أزمة المياه في دمشق… معاناة تتفاقم في كل صيف/ نور ملحم

27 مايو 2025
يُواجه السوريون في دمشق واقع العطش يومياً، مع تفاقم أزمة المياه التي تتصاعد صيفاً بسبب انقطاع الكهرباء، ونقص الوقود، وتدهور البنية التحتية جراء عمليات التخريب خلال سنوات الحرب. ورغم تطمينات الحكومة، يبقى الواقع قائماً، إذ ينتظر ملايين السكان لساعات من أجل بضعة لترات لا تكفي يوماً واحداً، في معاناة تتجاوز الأرقام والإجراءات الرسمية.
تقف السورية سعاد البوظة، مثل غيرها من آلاف الأمهات في دمشق، إلى جانب دلوها الفارغ، مترقبةً لحظة تدفق المياه عبر الأنابيب الصدئة في الزقاق. أمامها، يصطف أطفالها الثلاثة بجانب الجيران، يحملون زجاجات بلاستيكية، أوعية طبخ، وأي شيء يمكن أن يحفظ لهم الماء، بانتظار تدفق المياه التي لم تأتِ منذ أكثر من أسبوع. تتساءل بصمت: “هل ستصلنا هذه الليلة، أم أن علينا الانتظار يوماً آخر؟”.
ويؤكد مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب في محافظة دمشق وريفها، أحمد درويش، أن أزمة المياه هذا العام غير مسبوقة نتيجة الانخفاض الحاد في معدلات الهطولات المطرية، التي لم تتجاوز 33%، ما أدى إلى شحّ الموارد المائية وارتفاع الطلب عليها، وأوضح أن المؤسسة تعمل بكل طاقتها لضمان استمرار تزويد المياه لنحو 1.2 مليون مشترك يعتمدون على الشبكة العامة، رغم التحديات الكبيرة التي فرضتها الظروف المناخية والجغرافية.
ويشير درويش إلى أن “دمشق وريفها يعتمدان على مصادر مائية متعدّدة، أبرزها نبع الفيجة، زنبع بردى، وآبار جديدة يابوس ووادي مروان، إلى جانب 1800 بئر منتشرة في العاصمة ومحيطها، إذ تحتاج المنطقة يومياً إلى مليون متر مكعب من المياه لضمان تلبية احتياجات السكان. متوسط الاحتياج اليومي لمدينة دمشق وريفها، يصل إلى مليون متر مكعب، ويجري تزويدها حالياً بنحو 560 ألف متر مكعب، وهو رقم يزداد صيفاً نتيجة ارتفاع الطلب، وينخفض في فصل الشتاء مع تراجع استهلاك المياه. أما بالنسبة لباقي مناطق ريف دمشق، فمتوسط الاستهلاك اليومي يبلغ نحو 500 ألف متر مكعب، ما يعكس حجم الضغط الكبير على الموارد المائية المتاحة”.
ويشدد درويش على أن المؤسسة وضعت برنامج تقنين صارم منذ بداية الشهر الحالي، وذلك لمنع استنزاف الينابيع والآبار الاحتياطية، وضمان توزيع المياه على نحوٍ أكثر كفاءة، خاصة مع عدم فيضان نبع الفيجة هذا العام، كما تعمل المؤسسة على إعادة توزيع المياه وفق التضاريس والكثافة السكانية لكل منطقة، إضافة إلى إدخال عدد من الآبار الاحتياطية في الخدمة لتعويض النقص، بالتزامن مع تنسيق الجهود مع مؤسسة الكهرباء لضمان قدرة المواطنين على استجرار المياه إلى خزاناتهم بفعالية.
ويضيف: “المؤسسة تتعاون مع الصليب الأحمر وجهات دولية أخرى لإعادة ضخ المياه وتأهيل المناطق البعيدة في ريف دمشق، بهدف إيجاد حلول دائمة ومستدامة لمشكلة شح المياه. بالإضافة إلى ذلك، تقوم فرق الصيانة بمعالجة أعطال المضخات المائية، إذ تحتاج 1500 مضخة إلى الصيانة العاجلة لضمان تشغيلها بكفاءة تامة من أصل 4000 مضخة. تعتزم المؤسسة تعديل برنامج تزويد المياه خلال الفترة القادمة، بما يتماشى مع الاحتياجات الفعلية، مشدداً على ضرورة ترشيد الاستهلاك من المواطنين للحد من الضغط المتزايد على الشبكة، وسيبدأ قريباً تطبيق غرامات مالية بحق المخالفين الذين يستخدمون المياه لأغراض غير ضرورية، وذلك ضمن تفعيل قانون الضابطة المائية، إلى جانب مراجعة قانون الجباية وتحديث أسعار المياه بما يتناسب مع الظروف الراهنة”.
ويعد نبع عين الفيجة المصدر الأساسي لإمدادات المياه في العاصمة دمشق وأجزاء من الغوطة الشرقية، إذ كان يوفر 700 ألف متر مكعب يومياً، إضافة إلى 120 ألف متر مكعب يجري استخراجها من 200 بئر منتشرة في المدينة ومحيطها، وتشير الأرقام الرسمية إلى أن هذه المصادر تغطي في المواسم الماطرة 90% من الاحتياج الفعلي للعاصمة، ما يجعلها ركيزة أساسية في استقرار الإمدادات المائية.
أما مناطق ريف دمشق، فتعتمد ثانوياً على مياه نبع عين الفيجة بعد تغطية احتياجات العاصمة، إذ يجري تزويد بعض أحياء الريف بحوالى 77 ألف متر مكعب يومياً، بينما يبقى الاعتماد الأكبر على مياه الآبار. وتشير البيانات إلى وجود 84 بئراً في الغوطة الشرقية، وأكثر من 55 بئراً في مناطق جنوب وغرب العاصمة، إلّا أن التوزيع غير المتوازن أدى إلى شح شديد في المياه في العديد من البلدات مثل جديدة عرطوز، والمعضمية، وداريا، وصحنايا، وأشرفية صحنايا، إذ يجري تزويدها بالمياه ليوم واحد في الأسبوع فحسب، ويتراجع الإمداد خلال الصيف ليصل إلى يوم واحد كل أسبوعَين.
أصبح مشهد انتظار وصول المياه متكرراً في كثير من المناطق، خاصةً جديدة عرطوز، والمعضمية، وداريا، وصحنايا، وأشرفية صحنايا، إذ تحصل هذه المناطق على المياه ليوم واحد في الأسبوع فحسب، ويتراجع إلى يوم واحد كل أسبوعَين خلال الصيف.
وتعد أزمة المياه في سورية من الأزمات المزمنة التي أرهقت السكان لعقود، إلّا أنها دخلت خلال السنوات الأخيرة مرحلة أكثر تعقيداً بفعل التغيرات المناخية المتسارعة وموجات الجفاف المتكررة، التي قلّصت من وفرة الموارد المائية، ولم يواكب هذ أي جهد فعّال من الجهات المعنية لضبط الاستهلاك أو وضع خطط وطنية للترشيد، رغم تعالي الأصوات بإيجاد حلول لتأمين الاحتياجات الكافية من المياه.