تشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 30 أيار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

تشكيل الحكومة السورية الجديدة

———————————————-

بعد جولة على وزراء الشرع… ثلاثة تحديات تواجه سوريا والأولوية للاقتصاد/ عباس شريفة

تساؤلات تطرح عن ماهية القوى الخارقة التي ينتظرها الطاقم الوزاري

آخر تحديث 29 مايو 2025

يقال إن الحكومات الأسوأ حظا هي التي تأتي بعد الثورات حيث ترث الحكومة بعد الثورة بلدا منهكا ومدمرا في كل النواحي الاقتصادية وتلك المتعلقة بالبنية التحتية وأداوت الإنتاج والمرافق العامة والقطاعات الخدمية. وفيما يكون للشعوب سقف من الطموحات المرتفعة جدا بعد إسقاط نظام الفساد. وتظن الشعوب أنه بمجرد رحيل النظام السابق فستتغير الأمور تلقائيا.

ورغم الفيض الإيجابي الذي غمر الشعب السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد، وزوال المكابح التي وضعها النظام أمام مستقبل الشعب السوري، كان شعور كثيرين حضروا حفل التنصيب الوزاري في قاعة القصر الجمهوري في 29 مارس/آذار 2025، بأن تولي المنصب الوزاري في حالة تشبه الحالة السورية ضرب من الانتحار السياسي. وكانت تساؤلات تطرح عما هي القوى الخارقة والمعجزة التي ينتظرها هذا الطاقم الوزاري لحل أزمة البلد المعطوب في كل مرافقه، حيث إن نصف المدن الكبرى والبنية التحتية مدمرة بشكل كامل وقديمة ومتخلفة والأزمات تعصف بالبلد من كل الجوانب سواء الصحية أو التعليمية أو الاقتصاد. أضف لها أزمات الأمن والمخيمات واللجوء والتدخلات الخارجية التي تعمل على إفشال التجربة.

لا شك أن العمل في ظل هذا المشهد السوداوي يعد مجازفة من البعض الذي رضي بتسنم المسؤولية في مواجهة هذه التحديات الصعبة التي تحتاج إلى نوع من الاستجابة الاستثنائية والعمل بأقصى القدرات والطاقة.

أتيحت لي فرصة لقاء عدد كبير من وزراء الحكومة الجديدة في الأيام الأخيرة. ما خرجت به أن الطاقم الوزاري ينطلق من رؤية موحدة تعبر عن استراتيجية الرئيس أحمد الشرع الذي يولي الاقتصاد الأهمية الأولى ويعمل على تحقيق شروط التنمية الاقتصادية من خلال العمل الدبلوماسي النشط مع الدول الصديقة والشقيقة لرفع العقوبات وإعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة وبسط الأمن على كامل التراب السوري وتشجيع حركة الاستثمار و”تصفير المشاكل” مع الجوار واعتماد سياسة السوق المفتوحة ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وقبل كل ذلك مواجهة استحقاقات العدالة الانتقالية لتحقيق الاستقرار والبناء على ذلك.

فقد كان من الملاحظ أن كل الوزارات كانت تعمل على تحقيق هذه الرؤية أو أنها تعمل والرؤية ماثلة في خطتها التنفيذية والملفات ذات الأولوية ومن الواضح أن الفريق الوزاري لم يكن مستسهلا للمهمة ومدركا لحجم الصعوبات والتحديات التي تتلخص بحسب من سمعت منهم في ثلاثة تحديات أساسية:

وبعد رفع العقوبات الغربية، يتمثل التحدي الأول بحجم الفساد الضارب بأطنابه في بنية مؤسسات الدولة وبطريقة شبكية ومافياوية من الصعب تطويقها.

الثاني هو التخلف التقني والتكنولوجي في المؤسسات التي لا تزال تعتمد أسلوب الورقيات والأرشيف الورقي في مراجعات المواطنين وإنجاز معاملاتهم كما أن البنية التكنولوجية الموجودة هي تكنولوجيا متخلفة. الثالث، الترهل الإداري والبطالة المقنعة حيث كانت سياسة النظام هي إغراق المؤسسات بالتوظيف وتقديم الوظيفة كرشوة للبعض من أجل امتصاص نقمة المجتمع وهو ما جعل المؤسسات الإنتاجية خاسرة وجعل المؤسسات الخدمية فاسدة لتتحول إلى عبء على الدولة. ويضاف إلى كل ذلك التخلف التشريعي الذي تحتاج البلاد إلى علاجه من أجل البلاد للنهوض.

على المستوى الشخصي كان من الملاحظ أن سوريا أمام فريق وزاري مختلف تماما عن كل الوزراء الذين مروا على البلاد الذين كانوا محتجبين عن الناس ولا نكاد نراهم إلا يوم استلام المنصب فقط. الأمر اليوم مختلف تماما فأغلب الوزراء هم من جيل الشباب وأغلبهم يمتلكون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ويتواصلون مع الجمهور فبات من الطبيعي أن وزير الخارجية يرد على استفسار لصحافية على منصة “إكس”، ووزير آخر يستقطب أحد الكفاءات من خلال وسائل التواصل ووزير يتناول الغداء في مطعم شعبي ووزير آخر يعرض هيكل الوزارة على مجموعة من القانونيين والإداريين المستقلين قبل إعلانها.

على مستوى رؤية كل وزارة، كان من المبشر أن لدى كل وزير رؤيته الخاصة بوزارته. سمعنا من وزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة، أنه يريد “جيشا يحمي الشعب والأرض” وحصر السلاح بيد الدولة من خلال التنسيق مع وزارة الداخلية. وسمعنا من وزير الداخلية أنس الخطاب أن “الأمن من أجل الشعب وليس على الشعب”، ومن وزير الإعلام حمزة مصطفى رؤيته المتناقضة مع إعلام النظام السابق. رؤيته التي تقول “إعلام يثق به الشعب ويفتح المساحة حتى لمن ينقد أداء الدولة” مع العمل لتحويل قطاع الإعلام إلى قطاع رابح ورافد لميزانية الدولة من خلال تشجيع الشركات الإعلامية على الاستثمار في سوريا.

حتى في التعليم العالي كان من الواضح التوجه لدعم التعليم المهني وربط التعليم بسوق العمل وتحقيق جودة العمالة السورية لرفد شركات الاستثمار بيد عاملة مؤهلة بشكل متقدم. كما سمعت عن أولوية وزير التربية محمد عبد الرحمن تركوا ما قاله عن العمل لإدخال مليوني طالب متسرب من التعليم في العملية التعليمية قبل الحديث عن المناهج وتأمين البنية التحتية للمدارس. وعليه فإن الحل العاجل هو فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في التعليم ما قبل الجامعي والجامعي لتحمّل جزء من الأعباء عن  الدولة.

وكذلك كان وزير الأوقاف محمد أبو الخير شكري يحمل رؤيته الواضحة ففي الشق الدعوي كان التركيز على نبذ التطرف والتشدد وتعزيز الخطاب الوطني. وعلى الصعيد المالي، هناك حرص على العمل على “استعادة كل الوقف الذي نهبته العصابات المحسوبة على النظام وإعادة مال الوقف ليلعب دوره الاجتماعي في خدمة الشعب السوري”، مع توقعات بأن تكون وزارة الأوقاف من أغنى الوزارات في سوريا.

مع وزير الطاقة محمد البشير كان الحديث عن تنويع مصادر الطاقة وحل أزمة الكهرباء في سوريا خلال سنتين والاعتماد على الطاقة البديلة والتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط وحل أزمة مياه الشرب في دمشق من خلال تقنية تحلية مياه البحر ووضع خطة عاجلة لمواجهة أزمة الجفاف والتغير المناخي الذي تتعرض له سوريا.

حتى حاكم البنك المركزي عبد القادر حصرية، كان متفائلا جدا إذ تخلصت سوريا بعد سقوط النظام السابق من أهم عاملين في إضعاف النقد السوري وهما سياسة الدعم التي لم تكن تصل للمواطن بشكل صحيح بسبب ما يعتريها من فساد وكانت تكلف ميزانية الدولة مبالغ طائلة وتخصيص 80 في المئة من ميزانية الدولة للجيش والتي هي الأخرى كان يُنهب الكثير منها، ومع رفع العقوبات وعودة حركة الاستثمار والودائع في “المركزي” السوري فإن وضع الليرة السورية سيكون في تحسن متصاعد خلال السنوات القادمة.

وهنا يضاف للفريق الوزاري هيئة الرقابة والتفتيش التي تتولى التفتيش على الوزارات وتساعدها للخلاص من الفساد من خلال الرقابة على تنفيذ خطة الوزارة والتفتيش على الإنفاق والتفتيش على تنفيذ القوانين والأنظمة.

يبدو أن الاقتصاد والتنمية هما الأولوية الأهم بالنسبة لكل الفريق الوزاري. لكن مع ذلك فإن عمل السلطة التنفيذية سيبقى قاصرا في ظل غياب السلطة التشريعية التي تشكل صلة الوصل بين الشعب والسلطة التنفيذية والتي تمارس دور التشريع في إخراج القوانين والتشريعات المعبرة عن مصالح الشعب وتمارس الرقابة والمساءلة على الوزراء من خلال إيصال استفسارات الشعب للمسؤول.

إن خروج البرلمان السوري للنور سيكمل العقد المنقوص في مؤسسات الدولة  وستدور معه الدولة بشكل صحيح نحو المسار الصحيح لتحقيق رؤية المرحلة الانتقالية كما أعلنها الرئيس  أحمد الشرع.

المجلة

—————————————–

===========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى