واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 30 أيار 2025

متابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
—————————-
من التحالف مع قسد إلى التعاون مع دمشق.. أميركا تعيد رسم استراتيجيتها في سوريا
ربى خدام الجامع
2025.05.28
شهد شهر أيار تحولات جذرية في السياسة الأميركية تجاه سوريا، مع مزيج درامي من التقدم الدبلوماسي والنكسات الأمنية التي أظهرت هشاشة المشهد الراهن رغم الآمال المعلّقة على التغيير. فبينما احتفى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره السوري أحمد الشرع بفتح صفحة جديدة في العلاقات بين بلديهما، جاء هجوم دموي نفذه تنظيم “الدولة” ليعيد إلى الواجهة التحدي المزمن المتمثل بالإرهاب، ويثير تساؤلات حول قدرة الحكومة السورية الجديدة على تنفيذ المهام الأمنية المطلوبة منها. وفي تحليل معمق نُشر حديثاً على موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تناول الباحثون أبعاد هذا التحول في السياسة الأميركية، والتحديات المتشابكة المرتبطة بملف تنظيم الدولة، ولا سيما في ظل التغيرات الجذرية التي طرأت على خريطة النفوذ والديناميات الإقليمية بعد سقوط نظام الأسد.
يقدم التحليل توصيات عملية لصناع القرار الأميركيين بهدف رسم مسار أكثر واقعية وفعالية في الشراكة الجديدة مع دمشق، من دون إغفال أدوار الفاعلين الآخرين، من قسد وتركيا إلى العراق وأوروبا.
ويعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التحليل في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
كان شهر أيار شهر الانقلابات الجذرية في تاريخ السياسة الأميركية المعنية بسوريا، فقد شهد حالات صعود واعدة وحالات هبوط مأساوية خلال الأسبوعين الأخيرين فقط، إذ بعد أيام من احتفال الرئيس ترامب ونظيره أحمد الشرع بفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، نفذ أعوان تنظيم الدولة تفجيراً بسيارة ملغمة في 18 أيار الجاري، أسفر عن مقتل عناصر من الأمن السوري في مدينة الميادين، ليكون ذلك أول هجوم ناجح ينفذه التنظيم ضد الحكومة الجديدة. وقد ذكرتنا تلك الحادثة بأنه حتى في الوقت الذي يركز المسؤولون على العملية السياسية، فإنهم لا يجيلون بصرهم بعيداً عن مهمة محاربة تنظيم الدولة، بما أن هذه المهمة تعتبر جزءاً مركزياً من السياسة الأميركية في سوريا منذ عام 2014.
سبق للبيت الأبيض أن حث الرئيس الشرع على التعاون في منع تنظيم الدولة من العودة مع تولي مسؤولية مراكز الاحتجاز التي تؤوي الآلاف من مقاتلي التنظيم وأهاليهم وذلك في شمال شرقي سوريا. بيد أن التحدي اليوم يتلخص في توضيح الطريقة التي يجب على دمشق أن تتبعها لتحقق تلك التوقعات على الأرض، مع وضع جدول زمني واضح للتنفيذ، والتنسيق مع شركاء الولايات المتحدة في المنطقة وغيرها.
تطور النهج الأميركي منذ عام 2014
منذ اقتحام تنظيم الدولة للمشهد في عام 2014، كانت الولايات المتحدة في مقدمة الدول التي تصدت لهذا التنظيم، إذ أصبحت أكبر دولة مانحة للتحالف الدولي، وقادت القوات العسكرية المتحالفة معها ضمن عملية العزم الصلب وذلك بالشراكة مع عناصر فاعلة محلية موجودة في سوريا والعراق. وفي سوريا، اختارت واشنطن الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبعد أن دحر التحالف الذي ترأسته الولايات المتحدة تنظيم الدولة من آخر معقل له في آذار 2019، انتقل الجيش الأميركي إلى مرحلة تقليص النفوذ بعد أن ركز على تدريب الشركاء المحليين وتقديم المشورة لهم وذلك فيما يتصل بتنفيذ مهمة محاربة تنظيم الدولة مع الحد من الوجود العسكري الأميركي هناك.
خلّفت الهزيمة العسكرية التي مني بها تنظيم الدولة أحد أخطر التحديات التي ظهرت في سوريا، وبقي هذا التحدي بلا أي حل حتى اليوم، ويتمثل باحتجاز قسد للآلاف من الرجال والنساء والأطفال التابعين لهذا التنظيم والذين تعود أصولهم لأكثر من ستين دولة، ولهذا، وبحسب ما أعلنته القيادة المركزية الأميركية، فإنه يمكن تقسيم مشكلة تنظيم الدولة الآن إلى ثلاثة أقسام، على الرغم من أن القسمين الأخيرين على صلة وثيقة ببعضهما، وتشمل تلك الأقسام ما يلي:
“تنظيم الدولة بالعموم”: ويقصد بذلك قياداته وأعوانه الذين يحاربون الولايات المتحدة وشركاءها في سوريا والعراق.
“تنظيم الدولة في مراكز الاحتجاز”: ويقصد بذلك الآلاف من الشبان والولدان (وأحياناً النساء والفتيات) التابعين للتنظيم والمحتجزين في مقار احتجاز سورية وعراقية، وكذلك في مراكز “لتأهيل” الشباب موجودة في هذين البلدين.
“احتمال ظهور جيل جديد لتنظيم الدولة”: ويقصد بذلك الآلاف من النساء والقاصرين المحتجزين في مخيمي الهول والروج في شمال شرقي سوريا.
ألمح ترامب خلال ولايتيه في الرئاسة لإمكانية الانسحاب من سوريا، وخلال الفترة الفاصلة بينهما، وتحديداً في شهر آذار من عام 2023، صرح الجنرال مايكل كوريللا، قائد القيادة الوسطى الأميركية بالآتي: “إذا قررنا الرحيل عن سوريا، وفي حال عدم تمكن قسد من محاربة تنظيم الدولة بمفردها، عندئذ قد نشهد حالات هروب من السجون، إلى جانب نشر عقيدة التطرف في مخيم الهول، وبحسب تقديراتنا، فإن تنظيم الدولة يمكن أن يعود في غضون سنة أو سنتين”، ولكن مع رحيل نظام الأسد، أضحت سوريا اليوم مكاناً مختلفاً بشكل كبير، إذ أصبح الأمل يسود فيها تجاه تمكن الحكومة الجديدة في دمشق من توحيد البلد ونشر الاستقرار فيه، حتى في ظل وجود تلك التحديات الكبيرة. وكل ذلك أتى في الوقت الذي بدأت واشنطن بتخفيض مهمة التحالف الدولي في العراق، في خطوة يمكن في حال توسيعها أن تحد من قدرة أميركا على العمل في سوريا. ومما زاد هذا التحدي خطورة تلك الإصلاحات الشاملة التي طرأت على المساعدات الخارجية الأميركية، وشملت تخفيض أو تجميد التمويل المخصص لمخيمات الاحتجاز وعمليات الإجلاء.
وبما أن دمشق تواجه أزمة إنسانية حادة، لذا لم تعد مستعدة للاضطلاع بمهمة محاربة تنظيم الدولة بفروعها الثلاثة بمفردها، ولهذا تحتاج العلاقة الجديدة التي قامت بين سوريا والولايات المتحدة إلى أن تقوم واشنطن بوضع خطة واضحة من أجل محاربة تنظيم الدولة وضمان نشر الأمن، وإخلاء مقرات الاحتجاز والمخيمات الموجودة في شمال شرقي سوريا من ساكنيها في نهاية الأمر.
اختلاف الفاعلين والأجندات بالنسبة لمحاربة تنظيم الدولة
بما أن واشنطن تولت منذ أمد بعيد أغلب العبء العسكري والمالي المخصص لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا، فإن الرسائل الأولية التي وجهها ترامب خلال ولايته الثانية دفعت عناصر فاعلة دولية أخرى لطرح أجنداتها الخاصة.
دمشق
اتخذت الحكومة السورية الجديدة خطوات لمحاربة تنظيم الدولة حال عودته، وشملت تلك الخطوات الاستعانة بمعلومات استخباراتية أميركية لاستهداف مقاتلي التنظيم، وتعتبر تلك الخطوات مهمة لكونها قادرة على تخفيف المخاوف الأميركية تجاه العلاقة التي ربطت الشرع في السابق بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة.
غير أن المهمة الجسيمة المتمثلة ببناء الدولة تترك السؤال التالي مفتوحاً: هل بوسع دمشق حقاً تولي مسؤولية مهمة محاربة تنظيم الدولة بأكملها؟ وهل ترغب بذلك أصلاً؟ بما أن الأمر يشمل تولي أمور مراكز الاحتجاز التي تديرها قسد والتي تؤوي عناصر تابعة للتنظيم مع عائلاتهم.
قسد
كانت قوات سوريا الديمقراطية الشريك الأساسي لواشنطن على الأرض، ولذلك تعتبر جزءاً أساسياً من مهمة محاربة تنظيم الدولة، فقد أسهمت في هزيمة التنظيم عسكرياً، كما أمنت مقار ومعسكرات الاحتجاز بعد تباطؤ جهود العناصر الفاعلة الدولية في إجلاء مواطنيها، إلا أن قسد ليست دولة، وقد واجهت تحديات ترتبط بالحكم المحلي، ناهيك عن التحديات التي تواجهها من طرف تركيا التي تعتبر هذه الجماعة فرعاً لحزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي لدى كثير من الدول، غير أن هذا التنظيم حل نفسه مؤخراً. ثم إن الظروف في تلك المخيمات قد ساءت بعد سقوط الأسد، ما جعلها في حالة ضعف شديد، لذا، ومن دون الدعم الأميركي، تصبح قسد أمام خطر التعرض لمواجهة مباشرة مع تركيا، وهذه المواجهة قد تجعلها عاجزة عن مواصلة العمل على مهمة محاربة تنظيم الدولة.
تركيا والعراق
طرحت هاتان الدولتان المجاورتان لسوريا أجندتيهما أيضاً، إذ بعد أن استغلت تركيا الرسائل المبهمة التي وجهتها واشنطن بعد الإطاحة بالأسد، اقترحت تركيا إقامة منصة إقليمية، لتتولى من خلالها قيادة التحالف الدولي إلى جانب العراق والأردن وسوريا. وكان الهدف من ذلك تهميش قسد وتقليص النفوذ الأوروبي في آن معاً، غير أن الشركاء المحتملين لتركيا في هذه المنصة تراجعوا عن المشاركة بعد اجتماعات أولية تبين لهم من خلالها بأن أنقرة تسعى لتجاوز مهمة محاربة تنظيم الدولة وذلك عبر ملاحقة فلول حزب العمال الكردستاني. وهنالك تحديات أخرى تمثلها هاتان الدولتان، ومن بينها عجز أنقرة عن تنفيذ المهمة بمفردها، وتشكيك بغداد بقدرة حكومة الشرع على محاربة التنظيم بعد تقليص المهمة التي تقودها أميركا في العراق، إلى جانب وجود أكثر من 15 ألف عراقي وعراقية ضمن مقار ومخيمات الاحتجاز التي تديرها قسد.
أوروبا
دعمت فرنسا والمملكة المتحدة المهمة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في سوريا، وعندما أبطأت واشنطن في توضيح سياستها تجاه سوريا بعد الإطاحة بالأسد، ضغطت العناصر الفاعلة الأوروبية من أجل تخفيف العقوبات، واقترحت بدائل عنها، شملت مواصلة عملية العزم الصلب بالتنسيق مع الحكومة السورية الجديدة. وهنا يرجح تنسيق سوريا مع التحالف اليوم، وذلك استناداً لما تمخض عنه الاجتماع الذي ضم واشنطن ودمشق في 14 أيار الجاري، والذي أشار إلى وجوب “مساعدة” الحكومة السورية للولايات المتحدة في منع تنظيم الدولة من الظهور مجدداً، ويرى بعض المحللين بأن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه هو وأي دولة أخرى عضو فيه تولي مهمة محاربة تنظيم الدولة.
التوصيات
توجهت واشنطن لدمشق حتى تسهم في محاربة تنظيم الدولة ولتتولى السيطرة على مقار ومخيمات الاحتجاز التي أقيمت لعناصره في سوريا، ولذلك يجب على المسؤولين الأميركيين وغيرهم مراعاة الأولويات التالية:
يجب على دمشق إبداء قدرتها واستعدادها لتولي مهمة محاربة تنظيم الدولة، ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الولايات المتحدة تشكيل مجموعة عمل مشتركة تعنى بمعالجة الأقسام الثلاثة لهذه المهمة، وهي (1) عودة تنظيم الدولة، (2) مقاتلو التنظيم الموجودين في مقرات الاحتجاز، (3) عائلات مقاتلي التنظيم الموجودة في مخيمات الاحتجاز. كما يبنغي على المسؤولين السوريين توضيح نواياهم، ليس فقط تلك المتعلقة بتولي المهمة بأكملها، بل أيضاً بالنسبة لضمان نشر الأمن والتعامل بصورة إنسانية مع المحتجزين.
يجب على واشنطن وحلفائها التأكيد على ضرورة إقامة علاقة صحية بين دمشق وقسد: في الوقت الذي تبدو الولايات المتحدة على وشك الحد من نفوذها في الشرق الأوسط، أعلنت واشنطن بأن هنالك ضرورة لتعاون دمشق مع قسد، إلا أن قدراً ضئيلاً من التقدم قد تحقق فعلياً بعد الاتفاق المبدئي على الاندماج بين دمشق وقسد والذي وقع في شهر آذار الماضي، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن قسد تعتبر دورها في مهمة محاربة تنظيم الدولة على وجه الخصوص، ودورها في إدارة مقار ومخيمات الاحتجاز، بمثابة عبء وأداة للتفاوض بوسعها الاستعانة بها ضد دمشق والعناصر الفاعلة الدولية، وفي تلك الأثناء، لم تشعر دمشق بأي ضغط يدفعها للتنازل أمام قسد، كما لم تعترف بخبرة تلك الجماعة الكردية والتدريب العسكري الذي تلقته من أجل مهمة محاربة تنظيم الدولة. وبما أن الأمور قد وقفت عند هذا الحد، فهذا يعني بأنه ليس بمقدور دمشق ولا قسد تنفيذ مهمة محاربة تنظيم الدولة بمفردهما، بل يجب عليهما إقامة علاقة ناجحة حتى تسلم واشنطن لهما زمام أمور تلك المهمة بشكل ناجح.
ينبغي على الولايات المتحدة مطالبة تركيا بوقف ممارستها التي تهدد بعودة تنظيم الدولة إلى الظهور، وذلك بدءاً من الاستعانة بالعدوان العسكري ضد قسد، مروراً بإعطاء الأولوية لأجندة تركيا المناهضة لحزب العمال الكردستاني، وصولاً إلى تهميش الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين عبر اقتراح تحالفات جديدة، إذ عملت تركيا في بعض الأحيان على تقويض عملية محاربة تنظيم الدولة بعنوانها العريض، ولهذا يجب على واشنطن أن توضح لأنقرة بأن هذا غير مقبول، وبناء على هذا الأساس، قدمت مجموعة العمل الأميركية-التركية بشأن سوريا في 20 أيار الجاري فرصة مهمة بالنسبة لواشنطن حتى توضح جوانب الأنشطة التركية التي تهدد الهدف المشترك والمتمثل بمنع تنظيم الدولة من معاودة الظهور.
لا يحق لأميركا تهميش شركائها الأوروبيين: إذ في الوقت الذي أثنى الرئيس ترامب على الدور الذي لعبته السعودية وتركيا في عملية التحول بسوريا، فإنه لا يحق لواشنطن أن تحول بصرها عن الجهود الكبيرة التي قدمتها أوروبا لمحاربة تنظيم الدولة، ولهذا يجب على واشنطن مواصلة العمل مع العواصم الأوروبية لضمان توافق سياساتها تجاه دمشق، إلى جانب مطالبتها بتحمل جزء أكبر من العبء المالي، ومن جانبها، ينبغي على الدول الأوروبية أن تعطي الأولوية لعمليات إجلاء مواطنيها من أجل تخفيف العبء الواقع على عاتق سوريا.
يجب على واشنطن أن تكون واقعية بالنسبة للجدول الزمني: لأن مهمة محاربة تنظيم الدولة تحتاج إلى تدريب ومعدات ودعم استخباراتي، ووقت أيضاً. ولذلك يجب على كل من وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين أن تشاركا في وضع جدول زمني واقعي بالنسبة للعملية التي سيتم بموجبها تسليم السيطرة بشكل تدريجي للحكومة السورية.
المصدر: The Washington Institute for Near East Policy
تلفزيون سوريا
—————————
تركيا وسوريا.. تحالف أمني يعيد رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط/ أيهم الشيخ
30 مايو 2025
كشفت صحيفة “Türkiye” المقرّبة من الحكومة التركية، نقلًا عن مصادر أمنية، أن أنقرة ستقدّم دعمًا مباشرًا للحكومة السورية الجديدة في مجالات تأسيس الأجهزة الأمنية والعسكرية، في إطار مسعى تركي وصفته بأنه يهدف إلى تعزيز الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب.
وبحسب ما ورد في التقرير، فإن القوات التركية ستقوم بإنشاء قواعد جوية وبرية وبحرية داخل الأراضي السورية، في سياق عمليات مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بالتنسيق مع السلطات السورية.
وأشارت المصادر إلى أن “الآلية الخماسية” التي تضم سوريا بالإضافة إلى تركيا ودول الجوار “تعقد اجتماعات دورية لدعم الاستقرار في سوريا”، مؤكدةً أن “تركيا ستواصل تقديم كل أشكال الدعم الممكنة لتحقيق الأمن والاستقرار”.
وفي السياق ذاته، ربطت المصادر بين التحركات التركية واللقاء المرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب، واصفةً إياه بأنه “لقاء مهم وحاسم، وسيُمهّد لحل العديد من القضايا المتعلقة بسوريا”.
يقول الأستاذ الجامعي في جامعة كارتكن التركية والباحث في الشأن التركي، د. قتيبة فرحات، إن الدافع الرئيسي لدعم أنقرة للدولة السورية الجديدة ينبع من مصلحة مشتركة تتعلق بحل قضية شرق الفرات، والتصدي لهواجس أنقرة بشأن إقامة ممر كردي مستقل على حدودها الجنوبية. وأكد أن “التحالف بين الطرفين مبني أساسًا على هذه المصلحة المتبادلة”.
وأضاف فرحات أن التحرك التركي تجاه دمشق “مفروض من واقع المصلحة الوطنية التي تقتضي بسط الدولة السورية سيطرتها على كامل جغرافيتها”، مشيرًا إلى أن هذا التقارب قد يتطور لاحقًا إلى تحالف استراتيجي يشمل مجالات الاقتصاد والدعم السياسي.
وفي ما يخص الوجود العسكري التركي في سوريا، أوضح فرحات أن “القواعد العسكرية التركية تهدف أولًا إلى ضمان أمن تركيا، إضافة إلى تمكين أنقرة من التحرك السريع في حال تطورت الأوضاع ميدانيًا، فضلًا عن تعميق التعاون العسكري مع دمشق لإعادة بناء القوة العسكرية التي تعرضت للهدر خلال السنوات الماضية”.
وشدد الباحث على أن “أي تحرك تركي في الساحة السورية لا يمكن أن يتم دون موافقة – وإن كانت غير علنية – من الولايات المتحدة وروسيا”، مضيفًا أن ما يهم هاتين القوتين هو ضمان أمن إسرائيل ومنع تصدير الثورة خارج الحدود السورية.
وأشار فرحات إلى أن لتركيا دورًا محوريًا في إعادة تشكيل البنية الأمنية في سوريا، بما يراعي مختلف مكونات المجتمع السوري، “نظرًا لما تملكه أنقرة من خبرات في هذا المجال، ولما تتمتع به من ثقل شعبي في بعض الأوساط السورية”.
أما في ما يتعلق بالجماعات المسلحة غير المنضوية تحت سلطة الدولة، فأكد أن التعامل معها سيكون بالحوار في المرحلة الأولى، من خلال البحث عن أرضية مشتركة. لكنه لم يستبعد الخيار العسكري في حال تعثر الحل السياسي، مضيفًا أن “أنقرة والدولة السورية لن تقبلا ببقاء أي سلاح خارج إطار الدولة”.
