لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 25 أيار 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
———————————-
الإدارة السورية بين الخارج والداخل/ بشير البكر
24 مايو 2025
تمكّنت الإدارة السورية، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، من القيام بخطوات مهمّة على مستوى تقديم نفسها خارجياً. وقد حظيت في زمن قياسي باعتراف وقبول عربيَين ودوليَين، ونالت ثقةً أهّلتها لتبني علاقات عربية وإقليمية وازنة مع كلّ من السعودية وقطر وتركيا، الأمر الذي فتح أمامها أبواب عدّة عواصم، ومكّنها من لقاءات ذات طبيعة استراتيجية، وخاصّة اجتماع الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، في 14 مايو/ أيار الحالي، بعد زيارته فرنسا، بوابة الاتحاد الأوروبي، في السابع من الشهر نفسه. وأهم نتيجة لذلك قرار رفع العقوبات الأميركية، ومن ثمّ الأوروبية، عن سورية.
ما كان للاستقبال الدولي للشرع، والرفع السريع للعقوبات الأميركية والأوروبية، أن يحصلا بهذه السرعة لولا حملة العلاقات العامّة، والاتصالات التي قامت بها السعودية وقطر وتركيا. وهذا يعني أن الدول الثلاث، ذات الوزن السياسي والاقتصادي، والدور المؤثّر إقليمياً ودولياً، حريصة على وضع سورية في سكّة الاستقرار من باب رفع العقوبات، وهي تدرك أن لا سبيل إلى معالجة التركة الثقيلة، التي تركها نظام بشّار الأسد، إلا بحلّ المشكلات الاقتصادية، لأن سورية أكثر ما تعاني من ذلك، وبناها التحتية شبه مدمّرة، وتحتاج مساعدات خارجية كبيرة كي تبدأ أولى خطوات التعافي، وتمهيد الطريق لعودة قرابة خمسة ملايين مهجّر يعيشون في تركيا والأردن ولبنان، ويشكّلون ضغطاً كبيراً منذ عدة سنوات على اقتصادات (وخدمات) هذه الدول، التي لم تقصّر عن مدّ العون لهم في الظروف الصعبة، وآن أوان عودتهم إلى بلدهم.
هناك حرص عربي ودولي على استقرار سورية، ولا تأتي من فراغ تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمام مجلس الشيوخ الأميركي، لذا يجب أخذ تحذيراته على محمل الجدّ، وخاصّة في ما يتعلّق بالعواقب الناجمة عن تأخير رفع العقوبات. وهذا يتطلّب من الإدارة السورية التقاط الرسالة الدولية وترجمتها بسرعة، من خلال العمل في استثمار النجاحات على المستوى الخارجي، وتحويلها أرضيةً داخليةً متينةً لاستقبال الدعم الدولي، ولا يمكن أن يتم ذلك من دون وضع استراتيجية سياسية واقتصادية ودبلوماسية، تعمل في هذه الجبهة، لأن قرار رفع العقوبات لا يعني أن المسألة باتت ناجزةً فترسل الدول العربية والأجنبية المليارات لسورية بين عشية وضحاها من أجل إعادة إعمارها. ليس هناك مال بلا مقابل، وما من استثمارات من دون ثقة واستقرار، وما لم تنجح الإدارة السورية في تعزيز وضعها الداخلي، من خلال التشاركية في الحكم، فإن الرصيد الخارجي الذي حقّقته لا يكفي لوحده من أجل دفع العربة إلى الأمام.
أول خطوة مطلوبة أن تكون الأرضية الداخلية صلبة، وتعتمد الدولة السورية الجديدة على الكفاءات لا الولاءات، وهذا يتطلّب مراجعةً سريعةً من الرئيس الشرع الذي يشرف على عمل الحكومة وأدائها، ويستخلص الدروس بعد تشكيلها، ويبادر إلى سدّ الفجوات، وتصحيح العثرات في مجالات منظورة، باتت حديث الرأي العام، وتحوّلت معياراً للحكم على مستقبل ومسار الحكومة الانتقالية، وأهم نقطة يجري الحديث عنها هي عدم المهنية في مجالات عدّة، إذ أسندت المسؤوليات إلى أشخاص لا يتحلّون بالكفاءة الضرورية.
وتتمثل الخطوة الثانية في ضرورة العمل على نحو جادّ لتعزيز السلم الأهلي، من خلال البدء سريعاً بإطلاق مسار العدالة الانتقالية، بعد تشكيل الهيئة الخاصّة بها، ومعالجة نتائج الأحداث التي شهدها الساحل في مارس/ آذار الماضي، ومن بعدها جرمانا وصحنايا والسويداء، التي تشكّل جراحاً مفتوحةً تحتاج إلى التعامل معها بروح من الوحدة الوطنية الفعلية، التي تترجم شعار “الشعب السوري واحد”، وليس على أساس جرعاتٍ أمنيةٍ مؤقّتة، يمكن أن تعطي مفعولاً عكسياً على المدى البعيد.
العربي الجديد
—————————————
رفع العقوبات لم يكن مكافأة بل شرطاً للنجاة/ مها غزال
الأحد 2025/05/25
من السهل أن نُحمل السياسة مسؤولية الدمار، لكن الأصعب أن ندرك أن الاقتصاد حين يُخنق، يُحول المجتمعات إلى عبوات ناسفة. في سوريا، لم تكن العقوبات الاقتصادية مجرد أداة ضغط على النظام، بل تحولت إلى حصار وجودي ضرب ما تبقى من النسيج الاجتماعي، وأجهز على شرطٍ جوهري للاستقرار: الطبقة الوسطى.
المجتمع السوري، بعد أكثر من عقد من الحرب، لم يعد ساحة حوار بين رؤى سياسية، بل ساحة صراع بين ثلاث طبقات لا تتواصل. طبقة عليا، وهي غالباً من أثرياء الحرب، تعيش فوق المجتمع وتتعامل مع الدولة بوصفها شركة خاصة، تراكم الثروة من أنقاض المؤسسات، ولا ترى في الاستقرار سوى تهديد لاحتكارها. وطبقة فقيرة، منهَكة، لا تملك ترف التفكير أو التنظيم، تُنفق طاقتها في تأمين الخبز، فتكون أكثر عرضة للتهميش أو حتى للتطرف كرد فعل على العوز والخذلان. أما الطبقة الوسطى، التي كانت يوماً ما صمّام الأمان، فقد تآكلت بفعل انهيار الاقتصاد وتدهور التعليم والتهجير، ومعها اختفى الفضاء الذي يسمح بالتعدد، بالاعتدال، وبفكرة الوطن المشترك.
العقوبات، حين عطّلت السوق، لم تسقط النظام فقط، بل أسقطت البنية الاجتماعية التي تسمح بتوازن المصالح وتداول السلطة، وهجّرت الكفاءات، وخنقت المشاريع، وأبقت الناس أسرى لاقتصاد مافيوي مغلق.
ومن هنا، فإن رفع العقوبات لا ينبغي أن يُفهم كمكافأة سياسية، بل كضرورة أخلاقية واستراتيجية لإعادة بناء التوازن المجتمعي. فالاقتصاد، حين يتحرك، لا يُنتج فقط فرص العمل، بل يُعيد الثقة، ويمنح الناس ما يخافون عليه، فيؤمنون بالتعايش بدل الانفجار. الاقتصاد هو السياسة بلغة أخرى، كما يقول علماء الاجتماع السياسي، وهو الذي يخلق المصالح المشتركة، ويفرض المساومة، ويحوّل التعدد إلى تفاهم لا إلى تنازع.
التاريخ القريب يقدم لنا مثالاً مأساوياً في العراق. بين عامي 1990 و2003، أدى الحصار الاقتصادي إلى تفكك الطبقة الوسطى العراقية بالكامل. تفككت المدارس والمشافي، غادرت العقول الجامعات، وانسحب المجتمع من الفضاء العام. وحين جاء الغزو الأميركي، لم يجد مجتمعاً متماسكاً، بل بيئة مثالية لانفجار طائفي دمّر الدولة وأطلق يد الميليشيات. كان الحصار قد مهّد لذلك كله باسم “الضغط الدولي”، لكنه في الواقع أنهى ما تبقى من قدرة المجتمع على النجاة من العنف. على الطرف الآخر من هذا الطيف، تقف خطة مارشال كنموذج مضاد، تبنته الولايات المتحدة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. بدل العقوبات، اختارت الاستثمار في إعادة البناء، ليس فقط في البنية التحتية، بل في التعليم والصحة والمؤسسات الصغيرة، ما أدى إلى استعادة الطبقة الوسطى وولادة ديمقراطيات مستقرة.
تحتاج سوريا اليوم، إلى خطة مارشال على مقاسها، لا بالضرورة من الغرب، بل من الداخل ومن شركاء الإقليم، تقوم على إعادة تحريك الإنتاج، وتمكين المشاريع الصغيرة، وتحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، وفصل الاقتصاد عن الولاءات العسكرية والسياسية.
إعادة الطبقة الوسطى ليست ترفاً برجوازياً، بل ضرورة فلسفية وأخلاقية لأي عقد اجتماعي. فهذه الطبقة هي نقيض التطرف، لأنها لا تملك رغبة السيطرة المطلقة كالطبقة العليا، ولا تعاني من العدم الوجودي كالطبقة الفقيرة، بل توازن المصالح والخوف والواقعية. هي التي ترى في التعايش خياراً، وفي الوطن مشروعاً، وفي الغد إمكانية. العقوبات تطيل عمر النظام القديم، لكنها تمنع ولادة الجديد. ومن دون الطبقة الوسطى، تبقى سوريا جسداً بلا عمود فقري، ودولة بلا مجتمع.
المدن
———————————-
الخزانة الأميركية تخفف العقوبات عن سورية.. وروبيو يعلّق إجراءات “قانون قيصر”/ محمد البديوي
24 مايو 2025
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الجمعة، تخفيفاً فورياً للعقوبات المفروضة على سورية، في خطوة تهدف إلى دعم الحكومة الانتقالية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع الذي تولى السلطة بعد إطاحة نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024. وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية ترخيصاً عاماً يتيح تعليقاً مؤقتاً للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، مع الحفاظ على بعض القيود المتعلقة بالأفراد والكيانات المدرجة في قوائم العقوبات.
وقال وزير الخزانة الأميركية سكوت بيسنت، في بيان، الجمعة، إن القرار جاء تماشيا مع إعلان الرئيس دونالد ترامب وقف جميع العقوبات المفروضة على سورية، مؤكدا أن الترخيص العام الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية يجيز المعاملات المحظورة بموجب لوائح العقوبات المفروضة على سورية بما يؤدي فعليا لرفع العقوبات المفروضة عليها. وسيتيح الترخيص العام، حسبما نص البيان “فرصا استثمارية جديدة وأنشطة في القطاع الخاص بما يتماشى مع استراتيجية أميركا أولا”. وأوضح البيان أن “وزارة الخارجية الأميركية أصدرت في الوقت ذاته إعفاء عن العقوبات بموجب قانون قيصر، بما سيمكن الشركاء الأجانب والحلفاء بالمنطقة من تحسين الأوضاع في سورية”، معتبرا أن هذه القرارات تمثل جزءا واحدا من الجهور الأميركية واسعة النطاق لرفع العقوبات المفروضة على سورية بالكامل بسبب انتهاكات نظام بشار الأسد.
وأضاف البيان: “كما وعد الرئيس، تنفذ وزارتا الخزانة والخارجية تفويضات لتشجيع استثمارات جديدة في سورية”، وشدد على أنه يجب على سورية مواصلة العمل لتتحول إلى “دولة مستقرة تنعم بالسلام”، معربا عن أمله أن تمهد إجراءات اليوم الطريق لها نحو مستقبل أفضل ومستقر. وأكد البيان أن رفع هذه العقوبات يمثل “فرصة لبداية جديدة، وبدء فصل جديد في حياة الشعب السوري”، وأن “حكومة الولايات المتحدة تلتزم بدعم استقرار سورية ووحدتها لتعيش في سلام مع جيرانها”، مضيفا أنه “تم تمديد تخفيف العقوبات ليشمل الحكومة السورية الجديدة بشرط ألا توفر البلاد ملاذا للمنظمات الإرهابية وأن تضمن أمن الأقليات الدينية والعرقية”.
ويجيز القرار المعاملات المحظورة بموجب العقوبات الاقتصادية على سورية، بما في ذلك الاستثمارات الجديدة وتقديم الخدمات المالية وغيرها، والمعاملات المتعلقة بالنفط أو المنتجات النفطية السورية. ويجيز أيضا جميع المعاملات مع الحكومة السورية الجديدة ومع بعض الأشخاص المحظورين. كما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أنه “تماشيا مع اللائحة العامة، تقدم شبكة مكافحة الجرائم المالية FinCEN إعفاء استثنائيا يسمح للمؤسسات المالية الأميركية بالاحتفاظ بحسابات مراسلة لمصرف سورية المركزي”، مضيفة أن هذه القرارات والتفويض “تهدف إلى المساعدة في بناء اقتصاد سورية وقطاعها المالي وبنيتها التحتية بما يتماشى مع مصالح السياسة الخارجية الأميركية”.
إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية الِأميركي ماركو روبيو، عن رفع عقوبات قانون قيصر على سورية لمدة 180 يوما (6 أشهر)، مستخدما سلطاته طبقا لنص القانون الذي يتيح له التنازل عن العقوبات لمدة معينة، دون الحصول على موافقة من الكونغرس الأميركي. أوضح الوزير في بيان له أن تنفيذ وعد الرئيس دونالد ترامب بتخفيف العقوبات على سورية من خلال رفع عقوبات قانون قيصر الإلزامية يضمن “عدم إعاقة قدرة شركائنا على القيام باستثمارات تساهم في الاستقرار وإعادة الإعمار، وأنها تسهل توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي، وتساهم في زيادة فاعلية الاستجابة الإنسانية في جميع أنحاء سورية”.
وأكد الوزير أنه قراره إضافة للترخيص العام الذي أصدرته وزارة الخزانة بالسماح بمعاملات الأشخاص الذين كانوا محظورين سابقا، يعنيان “رفع العقوبات فعليا عن سورية”، مضيفا أن “الرئيس ترامب يتيح للحكومة السورية فرصة لتعزيز الاستقرار والسلام داخل سورية وفي علاقاتها مع جيرانها”.
وتعهدت الولايات المتحدة، أنها ستواصل رصد “التطورات الميدانية في سورية، ولفتت إلى أن القرار يعد “خطوة أولى أساسية لتنفيذ إعلان الرئيس في 13 مايو/ أيار بشأن رفع العقوبات عن سورية. وسيسهل القرار حسبما أكدت وزارة الخزانة، النشاط في جميع قطاعات الاقتصاد السوري، ويستثني “نظام الأسد السابق وتقديم أي دعم للمنظمات الإرهابية، ومرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، وتجار المخدرات”، كما لا يسمح بالمعاملات تستفيد منها روسيا وإيران وكوريا الشمالية، مؤكدة أنهم داعمون رئيسيون لنظام الأسد السابق.
وكان الرئيس الأميركي قد أعلن في وقت سابق نيته رفع العقوبات عن سورية، مشيراً إلى أن “الشعب السوري عانى بما فيه الكفاية”، وأن “الوقت قد حان لمنحهم فرصة للنجاح”. ويأتي هذا القرار في ظل تحركات دولية لدعم الحكومة السورية الجديدة، حيث أعلن كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تخفيف العقوبات المفروضة على سورية، بهدف دعم جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في البلاد. ومن المتوقع أن يسهم هذا التخفيف في تعزيز العلاقات بين سورية والمجتمع الدولي، وفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الإنسانية، مما قد يساعد في تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في البلاد. ويُعد هذا القرار خطوة مهمة نحو إعادة دمج سورية في المجتمع الدولي، ودعم جهودها لتحقيق الاستقرار والتنمية بعد سنوات من الصراع والمعاناة.
وأمس الخميس، أعلن صندوق النقد الدولي استعداده لتقديم الدعم الفني لسورية بعد إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عنها. وقالت جولي كوزاك مديرة إدارة الاتصالات في الصندوق “يستعد موظفونا لدعم جهود المجتمع الدولي الرامية إلى مساعدة سورية على إعادة تأهيل اقتصادها، حالما تسمح الظروف بذلك”. وتضرر اقتصاد سورية بشدة جراء حرب أهلية دامت 14 عاماً وانتهت في ديسمبر/ كانون الأول بإسقاط نظام بشار الأسد. وقالت كوزاك “ستحتاج سورية إلى مساعدة كبيرة لإعادة بناء مؤسساتها الاقتصادية… نحن على أهبة الاستعداد لتقديم المشورة والمساعدة الفنية الموجهة وذات الأولوية في مجالات خبرتنا”. وأضافت أن الصندوق يتوقع أن يدعم رفع العقوبات جهود سورية في التغلب على التحديات الاقتصادية ودفع عجلة إعادة الإعمار. يذكر أن صندوق النقد أجرى آخر تقييم لسياسات سورية الاقتصادية في 2009.
ووافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء الماضي، على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية. وقالت كايا كالاس مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد في منشور على منصة التواصل الاجتماعي إكس بعد مناقشات مع الوزراء في بروكسل: “نريد مساعدة الشعب السوري في إعادة بناء سورية جديدة تتسم بالشمول ويعمها السلم”. وذكرت كالاس “دائماً ما وقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب السوريين طوال الأربعة عشر عاماً الماضية، وسيواصل فعل ذلك”. وجاء في بيان إعلان القرار أن الاتحاد الأوروبي سيبقي على العقوبات المتعلقة بنظام بشار الأسد “بالإضافة إلى العقوبات القائمة على أسس أمنية، بما يشمل الأسلحة والتكنولوجيا التي قد تستخدم للقمع في الداخل”. وأضاف البيان أن التكتل “سيطبق أيضاً تدابير تقييدية إضافية بحق منتهكي حقوق الإنسان ومن يذكون عدم الاستقرار في سورية”.وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على موقع إكس “سيعزز هذا القرار الأمن والاستقرار والازدهار في سورية”.
ونشرت وزارة الخارجية السورية بياناً قالت فيه إن رفع العقوبات يفتح آفاقاً جديدة للتعاون. وأضافت “تؤكد الحكومة السورية استعدادها لتعزيز أواصر التعاون مع الشركات والمستثمرين الأوروبيين، وتهيئة بيئة داعمة للإنعاش الاقتصادي والتنمية المستدامة”. وقال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول في بيان مكتوب “يريد الاتحاد الأوروبي أن يبدأ بداية جديدة مع سورية… لكننا نتوقع أيضاً سياسة شاملة داخلها تشمل جميع الأطياف السكانية والدينية”. وأضاف “من المهم لنا أن تتمكن سورية الموحدة من تقرير مستقبلها”.
وفي تعليق رسمي من دمشق، رحّبت وزارة الخارجية السورية، اليوم السبت، بالقرار الأميركي القاضي بإعفاء سورية من العقوبات المفروضة عليها، وقالت في بيان إن هذه “خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح للتخفيف من المعاناة الإنسانية والاقتصادية في البلاد”. وأكدت الوزارة أن سورية تمد يدها لكل من يرغب في التعاون على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتؤمن بالحوار والدبلوماسية لبناء علاقات متوازنة. وأشار البيان إلى أن سورية تُقدّر كل الشعوب والدول التي تقف إلى جانبها، مؤكدة أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة إعادة بناء ما دمره الإرهاب، واستعادة مكانة سورية الطبيعية في الإقليم والعالم.
العربي الجديد
———————————-
أبرزهم الشرع.. 28 شخصية ومؤسسة سورية رفعت عنهم واشنطن الحظر/ محمد البديوي
24 مايو 2025
الخزانة الأميركية أعلنت تخفيفا فوريا للعقوبات المفروضة على سورية
روبيو يعلّق عقوبات “قانون قيصر” لمدة 6 أشهر
ترامب التقى الشرع في الرياض وتعهد برفع العقوبات عن دمشق
ينشر “العربي الجديد” قائمة الأشخاص والمؤسسات السورية التي رفعت عنها الولايات المتحدة الحظر اليوم، طبقا للترخيص العام الذي أصدرته وزارة الخزانة الأميركية الجمعة. شملت القائمة 28 شخصا ومؤسسة على رأسها أحمد الشرع ومصرف سورية المركزي والخطوط الجوية السورية ومؤسسة النفط والإذاعة والتليفزيون والموانئ والملاحة السورية.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الجمعة، تخفيفاً فورياً للعقوبات المفروضة على سورية، في خطوة تهدف إلى دعم الحكومة الانتقالية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع الذي تولى السلطة بعد إطاحة نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024. وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية ترخيصاً عاماً يتيح تعليقاً مؤقتاً للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، مع الحفاظ على بعض القيود المتعلقة بالأفراد والكيانات المدرجة في قوائم العقوبات.
وفيما يلى القائمة كاملة:
1- الخطوط الجوية العربية السورية
2- سيترول
3- أحمد الشرع
4- أنس حسن خطاب
5- المصرف التجاري السوري
6- مصرف سورية المركزي
7- المؤسسة العامة للنفط
8- الشركة السورية لنقل النفط
9- الشركة السورية للنفط
10- المصرف العقاري
11- المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون
12- شركة مصفاة بانياس
13- شركة مصفاة حمص
14 – المصرف الزراعي التعاوني
15- المصرف الصناعي
16- بنك التسليف
17- بنك التوفير
18- المديرية العامة للموانئ السورية
19- الشركة العامة لمرفأ اللاذقية
20- غرفة الملاحة السورية
21- الهيئة العامة السورية للنقل البحري
22- الشركة السورية للوكالات الملاحية
23- الشركة العامة لمرفأ طرطوس
24- مؤسسة عامة للتكرير والتوزيع
25 – وزارة النفط والثروة المعدنية السورية
26- وزارة السياحة السورية
27- فندق فور سيزونز دمشق
28- الشركة السورية للغاز
وقال وزير الخزانة الأميركية سكوت بيسنت، في بيان، الجمعة، إن القرار جاء تماشيا مع إعلان الرئيس دونالد ترامب وقف جميع العقوبات المفروضة على سورية، مؤكدا أن الترخيص العام الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية يجيز المعاملات المحظورة بموجب لوائح العقوبات المفروضة على سورية بما يؤدي فعليا لرفع العقوبات المفروضة عليها. وسيتيح الترخيص العام، حسبما نص البيان “فرصا استثمارية جديدة وأنشطة في القطاع الخاص بما يتماشي مع استراتيجية أميركا أولا”. وأوضح البيان أن “وزارة الخارجية الأميركية أصدرت في الوقت ذاته إعفاء عن العقوبات بموجب قانون قيصر، بما سيمكن الشركاء الأجانب والحلفاء بالمنطقة من تحسين الأوضاع في سورية”، معتبرا أن هذه القرارات تمثل جزءا واحدا من الجهود الأميركية واسعة النطاق لرفع العقوبات المفروضة على سورية بالكامل بسبب انتهاكات نظام بشار الأسد.
وتعهدت الولايات المتحدة، أنها ستواصل رصد “التطوارات الميدانية في سورية”، وأشارت إلى أن القرار يعد “خطوة أولى أساسية لتنفيذ إعلان الرئيس في 13 مايو/ أيار بشأن رفع العقوبات عن سورية. وسيسهل القرار حسبما أكدت وزارة الخزانة، النشاط في جميع قطاعات الاقتصاد السوري، ويستثني “نظام الأسد السابق وتقديم أي دعم للمنظمات الإرهابية، ومرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، وتجار المخدرات”، كما لا يسمح بالمعاملات التي تستفيد منها روسيا وإيران وكوريا الشمالية مؤكدة أنهم داعمون رئيسيون لنظام الأسد السابق.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن في وقت سابق نيته رفع العقوبات عن سورية، مشيراً إلى أن “الشعب السوري عانى بما فيه الكفاية”، وأن “الوقت قد حان لمنحهم فرصة للنجاح”. ويأتي هذا القرار في ظل تحركات دولية لدعم الحكومة السورية الجديدة، حيث أعلن كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تخفيف العقوبات المفروضة على سورية، بهدف دعم جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في البلاد. ومن المتوقع أن يسهم هذا التخفيف في تعزيز العلاقات بين سورية والمجتمع الدولي، وفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الإنسانية، مما قد يساعد في تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في البلاد. ويُعد هذا القرار خطوة مهمة نحو إعادة دمج سورية في المجتمع الدولي، ودعم جهودها لتحقيق الاستقرار والتنمية بعد سنوات من الصراع والمعاناة.
———————————-
رفع العقوبات و”الممانعة” الجديدة في سورية/ راتب شعبو
24 مايو 2025
يشكّل قرار رفع العقوبات عن سورية بدايةً جيّدةً للسوريين، لا يغيّر من جودتها أن مسار رفع العقوبات طويل ومعقّد، كما هي أروقة المؤسّسات الأميركية التي تتحكّم بالعالم. فلا خيار لبلد منهك كبلدنا سورية (اليوم) سوى خدمة مصالحه عبر الاندماج بالعالم، وليس عبر الانكفاء أو “الممانعة”. كما لا يغيّر من جودة هذه البداية أننا سندفع ثمناً لقاء ذلك، فلا أحد يمنّ على أحدٍ في السياسة، ولا يوجد تسوّل أو مكاسب مجّانية في السياسة. ما ينبغي الحرص عليه ألا يكون الثمن عميقاً أو استراتيجياً إلى حدّ يطاول حقوقاً وطنية، ليس التخلّي عنها أصلاً من صلاحيات السلطات، حتى لو كانت مُنتخَبةً، وهذا ممّا يدركه صنّاع القرار في العالم، ويأخذونه في الحسبان.
فيما يخصّ العقوبات الاقتصادية العامّة، كان موقف صاحب هذه السطور مضادّاً على نحو دائم لفرضها على بلدان تحكمها سلطات أمر واقع، تفرض ذاتها على شعوبها بقوة السيطرة على أجهزة الدولة، كما هو الحال في بلداننا المنكوبة. كانت قناعته دائماً أن العقوبات تعاقب الشعوب مرّات، قبل أن تعاقب الأنظمة مرّة واحدة. وأكثر من ذلك، كثيراً ما استخدمت الأنظمة “التقدّمية” العقوبات الأميركية دليلاً على مواقفها الوطنية، مستغلّة الشعور الشعبي العام المعادي للولايات المتحدة بسبب موقفها الداعم لإسرائيل بصفة خاصّة. وكثيراً ما برّرت هذه الأنظمة كلّ أشكال سوء الاقتصاد وفساد الإدارة فيها بردّها إلى العقوبات، واستجرّت من ذلك حجّةً إضافيةً لقمع أيّ صوت مخالف، أي توسّلت العقوبات نفسها في خدمة إدامة سيطرتها.
لم نشهد أن نظاماً سياسياً سقط بفعل العقوبات الاقتصادية. ما شهدناه أن شعوباً جاعت، وبلداناً تهشّمت بسببها. شهدنا هذا مثلاً في العراق وليبيا وسورية، وفي هذه البلدان كلّها لم يسقط النظام (بعد كلّ شيء) إلا بفعل تدخّل عسكري خارجي مباشر أو شبه مباشر، بعد سنوات طويلة من عقوبات جعلت حياة عامّة الناس ومعنوياتهم في الحضيض، كما خلقت سوقاً إضافية للفساد.
فرحة السوريين الكبيرة بقرار رفع العقوبات لا تنبع فقط من سوء الحال الاقتصادي الذي انتهوا إليه في ظلّ نظام الأسد، وأملهم في تحسّن حالهم المعيشي، أي لا تنبع من الجانب الاقتصادي فقط، فربّما كان الجانب السياسي في فرحة السوريين أكثر أهميةً، ذلك أن القرار الأميركي، الذي تلاه قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات، مؤشّر إلى القبول العالمي بالسلطة الجديدة التي لا يزال قطاع واسع من السوريين (السُّنة بوجه خاص) يخشى أن تفشل أو تتعثّر بشكل يمهد لعودة نظام ما قبل “ردع العدوان”. هذه الخشية، رغم ضعف أساسها الواقعي، تكمن في صلب الحساسية الشديدة التي يظهرها المتخوّفون، تجاه أي نقد يوجّه إلى السلطة الجديدة في دمشق. ويمكن الإشارة مروراً هنا إلى أن الطبيعة “الجهادية” للقوى التي سيطرت عقب انهيار نظام الأسد، وشكل إدراكها للعالم، ونظرتها للمجتمع، يجعل النقد الدائم والصريح والاحتجاج الفاعل والمثابر ضدّها من الأفراد، والقوى ذات الوعي الوطني، هو على عكس ما يتصوّر المتخوّفون، التعبير الأمثل عن الحرص على عدم تعثّر المرحلة الانتقالية، وتحوّلها مستنقعاً دائماً من الصراعات العقيمة.
الاحتفال الواسع برفع العقوبات يعرض قبولاً شعبياً بالاندماج في العالم كما هو، وقبولاً للعمل وفق الحدود والمعايير التي يرسمها سادة العالم الذين غالباً ما كانوا يعتبرون أعداء الأمّة. يمكن وصف هذا التيّار بأنه ميل إلى خلع “الممانعة”. في المقابل، تمارس نسبة مؤثّرة من الفصائل الحاكمة اليوم نزوعاً معادياً للعالم، ومضادّاً لقيمه ومبادئه الحديثة، لصالح إحياء ماضٍ لا يمكن إحياؤه إلا كما تُشاد المقامات على القبور. التناقض بين النزوع الشعبي الاندماجي مع العالم، والنزوع الانعزالي المغلق والمعادي للعالم من تيّار مهم داخل السلطة الحاكمة، سيكون من سمات المرحلة السورية المقبلة.
حكمت السوريين عقوداً طويلة ممانعة تمسخ المقاومة إلى وسيلة لاحتكار السلطات والسيطرة على المجتمع، ولا نعتقد أن السوريين يريدون أن تحكمنا اليوم “ممانعة” جديدة تمسخ الدين إلى وسيلة لتسويغ العنف ضدّ المجتمع وإحكام السيطرة عليه. في الحالتَين، يجري حقن الوعي العام ضدّ عدو خارجي ضعيف التحديد على أنه شديد العداء للأمة (التي يختلف تعريفها هنا وهناك)، عدو يمكن أن يخترق المجتمع عبر عملاء داخليين، هم ببساطة كلّ من يعارض أو يعترض على “الممانعين”، ولذلك يذهب المخالفون للسلطة ضحيةَ عنف لا يرحم، ذلك أن العنف هو كلّ ما يتبقّى بعد الإفلاس السياسي. أمّا العدو الخارق الذي يلعنه الممانعون، ويقدّسونه في الوقت نفسه، فإنه لا يبقى في مأمن من أذى “الممانعة” فقط، بل إن جلّ ما تطمح إليه هذه، هو أن تنسج معه علاقة تعايش فيها عداء ظاهر وإذعان فعلي. الطريف أن تاريخ الممانعين السابقين واللاحقين في سورية، هو تاريخ تبادل الاتهام بالعمالة وتاريخ من السحق المتبادل.
جاءت مفردة “الممانعة” لتكون مسخاً لغوياً للمقاومة، واستخدمت للتغطية على نزوع سلطوي يسعى إلى حيازة شرعية أبدية عبر الكلام عن مواجهة عالم شرير مقتدر من موقع طاهر “أبدي”، هو التمسّك بالحقوق القومية. ويصلح الأمر نفسه، وفق المنطق نفسه، من أجل التمسّك بالقيم الدينية. والحقّ أن التمسّك بالسلطة هو الغاية التي تسبق أيَّ حقوق وأيَّ قيم، ولا يضير السلطة “المُمانِعة” فشلها في ادّعائها حماية الحقوق، ذلك أن العدوّ متفوّق وشديد العداء.
يتماشى مع حديث الممانعة الكلام عن “الخصوصية المحلّية”، التي يجري مدحها ورفعها فوق الشروط الواقعية، كي تكون وسيلةً صالحةً ضدّ الأخذ بالقيم العالمية الحديثة التي تفرض المشاركة السياسية وتحترم حقوق الإنسان، أي كي تكون صالحةً لسند حكم “أبدي” لا يعترف بغير ذاته. وغالباً ما ينتهي الأمر، في مثل هذه الحالات، إلى دمار واسع، وإلى صغار أمام قوى العالم الحديثة، التجربة التي شهدتها شعوب منطقتنا مراراً وتكراراً.
العربي الجديد
——————————–
سوريا بين سباقين: مشاريع النهوض الاقتصادي والانفجار الاجتماعي/ إياد الجعفري
الأحد 2025/05/25
قبل عقد ونصف، كانت سوريا في المركز من معظم خرائط ومشاريع الممرات التجارية وخطوط نقل الطاقة المتنافسة. قبل أن يخرجها نظام بشار الأسد من كل تلك الآفاق، حينما ارتضى تحويلها ساحة للتصويب على ما لا يُرضي حليفيه الإيراني والروسي من مشاريع إقليمية لوجستية واقتصادية. اليوم، تستعيد سوريا مكانتها سريعاً، وبصورة دراماتيكية أيضاً.
خلال الشهر الجاري، تم الحديث عن كثير من اللقاءات والنقاشات مع مستثمرين وشركات تستقصي فرص العمل في “سوريا الواعدة”. لكن أربعة مشاريع ملفتة وضخمة وجدت طريقها، سريعاً، لتتحول إلى اتفاقات موقّعة، بالتزامن مع تغيّر نوعي تاريخي بالعُرف السوري الممتد لأكثر من 46 عاماً. إذ باتت سوريا غير معاقبة دولياً، أو على الأقل، في طريقها لذلك، بصورة شبه كاملة.
أولى تلك الاتفاقات التي جرى توقيعها مطلع الشهر الجاري، مع شركة CMA CGM -أيقونة الشحن الفرنسية- التي حصدت محطة الحاويات بميناء اللاذقية لـ30 عاماً، باستثمارات تقدّر بنحو 260 مليون دولار. وبضجيج إعلامي وترويجي أقل، وقّعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية مذكرة تفاهم جديدة مع الشركة الفرنسية ذاتها، قبل يومين، تنص على إنشاء وتشغيل موانئ جافة في كل من المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة، والمنطقة الحرة في عدرا بريف دمشق. بالتزامن، وقّعت هيئة المنافذ أيضاً، مذكرة تفاهم مع شركة Fidi Contracting الصينية، تقضي بمنح الشركة حق استثمار كامل المنطقة الحرة في حسياء بمحافظة حمص، بمساحة تُقدّر بنحو 850 ألف متر مربع، بهدف إنشاء منطقة صناعية متكاملة تحتوي على مصانع متخصصة ومنشآت إنتاجية. وشملت مذكرة التفاهم أيضاً منح الشركة الصينية حق استثمار 300 ألف متر مربع من المنطقة الحرة في عدرا بمحافظة ريف دمشق، لترسيخ مشاريع تجارية وخدمية تواكب متطلبات السوق المحلي والإقليمي، حسب بيان هيئة المنافذ. اللافت، أن استثمار الشركة الصينية في المنطقة الحرة بعدرا، يتلاقى -أو لنقل يتكامل- مع استثمار شركة CMA CGM الفرنسية. وكما نذكر، في منتصف الشهر الجاري، وقّعت هيئة المنافذ السورية، مذكرة تفاهم بقيمة 800 مليون دولار، مع شركة موانئ دبي العالمية، لتطوير ميناء طرطوس، إلى جانب التعاون في تأسيس مناطق صناعية ومناطق حرة، إضافة إلى موانئ جافة ومحطات عبور للبضائع في عدد من المناطق الاستراتيجية في البلاد.
هناك بطبيعة الحال، جملة نقاط مثيرة للاستفهام حول هذه الاتفاقات. أبرزها، غياب التفاصيل في الاتفاقات الثلاثة المعلنة أخيراً. ففي الاتفاق مع شركة “موانئ دبي”، لم يتم الكشف عن المدة الزمنية لاستثمار ميناء طرطوس، أو مواقع الموانئ الجافة ومحطات عبور البضائع المزمع تنفيذها. أما في حالة العقد مع الشركة الصينية Fidi Contracting، وبغض النظر عن الشكوك التي أثارها نشطاء حول هوية الشركة المجهولة للكثير من رجال الأعمال السوريين ذوي الخبرة في السوق الصينية، تبقى المشكلة الأبرز، في غياب التفاصيل عن قيمة العقد، وطبيعة المشاريع المزمعة. مع الإشارة إلى أنه تم الكشف عن مدة العقد -20 عاماً- فيما تغيب أية تفاصيل تماماً، عن طبيعة العقد الأخير الموقّع مع CMA CGM الفرنسية، بخصوص إنشاء موانئ جافة. فلا تفاصيل عن مدة العقد أو قيمته المالية.
وإن تركنا مصادر القلق الناجمة عن غياب التفاصيل، جانباً بصورة مؤقتة، يمكن النظر بإيجابية عالية إلى طبيعة المشاريع الموقّعة ودلالاتها. فهي شملت الميناءين البحريين الرئيسيين في سوريا. مع الإشارة في مشروعين، إلى إنشاء موانئ جافة في مواقع استراتيجية بسوريا. والموانئ الجافة، كما هو معروف، مراكز مخصصة لاستقبال البضائع وتخزينها وشحنها، تكون داخل اليابسة، بدلاً من تنفيذ هذه الخدمات في الموانئ البحرية. والجدوى من هذا النوع من الموانئ، هو توفير خيارات إضافية تزيد من سلاسة سلاسل التوريد والشحن، وإتاحة مساحات أكبر لتخزين البضائع وصيانة مركبات الشحن والحاويات، وتنفيذ خدمات الفحص والتخليص الجمركي. إن وضعنا ما سبق في الصورة إلى جانب الدخول الصيني في مجال الاستثمار الصناعي الإنتاجي بسوريا، عبر استثمار منطقة حرة بأكلمها، تفيد الصورة الإجمالية حينها، بأن سوريا اليوم، في نظر المستثمرين أصحاب المشاريع الأربعة –على الأقل- هي ورشة تصنيع جذّابة، وممر لوجستي نوعي، على طرق التجارة الإقليمية، البرية والبحرية.
سرعة توقيع اتفاقات من هذا النوع، خلال أسابيع فقط، يوحي وكأن سباقاً من لاعبين إقليميين ودوليين، يتم على الاستثمار في سوريا. ويبدو هذا السباق في مسافاته الأولى. والملفت، رغم مصادر القلق الناجمة عن غياب التفاصيل، أن السلطات السورية المعنية، منخرطة في هذا السباق، بوتيرة سريعة من التجاوب والانفتاح. سرعة الوتيرة ذاتها تقلق الكثيرين أيضاً. لكن، يمكن تفهّم الحاجة الملحة لهكذا وتيرة سريعة، للنهوض بمعيشة السوريين، من الدرك الكارثي الذي وصلت إليه. إذ أن هناك سباقاً آخر، داخل سوريا، بين نوعين من العوامل، الأول يحث على الانفجار في العلاقة بين مكونات وأطياف الشعب السوري، لا المذهبية والعرقية فقط، بل والمناطقية وتلك المتعلقة بالفروق على صعيد طبيعة التديّن والأعراف الاجتماعية أيضاً. فيما النوع الثاني من العوامل يحث على الاستقرار وإعادة ترميم الشروخ بين السوريين، وإعمار البلاد. نهضة السوريين المعيشية هي المدخل لتثبيط النوع الأول من العوامل التي تحث على الانفجار.
لذا، يمكن تفهّم الوتيرة السريعة –أو ربما المتسرعة أيضاً- من جانب السلطات السورية في توقيع الاتفاقات النوعية. ويبقى التحدّي الأبرز أمام هذه السلطات، لترجيح كفة النوع الثاني من العوامل التي تحث على الاستقرار، هو التحدّي الأمني، المتعلّق بضبط الفصائل والقوى والأفراد المنخرطين داخل تركيبة أجهزة الأمن، كي يخضعوا للقانون، قبل أن يكونوا أدوات إنفاذٍ له.
المدن
————————————–
كالِن في دمشق: التنسيق التركي – السعودي يعيد ترتيب الأوراق السورية/ سمير صالحة
2025.05.25
ما كان مُستبعَدًا بالأمس، بات على طاولة البحث اليوم، وعلى خطِّ العواصم الثلاث: أنقرة، الرياض، ودمشق، حيث تتضاعف جهود دعم القيادة السورية في إعادة بناء الدولة من جديد.
الزيارة الخاطفة التي قام بها رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كَالِن، إلى دمشق، على رأس وفد أمني رفيع، ولقاؤه بالرئيس السوري أحمد الشرع، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، ورئيس جهاز الاستخبارات السورية حسين السلامة، تأتي بالتزامن مع حراك سوري – تركي – سعودي – أميركي مكثف على الخط السوري:
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يقرِّر رفع العقوبات عن سوريا فيلحق به العديد من العواصم الأوروبية المؤثرة.
اجتماعات مجموعة العمل التركية-الأميركية في العاصمة التركية أنقرة مع وصول وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز إلى واشنطن.
اللقاء الثلاثي الذي تم في تركيا قبل أسبوعين بين وزراء خارجية سوريا وتركيا والولايات المتحدة، والذي ركَّز على رسم خارطة طريق الحوار الأميركي السوري.
تزايد الرغبة العربية التركية الغربية في دعم السلطات السورية على مواصلة المرحلة الانتقالية.
تسريبات عن تقدُّم في الجولة الرابعة من المفاوضات التركية – الإسرائيلية الدائرة في باكو لتجنُّب الصدام بينهما في الأجواء السورية.
مؤشرات إيجابية حول تسجيل اختراق في الحوار غير المباشر بين دمشق وتل أبيب برعاية أذربيجانية ووساطات بعض العواصم العربية.
وهنا يدخل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على الخط مُعلنًا في جلسة استماع لمجلس الشيوخ: “نريد مساعدة حكومة سوريا على النجاح، لأن تقييمنا هو أن السلطة الانتقالية، وبصراحة، في ضوء التحديات التي تواجهها قد تكون على بُعد أسابيع وليس عدة أشهر من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد مدمِّرة تؤدي فعليًّا إلى تقسيم البلاد”.
يواصل روبيو وهو يبرِّر لرئيسه ترمب قرار رفع العقوبات قوله إن دولًا أخرى أرادت إرسال المساعدات إلى إدارة الشرع، لكنها كانت متخوِّفة من العقوبات. فلماذا يتمسك بسياسة “ضربة على الحافر وأخرى على المسمار” ويعود ليردِّد أن كل يوم لا تقوم فيه الحكومة السورية بوظيفتها، سيكون اليوم الذي يجدِّد فيه عناصر داعش قابليتهم وقدراتهم؟ وما الذي يحاول تمريره: تقدير موقف؟ أم قراءة مبنيَّة على معلومات؟ أو تحذير وتهديد؟
ممَّا دفع كَالِن إلى العاصمة السورية هذه المرة هو:
التذكير بأن تركيا مستعدة لتقديم كل أنواع الدعم الذي قد تحتاجه إدارة دمشق، خصوصًا فيما يتعلق بتسليم إدارة السجون والمعسكرات التي تُشرف عليها “قوات سوريا الديمقراطية” باسم التحالف الدولي وتضم آلاف عناصر داعش للسلطة المركزية في دمشق.
وبحث المسار الأمني والسياسي السوري بعد دعوات دمشق الأخيرة الفصائل والمجموعات المسلَّحة لحسم موقفها والالتزام بتسليم السلاح وحل نفسها أو الاندماج ضمن قوّات وزارة الدّفاع.
ورفض احتفاظ “قسد” بسلاحها وضرورة تنفيذ بنود اتفاقية مطلع آذار المنصرم بين الشرع ومظلوم عبدي. وتقييم نتائج اجتماع القامشلي للقيادات والأحزاب والفصائل الكردية الذي يذهب في كثير من توصياته باتجاه معاكس لتفاهمات الشرع – عبدي.
واضح تمامًا أن جهود التشاور والتنسيق بين أنقرة ودمشق تتقدَّم بشكل سريع وبأكثر من اتجاه. الترجمة العملية الأولى لذلك هي الزيارات واللقاءات المكثفة بين الطرفين وعلى أكثر من صعيد سياسي وأمني واقتصادي لتسهيل خطوات المرحلة الانتقالية في سوريا.
المؤشر الإيجابي الآخر هو التعاون التركي السوري في ملفات خارجية بطابع سياسي واقتصادي، مرتبطة بالمشهد السوري وتسهيل خروج دمشق من العزلة الإقليمية والدولية التي عانت منها لعقود.
الشريك الثالث لهما هو الرياض التي تحرَّكت منذ انطلاق “ردع العدوان” في أواخر تشرين الثاني المنصرم، وبعد تواصل تركي – سعودي بشكل مبكر لتوحيد الجهود والمواقف والسياسات في سوريا. لافت طبعًا أن تقرِّر واشنطن والرياض أن يكون أردوغان حاضرًا، ولو عن بُعد، خلال نقاشات الملف السوري مع الرئيس أحمد الشرع في أثناء زيارته للعاصمة السعودية ولقائه هناك بنظيره الأميركي. ثم أن يتحرَّك وزير الخارجية التركي هاكان فيدان باتجاه الرياض للقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بعد مغادرة ترمب بساعات لإجراء تقييم شامل.
المسألة لن تتوقف إذا عند خطوة تسهيل رفْع العقوبات الأميركية عن سوريا، بل هي وصلت إلى مسارعة بعض العواصم الأوروبية لتقليد واشنطن وتفعيل قرارات مشابهة.
فيدان في دمشق من جديد لبحث مسائل سياسية وأمنية عاجلة تُناقش مع واشنطن والرياض ولا بد من تسريع اتخاذ القرارات بشأنها:
سياسة إيران وإسرائيل السورية والتهديدات المحدقة.
موضوع قسد والجمود الحاصل في تنفيذ بنود اتفاقية العاشر من آذار بين الشرع وعبدي.
ملف داعش وضرورة فصله عن ملف الوضع القائم في شرق الفرات.
مسألة الانسحابات العسكرية الأجنبية من سوريا والتي تعني أميركا وتركيا وإسرائيل وروسيا بالدرجة الأولى.
كالِن في دمشق لتقويم نتائج مراجعة واشنطن لسياستها السورية بالشق الأمني والعسكري والتحضير لملف قسد وداعش وسط كل هذه المتغيرات والمقاربات الجديدة. لكنه هناك أيضًا تحسُّبًا لسيناريو التفجير الذي قد تبحث عنه أطراف محلية وخارجية متضرِّرة من المشهد الجديد وعلى رأسها تل أبيب وبقايا فلول داعش وجناح الصقور في “قسد”.
تُعوِّل تركيا على نتائج إيجابية ومرضية في الحوار بين دمشق و”قسد”. لكنها متمسكة بحل الهياكل العسكرية وتسليم السلاح والتراجع عن الشعارات السياسية الانفصالية المرفوعة. تريد أن يُترجَم ما يجري في الداخل التركي لناحية الملف الكردي، في شرق الفرات أيضًا خلال الحوار السوري السوري.
تؤكِّد تطورات المشهد السوري بعد إزاحة نظام الأسد أن الأمر لم يعد رقصة ظلٍّ على جدارٍ متحرِّك. الأدوار تتبدَّل بوضوح، تحت سماء مكشوفة لا تُخفي أسرارها، ولا تترك مجالًا للغموض.
وكَالِن لم يأتِ إلى دمشق لالتقاط الصور التذكارية، ولا لحجز مقعد في الصفوف الأمامية انتظارًا لرفع الستار. فأنقرة، بالتنسيق الوثيق مع الرياض، تقف اليوم إلى جانب القيادة السورية الجديدة لكثير من الأسباب السياسية والجغرافية والأمنية، المصحوبة بفهم عميق لما تعنيه محاولات إعادة ترتيب الخرائط في سوريا ومن حولها.
—————————————
تاريخ العقوبات على سوريا: قصة بدأت في دمشق عام 1979 وانتهت بالسعودية/ طارق علي
السبت 24 مايو 2025
يوماً بعد آخر يتغير المشهد في الشرق الأوسط، إلا أن الثابت فيه هو الدور السعودي بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي برز بوضوح كلاعب رئيس في الملف السوري، ونزع العقوبات الدولية عن دمشق بضمانات شخصية وسياسية واعتبارية.
بدأ تاريخ العقوبات الأميركية على سوريا منذ عام 1979، بذريعة أنها دولة راعية للإرهاب، ومنذ ذلك الحين استمرت العقوبات وتواترت فصولها، وتدخل في سياقها الاتحاد الأوروبي عام 1986 الذي أزال عقوباته لاحقاً، وكان أشدها قبل الحرب السورية الأخيرة التي بدأت عام 2011، هي العقوبات الأميركية عام 2003، على خلفية دعم تمرير الإرهابيين للقتال في العراق، ومن ثم عام 2004 حول قضايا الوجود السوري في لبنان وشرعيته، الذي كان مستمراً منذ عام 1976.
لكن بعد عام 2011 بدأت تأخذ العقوبات منحى تصاعدياً ملفتاً وقاسياً وصارماً، وهذه المرة من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وجامعة الدول العربية ودول كثيرة أخرى، وكان أكثرها قسوة “قانون قيصر” عام 2020، ومكافحة “الكبتاغون” عام 2023، ومحاربة التطبيع عام 2024، ليبلغ مجموع العقوبات الدولية على سوريا نحو 2500 عقوبة تشمل معظم مناحي الحياة اليومية.
تجميد العقوبات
ظلت هذه العقوبات منذ إقرارها بمثابة قيد يحطم أعناق السوريين، في وقت نجح نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في التملص منها والالتفاف عليها لتحقيق توازنات وأغراض شخصية بحتة، إلى أن سقط النظام أواخر العام الماضي، وجاءت سلطة جديدة إلى رأس الهرم، ومع وصولها انتفت ضرورة وجود هذه العقوبات التي جرى إقرارها على نظام رحل، وهو ما تحقق بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب من السعودية تعليقه العقوبات على سوريا، بعد لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع، برعاية مباشرة ووساطة كبرى من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي تجمع المصادر السياسية أنه بذل جهوداً جبارة لإتمام الاتفاق الذي وصف بالتاريخي.
والسؤال كيف سينعكس رفع العقوبات على حياة السوريين؟ وما المدد الزمنية التي يمكن أن يتحقق من خلالها؟ مع الأخذ في الاعتبار الفرق بين العقوبات التي صدرت على صورة أوامر تنفيذية من رؤساء أميركا ويحق لهم إلغاؤها مباشرة، وبين تلك التي صدرت عن الكونغرس بمراسيم تشريعية وقد تستغرق إزالتها وقتاً طويلاً للغاية وتشريعات جديدة؟ وما المقابل المطلوب من سوريا اليوم لتنفيذ الاتفاق تحت عباءة السعودية الضامنة التي برزت على المستوى الإقليمي والعالمي صانعة للحلول في هذا الإطار؟
تهمة الإرهاب
أرخت العقوبات الأميركية على سوريا، التي وضعتها واشنطن على لائحتها السوداء كونها دولة راعية للإرهاب، بثقلها السياسي والاقتصادي على البلاد. والمقصود بدعم الإرهاب هو دعم فصائل فلسطينية ولبنانية معادية لإسرائيل، بل واستضافتها وافتتاح مقار ومعسكرات تدريب لها، وشملت العقوبات المساعدات العسكرية والمالية وحظر التصدير لبعض المقتنيات، ومنها ما كان كماليات أو أساسيات.
آنذاك كان الرئيس الراحل حافظ الأسد على رأس السلطة، وفي الفترة الأولى من العقوبات لم يتغير شيء تقريباً داخل البلاد، وبدأت أواسط الثمانينيات تتضح فعلياً تداعيات تلك العقوبات.
ويستذكر الناس، في ذلك الوقت، أنهم مروا بفترات كان يصعب فيها الحصول على علبة مناديل، أو عبوة زيت وخلافهما، لكن العلاقة الاستراتيجية التي جمعت الأسد بالاتحاد السوفياتي، واعتماده على إعادة بناء قطاع الاقتصاد الداخلي، متكئاً على تجار دمشق وحلب، مكنته من الالتفاف على تلك العقوبات.
وحذا الاتحاد الأوروبي حذو أميركا وأقر حزمة عقوبات واسعة عام 1986، لكنه أزالها في أواسط التسعينيات.
فصل جديد
بدأ فصل جديد من العقوبات القاسية، كان على رأسها عقوبات عام 2003 الأميركية المرتبطة باتهام نظام بشار السد بدعم المقاتلين العراقيين في مواجهتهم مع الأميركيين، وتسهيل مرور الإرهابيين من سوريا إلى العراق، بل وفتح أبواب السجون حيث كانوا ينزلون في دمشق، فكان قانون “محاسبة سوريا” الذي شمل قيوداً صارمة في مجالات مالية ومصرفية، وأخرى تتعلق بقطاعي الطيران والاتصالات وحظر توريد مستلزماتهما.
وفي عامي 2004 و2005 عوقبت سوريا من جديد على وجودها في لبنان، واتهامها بارتكاب جرائم هناك، وتالياً الضغط عليها للخروج من هذا البلد، مع استخدام قرار أممي ملزم لذلك عقب اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005، وترجم هذا القرار بانسحاب جيش النظام السوري خلال أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، اللذين تبعا الاغتيال.
نقطة التحول
بقي نظاما الأسد الأب (حافظ) والابن (بشار) يناوران بين تلك العقوبات وينجحان في تخطيها غالباً، إلى أن اندلعت الثورة السورية عام 2011، فبدأ النظام بتلقي العقوبات جملة وتفصيلاً من دول العالم، واستهدفت العقوبات للمرة الأولى رئيس الجمهورية وكبار مسؤوليه وشخصياته، وحاصرت قطاعات النقل والنفط والغاز والبنوك والاستثمار، مما أدى إلى شلل فعلي في الاقتصاد الوطني.
عاماً تلو آخر كانت تزداد العقوبات وتتسع دائرة الدول المشاركة فيها، وصولاً إلى عام 2020، إذ كان نقطة التحول في مصير حكم عائلة الأسد مع إقرار حزمة “قانون قيصر” الأميركي، الذي لم تشهد البلاد له مثيلاً في الصرامة والشدة من قبل، وشمل عقوبات بالجملة على شركات وكيانات ومؤسسات وأفراد، وتجميد أصول أموال عامة، وحظر التعامل مع أية جهة أو شخصية فردية أو اعتبارية، تتعاون مع نظام السد، وفي مختلف النواحي، في مقدمها الطاقة والتمويل والبناء والطيران والسلاح، كما أتاحت بنود القانون ملاحقة أية شركة أجنبية أو مصرفية أو شخصية تتعامل مع نظام الأسد.
في عام 2023 توج “قانون قيصر” بقانون مكافحة تجارة “الكبتاغون”، من خلال اتهام سوريا بأنها أصبحت المركز الدولي لإنتاج وتصدير المخدرات إلى الخليج ودول العالم، وأضيفت أسماء شخصيات جديدة على لائحة العقوبات من بينها رجال أعمال وأفراد من عائلة الأسد.
في عام 2024 صدر قانون عقابي جديد يهدد أية دولة تحاول تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد تحت اسم مشروع “مناهضة التطبيع مع نظام الأسد”، ويشمل القانون عقوبات مشددة على كل حكومة أو كيان رسمي يدعم الأسد اقتصادياً أو سياسياً أو غير ذلك.
وبلع عدد العقوبات على سوريا حتى تاريخ سقوط النظام أواخر يناير ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي 2024 نحو 2500 عقوبة، وهي نسبة من أعلى معدلات العقوبات التي فرضت على دولة حول العالم في العصر الحديث، وبمجملها عاقبت التحويلات المالية والمساعدات التنموية أيضاً، فصارت سوريا من أكثر دول العالم التي ترزح تحت حصار اقتصادي خانق.
من دفع الثمن؟
فعلياً لم يدفع بشار الأسد وأسرته والمحيطون به ثمن تلك العقوبات، بل كانوا على الدوام يمتلكون ممرات خلفية للحصول على ما يريدون، وكانوا أكثر انغماساً في تجارة المخدرات وجباية الأموال واكتنازها وتأسيس إمبراطورية مالية كبرى، في حين دفع الشعب السوري ثمن تلك العقوبات على مدار عقود.
يارا خزامي والدة لثلاثة أطفال في دمشق، تقول إن العقوبات حاصرت قوت يومهم، “ولم تكن تؤثر في النظام بصورة مباشرة، لأنها لم تجوعه أو تجعله يفقد امتيازاته، ولم تثنه حتى عن بطشه في وجه شعبه”، في حين عجزت أياماً طويلة، عن تأمين الدواء والحليب لأطفالها والأسعار التهبت، وأكدت أنها “سمعت عن أناس كانوا يموتون لأنهم لا يملكون ثمن العلاج”.
وفي القطاع التعليمي يبين الأستاذ المدرس جهاد ربيعة أن مدارس سوريا صارت تفتقد لأبسط المستلزمات، وبدأ يتسرب الأطفال على إثر الجوع والفقر والحاجة تاركين مقاعد الدراسة نحو العمل المضني أو الهجرة البعيدة وربما الخيام، في حين عاش من تبقى منهم في حال خوف مما ينتظرهم مستقبلاً.
أحمد عبدالرحمن، لاجئ سوري، كان مقيماً في لبنان، وعاد لبلده عقب سقوط نظام السد، يروي أن أموراً كثيرة تغيرت، حيه مهدم، منزله كذلك، لا فرص عمل ولا أفق لمستقبل، لذا قرر العودة ثانية من حيث جاء.
في الوقت ذاته تستبشر جميلة سرور من رفع العقوبات، وهي طالبة جامعية في كلية الهندسة، تعيش مع أسرتها في منزل صغير، إذ يعانون دفع إيجاره الشهري، ومن خدمات الاتصالات والمواصلات وارتفاع الأسعار، آملة أن ينتهي كل ذلك سريعاً.
في الجانب الصحي تفتقد المستشفيات والمستوصفات معظم المعدات والأدوية، وتبدأ رحلة البحث عن البدائل، بحسب الممرضة نورهان عبدالحي، التي تقول “البدائل ليست دائماً مجدية، ومعدلات الموت لدينا مرتفعة، نعاني حتى على صعيد عدد سيارات الإسعاف، وعلى صعيد تقديم الإسعافات الأولية نفسها، وذلك كله بسبب العقوبات”.
المقابل المطلوب
“لا شيء في السياسة يأتي بالمجان، دائماً هناك مقابل”، يقول الأستاذ في العلوم السياسية رائد جمال الذي أكد أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عرض مطالبه أمام الشرع الذي وعد بتنفيذها ليصار إلى “تجميد” العقوبات ومراجعتها، وعن أبرز تلك المطالب يقول الأستاذ الجامعي “لا شك أنه كان هناك أكثر من مطلب حيوي وفعال ويحتاج إلى عمل حقيقي، لكنني سأكتفي بذكر أبرز ما جرى طلبه من القيادة السورية الجديدة، وهو أن تتولى إدارة الشرع مسؤولية مراكز احتجاز مسلحي داعش وعائلاتهم في الشمال الشرقي من سوريا، التي ما زالت حتى الآن تحت إشراف قوات قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، وهو بحد ذاته ملف دولي مقلق لتداخل جنسيات المعتقلين وغياب آلية واضحة للترحيل أو المحاسبة، كذلك جرى طلب فتح المجال الجوي لأميركا لمواجهة داعش ومساعدتها في ذلك بصورة تامة”، ويضيف “من بين المطالب كان ترحيل عناصر إرهابية فلسطينية من الأراضي السورية، إضافة إلى أهم بند، هو بمثابة الاختبار الصارم للإدارة الجديدة ومتعلق بترحيل المقاتلين الأجانب كافة من سوريا، الذين يفوق تعدادهم 7 آلاف، ومن بين المهم في المطالب هو توقيع سوريا على اتفاقات أبراهام مع إسرائيل”.
ريادة الدور في المنطقة
يوماً بعد آخر يتغير المشهد في الشرق الأوسط، إلا أن الثابت فيه هو الدور السعودي بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي برز بوضوح كلاعب رئيس في الملف السوري ونزع العقوبات الدولية عن دمشق بضمانات شخصية وسياسية واعتبارية، وبطبيعة الحال فهذا الدور لم يأت من فراغ، بل كان حصيلة جهود دبلوماسية مركزة وقراءات استراتيجية متوازنة تعكس أهمية الرياض بين عواصم العالم كضامنة للاستقرار الإقليمي.
أخذ ولي العهد السعودي على عاتقه لعب دور الوسيط بين أميركا وسوريا، ونجح في أقل من ستة أشهر من إزاحة العقوبات عن كاهل الدولة الوليدة وفق رؤية ترتبط بالمقام الأول بالحالة الإنسانية التي تعيشها دمشق، وتمهيداً لإعادتها لدورها الإقليمي في المنطقة بعد سنوات طويلة من المشقات السياسية والتقارب والتنافر والتنافس مع المحور الإيراني – الروسي، اللذين جاء بهما الأسد عوضاً عن امتداده الطبيعي ضمن الحضن العربي.
تجمع الآراء السياسية أن الشخصية القيادية لولي العهد السعودي كانت الفيصل في إتمام اللقاء فالاتفاق، ونجحت المملكة في تذليل العقبات وإتمام ما كان يبدو مستحيلاً قبل اللقاء السوري – الأميركي.
——————————-
خبراء: رفع العقوبات عن سوريا يعجّل إعادة بناء اقتصاد البلاد/ أحمد العكلة
25/5/2025
أعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الثلاثاء الماضي، رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية بالغة الأهمية.
وأكدت كايا كالاس، ممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد، أن التكتل الأوروبي يهدف إلى “مساعدة الشعب السوري على إعادة بناء سوريا جديدة، مسالمة، تضم جميع الأطياف”، مشددة على التزام أوروبا بدعم السوريين على مدى السنوات الماضية.
وأوضح دبلوماسيون أوروبيون، أن القرار يشمل رفع العقوبات التي كانت تستهدف قطاعات اقتصادية ومصرفية محددة، وذلك بهدف دعم تعافي البلاد، دون أن يشمل ذلك رفع العقوبات العسكرية أو تلك المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.
ورحّبت سوريا برفع الولايات المتحدة رسميا العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على البلاد، معتبرة أنها “خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح”، في وقت تحاول السلطات دفع عجلة التعافي الاقتصادي وتحسين علاقتها مع الدول الغربية، بعد نزاع مدمر استمر 14 عاما.
أبعاد القرار الأوروبي
وفي تصريح لـ “الجزيرة نت”، رأى مازن علوش، مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، أن القرار الأوروبي فرصة لإعادة تفعيل النشاط التجاري واللوجستي، خاصة في مجالات الاستيراد والتصدير للمواد الإنسانية والطبية والتجهيزات الصناعية.
وأكد أن تعزيز التبادل التجاري عبر القنوات الرسمية من شأنه أن يُسهم في تقليص نشاط السوق السوداء والمعابر غير القانونية، الأمر الذي سينعكس إيجابيا على الاقتصاد الوطني.
مع ذلك، حذر علوش من الإفراط في التفاؤل، مشيرًا إلى أن التطبيق الفعلي للقرار يرتبط بمدى شموليته وآليات تنفيذه، إضافة إلى مواقف الدول المجاورة التي تُعد محاور رئيسية لعبور البضائع.
وأضاف أن تنفيذ القرار يتطلب تنسيقاً فنياً واسعاً مع شركاء إقليميين ودوليين، لضمان استفادة المعابر البرية والمرافئ البحرية من هذا الانفتاح المنتظر.
كما كشف علوش عن وجود خطط لتحديث قوائم المواد المسموح باستيرادها وتصديرها، بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات الصلة، مشيراً إلى أن هناك تقييماً فنياً جارياً للبنية التحتية في المرافئ والمعابر تحسباً لازدياد متوقع في النشاط التجاري.
موقف المعارضة السورية
من جانبه، قال محمد علاء غانم، رئيس الشؤون السياسية في المجلس السوري الأميركي، إن العقوبات الأوروبية كانت رداً مباشراً على القمع الذي مارسه النظام السوري منذ عام 2011، وشملت قطاعات النفط والمصارف وتصدير التكنولوجيا، إلى جانب حظر تصدير الأسلحة.
وأشار إلى أن رفع العقوبات الأوروبية أخيراً يعكس تفاعلاً مع سياسة الولايات المتحدة، التي كانت قد أعلنت قبل أيام نيتها تخفيف بعض عقوباتها، معتبراً أن السياسة الأوروبية تأتي في إطار التناغم مع التوجه الأميركي.
وأضاف أن العقوبات الأميركية لا تزال الأشد تأثيراً على النظام.
ووفقاً لغانم، فإن التطورات الأخيرة جاءت نتيجة “جهد سوري منظم”، مؤكداً أن “السوريين نجحوا في تحقيق ما كان قد يستغرق سنوات في بضعة أشهر فقط”.
وأوضح أهمية الدور الأوروبي في المرحلة المقبلة، لكنه شدد على أن الولايات المتحدة تبقى الفاعل الأساسي في ملف العقوبات المفروضة على النظام.
فرص اقتصادية واعدة
من جهته، اعتبر الدكتور خالد تركاوي، الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، أن القرار الأوروبي “فرصة تاريخية” لتعافي الاقتصاد السوري، خاصة بإعادة الاندماج في النظام المالي العالمي، مما يتيح للبنوك السورية استئناف أنشطتها ويُسهّل عمليات التحويل المالي والائتماني.
وأشار تركاوي إلى أن هذا الانفتاح يمكن أن يجذب الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في مشاريع إعادة الإعمار، ويساهم في تحسين إيرادات الدولة من التجارة والضرائب، ما يقلل من الاعتماد على المساعدات الخارجية.
ولفت إلى أن سوريا تُعد “أرضاً خصبة للاستثمار” في قطاعات الطاقة والنقل والزراعة، موضحاً أن إزالة القيود القانونية والمصرفية سيعزز من جاذبية السوق السورية.
وعلى المستوى المعيشي، يرى تركاوي، أن القرار قد يؤدي إلى انخفاض في أسعار السلع، وتوفير فرص عمل عبر مشاريع إعادة الإعمار، إلى جانب تحسين الخدمات الأساسية كالكهرباء والرعاية الصحية والتعليم، مما قد يشجع على عودة بعض السوريين المغتربين إلى بلادهم.
واختتم تركاوي بالتأكيد على أن استقرار سعر صرف الليرة السورية وتراجع معدلات التضخم سيكونان من أبرز النتائج المتوقعة للقرار الأوروبي، مما يُسهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر استقراراً وجاذبية للنمو والتنمية.
خلفية العقوبات الأوروبية
بدأ الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على النظام السوري في مايو/أيار 2011، مستهدفاً شخصيات وكيانات مرتبطة بعمليات القمع، إلى جانب حظر تصدير الأسلحة والتعامل مع البنك المركزي السوري.
وفي وقت لاحق، توسعت العقوبات لتشمل الرئيس المخلوع بشار الأسد وأفراد أسرته ودائرته المقربة، حيث تم تجميد أصولهم ومنعهم من السفر.
كما شملت العقوبات حظرًا على تصدير النفط والمعادن الثمينة، فضلاً عن قيود متنوعة على التعاملات المالية. وبحلول منتصف عام 2012، كانت قائمة العقوبات قد اتسعت لتضم أكثر من 120 شخصية و40 كياناً، معظمها على صلة مباشرة بالنظام السوري. وكان الهدف المُعلن من هذه العقوبات يتمثل في حرمان النظام من الموارد المالية التي قد تُستخدم في قمع المدنيين، مع الحرص على عدم المساس بالاحتياجات الإنسانية الأساسية للسكان.
المصدر : الجزيرة
————————————
النفط والبنوك ومشاريع الإعمار أبرز المستفيدين من تخفيف العقوبات عن سورية/ جلنار العلي
25 مايو 2025
في خطوة أولى لتنفيذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية، أصدرت وزارة الخزانة، أول من أمس الجمعة، قراراً يمنح تخفيفاً فورياً للعقوبات المفروضة على الدولة التي تعاني انهياراً اقتصادياً ودماراً واسعاً خلفه نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، كما أصدرت وزارة الخارجية إعفاءً لمدة 180 يوماً من العقوبات الإلزامية المفروضة بموجب قانون قيصر، الأمر الذي رحبت به الحكومة المؤقتة في البلاد، مؤكدة أن “المرحلة المقبلة ستكون مرحلة إعادة بناء ما دمّره النظام البائد واستعادة مكانة سورية الطبيعية في الإقليم والعالم”، فيما أشار خبراء اقتصاد إلى استفادة قطاعات حيوية، على رأسها النفط والبنوك والمبادلات التجارية وجذب الاستثمارات، ما يساعد في تعافي البلاد اقتصادياً وتحسن قيمة عملتها المتهاوية.
وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، “الرخصة العامة 25 لسورية” والتي تسمح بإجراء معاملات محظورة بموجب لوائح العقوبات على سورية، مما يؤدي فعلياً إلى رفع العقوبات عن البلاد، بحسب البيان الصادر عن وزارة الخزانة. ومن شأن هذه الرخصة أن تسهم في “فتح المجال للاستثمارات الجديدة، ونشاط القطاع الخاص”. وفي سياق متصل، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية إعفاءً لمدة 180 يوماً من العقوبات الإلزامية المفروضة بموجب قانون قيصر، “وذلك لضمان ألا تعيق العقوبات قدرة شركائنا على تنفيذ استثمارات تعزز الاستقرار، وتدعم جهود التعافي وإعادة الإعمار في سورية”، وفق البيان الصادر عن الوزارة. وأضافت أن الإعفاء “سيسهل توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي، كما سيمكّن من الاستجابة الإنسانية بشكل أكثر فاعلية في جميع أنحاء سورية”.
وكان الرئيس الأميركي أعلن من الرياض، خلال زيارته الخليجية في منتصف مايو/أيار الجاري، عن عزمه رفع كل العقوبات عن سورية. وسبق أن أصدرت الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي تصريحاً مؤقتاً يسمح بإجراء معاملات مع مؤسسات الدولة السورية وبيع الطاقة إلى البلاد. ووفق وزارة الخزانة، فإن هذا الإجراء مجرد “جزء من جهود أوسع نطاقاً تبذلها الحكومة الأميركية لإزالة الهيكل الكامل للعقوبات المفروضة على سورية بسبب انتهاكات نظام بشار الأسد”.
وأكدت الخزانة الأميركية أن “الرخصة العامة 25 لسورية” تُعد خطوة أولى رئيسيةً لتنفيذ إعلان الرئيس ترامب في 13 مايو/أيار الحالي بشأن وقف العقوبات على سورية. مشيرة إلى أن تخفيف العقوبات مُنح “للحكومة السورية الجديدة، بشرط أن تضمن البلاد أمن الأقليات الدينية والعرقية، وعدم توفير ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية”. وأكدت أن الولايات المتحدة “ستواصل مراقبة التقدم والتطورات الميدانية في سورية”. وصرّح وزير الخزانة، سكوت بيسنت، على منصة إكس بأن وزارتي الخزانة والخارجية تُنفِّذان “تفويضات لتشجيع الاستثمارات الجديدة في سورية”. وتأتي خطوة وزارة الخزانة الأميركية بعد ثلاثة أيام فقط من قرار الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، وتعهده بالمساهمة في التعافي المبكر وجهود إعادة الإعمار في المستقبل بما يتماشى مع التطورات.
وعرقلت الحرب والعقوبات تأهيل مرافق وبنى تحتية خدمية، وجعلت التعاملات مع القطاع المصرفي السوري مستحيلة. ويأتي رفع العقوبات في وقت تحاول فيه السلطات دفع عجلة التعافي الاقتصادي بعد سنوات الحرب التي استنزفت الاقتصاد ومقدراته ودمّرت البنى التحتية في البلاد وقدرة البلاد على توفير الخدمات الرئيسية من كهرباء ووقود، إذ تقدر الأمم المتحدة كلفة إعمار البلاد بنحو 400 مليار دولار.
ورغم توقعات المحللين بأن الآثار المباشرة لرفع العقوبات قد تكون محدودة في الوقت الراهن، لافتين إلى أنها تتطلب اتخاذ السلطات إجراءات وتدابير عدة منها تهيئة بنية حاضنة للاستثمار وإظهار شفافية في توقيع عقود استثمارية ضخمة، إلا أنهم أكدوا أهميتها في تعافي الاقتصاد تدريجياً والخروج من عثرته. ومنذ إعلان ترامب رفع العقوبات عن سورية، تحسّنت قيمة العملة المحلية في السوق السوداء، مستفيدة من حالة التفاؤل، ليسجّل سعر الصرف نحو تسعة آلاف ليرة مقابل الدولار، بعدما كان قد لامس عتبة 13 ألفاً.
إعادة الحياة إلى جوهر بنية الاقتصاد
الباحث الاقتصادي محمد السلوم، يشير في تصريحه لـ”العربي الجديد” إلى أن الكيانات التي شملها الترخيص العام رقم 25 الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية، مثل المصرف المركزي السوري، المصرف الصناعي، البنك التجاري السوري، شركة المحروقات، الشركة العامة للنفط، شركة بانياس لتكرير النفط، ووزارة السياحة، لم تكن مجرّد مؤسسات عامة، بل تشكّل في جوهرها البنية التحتية للاقتصاد السوري، ورفع العقوبات عنها يعني إعادة إحياء عجلة الاقتصاد من مركزها، لافتاً إلى أن الاستفادة الأولى والأكثر أهمية تتعلق بإمكانية العودة التدريجية لهذه المؤسسات إلى النظام المالي العالمي.
فعندما يُرفع الحظر عن المصرف المركزي السوري على وجه الخصوص، يُفتح الباب أمام دمشق لاستعادة جزء من دورها في شبكة المدفوعات الدولية، وربما العودة إلى استخدام نظام سويفت، ما يسهّل تحويل الأموال وفتح اعتمادات للتجارة الخارجية بشكل قانوني وآمن. وهذا التطور له أثر مباشر على القدرة الاستيرادية للقطاعين العام والخاص، بما يسهم في كسر الحصار الاقتصادي الذي طاول السلع الأساسية وقطع الغيار والمواد الأولية، وفق السلوم.
أما بالنسبة للمصارف الحكومية الأخرى مثل المصرف الصناعي والبنك التجاري، فاعتبر الباحث الاقتصادي السوري، أن رفع العقوبات عنها يعيد إليها شرعية العمل مؤسسات وسيطة لتمويل المشاريع الإنتاجية، لا سيما في قطاعي الزراعة والصناعة، وهذا سينعكس إيجاباً على تنشيط السوق المحلية وتوفير السيولة اللازمة لروّاد الأعمال، خاصة في المناطق التي بدأت تتعافى من آثار الحرب.
وفي ما يتعلق بقطاع النفط، فإن استثناء مؤسسات مثل الشركة العامة للنفط وشركة بانياس لتكرير النفط من الحظر يمهد الطريق لعودة الإنتاج النفطي إلى مساره الطبيعي، وربما التعاون مع شركات أجنبية ضمن إطار تعاقدات استثمارية طويلة الأجل، وهذا التطور ينعكس على الخزينة العامة للدولة من خلال تحسين الإيرادات، ويقلل من الاعتماد على الاستيراد أو التهريب، كما يسهم في تحسين توافر المحروقات في السوق المحلية، ما يخفف من معاناة المواطنين ويخفض من تكاليف الإنتاج.
ولفت السلوم إلى أن الاستفادة تمتد أيضاً إلى القطاع السياحي، بعد شمول وزارة السياحة والخطوط الجوية السورية بالترخيص، ما قد يمهّد لعودة حركة الطيران المدني واستقبال الوفود، لا سيما من دول عربية أو آسيوية غير مقيدة بعقوبات إضافية. ويمكن أن يتحول هذا القطاع السياحي إلى رافعة اقتصادية حقيقية، في حال استُثمر هذا الانفتاح بتنظيم معارض ومؤتمرات واستقطاب الاستثمارات السياحية، في بلد لطالما كان يتمتع بمقومات جذب عالمية.
واعتبر أن كل ذلك مرهون بطبيعة تنفيذ القرار، ومدى تجاوب الشركاء الدوليين مع هذا الانفتاح، وبدرجة استعداد البيئة التشريعية والإدارية في سورية لتأمين مناخ ملائم وآمن للتعاملات الجديدة. لكن المؤكد أن هذه الخطوة تمثل انفراجة حقيقية، ولو كانت جزئية، ويمكن البناء عليها لإطلاق عملية تعافٍ اقتصادي حقيقي، يشمل إعادة هيكلة القطاعات الأساسية، وتحسين شروط المعيشة، واستعادة الثقة بالاقتصاد الوطني مجالاً للاستثمار والعمل والإنتاج.
إصلاحات هيكلية لجذب استثمارات مستدامة
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن محمد في تصريحه لـ”العربي الجديد” إن “رفع العقوبات يفتح باباً لتعافي الاقتصاد السوري، لكن نجاحه مرهون بتحقيق استقرار سياسي وشفافية في الإدارة، إذ تحتاج سورية إلى إصلاحات هيكلية مثل تحديث النظام المصرفي ومكافحة الفساد لجذب استثمارات مستدامة، خاصة في ظل التحديات المتراكمة منذ عقود”.
وأشار إلى أن تخفيف العقوبات من شأنه زيادة الإيرادات الحكومية من قطاعي النفط والغاز، إذ سيتمكن القطاع من تصدير النفط والغاز إلى الأسواق الدولية، مما يُدِر عائدات كبيرة بالدولار تُستخدم لإعادة الإعمار وتمويل الخدمات العامة، كما سيُسمح بإصلاح المنشآت النفطية المتضررة كالمصافي واستئناف الإنتاج، مما يعزز الطاقة الإنتاجية ويوفر فرص عمل، إضافة إلى تقليل الاعتماد على الدول الخارجية، مما يُحسّن الاستقرار الاقتصادي ويقلل الضغوط السياسية.
أما بالنسبة للتأثير على المصارف، فيرى محمد، أن هذا الأمر سيساهم في استقرار سعر الصرف، إذ سيستعيد المصرف المركزي الوصول إلى الأصول المجمدة في الخارج (مثل الذهب والعملات الأجنبية)، مما يعزز احتياطاته ويساهم في استقرار الليرة السورية، ناهيك عن تسهيل التجارة الخارجية من خلال إعادة اندماج المصارف السورية في النظام المالي العالمي ما سيُسهل التحويلات المالية الدولية، ويقلل تكلفة الاستيراد. كما يمكن من خلال استثناء هذه الكيانات من العقوبات جذب الاستثمارات، إذ سيتمكن القطاع الصناعي من استيراد التكنولوجيا الحديثة، مما يعزز الإنتاج المحلي ويخلق فرص عمل،
وفي سياق متصل، أشار محمد إلى أن عدم شمول المصارف الخاصة في قرار تخفيف العقوبات، ربما يرجع إلى الاشتباه بتعامل بعضها مع شبكات تمويل غير مشروعة (مثل تهريب النفط أو المخدرات) أو ارتباطها بشخصيات مُستهدفة بالعقوبات، مما يمنع رفع القيود عنها، علماً أن لهذا الأمر تأثيرات سلبية كاستمرار عزلة هذه المصارف وصعوبة التحويلات المالية الدولية، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وعرقلة نشاط الشركات الصغيرة والمتوسطة.
عمل بلا خوف في مشاريع إعادة الإعمار
وحول تعليق قانون قيصر لمدة 180 يوماً، فيعتبر محمد أنه يمكن للشركات الأجنبية من خلال ذلك المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار (مثل الطاقة والمياه) دون خوف من عقوبات، وتحسين الخدمات الأساسية كالكهرباء والوقود ومياه الشرب عبر استيراد المعدات اللازمة، مما يُخفف الأزمة الإنسانية، كما يمكن إقامة مشاريع قصيرة الأجل خاصة في قطاع الطاقة والبنية التحتية، وإبرام عقود استثمار سريعة، مشيراً إلى أن هذه الفترة المؤقتة هي بمثابة اختبار لنوايا الحكومة الجديدة لمراقبة التزام سورية بشروط رفع العقوبات الدائمة (مثل مكافحة الإرهاب وحماية الأقليات).
من جهته، يؤكد الباحث السياسي وائل علوان، أن سورية تنظر اليوم بعين إيجابية وبمزيد من التفاؤل والأمل بكل خطوة للوصول إلى الاستقرار، معتبراً في تصريحه لـ”العربي الجديد” أن الخطوات تبدو اليوم سريعة على مستوى الثقة بالنظام السياسي الجديد والإدارة الجديدة وقدرتها على تحقيق الاستقرار، كما أن الإجراءات تتم بنفس التسارع الذي يتم به القرار السياسي، وهذا يعني أن سورية ستلمس قريباً مفاعيل رفع العقوبات من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار إلى أن هذا القرار كان مهماً جداً لتحقيق البيئة المناسبة للاستقرار لبناء سورية الجديدة، كما أن ذلك يعطي مسؤولية كبيرة للحكومة من المجتمع الدولي لتثبت أنها قادرة على ضبط الأوضاع وخلق استقرار أمني وسياسي واجتماعي، ومشاركة جميع المكونات السورية، أي أن الدول ستراقب أداء الحكومة بشكل أكبر.
————————
هل يعود اللاجئون إلى سوريا بعد رفع العقوبات الدولية عنها؟/ فاطمة عبود
2025.05.24
هناك أكثر من 6.5 مليون لاجئ سوري موزعين في أصقاع الأرض، لكلِّ واحد منهم حكايته التي تبدأ غالباً بمجزرة أو اعتقال أو تهديد، ولا تنتهي إلا بحقيبة صغيرة ووداع طويل، ومع كلِّ تطور سياسي أو اقتصادي يلوح في الأفق، يعود السؤال القديم ليطفو من جديد: هل انتهت رحلة شتات الشعب السوري؟ وهل سنعود إلى سوريا؟
في الظاهر، يبدو أنَّ رفع العقوبات حدث إيجابي، وهو كذلك، إذا ما نظرنا إليه من جانب واحد، إذ كانت العقوبات، طوال سنوات الحرب، أحد الأسباب الرئيسة لانهيار الاقتصاد السوري؛ فالأسعار تضاعفت بشكل جنوني، الكهرباء أصبحت رفاهية، المستشفيات تهالكت خدماتها، والمصانع توقفت عن الإنتاج.
وفي الخارج، كان السوريون يتحدثون دائماً عن المعاناة هناك، حيث لم يكن سهلاً أن يشاهدوا أهلهم الذين ما استطاعوا الخروج من سوريا يصطفون في طوابير الخبز، أو يتبادلون الأدوية المهربة في الأسواق السوداء، وغير ذلك الكثير.
الآن، وبعد أن سقط النظام الأسدي البائد، ورفعت العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، بدأت الأنظار تتَّجه نحو مستقبل آخر؛ لأنَّ الاستثمارات قد تعود، والبنوك قد تفتح أبوابها، والمساعدات الدولية ستتدفق، والشركات ستبدأ بإعادة بناء ما دمَّره القصف، ولا شك أنَّ هذه الصورة مغرية بالعودة إلى الوطن، لكنَّ كثيراً من السوريين لا يستطيعون بناء قراراتهم اعتماداً على وعود اقتصادية فقط. والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: هل يكفي رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا حتى يعود السوريون إلى الوطن؟ هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه بشكل مباشر أو سطحي؛ لأنَّه مرتبط بعوامل متشابكة، تتعلَّق بالواقع السياسي، والظروف الاقتصادية، والوضع الأمني، ومدى الثقة في البيئة التي ستتشكّل بعد نهاية النظام.
وخلال السنوات الماضية، شكّلت العقوبات الدولية أداة رئيسة للضغط على النظام السوري الساقط، إذ استخدمت كوسيلة غير عسكرية لمحاصرة النظام، والحدِّ من قدرته على الاستمرار في قمع الشعب السوري، أو تمويل عملياته العسكرية. وقد طالت هذه العقوبات قطاعات حيوية وحساسة، من أبرزها المصارف والبنوك، والطاقة والنفط، والتجارة الدولية، والتحويلات المالية، ما أدى إلى عزل سوريا عن النظام المالي العالمي وتقييد حركتها الاقتصادية بشكل كبير. ورغم أنَّ الهدف المُعلن لتلك العقوبات كان استهداف منظومة الحكم والدائرة الضيقة المحيطة به، إلا أنَّ الانعكاسات العملية تجاوزت ذلك، لتطول قطاعات الحياة اليومية للمواطنين السوريين الذين كانوا يجدون صعوبة في تأمين المواد الغذائية الأساسية والأدوية، التي أصبحت إمَّا نادرة أو باهظة الثمن. كما أثّرت القيود المفروضة على التحويلات المالية سلباً على أسر كثيرة كانت تعتمد على مساعدات الأقارب في الخارج لتأمين احتياجاتها.
لذلك فإنَّ رفع العقوبات، بالنسبة للسوريين في الخارج، لا يمثِّل ضماناً مباشراً أو كافياً لاتخاذ قرار العودة، فقرار كهذا لا يقوم فقط على توفر الظروف الاقتصادية أو إعادة فتح قنوات الاستثمار والمساعدات، بل يعتمد على عوامل أعمق تتعلق بالأمان، والمحاسبة، وإعادة بناء الثقة بمؤسسات الدولة؛ لأنَّ غالبية اللاجئين السوريين غادروا البلاد نتيجة لانعدام الأمان الشخصي، والملاحقة السياسية، والانهيار الشامل في مؤسسات الدولة، وبالتالي، فإنَّ عودتهم مرهونة بوجود نظام سياسي مختلف جذرياً يضمن عدم تكرار الانتهاكات السابقة. السوري في الخارج يحتاج إلى ضمانات حقيقية بعدم التعرض للمساءلة على خلفية مواقفه السياسية، كما يحتاج إلى تأكيدات بأنَّه لن يكون عرضة للاعتقال، أو التجنيد الإجباري، أو للممارسات الأمنية التعسفية التي كانت السبب المباشر في نزوح الملايين.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ اللاجئ الذي عاش لسنوات في دولة مضيفة ونجح، رغم التحديات، في بناء حياة مستقرة نسبياً، من خلال الحصول على العمل، والتعليم، وتأمين مستقبل أولاده، لن يختار العودة بسهولة إلى وطن ما زال يعيش حالة من عدم اليقين، ما لم يكن متأكداً من أنَّ بلاده أصبحت قادرة على تأمين حياة كريمة، مستقرة، وذات أفق اقتصادي واجتماعي واضح. كما أنَّ العودة في ظل ظروف غامضة وغير مستقرة قد تعني تكرار تجربة الخوف، والحرمان، والاضطهاد التي دفعتهم إلى اللجوء أصلاً، وهو ما يجعل كثيراً منهم يفضلون البقاء في بلاد اللجوء رغم صعوباتها، بدلاً من المجازفة بالعودة إلى بيئة ما زالت محفوفة بالمخاطر.
إنَّ رفع العقوبات قد يشجّع على تحريك عجلة الاقتصاد، ويدفع باتجاه استعادة نشاط البنية التحتية، ويفتح الباب أمام استثمارات جديدة وتدفق المساعدات الدولية، لكنه يظل إجراء تقنياً ما لم يُربط بخطة سياسية واضحة تشمل العدالة الانتقالية، وإصلاح الأجهزة الأمنية، وإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، وتوفير بيئة قانونية تضمن الحريات العامة والمساءلة، فعودة اللاجئين السوريين تتطلب أولًا ثقة في الحكومة الجديدة، وثانياً إشرافاً دولياً يضمن التزام السلطة الانتقالية بتنفيذ خارطة طريق متفق عليها، وثالثاً إجراءات عملية تشمل إصدار قوانين للعفو، وإنشاء لجان لحقوق الإنسان، وتقديم تعويضات للمتضررين.
من هنا، فإنَّ رفع العقوبات عن سوريا بعد سقوط النظام يجب ألا يُنظر إليه كعامل حاسم في عودة اللاجئين، بل كجزء من سلسلة تحولات سياسية ومؤسساتية شاملة، وهذا يتطلب بناء دولة جديدة تتجاوز البنية الأمنية التي حكمت البلاد لسنوات طويلة، وتمنح المواطنين حقهم في المشاركة، والمساءلة، والحماية القانونية، ومن دون ذلك، فإنَّ رفع العقوبات سيبقى خطوة ناقصة، وقد يتحول إلى فرصة ضائعة إن لم يُستثمر ضمن مشروع وطني شامل يعيد بناء الدولة والمجتمع على أسس جديدة.
تلفزيون سوريا
—————————-
احتضان ترامب للرئيس السوري الشرع يعيق استراتيجية إسرائيل التوسعية في سوريا
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده مايكل شير، قال فيه إن تقارب ترامب مع سوريا يعقد الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.
ومنذ لقاء ترامب مع الرئيس السوري الجديد، تراجعت الغارات الجوية الإسرائيلية على البلاد. وقالت الصحيفة إن إسرائيل شنت أكثر من 700 غارة على سوريا منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، بما في ذلك ضرب مواقع قريبة من القصر الرئاسي في دمشق. وزعمت إسرائيل أن الهدف من هذه الغارات كان منع الأسلحة الوقوع في أيد معادية والحد من قدرة الحكومة الجديدة على ترسيخ قوتها في جنوب سوريا.
وقال أوزي أراد، مستشار الأمن القومي السابق، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “هذا بالتأكيد درس من جنوب لبنان”. وأشار أراد الناقد حاليا لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى السنوات التي قضتها إسرائيل في مواجهة الجماعات الفلسطينية وحزب الله في جنوب لبنان، حيث شنت هجمات على شمال إسرائيل.
كما وصفت إسرائيل الحكومة السورية الجديدة، التي يترأسها زعيم كان مرتبطا مرة في القاعدة بأنها “متطرفة”. ولكن بعد أيام قليلة من الغارة الإسرائيلية في 2 أيار/مايو قرب القصر الرئاسي في دمشق، قلب الرئيس ترامب عقودا من السياسة الخارجية الأمريكية رأسا على عقب باجتماعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع، وإعلانه عن خطط لرفع جميع العقوبات المفروضة على البلاد.
وقال ترامب إن لدى الشرع “فرصة حقيقية لإعادة بناء البلاد”، بعد حرب أهلية مدمرة دامت قرابة 14 عاما.
ومنذ ذلك الاجتماع في 14 أيار/مايو، توقفت الضربات الإسرائيلية على سوريا تقريبا. ومع أن الولايات المتحدة هي أقرب حليف لإسرائيل إلا أن التقارب الأمريكي- السوري واحتضان الشرع لم يمنحا الرئيس السوري طوق نجاة غير متوقع فقط، بل وقوضا على ما يبدو جهود الحكومة الإسرائيلية المتشددة لاستغلال حالة عدم الاستقرار في سوريا وضعف الحكومة الجديدة لمنع صعود جار آخر معاد لإسرائيل.
ونقلت الصحيفة عن كارميت فالنسي، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب “لدى إسرائيل شكوك عميقة حول نيته وصورته البراغماتية التي يحاول تقديمها”، في إشارة للشرع.
وقبل منح ترامب الثقة للشرع، حاول نتنياهو وقادته الكبار حرمان الحكومة الجديدة من الوصول إلى مجموعة واسعة من الأسلحة الثقيلة التي جمعها نظام الأسد على مدى عقود من حكمه. وقالت فالنسي: “كان الجزء الأكبر من الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا خلال الأشهر الأربعة الماضية موجهًا ضد أسلحة استراتيجية كان الجيش السوري السابق يملكها”، مضيفةً أن الحكومة الإسرائيلية يبدو الآن أنها بدأت في إيجاد طرق لتجنب المزيد من المواجهة. وقالت: “كل هذا يشير إلى اتجاه لخفض التصعيد ومنع الصراع، واستعداد أكبر لفتح حوار مع النظام السوري”.
وبرر المسؤولون الإسرائيليون دوافعهم للهجوم على سوريا، بالدروز، حيث يعيش منهم 150,000 في إسرائيل ويخدمون في الجيش الإسرائيلي. وفي بيان للجيش الإسرائيلي الشهر الماضي أكد مساعدة المجتمعات الدرزية في سوريا وأنها “نابعة من التزام لإخواننا الدروز في إسرائيل”. ويعيش دروز سوريا في السويداء ونادرا ما شكلوا تهديدا على إسرائيل.
وفي نهاية نيسان/أبريل، عندما اندلعت اشتباكات طائفية عنيفة بين ميليشيا درزية وقوات مرتبطة بالحكومة السورية الجديدة، عرضت إسرائيل مساعدة الدروز. وصور القادة الإسرائيليون الغارة قرب القصر الرئاسي بأنها تحذير للشرع لوقف الهجمات على الدروز، مع أن دوافع الجهات الأخرى على سوريا خلال الأشهر الماضية تتجاوز دعم الدروز.
وبدأت إسرائيل هجماتها على سوريا حالا بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر. ونفذت في أسبوع واحد 450 غارة تقريبا. وأدت الهجمات إلى تدمير البحرية السورية بأكملها والطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي، ومصانع الأسلحة، ومجموعة واسعة من الصواريخ والقذائف في جميع أنحاء البلاد، حسب قول الجيش الإسرائيلي.
كل هذا مع أن الحكومة السورية الجديدة لم تهاجم إسرائيل منذ توليها السلطة، وقالت إن البلاد تعبت من الحرب وتريد العيش في سلام مع جميع الدول.
وعليه، فغصن الزيتون الذي قدمه ترامب للشرع يعقد الاستراتيجية الإسرائيلية في سوريا، وهو أحدث مثال على كيفية إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط. وقال يعقوب أميدرور، وهو مستشار سابق آخر للأمن القومي لنتنياهو وزميل في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي: “ما لا نريده في سوريا هو نسخة أخرى من الحوثيين”.
ويشكك نتنياهو ومن حوله في مواقف الشرع وحكومته ويعتقدون أنها ستتطور نحو حكومة إسلامية معادية لإسرائيل.
وسخر جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، في آذار/مارس من فكرة ظهور حكومة عقلانية في سوريا وقال إنها فكرة “سخيفة”، مضيفا أن الشرع وجماعته “جهاديون وسيظلون جهاديين حتى لو لبس بعض قادتهم البدلات”. إلا أن الهجوم الواسع النطاق على سوريا أثار انتقادات من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي التقى الشرع في منتصف أيار/مايو. وقال ماكرون عن إسرائيل: “لا يمكنك ضمان أمن بلدك بانتهاك سلامة أراضي جيرانك”. وهناك البعض داخل إسرائيل يقولون إن حملة عسكرية منسقة لن تكون في مصلحة إسرائيل، على المدى البعيد.
ويعتقد محللون عسكريون أن الهدف وراء التوسع في سوريا هو ضمان أمن الجولان، حيث استولت إسرائيل على مناطق واسعة من جنوبي سوريا. وهناك عامل آخر وهو الحد من تأثير تركيا في سوريا. ولكن قد تكون جهود الولايات المتحدة للتقارب مع سوريا هي التي تعيق الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في سوريا.
————————————
التهريب وتصاعد نشاط «الدولة»: التحدي الأمني يهدد استقرار سوريا/ منهل باريش
يثير تنامي نشاط تنظيم «الدولة» قلقًا متزايدًا، حيث أظهر التنظيم قدرة على الانتقال من البادية السورية إلى الحواضر المدنية، وساهم ضعف الأجهزة الأمنية في تسهيل هذا التحول.
قُتل عنصران من الجيش السوري على يد الحرس الروسي في قاعدة حميميم العسكرية بعد هجومهما على القاعدة. ووفقًا لمصدر أمني سوري، نقلت القوات الروسية جثتي القتيلين إلى داخل المطار العسكري، الذي يُعدّ مقرًا لقيادة القوات الروسية العاملة في سوريا. ورفضت القوات الروسية تسليم الجثتين إلى جهاز الأمن العام حتى مساء الجمعة.
وكشفت صحيفة «القدس العربي» هوية أحد المهاجمين، وهو الشاب عمار مصطفى الحسن «الحركوش»، المنحدر من مدينة السفيرة بريف حلب الشرقي. يُشار إليه أيضًا بلقبَي «أبو بكر الأنصاري» أو «أبو بكر السفراني». وعلى عكس ما أوردته بعض الوكالات الإخبارية، فإن القتيل كان عنصرا عاديا في الجيش السوري، وليس مدربا في الكلية البحرية على الساحل السوري. كما تبين أنه كان منضمًا سابقًا إلى حركة «أحرار الشام» الإسلامية، قبل أن ينضم إلى الجناح العسكري لهيئة «تحرير الشام» قبيل معركة «ردع العدوان».
وعلمت «القدس العربي» بأن ثلاثة مهاجمين، بينهم مقاتل مصري الجنسية، تسللوا عبر حواجز الأمن العام في المنطقة، واستهدفوا أحد مهاجع الحرس الروسي على أطراف المطار. ردت القوات الروسية على مصادر النيران، فقتلت إثنين من المهاجمين، بينما لا يزال مصير الثالث مجهولًا. وخوفًا من هجوم أوسع، استنفرت القوات الروسية قواتها، ووضعت مقاتلاتها الجوية في حالة تأهب قصوى، مع تشويش إلكتروني على الترددات اللاسلكية لقطع الاتصال بين المهاجمين ومنع استخدام طائرات مسيرة في هجوم محتمل.
مؤشرات مقلقة لنشاط تنظيم «الدولة»
على الصعيد الأمني، أعربت إدارة الأمن العام عن قلقها من نشاط محتمل لتنظيم «الدولة» في عدة مناطق، مركزة تحذيراتها على أقسامها في محافظة حلب، خاصة مدينتي الباب وأعزاز.
وأشار تحذير الأمن العام إلى أن خلايا التنظيم تعمل على «رصد مواقع عسكرية وأمنية تابعة للجيش السوري وإدارة الأمن العام، بهدف تنفيذ عمليات نوعية». ودعت الإدارة جميع العناصر العسكرية والأمنية، بما في ذلك الاحتياط، إلى «رفع الجاهزية الأمنية، واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، وتكثيف عمليات الرصد والتفتيش، خاصة في محيط المواقع العسكرية والمقرات». كما شددت على ضرورة مراقبة محلات بيع الأسلحة، ومنع تداولها بشكل غير قانوني، واتخاذ إجراءات صارمة بحق المدنيين الذين يحملون أو يشهرون السلاح، وذلك حفاظًا على الأرواح والاستقرار.
في سياق متصل، شهدت مدينة حلب، الثلاثاء، أول اشتباك مباشر في قلب المدن السورية بين جهاز الأمن العام وخلايا تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية». جاء ذلك خلال حملة أمنية لملاحقة خلايا التنظيم، حيث داهمت قوة خاصة من جهاز الأمن العام، بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات العامة، خليتين تابعتين للتنظيم في حيي الحيدرية والجزماتي بمدينة حلب.
وواجهت عملية الدهم مقاومة من عناصر الخلية، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل عنصر من قوات الأمن العام وإصابة ثلاثة آخرين في حي الجزماتي، أحد الأحياء الشرقية للمدينة. وخلال العملية، فجر أحد عناصر التنظيم نفسه أثناء الاقتحام. وتمكنت القوات الأمنية من اعتقال ثلاثة أشخاص سوريي الجنسية، لم يكن بينهم أي أجنبي، وتم تحديد هوياتهم، وهم: إبراهيم القاسم، الملقب «أبو إسراء»، من دير حافر بريف حلب الشرقي؛ ومحمد المصطفى، الملقب «أبو حميد»، من طعانة أخترين بريف حلب الشمالي؛ وأسامة الحمد، الملقب «أبو عبد الرحمن»، من دير الزور.
وواصلت دوريات الأمن ملاحقة عناصر مشتبه بهم، وفتشت منازل مجاورة وأخرى يُشتبه بأنها تأوي عناصر إضافيين من التنظيم.
في إدلب، يُعتبر جهاز الأمن العام الأكثر فعالية وسرعة استجابة مقارنة بالمناطق السورية الأخرى، بفضل بنيته التنظيمية القوية وعلاقاته المحلية المتينة. هذه العوامل ساهمت في تقليص الانتهاكات الأمنية، بما في ذلك عمليات السطو والجريمة المنظمة، بشكل ملحوظ مقارنة بمدن مركزية مثل دمشق وحلب، أو مناطق الساحل ذات الغالبية العلوية.
في هذا السياق، يُفسر التحرك السريع للقوات الأمنية في إدلب بنجاحها في التصدي لعدة حوادث، أبرزها مقتل عنصر من وزارة الدفاع في كمين نصبه تنظيم «الدولة» بمنطقة مدايا بريف خان شيخون الشرقي، استهدف عنصرا في وزارة الدفاع. كما تعرضت وحدات من الجيش الجديد لكمين سابق في منطقة قريبة شمال خان شيخون، على الطريق بين بلدتي معرة حرمة والشيخ مصطفى، أسفر عن مقتل عنصرين عسكريين. هذه الحادثة دفعت جهاز الأمن العام إلى تكثيف جهوده لتعقب خلايا مشتبه بانتمائها إلى تنظيم «الدولة».
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الداخلية السورية، في وقت سابق من هذا العام، إحباط محاولة تفجير كبيرة قرب مقام السيدة زينب جنوبي دمشق. وتزامن ذلك مع مخاوف من هجوم واسع النطاق للتنظيم على دمشق خلال عيد الفطر، حيث حذرت بعثات دبلوماسية غربية رعاياها من هجمات محتملة تستهدف الأسواق، المطاعم، والمساجد خلال صلاة العيد.
شبكات موالية لإيران في مرمى الأمن العام
في سياق متصل، تواصل الخلايا الأمنية الموالية لإيران في شرق سوريا محاولات نقل السلاح باتجاه لبنان بدون توقف، وتسعى إدارة حرس الحدود لإحباط مختلف العمليات سواء تلك القادمة عبر الحدود أو المخزنة في مستودعات سرية في شرق سوريا ومناطق التهريب النشط في تل كلخ والقصير والقلمون وريف دمشق الغربي.
وأعلن جهاز الأمن العام في البوكمال عن ضبط شحنتي أسلحة، إحداهما قادمة من العراق إلى لبنان عبر الأراضي السورية، والأخرى متجهة إلى الساحل السوري. وقال مدير أمن البوكمال إن قواته تعمل على «تأمين الحدود السورية-العراقية الطويلة والمعقدة»، مشيرًا إلى وجود قنوات تنسيق مع الجانب العراقي، لكنها «تعاني تأخيرًا بسبب الظروف السياسية».
وفي سياق جهود مكافحة التهريب، هاجم جهاز الأمن العام شبكة تهريب أسلحة ومخدرات يقودها حسين العلي الجغيفي، الملقب بـ«الحوت»، والمعروف بتبعيته لإيران في البوكمال. ونشرت إدارة الأمن العام تسجيلات مصورة تظهر اعتقال العلي وعددا من أبنائه وأفراد شبكته. وكشف مدير أمن البوكمال، مصطفى العلي، الأربعاء، عن العثور على 70 ألف حبة كبتاغون في منزل الجغيفي ببلدة الهري الحدودية، مؤكدًا استمرار عمليات البحث عن مستودعات أسلحة ومخدرات مخفية في المنطقة. كما نشرت الإدارة صورًا لصواريخ إيرانية مضادة للدروع، وصواريخ روسية المنشأ، إلى جانب أسلحة وذخائر متنوعة.
وتُعدّ الحدود السورية-اللبنانية، خاصة في منطقة عكار اللبنانية وتلكلخ السورية، من أخطر مناطق التهريب وأصعبها بسبب التداخل الجغرافي. حيث يعيق نهر الكبير الجنوبي، الذي يفصل الحدود، جهود الضبط الأمني، بينما تزيد الجغرافيا الجبلية في القلمون الغربي من تعقيد العمليات، بسبب امتداد سلسلة جبال لبنان الشرقية على طول الحدود من القصير إلى جبل الشيخ، ما يجعلها ممرًا تاريخيًا للتهريب بين البلدين.
ووفقًا لإحصاءات جهاز الأمن العام، يتم إحباط عملية تهريب كل يومين تقريبًا، ما يشير إلى حجم العمليات الناجحة التي يتمكن المهربون من خلالها من نقل الأسلحة إلى لبنان أو تهريب حبوب الكبتاغون إلى الداخل السوري. وخلال الأيام الأخيرة، كشفت القوات الأمنية ووزارة الدفاع عن إحباط شحنة أسلحة مضادة للدبابات، وأكثر من 100 كيلوغرام من مادة «تي إن تي» المتفجرة. وأظهرت صور متداولة مستودعًا لتجميع الأسلحة يحتوي على صواريخ إيرانية الصنع من طراز 107 ملم مع قاذفاتها.
وفي منتصف الشهر الجاري، اعترضت عناصر الأمن العام وفرقة حمص شحنة صواريخ أرض-أرض من نوع «غراد» المطورة (عيار 220 ملم)، وفقًا لتحليل الصور التي اطلعت عليها «القدس العربي». وفي القلمون الغربي، ضبطت القوات الحكومية السورية شحنة أسلحة وذخائر متجهة إلى لبنان عبر منطقة سرغايا، وأكدت مصادر في إدارة حرس الحدود اعتقال مهربين إثنين مع مصادرة شاحنتهم. وقبل هذه الحادثة، أحبط حرس الحدود عملية تهريب صواريخ «كورنيت» المضادة للدروع وقاذفة قنابل يدوية إيرانية الصنع.
تكشف الأحداث الأخيرة أن التحدي الأمني بات الهمّ الأبرز في سوريا بعد تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على البلاد.
ويثير تنامي نشاط تنظيم «الدولة» قلقًا متزايدًا، حيث أظهر التنظيم قدرة على الانتقال من البادية السورية إلى الحواضر المدنية. وقد ساهم ضعف الأجهزة الأمنية في عدة مناطق، خاصة تلك التي كانت خارج سيطرة المعارضة قبل سقوط النظام، في تسهيل هذا التحول. ويبرز هذا الضعف بوضوح في الفجوات الأمنية التي سمحت للتنظيم بإعادة تنظيم خلاياه في المدن.
في الوقت ذاته، تظل مشكلة تهريب الأسلحة ونشاط الخلايا الموالية لإيران، مع احتمال اختراقها للأجهزة الأمنية السورية الجديدة، من أبرز العوائق التي تعرقل تحقيق الاستقرار. وتتركز هذه التحديات في المناطق الحدودية، سواء في غرب سوريا أو شرقها، حيث تستمر محاولات تهريب الأسلحة عبر الحدود مع لبنان والعراق، ما يهدد الأمن الإقليمي ويعقّد جهود إعادة بناء الدولة.
———————————
الشارع السوري يرحب بتخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية على دمشق ويأمل في غد أفضل
رجل يطلق النار في الهواء من إحدى الشاحنات التي تقل بعضًا من 60 أسرة نازحة تعود إلى قريتها بعد أكثر من خمس سنوات بدعم من إحدى المنظمات غير الحكومية
25/05/2025
منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سوريا تخفيفا للعقوبات المفروضة منذ نصف قرن على بلد مزقته الحرب الأهلية التي استمرت 14 عامًا.
رحّب السوريون في شوارع دمشق يوم السبت بالخطوة التي اتخذتها إدارة ترامب بتخفيف العقوبات المفروضة على البلد الذي مزقته الحرب الأهلية التي بدأت قبل أكثر من 14 عاما.
وجاء احتفاء الشارع السوري بعد تخفيف الاتحاد الأوروبي للعقوبات رسميًا في وقت سابق من هذا الأسبوع، وقبله الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت عن نفس الخطوة الأسبوع الماضي خلال جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط.
وقالت زينة شهلا، وهي إحدى السكان، لوسائل الإعلام المحلية: “بصراحة أنا بكيت عندما قرأت بالأمس خبر رفع عقوبات قيصر بالفعل، خاصة بعد التقارير التي سمعناها في الأسابيع الأخيرة”.
وأضافت: “إننا نرى أخيراً خطوات حقيقية نحو تعافي البلاد”.
ويأتي تخفيف العقوبات بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024. وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن الثلاثاء أنه تبنى نهجًا تدريجيًا وعكسيًا من أجل دعم المرحلة الانتقالية والتعافي الاقتصادي في سوريا، وذلك بعد تعليق بعض العقوبات الاقتصادية في فبراير.
بالنسبة للولايات المتحدة، هدفت العقوبات التي فرضها الكونجرس، والمعروفة باسم قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، إلى عزل حكام سوريا السابقين من خلال حرمان من يتعامل معهم من الوصول إلى النظام المالي العالمي.
ومع ذلك، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إجراءً مؤقتًا يوقف تطبيق هذه العقوبات بحق أي شخص يتعامل مع مجموعة محددة من الأفراد والكيانات السورية، ومن بينها البنك المركزي السوري.
وأدى الإجراء الذي اتخذته وزارة الخارجية الأمريكية إلى تمديد تنازل مؤقت لمدة ستة أشهر عن بعض العقوبات الصارمة التي فرضها الكونغرس في عام 2019.
وتشمل هذه العقوبات تحديداً قيوداً على إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب. وعلى الرغم من أنه يمكن تجديدها لمدة 180 يومًا بموجب أمر تنفيذي، فإن من المرجح أن يتخذ المستثمرون موقفًا حذرًا من خوض مشاريع إعادة الإعمار في ظل إمكانية إعادة فرض العقوبات بعد انقضاء مهلة الستة أشهر.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد منح سوريا إعفاءات شاملة من العقوبات في خطوة أولى كبيرة نحو الوفاء بتعهده برفع القيود المفروضة على البلد الذي تعاني من أزمة مستمرة منذ 14 عامًا.
وقالت وزارة الخارجية السورية يوم السبت إن سوريا “تمد يدها” لكل من يرغب في التعاون مع دمشق، شرط ألا يشمل هذا التعاون أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
أفادت إدارة ترامب يوم الجمعة بأن هذه الإجراءات “لا تزال مجرد جزء من الجهود الأوسع التي تبذلها الحكومة الأمريكية لتفكيك البنية الكاملة للعقوبات المفروضة”.
وكانت قد فُرضت تلك العقوبات على عائلة الأسد بسبب دعمها للميليشيات المدعومة من إيران، وبرنامجها الخاص بالأسلحة الكيميائية، وإساءة معاملة المدنيين.
وقال نائل قداح، المقيم في دمشق، إن البلاد ستشهد ازدهارًا جديدًا بعد تخفيف العقوبات.
ويرى قداح أن السوريين سيصبحون قادرين على تحويل الأموال بحرية، على عكس الماضي حين كانت عدة شركات تحتكر هذا المجال وتفرض عمولات مرتفعة على التحويلات.
وأضاف: “الآن يمكن لأي مواطن تلقي حوالة من أي مكان في العالم”.
ويؤكد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن رفع العقوبات يهدف إلى تعزيز فرص بقاء الحكومة السورية المؤقتة، وهو قرار رحبت به القيادة الانتقالية في دمشق.
—————————-
ما دلالات زيارة الشرع المفاجئة إلى تركيا؟/ زيد اسليم
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره السوري أحمد الشرع، أن احتلال إسرائيل وعدوانها على الأراضي السورية أمر غير مقبول، وأن أنقرة ستواصل معارضته على جميع المنصات. جاء ذلك خلال لقاء جرى بينهما، السبت، في مكتب الرئاسة بقصر دولما بهتشة بإسطنبول، بحسب بيان نشرته دائرة الاتصال في الرئاسة التركية. 25/5/2025
أنقرة- في زيارة غير معلنة هي الثالثة له إلى تركيا منذ توليه السلطة مطلع العام الجاري، وصل الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم السبت، إلى إسطنبول، حيث التقى نظيره التركي رجب طيب أردوغان في قصر دولما بهتشة.
وعُقد اللقاء خلف أبواب مغلقة، بحضور كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين من الجانبين، من بينهم وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالن، ورئيس هيئة الصناعات الدفاعية خلوق غورغون، كما ضم من الجانب السوري وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصر.
سياق الزيارة
تأتي زيارة الرئيس السوري إلى تركيا في سياق إقليمي ودولي بالغ الأهمية، إذ تزامنت مع إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رسميا رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا في تحول كبير للسياسة الغربية بعد إطاحة نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويكتسب توقيت الزيارة أهمية خاصة كونها تأتي بعد يومين فقط من زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن إلى دمشق، والتي تناولت ملفات أمنية حساسة، خاصة قضية تسليم وحدات حماية الشعب الكردية سلاحها واندماجها في قوات الأمن السورية، وهو الملف الذي شهد تأخرا في التنفيذ عما كان معلنا سابقا.
وتأتي أيضا في ظل تصريحات أردوغان الأخيرة حول التواصل مع العراق وسوريا بشأن نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، مما يعكس مساعي تركيا لتحقيق تقدم في هذا الملف الأمني الحساس.
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره السوري أحمد الشرع، أن احتلال إسرائيل وعدوانها على الأراضي السورية أمر غير مقبول، وأن أنقرة ستواصل معارضته على جميع المنصات. جاء ذلك خلال لقاء جرى بينهما، السبت، في مكتب الرئاسة بقصر دولما بهتشة بإسطنبول، بحسب بيان نشرته دائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
أهم الملفات
أفاد بيان صادر عن الرئاسة التركية بأن اللقاء تناول جملة من الملفات الثنائية والإقليمية والدولية، في مقدمتها تطورات المرحلة الانتقالية في سوريا ومسارات التعاون بين البلدين.
وأكد الرئيس أردوغان، خلال المباحثات، أن “أياما أكثر إشراقا وسلاما” تنتظر سوريا، مجددا التزام بلاده بالوقوف إلى جانب الشعب السوري كما فعلت منذ بداية الأزمة.
ورحب أردوغان بقرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن سوريا، واعتبر ذلك خطوة مهمة تهيئ الأرضية لعودة الاستقرار.
وفي ما يخص التصعيد الإسرائيلي، وصف الرئيس التركي الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية بأنها “غير مقبولة”، مؤكدا استمرار تركيا في رفضها هذه الانتهاكات عبر كل المنابر الإقليمية والدولية.
وأشار البيان إلى أن الجانبين ناقشا آفاق التعاون في مجالات حيوية، على رأسها الطاقة والدفاع والنقل، إذ أكد أردوغان أن تركيا ستواصل الوفاء بما تقتضيه علاقات “الجوار والأخوة”، بما يشمل الدعم الفني والسياسي خلال مرحلة إعادة بناء الدولة السورية.
وفي المقابل، عبّر الرئيس السوري أحمد الشرع عن امتنانه للموقف التركي، مثنيا على الدور الحاسم الذي لعبته أنقرة في رفع العقوبات ودفع المجتمع الدولي للاعتراف بالسلطة الجديدة في دمشق.
من جهتها، قالت الوكالة السورية للأنباء إن وزيري الخارجية والدفاع السوريين سيلتقيان نظيريهما التركيين في تركيا لبحث الملفات المشتركة بين البلدين.
وأضافت الوكالة أن الرئيس السوري ووزير خارجيته التقيا المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا، توم باراك، لبحث تطورات الملف السوري خلال الزيارة.
في السياق، يرى الباحث في مركز سيتا للدراسات كوتلوهان قورجو أن غياب أي إعلان رسمي أو تغطية إعلامية مسبقة لزيارة الرئيس السوري إلى تركيا لا يعني بالضرورة أنها كانت سرية، بل يعكس -برأيه- ضيق الحيز الزمني للزيارة، وطبيعة الملفات الحساسة المطروحة خلالها.
ويعتقد قورجو -في حديث للجزيرة نت- أن من بين العوامل التي دفعت لعقد هذا اللقاء رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وتعيين السفير الأميركي لدى أنقرة مبعوثا خاصًا إلى سوريا، إلى جانب تصاعد أهمية ملف وحدات حماية الشعب (قسد) في الأجندة الأمنية التركية.
ويلفت إلى أن مشاركة وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصر في اللقاء تعزز الاعتقاد بأن قضية انتشار القوات الكردية وقضية “المواقع العسكرية المحتملة” كانتا ضمن أولويات جدول الأعمال، إلى جانب ما وصفه بـ”التقدم الفني في الحوار التركي الإسرائيلي بشأن سوريا”، الذي قد يكون طُرح أيضًا في اللقاء.
وأضاف قورجو أن لقاء الرئيس أحمد الشرع بالمبعوث الأميركي الخاص توم باراك يعكس حرص القيادة السورية الجديدة على التواصل المباشر مع واشنطن، وإدراكها حساسية هذا المسار، في ظل استمرار وجود ملفات عالقة بين الطرفين. وفي هذا الإطار، أشار إلى أن الزيارات الميدانية التي أجراها مسؤولون سوريون إلى تلك المخيمات قد تكون جاءت استجابة ضمنية لبعض التوقعات الأميركية.
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره السوري أحمد الشرع، أن احتلال إسرائيل وعدوانها على الأراضي السورية أمر غير مقبول، وأن أنقرة ستواصل معارضته على جميع المنصات. جاء ذلك خلال لقاء جرى بينهما، السبت، في مكتب الرئاسة بقصر دولما بهتشة بإسطنبول، بحسب بيان نشرته دائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
أهمية الزيارة
يرى المحلل السياسي محمود علوش أن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تركيا تكتسب أهمية استثنائية في ظل التحولات الجوهرية التي طرأت على المشهد السوري مؤخرا، لا سيما في ما يتعلق بمسار التسويات السياسية والأمنية.
وحسب علوش، فإن أنقرة تتطلع إلى تعزيز التعاون مع الإدارة السورية الجديدة لمعالجة ملف قسد ضمن إطار اتفاقية الاندماج الجارية، التي تشكل جزءا من مسار أوسع متعلق بإحياء عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. ويعتقد أن الظروف أصبحت ناضجة لتحقيق تقدم فعلي في هذا المسار، خاصة في ظل ما وصفه بـ”الانسجام الأميركي النسبي” مع مقاربة تركيا للملف السوري.
كما يشير إلى أن أنقرة معنية أيضا بالتوصل إلى ترتيبات أمنية ثنائية مع دمشق ودول الإقليم لمواجهة تهديد عودة تنظيم الدولة (داعش)، بما يشمل ملف تسليم سجون داعش ومعسكرات الاحتجاز إلى الحكومة السورية، وهي خطوة ترى فيها تركيا ضرورة لتمكين دمشق من تولي المسؤولية الأمنية الكاملة على حدودها.
ويختم علوش بالقول إن النتائج المباشرة لهذه الزيارة ربما لا تظهر فورا، لكنها -برأيه- ستتجلى تدريجيا من خلال استكمال مسار الاندماج وتنفيذ التفاهمات الأمنية والعسكرية التي جرى التوافق عليها بين الجانبين.
المصدر : الجزيرة
———————————–
العودة إلى سوريا ليست نهاية الطريق.. السكن والتعليم والصحة اختبار قاس للعائدين/ مختار الإبراهيم
2025.05.25
العودة إلى سوريا ليست نهاية الطريق، بل بداية رحلة جديدة محفوفة بالتحديات. بعد أكثر من أربعة عشر عامًا من الحرب، يعود أكثر من 1.5 مليون سوري إلى بلادهم ليكتشفوا واقعًا يفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة. في ظل غياب التنظيم القانوني لسوق الإيجارات، وارتفاع أسعار السكن، وتراجع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والتعليم، يجد العائدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع هشاشة يومية تعمق الإحساس بالغربة داخل الوطن. وبين تفاوت في توفر الخدمات من مدينة لأخرى، واستمرار الانهيار الاقتصادي، يصبح قرار العودة بحد ذاته مغامرة شخصية لا تضمن الاستقرار، بل تطرح أسئلة جديدة عن القدرة على الاستمرار.
أعلنت الأمم المتحدة عن عودة أكثر من 1.5 مليون لاجئ ونازح سوري إلى مناطقهم منذ سقوط نظام الأسد، وقالت أيدم وسورنو، مديرة العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: “يحتاج 16.5 مليون شخص في سوريا للمساعدات الإنسانية والحماية”، مؤكدة استمرار العمليات الإنسانية رغم الصعوبات المتزايدة، وأضافت: ‘تصل الأمم المتحدة وشركاؤها إلى ما متوسطه 2.4 مليون شخص شهريًا من خلال عملياتها المحلية والعابرة للحدود.
وبعد أكثر من أربعة عشر عامًا من الحرب، لم تعد سوريا كما كانت. أدى النزاع إلى انهيار اقتصادي وخدمي واسع، مع نسب فقر تتجاوز 90% من السكان وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، وبطالة متفشية، وتراجع في الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة. رغم محاولات التعافي، فإن الواقع على الأرض لا يزال قاسيًا، وهو ما اكتشفه السوريون العائدون إلى بلادهم بعد سنوات في الخارج.
غلاء في الإيجارات وتراجع للخدمات
في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، عبّرت إسراء، إحدى السوريات العائدات من الخارج، عن تردي الواقع الخدمي والمعيشي، “أول مشكلة واجهتنا كانت الإيجارات، المبالغ المطلوبة كبيرة جدًا، ولا يوجد أي قانون ناظم لهذا الموضوع… صاحب المنزل يطلب السعر الذي يراه مناسبا دون ضوابط.”
كما أشارت إسراء إلى موضوع غلاء المواصلات داخل المدن، وارتفاع أسعار الفنادق، حتى أن قضاء يوم واحد في دمشق يشكل عبئًا ماليًا لشخص يحاول أن يسافر إلى دمشق للتقدم إلى وظيفة على سبيل المثال. أما الكهرباء، فشهدت تحسنًا طفيفًا في العاصمة، في حين لا تزال المدن الأخرى مثل مصياف -حيث تقيم إسراء- تعاني من انقطاعات طويلة، بوصل لا يتعدى نصف ساعة كل خمس إلى ست ساعات، يضاف إليها موضوع المياه أيضًا تصل مرة كل خمسة أيام ولساعات قليلة.
وتصف إسراء الشوارع “بالموحشة” نتيجة للظلام الدامس، ما جعل مدينة مصياف مثلا تبدو كمدينة أشباح، رغم وجود مبادرات محلية محدودة لتحسين الإنارة، لكنها تبقى غير كافية. وفيما يخص الغلاء، ترى إسراء أن أسعار السلع الغذائية انخفضت قليلاً، لكن هناك مصاريف كثيرة ترهق كاهل السوريين مثلا التعليم الحكومي لا يزال ضعيفًا، ويعتمد الطلاب على الدروس الخصوصية من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية وهي مكلفة للغاية.
أين يسكن العائدون في دمشق؟
لكن مشكلة تأمين السكن تلقي بظلالها على من يفكر السكن في دمشق، وهنا يقول موسى بركات إنه بحث لأشهر عن منزل للإيجار، ووجد واحدًا فقط في ضواحي دمشق بأكثر من 200 دولار شهريًا، وذلك نتيجة لتدمير واسع في البنية السكنية في عموم سوريا، وغياب العرض الكافي للعائدين.
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن حوالي 26.3% من الوحدات السكنية في سوريا تعرضت للدمار أو لأضرار جسيمة، وتم تدمير أكثر من 150 ألف وحدة في حلب وحدها. أما في دمشق، فقد فقدت المحافظة نحو 57 ألف وحدة سكنية، هذا النقص الحاد أدى إلى ارتفاع الإيجارات بنسبة تصل إلى 300% في بعض المناطق.
من جهتها تؤكد بتول ما قاله موسى عن صعوبة الحصول على سكن للإيجار رغم الأرقام الفلكية مقارنة بالدخل، وتؤكد أن عودتهم من تركيا لم تكن إلى منزلهم الأصلي، فالقابون حيث كانوا يقطنون قبل الثورة وبلدة الصرخة في القلمون -بلدة أهل زوجها- دمرتا بالكامل، ما دفعها للاستقرار في حرستا، بالقرب من سكن أهلها، مع دفع إيجار شهري. وفي حديثها عن الوضوع الأمني تصف بتول الوضع الأمني بالمقبول، إلا أن “أخبار الحوادث الأمنية المتفرقة تنعكس سلبا على الجميع”.
التعليم والرعاية الصحية في سوريا
وعن التعليم، اضطرت بتول لتسجيل ابنها بمدرسة خاصة لرفض المدرسة الحكومية تسجيله لأن العام الدراسي اقترب على نهايته، وتصف مستوى التعليم الخاص بأنه “جيد وقريب من مستوى المدارس الحكومية في تركيا”.
كما تشير بتول إلى أن الرعاية الصحية مقبولة في مشفى حرستا، وخدمات المشفى الوطني جيدة. لكن الأدوية الأجنبية مرتفعة السعر وتدخل تهريبًا، كما لاحظت وجود فرق كبير بالخدمات بين حرستا ودمشق، حتى في جودة الهواء نتيجة للغبار والدمار.
أما بما يخص الاتصالات فقد تحسنت خدمة الإنترنت، فقد أصبح الإنترنت الفضائي متاحًا بعد أن كان محصورًا على الهاتف الأرضي، وكذلك المياه تحسّنت في منطقتها.
رغم التفاؤل الذي يحمله بعض العائدين، فإن الواقع السوري بعد أكثر من عقد من الحرب لا يزال يفرض تحديات ضخمة. من الإيجارات غير المنظمة، إلى الخدمات المتفاوتة، مرورًا بالدمار العمراني الذي حوّل العودة إلى اختبار قاسٍ للقدرة على التحمّل.
تعد شهادات بتول وإسراء وموسى جزءًا من مشهد أكبر، يُظهر الحاجة المُلحّة لإصلاحات واقعية، تبدأ بوضع حد لفوضى السكن، وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار للأسر التي اختارت العودة.
العودة إلى سوريا ليست قرارا سهلًا، ولكن من دون استجابة حقيقية من الجهات الرسمية، قد تصبح مجرّد رحلة جديدة في درب المعاناة.
ولعل التفاؤل بأن ينعكس رفع العقوبات الأميركية إيجابا على الاقتصاد والشروع بإعادة الإعمار هو ما يجمع كل من التقاهم موقع تلفزيون سوريا، فقد أعلن مؤخرا الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكذلك الاتحاد الأوروبي، رفع العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على سوريا خلال فترات زمنية مختلفة.
تلفزيون سوريا
————————————-
مبعوث ترمب يشيد بخطوات الشرع في ملف المقاتلين الأجانب
السلطات السورية تتعهد مساعدة واشنطن على العثور على أميركيين مفقودين
الأحد 25 مايو 2025
أبدى الجانب السوري استعداده لتقديم التسهيلات اللازمة لجذب المستثمرين والمساهمة في جهود إعادة الإعمار.
قال مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخاص إلى سوريا توماس باراك إنه التقى رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، وأشاد “بالخطوات الجادة” التي اتخذها فيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب والعلاقات مع إسرائيل.
وأضاف باراك، الذي يشغل أيضاً منصب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا، في بيان أن اللقاء عقد في إسطنبول أمس السبت.
وجاء الاجتماع بعدما أصدرت إدارة ترمب أوامر برفع العقوبات عن سوريا فعلياً بعد حرب أهلية استمرت 14 عاماً. ورحبت سوريا برفع العقوبات ووصفته بأنه “خطوة إيجابية”.
وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء اليوم الأحد أن الاجتماع ركز في المقام الأول على متابعة تنفيذ رفع العقوبات، إذ قال الشرع للمبعوث الأميركي باراك إن العقوبات لا تزال تشكل عبئاً ثقيلاً على السوريين وتعوق جهود التعافي الاقتصادي.
وذكرت الوكالة أنهما ناقشا أيضاً سبل دعم الاستثمارات الأجنبية في سوريا، بخاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
وأبدى الجانب السوري استعداده لتقديم التسهيلات اللازمة لجذب المستثمرين والمساهمة في جهود إعادة الإعمار.
أزمة المفقودين
تعهدت السلطات السورية بمساعدة واشنطن في البحث عن أميركيين مفقودين في سوريا، وفق ما أفاد المبعوث الأميركي الى دمشق توم باراك اليوم، في إعلان يأتي بعيد رفع العقوبات الاقتصادية وفتح صفحة جديدة في العلاقات.
وقال باراك في منشورات على منصة “إكس”، “خطوة قوية إلى الأمام. لقد وافقت الحكومة السورية الجديدة على مساعدة الولايات المتحدة في تحديد أماكن المواطنين الأميركيين أو رفاتهم” لإعادتهم إلى بلدهم. ومن أبرز المفقودين أوستن تايس، الصحافي المستقل الذي خطف في سوريا عام 2012.
وأنقرة من الداعمين البارزين للحكومة السورية الجديدة، وتدعو المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات التي فرضت على دمشق خلال عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وشارك أردوغان عبر الإنترنت في اجتماع في الرياض بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والشرع في منتصف مايو (أيار) الجاري.
وكان الشرع زار تركيا للمرة الثانية في أبريل (نيسان) الماضي للمشاركة في منتدى دبلوماسي.
وأعرب أردوغان والشرع عن عزمهما على مكافحة “التهديدات الإرهابية” في سوريا بصورة مشتركة. وتطالب أنقرة بطرد المقاتلين الأكراد الأجانب من شمال شرقي سوريا وتقول إنها تريد مساعدة جارتها في محاربة تنظيم “داعش”.
———————————
السلطات السورية ستساعد واشنطن في العثور على أميركيين مفقودين
دمشق: «الشرق الأوسط»
25 مايو 2025
أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، الأحد، أن الحكومة السورية وافقت على مساعدة الولايات المتحدة في تحديد مكان مواطنين أميركيين وإعادتهم أو رفاتهم، واصفاً ذلك التحرك بأنه «خطوة قوية إلى الأمام… يحق لعائلات أوستن تايس، ومجد كمالماز، وكايلا مولر أن يعرفوا مصير أحبائهم».
وتابع باراك في حسابه على منصة «إكس»، أن ترمب أكد أن إعادة المواطنين الأميركيين إلى ديارهم، أو تكريم رفاتهم بكرامة، أولوية قصوى في كل مكان: «وستساعدنا الحكومة السورية الجديدة في هذا الالتزام».
وعدّد من بين المفقودين أوستن تايس، وماجد كمالماز وكايلا مولر. وخطف تايس، في 14 أغسطس (آب) 2012، قرب دمشق، وكان عمره 31 عاماً ويعمل صحافياً مستقلاً مع مجموعة ماكلاتشي و«واشنطن بوست» و«وكالة الصحافة الفرنسية» ووسائل إعلام أخرى. ولم تتوفر معلومات عن مصيره. وقد زارت والدته دمشق والتقت الرئيس الشرع بعد إطاحة حكم الأسد.
وخطف تنظيم «داعش» عاملة الإغاثة (مولر) في حلب (شمال)، أغسطس (آب) 2013. وأعلن، في فبراير (شباط)، مقتلها في غارة جوية شنتها طائرات أردنية على مدينة الرقة، التي شكلت حينها المعقل الأبرز للتنظيم في سوريا. وأكدت واشنطن لاحقا مقتلها، لكنها شككت في صحة رواية التنظيم المتطرف.
وفُقد المعالج النفسي مجد كمالماز، وهو أميركي ولد في سوريا، بينما كان في زيارة خاصة إلى دمشق، بعد توقيفه على نقطة أمنية عام 2017. وكان متخصصاً في العلاج النفسي للمتضررين من الحروب والكوارث الطبيعية، وعمل مع اللاجئين السوريين في لبنان بعد اندلاع النزاع. وأفادت تقارير غير مؤكدة لاحقاً عن وفاته في السجن.
وبحسب مصدر سوري مطلع على المحادثات بين الحكومتين السورية والأميركية بشأن ملف المفقودين، فإن هناك 11 اسماً آخر على قائمة واشنطن، وهم سوريون لديهم جنسيات أميركية، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية». وجاء إعلان الدبلوماسي الأميركي بعدما كانت واشنطن سعت مراراً، خلال حكم الأسد، للحصول على معلومات حول رعاياها المفقودين في سوريا. وكان باراك قد التقى بالرئيس السوري أحمد الشرع في إسطنبول، أمس، وأشاد بـ«الخطوات الجادة» التي اتخذها فيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب والعلاقات مع إسرائيل.
جاء الاجتماع بعد أن أصدرت إدارة ترمب أوامر برفع العقوبات عن سوريا فعلياً، بعد حرب أهلية استمرت 14 عاماً. ورحبت سوريا برفع العقوبات ووصفته بأنه «خطوة إيجابية». وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، الأحد، أن الاجتماع ركز في المقام الأول على متابعة تنفيذ رفع العقوبات؛ إذ قال الشرع للمبعوث الأميركي إن العقوبات لا تزال تشكل عبئاً ثقيلاً على السوريين وتعيق جهود التعافي الاقتصادي.
وأضافت الوكالة أنهما ناقشا أيضاً سبل دعم الاستثمارات الأجنبية في سوريا، خصوصاً في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
وأبدى الجانب السوري استعداده لتقديم التسهيلات اللازمة لجذب المستثمرين والمساهمة في جهود إعادة الإعمار.
ومنحت إدارة ترمب سوريا إعفاءات واسعة من العقوبات الجمعة، في خطوة أولى رئيسية نحو الوفاء بتعهد الرئيس برفع عقوبات دامت نصف قرن على بلد دمرته 14 عاماً من الحرب الأهلية.
وألغى إجراء من وزارة الخارجية لمدة 6 أشهر مجموعة صارمة من العقوبات التي فرضها الكونغرس في عام 2019. واتخذت وزارة الخزانة الأميركية إجراء يعلق تطبيق عقوبات ضد أي شخص يتعامل مع مجموعة من الأفراد والكيانات السورية، بما في ذلك البنك المركزي السوري.
وقال ترمب خلال زيارة للمنطقة في وقت سابق من هذا الشهر، إن الولايات المتحدة ستتراجع عن العقوبات المالية المشددة في محاولة لإعطاء الحكومة المؤقتة فرصة أفضل للبقاء.
——————————–
سوريا تحتفي برفع العقوبات الأميركية: فرصة ذهبية لاستعادة موقعنا الطبيعي
الآثار المباشرة قد تكون محدودة راهناً ويتعين على السلطات تهيئة بنية حاضنة للاستثمار
دمشق: سعاد جروس
24 مايو 2025 م
رحَّب السوريون بمختلف القطاعات الرسمية والخاصة برفع الولايات المتحدة رسمياً العقوبات الاقتصادية، التي كانت مفروضة على سوريا، واعتبرت «وزارة الخارجية» أنها «خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح» سياسياً، ورأها محللون مؤشراً اقتصادياً يبشر بأيام «ذهبية غير مسبوقة آتية» للاقتصاد السوري، بعد 14 عاماً من الصراع والانهيار على كل المستويات.
وأثنت وزارة الخارجية السورية في بيان على قرار الحكومة الأميركية برفع العقوبات المفروضة على سوريا وشعبها لسنوات طويلة. ورأت أنه «خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح للتخفيف من المعاناة الإنسانية والاقتصادية في البلاد»، معربة عن «تقديرها لجميع الدول والمؤسسات والشعوب التي وقفت إلى جانبها»، ومؤكدة أن «المرحلة المقبلة ستكون مرحلة إعادة بناء ما دمّره النظام البائد واستعادة مكانة سوريا الطبيعية في الإقليم والعالم».
أيام ذهبية آتية
كشف رجل الأعمال السوري، ورئيس «غرفة تجارة دمشق»، عصام غريواتي، لـ«الشرق الأوسط» عن زيارة مرتقبة الشهر المقبل لوفد مستثمرين أميركيين. وقال: «فرص الاستثمار في سوريا كبيرة لا سيما في مجال التكنولوجيا، ومجال إعادة الإعمار والمقدر حجمها بأكثر من 400 مليار دولار أميركي، بما يعنيه ذلك من فرص تشغيل لسنوات عدة مقبلة». لافتاً إلى زيارات كثيفة لوفود المستثمرين من دول عدة إلى دمشق، لا سيما دول الخليج العربي والمغتربين السوريين، وقيامهم بدراسة جدية واقع الاستثمار في سوريا.
ورأى غريواتي، وهو أحد المستثمرين المغتربين الذين عادوا إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد، ولا تزال عائلته وأعماله في لوس أنجليس، أن استخدام الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، صلاحياته بتجميد العقوبات، يبشر برفع كامل لقوانين العقوبات عبر التصويت لاحقاً، حيث تمثل الخطوة الأميركية «فرصة كبيرة» للسوريين كونها تتيح «فرصة انفتاح كامل تبشر بأيام ذهبية غير مسبوقة قادمة للاقتصاد السوري» من حيث إمكانية عودة السفارات والمصارف والشركات الأجنبية إلى سوريا، وجذب المستثمرين الأجانب والعرب والمغتربين، وحضور البنك الدولي لتشجيع ودعم الاستثمار، وما يرافق ذلك من خلق بيئة اقتصاد حر تنافسي وتوفير فرص عمل، إضافة إلى توفر المواد اللازمة للإنتاج والبضائع والسلع الاستهلاكية وانخفاض الأسعار. كما عبَّر غريواتي عن ثقته بسوريا وقيادتها الجديدة، مؤكداً أن عودة المستثمرين المغتربين «واجب وطني».
ووفق وزارة الخزانة الأميركية، يشمل قرار رفع العقوبات إلزام الحكومة السورية الجديدة بعدم توفيرها ملاذاً آمناً لمنظمات إرهابية وضمانها الأمن لأقليات دينية وإثنية.
وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية، أمس (الجمعة)، بشكل متزامن، إعفاء لمدة 180 يوماً من تطبيق «قانون قيصر»، لضمان عدم عرقلة العقوبات للاستثمار الأجنبي في سوريا، ما يمنح الشركات ضوءاً أخضر لمزاولة الأعمال في البلاد. وفرض القانون الصادر عام 2020 عقوبات صارمة على مقربين من الأسد، وعلى كل كيان أو شركة تتعامل مع السلطات السورية. وطال كذلك قطاعات البناء والنفط والغاز، وحظر على واشنطن تقديم مساعدات لإعادة الإعمار. بعيد اندلاع النزاع المدمر الذي بدأ عام 2011 باحتجاجات سلمية قمعها الأسد بالقوة، فرضت الولايات المتحدة قيوداً شاملة على التعاملات المالية مع البلاد، وشدّدت على أنها ستفرض عقوبات على كل مَن ينخرط في إعادة الإعمار طالما أن الأسد في السلطة.
وعرقلت الحرب والعقوبات تأهيل مرافق وبنى تحتية خدمية، وجعلت التعاملات مع القطاع المصرفي السوري مستحيلة. وجاء رفع العقوبات الأميركية، الذي تلاه رفع الاتحاد الأوروبي الأسبوع الحالي لكل العقوبات عن سوريا، في وقت تحاول السلطات دفع عجلة التعافي الاقتصادي، وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في بيان الجمعة، إن من شأن الإعفاء من العقوبات أن «يسهل توفير خدمات الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي وتمكين استجابة إنسانية أكثر فعالية في جميع أنحاء سوريا».
دلالات سياسية
رئيس مركز «النهضة للأبحاث والدراسات» بدمشق، عبد الحميد توفيق، رأى في رفع العقوبات بشكل شامل لمدة زمنية محددة «خطوة عملية تكتيكية في الاستراتيجية الأميركية المقبلة في المنطقة» من شأنها أن تمكن سوريا من كسر المشروع الإيراني في الشرق الأوسط عموماً حتى الآن، وتقليص حجم الدور الروسي في سوريا الآن ومستقبلاً، وإمكانية تقليص التفاعل الاقتصادي السوري مع الصين، جميعها عناوين تصب في المصلحة الاستراتيجية الأميركية.
وقال توفيق: «هذه الخطوات تتناغم مع مساعي الجانب التركي الذي يعلم جيداً أن الاستقرار في العلاقة السورية ـ الأميركية ولو من حيث الشكل يمنحه الكثير من الفرص لخدمة مصالحه في المنطقة».
وأشار عبد الحميد توفيق إلى دلالة سياسية «لافتة» بشمول القرار الأميركي، الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، ووزير الداخلية أنس خطاب، ما يكشف عن اهتمام أميركي بطبيعة الشخصيتين القياديتين في «هيئة تحرير الشام» سابقاً، لافتاً إلى أن ذلك يمنح السلطة السورية الجديدة «فرصة حقيقية لكي تخطو خطوات متقدمة فيما يتعلق بتلبية المطالب الأميركية»، التي لا تقتصر على الوضع الداخلي السوري بل مرتبطة بقضايا أخرى على رأسها «مكافحة الإرهاب» و«محاربة تنظيم (داعش)» والتخلص من السلاح الكيماوي، فضلاً عن العلاقة مع إسرائيل، سواء كانت على قاعدة «الاتفاق الإبراهيمي» أو اتفاق سلام بشكل ثنائي. ولم يستبعد توفيق أن يحصل ذلك لاحقاً بعد أن تستقر السلطة السورية أمنياً واقتصادياً وسياسياً.
إجراءات كبيرة وسريعة
ورغم التفاؤل برفع العقوبات، فإن آثارها المباشرة قد تكون محدودة في الوقت الراهن، ويتعين على السلطات تهيئة بنية حاضنة للاستثمار بحسب الخبير الاقتصادي، أيهم أسد، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن تعليق العقوبات بهذا الشكل الشامل سيكون له تأثيرات إيجابية كثيرة على الاقتصاد السوري، ولكن لتحقيق ذلك على الحكومة السورية أن تتخذ إجراءات كبيرة وسريعة اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، للاستفادة من فرصة الستة أشهر التي منحها القرار، أبرزها تعديل قوانين الاستثمار الداخلية، ودعم المنتجين الوطنيين، واستيراد المواد الأوّلية، وإعادة دراسة الرسوم الجمركية والضرائب لبناء بيئة «أعمال داخلية»، وتخفيف الإجراءات البيروقراطية واشتراطات ترخيص إنشاء الشركات، وتهيئة بيئة عمل إلكتروني، وتوفير قاعدة بيانات للمستثمرين.
كما أكد أيهم أسد ضرورة العمل على دعم استقرار الأمن بالبلاد بشكل كامل، ومعالجة ملف الفصائل غير المنضبطة في بعض المناطق السورية، وإزالة عوامل الخوف الأمني والعسكري من نفوس المستثمرين لتشجيعهم على دخول الاقتصاد السوري.
————————————–
==========================