التدخل الاسرائيلي السافر في سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةعن أشتباكات صحنايا وجرمانا

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 28 ايار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا

———————————-

هيبة الدولة/ عبسي سميسم

25 مايو 2025

بالتوازي مع الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الحكومة السورية لاستعادة دورها السياسي كدولة فاعلة على المستويين العربي والدولي، والتي ساعدها بشكل كبير الانفتاح العربي والدولي على الدولة السورية الجديدة، وتوافر إرادة دولية بما يشبه الإجماع العربي والإقليمي والدولي على مساعدتها للتحول إلى دولة مستقرة وآمنة ومتعافية اقتصادياً، لا تزال الدولة السورية الجديدة تعاني من مشكلة حقيقية في أخذ دورها على المستوى الداخلي، سواء على صعيد بسط سيطرة الحكومة على كل الجغرافيا السورية أو على صعيد فرض هيبة الدولة كمظلّة جامعة لكل السوريين، من خلال فرض قانون يضمن حقوق الجميع ويحاسب من يتجاوزه دون استثناءات تنقص من هيبة الدولة، وتفتح المجال أمام تجاوزات قد تفضي إلى حالة من الفلتان الأمني.

حادثة بمستوى الاعتداء على محافظ السويداء مصطفى البكور هي اعتداء سافر على هيبة الدولة لا يأتي حلّها من خلال وجاهات و”تبويس شوارب”، أو من خلال استقالة المحافظ الذي اعتُدي عليه بصفته ممثلاً للدولة في تلك المحافظة، وإنما بإجراءات حاسمة تحاسب المعتدين على هيبة الدولة، وتمنع حدوث اعتداءات لاحقة. كما أن حادثة هجوم بعض الفصائل على مدينة جرمانا منذ نحو شهر ليس من المقبول أن يكون التعاطي معها على أنها مجرد فصائل غير منضبطة ثأرت لأي سبب من الأسباب، ومن غير المنطقي أن يكون حلّ هذه المشكلة الأمنية باسترضاء الأطراف وعقد اجتماعات صلح في ما بينها. وأيضاً حادثة الاعتداء على حفل غنائي في محافظة إدلب وتحطيم أثاث الصالة التي استضافته بدعوى حرمة الغناء، هو تصرف لا يجب أن يمرّ من دون محاسبة.

هذه الحوادث، وحوادث كثيرة غيرها، من اعتداءات فردية أو جماعية خارج سلطة الدولة والتي وقعت دون تدخل من الدولة أو من خلال تدخّل الدولة بصفتها جهة مصالحة لا بصفتها دولة تمارس دورها بفرض سلطة وهيبة الدولة على المجتمع، من شأنها أن تؤسس لدولة مفكّكة داخلياً وغير مستقرة أمنياً. كما أن بقاء فصائل عسكرية خارج سلطة الدولة، سواء كانت فصائل تحت مظلة وزارة الدفاع ممن تُسمى بالفصائل غير المنضبطة أو من الفصائل التي لا تزال ترفض الانضمام أو حتى الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، من شأنه أن يفضي إلى فلتان أمني تدريجي يصعب احتواؤه، ما لم تتخذ إجراءات حاسمة لفرض هيبة الدولة على المستوى الأمني، وتشكيل مؤسسة عسكرية حقيقية بعيدة عن الفصائلية.

—————————

دروز سورية يقفون وحدهم/ رابح غضبان

فيما بدأت الولايات المتحدة برفع العقوبات عن سورية والانخراط مع قيادتها، تتوجّس الأقليات ممّا هو آتٍ.

 26 مايو 2025

تقدّم مدوّنة “ديوان” الصادرة عن مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط وبرنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي تحليلات معمّقة حول منطقة الشرق الأوسط، تسندها إلى تجارب كوكبةٍ من خبراء كارنيغي في بيروت وواشنطن. وسوف تنقل المدوّنة أيضاً ردود فعل الخبراء تجاه الأخبار العاجلة والأحداث الآنيّة، وتشكّل منبراً لبثّ مقابلات تُجرى مع شخصيّات عامّة وسياسية، كما ستسمح بمواكبة الأبحاث الصادرة عن كارنيغي.

للمزيد من المعلومات

في ليلةٍ صحراويةٍ خارج مدينة السويداء، يتكئ رجلٌ مسنٌّ على عصاه، ملفوفًا بسترة صوفية فوق العباءة السوداء التقليدية، وجعبته مليئة بالذخيرة، ويخاطب الناس المتحلّقين حوله، قائلًا: “اللي بيشتغل معنا صح، نحنا معه صح”. لكن إن لم يفعلوا ذلك، “حتى المريض اللي على عكّازته، بس يلزم بيزتّ عكّازته وبيحمل سلاحه”.

هذا الرجل هو الشيخ يحيى الحجار، قائد حركة رجال الكرامة، أبرز ميليشيا درزية في سورية. خلال زيارتي الأخيرة إلى السويداء والمناطق المحيطة بها، تحدّثتُ مع مقاتلين وزعماء دينيين ومواطنين وصفوا واقعهم بعبارات صريحة، شارحين أن الدروز معزولون ويشعرون بالتهديد ومتروكون لتدبّر أمورهم بأنفسهم.

خلال الأسابيع الأخيرة، أفادت تقارير بمقتل أكثر من 100 درزي على خلفية انتشار تسجيل صوتي مُفبرَك مُسيء للنبي محمّد نُسب إلى أحد أفراد الطائفة الدرزية. وسرعان ما وقعت اشتباكاتٌ عنيفة في السويداء ومناطق درزية في ريف دمشق. وقد تنصّلت الحكومة من المسؤولية، مُلقيةً اللوم على “عناصر خارجين عن القانون”، لكن مشاهد الدبابات والقتل والإذلال العلني للدروز غمرت مواقع التواصل الاجتماعي.

يظهر في أحد مقاطع الفيديو مسلحٌ يُرغم رجلًا مسنًّا على الثغاء كالخراف، فيسأله الرجل “معقول عم تطلب منّي هيك؟”، قبل أن يُصفع مرارًا. وفي مقطع آخر، يجري حلق شوارب شبّان دروز قسرًا بهدف تحقيرهم عبر استهداف رمز ثقافي له جذور عميقة لدى الدروز. إذًا، عادت ممارسات الإذلال التي طبعت لفترةٍ طويلة الحكم السلطوي في سورية إلى المشهد بقوة. ردًّا على ما يحدث، أصدر الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في سورية، نداءً عاجلًا بتوفير الحماية الدولية، واصفًا هذه الهجمات بأنها “جرائم إبادة”.

انتشرت المشاعر المعادية للدروز في أماكن أخرى أيضًا. ففي حماة، هتف المتظاهرون “الدرزي عدّو الله”. وفي جامعة في حمص، دعا متظاهرٌ إلى ذبح أي درزي يُصادفونه، ما أدّى إلى نزوح جماعي للطلاب الدروز إلى مناطق ذات غالبية درزية، حيث قال لي أحد سكانها: “إننا مستهدفون”.

ليست هذه المرة الأولى التي يحدث ذلك. ففي العام 2015، أقدم عناصر من جبهة النصرة، التي أصبحت لاحقًا هيئة تحرير الشام بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع، على قتل 20 درزيًا على الأقل في قرية قلب لوزة في محافظة إدلب. وأُرغم آخرون على اعتناق المذهب السنّي، وجرى تدنيس مقامات  الدروز وقبورهم. وفي العام 2018، نفّذ تنظيم الدولة الإسلامية تفجيرات وهجمات منسّقة في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 250 شخصًا وخَطف عشرات النساء والأطفال.

يرى الكثير من الدروز أن الشرع، الذي حارب في العراق إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية، قبل تأسيس هيئة تحرير الشام في سورية، يشكّل امتدادًا للإيديولوجيات المتطرّفة. وهم لا ينظرون إلى أعمال العنف الراهنة على أنها حوادث معزولة، بل جزءٌ من حملات ترويع متواصلة تُذكي مخاوف الدروز الراسخة منذ قرونٍ من وصمهم بأنهم زنادقة ومنبوذون.

إن ألم الدروز نتيجة تخلّي الحكومة الجديدة عنهم حادٌّ بشكلٍ خاص نظرًا إلى الدور الذي اضطلعوا به خلال الانتفاضة السورية. ففي السويداء، سرعان ما تحوّلت المظاهرات التي بدأت في آب/أغسطس 2023 احتجاجًا على ارتفاع أسعار الوقود، إلى مطالب أوسع نطاقًا بتغيير النظام. وكان مئات المتظاهرين يحتشدون في ساحة الكرامة في السويداء كل يوم جمعة. وقد أثار توقيت ذلك قلق كثيرين، إذ تزامن الأمر مع مساعي حذرة كان يبذلها جزءٌ من المجتمع الدولي تدريجيًا لإعادة تأهيل الأسد. واستنادًا إلى ما شهدتُه من قبل، حذّرتُ من أن الأسد، إن سنحت له الفرصة، سيردّ على أحداث السويداء كما فعل في المدن السورية المُعارضة الأخرى، من خلال قصفها وتهجير سكانها وشنّ حملة اعتقالات جماعية. لكن، مع ضعف قبضة الأسد، انضمّت حركة رجال الكرامة إلى فصائل المعارضة من درعا وتقدّمت نحو العاصمة.

قال لي الشيخ الحجار، “كنا في غرفة العمليات مع الفصائل الأخرى”، ثمّ أضاف وهو يضحك ضحكةً مكتومة: “وصلنا إلى دمشق قبل ساعاتٍ من وصول هيئة [تحرير الشام]”. كان ذلك رهانًا جريئًا. فحينما سقط نظام الأسد أخيرًا، توقّع الدروز أن يتمّ الاعتراف بهم كشركاء في الانتفاضة.

لكن على العكس، قوبِلوا بالتجاهل، وعمَد الشرع إلى تهميش قادة الدروز من العملية الانتقالية. فقد استُبعد الشيخ الهجري من الحوار الوطني ومن صياغة مسودة الإعلان الدستوري المؤقت التي اتُفق عليها في آذار/مارس. وتحدّث خلال اجتماعنا عن حصوله على رسائل تطمين مبهمة من مبعوثين ثانويين، وقد شاركه الحجار إحباطه. وحذّر الهجري من أن دخول القوات التابعة للحكومة إلى المناطق الدرزية “سيُعتبر بمثابة احتلال”، في ظلّ غياب الضمانات الواضحة بأن سورية ما بعد الحرب ستكون مكانًا “لجميع الأطياف، لا للون واحد فقط”.

ففي بلدة حضر الحدودية المختلطة بالقرب من مرتفعات الجولان المحتلّة، كانت أجواء التوتّر ملموسة. فقد أُطلق النار مؤخرًا على شيخ درزي، في جريمةٍ وصفها كثرٌ بأنها جريمة كراهية. وبعد أيام، شُوّه مقام للدروز عبر كتابة عبارة “مقام للدروز والكلاب” عليه بالغرافيتي. وفي ظلّ امتناع الدولة عن تأمين حماية حقيقية للدروز، لجأ هؤلاء إلى تولّي زمام الأمن بأيديهم، إذ باتت الميليشيات المحلية تسيّر دوريات في الشوارع، وتنخرط في حلّ النزاعات، وتصدّ محاولات الدخول إلى المناطق الدرزية.

وقد دخلت إسرائيل إلى الخطّ لملء هذا الفراغ، مصوّرةً نفسها حاميةً الدروز. فبعد أيامٍ على اندلاع أعمال العنف، شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية هجماتها الأوسع في سورية، مستهدفةً منطقة مجاورة لقصر الشعب.

إلى جانب العمليات العسكرية التي نفّذتها إسرائيل، عمَدت أيضًا إلى حشد قوةٍ رمزيةٍ أكثر تتمثّل في مواطنيها الدروز. يرى كثرٌ من الدروز أن أشكال التعبير الديني والثقافي مصانةٌ في إسرائيل أكثر ممّا هي عليه في لبنان أو سورية، وهما البلَدان الآخران اللذان يقيم فيهما أبناء الطائفة الدرزية التي تضمّ حوالى مليون نسمة. أخبرني الشيخ الهجري في المقابلة التي أجريتُها معه أن الدروز “يتمتّعون بحقوقهم هناك على الأقل”، أما “نحن فما زلنا نعيش في حالة انتظار”. وفي خطوة مُدبَّرة بعناية، سهّلت السلطات الإسرائيلية دخول مشايخ دروز سوريين لأداء فريضة الحج في مقام ديني شمال إسرائيل، وأقلّتهم على متن حافلات عسكرية تحت حراسة الشرطة عبر أراضٍ سورية احتلّتها إسرائيل مؤخرًا.

يحظى ولاء الدروز بثناءٍ علني في إسرائيل، ويرفرف علمهم بحرية، وهو حقّ تعبيرٍ لا يُمنح للمواطنين الفلسطينيين، إلّا أن هذه المسرحية لم تنطلِ على معظم الناس. إن الدروز في إسرائيل هم العرب الوحيدون المُلزمون بأداء الخدمة العسكرية، ويُرسَلون إلى قطاع غزة ونقاط التفتيش في الضفة الغربية، ويشرفون على مراكز احتجاز الفلسطينيين، الذين يقبع عددٌ كبيرٌ منهم من دون محاكمة. ولا تزال بلداتهم تعاني من التهميش الاقتصادي والإهمال ومستويات مرتفعة من الجريمة. وقد صنّفهم قانون الدولة القومية للشعب اليهودي الذي أُقرّ في العام 2018 مواطنين من الدرجة الثانية. واقع الحال أن الدروز اقتُلعوا من جذورهم التاريخية والثقافية، وتعاملهم إسرائيل بشكلٍ متزايد لا كجزءٍ من العالم العربي أو الإسلامي الأوسع، بل كمجموعة إثنية دينية متمايزة، الأمر الذي يخدم المصالح الإسرائيلية.

خلال جولتي، أخبرني سكان حضر أن مسؤولين إسرائيليين زاروهم في اليوم السابق، وعرضوا عليهم المساعدات وقدّموا رسائل التطمين. وأبلغني أحدهم، مشيرًا بإصبعه نحو جبل الشيخ، حيث تعبر الأنهار التي تغذيها الثلوج لبنان وسورية وإسرائيل: “هم ]الإسرائيليون[ يأخذون مياهنا أساسًا. ونحن نعلم أن لا خير سيأتي ]منهم[“. وعبّرت امرأةٌ من سكان السويداء عن ذلك بصراحةٍ أكبر، حين أشارت إلى المذبحة التي ارتُكبت بحقّ الدروز في العام 2018، قائلةً: “أين كانوا عندما كنا نتعرّض للذبح على يد تنظيم الدولة الإسلامية؟” وأضافت أن “الأمر لا يتعلّق بالحماية بل بالتوسّع”، مُستشهدةً بسيطرة إسرائيل على منطقة مساحتها 400 كيلومترٍ مربع في الأراضي السورية بعد سقوط نظام الأسد، وهي خطوةٌ صرّح الإسرائيليون أنها ستدوم إلى أجل غير مسمّى.

خلال الأسبوع الفائت، انكشفت نوايا إسرائيل. فحين حاول دروزٌ فيها عبور الحدود والانضمام إلى القتال في سورية، أوقفتهم السلطات الإسرائيلية، ما أثار احتجاجات أدّت إلى قطع طرقٍ في الشمال. وعبّر مثقّفون وسياسيون دروز إسرائيليون حتى عن مخاوفهم، إذ حذّر عضوٌ سابق في الكنيست من أن الطائفة تُستخدم “أداةً في خدمة السياسات الإسرائيلية الطويلة الأمد”.

في حمأة هذه الأحداث المتتالية، برزت من جديد أسئلة عدّة في أوساط الدبلوماسيين والمحلّلين: ما الذي يحدث مع الدروز؟ وهل يثق الهجري برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ وهل سيؤدّي إبرام اتفاق مع الحكومة السورية إلى حلّ المشكلة؟ والمعنى الضمني واضحٌ لا لبس فيه، وهو إلقاء اللوم على الطائفة نفسها، بدلًا من الدولة السورية التي فشلت في حمايتها.

يغيب عن الكثير من ردود الفعل فهمٌ أساسي لما يعنيه العيش كأقليةٍ شهدت تاريخًا طويلًا من الاضطهاد والصدمات المتوارثة عبر الأجيال. قال لي أحد السكان إن “النساء والأطفال مرعوبون ولا يغادرون بيوتهم”. يتردّد صدى هذا الخوف في أوساط الأقليات المهمشّة في سورية، ولا سيما بعد قتل مئات العلويين، إن لم يكن عددهم قد فاق الألف، في آذار/مارس الماضي، نتيجة هجمات شنّتتها مجموعات مسلحة وقوات تابعة للحكومة، عقِب أعمال عنف نفّذها فلول نظام الأسد. وطالبت منظمة العفو الدولية التحقيق في المجازر المُرتكبة في الساحل السوري بحق المدنيين العلويين باعتبارها جرائم حرب مُحتملة.

وما يثير القلق بالقدر نفسه هو ميل الاتحاد الأوروبي المتزايد، وراهنًا الولايات المتحدة، إلى التغاضي عن إخفاقات حكومةٍ لا تخضع للمساءلة ولا تمثّل جميع أطياف المجتمع. وبفعل الضغوط المُمارَسة لإحراز تقدّمٍ على مسار التطبيع وكسب نفوذٍ في دمشق، غضّ الكثير من القوى الخارجية والمحلية الطرفَ عن سجلات قادةٍ غير منتخبين ومتورّطين في ارتكاب جرائم، باتوا اليوم جزءًا من الحكومة الانتقالية الجديدة في سورية. وفي اندفاعةٍ واضحة لإبرام صفقات تجارية، زار الرئيس دونالد ترامب السعودية في الآونة الأخيرة وأعلن عن رفع العقوبات الأميركية عن سورية، قبل الاجتماع بأحمد الشرع في اليوم التالي في الرياض. حصل كل ذلك على الرغم من فشل الحكومة السورية في توفير الحماية للأقليات.

ما يحدث مع الدروز ليس معقّدًا. فهم برفضهم طلب الحكومة تسليم سلاحهم، تحدّوا سرديتها عن تنفيذ عمليةٍ انتقالية سلسة ما بعد الحرب. ولم تكن حملة العنف التي أعقبت هذه العملية مجرّد مصادفة، بل كانت رسالة. والتكهنات بأن الشيخ الهجري أو الدروز تحالفوا مع إسرائيل تغفل حقيقةً أعمق. فهذه ليست قصة عدم ولاء، بل قصة صمود وبقاء.

فيما يجد دروز سورية أنفسهم عالقين بين حكومة غير مستقرّة إنما قمعية وجماعات متطرّفة ازداد نفوذها من جهة، ومناورات إسرائيل الإقليمية من جهة أخرى، ما كان منهم إلّا أن اعتمدوا مجدّدًا على الثابت الوحيد الذي عرفوه: أنفسهم. وكما قال لي الشيخ الهجري: “سنحمي أرضنا وكرامتنا وإخوتنا، فوق كلّ شيء”.

مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط

———————-

سوريا وحساسية العلاقة مع إسرائيل/ زكريا ملاحفجي

2025.05.27

تُعد العلاقة بين سوريا وإسرائيل من أكثر العلاقات تعقيدًا وحساسية في منطقة الشرق الأوسط منذ عقود طويلة، إذ تكتسب أبعادًا تاريخية، سياسية، وعسكرية متشابكة، لاسيما مطلع القرن الماضي زمن حقبة الملك فيصل كانت سوريا تشمل أيضاً لبنان وفلسطين والأردن، ثم طرأت تطورات وارتسمت حدود دولية جديدة، وبقيت التدخلات والعلاقات المتداخلة بين الدول وشعوبها والتضامن فيما بينهم، ثم جاءت السيطرة الإسرائيلية على المنطقة ثم على أراضٍ سورية واحتلالها، وهذا عقد المشهد والعلاقة وجعل أي حديث عن التقارب أو التواصل بين الطرفين مسألة شديدة الحساسية على المستويين الرسمي والشعبي في سوريا.

حيث ترجع جذور العداء السوري–الإسرائيلي إلى نكبة عام 1948، وما تبعها من حروب، أبرزها حرب حزيران عام 1967 التي انتهت باحتلال إسرائيل للجولان السوري، وتمتد مساحته 1800كم مربع، والمنطقة العازلة التي تم الاتفاق عليها 1974م بين الطرفين ومساحتها نحو 235 كم مربع ومنذ ذلك الحين ظل الجولان المحتل رمزًا وطنيًا في الوجدان السوري، وعاملًا رئيسيًا في تعميق القطيعة بين دمشق وتل أبيب. وعلى الرغم من بعض المحاولات الدبلوماسية المحدودة خلال العقود الماضية، بقيت المواقف السورية متماسكة حول ضرورة انسحاب إسرائيل من كامل الجولان كشرط أساسي لأي تطبيع أو سلام.

تعتبر سوريا نفسها طيلة عقود دولة ممانعة، وتربط مواقفها القومية بقضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني.

هذا التوجه جعلها تختلف عن عدد من الدول العربية التي اختارت لاحقًا الدخول في اتفاقيات سلام أو تطبيع علاقات مع إسرائيل.

ودعمت سوريا حركات مقاومة فلسطينية، وهو ما زاد من عدائية العلاقة مع إسرائيل، التي بدورها تنظر إلى سوريا كطرف معادٍ.

في السنوات الأخيرة، ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، دخلت العلاقة مرحلة أكثر تعقيدًا. فقد كثّفت إسرائيل ضرباتها الجوية داخل الأراضي السورية، مستغلة الظرف وعملت على إطالة الصراع، وكذلك مستهدفة ما تقول إنها مواقع تابعة لإيران أو لحزب الله، في محاولة لمنع ترسيخ وجود عسكري طويل الأمد على مقربة من الحدود الجنوبية السورية.

ورغم هذه الضربات، لم تُظهر سوريا بذاك الوقت أي رغبة حقيقية في التصعيد أو الرد، مفضلة الرد القولي، أو الاحتفاظ بحق الرد فقط.

أما الحديث اليوم عن تطبيع سوري–إسرائيلي أعتقد ما زال غير وارد، لا بظرفه الواقعي ولا غير ذلك، ليس فقط بسبب الاحتلال المستمر للجولان، بل أيضًا لكون المسألة تحمل أبعادًا داخلية في وجدان الشعب السوري، بمختلف أطيافه، وقد احتلت اليوم إسرائيل مناطق جديدة بمساحة 400 كم مربع وتمركزت في المنطقة العازلة التي مساحتها 235 كم مربع، إضافة إلى السيطرة على قمة حرمون في جبل الشيخ والتي تعتبر قمة استراتيجية بارتفاع 2814م عن سطح البحر وتطل على ثلاث دول في المنطقة، وهذا في وجدان السوريين عقد المشهد والعلاقة بشكل أكبر، وكذلك محاولة إسرائيل التوغل في ريف درعا وقام الأهالي بصد الآليات الإسرائيلية وارتقى تسعة شهداء من أهالي درعا، وأي تغيير في هذا الموقف اليوم قد يُنظر إليه كتنازل يمس الأراضي السورية، والكرامة السورية.

مع التطورات الإقليمية المتسارعة، كالاتفاقيات الإبراهيمية، وتزايد المحاور المتنافسة في المنطقة، تبقى سوريا في موقف يتطلب حذرًا شديدًا. فهي، من جهة، تعاني من ضغوط سياسية واقتصادية تجعلها بحاجة لإعادة التوازن، ومن جهة أخرى، تدرك أن أي اقتراب من إسرائيل دون مقابل واضح سيُواجه برفض شعبي وحسابات إقليمية معقدة.

وربما الأسلم لسوريا التمحور مع الموقف السعودي الذي يؤكد على حل الدولتين مقابل السلام، وكذلك العمل على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي دخلتها وحل موضوع الجولان الشائك.

يمكن القول إن العلاقة بين سوريا وإسرائيل ستبقى مرهونة بعوامل عديدة، أهمها مصير الجولان، والأراضي السورية التي تمركزت عليها إسرائيل وكذلك موقف الشارع السوري، والتوازنات الإقليمية. وحتى إشعار آخر، ستبقى الحساسية هي العنوان الأبرز لأي نقاش حول هذا الملف، والذي يحتاج دقة عالية في التعامل دون تفريط بأرض سورية، وهذا واجب الدولة والمجتمع حماية الأرض والحدود السورية الدولية المعروفة.

وبظل سوريا جديدة تحتاج اليوم استقرار وبناء وحماية الأرض والشعب والمؤسسات، وإعادة الإعمار، وتحقيق السلم الأهلي بين مكونات الشعب السوري وتعتبر سوريا متعددة المكونات تحوي نحو 16 مكونا عرقيا ودينيا وطائفيا، وهو كان عامل ثراء تاريخي وينبغي استمراره بهذه التنوع الثري.

وعبور المرحلة الانتقالية بسلام للجميع وترسيخ الديمقراطية والحياة السياسية في سوريا بعد نضال دام 14 عاماً.

—————————-

إسرائيل: كيف نجعل دمشق جسراً لترميم العلاقات مع أردوغان؟/ ميخائيل هراري

شهدت شبكة العلاقات الإسرائيلية – التركية ارتفاعات وهبوطات على مدى السنين. منذ 7 أكتوبر، شددت تركيا سلوكها تجاه إسرائيل، وانتقلت من الخطاب المعادي والحاد إلى أذى حقيقي للعلاقات الاقتصادية. التطورات في سوريا أضافت تحدياً للعلاقات. فانهيار نظام الأسد سريعاً نتيجة لأعمال إسرائيل في لبنان وسوريا، جلب إلى الحكم في دمشق لاعباً تمتع بشبكة علاقات وثيقة مع أنقرة. تركيا ترى في ذلك فرصة استراتيجية لتصميم شبكة علاقات خاصة مع سوريا، بخاصة في ضوء مصالحها الحيوية في موضوع الأقلية الكردية في سوريا والدول المجاورة.

وخلق انهيار الأسد لإسرائيل واقعاً جديداً أدى إلى خروج إيران من سوريا وإضعافها في المنطقة، وإلى صعود زعيم ذي أجندة جهادية. منذ نشوب الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 احتارت إسرائيل بين وجهتين: تأييد إسقاط نظام الأسد، أم تفضيل “الشيطان المعروف”، إلى أن تبنت تفضيل سوريا كدولة فاشلة.

أما الآن، فإسرائيل مطالبة بأن تقرر: “الإبقاء” على سوريا كدولة فاشلة بلا حكم مركزي، أم إعطاء ائتمان للحكم الجديد رغم التخوف من مذهبه السياسي – الديني. غير أن التطورات كانت أسرع مما ينبغي من وجهة نظر إسرائيل: لاعبون مركزيون في المنطقة قرروا تبني الحكم الجديد كأفضل من سابقه. وتركيا وقفت على الرأس، لكن دول الخليج أيضاً، وعلى رأسها السعودية، قررت معانقة الشرع. الرئيس ترامب انجرف هو الآخر، وقرر بطريقته وبدفعة دراماتيكية واحدة، رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا. وقفت إسرائيل مرة أخرى أمام واقع جديد، لم تكن شريكاً في رسمه. بل إن إسرائيل فشلت في فهمها بنافذة الفرص التي فتحت أمامها شمالاً.

سيصعب ترميم علاقات إسرائيل مع تركيا قبل انتهاء الحرب في غزة، ولعله لا ينبغي الإسراع في ذلك. لكن الساحة السورية تستوجب من الدولتين تشمير الأكمام للعثور على المصالح المشتركة، وإيجاد تفاهمات لا تمس بمصالح الدولتين وتنخرط ضمن ما يعتبر كاستعداد من جانب الأسرة الدولية بالسماح للشرع ببناء حكم مركزي مستقر.

اتصالات إسرائيل – تركيا تجرى الآن بحثاً أمريكياً ووساطة إقليمية. والمطلوب فكر استراتيجي حديث في إسرائيل يقوم على أساس بضعة أقانيم: خروج إيران من سوريا يخدم مصلحة إسرائيلية. تفضيل “سوريا ضعيفة ومنقسمة” يتعارض وموقف أغلبية الأسرة الدولية والإقليمية ويستوجب تحديثاً؛ وسياسة استخدام القوة ومجال العمل العسكري الذي أخذته إسرائيل لنفسها تستوجب لجماً ذا مغزى. القلق من نفوذ تركي كبير مفهوم، لكنه مبالغ فيه.

سوريا تحت نفوذ تركي خطرة على أمن إسرائيل أقل من سوريا تحت نفوذ إيراني. والمطلوب الوصول إلى تفاهمات مع أنقرة في موضوع الساحة السورية، بشكل يخدم الدولتين. يمكن لهذا أن يكون خطوة أولى نحو ترميم العلاقات بين الدولتين.

معاريف 25/5/2025

القدس العربي

——————————–

تقرير: التقارب الأميركي ـ السوري يُربك حسابات إسرائيل العسكرية

واشنطن: «الشرق الأوسط»

-27 مايو 2025

في تحوُّل غير مسبوق في السياسة الإقليمية، تسبَّب تقارب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مع القيادة السورية الجديدة، في إرباك استراتيجية إسرائيل العسكرية، وأدى إلى توقف شبه كامل للغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية. وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز».

وكانت إسرائيل قد كثَّفت عملياتها العسكرية في سوريا منذ الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد. وتشير بيانات عسكرية إلى تنفيذ أكثر من 700 غارة إسرائيلية خلال الأشهر التي تلت سقوط الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، شملت استهداف مواقع استراتيجية، بينها أسلحة ثقيلة ومرافق دفاع جوي، وحتى غارة نادرة على مقربة من القصر الرئاسي في دمشق مطلع مايو (أيار) الحالي.

إلا أن هذه العمليات الجوية توقَّفت فجأة بعد لقاء ترمب، والرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في 14 مايو، في خطوة قلبت سنوات من السياسة الأميركية في الشرق الأوسط رأساً على عقب.

وأعلن ترمب، خلال اللقاء، خططاً لرفع العقوبات عن سوريا، قائلاً إن لدى الشرع فرصةً حقيقيةً لإعادة توحيد البلاد بعد 14 عاماً من الحرب الأهلية.

وساد تحفظ إسرائيلي وتراجع في عمليات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي لا تزال تنظر بريبة إلى نوايا الحكومة السورية الجديدة، بعد أن تفاجأت بالتحوّل الأميركي.

وقالت كارميت فالنسي، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: «إن إسرائيل كانت تركِّز ضرباتها على الأسلحة الاستراتيجية المتبقية من عهد الأسد؛ بهدف منع وقوعها في أيدي جماعات معادية».

وكان المستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي، عوزي أراد، قد أشار إلى أن تل أبيب تتعامل مع الوضع في سوريا من منطلق دروس جنوب لبنان، في إشارة إلى المواجهات السابقة مع «حزب الله».

وحسب التقرير، تعكس التصريحات الرسمية الأخيرة تغيّراً في لهجة إسرائيل، إذ أشارت فالنسي إلى أن هناك اتجاهاً نحو تخفيف التصعيد، وربما فتح قنوات للحوار مع النظام السوري الجديد.

الدروز… سبب معلن ومصلحة إقليمية

رغم تبرير إسرائيل لغاراتها بدافع حماية الطائفة الدرزية في سوريا، وهي أقلية تربطها علاقات قوية مع الدولة العبرية، فإن الغارات المكثفة بعد سقوط الأسد لم تقتصر على مناطق وجود الدروز فقط.

ففي أعقاب الاشتباكات الدامية في السويداء أواخر أبريل (نيسان)، قدَّمت إسرائيل مساعدات محدودة للمقاتلين الدروز، كما أكدت أن الغارة قرب القصر الرئاسي في دمشق كانت تحذيراً للشرع، وفق ما نقلته مصادر عسكرية إسرائيلية.

غير أن التحليل الأوسع للمشهد يشير إلى دوافع أعمق؛ إذ يرى مسؤولون أمنيون أن الغارات استهدفت منع تمركز جماعات معادية قرب الجولان، والحد من نفوذ تركي متزايد في الساحة السورية، خصوصاً مع دخول أنقرة على خط الدعم السياسي والعسكري لحكومة الشرع.

تساؤلات داخلية… وانتقادات دولية

أثارت التحركات الإسرائيلية الأخيرة انتقادات خارجية وداخلية على حد سواء.

فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي التقى الشرع منتصف الشهر الحالي، انتقد استمرار الغارات الإسرائيلية قائلاً: «لا يمكنك ضمان أمن بلدك بانتهاك سيادة جيرانك».

أما داخلياً، فقد بدأ بعض المسؤولين الإسرائيليين بمراجعة نجاعة الاستراتيجية العسكرية، إذ صرَّح تمير هايمان، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، بأن «العمليات الأخيرة باتت تُنفَّذ بدافع الزخم. لا بد من مراجعة شاملة للأهداف والجدوى».

الشرع يعد بالسلام… وإسرائيل تتوجس

أكد الشرع، الذي كان في السابق مرتبطاً بفصائل متشددة، خلال لقاءاته الأخيرة، أنه يسعى إلى نظام مستقر وشراكة مع الغرب. إلا أن إسرائيل لا تزال ترى في حكومته امتداداً لجماعات متطرفة، كما وصفها وزير الخارجية جدعون ساعر بأنها «حكومة جهادية ترتدي بدلات رسمية».

ورغم الهدوء الذي يسود الحدود السورية – الإسرائيلية منذ تولي الشرع الحكم، فإن المخاوف الإسرائيلية من تكرار سيناريو الحوثيين على حدودها الشمالية، كما عبَّر يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي السابق، لا تزال قائمة.

وبينما تزداد مؤشرات التهدئة، يبدو أن تقارب واشنطن ودمشق يعيد رسم خطوط التماس في الساحة السورية، ويضع تل أبيب أمام معادلة جديدة، أكثر تعقيداً، وأقل قابلية للحسم العسكري.

———————————-

===========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى