفات التقليدية. وقد فُسرت الزيارة كرسالة واضحة لنتانياهو بأن إسرائيل لم تعد الحليف الوحيد والأهم للولايات المتحدة في المنطقة، بل بات هناك حلفاء أكثر “منفعة” من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية.
لم تقتصر زيارة ترامب على الدول الخليجية الثلاث، بل التقى أيضاً بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في الرياض، وأبدى إعجابه به ووعد برفع العقوبات عن سوريا، في تحوّل لافت لأولويات السياسة الأميركية في المنطقة. فاعتُبر انفتاح ترامب على سوريا ورفع العقوبات عنها تحولاً كبيراً في السياسة أربك بعض الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. قرار ترامب بعدم زيارة إسرائيل ولقاؤه بالرئيس السوري الجديد في الرياض عزز ا هذا التحول، مشيراً إلى أن المصالح الأميركية باتت تتقدم على أولويات نتانياهو. ومع ذلك، حافظ ترامب على تأكيده العلني لمتانة العلاقات مع إسرائيل، لكنه في الكواليس عبّر عن استيائه من نتانياهو، معتبراً إياه عقبة أمام المصالح الأميركية وجهود إعادة تشكيل المنطقة.
على رغم الزخم الاقتصادي والدبلوماسي الذي رافق الزيارة، إلا أنها لم تخلُ من انتقادات واسعة داخل الولايات المتحدة. فقد اعتبر كثر من المتابعين أن ترامب ركز بشكل مفرط على الصفقات التجارية والمكاسب الاقتصادية السريعة، متجاهلاً القضايا الإنسانية والسياسية الملحّة، بخاصة في غزة واليمن. كما أثيرت انتقادات حادة بشأن تضارب المصالح نتيجة ارتباطاته التجارية الواسعة في الخليج. زادت حدّة الانتقادات عند قبول ترامب هدية عبارة عن طائرة خاصة فاخرة من قطر، وهو ما اعتبره معارضوه تجاوزاً للأعراف الدبلوماسية ومصدراً محتملاً لتأثير غير مشروع على قراراته.
وبحسب مقال تحليلي للمركز العربي في واشنطن: “أحد الجوانب اللافتة في زيارة الرئيس ترامب للشرق الأوسط، في رحلة مليئة بالمفاجآت، كانت في الواقع ما لم يحدث: التوقف في إسرائيل. معظم الرؤساء الأميركيين لم يكونوا ليفوتوا مثل هذه الفرصة. هذا التجاهل يأتي بعد أحداث أخرى استُبعدت فيها إسرائيل أخيراً، مثل المفاوضات مع الحوثيين لإنهاء الهجمات على السفن الأميركية في البحر الأحمر؛ والمحادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي؛ والمفاوضات بين المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف وحركة حماس، والتي ربما ساهمت في الإفراج عن آخر رهينة أميركية؛ ورفع ترامب العقوبات عن سوريا ولقائه في الرياض مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، الذي كان سابقاً من كبار قادة القاعدة. إسرائيل عارضت جميع هذه الخطوات، لكن ترامب مضى قدماً فيها على أي حال. بالإضافة إلى ذلك، فإن إقالة ترامب مستشاره للأمن القومي، مايك والتز، كانت جزئياً بسبب تنسيقه الوثيق مع حكومة نتانياهو بشأن ضربات إيران، وهو ما يعارضه ترامب في الوقت الحالي.
في الظروف السياسية العادية، أي رئيس أميركي يتبع مثل هذا النهج من تجاهل أو معارضة إسرائيل، كان سيعاني من عواقب سياسية شديدة. لكن يبدو أن ترامب حصّن نفسه ضد الانتقادات التي كانت ستضرّ بأي شخص آخر”.
صفقات اقتصادية غير مسبوقة
أبرز ما ميّز الزيارة هو حجم الصفقات الاستثمارية والتجارية المعلنة، والتي تجاوزت بحسب تقديرات البيت الأبيض تريليوني دولار، فيما قدّرت بما يقارب الـ 4 تريليونات دولار. شملت هذه الصفقات قطاعات الطيران (صفقات تاريخية مع بوينغ)، والدفاع (صفقات أسلحة ضخمة للسعودية والإمارات وقطر)، والتكنولوجيا (مشاريع الذكاء الاصطناعي)، إضافة إلى البنية التحتية والطاقة.
أعلنت السعودية عن حزمة استثمارية بقيمة 600 مليار دولار، تضمنت صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار في أكبر صفقة أسلحة في العالم. أما الإمارات، فقد أبرمت اتفاقيات بقيمة 200 مليار دولار على المدى القريب، وتعهدت باستثمار 1.4 تريليون دولار في الذكاء الاصطناعي خلال العقد المقبل. بينما وقّع ترامب اتفاقية مع قطر لتحقيق تبادل اقتصادي لا يقل عن 1.2 تريليون دولار. كما أعلن ترامب عن صفقات اقتصادية بين الولايات المتحدة وقطر تزيد قيمتها عن 243.5 مليار دولار، من بينها صفقة تاريخية لبيع طائرات بوينغ.
بالإضافة إلى ذلك، استثمرت قطر 10 مليارات دولار في تطوير قاعدة العديد الجوية، أكبر قاعدة جوية عسكرية أميركية في قطر والشرق الأوسط، والواقعة جنوب غربي الدوحة. وتعتبر قاعدة العديد:
مركز عمليات القيادة المركزية الأميركية في المنطقة
نقطة انطلاق رئيسية للعمليات الجوية في العراق وأفغانستان وسوريا
محوراً رئيسياً للتعاون العسكري بين قطر والولايات المتحدة
يعكس استثمار قطر في قاعدة العديد تأكيد الشراكة الاستراتيجية بين قطر والولايات المتحدة في مجالي الأمن والدفاع، ويبرز أهمية قطر المتزايدة كمركز إقليمي استراتيجي. ومع ذلك، يثير هذا الاستثمار تساؤلات حول استمرار الوجود والتدخل العسكري الأميركيين في المنطقة.
الالتزامات المالية من السعودية والإمارات وقطر لترامب (زيارة الخليج 2025)
الدولة إجمالي الالتزام المالي القطاعات/الصفقات الرئيسية
السعودية 600 مليار دولار الطاقة، الدفاع (142 مليار دولار صفقات أسلحة)، التكنولوجيا (ذكاء اصطناعي، مراكز بيانات)، المعادن، البنية التحتية
الإمارات العربية المتحدة 200 مليار دولار (صفقات قصيرة الأجل)1.4 تريليون دولار (تعهد لعشر سنوات) الذكاء الاصطناعي، الطيران، الطاقة، القطاعات الصناعيةتشمل أكبر حرم جامعي للذكاء الاصطناعي (G42)، صفقة الاتحاد-بوينغ بقيمة 14.5 مليار دولاراستثمار طويل الأمد في الذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة، مراكز بيانات، أشباه الموصلات
قطر تحقيق تبادل اقتصادي لا يقل عن 1.2 تريليون دولار
243.5 مليار دولار صفقات اقتصادية الطيران (96 مليار دولار لطائرات بوينغ) أكبر طلبية لطائرات بوينغ في التاريخالدفاع (مليار دولار أنظمة مضادة للطائرات المسيرة، مليارا دولار طائرات مسيرة، 38 مليار دولار صفقات دفاعية محتملة) منها 10 مليارات دولار لقاعدة العديد
زيارة ترامب إلى الخليج 2025 لم تكن مجرد جولة بروتوكولية، بل هي نقطة تحوّل إقليمية ودولية في العلاقات الأميركية الشرق الأوسطية في عهد ترامب. أعادت هذه الزيارة تعريف دور الخليج في المعادلة الدولية كحليف استراتيجي وأساسي للولايات المتحدة الأميركية. وعلى رغم أنّ ذلك لا يحدّ من متانة العلاقة الأميركية – الإسرائيلية، إلّا أنّه مؤشر إلى تراجع نسبي لدور إسرائيل التقليدي ويضع المصالح الاقتصادية في صدارة السياسة الأميركية. ويبقى السؤال: هل ستنجح هذه التحولات في تحقيق استقرار حقيقي للمنطقة أم أنها ستفتح الباب أمام تنافسات جديدة أكثر تعقيداً؟
– صحافية لبنانية
درج
——————————————-
نائبان أميركيان ينقلان موقف الشرع من اتفاقات إبراهام لترامب
حدد شروطه للوصول إلى “اتفاق ما” مع إسرائيل
إيلاف من دمشق: ذكر عضوان في الكونغرس الأمريكي أن الرئيس السوري أحمد الشرع أعرب خلال لقاء جمعهم الشهر الماضي، عن انفتاحه سرا للانضمام إلى اتفاقيات إبراهام والتوصل لاتفاق ما مع إسرائيل.
وبحسب ما نقلته صحيفة “نيويورك بوست”، طلب الشرع ضمانات بأن تتوقف إسرائيل عن قصف سوريا، ووقف تغذية الانقسامات الطائفية، والوصول إلى ترتيب التفاوض بشأن هضبة الجولان، كما أفاد النائبان كوري ميلز (جمهوري عن فلوريدا) ومارتن ستوتزمان (جمهوري عن إنديانا).
ونقل ميلز عن الشرع قوله: “نحن منفتحون على الحوار، وقد نوقشت معنا مسألة الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام والتطبيع مع إسرائيل، لكن يجب أن يتوقفوا عن القصف داخل بلدنا”.
وأثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضجة الأسبوع الماضي خلال جولته في الشرق الأوسط عندما قال بعد لقائه بالزعيم السوري بأن “الشرع الشاب الوسيم” سينضم إلى اتفاقيات إبراهام، وهو إنجاز رئيسي في السياسة الخارجية لفترته الرئاسية الأولى الذي شهد تطبيع الإمارات والبحرين علاقاتهما مع إسرائيل.
وقبل هذه التصريحات، نقل الشرع انفتاحه لاتفاقيات إبراهيم لكل من ميلز وستوتزمان خلال اجتماعات منفصلة معهما، وكانا أول عضوين في الكونغرس يزوران الزعيم السوري الجديد منذ انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي.
وزعم ستوتزمان أن الشرع أخبره أنه “سيكون منفتحا لاتفاقيات إبراهام” بشرطين رئيسيين. وأوضح: “الأول كان أن إسرائيل لديها خطة لتقسيم البلاد إلى أجزاء منفصلة. لا أعرف إذا كان هذا صحيحا أم لا، لكن هذا ما أخبرني به، وقال إن ذلك سيكون عائقا أمام أي اتفاق. يريد الحفاظ على سوريا موحدة.. أي جهد لتقسيم البلاد إلى أجزاء إقليمية أو طائفية غير مقبول، والثاني كان هضبة الجولان، والتعدي حول هضبة الجولان – وأنه سيتعين عليهم التفاوض مع إسرائيل أكثر حول ذلك”.
ووفقا لستوتزمان، لم يحدد الزعيم السوري ما إذا كان الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام مشروطا باستعادة الجولان، لكنه اشترط ببساطة “الوصول إلى اتفاق ما”.
وأشارت صحيفة “نيويورك بوست” إلى أنه بينما توجد عقبات كبيرة في الطريق، فإن انضمام سوريا افتراضيا إلى اتفاقيات إبراهام سيشكل اختراقا هائلا في السياسة الخارجية في المنطقة.
وقال ميلز: “هذا مهم للغاية، أنت تتحدث عن إمكانية تحقيق استقرار مستمر في المنطقة ومزيد من الاعتراف بحماية إسرائيل العظمى”.
إضافة إلى ذلك، يأتي انفتاح الشرع المزعوم على صفقة مع إسرائيل بينما يحاول على ما يبدو إصلاح العلاقات المتوترة لسوريا مع الغرب والدول العربية في المنطقة.
وقال ستوتزمان: “طوال حياتي، كانت سوريا تحت حكم نظام الأسد. ذكر الشرع أنه طرد بالفعل حزب الله والإيرانيين من سوريا، ويتحدث مع القطريين والسعوديين والإماراتيين لتعزيز التجارة، سيكون بطلا إقليميا إذا تمكن من تحقيق الرؤية التي يملكها لسوريا”.
ايلاف
————————————
سوريا بعد رفع العقوبات/ عمرو الشوبكي
22 مايو ,2025
ستدخل سوريا مرحلة جديدة بعد قرار الرئيس الأمريكى فى الرياض رفع العقوبات عنها؛ لأنه أعقبه قرار أوروبى آخر برفع العقوبات، وأصبحت دمشق أمام مرحلة جديدة لم تعد فيها عقوبات أو تصنيفات المجتمع الدولى عائقًا أمام المسار الجديد، إنما بات أداء النظام وقدرته على مواجهة مشاكله الداخلية هو العامل الحاسم أمام نجاحه أو تعثره.
إن رفع العقوبات عن سوريا ليس مجرد قرار إجرائى اتخذه رئيس أكبر دولة فى العالم، إنما هو بوابة لاندماج سوريا داخل المنظومة العالمية، بحيث سيسمح لها بالتصدير والاستيراد دون أى قيود، وستكون على بداية الطريق لحل مشكلات المشافى البدائية والمصانع المتهالكة، وستفتح الباب دون أى قيود أمام الاستثمارات الأجنبية، بما يعنى ولو من الناحية النظرية دوران عجلة الإنتاج وانطلاقها إذا وجدت بيئة داخلية سياسية واقتصادية تكون قادرة على إخراج طاقة المواطن السورى فى البناء والإنتاج، وهى الطاقة التى شهدها العالم مع سوريى المهجر، وكانت دليلًا على جدية هذا الشعب وقدرته على العمل والإنجاز.
ومع ذلك، تبقى هناك تحديات عديدة تواجه النظام الجديد، فهناك الأزمة الاقتصادية التى كانت المقاطعة أحد أسباب تفاقمها، وهناك مشكلة التوافق السياسى بين النظام الجديد والمكونات الأخرى، خاصة الدروز والعلويين.. وأخيرًا، هناك أزمة بناء المؤسسات الجديدة التى مازالت لم تنل قبولًا شعبيًا ومناطقيًا شاملًا، ومازالت بعض الأطراف تنظر إليها على أنها امتداد للفصائل المسلحة وليس مؤسسات وطنية محايدة.
صحيح أن قادة سوريا الجدد يبنون مؤسسات جديدة من خارج نظام المحاصصة واقتسام السلطة الذى فشل فى كل التجارب العربية الأخرى، كما جرى فى السودان أثناء حكومة حمدوك أو يجرى فى ليبيا من انقسام بين الشرق والغرب وانقسام آخر داخل طرابلس الغرب تحول إلى اشتباكات على مدار أسبوع كامل، ومع ذلك فإن هذا المسار السورى لا يخلو من أخطار، أهمها: كيف يمكن بناء مؤسسات دولة مهنية ومستقلة عن السلطة التنفيذية يحكمها تقريبًا لون عقائدى وسياسى واحد، وخلفيات كثير من عناصرها قادمة من فصائل إسلامية متشددة وبعضها ارتكب بعد الوصول للسلطة انتهاكات فجة؟.
لقد نجح النظام الجديد فى مهمته الأولى التى تتمثل فى إسقاط بشار، وضمن من أجل تحقيق هذا الهدف حاضنة شعبية من الأغلبية السنية وقطاعات واسعة من الطوائف الأخرى، ولكنه بالقطع لن يحصل على نفس الحاضنة فيما يتعلق بتقييم أدائه فى حكم البلاد.
لقد تقدمت سوريا خطوة نحو الاستقرار وغيرت الولايات المتحدة تصنيفاتها لقادة سوريا التى سبق أن اعتبرتهم «إرهابيين»، والآن اعتبرتهم قادة تحرر وزعماء جديرين بالثقة، وأصبح أداؤهم وقدراتهم على بناء مؤسسات جديدة تحصل على شرعية مجتمعية وتمتلك أداء مهنيًا احترافيًا، ولو بالمعنى النسبى، هو التحدى الكبير أمام بناء سوريا الجديدة.
* نقلا عن “المصري اليوم”
——————————-
ترامب والشرق الأوسط.. ما بين عودة أميركية متأخرة وارتدادات “طوفان الأقصى”/ صهيب جوهر
2025.05.22
عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جولته الخليجية محاطاً بشعور بالرضى، نابعٍ من حجم الاستقبال السخي الذي حظي به من قبل دول الخليج، ليس فقط من الناحية الاستثمارية، بل أيضاً لاقتناعه المتزايد بأنّ الشراكة مع الحلفاء الخليجيين تمثل للولايات المتحدة ركيزة استراتيجية قد تتجاوز حتى أهمية العلاقة مع إسرائيل.
هذا الإدراك تعزز في واشنطن بعد أن شعرت المملكة العربية السعودية، خلال ولاية الرئيس جو بايدن، بتراجع الالتزام الأميركي تجاه الخليج، خصوصاً في ظل انشغال الإدارة بالملف الإيراني. هذا التراجع دفع الرياض إلى المبادرة نحو طهران، حيث أبرمت اتفاقاً برعاية صينية لحماية مصالحها، في رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أنها لم تعد تحتمل تجاهلها. أثار هذا التحرك امتعاضاً لدى الأميركيين، ما دفعهم إلى إعادة تقييم مقاربتهم تجاه المنطقة.
