تحقيقاتسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

من ألمانيا إلى سوريا: طريق عودة اللاجئين المحفوف بالأسئلة والمخاوف/ مصطفى الدباس

22.05.2025

في أعقاب سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، أعادت الحكومة الألمانية تفعيل برامج العودة الطوعية، وشجعت السوريين الراغبين على الرجوع إلى بلادهم من خلال حوافز مالية ملموسة.

في واقعة طريفة تعكس تعقيدات ملف اللاجئين السوريين في ألمانيا بعد سقوط نظام بشار الأسد، طالب اللاجئ السوري عبد الهادي “ب” ، المدان سابقاً بالانتماء الى تنظيم “داعش” الإرهابي، الحكومةَ الألمانية بمبلغ 144 ألف يورو مقابل موافقته على العودة الطوعية إلى سوريا.

وكان حُكم على اللاجئ، البالغ 37 عاماً،  بالسجن لخمس سنوات وثلاثة أشهر في عام 2018 لتورطه في تجنيد أنصار للتنظيم ومحاولة تحريض شخصين في سوريا على تنفيذ تفجير انتحاري، وعلى رغم صدور قرار بترحيله منذ ذلك الحين، تعذّر تنفيذ الإبعاد بسبب “الحرب الأهلية في سوريا” حسب التوصيف الرسمي.

برامج العودة الطوعية

في أعقاب سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، أعادت الحكومة الألمانية تفعيل برامج العودة الطوعية، وشجعت السوريين الراغبين على الرجوع إلى بلادهم من خلال حوافز مالية ملموسة.

ووفقاً لبيانات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين BAMF، استفاد 464 لاجئاً سورياً من برنامج العودة الاتحادي بين كانون الأول/ ديسمبر 2024 ونهاية نيسان/ أبريل 2025، وشمل البرنامج تغطية كاملة لتكاليف السفر، بالإضافة إلى منحة مالية تبلغ 1,000 يورو لكل شخص بالغ، و500 يورو لكل طفل، ومعونة سفر إضافية بقيمة 200 يورو للبالغين و100 يورو للقاصرين، فضلاً عن دعم صحي يصل إلى 2,000 يورو في الحالات الخاصة، وبحسب البرنامج يمكن أن تحصل الأسرة المكونة من والدين وطفلين على ما يصل إلى 4,000 يورو عند العودة.

إلى جانب البرنامج الاتحادي، واصلت بعض الولايات الألمانية تنفيذ برامجها الخاصة التي أطلقت منذ العام 2017، إذ استفاد منها 87 سورياً خلال العام 2024، و31 شخصاً إضافياً في الشهور الأولى من العام 2025، حسب شبكة التحرير الألمانية (RND). وعلى رغم استمرار الدعم المحلي، فضل معظم العائدين البرنامج الاتحادي الجديد الذي بدأ فعلياً منتصف شباط/ يناير 2025 ضمن مبادرة مشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، لكن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، حذرت من أن العودة مرهونة بتوفير البنية التحتية والخدمات الأساسية داخل سوريا، وهو ما يتطلب دعماً دولياً لا يزال دون المستوى المطلوب.

آراء متباينة بين اللاجئين بشأن العودة

تفاوتت مواقف اللاجئين السوريين في ألمانيا حيال فكرة العودة إلى الوطن بعد سقوط نظام الأسد، بين من استقبل الخبر بفرح وحنين، ومن تحفّظ عليه بشكوك ومخاوف، وخرج الآلاف في مدن ألمانية كبرلين وإيسن وشتوتغارت في مظاهر احتفال عفوية عقب إعلان انهيار النظام، رافعين أعلام الثورة السورية وهتافات تنادي بالحرية والديمقراطية، من بين هؤلاء كان ريان الشبّل، أول رئيس بلدية سوري الأصل في ألمانيا، الذي عبر عن قناعته بأن “كثيرين من الناس سيعودون حتماً” إلى سوريا، واصفاً مشاعره عند سماع الخبر بالدموع والقشعريرة. كذلك عبّر المغني مزن محسن عن أمله ببناء نظام ديمقراطي جديد يضمن العدالة والمساواة، ما يفتح الباب لعودة حقيقية إلى وطن حر.

في المقابل، أبدى لاجئون آخرون تردّدهم حيال العودة السريعة، إذ عبّر أحد اللاجئين العلويين عن قلقه من الانتقام الجماعي الذي قد يطاول طائفته، مؤكداً أن سقوط الأسد لا يجب أن يعني محاسبة الطائفة بكاملها، تعليقاً على المجازر التي حصلت في مدن الساحل السوري بحق العلويين.

أما السوريون الذين “اندمجوا بعمق” في المجتمع الألماني حسب تعبير الصحف الألمانية، فكانت لهم هواجس من نوع آخر لأنهم بنوا حياة مستقرة في ألمانيا، حيث يدرس نحو 200 ألف طفل سوري في المدارس الألمانية، ويوجد حوالي 50 ألف شاب في برامج التدريب المهني، بينما دخل كثر من البالغين سوق العمل واستقروا وظيفياً، وبالنسبة الى هؤلاء، تعني العودة التخلي عن كل ما تم تحقيقه والبدء من جديد في بلد ما زال غير مستقر.

وثقت منظمة “برو أزول” الحقوقية الألمانية حالة القلق هذه، مشيرة إلى أنها تلقت عدداً هائلًا من الاستفسارات فور سقوط النظام من لاجئين يخشون الترحيل أو فقدان الحماية القانونية التي يتمتعون بها. وأكد المتحدث باسم المنظمة، طارق العلاو، أن “العودة في ظل هذه الظروف مخاطرة بل ومهلكة للحياة”، معتبراً الدعوات السياسية لعودة اللاجئين الآن غير واقعية وغير إنسانية.

شهدت أروقة السياسة الألمانية نقاشات موسعة بشأن إعادة صياغة سياسة اللجوء تجاه السوريين من دون إصدار قانون جديد صريح حتى تموز/ يوليو 2025، إلا أن اتفاق الائتلاف الحكومي الجديد بين الحزبين “الديمقراطي المسيحي” و”الاشتراكي الديمقراطي” رسم ملامح لنهج أكثر تشدداً، يتضمن البدء بترحيل السوريين المدانين بجرائم أو المصنفين كمصدر تهديد أمني، على أن يدرس لاحقاً توسيع الترحيل لفئات أوسع إذا استقرت الأوضاع في سوريا.

في هذا السياق، بدأت الجهات الأمنية حصر أسماء الأشخاص المعنيين، فيما صرحت وزيرة الداخلية السابقة نانسي فيزر بأن التشريعات الخاصة بترحيل “الأجانب الخطرين” تم تشديدها استناداً إلى تعديلات أقرتها حكومة المستشار الألماني السابق أولاف شولتس أواخر العام 2023 عقب حادثة طعن إرهابية في مدينة زولينغن، وتسمح هذه التعديلات بتسريع الترحيل وسحب بعض صلاحيات المنع من حكومات الولايات.

وفي نيسان/ أبريل 2025، زارت الوزيرة فيزر دمشق برفقة نظيرها النمساوي لبحث إمكانية إعادة الجناة مع السلطات السورية الجديدة، مؤكدة دعم ألمانيا لانتقال ديمقراطي في سوريا، مع مطالبة القيادة الجديدة بالتعاون في استعادة المطلوبين أمنياً.

بالتوازي، طرحت وزارة الداخلية الاتحادية مبادرة جديدة تسمح للاجئين السوريين بزيارة وطنهم لفترة قصيرة من دون فقدان وضع اللجوء، بهدف تفقد أوضاعهم الشخصية تمهيداً لعودة دائمة. وبحسب الخطة، يحق للاجئ التقدم بطلب لرحلة استطلاعية إلى سوريا لمدة لا تتجاوز الأربعة أسابيع، أو رحلتين مدة كل منها أسبوعان، على أن تدار هذه الزيارات تحت إشراف سلطات الأجانب وبتنسيق مع BAMF. وقد رحبت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بهذه الخطوة ووصفتها بـ”المشجعة”، بينما انتقدتها ولاية بافاريا ووصفتها بأنها قد تُستغل كـ”رحلات عطلة مقنّعة”.

وعلى رغم صرامة الخطاب السياسي، فإن ألمانيا لم تنفذ حتى الآن أي ترحيلات قسرية، واستمر الوضع القانوني لغالبية السوريين من دون تغييرات فورية.

زيارات مؤقتة إلى سوريا تثير الجدل وتضع الحماية تحت المراجعة

على رغم أن القانون الألماني يمنع اللاجئين من العودة إلى بلادهم الأصلية من دون مبررات استثنائية، كشفت تقارير رسمية عن قيام مئات السوريين الذين لم يحصلوا بعد على الجنسية الألمانية بزيارات مؤقتة إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد.

وكشفت تقارير إعلامية، أنه خلال الفترة بين 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 و31 آذار/ مارس 2025، فتح المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين BAMF إجراءات مراجعة بحق 2,157 لاجئاً من جنسيات مختلفة عادوا مؤقتاً إلى أوطانهم، بينهم 734 حالة لسوريين زاروا سوريا ثم عادوا إلى ألمانيا، وتعد مثل هذه الزيارات، إذا لم يكن متفقاً عليها، انتهاكاً لشروط الحماية، ما يستوجب إعادة فتح ملف إسقاط صفة اللجوء، إلا أن جميع هذه الملفات وضعت حالياً تحت التعليق المؤقت بسبب استمرار مراجعة الوضع الأمني في سوريا.

في هذا السياق، أكدت وزارة الداخلية أن القانون أصبح أكثر صرامة تجاه من يستغل وضعه كلاجئ للسفر إلى بلد يدّعي أنه فر منه خوفاً من الاضطهاد، ومع ذلك، لم يتخذ بعد أي قرار نهائي بسحب الحماية من هؤلاء الأشخاص، ما دام لم يعلن رسمياً أن سوريا أصبحت بلداً آمناً.

اللاجئون الجدد وحظوظ الأقليات المهدّدة

لم تتوقف موجات اللجوء إلى ألمانيا بعد سقوط نظام الأسد، بل استمرت بوتيرة مرتفعة، مع تسجيل 76,800 طلب لجوء جديد من سوريين في عام 2024، وقرابة 9,900 طلب إضافي خلال الربع الأول من عام 2025، بحسب بيانات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، ويعكس هذا الاستمرار واقع أن تبدُّل السلطة لم ينهِ دوافع اللجوء، بل خلق في بعض الحالات دوافع جديدة، خصوصاً لفئات كانت موالية للنظام السابق أو تنتمي إلى أقليات مهدّدة بالانتقام.

واتسمت السياسة الألمانية تجاه هؤلاء القادمين الجدد بالحذر، مع قرار المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء  BAMF تعليق البت في طلبات اللجوء السورية مؤقتاً، بانتظار إعادة تقييم ما إذا كانت سوريا أصبحت بلداً “آمنًا. في هذه الأثناء، تبقى ملفاتهم “معلّقة”، من دون ترحيل قسري، ولكن أيضاً من دون ضمان سريع للحصول على الحماية، إلا أن المكتب أعاد تفعيل البت بطلبات اللجوء الجديدة أواخر الشهر الماضي.

في المقابل، سلطت التطورات الميدانية في سوريا الضوء على الخطر الحقيقي الذي تواجهه بعض الأقليات، لا سيما بعد المجازر التي ارتكبتها جماعات إسلامية متطرفة في الساحل السوري بحق المدنيين العلويين، والتي وصفها مراقبون بأنها “حملة تطهير عرقي”.

وأثارت هذه الأحداث قلقاً كبيراً داخل ألمانيا، التي أعادت تأكيد التزامها بتوفير الحماية للأشخاص المهددين بسبب العرق أو الدين أو الانتماء السياسي أو الجنسي، مثل العلويين، المسيحيين، الدروز، والمثليين، إذ أوضحت السلطات الألمانية أن هؤلاء ما زالوا مشمولين بحق اللجوء أو الحماية الفرعية، بموجب “اتفاقية جنيف” و”الدستور الألماني”، شرط إثبات خطر حقيقي يهدد حياتهم. وأشارت التقارير إلى أن حوالي 321 ألف سوري حصلوا على صفة لاجئ وفق المعايير الدولية حتى أواخر العام 2024، بينهم 5,000 فقط صُنِّفوا كلاجئين سياسيين لأسباب فردية.

سوريو المهجر الألمان

شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في عدد السوريين الحاصلين على الجنسية الألمانية، ما يعكس اندماجهم المتزايد في المجتمع واستيفاءهم شروط التجنيس بعد مضي نحو 6 إلى 8 سنوات على موجة اللجوء الكبرى في 2015–2016.

ووفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، حصل 75,500 سوري على الجنسية الألمانية عام 2023، بزيادة قدرها 56 في المئة مقارنة بعام 2022، ليصبحوا الفئة الأجنبية الأكبر من حيث معدل التجنيس.

وانعكس هذا التحول على إحصاءات الجالية السورية، إذ بدأ العدد المسجل للسوريين كأجانب في الانخفاض تدريجياً، على رغم استمرار تدفق لاجئين جدد. وبلغ عدد السوريين المسجلين كأجانب بحلول آذار/ مارس 2025، نحو 968,900، بانخفاض عن الشهر السابق نتيجة انتقال المجنسين إلى خانة “المواطنين الألمان”. وعلى الرغم من احتفاظ كثر من هؤلاء بجنسيتهم السورية، إلا أن حملهم الجواز الألماني يعني خروجهم من منظومة اللجوء والإقامة، وامتلاكهم حرية السفر والإقامة في سوريا من دون تبعات قانونية.

وتقدّر أعداد المجنسين السوريين منذ 2015 بعشرات الآلاف، وباتوا يشكلون شريحة جديدة تعرف إعلامياً بـ”سوريي المهجر الألمان“، ويحملون هوية مزدوجة ثقافياً. والجدير بالذكر أن 18 في المئة من السوريين ذوي الخلفية المهاجرة في ألمانيا ولدوا فيها، ما يشير إلى نشوء جيل جديد متجذر في المجتمع الألماني، يصعب تصوّره خارج هذا السياق الاجتماعي والثقافي.

– صحافي سوري مقيم في برلين

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى