ما يطلبه المثقفون.. رسائل مترعة بالأمنيات إلى وزير الثقافة الجديد/ مرح الحصني

24 مايو 2025
أثار تعيين محمد صالح وزيرًا للثقافة جدلًا بين السوريين، وخاصةً في الأوساط الثقافية. هناك من قال: يوجد من هو أجدر بهذا الموقع.. الآن، في هذه الظروف الاستثنائية، تحديدًا. وهناك من رأى، في المقابل، أنه “شاب مفعم بالحيوية والنشاط وسوف يقدم الكثير”. وبغض النظر عن اسم الوزير، يبقى حال الثقافة السورية في حاجة إلى خطوات إصلاحية عاجلة تعيد إليها الحياة، وتفسح الطريق أمام المثقفين ليلعبوا الدور المنوط بهم.
وفي هذا السياق، التقى “الترا سوريا” بمجموعة من الفنانين والصحافيين والشباب والعاملين في القطاع الثقافي، المقمين في الداخل والمغتربين، ليوصلوا رسائلهم إلى وزير الثقافة الجديد. ومن بين من كتبوا لنا، هناك من تحدث عن البعثات الثقافية، وعن دعم المخرجين الشبان، وعن قاموس للهجات السورية، وهناك من أضاف ممازحًا: “أول طلب: حفلة لأصالة في دمشق”!
ضرورة إصلاح شامل وإحياء الثقافة
قالت رفيف الساجر، وهي أستاذة في المعهد العالي للفنون المسرحية، في رسالتها عبر “الترا سوريا”، والتي وقدمتها لا بصفتها المهنية، بل بصفتها مهتمة بالشأن الثقافي: “ما الذي أتوقعه من السيد وزير الثقافة في الحكومة الجديدة؟ أولًا، وبشكل مباشر، النظر في قطاع العاملين والفنانين والمدرسين ضمن مجال الثقافة والجهات المعنية بها، كون الوضع أكثر من كارثي”.
وأضافت: “العمل على تطوير وتدعيم الحالة الثقافية الفنية، والتي تعيش مرحلة الموت البطيء، من حيث إعادة الحركة المسرحية والسينمائية بصورة مجدية وفاعلة، بعيدًا عن الواجهات الفارغة. وتفعيل المهرجانات الفنية المحلية والدولية لإعادة الحياة للثقافة في سوريا. بالإضافة إلى إعادة الاهتمام بالمعارض الفنية والكتاب، وتحريك عجلة ثقافة الطفل وما يتبعها من أنشطة ومسرحيات وورش، والعمل على إعادة إحياء البعثات الثقافية والزيارات من وإلى سوريا، والعمل على إعادة هيكلية العمل ضمن المديريات التابعة للوزارة بشكل حقيقي”.
وتابعت: “من الضروري التوجه إلى أشخاص أصحاب خبرة واطلاع لتشكيل خارطة عمل فنية على مستوى يرفع من سوية الوضع الثقافي بكافة أشكاله، ومحاولة خلق تجارب وفرص جديدة لتحريك عجلة الثقافة كمنتج مؤثر وفاعل وله أثره وقيمته. ومن المهم جدًا العمل على رفع السوية الثقافية الجماهيرية من حيث تفعيل مجالس ولقاءات ومبادرات ثقافية ممتعة وجاذبة للجمهور، وليس فقط حالة تنظيرية متعالية.
واختتمت رسالتها بقولها: “أنا أنتظر خطة عمل متكاملة، حقيقية، واقعية، وآليات تنفيذ مباشرة تعطي بوادر حلول.. بكل هذا الوضوح والمباشرة”.
السينما والفنون البصرية كجسر للنهضة
وكتبت الفنانة التشكيلية ومخرجة أفلام أنتميشن، سنا أتاسي، في رسالتها إلى الوزير قائلةً: “في الواقع، أرغب بلقاء الوزير، وأقترح الآتي: الاهتمام بالسينما بشكل أساسي، وصناعة سينما الطفل بشكل خاص، وتطوير الإنتاج السينمائي من خلال الذكاء الاصطناعي، وإعادة بناء وتأهيل السينما والمسارح في سوريا، ودعم المخرجين الناشئين، ومحاولة تبادل الخبرات مع المخرجين في العالم، والعمل على تطوير الفكر والرؤية، والاهتمام بالأماكن الأثرية وإعادتها كما كانت عليه، ودعم الفنون البصرية وتأسيس معارض عالمية بشكل سنوي”.
وأضافت: “تأهيل ثقافة اقتناء الأعمال الفنية، ووجود شبكة علاقات عالمية مع الصالات والمتاحف فيما يخص الفنون البصرية، بالإضافة لإنشاء مشاريع لكل الفئات لتطوير مفهوم الفن وتدخله في حياتنا اليومية، والاهتمام بمواهب الأطفال، ودعم التجانس الاجتماعي من خلال الفن، لأننا بالفن نرتقي، وبالبناء وجمالية مشاريع الإعمار تزدهر. لنجعل سوريا لوحة تستقطب العالم إليها”.
شباب سوريا يريدون ثقافة قريبة من يومياتهم
وكتبت الشابة الطبيبة إيلاف طعمة في رسالتها عبر “الترا سوريا”: “أنا، كشابة سورية وخريجة طب، أرى أن وزارة الثقافة يمكن أن تلعب دورًا مهمًا جدًا في تقريب مفاهيم الثقافة من يومياتنا، لا أن تبقى شيئًا رسميًا أو بعيدًا عنا وعن مفاهيمنا وحتى روتيننا، لذا أتمنى أن تُضاف أنشطة ومبادرات تجمع بين التراث السوري والثقافة المعاصرة، وتحاكي لغتنا كشباب”.
وتابعت: “مثلًا: لماذا لا تكون هناك مساحات حوار مفتوحة؟ أو ندوات عن قضايا تهمنا مثل الصحة النفسية (التي أراها ضرورية جدًا للشعب السوري، خاصة بعد التحرير)، الهوية، والتواصل المجتمعي؟ كذلك، أتمنى أن تدعم الوزارة مشاريع شبابية صغيرة، وورشات، والأهم من ذلك، محتوى رقمي ثقافي. لماذا؟ لأننا كشباب لدينا طاقة وأفكار ضخمة وكبيرة كأحلامنا وطموحاتنا، لكننا بحاجة إلى من يسمعنا ويؤمن بنا لنبدع. الثقافة يجب أن تعود لتتحدث بلساننا، وتوصلنا ببعضنا البعض”.
مأمون الخطيب: الثقافة كخط دفاع وطني وهوية حضارية
يقول المخرج المسرحي مأمون الخطيب في رسالته: “لطالما كانت وزارات الثقافة في العالم الثالث هي وزارات مهمشة، رغم الحاجة إلى دورها التنويري والتنموي الفعال في بناء شخصية الإنسان الفكرية والثقافية في المجتمع. المطلوب من وزارة الثقافة أن تكون ريادية في بناء الشخصية السورية، والالتفات إلى الكثير من الطلبات والحاجات الملحة التي يحتاجها العاملون في ميدان الثقافة والتي كانت مهمشة في العهد البائد”.
وأكمل: “المطالب كثيرة، وأهمها الاعتراف بأهمية الثقافة والمثقف ودوره الحقيقي في المجتمع. كل مخرجات الثقافة بحاجة إلى الدعم والتطوير والانطلاق إلى عالم أرحب يعكس الشخصية السورية الحضارية. يجب دعم المسرح والكتاب والسينما والشعر والرواية والفن التشكيلي، واعتبار هذه المخرجات بمثابة خط دفاع وطني متقدم لطرح الهوية الثقافية والفنية السورية في المحافل الدولية والمحلية”.
وأضاف: “أما عن المسرح، فيجب إعادة النظر في دعمه ودعم المسرحيين، من خلال الدعم المادي واللوجستي والسياسي، لإطلاق الحوار الثقافي الذي طالما تغنت به هذه الفنون العريقة. الالتفات إلى جميع محددات المسرح، انطلاقًا من المعهد العالي للفنون المسرحية وأهميته في تكوين الممثل والفنان الجيد والمؤهل، واستقطاب أهم المدرسين الأكاديميين.. ودعم مديرية المسارح لاستقطاب وجذب الفنانين والمخرجين المؤهلين للعمل في المسرح عن طريق دعم مادي يحقق كرامة العاملين من فنانين وفنيين”.
كما شدد على ضرورة: “العمل على إعادة المهرجانات الدولية المسرحية والسينمائية، حيث كانت سوريا من أوائل المنظمين لتلك المهرجانات التي عكست أهمية وقيمة سوريا الحقيقية وقيمة فنانيها ومثقفيها. كما يجب إعادة نظام الإيفاد إلى المهرجانات العربية والعالمية، التي طالما حُرمنا من تمثيل بلدنا فيها، رغم أنها تشيد جميعها بأهمية الفنان السوري أينما طرح إنتاجه الثقافي. هذا الأمر منصوص عليه في اتفاقيات وزارة الثقافة مع العديد من الدول”.
وأكد كذلك على أهمية: “الاهتمام بالمسارح وتطور تجهيزاتها التقنية والخدمات اللوجستية التي أصبحت معدومة ومتخلفة طوال الفترات السابقة، إما عن تقصُّد أو إهمال أو فساد مستشرٍ. سوريا بلد خلاق، وتحتاج إلى الكثير من الاهتمام بمبدعيها في كافة ميادين الثقافة، عن طريق تحقيق الحياة الكريمة، والاعتراف بهؤلاء المبدعين ذوي الانتماء الإنساني أولًا والسوري خصوصًا”.
واختتم رسالته قائلًا: “المسرح مرآة المجتمع في الدول المتحضرة، والثقافة هي هوية هذا المجتمع، وهذا ما يجب أن يكون. أرجو تحويل مديرية المسارح إلى هيئة عامة للمسرح، أسوة بالمؤسسة العامة للسينما، وتغيير القوانين البالية السارية منذ سبعينيات القرن الماضي”.
حرية النشر ومشروع قاموس للهجات السورية
كتب شاهر جوهر، وهو صحفي وكاتب سوري مغترب في ألمانيا، في رسالته قائلًا: “ننتظر من وزير الثقافة الجديد إلغاء الوصاية على الإنتاج الأدبي والثقافي، وتوفير بيئة حرة للكتابة والنشر بعيدًا عن الرقابة. كما نتطلع إلى تمويل مشروعات الكتب المبتكرة التي تعزز الهوية الثقافية السورية المتنوعة، مما يساعد على استعادة الثقافة السورية لمكانتها في الساحة الأدبية والفكرية”.
وأضاف: “لدي أيضًا رغبة قديمة في تأليف قاموس سوري يجمع جميع المفردات المحكية بلهجات السوريين، باعتبار أن اللهجات موروث ثقافي أصيل، وكثير منها أصبح في عداد اللغات الميتة والمنقرضة اليوم في الحياة اليومية، ولكن ينقص هذا المشروع التمويل اللازم لتحقيقه”.
مساحة تشاركية يشعر فيها الفنانون بالأمن والانتماء
اختتمت الفنانة المسرحية والناشطة الثقافية السورية المقيمة في هولندا، روان التكريتي، الرسائل الموجهة إلى وزير الثقافة بقولها: “نتطلع إلى فتح وتنظيم مساحات للحوار واللقاء مع الفنانين والمؤسسات الثقافية والفنية المستقلة بأماكن مختلفة فيزيائيًا في سوريا، وأونلاين مع الفنانين المقيمين في الخارج، ومع المؤسسات من القطاعات الأخرى”.
وأكملت: “هدف هذه الجلسات: النقاش حول أهداف السياسة الثقافية وتنظيمها وأولوياتها خلال السنوات الخمس القادمة حتى 2030، والمشاكل والصعوبات التي تواجه الفنانين، والموارد المتاحة والمطلوبة لوضع خطة لحلها. الأدوار الممكنة لوزارة الثقافة في الفترة الحالية، وصلاحياتها، والإصلاحات الممكنة للهيكل الإداري. العلاقات الثقافية الدولية وبرامج التبادل الثقافي بين وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية الموازية في البلدان الأخرى. العلاقات مع القطاعات الأخرى، وإمكانية بناء مشاريع مشتركة مثل دعم الصناعات الإبداعية عن طريق مشاريع مع وزارة الاقتصاد، أو التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني عن طريق وزارة الشؤون الاجتماعية”.
وتابعت: “دور الفنون في العدالة الانتقالية، واستخدام أنواع الفنون المختلفة في التعبير عن المشاكل المجتمعية. الإشراف على بحث يقيم وضع القطاع الثقافي حاليًا، متضمنًا مسحًا عن وضع البنية التحتية للمنشآت الثقافية ونسبة تضررها خلال الحرب.. والقيام بجلسات مع مختصين قانونيين لوضع خطة لإصلاح القوانين المتعلقة بالقطاع الثقافي بالتعاون مع وزارة العدل”.
وأنهت رسالتها بقولها: “إن فتح مساحات الحوار والنقاش يغير من آلية العمل من الأعلى للأسفل التي كانت سائدة في وقت النظام السابق، وبناء علاقة ثقة بين الفنانين والوزارة هي عملية طويلة تستلزم البناء من الأسفل إلى الأعلى، ومحاولة إدماج الجميع في وضع الأسس التي تُبنى عليها السياسة الثقافية، لبناء مساحة تشاركية يشعر فيها الفنانون بالأمان والانتماء”.
أمنية “خفيفة”: حفلة لأصالة!
وفيما كانت الرسائل تفيض بالرؤى والطموحات، ضحك أحد المشاركين قائلًا: “أريد فقط حفلة لأصالة في سوريا”! ربما في هذه الأمنية “الخفيفة” صوت مكبوت من الحنين، أو ربما هي أمنية ثقافية مشروعة من نوع آخر.
وما بين الرؤية والمطلب، الأمل والتخوف، تفتح هذه الرسائل نافذة على ما يريده السوريون من وزارة الثقافة. إنها ليست ترفًا، بل هي انعكاس لحاجة عميقة إلى الحياة، ولصوت يريد أن يُسمع، وأن يجد في مؤسسات الدولة شريكًا، لا وصيًا.
الترا سوريا