العودة إلى سوريا ليست نهاية الطريق.. السكن والتعليم والصحة اختبار قاس للعائدين/ مختار الإبراهيم

2025.05.25
العودة إلى سوريا ليست نهاية الطريق، بل بداية رحلة جديدة محفوفة بالتحديات. بعد أكثر من أربعة عشر عامًا من الحرب، يعود أكثر من 1.5 مليون سوري إلى بلادهم ليكتشفوا واقعًا يفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة. في ظل غياب التنظيم القانوني لسوق الإيجارات، وارتفاع أسعار السكن، وتراجع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والتعليم، يجد العائدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع هشاشة يومية تعمق الإحساس بالغربة داخل الوطن. وبين تفاوت في توفر الخدمات من مدينة لأخرى، واستمرار الانهيار الاقتصادي، يصبح قرار العودة بحد ذاته مغامرة شخصية لا تضمن الاستقرار، بل تطرح أسئلة جديدة عن القدرة على الاستمرار.
أعلنت الأمم المتحدة عن عودة أكثر من 1.5 مليون لاجئ ونازح سوري إلى مناطقهم منذ سقوط نظام الأسد، وقالت أيدم وسورنو، مديرة العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: “يحتاج 16.5 مليون شخص في سوريا للمساعدات الإنسانية والحماية”، مؤكدة استمرار العمليات الإنسانية رغم الصعوبات المتزايدة، وأضافت: ‘تصل الأمم المتحدة وشركاؤها إلى ما متوسطه 2.4 مليون شخص شهريًا من خلال عملياتها المحلية والعابرة للحدود.
وبعد أكثر من أربعة عشر عامًا من الحرب، لم تعد سوريا كما كانت. أدى النزاع إلى انهيار اقتصادي وخدمي واسع، مع نسب فقر تتجاوز 90% من السكان وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، وبطالة متفشية، وتراجع في الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة. رغم محاولات التعافي، فإن الواقع على الأرض لا يزال قاسيًا، وهو ما اكتشفه السوريون العائدون إلى بلادهم بعد سنوات في الخارج.
غلاء في الإيجارات وتراجع للخدمات
في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، عبّرت إسراء، إحدى السوريات العائدات من الخارج، عن تردي الواقع الخدمي والمعيشي، “أول مشكلة واجهتنا كانت الإيجارات، المبالغ المطلوبة كبيرة جدًا، ولا يوجد أي قانون ناظم لهذا الموضوع… صاحب المنزل يطلب السعر الذي يراه مناسبا دون ضوابط.”
كما أشارت إسراء إلى موضوع غلاء المواصلات داخل المدن، وارتفاع أسعار الفنادق، حتى أن قضاء يوم واحد في دمشق يشكل عبئًا ماليًا لشخص يحاول أن يسافر إلى دمشق للتقدم إلى وظيفة على سبيل المثال. أما الكهرباء، فشهدت تحسنًا طفيفًا في العاصمة، في حين لا تزال المدن الأخرى مثل مصياف -حيث تقيم إسراء- تعاني من انقطاعات طويلة، بوصل لا يتعدى نصف ساعة كل خمس إلى ست ساعات، يضاف إليها موضوع المياه أيضًا تصل مرة كل خمسة أيام ولساعات قليلة.
وتصف إسراء الشوارع “بالموحشة” نتيجة للظلام الدامس، ما جعل مدينة مصياف مثلا تبدو كمدينة أشباح، رغم وجود مبادرات محلية محدودة لتحسين الإنارة، لكنها تبقى غير كافية. وفيما يخص الغلاء، ترى إسراء أن أسعار السلع الغذائية انخفضت قليلاً، لكن هناك مصاريف كثيرة ترهق كاهل السوريين مثلا التعليم الحكومي لا يزال ضعيفًا، ويعتمد الطلاب على الدروس الخصوصية من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية وهي مكلفة للغاية.
أين يسكن العائدون في دمشق؟
لكن مشكلة تأمين السكن تلقي بظلالها على من يفكر السكن في دمشق، وهنا يقول موسى بركات إنه بحث لأشهر عن منزل للإيجار، ووجد واحدًا فقط في ضواحي دمشق بأكثر من 200 دولار شهريًا، وذلك نتيجة لتدمير واسع في البنية السكنية في عموم سوريا، وغياب العرض الكافي للعائدين.
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن حوالي 26.3% من الوحدات السكنية في سوريا تعرضت للدمار أو لأضرار جسيمة، وتم تدمير أكثر من 150 ألف وحدة في حلب وحدها. أما في دمشق، فقد فقدت المحافظة نحو 57 ألف وحدة سكنية، هذا النقص الحاد أدى إلى ارتفاع الإيجارات بنسبة تصل إلى 300% في بعض المناطق.
من جهتها تؤكد بتول ما قاله موسى عن صعوبة الحصول على سكن للإيجار رغم الأرقام الفلكية مقارنة بالدخل، وتؤكد أن عودتهم من تركيا لم تكن إلى منزلهم الأصلي، فالقابون حيث كانوا يقطنون قبل الثورة وبلدة الصرخة في القلمون -بلدة أهل زوجها- دمرتا بالكامل، ما دفعها للاستقرار في حرستا، بالقرب من سكن أهلها، مع دفع إيجار شهري. وفي حديثها عن الوضوع الأمني تصف بتول الوضع الأمني بالمقبول، إلا أن “أخبار الحوادث الأمنية المتفرقة تنعكس سلبا على الجميع”.
التعليم والرعاية الصحية في سوريا
وعن التعليم، اضطرت بتول لتسجيل ابنها بمدرسة خاصة لرفض المدرسة الحكومية تسجيله لأن العام الدراسي اقترب على نهايته، وتصف مستوى التعليم الخاص بأنه “جيد وقريب من مستوى المدارس الحكومية في تركيا”.
كما تشير بتول إلى أن الرعاية الصحية مقبولة في مشفى حرستا، وخدمات المشفى الوطني جيدة. لكن الأدوية الأجنبية مرتفعة السعر وتدخل تهريبًا، كما لاحظت وجود فرق كبير بالخدمات بين حرستا ودمشق، حتى في جودة الهواء نتيجة للغبار والدمار.
أما بما يخص الاتصالات فقد تحسنت خدمة الإنترنت، فقد أصبح الإنترنت الفضائي متاحًا بعد أن كان محصورًا على الهاتف الأرضي، وكذلك المياه تحسّنت في منطقتها.
رغم التفاؤل الذي يحمله بعض العائدين، فإن الواقع السوري بعد أكثر من عقد من الحرب لا يزال يفرض تحديات ضخمة. من الإيجارات غير المنظمة، إلى الخدمات المتفاوتة، مرورًا بالدمار العمراني الذي حوّل العودة إلى اختبار قاسٍ للقدرة على التحمّل.
تعد شهادات بتول وإسراء وموسى جزءًا من مشهد أكبر، يُظهر الحاجة المُلحّة لإصلاحات واقعية، تبدأ بوضع حد لفوضى السكن، وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار للأسر التي اختارت العودة.
العودة إلى سوريا ليست قرارا سهلًا، ولكن من دون استجابة حقيقية من الجهات الرسمية، قد تصبح مجرّد رحلة جديدة في درب المعاناة.
ولعل التفاؤل بأن ينعكس رفع العقوبات الأميركية إيجابا على الاقتصاد والشروع بإعادة الإعمار هو ما يجمع كل من التقاهم موقع تلفزيون سوريا، فقد أعلن مؤخرا الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكذلك الاتحاد الأوروبي، رفع العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على سوريا خلال فترات زمنية مختلفة.
تلفزيون سوريا