مقالان تناولا العلويين في سوريا لمنير شحّود

المجتمع السوري العلوي المدمّر والفرصة التاريخية/ منير شحّود
27 مايو 2025
أخرج نظام الأسد الأب السوريين العلويين من سيرورتهم التاريخية الطبيعية ضمن المجتمع السوري، ليدخلهم في قفص الأسدية، فتشوّه تاريخهم في الأسر، ليقبلوا مكرهين أو راضين بدورهم الجديد. ثم سلمهم في القفص نفسه إلى وريثه القاصر، قبل أن يضع زهران علوش نساء السوريين العلويين وأطفالهم في أقفاصه الحقيقية وينشرها على أسطح بنايات دوما، في محاولة لتحييد طيران النظام.
بعد السقوط المفاجئ، تُرك العلويون على قارعة المخاوف والموت، بعد أن أوهمهم النظام بالحماية، فكيف يمكن أن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية ويساهموا في نهضة مجتمعاتهم المحلية والمجتمع السوري عامة، كأفراد مبدعين خارج كل الأقفاص، كما كانوا دائماً؛ لا تجمعهم مرجعية ولا يحدّ حريتهم إطار.
يعود حضور النخب العلوية في المشهد السوري إلى نهاية القرن التاسع عشر، وقد درسوا في مدارس البعثات التبشيرية البروتستانتية الأميركية واليسوعية الفرنسية، وبعض المدارس التي بناها الولاة العثمانيون المتنورون (ضيا باشا ومدحت باشا)، وازداد عدد المدارس وروّادها في فترة الانتداب وبعد الاستقلال، وازداد حضورهم في الحياة العامة، في الجيش والشرطة والثقافة والشعر والأحزاب السياسية.
وحدث المنعطف الخطير في طبيعة النخب العلوية بعد عام 1963، وخصوصاً بعد 1970، حين تحوّلت هذه النخب بمعظمها من الثقافة والأدب، إذ لم يكونو حرفيين ولا تجاراً بارعين، ولا بحارة رغم قربهم من شاطئ البحر المتوسط، إذاً لا حِرف ولا صناعة يعتد بهما في الجبال لتنشأ نخب صناعية – تجارية، إلى الجيش والأمن، فتقدّمت النخب العسكرية والأمنية العلوية لتأخذ مكانها في الصدارة، والتمعت النجوم على أكتاف قادة الفرق ورؤساء فروع المخابرات العلويين، وصار على أمثال أدونيس وسعد الله ونوس أن يطلبوا مقابلة مثل هؤلاء لتحقيق منفعة أو طلب رحمة!
في القفص الأسدي، الذي وضع الأسد الأب مفاتيحه في جيبه، صار العلويون “أقل علوية” أو “أكثر إسلامية”، بسبب المناهج المدرسية التي تُدرس فيها مذاهب السنة فقط، وقد خلت من أي إشارة إلى تاريخ الطوائف الأخرى ومنها العلويين، وطريقتهم في التديّن والحياة، والتي دفعوا ثمناً غالياً لللحفاظ عليها طول قرون، مضحّين بكل ما يملكون من أجل حريتهم، فكانت الجبال معاقلهم، ككل المختلفين والمتمرّدين عبر التاريخ. وكادت بذرة الحرية هذه تتحوّل إلى نقطة إيجابية في سورية المتنوعة، حيث يمكن لأبناء العلويين الانفكاك بسهولة من التقاليد الدينية والاجتماعية إلى الفضاء الثقافي العام، فافتقدت سورية طاقاتهم الحرّة حين حُشروا في قفص الأسدية، وفقدوا الميزة التي كانت تؤهلهم ليلعبوا دوراً على المستوى الوطني. ربما كل مكونات المجتمع السوري تعرضت للتشويه والتضييق، لكن العلويين تعرضوا للاختطاف بطريقة أكثر قسوة.
وكان الأهم بالنسبة للأسد الأب، ومنذ البداية، تقديم التنازلات لبعض المرجعيات السنية والتحالف معها، وهي المهمة التي نجح فيها إلى حد كبير. ففي مجتمعات لم ترقَ إلى درجة الانتماء للدولة، كان استغلال الانتماءات القبلية هذه وبث الفرقة في صفوفها مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى أي نظام تسلطي يريد أن يحكم بالغلبة، وليس في وسعه التغاضي عن تأثير الدين على الجمهور وقدرته على استثارته عاطفياً أو تسكينه. أما رجال الدين العلويون، الغارقون في طقوسهم السرية، فلم يكونوا بذات الأهمية، ويمكن تحييد المتمردين منهم على سلطة الأسد أمنياً إن لزم الأمر.
وحين انتشر العلويون على نطاق واسع حول المدن، المكتفية بتقاليدها واجترار نمط حياتها إلى حد بعيد، لم يدركوا أنهم يحملون أقفاصهم الأسدية معهم، والتي لن يخرجوا منها إلا هزيلين وضعافاً وعرضة للمفترسين، وقد فقدوا القدرة الفطرية على التكيف في غابات الحياة. وطوال الفترة الأسدية، لم يتمكن العلويون من إظهار أنفسهم كما هم بالفعل، ليستمر الغموض الذي يحيط بهم، والذي عززته ليس فقط سياسة الأسدين، إنما كذلك عدم رغبة تيار سني تقليدي (تحول إلى أصولي لاحقاً) في تغيير نظرته النمطية التاريخية حولهم.
ومع ذلك، لم تكن البيئة السنية العادية طاردة للعلويين خارج نطاق السلطة والتسلط، واقتصرت نظرتها السلبية على ضرب من “الغيرة الطبقية” بسبب نهضة أبناء طائفة كانت، برأي باتريك سيل، دونهم في الثروة والجاه والعلم والمكانة الاجتماعية. من جهته، كان العلوي العادي، خارج دوامه الرسمي، يرى أن الآخر السني هو جاره الذي يمكن أن يتعامل معه في مختلف مجالات المصلحة وبكل سلاسة، بعيداً عن سطوة أصحاب السلطة ومصالحهم المرتبطة بتقسيم المجتمع وإعادة بناء علاقات مكوناته على أساس تنافري.
ثم أفضت الممارسات التمييزية الأسدية وجولات العنف المتبادلة بين النظام والإخوان المسلمين في سنوات 1976 – 1982 إلى ظهور فجوة عميقة في الاجتماع السوري صار من الصعب ردمها، وقد غذّتها المزيد من الصراعات السياسية الإقليمية التي اتخذت طابعاً سنيّاً – شيعيّاً، وأفضت إلى حدوث تراجع خطير في الوطنية السورية التي لم تكن قد اكتملت، فدخل سوريون كثيرون “أقفاصهم”، بغياب الدولة الحامية والقانون.
وفي البيئات العلوية، اجتمع “الحملان والذئاب” معاً داخل الأقفاص التي لم تكن مظاهر البؤس قد فارقتها، حيث عاد إليها معظم الضباط الكبار محمّلين بهزائمهم أو أوهام نصرهم في الحروب، ليعيشوا في القصور والفلل المسوّرة، يبيعون الامتيازات للفقراء من أجل أن يرفدوا السلطة، سلطتهم، بدم متجدد. وتحالف كبار ضباط النظام مع بقايا النظام المشايخي المتهالك لينالوا بركاته، في استعادة لدور مقدمي العشائر، الذين انقرضوا بعد التحولات الاجتماعية العميقة التي حدثت منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، ولكن بكرم ونفوذ أقل.
في هذا السياق، حاول المسؤولون السوريون العلويون إيهام خدمهم من فقراء العلويين بأنهم سواسية داخل القفص في مواجهة خطر بات وشيكاً من الآخر المختلف (السني)، وقد صارت استعادته أكثر احتمالاً بسبب ممارساتهم، وللتغطية أيضاً على البون الشاسع في الحالة المعيشية والطبقية بين الفريقين، فالأولون يرفلون في النعم، بينما يتوسّد الآخرون الأرض على أبواب مكاتب المسؤولين وعتبات بيوتهم، لكن صاحب الفيلا نجح باقناع المرافق الجالس في كولبة الحراسة على بابها انهما صنوان وشريكان، وان الآخر يتربص بهما معاً.
خدم مثل هذا النمط المتوتر من الحياة أكثر أنماط الاستغلال بشاعة، كضرب من العبودية. فكان على العلويين العاديين أن يكتفوا بشعور الانتصار لمظلوميتهم التاريخية والخروج من قوقعتهم الجبلية وإمكانية العيش في المدن، الأمر الذي حُرموا منه أكثر من عشرة قرون، وأن يقتنعوا بأن معارضة الأسد تعني في ما تعنيه العودة إلى الجبال وانتقام القوى السنية منهم. ووقعت أكثرية العلويين في المصيدة الذهبية بين هؤلاء وأولئك، وحدثت المذبحة المنتظرة بجهود أصحاب المصلحة.
الآن، وبعد سقوط الأسدية وما تلاها، ثمّة فرصة مناسبة، ولو أنها معمّدة بالدم، من أجل القطع مع ثقافة الأسديين وإعادة إحياء المجتمع العلوي المُحتضر، من خلال تنظيمه مدنيّاً لإيجاد بدائل تمثيلية جديدة يمكنها مواجهة قوتين؛ الأسدية ومرادفاتها من جهة، والسلطة، الحالية أو القادمة، لضمان حق الحياة على الأقل، من جهة ثانية. تنطبق وصفة المجتمع المدني هذه على المجتمع السوري كله. ولا يتناقض تنظيم المجتمع مدنياً مع التنظيمات الأهلية التقليدية، بل ينافسها على الخير العام.
ومن أجل إحياء المجتمع المدني في مناطق العلويين خصوصاً، يبدو أن المرأة ستضطلع بمعظم المهام، كونها نجت مرّتين؛ مرة من أسر العقيدة وأخرى من سطوة ثقافة الحرب المضللة وغير المنتجة. وإذا كانت مكاسب المرأة العلوية سابقاً لا تختلف عن مكاسب المرأة السورية بصورة عامة، كالحماية الاجتماعية والمساواة في الأجر، إلا أنها تمكّنت من تجاوز الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية الأقل قسوة بطبيعتها في البيئة العلوية.
لا يُخفى أن المزاج العلوي صار بعيداً عن القبول بالحالة القهرية المفروضة عليه حاليّاً بسبب عدم تطبيق العدالة الانتقالية، وينتظر أي فرصة للخلاص، ولا يغيّر هذا المزاج سوى بناء دولة ديمقراطية (ديمقراطية أي لا مركزية بالضرورة) يتوافق عليها جميع السوريين. البديل عن ذلك ليس فقط استمرار الانتهاكات وعمليات القتل الحالية، إنما استمرار دوريتها أيضاً في ظروف مختلفة، وتقسيم سورية في نهاية المطاف.
العربي الجديد
——————————-
العلويون في عهد بشار الأسد (2000 –2024)/ منير شحود
نشر في 27 أيار/مايو ,2025
لم تكن المرحلة الوطنية قصيرة الأجل (1946 -1958) ملائمة لكثير من العلويين، وحصلت بعض المنغصات في السنوات الأولى بعد الاستقلال، جعلتهم يشكّون في نيّات السلطة الوطنية، لدرجة مقارنتها بالحكم العثماني. على سبيل المثال، تركَ إعدام كل من النائب في البرلمان سلمان المرشد والثائر بو علي شاهين، وممارسات الشرطة في عهد حكومة جميل مردم بك، صدمةً وخيبة أمل كبيرتين بعد الاستقلال، وتبين وجود رغبة عند قيادات الكتلة الوطنية في الانتقام من العلويين (والدروز)، بحجة “تعاونهم مع الفرنسيين”، كما أشار عضو الكتلة الوطنية أحمد نهاد السياف، في مذكراته المنشورة بعد وفاته.
خلال هذه الفترة، تركَّز الحراك العلوي داخل الجيش، ومن خلال الأحزاب العقائدية العلمانية، ولا سيما حزب البعث والحزب القومي السوري الاجتماعي، إلى أن نجح تنظيم بسيط هو اللجنة العسكرية في لعب دور مهم في مجريات انقلاب 1963 والسنوات القليلة التي تلته. ولم يكن التنافس على المناصب والمكاسب يأخذ البعد الطائفي الذي بقي هامشيًا ومُضمرًا، مقارنة بالعامل الأيديولوجي، ولكنه بقي قابلًا للاستخدام حين كان يمكن أن يؤدي دورًا في تعزيز التحالفات ويساعد في تحقيق الأهداف.
ثم تبلور الدور العلوي بعد انقلاب الأسد الأب 1970، كذراعٍ أمنيةٍ للنظام اقتضتها طبيعة انتماء قمة هرم السلطة إلى الطائفة العلوية، ولم يكن ذلك منفصلًا تمامًا عن وعي العامة بدور يقومون به على خلفية مظلوميتهم التاريخية، إلى جانب قناعة بعض العلويين وغيرهم بالدعاية الديماغوجية للسلطة في ما يتعلق بعلاقتها التصادمية مع الخارج، المعادي أو المُستَعدى، لتكريس مزاعمها الوطنية. في هذه العلاقة، لم يكن للعلويين امتيازات إلا بمقدار خدمتهم للسلطة، وقد تم اختيارهم من ذوي القربى ضمانًا للثقة ليكونوا أهم أسوار حماية النظام، فهجروا أرضهم، ولم يبقَ فيها سوى قلة من الذين تابعوا صيرورة تطورهم الطبيعية والبطيئة، بعيدًا عن مفاسد السلطة و”نعمها”.
في البداية، لم يكن لدى العلويين ما يقدمونه للسلطة إلا كجند يشدّون أزرها، بينما عملت النخب العلوية على التحالف مع برجوازية المدن من السنّة والمسيحيين ورجال دينهم لبناء ركائز اقتصادية – دينية، فيما قضت السلطة على كلِّ استقلال ديني واجتماعي عند العلويين، لدرجة استبدال مشايخهم التقليديين بآخرين مصنَّعين على المقاس بعد تقاعدهم من الجيش والأجهزة الأمنية، أو من أولئك المتشيّعين الذين التحقوا بدوراتٍ دينية في بلدة “السيدة زينب”، على غرار الدورات العسكرية، ففشل معظمهم لعدم تقبّل البيئة العلوية لهذا التوجه الجديد، وعادوا ليتعلْوَنوا من جديد. لقد كان على العلويين أن يتماهوا في السلطة، فلا يبقى لاستقلاليتهم الدينية مكان، وكأنهم وُلدوا ليكونوا أسديين وحسب، ويكفيهم الشعور بأنهم تجاوزوا قرونًا من المظلومية التاريخية!
وكان المطلوب من رجال الدين العلويين أن يطابقوا بين العلوية والشيعية، لسبب سياسي محض، بخلاف الواقع، فيكون الرئيس الأسد شرعيًا من الناحية الدينية باعتباره شيعيًا، أي مسلمًا، ليتوافق مع متطلبات دستور 1973 بأن يكون رئيس الدولة مسلمًا. أما أن يكون الرئيس علويًا، فهو أمر إشكالي، نظرًا للاعتقاد السائد في بعض الأوساط السنية بأن العلويين غير مسلمين وهراطقة.
ولضمان التحاق كثير من الشباب العلويين بمؤسسات النظام الأمنية والعسكرية، تم استغلال واقع قلة الموارد الاقتصادية في بيئتهم الجبلية، فوقعوا في فخّ الحاجة، وتحوّلوا إلى جنود يرتزقون من خدمتهم للنظام. وتمّ قمع أي معارضة سياسية داخل الطائفة، فتحوّلت معظم هذه المعارضة تدريجيًا إلى مجالات ثقافية وفنية لا تشكل خطرًا على النظام.
لقد كان على العلويين أن “يتجرّعوا” التخويف المستمر من عودة الماضي، ليقتربوا أكثر فأكثر من السلطة، وما يقتضيه ذلك من تغييب لذاكرتهم التاريخية، وبغياب أي مرجعية يمكن أن تشارك السلطة الاهتمام بشؤونهم والتعبير عن وجهات نظرهم. ومع ذلك، كان شعور معظم العلويين بأنهم يعيشون عصرهم الذهبي، كوهم أو كحلم، حتى ولو كان الواقع يخالف ذلك، نظرًا لمرور قرون عصيبة لم يعرف فيها “العلوي” غير الهروب إلى العزلة، ليحمي عقيدته من لعنة التكفير السنية والرفض الشيعية، فلا غرابة أن يلتجئ بعض العلويون أحيانًا إلى مَن يشعرون بالأمان بوجوده، حتى لو كان البعيد عنهم في البيئة والمعتقد، كالصليبيين والفرنسيين وحتى المغول (قبل تسنينهم)، حين يتهدد وجودهم فقط.
أما وقد توفر شرط أساسي لتبلور العصبية بوجود قائد وحيد بعد عام 1970، فقد صار الأمر يبعث على الغبطة، حتى لو لم يجد العلوي البسيط ما يسدّ به رمقه، وفي وعيه، ولا وعيه، خوف من العودة إلى ملاذه الجبلي ليعيش عزلة جديدة. ولم تستند العصبية إلى مرجعية خاصة بها، فمثل هذه المرجعية تشكل خطرًا على نظام الأسد، لأنها ستقاسمه النفوذ والسيطرة ويريدها الأسد له وحده، لذا يمكن توصيف هذه العصبية المتشكلة بأنها عصبية علوية – أسدية أكثر من كونها عصبية علوية صرفة.
لقد سحب الأسد الأب تاريخ العلويين وطريقتهم الدينية من التداول، وكان على العلويين أن يتشبهوا بالسنّة والشيعة ويقيموا الصلاة الظاهرة، كما يفعل رئيسهم في المناسبات الدينية. واستمر التيار الديني التقليدي بأداء طقوسه كما كانت عبر التاريخ، ولكنه لم ينجُ من لعنة السلطة، بما في ذلك محاولة إدخال شخصية الأسد الأب ضمن دائرة القدسية العلوية، ولا سيما بعد أن عاد الخوف الوجودي في فترة الصراع مع الإخوان المسلمين وطليعتهم المقاتلة (1976 -1982).
وفي بلدٍ تسيطر الأجهزة الأمنية على كل مؤسساته التي يهيمن عليها العلويون، ارتبطت العلوية في ذهن العامة بدكتاتورية النظام، من دون أن نُغفل وجود المواقف الطائفية المسبقة والمتعالية عند بعض الأوساط الدينية السنية، وأخطرها تكفير العلويين استنادًا إلى فتاوى ابن تيمية وغيرها. ولهذه الأسباب، يأخذ الخوف من الآخر، السنّي، بصفته التي يكفِّر بها العلويين، شكل رُهاب مرضيّ أحيانًا، خوفًا من أن يتحوّل إلى واقع في أي لحظة، كما حدث في سنوات الحرب الأخيرة، واستمر بعد سقوط النظام.
إن الدور المهمّ الذي لعبه العلويون في بنية النظام جعلهم أسرى مصالحه في البقاء في الحكم “إلى الأبد”، وضاعت مصلحتهم المستقلة بغياب من يمثّلهم، كمرجعية أو كقوى سياسية أخرى، فحتى القمع الذي كان النظام يمارسه صار مرتبطًا بالطائفة العلوية، لأن “أعداءها” التاريخيين من بعض النخب السنية ينظرون من هذه الزاوية إلى الأحداث وحسب، انطلاقًا من سيطرة الديني على السياسي وهيمنته، لذا يمكن أن نفهم التحول من العداء للنظام إلى العداء تجاه العلويين، بعد بروز الأسلمة في ثورة 2011.
ومع توافق مصلحة العلويين مع مصلحة النظام على العموم، فإن الريادة والقيادة كانت لمصلحة النظام وليس الطائفة، فهو يمتلك حرية المناورة المستمدة من حيازته للسلطة، من أجل التقرب من الأطراف الأخرى أو النأي بنفسه عنها، حسبما تقتضي مصلحته.
وباعتبار أن النظام زائل والطائفة باقية، فإنها ستتحمل وزر سياساته لعقود قادمة، حتى لو تم الانتقال بسورية إلى نظام ديمقراطي لامركزي وعلماني، والتشديد على كلمة علماني هنا يأتي من قناعة راسخة بأن لا دولة حديثة من دون الفصل بين السياسة والدين في منظومة الحوكمة والإدارة.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه.
تحميل الموضوع
مركز حرمون