من يسيطر على مافيا المراهنات في سورية بعد سقوط النظام؟/ مازن الهندي

27 مايو 2025
كما هي الحال في بلدان كثيرة، توجد مكاتب المراهنات في سورية منذ نحو عقدين بشكل غير مرخص، وقد دفعت الحالة الاقتصادية كثيرين إلى المراهنة على المباريات.
استغلت الشركتان المشغلتان للهواتف الخليوية (سيرتيل وMTN) هذا الشغف في البدايات، من خلال مسابقات لتوقع النتائج مقابل الحصول على نقاط أو وحدات مجانية بدءاً من العام 2005، فقد وجدت مكاتب المراهنات أرضاً خصبة للعمل في بلد يعشق الكثير من شعبه الرياضة. ولم يقتصر الأمر على فئة الشباب فقط، بل تعدى ذلك إلى المشاهير من الفنانين والرياضيين الذين كانوا يجدون تسلية في الدخول إلى مواقع المراهنات التي تقدم خدمة (ألعاب الكازينو) أيضاً، لتوفر على الكثيرين السفر إلى لبنان وممارسة هوايتهم هناك.
بإشراف الدولة ومن دون ترخيص
رغم الآثار السلبية الكثيرة التي أودت بحياة شبابٍ كثيرين ومستقبلهم، إلا أن النظام السوري الساقط لم يتخذ أي إجراء لمحاربة مكاتب المراهنات أو المتعاملين معها في البداية، قبل أن تضع بعض العائلات المعروفة، مثل بيت الأسد وشاليش، يدها على هذه المكاتب بشكل كامل لحصد الأموال من الشعب بطريقة غير مباشرة. الأمر الذي جعل “الديلرز” يحظون بحماية كاملة في عملهم، وهو ما سمح لبعضهم بالوجود بشكل علني وثابت في بعض الأماكن، لتوفير “الرصيد” المطلوب لمن يرغب في الرهان، والحصول على الأموال (أو تقبيض) الزبائن أرباحهم.
ورغم الفضيحة الكبيرة التي حصلت في العام 2009 والتي ثبتت من خلالها محاولة إحدى الشركات السنغافورية التلاعب بنتائج مباريات الدوري المحلي عبر شراء ذمم لاعبين عديدين، إلا أن الأمر استمر (بالخفاء) وتحت أنظار الحكومة السورية من دون حساب حقيقي، مع العلم أن عديدين من مدرّبي الأندية السورية كشفوا من خلال أحاديث جانبية أنهم تمكنوا من معرفة تورّط لاعبين عندهم في عمليات المراهنات قبيل أو بعد مباريات الدوري المحلي التي أثارت نتائجها الدهشة والجدل.
تعدّدت الأسباب والنتيجة واحدة
يقول أحد العاملين في القطاع الرياضي ممن أدمنوا الرهان على المباريات إنه عندما التحق بالخدمة الاحتياطية في سن متأخرة عام 2015، تعرف على الأمر بالصدفة في قطعته العسكرية، بعدما طلب منه أحد العساكر المتطوعين توقع نتيجة مباراتين له في الدوري الإسباني اعتماداً على الخبرة التي يمتلكها هذا الشخص في كرة القدم العالمية، وبعد أن نجح توقعه في أكثر من مرة، قرر أن يخوض التجربة بنفسه، لسببين رئيسيين، أولهما حالة الفراغ التي كان يعيشها في قطعته العسكرية بحكم عمله الإداري فيها، وثانيهما الحاجة لكسب المال من أجل شراء “هدية” لقائد كتيبته مع كل إجازة يأخذها للعودة إلى منزله، أو ما يعرف باسم “التفييش”، أي دفع راتب شهري لقائد كتيبته مقابل البقاء في منزله خلال فترة الخدمة. ويضيف علاء. ع: “خسرت أموالاً طائلة ووقعت تحت وطأة الديون الكبيرة، ورغم ذلك لم أستطع أن أتوقف فترات طويلة، حيث كنت أعود للرهان على المباريات وإلى ألعاب الكازينو كلما توفر لدي بعض المال”.
يقول أحد الأشخاص المدمنين على الرهان على المباريات إنه اضطر إلى بيع بعض من أغراض منزله لسداد الديون، وبحسب شهود عيان، فإن بعضاً ممن لم يتمكّن من سداد الدين قد أقدم على الانتحار فعلاً.
صراع أهل السلطة
المكاسب الكبيرة التي حققتها مكاتب المراهنات جعلت العين “مفتوحةً” عليها من أهل السلطة، وتشير المعلومات التي حصلنا عليها من المدمنين على المراهنات إلى أنه بين حين وآخر، كان يُبلغون بأنه سيُنتقَل إلى شركة مراهنات مختلفة بسبب إغلاق الشركة “المشغّلة”، وحقيقة الأمر تؤكد أن الصراع كان يشتد بين العائلات الحاكمة للسيطرة على “باب الرزق هذا” في سورية، حتى استقر الأمر مع بداية العام 2021 على شركة مراهنات تُدعى “Ichancy”، ومقرّها في أرمينيا، مملوكة من أحد أفراد عائلة الأسد، حيث نجح القائمون على هذه الشركة في توفير عروض ومغريات أفضل من مشغّلي الشركات السابقة، والاستيلاء على “السوق” بشكل كبير.
واللافت أن الإعلان عن هذه العروض، سواء من “مدير الظل” الذي يشرف على العمل في سورية ويحمل اسماً حركياً (Robert green) أو من “الديلرز”، يجرى عبر صفحات فيسبوك وبشكل علني لا يخفى على أحد. وبالرغم من ذلك، لم يتمكّن أحدٌ يوماً من إيقاف المشرفين عن هذه الآفة أو القبض عليهم، بالنظر إلى أنهم يتمتعون بحماية كبيرة، رغم حملات صغيرة من بعض عناصر الشرطة أو الأمن، كانت تسفر عن القبض على بعض “الديلرز” بضعة أيام، قبل أن يخرجوا مجدّداً بعد (دفع المعلوم) ليمارسوا عملهم بشكل واضح.
ويملك هؤلاء حسابات بنكية معروفة، كما أن الدفع يتم في كثير من الأحيان عبر اللقاء المباشر بين الديلر والزبون أو من خلال حوالات عبر شركتي الهرم والفؤاد للحوالات المالية بشكل يومي ومفضوح.
المكاتب مستمرة
وعلى الرغم من سقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول (2024) وهروب معظم أصحاب الأموال والسلطة والمسؤولين عن تشغيل هذه المكاتب، إلا أن المراهنات لا تزال مستمرة بفعل وجود “أشخاص في الظل” يواصلون إدارة شؤون هذه المكاتب (غير المرخّصة) والعاملين فيها، مستغلين حالة الفوضى التي تعم البلاد في الأشهر الأولى من العهد الجديد، وكذلك الحاجة الاقتصادية الملحة للكثير من الشباب الذين يجدون في الرهان على المباريات مصدر رزق (سهل) مع فقدانهم أعمالهم.
وفي غضون التحدّيات التي تواجهها الحكومة السورية الحالية، قد لا تبدو محاربة آفة الرهان على المباريات الرياضية أمراً سهلاً، خصوصاً مع التسهيلات التي باتت مكاتب المراهنات تقدمها من أجل عملية الدفع أو قبض الأموال (عند الربح)، وبالتالي، فإن الأمر يحتاج حملة كبيرة ومدروسة للوصول إلى منابع هذه الآفة، وليس إلى بعض “الديلرز” الصغار الذين ينتشرون في كل المحافظات السورية.
وإذا كان هذا الأمر لا يشكل أولوية في الوقت الحالي، ومع صعوبة الخلاص بشكل تام من هذه الآفة المدمرة، فإنه لا بد من سنّ قوانين حقيقية تجرّم الرهان على المباريات وألعاب الكازينو. ويمكن، في هذا الإطار، اتخاذ العديد من الخطوات الأولية المتعلقة بمراقبة تكرار تحويل الأموال عبر الشركات المختصة إلى اسم محدّد من شبابٍ عديدين بشكل يومي، وكذلك الأمر بالنسبة للحسابات البنكية، تمهيداً للوصول إلى الرؤوس الكبيرة المشغلة هذه المكاتب.
العربي الجديد