تحقيقاتسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

الديمقراطية في الحضانة… من يمثّل السورييّن بعد حلّ الأحزاب؟/ يامن المغربي

الجمعة 30 مايو 2025

شهدت سوريا ظهور 134 حزباً سياسياً خلال 100 عام، لعب العديد منها دوراً مهماً ومفصلياً في الحياة السياسية السورية، قبل أن يسقط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، ويُعلن بعده الرئيس المؤقت أحمد الشرع، عن حلّ الأحزاب السياسية في البلاد.

خاضت بعض هذه الأحزاب صراعاً مريراً، نظراً إلى الأحداث السياسية التي مرّت بها سوريا، والظروف الإقليمية كذلك، سواء الانقلابات العسكرية المتتالية بعد إعلان الاستقلال عن فرنسا في عام 1946، أو قرار حلّها كشرط للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، لإتمام الوحدة بين سوريا ومصر (1958-1961).

ثم جاء انقلاب حزب “البعث” في عام 1963، ووصول حافظ الأسد إلى السلطة بعد انقلابه في عام 1970، وانخراط بعض الأحزاب في “الجبهة الوطنية التقدمية” التي شاركت بشكل ظاهري في حكم البلاد بجانب الأسد، والتضييق على عمل الأحزاب الباقية وإنهاء وجود المعارضة، ثم مواقفها بعد انطلاق الثورة السورية في 2011، ونشوء أحزاب وتيارات سياسية جديدة.

واليوم، يبدو أنّ الأحزاب (بغضّ النظر عن تلك التي شملها قرار الحلّ)، أمام فرصة ذهبية لإعادة الحياة السياسية إلى سوريا، والمساهمة في خلق مناخ ديمقراطي حقيقي، برغم وجود عقبات وصعوبات متعددة، يتعلق بعضها بشكل السلطة الحالية في البلاد وخلفيتها العقائدية أيضاً، وأمام فرصة لتلعب دورها في الحياة الاجتماعية والسياسية السورية.

وجود الأحزاب ضمانة للسلم الأهلي

لا يقتصر دور الأحزاب على المشاركة في الحياة السياسية، فوجودها يشكّل ورقة ضغط أمام السلطات الحاكمة أو الحزب الحاكم، لكيلا يحدث تفرّد في السلطة والقرار، ويمنع نشوء ديكتاتورية كاملة، كما أنها تلعب دوراً في المجتمع نفسه على أصعدة عدة، بما يحافظ كذلك على الأمن القومي والإستراتيجي للبلاد، ويجعل من تداول السلطة وانخراط المجتمع في الحياة السياسية أكثر تفاعلاً ومرونةً، ويسهم في بناء مجتمع على أسس مختلفة عن الأسس الديكتاتورية.

يقول رئيس “التيار الليبرالي السوري” (أحرار)، بسام قوتلي، لرصيف22، إنّ هناك حاجةً حاليةً إلى إتاحة المجال أمام الناس للتجمّع بناءً على مصالحهم والعمل على تحقيق هذه المصالح عبر حوار مستمرّ بينها وتنافس صحي لخدمة المجتمع، كما هناك محاولات كثيرة لتأسيس أحزاب ولكنها تبقى تجارب غير مكتملة في ظلّ غياب إمكانية التسجيل الرسمي وغياب التنافس الديمقراطي.

عقب سقوط نظام الأسد، وصدور قرار حلّ الأحزاب، قررت السلطات الحالية في سوريا إصدار إعلان دستوري جاء في المادة 14 منه: “تصون الدولة حقّ المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقاً لقانون جديد، وتضمن الدولة عمل الجمعيات والنقابات”.

ولم يعلن حتى لحظة نشر هذا التقرير، عن تشكيل أيّ حزب سياسي في سوريا، كما لم يصدر أيّ قانون للأحزاب، لغياب البرلمان الذي من المفترض أن يُشكّل من قبل السلطة الحالية كمرحلة مؤقتة ثم تقام انتخابات في سوريا.

من جهته، يرى مدير قسم تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، أنه في ظلّ الاستقطاب والانقسام الجغرافي، تستطيع الأحزاب أن تلعب دوراً محورياً في ضبط التوازنات، واحتواء الاحتقان، والمساهمة في صياغة حلول محلية لقضايا معقدة كالحكم المحلي، والعدالة الانتقالية، وإعادة الإعمار.

ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أنّ وجود أحزاب تعددية فاعلة يُعدّ شرطاً أساسياً لحماية السلم الأهلي، ومنع العودة إلى منطق الإقصاء أو العنف. يقول: “إنّ حماية الحياة الحزبية، وتوفير بيئة قانونية وآمنة لنشاطها، ليسا مطلباً ديمقراطياً فحسب، وإنما شرط من شروط نجاح الانتقال وبناء الشرعية السياسية الجديدة في سوريا”.

ويزيد المحلل السياسي والصحافي درويش خليفة، أنّ الأحزاب السياسية تُعدّ من أبرز مقومات وأدوات الدولة العصرية الديمقراطية، ومن دونها لا توجد تنافسية ولا مشاركة في الحكم وتبادل السلطة، وتالياً هي من مقومات الحياة السياسية في أي دولة تسعى إلى الاستقرار وأن تنقل مشكلاتها الاجتماعية من أساس مذهبي طائفي أو مذهبي، إلى أساس سياسي تحت البرلمان، وضمن أدوات سياسية في ظلّ منع الأدوات الخشنة، ولا حياة سياسية بلا أحزاب سياسية التي ترتبط بدورها بوجود حياة سياسية تعمم وتملك برامجها السياسية.

تأخير إنشاء البرلمان وصدور القانون

برغم إعلان الشرع، عن نيّته تشكيل البرلمان الذي سيقوم بلعب الدور التشريعي، وتالياً إنشاء قانون للأحزاب، إلا أنّ هذا الأمر لم يحصل حتى لحظة نشر هذا التقرير، برغم أهميته لتنظيم الحياة السياسية في سوريا، ولتأخذ الأحزاب والسياسيون بالضرورة الوقت الكافي لتنظيم أمورهم والاستعداد لأي انتخابات مقبلة عقب نهاية المرحلة الانتقالية، فيما شملت البيانات كافة الصادرة عن الدول الأوروبية والولايات المتحدة تقريباً تشديداً على ضرورة التشاركية في الحياة السياسية السورية، وذلك منذ رحيل الأسد نهاية العام الماضي، 2024.

وفق القوتلي، فإنّ تأخير تشكيل البرلمان يؤدي إلى تأخير إصدار القوانين التي تحتاجها سوريا، وفي ظلّ غياب آليات سياسية لجمع الناس حول الأفكار التي تخدم مصالحها، سيضطرون إلى تبنّي الطرق والأفكار التي تحقق لهم الحماية.

ويرى أنه من الضروري الإسراع في فتح المجال أمام الأحزاب السياسية للعمل، خاصةً أنّ ممارسة السياسة في بيئة ديمقراطية هي البديل للصراعات العنيفة.

من جهته، يقول المحلل السياسي حسن النيفي، لرصيف22، إنّ العمل الحزبي لن يكون مكتملاً ما لم ينبثق عن الدستور (قانون للأحزاب)، وينظم العمل الحزبي ويضع معايير واضحةً لتشكيل الأحزاب السياسية تحت سقفه، وهذا لن يحدث ما لم يتشكل برلمان. “بالطبع الجميع ينتظر ما ستفضي إليه الأمور، واليوم طبعاً لا توجد حياة سياسية حزبية، بل يوجد حراك سياسي غير مؤطر، وهذه حالة راهنة لا يمكن أن تدوم”.

فرصة أمام الأحزاب الجديدة

فرض الواقع السياسي السوري في سنوات الثورة، على الناشطين والسياسيين السوريين، إنشاء أحزابهم وتياراتهم خارج سوريا، ضمن ظروف وتحديات صعبة أولها الشتات والعمل من خارج البلاد.

ولا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد الأحزاب والتيارات السورية حالياً، إلا أنّ كتاب “الانبثاقات السياسية خلال الثورة السورية”، الصادر في عام 2018، عن مركز “حرمون للدراسات” (من تأليف الباحث ساشا العلو)، أشار إلى نشوء ثلاث أجسام سياسية ائتلافية بين عامي 2011 و2012، بالإضافة إلى ظهور أحزاب تدور في فلك جماعة “الإخوان المسلمون”، كـ”وعد” و”التيار الوطني السوري” وحركة “سوريا الأمّ”، كما ظهرت أحزاب وطنية كـ”الجمهورية واتحاد الديمقراطيين” و”تيار بناء الدولة”، بالإضافة إلى خمس منصات سياسية ومجالس سياسية أخرى.

أمام هذه الأحزاب والتيارات كلها فرصة ذهبية لأخذ مكانتها ودورها في الحياة السياسية السورية، وتحديد خياراتها المقبلة واستغلال الوقت قبل صدور “قانون الأحزاب”، في حين قد لا تبدو الفرصة ذاتها متاحةً أمام الأحزاب التقليدية في سوريا والتي صدر قرار حلّها في وقت سابق.

وصدر قرار من قبل السلطات المؤقتة الحالية في شباط/ فبراير الماضي، بحلّ الأحزاب السورية التي كانت في عهد الأسد، وعلى رأسها حزب “البعث” و”القومي السوري الاجتماعي” و”الشيوعي” وغيرها.

ووفق العبد الله، فإنّ واقع الحياة الحزبية في سوريا ما بعد الأسد يمثّل أحد التحديات المفصلية في عملية الانتقال السياسي، إذ لا يمكن تصوّر بناء نظام ديمقراطي تعددي دون وجود أحزاب فاعلة تعبّر عن التوجهات السياسية والاجتماعية المتنوعة داخل المجتمع السوري.

ويرى أنّ قرار حلّ الأحزاب، سواء بحجّة “إعادة التنظيم” أو بدعوى الحفاظ على الاستقرار، يحمل في طياته مخاطر جديّةً على المسار الديمقراطي برمّته، فالأحزاب ليست مجرد أدوات سياسية، بل تمثل جسوراً حيويةً بين الدولة والمجتمع، وهي الآلية الأكثر نجاعةً لتنظيم المطالب، وتأطير التمثيل، وتوفير البدائل السلمية للتعبير عن الخلاف.

ويشير إلى أنّ إقصاء الأحزاب، خاصةً في المراحل الأولى من الانتقال، لا يؤدي فقط إلى تعطيل الحياة السياسية، بل يفسح المجال لاحتكار القرار، ويُنتج فراغاً قد تملأه التيارات المتطرفة أو النزعات الفئوية. كما أنّ تأخير إصدار قانون ناظم للأحزاب أو تشكيل برلمان انتقالي يُعدّ مؤشراً مقلقاً، وقد يُفسَّر على أنه محاولة لتفصيل المشهد على قياس قوى معينة، وإقصاء أخرى، بحسب رأيه، كما يرى أن مستقبل الأحزاب في سوريا يظلّ مرهوناً بقدرتها على تجديد خطابها، والانفتاح على قضايا الشارع، والتخلص من تبعياتها السابقة سواء للسلطة أو للرعاة الخارجيين، فالأحزاب التي وُلدت من رحم المعارضة تحتاج إلى إعادة بناء هياكلها وبرامجها وفق متطلبات المرحلة، كما أنّ الأحزاب المتحدرة من النظام السابق مطالبة بتحقيق قطيعة مع تراث الاستبداد والانخراط في الحياة السياسية بقواعد جديدة.

من جهته يرى المحلل السياسي حسن النيفي، أنّ مبادرة السلطة الجديدة بحلّ الأحزاب، هي قرار سياسي إجرائي ربما يكون وقائياً وفقاً للسلطة، وتبرر هذا الإجراء بأنّ هذه الأحزاب كانت قريبةً من نظام الأسد بل ربما كانت شريكةً له، وبهذا فإنها تتحمل مسؤوليةً سياسيةً وأخلاقيةً عمّا ارتكبه النظام البائد بحق السوريين من جرائم، ولا يعتقد أنّ حلّ هذه الأحزاب لا يعني انعدام الحياة الحزبية في المستقبل، ولعلّ الجميع ينتظر قانون أحزاب جديداً وفقاً لما يحدده الدستور الجديد للبلاد.

وبقدر ما تملك الأحزاب الجديدة فرصةً للعمل خلال الفترة الحالية، إلا أنّ لديها تحدياتها كذلك، وعلى رأسها مدى تقبّل السلطات المؤقتة لها.

وفق درويش خليفة، فإنه وحتى اللحظة لا توجد أحزاب سياسية سورية نافذة يلتفّ حولها السوريون، ومعظم الأحزاب الجديدة أنشئت خارج سوريا خلال سنوات الثورة ومعظمها بلا جماهيرية أو شعبية في المجتمع، وربما نشهد خلال الأيام المقبلة ترويجاً لأفكار الأحزاب السياسية السورية، سواء اليسارية أو القومية أو الليبرالية أو الإسلامية، فالأمر يعتمد على مدى تقبّل السلطة الحالية للانفتاح على الشرائح السياسية كافة، وتالياً نكون أمام انفتاح سياسي عصري ولا تتدخل القوى الخشنة في عمل الأحزاب مع متابعة عملها والحرص على أن تكون الأحزاب وطنيةً بعيداً عن العلاقات مع الخارج، وألا تسعى الأحزاب إلى نسج علاقات مع الدول الخارجية للوصول إلى السلطة.

رصيف 22

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى