واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 25 أيار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
———————————-
قسد في ساعتها الأخيرة/ صبا ياسر مدور
الأحد 2025/05/25
يتصافح الزعيمان، الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للمرة الثالثة خلال خمسة أشهر، أمس في إسطنبول، في زيارة غير متوقعة لكنها مفصلية. جاءت لتعنون الحل وتحسم الملف الأكثر حساسية في العلاقات الثنائية، ألا وهو ملف قوات سوريا الديمقراطية، “قسد”، محور الأجندة السورية – التركية المشتركة في الوقت الراهن. فلا يوجد ما هو أهم أو أكثر إلحاحاً بالنسبة لأمن سوريا وتركيا. ورغم أن الزيارة لم تكن مدرجة على أي جدول رسمي، إلا أنها جاءت في لحظة محسوبة بدقة، بعد ساعات فقط من الإعلان الأميركي عن إعفاء سوريا وقيادتها من العقوبات، وبعد أن اكتملت ظروف التفاهمات الأمنية والسياسية خلف الكواليس. ومعها، دخل ملف قسد مرحلة النضج ضمن إطار تفاهمي وتوافقي تركي- سوري- أميركي لم يتبق فيه سوى ضبط التفاصيل النهائية، حسب رؤية سورية- تركية.
بالنسبة لأنقرة، فإن إنهاء تهديد قسد لم يعد مجرد ملف أمن قومي طال أمده، بقدر ما هو مفتاح لمشهد سياسي جديد يُمهد لما يسعى إليه الرئيس رجب طيب أردوغان من تعديلات دستورية، قد تعيد رسم معادلة الحكم في تركيا لسنوات مقبلة. تتقاطع هذه المصالح مع اعتبارات تركية أخرى تتعلق بتركيز علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة ومحاولة تفعيل مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث ظلت مسألة قسد إحدى العقبات المركزية، حتى وإن بدت تركيا في الظاهر غير مهتمة. لكن الأهم من ذلك، هو ما يمثله هذا الملف لتركيا كفرصة استراتيجية للتخلص من واحدة من أبرز نقاط ضعفها الإقليمية، ولم يكن ذلك ممكنا لولا التقارب الأميركي- التركي الذي كان واحداً من إعدادات الضبط الجديدة في المنطقة.
بالنسبة لسوريا، فقد ظل ملف سيطرة قوات سوريا الديمقراطية مطلباً أولوياً من قوى ثورية وشعبية طالبت الإدارة الجديدة بحسمه عسكرياً، لا سيما بعد سقوط النظام. إذ ارتبطت قسد تاريخياً بمواقف إشكالية خلال الثورة، وبقيت على مسافة متوترة من فصائل المعارضة، أقرب إلى النظام منها إلى الثورة. إلا أن إدارة الرئيس أحمد الشرع اختارت تأجيل الحسم، انطلاقاً من قناعة بأن الحل ليس سورياً فحسب، بل إقليمياً شاملاً ولمرة واحدة. كما أن الوصول إلى هذا المبلغ يقتضي تجريد قسد من أبرز أوراقها الضاغطة، وعلى رأسها ملف سجون داعش، الذي كانت تمسك به كوسيلة تفاوض مع الغرب، وورقة ضغط على الولايات المتحدة.
إلى أن جاء انتزاع هذه الورقة في التوافق الأميركي السوري التاريخي، الذي شمل تولي الإدارة السورية مسؤولية معتقلات داعش، في اللقاء التاريخي بين ترامب والشرع في الرياض، ذاك الذي ختم على اعتماد منهجية التعامل مع قسد وفق نمط التسوية لا التفاوض. وهذه هي المنهجية التي تسعى من خلالها دمشق فرض خط أحمر حاد تجاه أي مسعى للامركزية أو الفيدرالية. حيث بوجوده لا يخص قسد فحسب، بل يعد مبدأ ناظماً أرادت دمشق تحصيله وتكريسه في هذا الملف، ليمتد إلى مناطق أخرى مثل السويداء والساحل، حيث ظهرت دعوات للحكم الذاتي أو الفيدرالية. إذ يدرك الشرع أن أي تنازل في هذا الملف قد يجر لاحقاً تنازلات أكبر في ملفات أخرى كالسويداء.
ضمن هذا السياق، يمكن تحديد ثلاثة سياقات تدفع بمسألة قسد نحو ترتيبات شبه نهائية، تتبلور مع لقاء الرئيسين رجب طيب أردوغان وأحمد الشرع، وما سيعقبه من خطوات تنفيذية في شمال شرق سوريا.
أول هذه المسارات، التحول التاريخي في الصراع التركي- الكردي، الذي انعكس بشكل مباشر على وزن قسد ووظيفتها السياسية والعسكرية. فقد شكل إعلان عبد الله أوجلان وقف العمل المسلح في حزب العمال الكردستاني منعطفاً استراتيجياً، مهد لإبرام اتفاق أولي بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي في شهر رمضان الماضي، وتوج لاحقاً بإعلان حل الحزب، ما وفر انكشافاً سياسياً وقانونياً لسحب الشرعية من كافة امتدادات الحزب، بالأخص داخل سوريا.
الاتفاق بين الشرع وعبدي يمثل المسار الثاني الذي شكل الإطار السوري- الكردي، تضمن في ظاهره تأكيداً على حقوق المواطنة الكاملة للأكراد في سوريا، لكنه ارتكز فعلياً على ركيزتين بالغتي الحساسية: رفض مبدأ التقسيم، ودمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية الخاضعة لسيطرة قسد ضمن بنية الدولة السورية. ورغم الحديث عن الدمج، فقد ترك الاتفاق عمداً هامشاً من الغموض البناء في تفسيرات تتراوح بين ما إذا كان سيتم اندماجه ككيان موحد أو كأفراد موزعين ضمن وحدات الجيش. وهنا تبرز خصوصية حضور وزير الدفاع مرهف أبو قصرة في قمة إسطنبول، لوضع خطوط دقيقة، ربما تهدف عدم قيام أي بنية عسكرية كردية ضمن ضمن الجيش السوري، بما يبدد الهواجس التركية ويمنع إعادة إنتاج انقسام مؤسسي في المستقبل.
المسار الثالث في التقارب التركي- الأميركي الذي وفر لتركيا مظلة سياسية مريحة في إدارة ملف قسد. إذ بدا واضحاً أن الرئيس دونالد ترامب يتعامل مع الملف السوري من زاوية رؤية تركية- سعودية منسقة، تقدم الاستقرار الإقليمي كأولوية على حساب مشاريع الانفصال أو الإدارة الذاتية. وقد برز هذا بتعيين توماس باراك، مبعوثاً أميركياً لسوريا، وهو الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في أنقرة، في إشارة إلى اصطفاف واشنطن عملياً مع مقاربة أنقرة إزاء ملف شمال شرق سوريا عموماً.
وبتكامل عوامل الدفع الإقليمية والدولية، يبدو أن ملف قسد قد دخل ساعته الأخيرة، لا بالحسم العسكري، بل ربما من خلال إعادة تسوية تاريخية قد تمنح الأكراد السوريين حقوقهم الدستورية الكاملة، بما في ذلك الاعتراف بهويتهم وحقوقهم الثقافية والسياسية، تحت سقف المواطنة المتساوية، يعكس روح الاتفاق بين الرئيس الشرع- مظلوم عبدي، وعلى نحو يوازي نموذج الاندماج الذي طورته تركيا داخلياً مع المكون الكردي لديها. لكن يبقى غير واضح آلية نزع السلاح وتفكيك بنية قسد القتالية والتعامل معها، في ظل ما تمتلكه من خبرات ميدانية وتدريب متقدم على يد القوات الأميركية. بالإضافة لمسألة إشكالية أخرى تتعلق بمصير المقاتلين الأكراد من أصول تركية المنضوين في صفوف قسد، وما إذا كانوا سيُدمجون ضمن وحدات الجيش السوري مع منحهم الجنسية السورية، أم سيعادون إلى تركيا في إطار تفاهمات أمنية ثلاثية تشمل أنقرة، دمشق، وحزب العمال الكردستاني قبل حله.
في المجمل، أيا يكن الشكل النهائي الذي ستتخذه هذه التسوية، فإنها تحول دراماتيكي في المسألة الكردية داخل سوريا، ومقاربة جديدة لقضايا الأقليات في المنطقة، لا تعيد إنتاج نموذج كردستان العراق
المدن
——————————–
ما بين اللامركزية والفيدرالية في سورية/ مالك الحافظ
الأحد، ٢٥ مايو / أيار ٢٠٢٥
يختلط، في النقاشات السورية التي تلت سقوط نظام الأسد، الحديث عن الفيدرالية واللامركزية، كما لو أنهما مصطلحان مترادفان. تارّة تُتهم الفيدرالية بأنها مشروع تقسيم، وتارّة يُقارب الحديث عن اللامركزية كما لو أنه مجاز لغوي للفيدرالية، ما يجعل من أي دعوة إلى إعادة هيكلة العلاقة بين المركز والأطراف تهمة مسبقة بالانفصال. في الحالتين، يبدو أن المشكلة لا تكمن في المفاهيم نفسها، بل في السياق السياسي المُحمّل بالتوجّس، وفي ذاكرة السوريين التي لم تعرف من السلطة إلا شكلها المركزي الصارم. ولكن قبل أن نمضي في التقييم، من المفيد أن نفصل بين المفهومين، في جوهر علاقتهما بطبيعة الدولة، وبالسلطة، وبالهوية الوطنية.
اللامركزية، من حيث التعريف العملي، هي توزيع جزئي للصلاحيات داخل الدولة الواحدة، بحيث تبقى السيادة موحّدة، ولكن تُمنح الوحدات الإدارية (بلديات، محافظات، مجالس محلية) القدرة على اتخاذ قرارات في قطاعات محدّدة كالصحة، والتعليم، والخدمات. أما الفيدرالية، فهي نظام سياسي دستوري أكثر تعقيداً، تُوزّع فيه السيادة بين الحكومة المركزية والكيانات الفيدرالية، وتتمتع هذه الكيانات بدستور أو قوانين خاصة، أحياناً ببرلمان، وقوة أمنية، وقواعد مالية خاصة بها. والفرق هنا جذري، فالفيدرالية تعني أن الدولة مكوّنة من “وحدات سياسية” متمايزة، ولكنها متّحدة. أما اللامركزية فهي مجرّد إعادة توزيع للوظائف داخل بنية دولة موحّدة لا تتغيّر طبيعتها القانونية.
كل محاولةٍ في سورية لطرح الفيدرالية تُقابل برفضٍ مسبق. ليس فقط لأن الفكرة مرتبطة في أذهان كثيرين بمشروع انفصال، لكن الخطاب الوطني نفسه بُني تاريخياً على مركزية الدولة بوصفها خط الدفاع الأول ضد أي محاولةٍ للتجزئة. ما يجعل من كلمة “الفيدرالية” ثقيلة في الوعي السياسي السوري، حتى قبل أن تُفهم بتفاصيلها.
السؤال في سورية اليوم ليس كيف نمنع التقسيم، وإنما كيف نُنظّم واقعاً منقسماً أصلاً، ضمن عقد سياسي واضح، يضمن بقاء البلاد ضمن وحدة سياسية مع الاعتراف العملي بتعدّد مراكز القرار.
ينبّهنا ديفيد هيلد، في قراءته لتحوّلات الدولة الحديثة، إلى أن المركزية الصلبة التي نشأت في القرن العشرين لم تعُد صالحة لعالم تعدديّ. إذ لم تَعُد السيادة تعني الاحتكار الكامل للقرار، وإنما القدرة على التنسيق بين مستويات السلطة المختلفة، بشرط المساءلة والشفافية. هذا تماماً ما تفتقده سورية، وهذا ما يجعل من اللامركزية اليوم شرطاً للتماسك.
في التجربة الألمانية، لم تنتج الفيدرالية انقساماً، بل رسّخت التمثيل السياسي والاجتماعي على مستوى الولايات، وأوجدت نمطاً من “التنافس العادل” في تقديم الخدمات والتنمية. وفي العراق، رغم هشاشة الوضع الأمني، خفّف الاعتراف بكيانات متعدّدة (كردستان العراق نموذجاً) ضمن الدولة العراقية من حدّة المطالب الانفصالية. أما في لبنان، الذي لم يعلن يوماً عن كونه دولة فيدرالية، فغياب نظام لا مركزي حقيقي أو فيدرالي، جعل كل طائفةٍ تدير شؤونها عملياً خارج الدولة، ما ساهم في تآكل فكرة المواطنة الجامعة.
العقل المركزي الذي ورثه الجميع من زمن الأسد ما زال يحكم الخيال السياسي
رغم أن اللامركزية تُطرح اليوم وكأنها ابتكار حديث أو استجابة استثنائية لما بعد النزاعات، إلا أن جذورها تعود في التاريخ السوري إلى بدايات القرن العشرين. ففي 1922، وفي ظل الانتداب الفرنسي، طُرحت صيغة “الاتحاد السوري” بكونها ترتيبا إداريا ضمّ ثلاث وحدات: دمشق، حلب، والساحل. ورغم أن السياق كان استعمارياً ومشحوناً بنيات التقسيم، أشار هذا النموذج، ولو بشكل أولي ومشوَّه، إلى إمكانية إدارة الدولة بصيغٍ لا مركزية تمنح المحليات هامشاً من الصلاحيات. لكن المهم هنا ليس النموذج الذي فرضته سلطة احتلال، بل النقاشات التي أُثيرت في تلك المرحلة بشأن توزيع السلطات بين المركز والمحيط. فقد شهدت تلك اللحظة، على هشاشتها، ولادة تخيُّل سياسي في سورية عن إمكانات الحكم المحلي وتعدّد مستويات السلطة، وهو تخيُّل لم يُستكمل لاحقاً، لكنه ظلّ يلوح احتمالا مؤجّلا في ذاكرة التجربة السورية.
يذكّرنا الفقيه الدستوري الفرنسي، موريس دوفرجيه، بأن اللامركزية ليست نصّاً قانونياً، بل علاقة ثقة بين الدولة والمجتمع المحلي، وهذه العلاقة لم تنشأ في سورية في غالب المراحل، فظلّ التوجّس من المجتمعات المحلية أقوى من الرغبة في منحها إدارة شؤونها.
لا يكفي الحديث في سورية اليوم عن الفيدرالية بوصفها إعلاناً سياسياً، ولا عن الوحدة بوصفها قدراً مقدّساً. المطلوب إعادة تفكير جذرية في شكل الحكم، تُبنى على إدراك لتعدّد البنى الاجتماعية والثقافية، ولتفكك السلطة المركزية السابقة من دون قيام بديل شرعي متماسك. في هذا الفراغ، لا يمكن الركون إلى جهاز بيروقراطي مترهّل، ولا إلى مركزٍ يمسك الصلاحيات بلا أدوات فعالة. وحدها مقاربة عادلة وواقعية لإعادة توزيع السلطة يمكن أن تمنح السوريين فرصة لبناء دولة قابلة للحياة. ولا يزال ما طرحه بيير روسانفالون قبل عقدين عن “الدولة العادلة” صالحاً تماماً للسياق السوري، فالعدالة الإدارية شرط للثقة السياسية، وأي نظام لا يُعيد توزيع السلطة يصبح مع الوقت أداةً لتعميق الانقسام، ولو لم يكن يقصده.
المطالبة بالفيدرالية لا تعني بالضرورة رفضاً للوحدة، كما أن عدم الثقة بالمركز ليس جريمة سياسية. ثمّة من يرى في الفيدرالية وسيلة لحماية خصوصيته، وثمّة من يراها أفقاً لتحقيق مواطنة أكثر توازناً وعدلاً. وفي الحالتين، أي صيغة حكم عادلة يجب أن تُبنى عبر تفاهم وتفاوض يعترف بأن السيادة عقد اجتماعي متجدد، لا امتيازاً مغلقاً في يد سلطة واحدة. وسواء سميناها فيدرالية، أو لامركزية موسّعة، أو عقداً إدارياً جديداً، يتركّز جوهر النقاش اليوم حول استعداد السوريين لاقتسام السلطة بشكل عادل، أم أن العقل المركزي الذي ورثه الجميع من زمن الأسد ما زال يحكم الخيال السياسي.
لا يكفي الحديث في سورية اليوم عن الفيدرالية بوصفها إعلاناً سياسياً، ولا عن الوحدة بوصفها قدراً مقدّساً
في الظروف الحالية التي تعيشها سورية، لا توجد هيئة دستورية منتخبة أو مجلس تأسيسي يمتلك الشرعية الكاملة لصياغة شكل نظام الحكم الجديد، لكن هذا لا يعني أن الخيار بين الفيدرالية أو اللامركزية يجب أن يُحسم بتفاهمات فوقية أو ميزان قوى مؤقت. تقتضي المرحلة الانتقالية تأسيس مسار سياسي واضح نحو عقد اجتماعي جديد، يبدأ بتشكيل هيئة تأسيسية ذات شرعية تمثيلية نسبية على الأقل، تُبنى من خلال عملية تشاورية موسّعة بين قوى المجتمع المدني، والمكوّنات المحلية، والمجالس المنتخبة أو شبه المنتخبة إن وجدت، وبإشرافٍ أممي أو جهاتٍ ضامنة للانتقال. وهذه الهيئة، وإن لم تكن “منتخبة بالكامل” في المعنى الدستوري التقليدي، إلا أنها يجب أن تستمدّ شرعيتها من توازن واقعي وتوافقي، ومهمّتها الأساس صياغة مسودة دستور انتقالي أو دائم، يُطرح لاحقاً للاستفتاء الشعبي، ويحدّد فيه شكل الدولة، نمط الحكم، وقواعد تقاسم الصلاحيات.
… يجب أن يُبنى اختيار الفيدرالية أو اللامركزية على قراءة دقيقة لبنية الدولة والمجتمع، لتوزّع السكان، ولطبيعة الموارد، ولتجارب العيش المشترك في الماضي القريب. الفيدرالية، حين تُبنى على التوافق، قد توفّر استقراراً ذاتياً لوحدات جغرافية أو ثقافية تشعر بالتهميش أو القلق، وتشيع شعوراً بالانتماء الطوعي للدولة الجامعة. أما اللامركزية الإدارية، فإنها تمنح المجتمعات المحلية القدرة على إدارة شؤونها اليومية من دون المساس بالبنية السيادية للدولة، وتُعدّ أداة مرنة لإعادة التوازن بين المركز والأطراف.
في ظل سلطةٍ انتقاليةٍ هشّة، وبلد أنهكته المركزية العنيفة عقوداً، تبدو الحاجة ماسّة إلى فتح نقاش هادئ حول الخيارين، بوصفهما أدوات سياسية وإدارية يمكن أن تساهم في إنتاج عقد وطني جديد يُراعي التعدّد، ويعيد توزيع الثقة، ويجعل من الدولة حاضنة. الشكل النهائي يجب أن يُتوافق عليه عبر عملية تشاركية واسعة، ويُقرّ عبر دستور حيٍّ يكتبه السوريون بأيديهم، لا يُنسخ عن تجارب الآخرين، ولا يُصاغ لإرضاء قادة المرحلة الانتقالية.
العربي الجديد
———————
العلاقة بين “قسد” ودمشق تتأرجح بين خيارين/ محمد أمين و سلام حسن
24 مايو 2025
لا تبدو العلاقة بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، سلطة الأمر الواقع في شمال شرق البلاد، في أفضل حالاتها. فالتقدم في تنفيذ مضامين الاتفاق الذي وقّعته “قسد” ودمشق في مارس/آذار الماضي لا يزال دون مستوى توقعات وآمال السوريين. ويبدو الطرفان اليوم أمام خيارين ربما لا ثالث لهما، الأول: المضي قدماً في تطبيق الاتفاق الذي نص على دمج “قسد” في المنظومة العسكرية للبلاد، ما يعني فرض الدولة سيطرتها على كامل الشمال الشرقي من البلاد، والثاني الصدام العسكري الذي يحاول الطرفان تجنّبه كيلا تنزلق المنطقة إلى حالة اقتتال ربما تخرج عن نطاق السيطرة.
وشرعت “قسد” قبل أيام في حملة اعتقالات طاولت ناشطين في محافظة الرقة بحجة “التواصل مع الحكومة السورية”، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة حفر الأنفاق في مدينة الرقة، ما دفع ناشطين إلى إطلاق حملة عبر وسائل التواصل لإيقاف عمليات الحفر كونها تشكل خطراً على مباني هذه المدينة التي دمر التحالف الدولي أغلبها قبل سنوات. وتشي هذه الأنفاق بأن “قسد” ليست بصدد تسليم المنطقة للجيش السوري كما نصّ الاتفاق الذي وقّعه الرئيس أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي في مارس الماضي، وهو ما يبرر الاستعداد العسكري لمواجهة محتملة مع الجيش السوري.
ويضغط الشارع في الشمال الشرقي من البلاد على الإدارة السورية الجديدة من أجل حسم مصير مناطقهم، بيد أن هذه الإدارة تحاول -كما يبدو- تغليب الخيار السياسي على العسكري لتجنيب البلاد دورات عنف جديدة. ويبدو أن الجانب التركي يدفع باتجاه تنفيذ هذا الاتفاق وحسم مصير الشمال الشرقي من سورية، فأنقرة تعتبر وجود “قسد” التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي خطراً على أمنها القومي.
وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة الأناضول أن رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن أجرى، الاثنين الماضي، مباحثات مع الشرع بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني ورئيس الاستخبارات حسين السلامة. وبحسب الوكالة، “ناقش اللقاء مسألة دمج عناصر تنظيم ‘بي كي كي (حزب العمال الكردستاني) / واي بي جي (الوحدات الكردية)’ على غرار المجموعات الأخرى في سورية بعد إلقاء السلاح، وأمن الحدود والمعابر الجمركية، وتسليم السجون والمعسكرات التي يُحتجز فيها عناصر داعش إلى الحكومة السورية”.
ويرفض الجانب التركي أي شكل من أشكال السيطرة لقوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي من سورية. وكانت تركيا شنت عمليات عسكرية واسعة النطاق على “قسد”، برية وجوية، طيلة السنوات الماضية. وتزايدت المخاوف لدى سكان الشمال الشرقي من سورية من لجوء عدد من مسلحي حزب العمال الكردستاني إلى مناطقهم بعد حل هذا الحزب في تركيا وشروعه في تسليم سلاحه وإنهاء “الكفاح المسلّح” هناك، ما من شأنه دفع المشهد إلى مزيد من التعقيد.
غموض يلف مصير العلاقات بين “قسد” ودمشق
ورأى جان علي، وهو كاتب مقيم في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، في حديث مع “العربي الجديد”، أن غموضاً يلف مصير العلاقات بين “قسد” ودمشق، معرباً عن اعتقاده أن هناك سيناريوهات عدة ربما تحكم العلاقة بين الطرفين منها “الصدام العسكري، ما يعني نسف كل الاتفاقيات السابقة بينهما”. وقال: “هناك سيناريو السير بالاتفاقيات وحلحلة عقد الملفات والقضايا العالقة حتى اللحظة، من خلال المضي بأعمال اللجان المشكلة المتخصصة بين الفريقين وحل الإشكاليات كافة نهاية السنة الجارية كما نص الاتفاق”. كما أن هناك سيناريو ثالثاً وهو “وقوع مواجهات عسكرية محدودة تمكن السيطرة عليها”. وبرأيه، فإن الصدام العسكري، في حال وقوعه، “ربما يجد جهات إقليمية ودولية تؤججه مثل إيران، وربما روسيا إلى حد ما وبعض القوى الفاعلة عسكرياً في العراق”، مضيفاً: المليشيات الموالية لإيران لها نفوذ في العراق وتنتشر على الحدود السورية العراقية.
من جهته، قال الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي آلدار خليل، على صفحته الرسمية في “فيسبوك”، إن الحوار “مع حكومة دمشق مستمر في ما يخص ملف عودة مهجرّي عفرين ورأس العين وتل أبيض”، مشيراً إلى أن “العمل مستمر بخصوص تشكيل وفد يمثل الرؤية الكردية”، مضيفاً: في الأيام القليلة المقبلة، ستبدأ هذه اللجنة المشكلة عملها للتحاور مع دمشق.
تحذير من “حرب أهلية”
وفي تصريحات أخرى، قال خليل، لفضائية “كردسات نيوز”، إن “إصرار الحكومة السورية على المركزية سيقسم سورية ويقود إلى الحرب الأهلية”. وأضاف أن جدول أعمال وفد “الإدارة الذاتية” للتفاوض مع دمشق يتضمن “تعديل دستور سورية والتوافق عليه وعلى نظام الحكم في البلاد والجيش والاعتراف بالقضية الكردية”. وقال: “لا نقبل بسياسات النظام الحالي تجاه العلويين والدروز، والوفد سيناقش حقوق المكونات السورية من دون تهميش”.
وأضاف أن ما وصفه بـ”التحريض الإعلامي من قبل السلطات السورية ضد قسد والإدارة الذاتية غير مقبول ومخالف للاتفاقيات”، مشيراً إلى انفتاح “الإدارة الذاتية” على الحوار لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والخدمية والعسكرية مع حكومة الشرع. وأوضح أن “قوات قسد ووحدات الحماية ليست امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وأن مستقبلها يناقش مع دمشق، ولا نقبل بإملاءات تركيا بصدد نزع سلاحنا”، مضيفاً أن التحالف الدولي والإدارة الأميركية “لم تخطر الإدارة الذاتية وقسد حيال تسليم ملف تنظيم داعش للحكومة السورية”، معتبراً أن “إدارة ملف داعش من دون قسد غير ممكن، والغرب يعلم العواقب، نظراً إلى وجود معادلة عدم ثقة بقدرات دمشق ووجود فصائل ضمن الحكومة السورية كانت بالأمس داعش”.
وفي السياق نفسه، قال محمود حبيب، المتحدث الرسمي باسم فصيل “قوات الشمال” المنضوي في “قسد”، لـ”العربي الجديد”: “نذكّر دائماً بالطرح الوطني الذي يتبنّى الحوار على أرضية متساوية من دون إقصاء، ونأمل أن يكون بناء الوطن والمواطن أولوية لدى الجميع حتى نتجاوز هذه المرحلة الحرجة”.
وعُقدت عدة جولات تفاوضية بين “قسد” والحكومة السورية لتنفيذ اتفاق مارس الماضي، حققت بعض التقدم في ملف حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، وملف سد تشرين على نهر الفرات شمال شرقي محافظة حلب. ولكن لم تشهد بقية الملفات أي تقدّم معلن، حيث لم تتسلم الحكومة حقول وآبار نفط وغاز في مناطق سيطرة “قسد” رغم بدء انسحاب قوات التحالف من أهم حقلين في ريف دير الزور الشرقي وهما العمر وكونيكو. كما لم يشهد ملف السجون التي تضم آلاف المسلحين المنتمين لتنظيم داعش أي حلحلة، رغم أن الإدارة الأميركية طلبت رسمياً من دمشق تولي هذا الملف. ولم تُحل عقدة ملف التعليم و”الإدارة الذاتية” الكردية، ما يدفع للاعتقاد أن تطبيق اتفاق مارس سيواجه الكثير من المعوّقات، لا سيما أن القوى السياسية الكردية توافقت على وثيقة تضم مجموعة مطالب تُعد بنظر دمشق غير واقعية وغير قابلة للتطبيق كونها تشرّع الباب أمام تشظّي البلاد على أسس عرقية وطائفية.
العربي الجديد
———————————-
إلقاء السلاح.. تأثيرات على الحكومة السورية مع “قسد”/ عبد اللطيف نايف البصري
2025.05.23
شهدت الساحة السورية تطوراً لافتاً في الأيام القليلة الماضية مع إعلان حزب العمال الكردستاني قراره التاريخي بحل نفسه وإلقاء السلاح، منهياً بذلك صراعاً مسلحاً استمر لأربعة عقود. يأتي هذا القرار في توقيت بالغ الأهمية، بعد شهرين فقط من توقيع اتفاقية بين الدولة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مما يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في سوريا.
خلفية قرار حزب العمال الكردستاني
أعلن حزب العمال الكردستاني في 12 من مايو/أيار 2025 قراره بحل نفسه ووقف العمل المسلح في تركيا، وذلك في ختام مؤتمره الثاني عشر. وقد أوضحت وكالة “فرات” المقربة من الحزب أن المؤتمر قرر حل الهيكل التنظيمي للحزب وإنهاء “الكفاح المسلح” وجميع الأنشطة التي تتم باسمه، معتبراً أنه “أنجز مهمته التاريخية”.
وعند تأمل هذا القرار، أجد أنه يمثل تحولاً استراتيجياً عميقاً في فكر الحركة الكردية المسلحة التي طالما آمنت بأن السلاح هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق مطالبها.
فالحزب الذي قاد تمرداً استمر لأربعين عاماً، يقر الآن بأن “الأحزاب السياسية الكردية ستضطلع بمسؤولياتها لتطوير الديمقراطية الكردية”، وهو ما يعكس تحولاً نحو العمل السياسي بدلاً من المسلح.
العلاقة بين حزب العمال الكردستاني وقسد
تتسم العلاقة بين حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالتعقيد والتداخل التنظيمي. فرغم نفي قيادة قسد وجود علاقات رسمية مع الحزب، إلا أن مصادر متعددة تؤكد وجود ارتباط أيديولوجي وتنظيمي بينهما.
وكشفت مصادر خاصة أن الكوادر القيادية في قسد تتلقى توجيهاتها من شخصية تُعرف بلقب “الدكتور”، وهي غير سورية تقيم في جبال قنديل، معقل حزب العمال الكردستاني.
كما أن غالبية المقاتلين الأجانب في قسد سيغادرون الأراضي السورية بعد إعلان حل الحزب، حيث خرج عدد كبير منهم بالفعل.
وفي تقديري، فإن هذا التداخل التنظيمي يجعل من الصعب فصل مصير قسد عن قرار حزب العمال الكردستاني، رغم محاولات قيادة قسد التنصل من هذا القرار والتأكيد على استقلاليتها. فالجذور الفكرية والتنظيمية المشتركة تجعل من المستبعد أن يكون قرار الحزب بمعزل عن مستقبل قسد في سوريا.
الاتفاقية بين الدولة السورية وقسد
في 10 من مارس/آذار 2025، وقع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاقاً تاريخياً يقضي بدمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
تضمنت الاتفاقية ثمانية بنود رئيسية، أبرزها:
• ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية.
• الاعتراف بالمجتمع الكردي كمجتمع أصيل في الدولة السورية.
• وقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية.
• دمج المؤسسات المدنية والعسكرية ضمن إدارة الدولة السورية.
• ضمان عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم.
وأرى أن هذه الاتفاقية تمثل خطوة محورية نحو إعادة توحيد الأراضي السورية وإنهاء حالة الانقسام التي عانت منها البلاد لسنوات طويلة. لكن نجاحها يظل مرهوناً بمدى التزام الطرفين بتنفيذ بنودها، وبالتطورات الإقليمية المتسارعة، ومنها قرار حزب العمال الكردستاني.
يعزز قرار حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح موقف الحكومة السورية في مفاوضاتها مع قسد.
تأثير قرار العمال الكردستاني على الساحة السورية
التأثير السياسي
يعزز قرار حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح موقف الحكومة السورية في مفاوضاتها مع قسد، إذ يضعف الموقف التفاوضي للأخيرة التي كانت تستمد قوتها جزئياً من علاقتها غير المعلنة مع الحزب. كما يفتح الباب أمام تسريع تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بدمج المؤسسات العسكرية.
وفي رأيي، فإن هذا التطور قد يدفع قسد إلى تقديم تنازلات إضافية للحكومة السورية، سعياً للحفاظ على مكتسباتها في ظل تراجع دعمها الإقليمي. كما أنه يعزز فرص نجاح المسار السياسي السوري، شريطة أن تستثمر دمشق هذه الفرصة بحكمة، وأن تلتزم بتنفيذ بنود الاتفاقية بحسن نية.
التأثير الأمني
من الناحية الأمنية، يمكن أن يسهم قرار الحزب في تحسين الوضع الأمني في شمالي سوريا، خاصة مع توقعات مغادرة المقاتلين الأجانب للأراضي السورية. كما أنه قد يقلل من حدة التوتر بين تركيا وقسد، مما يخفف الضغط العسكري التركي على الحدود السورية الشمالية.
لكنني أرى أن هناك مخاوف حقيقية من احتمال ظهور خلافات داخل صفوف قسد حول كيفية التعامل مع هذا المتغير الجديد، مما قد يؤدي إلى انشقاقات أو صراعات داخلية تهدد استقرار المناطق التي تسيطر عليها. كما أن هناك تساؤلات حول مصير الأسلحة والمعدات العسكرية التي كانت بحوزة عناصر الحزب في سوريا.
التأثير الاقتصادي
اقتصادياً، يمهد قرار الحزب الطريق أمام تنفيذ البند الرابع من الاتفاقية المتعلق بدمج حقول النفط والغاز ضمن إدارة الدولة السورية، مما قد يعزز موارد الدولة ويسهم في تحسين الوضع الاقتصادي المتدهور.
وأعتقد أن عودة السيطرة على الموارد الطبيعية في شمال شرقي سوريا إلى الدولة المركزية ستكون لها انعكاسات إيجابية على الاقتصاد السوري ككل، شريطة أن يتم استثمار هذه الموارد بشكل عادل يضمن تنمية المناطق المتضررة من الصراع.
خاتمة
يمثل قرار حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح وحل نفسه نقطة تحول محورية في المشهد السوري، إذ يفتح الباب أمام إعادة ترتيب الأوراق في الشمال السوري، ويعزز فرص نجاح الاتفاقية بين الدولة السورية وقسد. لكن تحويل هذه الفرصة إلى واقع ملموس يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، وتجاوز عقود من الصراع والانقسام.
وفي النهاية، أرى أن مستقبل سوريا يعتمد على قدرة السوريين على بناء دولة تتسع للجميع، تحترم التنوع وتضمن الحقوق، وتنبذ العنف كوسيلة لتحقيق المطالب السياسية. فالتحول من لغة السلاح إلى لغة السياسة هو الطريق الوحيد نحو سوريا مستقرة وموحدة.
تلفزيون سوريا
————————————
فدرالية قسد بين سندان التاريخ ومطرقة الدستور/ محمد رجب
24/5/2025
في خضم المشهد السوريّ المضطرب، تطرح قوات سوريا الديمقراطية (قسَد) رؤى متباينة حول مستقبل الحكم في الجزيرة السورية ذات الغالبية العربية، متأرجحة بين الفدرالية واللامركزية، دون إطار دستوري واضح يرسّخ هذه الأطروحات.
هذه التوجهات ليست وليدة مطالب شعبية خالصة، بل تتأثر بشكل مباشر بالتحولات السياسية الدولية والإقليمية، وهو ما يجعل التساؤل مشروعًا حول مدى توافق هذه الأطروحات مع السياقات الدستورية والتاريخية لتكوين الفدراليات.
التاريخ السياسي يُظهر أن التحول نحو الفدرالية لا يمكن أن يتم بمجرد إعلان سياسي أو استجابة لتحولات خارجية، بل يجب أن يكون نابعًا من إرادة شعبية عبر دستور يوافق عليه المواطنون في انتخابات حرة
في الأنظمة السياسية، تتخذ الدول أحد الشكلين التاليين:
الدولة البسيطة، حيث توجد سلطة مركزية واحدة، قد تكون ذات إدارة مركزية كاملة أو لا مركزية إدارية، ما يسمح للمحافظات بإدارة بعض شؤونها دون استقلال سياسي.
الدولة المركبة، التي تنقسم إلى فدرالية وكونفدرالية، حيث الفدرالية تحتفظ بسيادة موحدة رغم توزيع السلطات، بينما الكونفدرالية تقوم على اتحاد كيانات شبه مستقلة تربطها اتفاقيات فضفاضة.
التاريخ السياسي يُظهر أن التحول نحو الفدرالية لا يمكن أن يتم بمجرد إعلان سياسي أو استجابة لتحولات خارجية، بل يجب أن يكون نابعًا من إرادة شعبية عبر دستور يوافق عليه المواطنون في انتخابات حرة.
كل الدول الفدرالية في العالم نشأت عبر عمليات دستورية معقدة، ولم نشهد – إلا في حالة العراق- تحولًا مباشرًا إلى دولة فدرالية من إقليمين، وهو ما يثير التساؤلات حول مدى شرعية الأطروحات التي تقدمها بعض القوى الطارئة في سوريا.
ويُنظر إلى الفدرالية العراقية كنموذج مشوّه، نظرًا لعدة عوامل تتناقض مع المعايير الفدرالية المتعارف عليها، منها:
غياب التوزيع المتوازن للسلطة: على الرغم من أن الدستور العراقي لعام 2005 نصّ على الفدرالية، فإن تطبيقها الفعلي كان غير متوازن، حيث يتمتع إقليم كردستان بسلطات واسعة، بينما لم تحظَ المحافظات الأخرى بنفس الصلاحيات، ما أدى إلى اختلال واضح في توزيع السلطة.
التداخل بين السلطات الإقليمية والمركزية: فالفدرالية الصحيحة تتطلب وضوحًا في الفصل بين السلطات، بينما في العراق هناك تنازع مستمر بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان حول قضايا مثل تصدير النفط، وصلاحيات الجيش، والسياسة الخارجية، ما يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي.
عدم وجود رقابة دستورية فاعلة: فعلى الرغم وجود نصوص في الدستور العراقي تحدد آليات الفدرالية، فإن التطبيق العملي غالبًا ما يخضع للمصالح السياسية، حيث تتجاوز بعض الكيانات الإقليمية صلاحياتها دون محاسبة حقيقية، ما يحوّل الفدرالية إلى أداة سياسية بدلًا من كونها نظامًا حكوميًّا راسخًا.
التقسيم الطائفي والمناطقي: الفدرالية العراقية لم تنشأ على أساس هيكلي إداري واضح، بل جاءت ضمن بيئة سياسية مشحونة بانقسامات طائفية وعرقية، حيث أصبحت الفدرالية أداة تُستخدم لتعزيز نفوذ بعض القوى، بدلًا من كونها نظامًا يسعى إلى تحقيق الاستقرار والتنمية، وهذا ما تمضي إليه قسد.
إن غياب الآليات الديمقراطية، التي تتيح للمواطن السوري التعبير عن رؤيته المستقبلية، يجعل الأطروحات السياسية مجرد تصورات نخبوية، أو قوى أمر واقع لا تستند إلى واقع اجتماعي أو دستوري راسخ
ومن الأمثلة البارزة على هذه التشوهات استمرار الصراع بين بغداد وأربيل حول إدارة الموارد الطبيعية، وعدم قدرة السلطة المركزية على فرض سيادة واضحة على كامل الأراضي العراقية، ما يجعل الفدرالية العراقية أقرب إلى كونها حالة استثنائية غير مكتملة، لا نموذجًا يمكن الاستناد إليه في تجارب أخرى.
واليوم، بينما تطالب قسد بالفدرالية تارةً وباللامركزية تارةً أخرى، فإن الواقع السياسي يُظهر أن هذه الأطروحات لا تستند إلى إرادة شعبية واضحة، بل تخضع لتبدلات في السياسات الدولية وتجاذبات، خاصة مع تغير مواقف الولايات المتحدة.
أما من الناحية الدستورية، فلا يمكن لأي كيان سياسي -فضلًا عن العسكري- أن يحدد مستقبل سوريا دون وجود دولة جامعة، تحترم الحقوق السياسية والمدنية لمواطنيها، الذين سيصوتون على دستور يحدد شكل بلدهم ونظامه السياسي.
إن للسياسة الخارجية دورًا كبيرًا في تحديد معالم المشهد السوري، حيث تفرض القوى الإقليمية والدولية استقطابات حادة، تؤثر على مصير السوريين أكثر من أي عملية داخلية فعلية.
وفي هذا السياق، فإن غياب الآليات الديمقراطية، التي تتيح للمواطن السوري التعبير عن رؤيته المستقبلية، يجعل الأطروحات السياسية مجرد تصورات نخبوية، أو قوى أمر واقع لا تستند إلى واقع اجتماعي أو دستوري راسخ.
ومن الجدير بالذكر أن سوريا اليوم ليست أمام صراع سياسي على الصعيد الداخلي، بل أمام مرحلة حاسمة لبناء وطن يحفظ كرامة المواطن قبل أي اعتبارات أخرى؛ حيث لا يمكن تقرير مستقبل البلاد وفق مصالح مرحلية أو استجابة لضغوط خارجية، بل يجب أن يكون بناء الدولة هو الهدف الأول، بحيث يتاح للسوريين الاختيار الحر بين الفدرالية، أو الدولة البسيطة، أو أي نموذج آخر.
وينبغي التذكير أن الشرعية السياسية لا تُكتسب عبر السيطرة العسكرية أو التحالفات الخارجية، بل عبر عملية ديمقراطية متكاملة. لذلك، لا يحق لأي طرف سياسي -مهما كان نفوذه- أن يفرض شكل الحكم على سوريا، دون وجود دستور واضح يعبّر عن إرادة جميع المواطنين.
بينما تطرح قسد نماذج سياسية متنوعة، فإن غياب الأساس الدستوري والاستقطابات الخارجية يجعل هذه الأطروحات تفتقر إلى المشروعية الكاملة.
سوريا اليوم بحاجة إلى مشروع وطني يضمن حقوق الجميع، ويمنح المواطنين القدرة على اختيار نظام الحكم الذي يعبر عن إرادتهم، ولا يكون مجرد استجابة لتوازنات سياسية مؤقتة أو ضغوط دولية.
فهل يحق للمواطن السوري أن يقرر مصير بلده بين الفدرالية وغيرها؟ أم إن “ديمقراطية” قسد لا تتماشى مع هذ الحق؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
ناشط سياسي، سوري
الجزيرة
—————————
كيف تخطط تركيا لتفكيك ترسانة حزب العمال الكردستاني؟/ زيد اسليم
23/5/2025
أنقرة- بينما يدخل صراع الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني منعطفا جديدا بدأت أنقرة الإعداد لمرحلة دقيقة تهدف إلى تفكيك البنية المسلحة للتنظيم ونزع سلاحه بالكامل.
وتدور في الأوساط السياسية والأمنية نقاشات موسعة بشأن آليات التنفيذ، وسط تسريبات عن خطة خماسية تقودها الاستخبارات الوطنية التركية، وتستلزم تنسيقا مع حكومتي الجوار في العراق وسوريا.
لكن نجاح هذه الخطة لا يبدو محسوما في ظل تعقيدات ميدانية واحتمالات لانشقاقات داخل التنظيم، فضلا عن تحديات ضبط السلاح والكوادر في بيئات خارجة عن السيطرة، وهو ما يطرح أسئلة بشأن كيفية تنفيذ هذه العملية وآلية ضمان استدامتها.
خطة التفكيك
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال تصريحاته التي أدلى بها للصحفيين على متن رحلة عودته من ألبانيا إن أنقرة تجري محادثات مع حكومتي بغداد وأربيل بشأن تفاصيل كيفية تسليم المسلحين الأكراد أسلحتهم خارج حدود تركيا، معتبرا أن هذه الخطوة ستخدم أيضا استقرار العراق وسوريا خلال المرحلة المقبلة.
وبحسب تسريبات نشرتها وسائل إعلام تركية، يجري الإعداد لتنفيذ عملية تسليم أسلحة مقاتلي حزب العمال الكردستاني تحت إشراف لجنة مشتركة تضم مراقبين دوليين يرجح أن تكون بتفويض من الأمم المتحدة في مواقع محددة داخل إقليم كردستان العراق.
وتشير المعلومات إلى أن محافظات دهوك وأربيل والسليمانية ستكون المحاور الأساسية للعملية، حيث تُخصَص نقاط تجمّع لتسليم السلاح بإشراف مباشر من الجهات المعنية.
وبموجب الترتيبات المقترحة، سيزود عناصر الحزب الجهات المختصة بإحداثيات دقيقة لمواقع تخزين الأسلحة والمخابئ الجبلية التي تضم الذخائر والمعدات تمهيدا لتفكيكها.
في المقابل، ستتولى السلطات الأمنية والعسكرية التدقيق في الأسلحة المسلّمة، ومقارنتها بقوائم الجرد التي أعدتها أجهزة الاستخبارات، للتأكد من عدم وجود أسلحة مخفية خارج نطاق العملية الرسمية.
ومن المتوقع أن يتولى جهاز الاستخبارات الوطني التركي الإشراف المباشر على تنفيذ خطة تفكيك البنية المسلحة لحزب العمال الكردستاني، بالتنسيق مع كل من الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان.
ووفق ما أوردته صحيفة “تركيا” التركية، فإن من المنتظر أن تشارك القوات المسلحة التركية أيضا في هذه المرحلة، لضمان جمع الأسلحة وتأمينها ضمن آلية ميدانية مشتركة تشمل أنقرة وبغداد وأربيل والسليمانية شمالي العراق.
وتهدف هذه الترتيبات إلى إتمام عملية تسليم السلاح بشكل كامل بحلول مطلع سبتمبر/أيلول المقبل، مما يمهد الطريق لانطلاق مرحلة سياسية جديدة في الداخل التركي.
وبحسب موقع “تي 24″ التركي، فإن سيتم استكمال الإجراءات الأمنية المرتبطة بتسليم الأسلحة قبل نهاية الصيف، ليصار بعدها إلى دعوة البرلمان لعقد جلسات خاصة تبحث ترتيبات المرحلة التالية لـ”إنهاء التمرد”.
وفي السياق، قال الباحث السياسي عمر أفشار في حديث للجزيرة نت إن الشرط الأساسي لضمان اكتمال عملية نزع السلاح هو امتلاك الدولة قدرة تحقيق مستقلة وميدانية لا تعتمد على وعود الطرف المقابل، خصوصا في بيئات غير خاضعة للسيطرة التركية المباشرة مثل قنديل أو شرق الفرات.
وأكد أفشار أنه من دون امتلاك القوات التركية هذه القدرة ستبقى العملية معرضة لخطر الإجهاض أو إعادة التسلح لاحقا من مخازن لم يُكشف عنها.
تنسيق إقليمي
تبرز أهمية التنسيق الإقليمي في خطة تفكيك ترسانة حزب العمال الكردستاني بالنظر إلى تمركز النسبة الكبرى من مقاتليه وقياداته خارج الأراضي التركية، وتحديدا في المناطق الجبلية الوعرة شمالي العراق وشمال شرقي سوريا، وهو ما يجعل تسليم الأسلحة خارج الحدود أحد أبرز مفاتيح نجاح العملية.
وتشدد أنقرة على ضرورة التعاون الوثيق مع كل من بغداد وأربيل لوضع آلية ثلاثية تضمن التنفيذ الفعلي لنزع السلاح في هذه المناطق، حيث لا تخضع مواقع التنظيم عادة لسيطرة مباشرة.
ووفق ما أفاد به مسؤولون أتراك لوسائل إعلام محلية، فقد أجريت خلال الأسابيع الماضية مشاورات مكثفة مع الجهات العراقية المعنية، سواء على المستوى الاتحادي أو على مستوى إقليم كردستان، وسط مؤشرات على تحقيق “تقدم ملموس” في الجوانب اللوجستية والأمنية المتعلقة بتسليم الأسلحة.
في المقابل، يحذر مراقبون من احتمال ظهور فصائل منشقة ترفض الانخراط في العملية وتلجأ إلى الاحتماء في الجبال أو تعيد التمركز تحت مسميات جديدة، في حين تؤكد مصادر أمنية تركية أن الجيش سيُبقي على حالة من الجاهزية والاستطلاع النشط في المناطق الحدودية لفترة طويلة، لضمان عدم بروز أي تهديد مسلح مجددا.
ويرى المحلل السياسي التركي علي أسمر أن احتمالية بروز فصائل متشددة ترفض الانخراط في العملية تظل قائمة، وهو ما تتعامل معه الدولة التركية -بحسب وصفه- من زاويتين: الأمن القومي والشرعية القانونية.
ويشير أسمر في حديث للجزيرة نت إلى أن أي فصائل منشقة ترفض تسليم السلاح “لا تعبر فقط عن تمرد على الدولة، بل تمثل خروجا عن سلطة القيادة المركزية للحزب وزعيمه عبد الله أوجلان، مما يفقدها أي غطاء سياسي”، وهو ما يمنح أنقرة بالمقابل شرعية أمنية وقانونية كاملة للتعامل معها عسكريا، دون أن يعد ذلك تقويضا للعملية السلمية، بل امتدادا طبيعيا لها لضمان استكمالها.
أما من الناحية العملية فيلفت أسمر إلى أن تركيا لا تستبعد إطلاقا اللجوء إلى عمليات عسكرية محدودة ضد من يثبت تورطه في نشاطات تهدد الأمن والسلم الأهلي، مشيرا إلى امتلاك الجيش التركي خبرة طويلة في هذا النوع من العمليات النوعية الدقيقة التي تمنع تحول الفصائل الصغيرة إلى تهديد منظم.
ويختم بالقول “سواء اكتمل الحل بتفكيك الحزب كليا أو برزت جيوب معارضة فإن تركيا تملك زمام المبادرة في الحالتين، في الأولى تنهي حقبة من الصراع، وفي الثانية تكتسب تفويضا مزدوجا داخليا ودوليا لاجتثاث ما تبقى من تهديد بوسائل شرعية ومشروعة دفاعا عن أمنها القومي ووحدة أراضيها”.
وفي مؤشر على توجه الحكومة نحو إرساء أرضية سياسية موازية، كشفت صحيفة “صباح” المقربة من دوائر القرار عن نية أنقرة إطلاق “حملة دمقرطة” شاملة بعد إتمام تسليم السلاح تشمل مراجعة قوانين مثيرة للجدل، كآلية تعيين الولاة في البلديات، في محاولة لخلق مناخ سياسي أكثر انفتاحا يعزز الثقة في المرحلة المقبلة.
مسار سياسي
وبالتوازي مع الخطوات الميدانية لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني تتجه أنقرة نحو تفعيل مسار سياسي داخل البرلمان التركي، في إطار مرحلة جديدة توصف بأنها “انتقالية” نحو ترسيخ السلام الداخلي.
وفي هذا السياق، طرح رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي مبادرة لتشكيل لجنة برلمانية موسعة تعنى بإدارة المرحلة المقبلة تحت عنوان “إستراتيجية تركيا بلا إرهاب في القرن الجديد.. لجنة الوحدة الوطنية والتضامن”.
ويقضي المقترح بأن تتولى اللجنة -التي يُنتظر أن تضم قرابة 100 عضو- مهمة وضع خارطة طريق للملف الكردي ما بعد السلاح، مع ضمان تمثيل نسبي للأحزاب الـ16 الممثلة في البرلمان التركي.
ووفقا لبهتشلي، فإن رئاسة اللجنة ستُسند إلى رئيس البرلمان نعمان قورتولموش، لضمان إشراف دستوري مباشر على عملها.
بدوره، أكد قورتولموش أن عملية الانتقال نحو “تركيا من دون إرهاب” تسير وفق الجدول المقرر، مشيرا إلى أن “الخطوة التالية هي تسليم السلاح، وبعد ذلك ستكون ساحة النقاش السياسي هي البرلمان، سواء من حيث التشريع أو وضع الأطر القانونية اللازمة”.
وتتماهى تصريحات قورتولموش مع موقف الحكومة التي تربط أي تحرك سياسي داخل البرلمان باستكمال المرحلة الأمنية.
وأوضح مسؤولون في حزب العدالة والتنمية أن إطلاق النقاش البرلماني بشأن “المرحلة السياسية الجديدة” لن يتم إلا بعد صدور تقرير رسمي من جهاز الاستخبارات يؤكد انتهاء عملية نزع السلاح بالكامل.
المصدر : الجزيرة
————————
هل سنشهد عملية تركية أخيرة ضد “العمال” الكردستاني؟/ فراس فحام
السبت 2025/05/24
لا يبدو أن إعلان حزب “العمال” الكردستاني في النصف الأول من أيار/مايو الجاري، إلقاء السلاح، سيؤدي إلى وقف العمليات العسكرية التركية ضده بالكامل، نظراً لوجود حالة من الانقسام في أروقة الحزب حيال الالتزام بالإعلان الذي صدر عن مؤتمر الحزب مؤخراً.
سلاح بالعراق وتسرب إلى سوريا
وفقاً لما تؤكده المعلومات فإن مجموعات تتبع لحزب العمال الكردستاني، تسعى للاحتفاظ ببعض الأسلحة في مناطق وجودها ضمن جبل قنديل وسهل سنجار شمال العراق، على الرغم من إعلان القائد المؤسس عبد الله أوجلان في وقت سابق، التخلي عن العمل المسلح.
وتسعى هذه المجموعات لاستغلال بعض المزايا التي تتوفر لها من الانفتاح الإيراني عليها، حيث يبدو أن طهران لا ترغب بخسارة دورها وإمكانية توظيفها ضد الجانب التركي عند اللزوم، وهذا يوفر لها هوامش للبقاء.
من جهة أخرى فضلت بعض المجموعات التابعة للحزب، التوجه إلى سوريا للاستقرار ضمن مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الذي لديه ارتباط وثيق مع “العمال”، وهذه المجموعات من جنسيات غير سوريا ومن ضمنها تركية، لا ترغب بالعودة إلى بلادها وإنما الاستمرار بالنشاط العسكري ولكن ضمن صيغة جديدة تحت غطاء قوة تحظى برعاية أميركية حتى اللحظة.
من الواضح أن قسد تعمل أيضاً على تعزيز موقفها الميداني عبر هذه المجموعات، قبل الدخول في مفاوضات جديدة مع الإدارة السورية من أجل تحديد آليات اندماج قسد ضمن الدولة السورية.
ترتيبات تركية
ينشط الجانب التركي إقليمياً من أجل ترتيب الأجواء لما قد يكون مواجهة فاصلة ضد المجموعات التابعة لـ”العمال” الكردستاني والرافضة لإلقاء السلاح، وتركز أنقرة على إجراء اتصالات مكثفة مع الجانبين العراقي والسوري لضمان الحصول على التفويض اللازم لعمليات عسكرية يلوح بها المسؤولين الأتراك الذين يؤكدون على مراقبتهم لمدى التزام “العمال” بإعلان إلقاء السلاح.
ولا يبدو أن التقارير الغربية التي أكدت تأسيس قناة اتصال بين إسرائيل وتركيا في سوريا، منفصلة عن جهود الترتيبات السياسية والأمنية التي توفر الأرضية اللازمة لتنفيذ عمليات عسكرية ضد مجموعات “العمال”، حيث من المحتمل أن تكون سوريا هي الساحة الرئيسية لهذه المواجهة في ظل انتقال كوادر الحزب بشكل كثيف إلى الأراضي السورية مؤخراً.
ستساهم قناة الاتصال التركية-الإسرائيلية بتهدئة مخاوف الأخيرة من النشاط التركي في سوريا، وبالتالي ضمان عدم عرقلة أي نشاط عسكري تركي في سوريا.
من غير المستبعد أن توافق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب هي الأخيرة على عملية عسكرية تركية دقيقة تستهدف تفكيك ما بقي من مجموعات “العمال” الكردستاني، حيث ظهرت واشنطن مؤيدة ضمنياً لتفكيك الحزب الذي تحول تدريجياً إلى أحد أدوات النفوذ الإيراني في العراق وسوريا، خصوصاً أن مثل هذه العملية ستسهل على التيار الآخر ضمن “قسد” الاندماج ضمن ترتيبات الحل السوري، لأنه سيتخلص من الضغوطات التي تمارسها عليه كوادر الحزب.
المدن
—————————–
لا مجال للهرب من درس “آبو”/ رفيق خوري
أوجلان أعاد قراءة التجربة وليس أمام “حماس” و”حزب الله” سوى المراجعة وإلا صار الوضع الجديد عبرة لمن يعتبر
السبت 24 مايو 2025
التجربة الأخيرة في حرب غزة ولبنان درس أكبر، فلا أميركا ولا روسيا ولا الصين حاولت أو تمكنت حتى من وقف حرب الإبادة ضد غزة وشعبها، ولا الدول العربية المعترفة بإسرائيل أخذت قراراً عملياً لرفض المذبحة، وأقل ما فهمه الجميع من درس باللحم الحي هو أنه على من يريد إزالة إسرائيل العمل لإزالة أميركا.
رجل الأعمال والصناعي الأميركي أرماند هامر كان صديقاً للزعيم الشيوعي فلاديمير لينين ومن الذين ساعدوه في التصنيع وكهربة الاتحاد السوفياتي. وهو يروي في مذكراته تحت عنوان “شاهد على التاريخ” أن قائد الحزب الشيوعي “أدرك عام 1920 أن الشيوعية لن تنجح”، والمرحلة لم تكن مرحلة الشيوعية كما تصورها ماركس بل مرحلة ما سماها لينين “دولة بورجوازية بلا بورجوازيين” ثم دولة “البروليتاريا الاشتراكية” التي حين تصل إلى أعلى مراجعها تبدأ مرحلة الشيوعية مع “زوال الدولة”.
لكن خلفاء لينين، من ستالين إلى بريجنيف، بنوا دولة “الأخ الأكبر” البوليسية التي صورها جورج أورويل مع قاعدة صناعية وعسكرية قوية. وعندما جاء غورباتشوف وكشف الخلل وأراد إصلاح النظام عبر “البريسترويكا والغلاسنوست” انهار الاتحاد السوفياتي بين يديه، وهناك من يلومه على السقوط، ومن يرى أنه تأخر في رؤية ما “لن ينجح” خلال 70 عاماً.
لكن الاتحاد السوفياتي أدى أدواراً مهمة في التاريخ كان بينها دوره في دعم حركات ثورية تمارس الكفاح المسلح ضد الأنظمة المرتبطة بالإمبريالية الأميركية والأوروبية. وبين الذين تأثروا بقول لينين “إن ما يحتاج إليه المرء لإسقاط نظام ليس منظمة ثورية بل منظمة ثوريين”، كان عبدالله أوجلان “آبو”، الذي أسس عام 1978 “حزب العمال الكردستاني” في تركيا مع أيديولوجيا ماركسية-لينينية صارمة، وبدأ عام 1984 الكفاح المسلح لإقامة دولة كردية مستقلة. وعلى مدى نصف قرن من القتال وحرب العصابات في الريف و”حرب الخنادق” في المدن رأى الفشل وانتقل إلى سقف أقل علواً هو “الكونفيدرالية الديمقراطية” ثم الفيدرالية، ثم الحكم الذاتي، ثم اللامركزية والحقوق السياسية والثقافية للكرد في نظام ديمقراطي. وهذا ما قاده أخيراً إلى الاعتراف بأن مرحلة الكفاح المسلح فشلت وانتهت، وإعلان حل حزبه وإلقاء سلاحه والعمل في إطار النضال الديمقراطي، وربما كان عليه اتخاذ القرار الصعب قبل أكثر من عقدين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
والسؤال اليوم هو: ماذا عن بقية حركات الكفاح المسلح؟ هل تختلف تجربتها عن تجربة حزب العمال الكردستاني، بصرف النظر عن اختلاف الظروف؟ ماذا عن تجربة “حماس” تمثيلاً لا حصراً؟ هي ربحت الانتخابات النيابية ورئاسة الحكومة في السلطة الفلسطينية، لكنها قامت بانقلاب عسكري واستقلت بحكم قطاع غزة ضد السلطة في رام الله. وما كان ذلك من دون هدف إستراتيجي، وهو الانطلاق من رفض “اتفاق أوسلو” والإصرار على تحرير فلسطين من البحر إلى النهر. وهذه مهمة تحتاج، ليس فقط إلى وحدة وطنية وإرادة سياسية ومشاركة عربية ودعم دولي، بل أيضاً إلى التحرك من مكان أوسع من قطاع يعتمد على الماء والكهرباء والغذاء والدواء الآتي عبر العدو الذي يستطيع حصار غزة بالكامل، فضلاً عن الحاجة إلى قراءة عميقة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي منذ 1948 حتى اليوم، وسر الدعم الأميركي والأوروبي والسوفياتي لقيام إسرائيل ورفض إزالتها في ما بعد، مع الدعوة إلى دولة فلسطينية ضمن “حل الدولتين”.
وإذا كان الرئيس هاري ترومان قد اعترف بإسرائيل بعد دقائق من قيامها، فإن المندوب السوفياتي في الأمم المتحدة، أندريه غروميكو، قبل أن يتولى وزارة الخارجية، “اتهم الجيوش العربية التي دخلت فلسطين” لمنع قيام إسرائيل بأنها “تمارس اعتداءً على إسرائيل”. والتجربة الأخيرة في حرب غزة ولبنان درس أكبر، فلا أميركا ولا روسيا ولا الصين حاولت أو تمكنت حتى من وقف حرب الإبادة ضد غزة وشعبها، ولا الدول العربية المعترفة بإسرائيل أخذت قراراً عملياً لرفض المذبحة، وأقل ما فهمه الجميع من درس باللحم الحي هو أنه على من يريد إزالة إسرائيل العمل لإزالة أميركا.
ثم ماذا عن تجربة “حزب الله” في”حرب الإسناد” لغزة، وما لحق به من ضربات قوية وما أصاب لبنان من دمار للوصول إلى اتفاق لوقف النار وتطبيق القرار 1701 بموافقة “حزب الله” مع تصرف إسرائيل على أساس أنها منتصرة، وهي تكمل حربها من دون أي رد من “المقاومة الإسلامية”؟ ما هذه الإستراتيجية التي يتصور أبطالها أن إزالة إسرائيل ممكنة من لبنان بقرار إيراني، لا رأي ولا دور فيه للسلطة الشرعية وأكثرية اللبنانيين؟ الواقع أن الجواب على الأرض. دور الأذرع الإيرانية لحماية إيران ومشروعها الإقليمي دخل مرحلة الانحسار من قبل انهيار نظام الأسد وخسارة “الجسر السوري”، واللعبة انتهت بالنسبة إلى “المقاومة” في لبنان، لكن طهران لا تزال توحي أنها قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهي تفاوض أميركا على صفقة، و”حزب الله” لا يزال يتحدث عن الاحتفاظ بسلاحه الذي صار استخدامه مغامرة انتحارية ووصفة مؤكدة لتدمير ما بقي من لبنان.
أوجلان أعاد قراءة التجربة وأخذ العبر، و”حماس” مجبرة أقله بسبب وضع الناس في غزة على إعادة القراءة واستخلاص العبر، والوضع الجديد في لبنان لم يترك مهرباً لـ”حزب الله” من المراجعة واتخاذ العبر، وإلا صار الوضع الجديد و”حزب الله” عبرة لمن يعتبر.
وما يركز عليه كارل فون كلاوزفيتز في كتابه “نظرية الحرب” هو “أهمية الهدف السياسي” في الحرب.
———————————-
ما دلالات زيارة الشرع المفاجئة إلى تركيا؟/ زيد اسليم
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره السوري أحمد الشرع، أن احتلال إسرائيل وعدوانها على الأراضي السورية أمر غير مقبول، وأن أنقرة ستواصل معارضته على جميع المنصات. جاء ذلك خلال لقاء جرى بينهما، السبت، في مكتب الرئاسة بقصر دولما بهتشة بإسطنبول، بحسب بيان نشرته دائرة الاتصال في الرئاسة التركية. 25/5/2025
أنقرة- في زيارة غير معلنة هي الثالثة له إلى تركيا منذ توليه السلطة مطلع العام الجاري، وصل الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم السبت، إلى إسطنبول، حيث التقى نظيره التركي رجب طيب أردوغان في قصر دولما بهتشة.
وعُقد اللقاء خلف أبواب مغلقة، بحضور كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين من الجانبين، من بينهم وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالن، ورئيس هيئة الصناعات الدفاعية خلوق غورغون، كما ضم من الجانب السوري وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصر.
سياق الزيارة
تأتي زيارة الرئيس السوري إلى تركيا في سياق إقليمي ودولي بالغ الأهمية، إذ تزامنت مع إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رسميا رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا في تحول كبير للسياسة الغربية بعد إطاحة نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويكتسب توقيت الزيارة أهمية خاصة كونها تأتي بعد يومين فقط من زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن إلى دمشق، والتي تناولت ملفات أمنية حساسة، خاصة قضية تسليم وحدات حماية الشعب الكردية سلاحها واندماجها في قوات الأمن السورية، وهو الملف الذي شهد تأخرا في التنفيذ عما كان معلنا سابقا.
وتأتي أيضا في ظل تصريحات أردوغان الأخيرة حول التواصل مع العراق وسوريا بشأن نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، مما يعكس مساعي تركيا لتحقيق تقدم في هذا الملف الأمني الحساس.
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره السوري أحمد الشرع، أن احتلال إسرائيل وعدوانها على الأراضي السورية أمر غير مقبول، وأن أنقرة ستواصل معارضته على جميع المنصات. جاء ذلك خلال لقاء جرى بينهما، السبت، في مكتب الرئاسة بقصر دولما بهتشة بإسطنبول، بحسب بيان نشرته دائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
أهم الملفات
أفاد بيان صادر عن الرئاسة التركية بأن اللقاء تناول جملة من الملفات الثنائية والإقليمية والدولية، في مقدمتها تطورات المرحلة الانتقالية في سوريا ومسارات التعاون بين البلدين.
وأكد الرئيس أردوغان، خلال المباحثات، أن “أياما أكثر إشراقا وسلاما” تنتظر سوريا، مجددا التزام بلاده بالوقوف إلى جانب الشعب السوري كما فعلت منذ بداية الأزمة.
ورحب أردوغان بقرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن سوريا، واعتبر ذلك خطوة مهمة تهيئ الأرضية لعودة الاستقرار.
وفي ما يخص التصعيد الإسرائيلي، وصف الرئيس التركي الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية بأنها “غير مقبولة”، مؤكدا استمرار تركيا في رفضها هذه الانتهاكات عبر كل المنابر الإقليمية والدولية.
وأشار البيان إلى أن الجانبين ناقشا آفاق التعاون في مجالات حيوية، على رأسها الطاقة والدفاع والنقل، إذ أكد أردوغان أن تركيا ستواصل الوفاء بما تقتضيه علاقات “الجوار والأخوة”، بما يشمل الدعم الفني والسياسي خلال مرحلة إعادة بناء الدولة السورية.
وفي المقابل، عبّر الرئيس السوري أحمد الشرع عن امتنانه للموقف التركي، مثنيا على الدور الحاسم الذي لعبته أنقرة في رفع العقوبات ودفع المجتمع الدولي للاعتراف بالسلطة الجديدة في دمشق.
من جهتها، قالت الوكالة السورية للأنباء إن وزيري الخارجية والدفاع السوريين سيلتقيان نظيريهما التركيين في تركيا لبحث الملفات المشتركة بين البلدين.
وأضافت الوكالة أن الرئيس السوري ووزير خارجيته التقيا المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا، توم باراك، لبحث تطورات الملف السوري خلال الزيارة.
في السياق، يرى الباحث في مركز سيتا للدراسات كوتلوهان قورجو أن غياب أي إعلان رسمي أو تغطية إعلامية مسبقة لزيارة الرئيس السوري إلى تركيا لا يعني بالضرورة أنها كانت سرية، بل يعكس -برأيه- ضيق الحيز الزمني للزيارة، وطبيعة الملفات الحساسة المطروحة خلالها.
ويعتقد قورجو -في حديث للجزيرة نت- أن من بين العوامل التي دفعت لعقد هذا اللقاء رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وتعيين السفير الأميركي لدى أنقرة مبعوثا خاصًا إلى سوريا، إلى جانب تصاعد أهمية ملف وحدات حماية الشعب (قسد) في الأجندة الأمنية التركية.
ويلفت إلى أن مشاركة وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصر في اللقاء تعزز الاعتقاد بأن قضية انتشار القوات الكردية وقضية “المواقع العسكرية المحتملة” كانتا ضمن أولويات جدول الأعمال، إلى جانب ما وصفه بـ”التقدم الفني في الحوار التركي الإسرائيلي بشأن سوريا”، الذي قد يكون طُرح أيضًا في اللقاء.
وأضاف قورجو أن لقاء الرئيس أحمد الشرع بالمبعوث الأميركي الخاص توم باراك يعكس حرص القيادة السورية الجديدة على التواصل المباشر مع واشنطن، وإدراكها حساسية هذا المسار، في ظل استمرار وجود ملفات عالقة بين الطرفين. وفي هذا الإطار، أشار إلى أن الزيارات الميدانية التي أجراها مسؤولون سوريون إلى تلك المخيمات قد تكون جاءت استجابة ضمنية لبعض التوقعات الأميركية.
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره السوري أحمد الشرع، أن احتلال إسرائيل وعدوانها على الأراضي السورية أمر غير مقبول، وأن أنقرة ستواصل معارضته على جميع المنصات. جاء ذلك خلال لقاء جرى بينهما، السبت، في مكتب الرئاسة بقصر دولما بهتشة بإسطنبول، بحسب بيان نشرته دائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
أهمية الزيارة
يرى المحلل السياسي محمود علوش أن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تركيا تكتسب أهمية استثنائية في ظل التحولات الجوهرية التي طرأت على المشهد السوري مؤخرا، لا سيما في ما يتعلق بمسار التسويات السياسية والأمنية.
وحسب علوش، فإن أنقرة تتطلع إلى تعزيز التعاون مع الإدارة السورية الجديدة لمعالجة ملف قسد ضمن إطار اتفاقية الاندماج الجارية، التي تشكل جزءا من مسار أوسع متعلق بإحياء عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. ويعتقد أن الظروف أصبحت ناضجة لتحقيق تقدم فعلي في هذا المسار، خاصة في ظل ما وصفه بـ”الانسجام الأميركي النسبي” مع مقاربة تركيا للملف السوري.
كما يشير إلى أن أنقرة معنية أيضا بالتوصل إلى ترتيبات أمنية ثنائية مع دمشق ودول الإقليم لمواجهة تهديد عودة تنظيم الدولة (داعش)، بما يشمل ملف تسليم سجون داعش ومعسكرات الاحتجاز إلى الحكومة السورية، وهي خطوة ترى فيها تركيا ضرورة لتمكين دمشق من تولي المسؤولية الأمنية الكاملة على حدودها.
ويختم علوش بالقول إن النتائج المباشرة لهذه الزيارة ربما لا تظهر فورا، لكنها -برأيه- ستتجلى تدريجيا من خلال استكمال مسار الاندماج وتنفيذ التفاهمات الأمنية والعسكرية التي جرى التوافق عليها بين الجانبين.
المصدر : الجزيرة
——————————-
في زيارة غير معلنة.. الشرع يلتقي أردوغان في إسطنبول لبحث ملفات أمنية وسياسية
24 مايو، 2025
أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم السبت مباحثات مهمة في إسطنبول مع الرئيس السوري أحمد الشرع، في زيارة غير معلن عنها مسبقاً، تناولت تطورات الملف السوري وسبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والتعاون الدفاعي.
اللقاء الذي انعقد في المكتب الرئاسي داخل قصر دولمة بهشة التاريخي، شهد حضور شخصيات بارزة من الطرفين، حيث شارك من الجانب التركي كل من وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين، بالإضافة إلى رئيس مستشارية الصناعات الدفاعية خلوق غورغون.
أما الوفد السوري فضم وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين.
ووفقاً لمصادر تركية، جدد الرئيس إردوغان خلال الاجتماع تأكيده على استمرار دعم تركيا للإدارة السورية الانتقالية بهدف تحقيق الاستقرار وضمان وحدة الأراضي السورية وسيادتها.
وشدد على أهمية التنسيق الثنائي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، خاصة في ما يتعلق بالتنظيمات الإرهابية.
كما ناقش الجانبان مسار تنفيذ الاتفاق الموقع بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في مارس الماضي، والذي لم يشهد حتى الآن تقدماً ملموساً، الأمر الذي يثير قلق أنقرة. وتطالب تركيا بنقل السيطرة على السجون والمعسكرات التي تضم عناصر تنظيم “داعش” إلى الحكومة السورية كجزء من هذا الاتفاق.
الهجمات الإسرائيلية والعقوبات الغربية على طاولة النقاش
كما تطرقت المباحثات إلى التصعيد الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، حيث أعرب الطرفان عن قلقهما من تأثير الهجمات المتكررة على استقرار المنطقة.
كما ناقشا إمكانية رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا، والخطوات العملية المطلوبة لدفع هذا الملف إلى الأمام.
وتأتي هذه الزيارة بعد أيام من زيارة مماثلة أجراها رئيس جهاز الاستخبارات التركي، إبراهيم كالين، إلى دمشق، التقى خلالها بالرئيس الشرع ووزير الخارجية الشيباني، بالإضافة إلى رئيس المخابرات السورية حسين السلامة.
وتناولت هذه اللقاءات التنسيق الأمني، خاصة فيما يتعلق بإعادة دمج عناصر “قسد” في صفوف الجيش السوري، وضبط الحدود والمعابر، وتسليم السجون التي تحتجز فيها عناصر تنظيم “داعش” إلى الدولة السورية.
دعوة تركية لدمج “قسد” في مؤسسات الدولة
وفي هذا السياق، دعا أردوغان الحكومة السورية، يوم الخميس، إلى المضي في تنفيذ اتفاق دمج “قسد” في المؤسسات العسكرية والمدنية، في خطوة تعتبرها أنقرة ضرورية لتجفيف منابع التوتر في الشمال السوري.
ولفت إلى أن لجنة رباعية تضم كلاً من تركيا وسوريا والعراق والولايات المتحدة تتابع ملف معتقلي “داعش” الموجودين في معسكرات شمال شرقي سوريا، والتي تسيطر عليها قوات “قسد”.
وأشار أدوغان إلى ضرورة تحمّل العراق لمسؤولياته حيال مخيم “الهول”، حيث أن معظم النساء والأطفال المحتجزين هناك من السوريين والعراقيين، ويجب إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.
انطلاقة نحو تعاون دفاعي متكامل
اللقاء الرفيع شهد أيضاً مؤشرات قوية على انطلاق مرحلة جديدة من التعاون العسكري بين أنقرة ودمشق، وسط تقارير عن اتفاق وشيك لإقامة قواعد عسكرية تركية داخل الأراضي السورية.
وقد جاء حضور وزيري الدفاع من الجانبين، بالإضافة إلى رئيس الصناعات الدفاعية التركية، كإشارة واضحة إلى عمق التنسيق الدفاعي بين الطرفين.
وفي تطور لافت، كشفت وزارة الدفاع التركية عن زيارة قام بها وفد برئاسة المدير العام للدفاع والأمن، اللواء إلكاي ألتينداغ، إلى دمشق، حيث التقى وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، وبحثا آفاق التعاون والتنسيق العسكري بين البلدين.
اتفاق استراتيجي في مجال الطاقة
اقتصادياً، وقّع وزير الطاقة السوري محمد البشير الخميس اتفاقية تعاون مع نظيره التركي ألب أرسلان بيرقدار، في دمشق، تشمل مجالات الطاقة والتعدين والمحروقات.
وتعهدت أنقرة بموجب الاتفاقية بتزويد سوريا بملياري متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، بالإضافة إلى دعم شبكة الكهرباء السورية بما يعادل 1300 ميغاواط من الإنتاج الإضافي.
كما أعلنت تركيا استعدادها لتزويد دمشق بألف ميغاواط إضافية من الكهرباء لتلبية الاحتياجات العاجلة، في خطوة تهدف إلى دعم الاستقرار الاقتصادي والخدمي في سوريا خلال المرحلة الانتقالية.
——————————
وفد سوري رسمي بـ”الهول”.. خطوات لإفراغ المخيم من قاطنيه
السبت 2025/05/24
أكد مصدر مطلع من الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، لـ”المدن”، أن وفداً رسمياً من الحكومة السورية، زار مخيم “الهول” شرقي محافظة الحسكة، برفقة مسؤولين من قوات التحالف الدولي، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مناقشة أوضاع النازحين السوريين، وفتح الباب أمام عودتهم الطوعية إلى مناطقهم الأصلية.
وبحسب المصدر، ضم الوفد ممثلين عن وزارتي الداخلية والخارجية السورية، إلى جانب مسؤولين أمنيين من جهاز الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، في حين شارك ممثلون عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى وفد من التحالف الدولي في الاجتماع الذي عُقد داخل المخيم.
وبحث المجتمعون آليات تنظيم عمليات العودة الطوعية للنازحين السوريين، ضمن خطة تدريجية تهدف إلى تفريغ المخيم من قاطنيه السوريين بطريقة “آمنة وطوعية”، وسط توافق مبدئي على عقد لقاءات لاحقة لمتابعة ملفات النازحين والمخيمات الأخرى في المنطقة.
وتعدّ هذه الزيارة الرسمية الأولى من نوعها إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تضم مخيمات كبرى مثل “الهول” و”روج” التي تؤوي آلاف النازحين وعائلات مقاتلي تنظيم “داعش”، من بينهم أكثر من 16 ألف نازح سوري، إلى جانب نحو 13 ألف لاجئ عراقي، وأكثر من 6 آلاف من النساء والأطفال من جنسيات أجنبية.
اتفاق سياسي وأمني مهّد للزيارة
تأتي هذه الزيارة في أعقاب اتفاق سياسي تم توقيعه بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، في آذار/مارس الماضي، تضمّن بنوداً تقضي بدمج المؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة لقسد ضمن هياكل الدولة السورية، إضافة إلى تسليم المعابر والحقول النفطية ومراكز الاحتجاز لدمشق، وهو ما اعتُبر تمهيداً لعودة تدريجية للنفوذ الحكومي إلى شمال وشرق سوريا.
وبالتوازي، كانت الإدارة الذاتية قد أعلنت مطلع العام الجاري السماح بعودة اللاجئين السوريين من مخيم الهول إلى مناطقهم الأصلية وفق شروط، مؤكدة أن “سقوط النظام” أزال مخاوف الأهالي، وأنها ستوفر كافة التسهيلات اللازمة.
المخيم الأخطر في العالم
ورغم انخفاض عدد قاطني مخيم “الهول” من 73 ألفاً في 2019، إلى نحو 43 ألف حالياً، ما زال المخيم يُعد من أخطر بؤر التطرف، بحسب الأمم المتحدة، التي وصفته بـ”القنبلة الموقوتة”.
وكانت “قسد” قد نفّذت حملة أمنية مطلع أيار/مايو الجاري، أسفرت عن اعتقال 20 شخصاً وضبط 15 خلية نائمة ومصادرة أسلحة وعبوات ناسفة داخل المخيم.
وحذرت تقارير حقوقية من تفشي الفكر المتشدد بين النساء والأطفال، في ظل بطء الاستجابة الدولية لدعوات إعادة الرعايا الأجانب وتأهيلهم، بينما تتواصل عمليات تهريب من داخل المخيم باتجاه مناطق سورية وعراقية.
مصير المخيم رهن بتفاهمات دولية
وتأتي زيارة الوفد السوري في سياق ضغط أميركي على دمشق، لتحمّل مسؤولية مراكز احتجاز “داعش” ومخيمات عائلاتهم، وهو ما أكده لقاء الرئيسين الشرع وترامب في الرياض الأسبوع الماضي، حيث طالب الأخير بتولي الحكومة السورية الإشراف على 26 مركز احتجاز تضم أكثر من 12 ألف مقاتل أجنبي.
ورغم اعتراضات محلية، تستمر الحكومة العراقية في تنفيذ خطط إعادة عائلاتها من الهول، حيث استقبلت ثماني دفعات منذ بداية العام، فيما لا يزال مصير آلاف من جنسيات أخرى معلقاً، وسط غياب التنسيق الإقليمي والدولي.
————————–
كالِن في دمشق: التنسيق التركي – السعودي يعيد ترتيب الأوراق السورية/ سمير صالحة
2025.05.25
ما كان مُستبعَدًا بالأمس، بات على طاولة البحث اليوم، وعلى خطِّ العواصم الثلاث: أنقرة، الرياض، ودمشق، حيث تتضاعف جهود دعم القيادة السورية في إعادة بناء الدولة من جديد.
الزيارة الخاطفة التي قام بها رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كَالِن، إلى دمشق، على رأس وفد أمني رفيع، ولقاؤه بالرئيس السوري أحمد الشرع، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، ورئيس جهاز الاستخبارات السورية حسين السلامة، تأتي بالتزامن مع حراك سوري – تركي – سعودي – أميركي مكثف على الخط السوري:
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يقرِّر رفع العقوبات عن سوريا فيلحق به العديد من العواصم الأوروبية المؤثرة.
اجتماعات مجموعة العمل التركية-الأميركية في العاصمة التركية أنقرة مع وصول وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز إلى واشنطن.
اللقاء الثلاثي الذي تم في تركيا قبل أسبوعين بين وزراء خارجية سوريا وتركيا والولايات المتحدة، والذي ركَّز على رسم خارطة طريق الحوار الأميركي السوري.
تزايد الرغبة العربية التركية الغربية في دعم السلطات السورية على مواصلة المرحلة الانتقالية.
تسريبات عن تقدُّم في الجولة الرابعة من المفاوضات التركية – الإسرائيلية الدائرة في باكو لتجنُّب الصدام بينهما في الأجواء السورية.
مؤشرات إيجابية حول تسجيل اختراق في الحوار غير المباشر بين دمشق وتل أبيب برعاية أذربيجانية ووساطات بعض العواصم العربية.
وهنا يدخل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على الخط مُعلنًا في جلسة استماع لمجلس الشيوخ: “نريد مساعدة حكومة سوريا على النجاح، لأن تقييمنا هو أن السلطة الانتقالية، وبصراحة، في ضوء التحديات التي تواجهها قد تكون على بُعد أسابيع وليس عدة أشهر من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد مدمِّرة تؤدي فعليًّا إلى تقسيم البلاد”.
يواصل روبيو وهو يبرِّر لرئيسه ترمب قرار رفع العقوبات قوله إن دولًا أخرى أرادت إرسال المساعدات إلى إدارة الشرع، لكنها كانت متخوِّفة من العقوبات. فلماذا يتمسك بسياسة “ضربة على الحافر وأخرى على المسمار” ويعود ليردِّد أن كل يوم لا تقوم فيه الحكومة السورية بوظيفتها، سيكون اليوم الذي يجدِّد فيه عناصر داعش قابليتهم وقدراتهم؟ وما الذي يحاول تمريره: تقدير موقف؟ أم قراءة مبنيَّة على معلومات؟ أو تحذير وتهديد؟
ممَّا دفع كَالِن إلى العاصمة السورية هذه المرة هو:
التذكير بأن تركيا مستعدة لتقديم كل أنواع الدعم الذي قد تحتاجه إدارة دمشق، خصوصًا فيما يتعلق بتسليم إدارة السجون والمعسكرات التي تُشرف عليها “قوات سوريا الديمقراطية” باسم التحالف الدولي وتضم آلاف عناصر داعش للسلطة المركزية في دمشق.
وبحث المسار الأمني والسياسي السوري بعد دعوات دمشق الأخيرة الفصائل والمجموعات المسلَّحة لحسم موقفها والالتزام بتسليم السلاح وحل نفسها أو الاندماج ضمن قوّات وزارة الدّفاع.
ورفض احتفاظ “قسد” بسلاحها وضرورة تنفيذ بنود اتفاقية مطلع آذار المنصرم بين الشرع ومظلوم عبدي. وتقييم نتائج اجتماع القامشلي للقيادات والأحزاب والفصائل الكردية الذي يذهب في كثير من توصياته باتجاه معاكس لتفاهمات الشرع – عبدي.
واضح تمامًا أن جهود التشاور والتنسيق بين أنقرة ودمشق تتقدَّم بشكل سريع وبأكثر من اتجاه. الترجمة العملية الأولى لذلك هي الزيارات واللقاءات المكثفة بين الطرفين وعلى أكثر من صعيد سياسي وأمني واقتصادي لتسهيل خطوات المرحلة الانتقالية في سوريا.
المؤشر الإيجابي الآخر هو التعاون التركي السوري في ملفات خارجية بطابع سياسي واقتصادي، مرتبطة بالمشهد السوري وتسهيل خروج دمشق من العزلة الإقليمية والدولية التي عانت منها لعقود.
الشريك الثالث لهما هو الرياض التي تحرَّكت منذ انطلاق “ردع العدوان” في أواخر تشرين الثاني المنصرم، وبعد تواصل تركي – سعودي بشكل مبكر لتوحيد الجهود والمواقف والسياسات في سوريا. لافت طبعًا أن تقرِّر واشنطن والرياض أن يكون أردوغان حاضرًا، ولو عن بُعد، خلال نقاشات الملف السوري مع الرئيس أحمد الشرع في أثناء زيارته للعاصمة السعودية ولقائه هناك بنظيره الأميركي. ثم أن يتحرَّك وزير الخارجية التركي هاكان فيدان باتجاه الرياض للقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بعد مغادرة ترمب بساعات لإجراء تقييم شامل.
المسألة لن تتوقف إذا عند خطوة تسهيل رفْع العقوبات الأميركية عن سوريا، بل هي وصلت إلى مسارعة بعض العواصم الأوروبية لتقليد واشنطن وتفعيل قرارات مشابهة.
فيدان في دمشق من جديد لبحث مسائل سياسية وأمنية عاجلة تُناقش مع واشنطن والرياض ولا بد من تسريع اتخاذ القرارات بشأنها:
سياسة إيران وإسرائيل السورية والتهديدات المحدقة.
موضوع قسد والجمود الحاصل في تنفيذ بنود اتفاقية العاشر من آذار بين الشرع وعبدي.
ملف داعش وضرورة فصله عن ملف الوضع القائم في شرق الفرات.
مسألة الانسحابات العسكرية الأجنبية من سوريا والتي تعني أميركا وتركيا وإسرائيل وروسيا بالدرجة الأولى.
كالِن في دمشق لتقويم نتائج مراجعة واشنطن لسياستها السورية بالشق الأمني والعسكري والتحضير لملف قسد وداعش وسط كل هذه المتغيرات والمقاربات الجديدة. لكنه هناك أيضًا تحسُّبًا لسيناريو التفجير الذي قد تبحث عنه أطراف محلية وخارجية متضرِّرة من المشهد الجديد وعلى رأسها تل أبيب وبقايا فلول داعش وجناح الصقور في “قسد”.
تُعوِّل تركيا على نتائج إيجابية ومرضية في الحوار بين دمشق و”قسد”. لكنها متمسكة بحل الهياكل العسكرية وتسليم السلاح والتراجع عن الشعارات السياسية الانفصالية المرفوعة. تريد أن يُترجَم ما يجري في الداخل التركي لناحية الملف الكردي، في شرق الفرات أيضًا خلال الحوار السوري السوري.
تؤكِّد تطورات المشهد السوري بعد إزاحة نظام الأسد أن الأمر لم يعد رقصة ظلٍّ على جدارٍ متحرِّك. الأدوار تتبدَّل بوضوح، تحت سماء مكشوفة لا تُخفي أسرارها، ولا تترك مجالًا للغموض.
وكَالِن لم يأتِ إلى دمشق لالتقاط الصور التذكارية، ولا لحجز مقعد في الصفوف الأمامية انتظارًا لرفع الستار. فأنقرة، بالتنسيق الوثيق مع الرياض، تقف اليوم إلى جانب القيادة السورية الجديدة لكثير من الأسباب السياسية والجغرافية والأمنية، المصحوبة بفهم عميق لما تعنيه محاولات إعادة ترتيب الخرائط في سوريا ومن حولها.
—————————————
الملف السوري بين أنقرة وباريس.. نقاط الالتقاء والافتراق وآليات إدارة التنافس/ محمد كساح
24 مايو 2025
يستبعد الخبراء التوصل إلى حسم للتنافس الفرنسي التركي على الأراضي السورية، خاصةً في ظل حالة الافتراق الشاسعة الناتجة عن دعم باريس لقوات سوريا الديمقراطية، مقابل التوجه التركي نحو تصفية ملف شرقي الفرات كونه يمثل أكبر تهديد للأمن القومي، من وجهة نظر أنقرة.
ومع ذلك، فإن اتجاهات باريس وأنقرة ليست مختلفة على طول الخط، بل هناك نقاط تلاق عديدة، حيث يشترك البلدان في ملفات مهمة داخل الإقليم.
“قسد” بيضة القبان
يرى المحلل السياسي درويش خليفة أن نقطة الالتقاء في العلاقات التركية الفرنسية هي محاربة داعش، وقد اشترك كلا البلدين في التحالف الدولي، كما تم التنسيق بينهما على أعلى المستويات بالنسبة لملف اللاجئين السوريين.
وفي المقابل، فإن جوهر الخلاف بينهما يتعلق بدعم فرنسا لقوات سوريا الديمقراطية شرقي نهر الفرات، ويؤكد خليفة أن هذا الخلاف كبير جدًا، لأن تركيا تصنف “قسد” على قائمة الإرهاب، وهذا الخلاف يشكل انطلاقة التنافس بين البلدين في سوريا.
وبناء على ذلك، يرى خليفة أن قطع فرنسا لعلاقاتها مع “قسد” يمكن أن يشكل البوابة الرئيسية لعلاقات حسنة مع دمشق من جهة ومع أنقرة من جهة أخرى.
ويضيف خليفة أن ترميم العلاقة بين تركيا وفرنسا يتطلب مستوى رفيعًا من التنسيق لا سيما في سوريا، كما لا يمكن تناسي التنافس القوي بين البلدين على النفوذ غربي أفريقيا، مع أهمية إدراك التركة الفرنسية الكبيرة في القارة السمراء.
الحسم مستبعد
الخلاف الواسع بين باريس وأنقرة في سوريا يعني زيادة التنافس أو الصراع الناعم، لكن هل يمكن أن تصل الأمور إلى نقطة الحسم، بحيث تُكتب الغلبة في النفوذ لأحد الطرفين؟
يقول الدبلوماسي السوري السابق، تحسين الفقير، إن الحديث عن حسم للتنافس التركي الفرنسي هو أمر مستبعد، لأن التنافس يرتكز على تباين استراتيجي عميق في الرؤى والمصالح، سواء في سوريا أو شرق المتوسط.
ويضيف، في حديث لـ”الترا سوريا”، أن ما نشهده حاليًا هو إدارة توازن هش، تتحكم فيه معادلات متغيرة تشمل الولايات المتحدة، روسيا، وإيران، فضلًا عن تفاعلات داخل الاتحاد الأوروبي والناتو. لذلك من المرجح استمرار التنافس بصيغ متعددة، مع لحظات تهدئة ظرفية أكثر منها تسوية شاملة.
ويرى الفقير أن هناك عقبات عديدة تقف أمام الرؤية الفرنسية تجاه سوريا، أبرزها محدودية أدوات التأثير الميداني مقارنة بتركيا التي تملك قوات ونفوذًا مباشرًا داخل الأراضي السورية، وشبكة من الفصائل المحلية. كما أن فرنسا ليست فاعلًا وحيدًا في شرق المتوسط، بل تصطدم رؤيتها أحيانًا بعدم توافق أوروبي داخلي أو بفتور أميركي تجاه التصعيد.
ومن جهة أخرى، يوضح الفقير أن ضعف التنسيق الفرنسي مع بعض الفاعلين العرب مثل قطر، أو التغيرات في موقف الإمارات والسعودية مؤخرًا، يجعل الرؤية الفرنسية تصطدم بواقع إقليمي معقد.
ويلاحظ الفقير الرغبة الفرنسية في تثبيت موطئ قدم رمزي في مناطق النفوذ الأميركي، لكن دون الدخول في مواجهة مباشرة مع تركيا أو روسيا. نظرًا لأن الوجود الفرنسي ضمن التحالف يمنح باريس ورقة سياسية أكثر منها عسكرية، لتأكيد حضورها في مفاوضات ما بعد التسوية.
أي دور لباريس في الملفات العالقة؟
في ضوء ما تورده التقارير حول تعزيز فرنسا لنفوذها العسكري بالموازاة مع الخط الدبلوماسي النشط في سوريا، يبدو لعب باريس لدور مهم في بعض القضايا العالقة مسألة محتملة، فهل يمكن أن نشهد دخول فرنسا في قنوات تفاوضية غير معلنة لتخفيف التوتر بين تركيا و”قسد”، بالتوازي مع تقريب وجهات النظر بين الإدارة الذاتية ودمشق؟
في معرض إجابته على السؤال، يرى تحسين الفقير أن فرنسا تدرك أن المواجهة المباشرة مع تركيا غير مجدية، لذلك لا يُستبعد أن تسعى عبر قنوات خلفية إلى نوع من “ترتيب المصالح” يحدّ من التصعيد، خاصة مع وجود أطراف مثل واشنطن وبرلين تسعى لمنع تفكك التحالف ضد داعش.
من جانبه يستبعد درويش خليفة أن تمارس باريس أي دور فعلي في تقريب وجهات النظر بين الحكومة السورية و”قسد”، انطلاقًا من أن الولايات المتحدة هي الراعي الأساسي للمفاوضات، كما أنها تضغط باتجاه إتمام كل الاتفاقيات الحاصلة بين الطرفين، وإذن فلا مبرر لوجود طرف آخر ربما يكون معرقلًا أكثر من كونه صاحب دور إيجابي.
الترا سوريا
———————————
هكذا تمكنت بنية “العمال الكردستاني” العسكرية من الاستمرار طوال أربعة عقود/ رستم محمود
25 مايو 2025
بينما تتوالى التحليلات والمعلومات حول الآلية التي سيفكك بها حزب “العمال الكردستاني” بنيته العسكرية، التزاما بقرارات مؤتمره الاستثنائي الثاني عشر الذي عُقد مؤخرا، تتساءل الأوساط العسكرية والأمنية في المنطقة حول الأدوات اللوجستية وأشكال الانتظام العسكري ونوعية الأسلحة التي بحوزة التنظيم المسلح والتي مكنته من “الصمود” طوال أربعة عقود كاملة، في مواجهة الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية التركية، المصنفة كأحدث وأقوى جيوش المنطقة، والحاصلة على أعلى درجات التغطية والتمويل والتسليح من المنظومات العسكرية الغربية، منذ أواسط أربعينات القرن المنصرم.
أسلحة للمواجهات السريعة
تابعت “المجلة” طوال الأسابيع الماضية عددا من المقاطع المصورة التي نشرها “العمال الكردستاني” على منصاته الإعلامية حول نشاطاته العسكرية طوال السنوات الماضية، واطلعت على عدد من التقارير الأمنية الصادرة عن جهات تركية ودولية مختصة بالقضايا الأمنية، وتوصلت إلى عدة نتائج بشأن الاستراتيجية العسكرية/ التسليحية لـ”الكردستاني”.
فطوال هذه السنوات المديدة، لم ينحُ هذا التنظيم المسلح أبدا إلى أن تكون مواجهاته مع الجيش التركي مباشرة، على شكل جبهات أو سيطرة مستدامة على مناطق بذاتها. بقي الكردستاني على تلك العقيدة القتالية حتى في أوج صعوده العسكري أوائل التسعينات من القرن المنصرم. فعلى الدوام كان الخيار العسكري الأساسي بالنسبة للحزب يتمثل بواحد من خيارين: إما “الهجمات الخفيفة على المراكز الثابتة” وإما “زرع العبوات والكمائن للدوريات والقطاعات العسكرية الراجلة”، مع انسحاب سريع وآمنٍ من أية مواجهة، بغية عدم التعرض لخسائر كثيرة في الأرواح، ولإدراكه للفارق الهائل في نوعية الأسلحة والتكنولوجيا والتغطية اللوجستية في كل المواجهات.
كانت بندقية “كلاشينكوف” الروسية، تحديدا من النوعية التقليدية، الأكثر شيوعا في أوساط التنظيم، حتى أن الصورة الرمزية لقائده العسكري الأول والأكثر شهرة معصوم قورقماز تظهره وإلى جانبه تلك البندقية. فتلك البندقية كانت متوفرة بكثرة في البيئات الريفية الكردية جنوب شرق تركيا في أوائل الثمانينات حين أطلق التنظيم كفاحه المسلح، كما أن خفة وزنها وجودتها القتالية وتوفرها في السوق السوداء في دول مثل العراق وإيران في عقد الحرب الطويلة بين البلدين المجاورين لتركيا جغرافياً بسلاسل جبلية وعرة، حولت هذه البندقية إلى الخيار الأول للحزب.
لنفس الأسباب اللوجستية، فإن “العمال الكردستاني” اعتمد طويلا على قاذفات “آر بي جي/RPG-7” الروسية أيضا. فهذا السلاح استعمله الحزب على الدوام للهجوم على العربات والمقار العسكرية التركية عن قُرب، خصوصا في المناطق الريفية المعزولة. فالمدى الفعال للقاذفة (500 متر) كان يمنح مقاتليه القدرة على الاشتباك والانسحاب السريع.
بين السلاحين التقليديين، كان مقاتلو “الكردستاني” منذ أوائل التسعينات يستخدمون قناصة “دراغونوف” بغية التغطية واستهداف النقاط العسكرية عن بُعد. مصادر “العمال الكردستاني” كانت قد قالت أكثر من مرة إن المدى الفعال لهذه البندقية القناصة (1200 متر) قد تمت مضاعفته من قِبل مقاتلي الحزب ليصبح أكثر من 2000 متر، وصاروا يسمونها “بندقية زاغروس”.
على الرغم من عدم تأكيد امتلاكه للصواريخ المضادة للدبابات والعربات المصفحة من نوعي “كونكورس” و”ميتيس”، بسبب المسؤولية السياسية للدول المتسربة منها، فإن الكثير من التقارير العسكرية قالت إن تلك الصواريخ كانت السلاح الرئيس لمقاتلي الحزب أثناء المواجهات المستدامة في المناطق الجبلية الوعرة في المناطق الحدودية بين تركيا والعراق اعتبارا من عام 1993، وما يزال الحزب يمتلك المئات منها. وإلى جانبها أنظمة دفاع جوي تطلق عن الكتف، استُخدمت لإسقاط مروحيات الدعم اللوجستي التركية، لأن الأخيرة كانت مجبرة على الطيران بعلو منخفض، للوصول إلى نقاط تمركز الجيش، فكانت تدخل مدى الاستهداف من ذلك النظام. ومنها أنظمة “ستريلا”، حيث تُثبت العشرات من المقاطع المصورة المنشورة من قِبل الحزب استحواذ مقاتليه عليه منذ التسعينات.
تقارير استخباراتية تركية متطابقة تؤكد بدء “العمال الكردستاني” تدريب مقاتليه على استخدام “الطائرات المُسيرة” اعتبارا من عام 2015، متخذا استراتيجية الحصول على النوعية التجارية من تلك الطائرات، و”تحويرها” لتغدو طائرات مفخخة مُستخدمة أثناء الهجمات. كما ثبت اعتماد “العمال الكردستاني” على تلك الطائرات لنقل العتاد والدعم اللوجستي لمقاتليه المتحصنين في النقاط الحصينة، خصوصا أثناء الظروف الجوية الصعبة.
أولى الهجمات المرصودة بتلك النوعية من الطائرات حدثت في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018، عندما أسقط الجيش التركي طائرتين مفخختين قبل وصولهما إلى مقر عسكري للجيش التركي في محافظة هكاري التركية أقصى جنوب شرقي البلاد. وفي أواسط مايو/أيار من عام 2021 نجحت طائرات مُسيرة مفخخة في الوصول إلى قاعدة للطائرات الحربية بالقرب من مدينة ديار بكر جنوب شرقي تركيا، فيما أصابت طائرات أخرى مقر قيادة فرقة المشاة 23 في مدينة شرناخ في اليوم نفسه.
في مرحلة لاحقة، بعد عام 2020، عاد فارق القدرات العسكرية بين “العمال الكردستاني” والجيش التركي للتوسع، بعد استخدام الأخير للطائرات المُسيرة الحديثة بشكل مكثف، واعتماده على تقنيات الاستهداف المُركز للمئات من كوادر “الكردستاني”، حتى في أكثر الجغرافيات وعورة. وتمكن “الكردستاني” في مراحل لاحقة من الحصول على أنواع من “الستائر” الواقية، لا يُمكن لتلك للطائرات المُسيرة رصد مُرتديها.
انتظام عسكري متكامل
لا تُعيد الباحثة في الشؤون الأمنية بروين محمد قُدرة “العمال الكردستاني” على الثبات إلى نوعية الأسلحة التي بحوزته، بل إلى مجموعة من العوامل الأهم في مثل هذه الصراعات، حسب الباحثة، على رأسها الترتيب التنظيمي والالتزام الأيديولوجي وتشييد بنية لوجستية في البيئة الجبلية الوعرة والاعتماد على الوحدات الصغيرة للغاية أثناء الهجمات.
تضيف الباحثة بروين محمد في حديثها مع “المجلة” قائلة: “كان (العمال الكردستاني) منذ تأسيسه حريصا على خلق (تنظيم محكم) مع حقنٍ أيديولوجي وافٍ للمنتمين لصفوفه، الكوادر الأصغر سنا تحديدا، بغية الحماية من أي اختراق استخباري، قد يُطيح بقيادات الحزب. الموقع الرمزي والقيادي الاستثنائي لمؤسس الحزب عبد الله أوجلان لعب دورا في صيانة الحزب من إمكانية الانشقاق والانقسام الداخلي، حيث شهدت مختلف الأحزاب السياسية الكردية ذلك، أو ما صار يُسمى عرفا بـ(الداء الكردي). كان المجلس التنفيذي (مجلس مجتمعات كردستان) يشغل مكانة برلمان الحزب، يشرف على نشاطاته الدعائية والسياسية والمالية وحتى الاستخباراتية والعسكرية، ويضم في صفوفه الكوادر المؤسسة للحزب، إلى جانب أبرز القيادات الحديثة في التنظيم”.
تتابع الباحثة بروين محمد حديثها قائلة: “شكلت قوات الدفاع الشعبي العنصر الرئيس الذي اعتمده الحزب عسكريا، لأنها تضم قوات (حرب العصابات الهجومية) الخاصة، ووحدات المرأة الحرة، وكلاهما تنظيمان عسكريان يعتمدان على غزارة التدريب الميداني في أصعب الظروف. لكن الحزب، خصوصا بعد أواسط التسعينات، فكك كل القواعد العسكرية الكبرى، أو المجموعات القتالية المستقرة بأعداد كبيرة في أية منطقة، وصار يعتمد على الوحدات الصغيرة المتنقلة، التي يقل عددها عن 10 مقاتلين، يُسمون في أوساط الحزب (Celik)، متنقلة في المناطق الجبلية الوعرة، سواء داخل تركيا أو خارجها. بموازاتها كان ثمة (الوحدات الحضرية)، المستقرة داخل المدن والبلدات، أو بالقرب منها، ومهمتها تغطية نشاطات الحزب الاستخبارية في المدن، وتقديم الدعم اللوجستي للمقاتلين المتنقلين، خصوصا في المجالات التسليحية والمالية والصحية، وتنفيذ عمليات عسكرية لو تطلب الأمر، كما حدث أكثر من مرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية”.
بقاء رغم التحولات
أسس “العمال الكردستاني” عددا من القواعد العسكرية في السلاسل الجبلية الوعرة، تحديدا في المثلث الحدودي التركي-العراقي-التركي، في جبال هكاري وميتنى وكارى وخواكورك وآفشين وقنديل.
كانت تلك القواعد العسكرية مقار ثابتة لتنظيمات “العمال الكردستاني” طوال أربعة عقود، ولم يتمكن الجيش التركي من قصفها أو الوصول إليها، بسبب موقعها الجغرافي المعقد، والذي كان يتطلب هجوما بالأفراد المشاة، وهو ما لم يغامر به الجيش التركي أبدا. فحسب المطلعين، ثمة كهوف جبلية في تلك المناطق يصل عمقها لأكثر من 500 متر، والوصول إليها يتطلب السير بممرات ضيقة للغاية، مُسيطر عليها من قِبل قناصة الحزب.
يصنف المراقبون العسكريون والأمنيون صراع “العمال الكردستاني” مع الجيش التركي في ثلاث مراحل، تختلف كل واحدة منها عن الأخرى حسب نوعية المواجهة والتمركز التي كان يعتمدها الحزب كل مرة.
فمنذ أواسط الثمانينات وحتى عام 1993، خاض مقاتلو الحزب حرب عصابات ريفية واسعة، مستلهمين تجارب عالمية مثلما حدث في كوبا، متوقعين انتفاضات شعبية مؤيدة لهم، وسيطرة على البيئات المدنية الجبلية. وهو أمر حدث نسبيا، وتوج بمبادرة السلام التي عرضها الرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال في عام 1993.
انتهت تلك المرحلة بفشل مبادرة السلام، عقب وفاة الرئيس أوزال، حيث وُجهت أصابع الاتهام بالاغتيال إلى مؤسسات “الدولة العميقة”، بغية إفشال المشروع، بعد حصول تركيا على أسلحة فتاكة حديثة، وبدء تأسيسها للوحدات القروية “الكردية” المساندة للجيش التركي أو ما يعرف باسم “قروجي”، مع تحطيم منهجي لكل القرى والزعماء المحليين غير المتعاونين مع الجيش.
المرحلة الثانية كانت خلال سنوات (1993-1999)، أي منذ فشل مبادرة السلام وصولا لاعتقال زعيم الحزب عبد الله أوجلان. خلال هذه المرحلة، استفاد الحزب من إخلاء مقاتلي الأحزاب الكردية-العراقية لمقارها الحدودية الحصينة، عقب نجاح انتفاضة عام 1991 ضد النظام العراقي السابق، وصار يتخذ منها مراكز دعم لوجستية لشن هجمات عبر الحدود، تمكنت من تكبيد الجيش التركي خسائر كبرى، مقارنة بالسنوات السابقة.
تمكنت تركيا من ضبط ذلك التحول عبر ثلاث آليات: الهجمات البرية إلى داخل أراضي إقليم كردستان العراق، والضغط العسكري على سوريا لتسليم زعيم الحزب عبد الله أوجلان، واستعمال نفوذها الدولي للضغط على إيران وروسيا والنظام العراقي السابق، الدول التي كانت تركيا تتهمها بدعم “العمال الكردستاني” عسكريا.
المرحلة الأخيرة كانت عقب اعتقال أوجلان ومحاكمته، حيث طالب مقاتليه بالانسحاب من الأراضي التركية، وترك مجال واسع للحلول السياسية.
طوال هذه المرحلة، الممتدة من عام 2000 وحتى الآن، خصوصا بعد عام 2002 مع وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى سُدة الحكم في تركيا وتقديم نفسه كتيار سياسي مختلف عن الطبقة السياسية التقليدية، التابعة/الملتزمة بشروط وفروض النُخبة العسكرية ومحافل الدولة العميقة، صار “الكردستاني” يستخدم هجمات عسكرية محدودة للغاية، لا تزيد عن خمس هجمات في العام، بغية التذكير بوجود قضية كردية في البلاد، ودفع القوى السياسية والدولة العميقة للتفكير بإيجاد حلول سياسية عبر مفاوضة زعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان.
لقد أُطلق كثير من المبادرات، سواء في عام 2008 أو في عام 2013، إلا أنها باءت بالفشل، بسبب الخلافات داخل البيئة السياسية الداخلية التركية، أو بروز عوامل خارجية معرقلة، وهو ما تقول السلطة التركية إنها ستتجاوزها بكل شكل هذه المرة.
المدلة
————————–
==========================