حادثة محافظ السويداء.. السلطة والمجتمع ودور الإعلام في عصر “الترند”/ أغيد حجازي

24 مايو 2025
تحولت الحادثة التي تعرض لها محافظ السويداء، مصطفى البكور، إلى “قضية رأي عام”. وبين تضارب الروايات وغياب بيانات رسمية سريعة، وجدت الشائعات طريقها إلى الفضاء الرقمي، مهددةً بإحداث فتنة جديدة في بيئة تعيش واقعًا متوترًا وعلاقة معقدة مع السلطة الجديدة.
ما الذي جرى فعلًا داخل مبنى محافظة السويداء؟ هل هو عمل فردي بحت، أم ثمة تداخل مع المشهد السياسي الذي تتسيده الفصائل المسلحة؟ وما صدى الحادثة في مجتمع السويداء، وخاصة لدى الوجهاء والنشطاء السياسيين والاجتماعيين؟ وأخيرًا: أي دور لعبته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والتي صارت فاعلًا أساسياً في وقائع مثل هذه؟
الرواية الرسمية وإجراءات الاحتواء
يقول مدير مديرية الإعلام في محافظة السويداء، مرهف الشاعر، لـ”الترا سوريا”، إن مجموعة مسلحة اقتحمت مبنى المحافظة، مطالبةً بالإفراج عن موقوف لدى إدارة الأمن العام بدمشق منذ أكثر من شهر بتهم تشمل سرقة سيارة وجرائم أخرى.
وأوضح الشاعر أن أفراد المجموعة “أطلقوا تهديدات وألفاظًا نابية”، ملوحين بمنع المحافظ من السفر إلى دمشق ما لم يطلق سراح الموقوف. وأشار إلى أن الحادث وقع صباحًا، فتدخلت فورًا مجموعات الحماية، فيما “تعامل المحافظ بهدوء مع أحد المتحدثين بفظاظة”. وأضاف أن التنسيق مع دمشق أسفر عن حل الخلاف واحتواء الموقف، ليتابع البكور عمله ويستقبل وفودًا زائرةً في مبنى المحافظة.
وأكد الشاعر أن أبناء السويداء، بمختلف مرجعياتهم المدنية والسياسية والاجتماعية، استنكروا الحادث على نطاق واسع، وصدرت بيانات تدعو إلى ترسيخ مؤسسات الدولة وتعزيز الاستقرار ودعم الضابطة العدلية.
وبيّن أن المكتب التنفيذي، بالتعاون مع قيادة الشرطة والفصائل المحلية، أصدر مذكرات بحث عن المشاركين في الاقتحام، بينما أعلن أهالي بلدة “ذبين” بريف السويداء الجنوبي “تبرؤهم من هؤلاء الأشخاص”، واصفين ما جرى بأنه تصرف فردي لا يمثل المجتمع.
وحول الشائعات التي تبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تجهيز قوات من الأمن العام ووزارة الدفاع لدخول السويداء، ذكّر الشاعر بالاتفاق الموقع بين الإدارة في دمشق ووجهاء وشيوخ عقل السويداء والفصائل المحلية، والذي ينص على تفعيل دور قوى الأمن الداخلي من أبناء المحافظة، ودمج عناصر من الفصائل في سلك الشرطة، مؤكدًا أن أكثر من مئتي شرطي التحقوا بهذه القوى منذ الأول من أيار/مايو 2025.
ونفى الشاعر صحة ما تروجه بعض الصفحات عن اختطاف المحافظ أو تعرضه للضرب، مؤكدًا أن خطاب الكراهية والفتنة لا مكان له بين مكونات المجتمع السوري.
وختم متوقعًا أن تؤدي الحادثة، التي جرت السيطرة عليها بأقل الخسائر، إلى فتح مسار جديد لتعزيز السلم الأهلي، مشيرًا إلى أن قوى محلية، مثل حركة “رجال الكرامة” وتجمع “أحرار جبل العرب” ومضافة الكرامة، نزلت على الأرض دعمًا لموقف الشرطة وقوى الأمن الداخلي.
احتجاج محدود وتضخيم إعلامي
يقول رفعت الديك، صحفي من محافظة السويداء، إن ما حدث هو قدوم مجموعة من الخارجين عن القانون، يوجد لديهم أقارب مسجونون في دمشق وصدرت بحقهم مذكرات توقيف وأحكام بالسجن، إلى مكتب المحافظ، مطالبين بالنظر في قضايا المسجونين وإطلاق سراحهم أو إخلاء سبيلهم. وقد وعدهم المحافظ بمتابعة الموضوع وتسليمهم نتائج المتابعة في أقرب وقت.
يتابع الديك، في حديثه لـ”الترا سوريا”، أنه بعد انتهاء الدوام، أقدم هؤلاء الأشخاص على اقتحام مبنى المحافظة بطريقة غير مألوفة؛ إذ لم يكن هجومًا مسلحًا بالمعنى التقليدي (دوشكا أو أسلحة ثقيلة)، بل اندفعوا بأسلوب فوضوي، واصطدموا بحرس المبنى، وهم من أبناء المحافظة العاملين في جهاز الأمن العام. حاول المحافظ استيعاب الموقف فأذن لهم بالدخول إلى مكتبه، لكن النقاش داخل المكتب احتد وارتفعت الأصوات وتخللته إساءات لفظية.
وأشار الديك إلى تدخل وجهاء مدينة السويداء الذين قدموا اعتذارًا رسميًا عن هذا السلوك، مؤكدين أنه تصرف فردي لا يمثل أخلاق أهالي المحافظة وأدبياتهم. وأكد الديك أن المحافظ استكمل عمله ثم غادر لاحقًا إلى دمشق لتوضيح الصورة واتخاذ ما يراه مناسبًا، بعد أن تم احتواء الحادثة بالكامل.
ويقول الديك إن المستغرب هو الطريقة التي انتشر بها الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ صور الأمر وكأن جميع أهالي السويداء، بما في ذلك الضيوف، هاجموا مبنى المحافظة، واحتجزوا المسؤولين وأجبروهم على قرارات بعينها، معتبرًا أن ما جرى ليس سوى مجرد فعل احتجاجي محدود قام به أفراد محتقنون بسبب تأخر تنفيذ وعد قطعه المحافظ؛ وهي حوادث تحصل في محافظات أخرى ولا تعد غريبة على المشهد السوري عمومًا.
ويتساءل الصحفي: لماذا يتم تضخيم أي حادثة تقع في بيئات الأقليات عبر حملات “ذباب إلكتروني” منظمة، بينما تُهمش الإضاءات الإيجابية، مثل زيارات المحافظ الميدانية ولقاءاته الودية مع وجهاء المدينة؟ ثم لماذا لا يُحشد الرأي العام بالقدر ذاته تجاه قضايا إنسانية كبرى، كجريمة قتل طفلة عثر عليها وقد سُرقت أعضاؤها؟
ويتحدث رفعت الديك عن حملات ممنهجة توظف أصغر الوقائع في السويداء لإثارة النعرات الطائفية وتشويه صورة أبنائها، في حين تمر ممارسات أشد خطورة ترتكبها فصائل منفلتة في محافظات أخرى من دون ضجة تذكر. ويقول: “إذا كنا نسعى حقًا إلى بناء وطن، فإن الطريق يبدأ بالمصارحة والمصالحة، لا بالتجييش الطائفي”.
ويخلص إلى القول: “الحدث فردي محدود لا يرقى إلى مستوى التعبئة الإعلامية التي رافقته، أما حملات التضخيم فهي جزء من مخطط منظم للإساءة إلى مكون اجتماعي بعينه وتشويه صورته الوطنية”.
رفض للحادثة ودعوة لتعزيز الأمن الداخلي
تؤكد الناشطة السورية وابنة مدينة السويداء، حنين القنطار، أن ما جرى داخل مبنى المحافظة “تصرف مدان ومرفوض قطعًا”، معتبرةً أنه لا يمت بصلة إلى منظومة القيم والأعراف الاجتماعية التي تربى عليها أبناء المحافظة.
وأشارت إلى أن تأثير الحادثة تجاوز الإساءة لشخص المحافظ ليطال كرامة المجتمع بأسره، معتبرةً أن الواقعة أضرت بصورة محافظة عرفت بالحكمة والرزانة.
وانتقدت القنطار ما وصفته بـ”تهويل إعلامي” مارسته بعض القنوات والمنصات، موضحةً أن هذه الجهات حرفت الوقائع بما يخدم مصالحها، بعيدًا عن المهنية والموضوعية.
ولفتت إلى أن أبناء السويداء لمسوا، منذ تسلم الدكتور مصطفى البكور مهامه، تفانيًا في العمل وسعة صدر وأسلوبًا راقيًا في التواصل، الأمر الذي أكسبه احترامًا واسعًا.
وختمت القنطار بالدعوة إلى “ضرورة الإسراع في تفعيل دور قوى الأمن الداخلي والضابطة العدلية للحفاظ على هيبة المؤسسات، وصون كرامة المواطن، وفرض سيادة القانون بعدالة وحزم”.
وتبقى الأسئلة التي تثيرها حادثة السويداء مشرعة، أولها بالطبع هو عن العلاقة الشائكة وغير المستقرة بين السلطة الجديدة وبعض فئات المجتمع السوري، والسؤال الذي لا يقل أهمية هو عن دور وسائل الإعلام التقليدية والرقمية. فأي رواية ستترسخ في الذاكرة الجمعية، رواية الاقتحام العابر أم رواية “الاختطاف” التي تصدرت العناوين الافتراضية؟
في ضوء اتساع الفجوة بين الخبر العاجل والحقيقة الميدانية، يجب أن يثار نقاش معمق حول مسؤولية المنصات الإعلامية في التحقق قبل النشر، وما إذا كان التحريض مقصودًا أم هو فقط من أجل “الترند”؟
الترا سوريا