في الفترة الممتدة بين عامي 2021 و2023، غاصت إدارة بايدن في تداعيات الحرب الأوكرانية، ما وفّر فرصة لكل من إيران والصين لتعزيز نفوذهما في الشرق الأوسط. الإيرانيون استغلوا الغياب الأميركي لرفع سقف مطالبهم فيما يتعلق بالملف النووي والنفوذ الإقليمي، بينما فتحت الصين قنوات اختراق ناعمة في المنطقة.
أمام هذا الواقع، سعت واشنطن إلى ترميم علاقاتها مع أبرز حليفين لها في المنطقة: إسرائيل والسعودية. الهدف كان واضحاً: الدفع باتجاه تسويات كبرى تؤسس لتوازن جديد في الشرق الأوسط يحفظ مصالحها الحيوية. وفي هذا الإطار، طرحت السعودية شرطاً أساسياً للمضي قدماً في أي مسار سلام مع إسرائيل، وهو التمسك بمبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت عام 2002، والتي تنص على مبدأ “الأرض مقابل السلام” وقيام دولة فلسطينية مستقلة.
ورغم إبداء إسرائيل استعداداً شكلياً لمناقشة هذه المبادرة، فإنها اشترطت “تحديثها” لتتوافق مع التحولات الإقليمية والدولية التي حصلت خلال العقدين الماضيين. وانطلقت بالفعل ورشة داخل الجامعة العربية لبحث صيغة مطورة للمبادرة يمكن طرحها مجدداً كمرجعية للمفاوضات مع إسرائيل، ما أعطى انطباعاً بوجود تحرك عربي متكامل نحو تسوية سياسية.
لكن هذا المسار تلقى ضربة قاسية في السابع من أكتوبر 2023، مع تنفيذ حماس لعملية “طوفان الأقصى”، التي سرعان ما أشعلت حرباً اقليمية المنطقة. وأدى هذا التطور إلى تجميد كل المساعي السياسية. يرى بعض المحللين أن العملية هدفت، من وجهة نظر “حماس”، إلى إحباط مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، الذي كان على وشك تحقيق اختراق في الملف الفلسطيني. وخاصة أن إيران سعت من خلالها إلى منع الرياض من الحصول على دعم نووي أميركي، وعرقلة التقارب السعودي الإسرائيلي، وإجبار الأطراف كافة على الاعتراف بموقع طهران في أي تسوية إقليمية مقبلة.
وهذا التصور خرج للعلن مع التحقيق الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال والذي كشفت من خلاله عن وثائق عُثر عليها في أنفاق في غزة. ووفقاً لهذه الوثائق، فإن قائد الحركة في غزة يحيى السنوار خطط للعملية منذ عامين، واختار توقيت تنفيذها بهدف قطع الطريق على التسوية السياسية الجارية آنذاك بين الرياض وتل أبيب.
كما ذكر التحقيق أن التنسيق بين “حماس”، و”حزب الله”، وطهران، بدأ منذ صيف 2021، وشمل دعماً لوجستياً وعسكرياً وتدريباً قبيل العملية. غير أن الإيرانيين والحزب أكدا للحركة أنهما لا يرغبان في التورط بحرب مفتوحة ضد إسرائيل.
وتفيد إحدى الوثائق السرية التي أعدتها “حماس” في آب 2022، بأن الحركة قررت إعادة تموضعها السياسي والعسكري بهدف إبقاء القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام، في مواجهة موجة التطبيع العربي. وهذا يتطلب، بحسب الوثيقة، تعزيز التنسيق مع “حزب الله” وفصائل فلسطينية أخرى.
في ضوء ذلك، تتبلور اليوم معطيات جديدة تُسهم في تفكيك خلفيات المشهد السياسي والعسكري المتفجر، ويمكن استخلاص أبرز الحقائق التالية:
أولاً: كانت هناك فعلياً ملامح تقدم في مسار التسوية السلمية، بمشاركة سعودية قائمة على مبادرة بيروت، لكن الالتزام الإسرائيلي الجاد لم يكن مؤكداً.
ثانياً: جاءت عملية “طوفان الأقصى” بهدف مباشر لإجهاض هذا المسار ومنع أي اختراق سياسي لا يلحظ مستقبل الدولة الفلسطينية.
ثالثاً: وقفت إيران خلف هذا الخيار، سعياً لوقف التطبيع السعودي الإسرائيلي ومنع حصول الرياض على تكنولوجيا نووية، مع الحفاظ على حضورها في المعادلات الإقليمية.
رابعاً: رغم الخلافات بين ترامب وبايدن، فقد أدرك كلاهما أن الدور السعودي لا غنى عنه في أي تسوية، وأن القرار النهائي في يد دول الخليج.
خامساً: حرص حزب الله، بدفع من إيران، على ضبط مشاركته في الحرب ضمن حدود الدعم الميداني، تفادياً لانزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة.
وقبل أي تطورات مرتقبة، لا بد من ترقب الجولة الجديدة للموفدة الأميركية، التي يُمهد لها بتصريحات مرتفعة النبرة. وفي حين يتمسك حزب الله بسلاحه بغض النظر عن الضغوط والظروف، مستعداً لتحمل تبعات هذا الخيار مهما تصاعدت، تشير المعطيات الواردة من واشنطن، إلى وجود تقدم ملموس في المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران. ومن المؤكد أن هذا التقدم لا يقتصر على الملف النووي وحده، رغم إصرار الوفد الإيراني على حصر النقاش في هذا الإطار إعلامياً، بل يشمل ملفات إقليمية متعددة. وربما تكون بيروت دمشق يترقبان بصيص الأمل الآتي من مسقط.
تلفزيون سوريا
——————————————-
رفع العقوبات عن سوريا بعيون لبنانية/ محمد فواز
2025.05.22
بالرغم من توجه سوريا التدريجي نحو استعادة انفتاحها الدولي، جاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض عن رفع العقوبات المفروضة عليها مفاجئاً ومتسارعاً، خصوصاً من حيث التوقيت.
دفع هذا القرار القوى والدول الإقليمية إلى إعادة تقييم تداعياته، وكان لبنان، نظراً لارتباطه الجغرافي والتاريخي والاقتصادي والاجتماعي الوثيق بسوريا، من بين أكثر الدول التي يُتوقع أن تتأثر بهذا التطور. لذلك انكبّ الباحثون والمحللون على دراسة انعكاسات القرار المباشرة وغير المباشرة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإنسانية في لبنان.
فرص رفع العقوبات عن سوريا بالنسبة للبنان
لبنان، المحاط جغرافياً وتاريخياً بسوريا، يأمل في تعظيم فوائد رفع العقوبات، بدءاً من إمكانية تعزيز التبادل التجاري بين البلدين دون عوائق خارجية. فقد يؤدي رفع العقوبات إلى زيادة تدفق السلع والمنتجات عبر الحدود، مما ينعش الاقتصاد اللبناني وينشط الشركات المحلية ويوفر فرص عمل أوسع. وبما أن سوريا تمثل المنفذ البري الوحيد للبنان إلى المنطقة العربية الأوسع، بما في ذلك الأردن والعراق ودول الخليج، فقد توقفت هذه الروابط إلى حد كبير منذ عام 2011.
لذا، يُنظر إلى رفع العقوبات كفرصة لإحياء هذه الطرق الحيوية، ما يعزز صادرات لبنان ويخفف تكاليف وارداته ويخفف من التحديات اللوجستية التي تواجهها.
من جهة أخرى، يمكن للبنان أن يستفيد من المشاركة في عملية إعادة الإعمار السورية، إذ بإمكان الشركات اللبنانية ورأس المال البشري اللبناني أن يلعبا دوراً مباشراً في هذا القطاع المتوقع النمو. كما قد يتحول لبنان إلى نقطة عبور رئيسية وقاعدة لوجستية للشركات الدولية المشاركة في جهود الإعمار.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ قد يكون رفع العقوبات بوابة لإحياء مشاريع الطاقة الإقليمية التي توقفت بسبب قانون قيصر الأميركي، مثل استيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا. ويرى المسؤولون أن هذا المشروع، الذي قد يخفف من أزمة الكهرباء اللبنانية، يمكن أن يُستأنف بنجاح، فضلاً عن إمكانية إعادة تفعيل مصفاة طرابلس، مما يعزز دوره في الربط التجاري والنفطي العربي مع أوروبا.
علاوة على ذلك، قد يسهم رفع العقوبات في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة ككل، ما ينعكس إيجاباً على لبنان عبر تعزيز العلاقات التجارية. كما قد ينعكس تحسن الأوضاع الاقتصادية في سوريا إيجابياً على قطاع السياحة اللبناني، مع احتمال عودة السياح السوريين في حال تحقق الاستقرار والانتعاش.
إضافة، فإن سقوط النظام السوري ورفع العقوبات قد يفتح آفاقاً جديدة لتعزيز الحوار بين السلطات اللبنانية والسورية حول إدارة الحدود المشتركة وعودة اللاجئين.
على المقلب الآخر، فإن أي انتعاشة في سوريا تنعكس مباشرة على المشهد السياسي اللبناني، حيث تثير مخاوف حزب الله والتيارات التي تدور في فلكه، في حين تبث بارقة أمل في صفوف التيارات المعارضة، لا سيما السنية التي ترى في سوريا الجديدة امتداداً طبيعياً لها ودعماً لحضورها الداخلي، كما كان الحال معاكساً في عهد الأسد.
اللاجئون في لبنان
أما الملف الأكثر حساسية فهو ملف اللاجئين السوريين في لبنان، الذي شكل محور نزاعات سياسية حادة على مدى سنوات. إن رفع العقوبات عن سوريا عزز توجهات لدى بعض التيارات، خاصة اليمينية منها، التي تعتبر أن رفع العقوبات يعزز من تراجع مبررات استمرار وجود أعداد كبيرة من اللاجئين في لبنان. هذا الموقف دفع عدداً من القادة السياسيين اللبنانيين إلى الدعوة لإعادة النظر العاجلة في سياسات اللجوء فيه والتنسيق مع الأمم المتحدة لوضع خطة منظمة لعودة اللاجئين إلى سوريا.
مع ذلك، لا يزال وضع اللاجئين في لبنان معقداً وغير مستقر. فاللاجئون يعبرون غالباً عن أملهم في العودة إلى ديارهم، لكنهم في الوقت نفسه يُظهرون تردداً واضحاً نظراً لحالة عدم اليقين التي تحيط بالأوضاع السورية على المدى القريب والبعيد. تشمل هذه المخاوف أسس الحياة الأساسية مثل الحصول على التعليم، وفرص العمل، وقضايا السكن، وملكية الأراضي، بالإضافة إلى قدرة الدولة والمجتمع على توفير المساعدات الإنسانية.
لذلك، فإن التغيير السياسي في سوريا لا يمحو الصدمات العميقة التي عانى منها اللاجئون، ولا يزيل ترددهم المستمر، خصوصاً وأن إعادة بناء سوريا واستعادة استقرارها تحتاج إلى وقت طويل قبل أن يشعر اللاجئون بالأمان الكافي للعودة.
تحديات رفع العقوبات
لكن بالمقابل لا يخلو رفع العقوبات من تحديات للبنان في حال لم تعرف القيادة السياسية فيه كيفية إدارة الملف لينتقل حينئذ التعاون واستجلاب الفرص إلى منافسة ومجابهة.
إن أول هذه التحديات تتمثل في المنافسة الاقتصادية المحتملة، حيث قد يؤثر تعافي الاقتصاد السوري على الميزات التنافسية التي يتمتع بها لبنان جغرافيًا واقتصاديًا وتجاريًا. علاوة على ذلك، قد يؤدي انتعاش الاقتصاد السوري إلى أزمة في سوق العمل اللبناني، حيث من الممكن أن يعود عدد كبير من العمال السوريين إلى وطنهم مع تحسن الظروف هناك. وهذا يشكل تحديًا لبيروت في وقت تحتاج فيه إلى تعزيز جهود إعادة الإعمار وتنمية بنيتها التحتية، خاصة أن العمال السوريين يشكلون جزءًا هامًا من القوى العاملة في قطاعات مثل الزراعة والإعمار.
كما تظل قدرة لبنان على استغلال الفرص مرتبطة بشكل وثيق بسرعة تنفيذ سوريا لإصلاحاتها الداخلية وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني. فالمكاسب الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية لن تبدأ في الظهور إلا بعد أن تتمكن سوريا من تخفيف العقوبات بشكل فعلي واستعادة سيطرة الدولة على كامل أراضيها. تحد آخر داخل الشارع اللبناني وهو سحب فتيل أي إمكانية لتحويل النهوض السوري المحتمل إلى حالة استقطاب لبناني داخلي.
على المستوى الدولي، لا تزال العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا قائمة، مما يجعل العديد من البنوك والشركات العالمية مترددة في العودة إلى السوق السورية، وهو ما يحد من قدرة لبنان على الانفتاح الكامل على الاقتصاد السوري.
وأخيرًا، تعكس العلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا تاريخًا معقدًا، لا تزال تعاني من نقص في التعاون الاستخباراتي والحدودي. وتبقى ملفات اللاجئين والرقابة على الحدود مصدرًا للنزاعات والخلافات، مما يزيد من صعوبة تنسيق الجهود والاستفادة المثلى من التغيرات السياسية والاقتصادية الجارية في المنطقة.
في المجمل، يتطلب رفع العقوبات عن سوريا من لبنان استعدادًا شاملاً واستراتيجيات لبنانية واضحة عمقها التواصل الفعّال مع سوريا الجديدة لتحقيق الفرص وتجنب التحديات.
تلفزيون سوريا
———————————
رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا: إعادة تموضع وبداية شراكة مشروطة/ أحمد العكلة
21 مايو 2025
أعلن الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا خلال عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. وتهدف هذه الخطوة إلى دعم إعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي في البلاد بعد أكثر من 13 عامًا من الحرب.
وأوضح مسؤولون أوروبيون أنه تم تعليق العقوبات على قطاعات الطاقة (النفط، الغاز، الكهرباء) والنقل، مما يسهل إعادة تشغيل البنية التحتية الحيوية في البلاد. كما تم رفع العقوبات عن خمسة بنوك سورية رئيسية، ما يتيح لها الوصول إلى الأصول المجمدة وإجراء المعاملات المالية، وذلك إضافةً إلى تمديد الاستثناءات الإنسانية إلى أجل غير مسمى، بما يسهل تنفيذ مشاريع الإغاثة وإعادة الإعمار.
اعتبر الخبير الاقتصادي فراس شعبو، في تصريح لـ”الترا سوريا”، أن رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا يمثل “نقطة تحول استراتيجية” في مسار الاقتصاد السوري، إذ من شأن هذه الخطوة أن تفتح آفاقًا واسعة في مجالات الاستثمار، وتُعيد الثقة بالبيئة الاستثمارية، وتحسّن صورة سوريا في النظام المالي العالمي.
وأوضح شعبو أن رفع العقوبات، سواء الأوروبية أو الأمريكية، سيسرّع من إعادة دمج سوريا في النظام المصرفي العالمي، ويُسهّل إعادة تفعيل نظام “السويفت” والتحويلات البنكية، ما يُتيح تدفق الاستثمارات وتمويل المشاريع مجددًا.
أثر العقوبات على التجارة والتمويل
وأشار شعبو إلى أن العقوبات الأوروبية شكلت مع نظيرتها الأمريكية تأثيرًا مزدوجًا على الاقتصاد السوري، انعكس سلبًا على حركة التصدير. وذكر أن سوريا كانت تُصدّر قبل عام 2011 ما يقارب 3.5 مليار دولار إلى الاتحاد الأوروبي، وهو رقم انخفض بشكل كبير خلال سنوات الأزمة.
وأضاف أن مؤسسات تابعة للاتحاد الأوروبي كانت تقدّم منحًا سنوية تتراوح بين 200 و250 مليون دولار لدعم قطاعات الصحة والبنية التحتية والمياه والكهرباء، وهو ما فُقد خلال السنوات الماضية، مما أضر بشكل كبير بالنمو الاقتصادي.
ورغم تفاؤله بقرار رفع العقوبات، حذر شعبو من أن الاقتصاد السوري يعاني مشكلات بنيوية عميقة، تشمل ضعف البنية التحتية وقطاع النقل والطاقة، فضلاً عن تراجع أداء المصرف المركزي وضعف السيولة في القطاع المصرفي، مما يُعيق التعافي المبكر.
كما شدد على ضرورة تسريع عملية إعادة تأهيل البنية التحتية وتفعيل النظام المصرفي، محذرًا من أن أي تأخير في هذه الخطوات سيجعل الاستفادة من رفع العقوبات محدودة، ويُبقي التركيز على قطاعات مثل الزراعة والصحة فقط.
وفيما يخص جذب الاستثمارات، أكد شعبو أن المستثمرين، وخصوصًا من دول الخليج، أبدوا رغبة متزايدة بدخول السوق السورية، مستشهدًا بتصريحات الملياردير الإماراتي خلف الحبتور حول نيته الاستثمار في سوريا. لكنه شدد على أن هذا الانفتاح يتطلب توافر الاستقرار السياسي والأمني، إلى جانب ضمانات قانونية تحمي حقوق المستثمرين وتكفل الملكية الخاصة.
وأضاف: “نحتاج إلى قوانين واضحة، وإلى التخلي عن مفاهيم مثل التأميم وتغليب المصلحة العامة على حقوق الأفراد، وهي مفاهيم كانت تُنفّر المستثمرين سابقًا”.
هل رفع العقوبات كافٍ؟
ورأى شعبو أن رفع العقوبات، رغم أهميته، ليس حلاً سحريًا، بل فرصة يجب استغلالها من خلال إدارة رشيدة تعتمد على الشفافية والحوكمة وكفاءة في إدارة موارد الدولة. وأوضح أن الهيكلية الحالية للاقتصاد السوري تحتاج إلى تحديث عميق وإصلاحات حقيقية.
وفيما يتعلق بالقطاعات المتوقع أن تنتعش، حدد شعبو الطاقة والصحة والزراعة والطاقة المتجددة، كأبرز المجالات التي ستجذب الاستثمارات. أما عن تأثير رفع العقوبات على سعر صرف الليرة السورية، فرأى أن التأثير الحالي نفسي أكثر منه اقتصادي أو نقدي، موضحًا أن أي تحسّن في سعر الصرف سيكون لحظيًا ما لم يصاحبه تحسّن فعلي في المؤشرات الاقتصادية.
وأكد أن الأسعار في السوق لا تعكس سعر الصرف الرسمي، مشيرًا إلى وجود فجوة كبيرة بين السوق الرسمية والسوق السوداء، ما يُسبب خللًا واضحًا في السياسة النقدية.
واختتم شعبو حديثه بالتأكيد على أهمية تأسيس هيئة مستقلة لمتابعة تنفيذ المشاريع الاستثمارية، لمنع تكرار تجارب الفساد أو الهيمنة التي عانى منها الاقتصاد السوري في الماضي. وقال: “نحن لا نريد خلق شبكات تستفيد من الاقتصاد وحدها، بل نريد اقتصادًا يخضع لحوكمة شاملة تُحقق العدالة والاستفادة الجماعية”.
وختم قائلًا: “رفع العقوبات ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لفرصة حقيقية، يجب أن تُدار برؤى اقتصادية وتشريعات حديثة، بما يُسهم في تحسين المستوى المعيشي والخدمي للمواطن السوري خلال الفترة المقبلة”.
يؤكد الكاتب والباحث السوري، د. باسل معراوي، في حديثه لموقع “الترا سوريا”، أن سوريا تمثل جوارًا استراتيجيًا بالغ الأهمية للقارة الأوروبية، نظرًا لقربها الجغرافي وتشاطئها مع دول القارة على البحر الأبيض المتوسط، ما يجعل من عدم استقرارها مصدر تهديد مباشر للأمن الأوروبي.
ويشير معراوي إلى أن أوروبا، التي رسمت خريطة المنطقة السياسية عبر اتفاقية سايكس-بيكو، فقدت نفوذها فيها بعد الحرب العالمية الثانية لصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، فانشغلت ببناء نهضتها الاقتصادية وتخلت عن أدوارها الجيوسياسية، لتتحول لاحقًا إلى “ملحق في المجرة الأمريكية”.
ومع اشتعال الصراع الدولي على الأراضي السورية، تنبّه الأوروبيون إلى غيابهم عن ساحة يتصارع فيها الإيرانيون والروس والأتراك والأمريكان والإسرائيليون، فيما تدفع أوروبا ثمن هذا الصراع من خلال موجات اللجوء، وانتشار الكبتاغون، وتسلل الإرهاب إلى عمق القارة.
يتعمق الاهتمام الأوروبي بسوريا، وفق معراوي، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وتصاعدت حدته مع سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي قلل من أهمية التزام واشنطن بحلف الناتو. هذا الواقع دفع الأوروبيين إلى التفكير بجدية في حماية أنفسهم ذاتيًا، والبحث عن تحالفات قريبة جغرافيًا،حيث تُعد سوريا أبرز الخيارات المتاحة.
ويوضح معراوي أن أوروبا تخلّت كليًا عن الطاقة الروسية بعد تفجير أنابيب “نورد ستريم 2″، وباتت تبحث عن بدائل في الشرق الأوسط. وهنا تبرز سوريا كممر محتمل للطاقة القادمة من الخليج، وكبلد واعد باكتشافات غازية بحرية، ما يجعل من استقرارها هدفًا أوروبيًا استراتيجيًا لا يمكن تحقيقه دون إنهاء العقوبات وإطلاق نهضة اقتصادية.
رسائل أوروبية للداخل والخارج: دعم الدولة السورية الجديدة
ويشير معراوي إلى أن الرسائل الأوروبية باتت واضحة، بدءًا من الداخل السوري، حيث توجه دعوة صريحة لدعم مسار التغيير السياسي، وحث الأقليات على التحاور والانخراط في مؤسسات الدولة الجديدة دون انتظار “حمايات خارجية”. فالاتحاد الأوروبي، بحسب معراوي، لن يدعم إلا الدولة السورية ومؤسساتها، وليس أطرافًا تتصارع على السلطة.
أما الرسالة الثانية فهي موجهة للخارج، وتؤكد أن أوروبا معنية بدعم سوريا وبناء علاقات مستقلة معها بعيدًا عن المواقف الأمريكية أو غيرها، وهو ما يعكس رغبة في بناء جسور تواصل وعلاقات مستقرة مع دمشق.
وفيما يخص تعقيدات الملف السوري، يرى معراوي أن الخلاف الأوروبي الحقيقي لا يكمن مع الولايات المتحدة أو الدول العربية، بل مع تركيا. فهناك حساسية أوروبية شديدة تجاه طموحات أنقرة الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية في سوريا، خاصة فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية والمياه الاقتصادية، كما هو الحال مع اليونان وقبرص.
ويشير إلى أن الدول الأوروبية ترفض بشكل قاطع انفراد تركيا بتسليح أو تدريب الجيش السوري الجديد، وتحاول كبح جماح النفوذ التركي المتزايد، وهو ما يفسر إصرار الرئيس الفرنسي على دعوة نظيره السوري لزيارة باريس بهدف كسر الجليد وفتح باب العلاقات.
ويختم معراوي بالتأكيد على أن الملف السوري، وخصوصًا ملف اللاجئين، أصبح قضية داخلية أوروبية. فهو يُستغل سياسيًا من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة في الحملات الانتخابية، ما يجعل من تحقيق الاستقرار في سوريا هدفًا حيويًا يسحب هذه الورقة من يد خصوم الأنظمة الليبرالية.
وترى الحكومات الأوروبية، بحسب معراوي، أن العودة الطوعية لمن لم ينجحوا في الاندماج باتت خيارًا مقبولًا، خاصة في ظل غياب أفق واضح لحل دائم، الأمر الذي يعزز من ضرورة دعم الدولة السورية وتحقيق الاستقرار على أراضيها.
يرتبط استمرار رفع العقوبات الأوروبية بالتزام الحكومة السورية الجديدة بالعملية السياسية وتشكيل حكومة شاملة. الاتحاد الأوروبي أكد استعداده لإعادة فرض العقوبات إذا لم يتم إحراز تقدم ملموس في هذا الاتجاه.
أكد د. زكريا ملاحفجي، أمين عام الحركة الوطنية السورية، في تصريح خاص لموقع “الترا سوريا”، أن خطوة الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عن النظام السوري لم تأتِ بشكل جزئي أو تدريجي، بل جرت بشكل كامل ومفاجئ، ما يشير إلى تحوّل واضح في السياسة الأوروبية تجاه الملف السوري.
وأوضح ملاحفجي أن الاتحاد الأوروبي يتحرك بناءً على عدة اعتبارات، أبرزها قضية اللاجئين والضغوط المتزايدة من أجل تأمين بيئة مستقرة تسمح بعودتهم. وأضاف أن هناك مصالح استراتيجية أوروبية تتعلق بالممرات الدولية بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وكذلك بخطوط الطاقة القادمة من الخليج والعراق، والتي تمر عبر سوريا.
وأشار إلى أن هذه الخطوة الأوروبية لم تكن معزولة، بل جاءت بعد “تجرؤ” الولايات المتحدة واتخاذها إجراءات مماثلة، مما أعطى الأوروبيين هامشًا أكبر للتحرك سياسيًا في هذا الاتجاه.
يمثل رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا تحولاً مهمًا في المشهد السياسي والاقتصادي للبلاد، لكنه لا يزال مشروطًا بالتغيير والإصلاح السياسي الحقيقي. المرحلة المقبلة ستحدد مدى نجاح سوريا في استثمار هذه الفرصة التاريخية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة.
الترا سوريا
————————————–
ين التفاؤل الحذر والشك.. تغطية الصحافة الأميركية للقاء ترامب والشرع
21 مايو 2025
قدّمت الصحافة الأميركية طيفًا من الآراء المتباينة بشأن لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره السوري أحمد الشرع، الذي جرى منتصف أيار/مايو الجاري في المملكة العربية السعودية، وذلك عقب إعلان ترامب عن قراره رفع العقوبات عن سوريا.
ومزجت آراء الصحافة بين التفاؤل الحذر والشك، وركّزت تغطية وسائل إعلام رئيسية مثل PBS وNPR و”نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال” وCNN على هذا التحول الدبلوماسي وتداعياته، مشيرةً في كثير من الأحيان إلى تعقيد القرار نظرًا للاضطرابات السياسية الأخيرة في سوريا وخلفية الشرع المثيرة للجدل كزعيم جهادي سابق.
تفاؤل داعم لكن حذر
سلطت شبكة PBS وصحيفة “وول ستريت جورنال” الضوء على إمكانية تخفيف العقوبات لمساعدة سوريا على التعافي بعد الأسد، حيث أشارت PBS إلى اجتماع ترامب مع الشرع كخطوة نحو التعاون مع الحكومة السورية المؤقتة. ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” إشادة الشرع بقرار ترامب “الشجاع والتاريخي”، مما يشير إلى استقبال إيجابي في بعض الأوساط.
كما اتخذت منظمة “السياسة المسؤولة” موقفًا داعمًا بشكل ملحوظ، واصفةً خطوة ترامب بأنها “إعادة ضبط حكيمة وجريئة لسوريا”، مجادلةً بأن رفع العقوبات “القاسية والمُشلّة” يمكن أن يسمح للسوريين “بالتألق” بعد سنوات من الحرب.
وفي السياق أشاد محللون يكتبون في “ريسبونسبل ستيت كرافت”، وبينهم معلقون مُخضرمون في السياسة الخارجية، بقرار ترامب باعتباره اعترافًا عمليًا بالواقع الجديد في سوريا بعد الأسد. وجادلوا بأن العقوبات أضرت بالمدنيين بشكل غير متناسب، وأن رفعها يمكن أن يعزز الاستقرار، بما يتماشى مع استراتيجية ترامب الأوسع في الشرق الأوسط.
ووصف المساهمون في صحيفة “وول ستريت جورنال”، المعروفة بمجلس تحريرها ذي الخبرة في هذا المجال، الاجتماع بأنه خطوة دبلوماسية جريئة، حيث أشار رد الشرع الإيجابي إلى إمكانية المشاركة البناءة بين الولايات المتحدة وسوريا، غير أن كتاب الصحيفة حثوا، مع ذلك، على “مراقبة دقيقة لحكم الشرع”.
شكوك وقلق
وفي مقابل ذلك الترحيب، أكدت شبكة CNN على مخاطر احتضان الشرع، الذي وُصف بأنه “جهادي تحول إلى رئيس”، وأشارت إلى سعي ترامب لتطبيع العلاقات السورية مع إسرائيل وطرد المقاتلين الأجانب، مما أثار تساؤلات حول جدوى هذه المطالب.
وفي نفس السياق أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” على التأثير المُعيق للعقوبات، لكنها سلطت الضوء على المخاوف بشأن ماضي الشرع مع “هيئة تحرير الشام”، وهي “جماعة كانت مرتبطة سابقًا بتنظيم القاعدة”، في إشارة إلى عدم الارتياح للتعامل مع قائد بهذه الخلفية.
وأشارت إذاعة NPR إلى أن رفع العقوبات يتطلب موافقة الكونغرس، مما يُلقي بظلال من الشك على فورية تعهد ترامب، ويضعه في إطار لفتة رمزية في انتظار اتخاذ إجراء تشريعي.
ومع أن “المجلس الأطلسي” وصف هذه الخطوة بأنها “تحول محوري”، لكنه أشار إلى مخاوف المحللين بشأن الآثار طويلة المدى، لا سيما في ظل المشهد السياسي المعقد في سوريا والحاجة إلى تنسيق دولي مستدام.
وأعربت تغطية CNN، التي يُرجح أنها استقتها من مراسلين مخضرمين مثل فريد زكريا أو كريستيان أمانبور، عن قلقها إزاء ماضي الشرع الجهادي ومخاطر إضفاء الشرعية على قيادته. وتساءلوا عما إذا كانت شروط ترامب – مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل – واقعية بالنظر إلى الديناميكيات الداخلية في سوريا.
وسلّط محللون في صحيفة “نيويورك تايمز”، ومن بينهم كتّاب أعمدة مثل توماس فريدمان، الضوء على “المعضلات الأخلاقية والاستراتيجية المترتبة على التعامل مع زعيم متشدد سابق”، محذرين من أن “رفع العقوبات دون إصلاحات حوكمة واضحة قد يشجع العناصر المتطرفة”.
تحليل عملي
وأفادت “إنيرجي إنتليجنس” بأنه على الرغم من أن تخفيف العقوبات قد يفيد سوريا، إلا أن العملية ستكون بطيئة ولن تُقدم دعمًا اقتصاديًا فوريًا، مما يعكس وجهة نظر عملية لتحديات هذه السياسة.
وفي السياق نفسه، أكدت تقارير الإذاعة الوطنية العامة، التي صاغها صحفيون خبراء مثل ستيف إنسكيب، على العقبة الإجرائية المتمثلة في موافقة الكونجرس، مشيرين إلى أن إعلان ترامب كان طموحًا أكثر منه عمليًا. ودعوا إلى “نقاش دقيق حول إمكانية تطبيق تخفيف العقوبات بمسؤولية”.
وفي العموم اعتبرت الصحافة الأميركية اجتماع ترامب مع الشرع، ورفع العقوبات، تحولًا سياسيًا مهمًا ولكنه مثير للجدل. وعبّر محللون كثيرون عن هذه الانقسامات، حيث أشاد بعضهم بإعادة ضبط الاستراتيجية، بينما حذر آخرون من مخاطر محتملة في غياب ضمانات قوية. وكانت الحاجة إلى موافقة الكونغرس وتعقيد المشهد السياسي السوري من المواضيع المتكررة في جميع التغطيات.
——————————–
الخارجية الأميركية: رفع العقوبات عن سوريا قيد التنفيذ ويتطلب تنسيقاً فيدرالياً
2025.05.23
قالت وزارة الخارجية الأميركية إن تنفيذ قرار الرئيس دونالد ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا يتطلب تنسيقاً بين عدة وكالات فيدرالية، وإن العملية “قد تستغرق بعض الوقت”.
وفي تصريحات للصحفيين، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، إن الرئيس ترامب “اتخذ موقفاً واضحاً بأن الوقت قد حان لرفع العقوبات”، مشيرة إلى أن فريقاً مشتركاً من وزارتي الخارجية والخزانة بدأ العمل على هذا الملف “بشكل مكثف لإنجازه بأقرب وقت ممكن”.
آليات متشابكة تتطلب تنسيقاً فيدرالياً
ورغم صدور القرار من أعلى المستويات، أوضحت بروس أن عملية رفع العقوبات تمر عبر وزارات ووكالات مختلفة. وقالت إن “الرئيس يملك صلاحيات واسعة، لكن التنفيذ يتطلب إصدار تراخيص وقرارات من جهات متعددة، أبرزها وزارة الخزانة”.
وشددت المتحدثة الأميركية على أن إدارة ترامب تدرك أهمية التسريع في هذه الإجراءات، و”تعمل على ذلك”، لافتة إلى أن العملية تسير بشكل أسرع من المعتاد في مثل هذه الحالات.
تحول الموقف الأميركي من سوريا
في 12 أيار الجاري، أعلن الرئيس الأميركي، من العاصمة السعودية الرياض، رفع العقوبات المفروضة على سوريا، استجابةً لطلب مشترك من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبدعم من دولة قطر.
وفي اليوم التالي، عقد ترامب اجتماعاً نادراً مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، في أول لقاء بين رئيسي البلدين منذ 25 عاماً.
وخلال جلسة في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، الثلاثاء الماضي، قال وزير الخارجية، ماركو روبيو، إن واشنطن “تسعى لدعم الحكومة السورية لتفادي حرب أهلية وفوضى قد تزعزع استقرار المنطقة بكاملها”.
من جانبه، أوضح القائم بأعمال المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، جون كيلي، أن توجيهات الرئيس ترامب بدأ تنفيذها فعلياً، وأن إصدار التراخيص اللازمة لجذب الاستثمارات إلى سوريا قيد الإجراء، داعياً الحكومة السورية إلى “اتخاذ خطوات جريئة” لمواصلة هذا المسار.
—————————-
الخارجية الأمريكية: نعمل بشكل مكثف لرفع العقوبات عن سوريا
واشنطن: قالت وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس، إنها تعمل بشكل مكثف لرفع العقوبات عن سوريا في أقرب وقت.
وذكرت متحدثة الخارجية تامي بروس، أن الرئيس دونالد ترامب اتخذ موقفا واضحا بشأن رفع العقوبات عن سوريا، وأن الوقت حان لذلك.
وأضافت في تصريح صحافي، أن هناك فريقا بدأ العمل على هذه القضية، وأن الأمر سيتم بسرعة.
وأوضحت أن رفع العقوبات عن دولة يستغرق وقتا معينا حتى عندما تأتي التعليمات من الرئيس، مشيرة إلى أن وزارتي الخارجية والخزانة تعملان بشكل مكثف في هذا الصدد.
ومؤخرا، أعلن ترامب وكذلك الاتحاد الأوروبي، رفع العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على سوريا في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.
(الأناضول)
—————————-
سوريون يأملون ببدء تعافي الاقتصاد المنهك بعد رفع العقوبات الغربية
دمشق – أ ف ب: في مؤسسة مالية يديرها في وسط دمشق، يأمل أنس الشَمّاع أن يُسهّل رفع العقوبات الغربية عمليات تحويل الأموال من وإلى سوريا، بعدما عَزلت سنوات الحرب الطويلة اقتصاد البلاد ونظامها المصرفي عن العالم.
ويقول الشماع (45 عاماً) في مقابلة “نأمل أن يبدأ الاقتصاد السوري تعافيه بشكل تدريجي وسريع، وأن يُعاد ربط المصرف المركزي مع المصارف العالمية وتُسهل الحركة التجارية”.
ويتمنى أن “يتمكن التجار من تحويل الأموال بشكل مباشر إلى الخارج من دون مشاكل، والمغتربون من إرسال الحوالات إلى عائلاتهم”، الأمر الذي كان مستحيلاً خلال السنوات الماضية بسبب القيود، ما زاد من معاناة المواطنين الذين كانوا يعيشون في ظل نزاع دام ويحتاجون إلى مساعدات أقاربهم في الخارج.
ومع إعلان واشنطن ثم الاتحاد الأوروبي رفع عقوبات مفروضة منذ سنوات، يأمل سوريون أن تدور عجلة التعافي، في مسار يقول خبراء اقتصاديون إنه يحتاج إلى وقت طويل ولا يكفي رفع العقوبات وحده لدفعه قدما في ظل غياب بيئة استثمار مشجعة تجذب المستثمرين ورؤوس الأموال.
ويطال رفع العقوبات الأوروبية الأخير تحديداً النظام المصرفي الذي كان مستبعداً من الأسواق الدولية، بعدما تم تجميد أصول المصرف المركزي وحظر التعامل معه.
واستنزف النزاع المدمر الذي اندلع قبل 14 عاماً اقتصاد البلاد ومقدراتها، وباتت عملية تحويل الأموال بطريقة رسمية إلى الخارج مهمة مستحيلة على وقع عقوبات غربية تطال كل من يتعامل مع مؤسسات وكيانات مالية سورية.
ويروي الشماع الذي يدير شركة صرافة وتحويل أموال منذ العام 2008، كيف جعلت سنوات الحرب والعقوبات الغربية الاقتصاد أشبه بـ”جثة هامدة”.
ويقول”ساء الوضع على مستوى المعاملات المصرفية وانفصلنا عن العالم كلياً وأصبحنا في انعزال تام”، ما أسفر عن توقّف استقبال الحوالات من الخارج وعجز التجار عن دفع مستحقات سلع ومنتجات مستوردة.
ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا، تحسّنت قيمة العملة المحلية في السوق السوداء، ليسجّل سعر الصرف 8500 ليرة مقابل الدولار بعدما لامس عتبة 13 ألفاً، في تحسّن يعتبره خبراء اقتصاديون “موقتاً” وناجماً عن الأثر النفسي لرفع العقوبات.
ويأمل خريج كلية الاقتصاد محمّد الحلبي (25 عاماً) أن يضع رفع العقوبات حداً لتحويل الأموال عبر السوق السوداء، للحؤول دون اجتزاء نحو ثلاثين في المئة من قيمة المبلغ المحوّل.
ويقول لفرانس برس “مع رفع العقوبات الآن…ستحتاج عملية التحويل إلى نقرة زر” على ما هو الحال عليه في أنحاء العالم.
وعرقلت الحرب والعقوبات كذلك تأهيل مرافق وبُنى تحتية خدمية، وجعلت التعاملات مع القطاع المصرفي السوري مستحيلة.
وتعوّل السلطات السورية الجديدة على دعم الدول الصديقة والغربية لإطلاق مرحلة إعادة الاعمار في البلاد التي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار.
وأثنت دمشق بعيد رفع العقوبات الأوروبية على الخطوة “التاريخية”.
ورحّب الرئيس الانتقالي أحمد الشرع “بالشركات الأوروبية الراغبة بالاستثمار في سوريا”، معتبراً أن بلاده تشكل اليوم “فرصة استثمارية واعدة وممرا اقتصاديا مهما بين الشرق والغرب”.
ورغم التفاؤل برفع العقوبات، إلا أن آثارها المباشرة قد تكون محدودة في الوقت الراهن، بحسب محللين.
ويقول الباحث الاقتصادي بنجامين فاف لوكالة فرانس برس “مع رفع العقوبات عن سوريا بشكل عام، نتوقع وتيرة متزايدة في إعادة إعمار البُنية التحتية، كالطرق والمستشفيات والمدارس”، مُرَجِّحاً أن “تُسرِّع دول مثل السعودية وقطر وتركيا التي تربطها علاقات بالحكومة الجديدة، وتيرة التجارة والاستثمار، خصوصاً في مجال إعادة الإعمار”.
لكن قطاعات أخرى أبرزها الطاقة والقطاع المصرفي تتطلّب “استثمارات كبرى ووقتاً أطول بكثير لتتحقق فعلياً” في “عملية قد تستغرق بضعة أشهر أخرى”، وفق فاف الذي يعمل في مؤسسة “كرَم شَعّار” للاستشارات.
وتتطلب إعادة ربط النظام المصرفي السوري بالقطاع المصرفي العالمي اتخاذ تدابير على مستويات عدة. وحول ذلك يقول فاف “قبل أن تُجدِّد البنوك الأوروبية، على سبيل المثال، علاقاتها أو علاقات المُراسَلة المصرفية مع البنوك السورية، سيتعين عليها تقييم معايير الامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في سوريا، وهو أمر سيستغرق وقتاً” نظراً لتأخر سوريا الكبير في هذا المجال.
ولا يكفي رفع العقوبات وحده لدفع عجلة الاقتصاد، إذ يتعين على السلطات تهيئة بنية حاضنة للاستثمار وشفافية في توقيع عقود استثمارية ضخمة.
ولم تصدر السلطات الجديدة أي قوانين استثمار جديدة، ولم تعلن أي اصلاحات اقتصادية، بعد عقود نخر فيها الفساد المؤسسات، وساهم في تدهور بيئة الأعمال.
ويروي رجل أعمال سوري يعمل بين دبي ودمشق، لفرانس برس من دون الكشف عن اسمه، إنه منذ إطاحة الاسد يرغب بتوسيع استثماراته في سوريا. ويقول إنه طرق منذ وصوله أبوابا عدة، من دون أن يوفق في معرفة الإجراءات التي يتعين اتباعها والقوانين والانظمة التي يجب الاحتكام اليها.
داخل متجره لبيع الإلكترونيات في دمشق، لا يتوقع زهير فوال (36 سنة) أن ينعكس رفع العقوبات مباشرة على حياته اليومية. ويقول إن جلّ ما يتمناه حالياً هو أن تعمل “تطبيقات على غرار نتفليكس وتيك توك” المحظورة عن سوريا.
على صعيد آخر أعلنت جولي كوزاك المتحدثة باسم “صندوق النقد الدولي” أن الصندوق أجرى “مناقشات مفيدة” مع الفريق الاقتصادي السوري ويستعد لدعم جهود المجتمع الدولي لإعادة بناء اقتصاد سوريا المتضرر من الحرب.
وكان آخر تقييم شامل للصندوق لحالة الاقتصاد السوري قد جرى في عام 2009 قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 2011.
وأكدت المتحدثة “ستحتاج سوريا إلى مساعدة كبيرة لإعادة بناء مؤسساتها الاقتصادية”.
وتابعت “نحن على أهبة الاستعداد لتقديم المشورة والمساعدة الفنية الهادفة وذات الأولوية في مجالات خبرتنا”.
——————————
لبنان أمام خيارات حاسمة وواشنطن بالمباشر: تعلموا من الشرع
الجمعة 2025/05/23
على لبنان أن يحذو حذو الرئيس السوري أحمد الشرع ويتعلم منه. جملة واحدة قالتها الموفدة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس كانت كافية للإشارة إلى المسار الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية رسمه للبنان. والأكيد أن ما تقصده أورتاغوس هو سلوك “مسار السلام” أي الاتجاه إلى اتفاق مع إسرائيل لا سيما أنه بنظر الأميركيين فإن ما يريده الرئيس دونالد ترامب هو إرساء السلام في المنطقة وإدخال المزيد من الدول إلى الاتفاقات الإبراهيمية. بعض الرسائل الدولية التي ترد من الولايات المتحدة الأميركية ومن دول أخرى تشير بوضوح إلى أن سوريا قد سلكت طريق تعويم علاقاتها الدولية سريعاً، بينما لبنان لا يزال متعثراً في خطواته.
فتح حصول الإسرائيليين على الأرشيف الخاص بإيلي كوهين الباب أمام تساؤلات كثيرة حول ما يجري بين سوريا وإسرائيل، وإذا كان هناك تقدماً على مستوى التواصل المباشر أو غير المباشر بين البلدين. فالإسرائيليون منذ سنوات طويلة يخوضون مفاوضات جدّية مع نظام بشار الأسد للحصول على أي معلومة تتصل بمكان دفن جثته وقبل سنوات نجحت إسرائيل في استعادة ساعة يد كوهين. لكن اللافت هو السرعة التي حصلت فيها على كل أرشيفه لاسيما أن ذلك حصل على وقع تحولات كبرى تعيشها المنطقة وخصوصاً سوريا التي التقى رئيسها أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية وبرعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وفيما كانت السعودية تصرّ على الحصول من الرئيس الأميركي على موقف يتصل بتأييد حل الدولتين، فهي تعمل مع فرنسا وبريطانيا واسبانيا وألمانيا ودول أوروبية أخرى لإنجاح مؤتمر دولي يعترف بالدولة الفلسطينية، فحل الدولتين بالنسبة إليها هو المدخل الأساسي للوصول إلى أي اتفاق سلام. السلام هذا هو الذي يركز عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويسعى إلى تحقيقه وإدخال المزيد من الدول في الاتفاقات الإبراهيمية.
لدى زيارة ترامب إلى الرياض، كانت السعودية تريد لسوريا وفلسطين ولبنان أن يشاركوا في اللقاءات، لكن أحمد الشرع وحده هو الذي اتجه إلى هناك وعقد اجتماعاً مع ترامب. بينما استثني لبنان وفلسطين. فاستثناء لبنان جاء بسبب ما يعتبره الأميركيون حتى الآن تعثّر في مسار القيام بما هو مطلوب منه على خط حصر السلاح بيد الدولة وإنجاز الإصلاحات المطلوبة وسلوك طريق السلام. أما فلسطين فلا تزال ظروفها غير ناضجة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وعدم حصول اتفاق فلسطيني فلسطيني على كيفية إدارة القطاع وإعادة انتاج السلطة الفلسطينية.
في هذه المسارات بدا أحمد الشرع هو الأكثر تقدماً وسرعة، وهو قال بشكل واضح أكثر من مرة إن سوريا لا تريد أن تشكل تهديداً على أي من دول الجوار ويقصد بذلك إسرائيل، كما أشار إلى أن سوريا تريد السلام في المنطقة. كذلك، فقد استجابت دمشق لكل الشروط التي كانت قد فرضتها الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما أدى إلى رفع العقوبات. ولكن في الموازاة، كان هناك مسار لتفاوض بين سوريا وإسرائيل، عنوانه مفاوضات غير مباشرة حصلت عبر جهات عديدة.
في بداية مسار التفاوض كان الشرع حريصاً ومتمسكاً بالعودة إلى اتفاقية فض الاشتباك التي أقرت في العام 1974، لكن الإسرائيليين رفضوا ذلك، وأصروا على تجاوز هذه الاتفاقية وبناء منطقة عازلة في الجنوب السوري، إلى جانب تدمير كل مقدرات الجيش السوري. كذلك لا يريد الشرع التنازل عن الجولان الذي تتمسك به إسرائيل. فهو لا يريد أن يسجل على اسمه وفي تاريخه أن الرئيس السنّي الذي حكم سوريا تنازل عن الجولان. وهو ما سيكون بحاجة إلى مسار تفاوضي طويل للوصول إلى اتفاق بشأنه. لكن الخطوات التي أقدمت عليها دمشق دفعت بالمسؤولين الأميركيين إلى الإشادة بها. ما دفع بمورغان أورتاغوس أن تتوجه إلى المسؤولين اللبنانيين بضرورة التعلم من تجربة الشرع.
ما يقوله الأميركيون للبنان هو أنه يتوجب عليه قراءة التحولات الكبيرة والتاريخية على مستوى المنطقة، لا سيما أن ما يجري فيها لم يحصل منذ عقود، وهي المرّة الأولى التي تكون فيها سوريا صاحبة وجهة مؤيدة للغرب بخلاف تاريخها، كما أنه لا يمكن للبنان أن يبقى في حالة تخلّف عن السير في هذه الوجهة وإلا سيبقى في حالة انعزال وستكون سوريا هي المستفيدة الأكبر وهي التي ستحصل على الامتيازات والاستثمارات، ليبدو ذلك وكأنه ضغط إضافي على لبنان لاستدراجه للالتحاق بركب المنطقة.
المدن
———————————
المبعوث الأميركي الخاص لسوريا بدأ التنسيق مع دمشق.. مصادر تكشف
العربية. نت – جوان سوز
23 مايو ,2025
بعد تأكيد مصدر دبلوماسي تعيين الولايات المتحدة توماس باراك، سفيرها الحالي لدى أنقرة والصديق الشخصي للرئيس دونالد ترامب، مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، تصاعدت التساؤلات حول الدور الذي سيلعبه في بلد طوى قبل أشهر صفحة حرب دامت 14 عاماً.
وتعليقاً على التعيين، كشفت مصادر دبلوماسية تركية مطلعة لـ”العربية.نت” أن القرار الرسمي سيصدر بعد أيام، لكنها أشارت إلى أن السفير الأميركي الحالي بدأ بالفعل بالتنسيق مع السلطات الانتقالية السورية قبل البدء بمهامه.
وأوضحت أن باراك يملك خبرة واسعة في التعامل مع الملف السوري، خاصة من جهة تواصله المستمر مع المعارضة السورية خلال تواجدها في تركيا على مدى السنوات الأخيرة، وتواصل رفيع مع الأحزاب المؤيدة للأكراد، وفق المصادر السابقة.
وسيط بين تركيا وقسد
كما أضافت أن السفير الحالي كان يلعب دور الوسيط بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية خلال الاشتباكات التي شهدتها منطقة سد تشرين بين قسد وجماعات مسلحة مدعومة من تركيا.
من جانبه، قال المحلل السياسي والصحافي التركي المعروف أرغون باباهان، إن “قرار تعيين باراك يؤكد أن الولايات المتحدة لا تريد أي هجوم تركي ضد وحدات حماية الشعب”.
كما أضاف لـ”العربية.نت” أن “التصريح الأخير لوزير الخارجية الأميركي مارك روبيو يستند جزئياً إلى هذه التنبؤات حين تحدث عن حرب أهلية قد تندلع في سوريا”. وتابع أن “أهم طريقة لمنع هذا الصدام يكون ببناء علاقة ثقة مع أنقرة”.
“علاقات أفضل”
إلى ذلك رأى أن “وجود صديق مقرب وداعم لترامب كمبعوث أميركي إلى كل من أنقرة وسوريا سيضمن علاقات أفضل بين الدول الثلاث”.
وأشار باباهان إلى أن “ترامب لا يريد أن تصبح سوريا مشكلة جديدة أمامه”. وقال “أعتقد أن السفير الأميركي سيتصرف كمراقب لواشنطن”.
وكان وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو، قال في حديثه أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الثلاثاء الماضي، إنه سمح لموظفي السفارة التركية، بما في ذلك باراك، بالعمل مع المسؤولين المحليين في سوريا لفهم نوع المساعدات التي يحتاجون إليها. ودعا إلى دعم دمشق، قائلاً: “إذا نظرتم إلى تاريخ المنطقة، عندما تكون سوريا غير مستقرة، تصبح المنطقة غير مستقرة”.
فيما تزامن تحذيره مع إعلان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا.
———————————-
==========================