في ظل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها الساحة السورية، ومع تراجع وتيرة النزاع العسكري وبروز توجهات لإعادة دمج سوريا في محيطها الإقليمي والدولي، تتجه الأنظار إلى الدور التركي، باعتباره فاعلًا محوريًا في الملف السوري منذ أكثر من عقد.
وفي هذا السياق، يتحدث الصحفي التركي إسماعيل جوكتان، لـ “الترا سوريا”، عن رؤية أنقرة للتطورات الجارية، والعلاقات المستقبلية مع دمشق، والدور التركي المحتمل في إعادة بناء سوريا على المستويين الأمني والسياسي.
يقول جوكتان إن تركيا تحملت عبئًا كبيرًا نتيجة تدفق اللاجئين السوريين، إضافة إلى التحديات الأمنية الناجمة عن حالة عدم الاستقرار في سوريا، منذ انطلاق الثورة ضد النظام السابق. مشيرًا إلى أن الموقف التركي من التطورات في سوريا ينبع من سعي أنقرة لحماية الاستقرار الإقليمي ومنع الانزلاق مجددًا نحو الفوضى، إلى جانب رغبتها في بناء تحالف استراتيجي مع سوريا الجديدة.
وأضاف جوكتان أن العلاقة التقليدية بين النظام السوري بقيادة حافظ الأسد، ومن بعده بشار الأسد، كانت متوترة مع أنقرة، نتيجة تحالف دمشق مع المحور الروسي ومن ثم الإيراني. لكن مع انهيار النظام السابق، ظهرت بوادر لتأسيس علاقة جديدة بين بلدين يشتركان في عمق حضاري وجغرافي، دون أن تسعى تركيا إلى فرض تبعية، أو أن تظهر سوريا كدولة موالية لأنقرة، وهو ما تحرص عليه الحكومة السورية الحالية بقيادة أحمد الشرع، التي تسعى بدورها إلى الحفاظ على سيادتها واستقلال قرارها.
وأكد جوكتان أن كلًا من الحكومتين التركية والسورية تسعيان إلى بناء علاقات قوية ومستدامة، مع تفادي العودة إلى حالة العداء الماضية. وأوضح أن دمشق، في ظل إدارتها الجديدة، تحاول رسم توازن بين علاقاتها مع تركيا والدول العربية، مع إعطاء أهمية خاصة للبُعد الأمني في هذه المرحلة.
وشدد الصحفي التركي على أن أنقرة ستعطي الأولوية لمصالحها الأمنية في المرحلة الجديدة التي تدخلها سوريا بعد سقوط النظام السابق. فتركيا تدرك أهمية سوريا كمفتاح للمنطقة، لكنها تعلم أن حضورها الفعال هناك لن يتحقق إلا بوجود حكومة قوية ومستقرة في دمشق.
وأضاف أن سوريا ستحتاج إلى الخبرات العسكرية التركية في عملية إعادة تشكيل جيشها، خاصة أن الجيش السوري كان مدربًا وفق العقيدة السوفييتية، بينما تسعى دمشق اليوم إلى بناء جيش حديث ومتناسق مع المعايير الغربية. وهنا، يرى جوكتان أن الوجود العسكري التركي يمكن أن يساهم في تأسيس جيش وطني عصري يرقى إلى المستوى العالمي.
وتطرق جوكتان إلى الدور التركي في دعم جهود تطبيع العلاقات السورية مع المجتمع الدولي، مؤكدًا أن أنقرة لعبت دورًا رياديًا إلى جانب المملكة العربية السعودية في دفع مسار رفع العقوبات وإعادة دمج سوريا إقليميًا ودوليًا.
وأشار إلى أن تركيا، باعتبارها عضوًا مؤثرًا في حلف الناتو، وتملك علاقات قوية مع الولايات المتحدة وروسيا والصين، تستطيع أن تشكل جسرًا يربط سوريا بالعالم الخارجي، وأن تسهم في تحسين صورتها الدولية خلال المرحلة القادمة.
وفيما يخص الملف الكردي، أوضح جوكتان أن وزير الدفاع السوري منح الجماعات المسلحة مهلة عشرة أيام للالتحاق بصفوف الجيش الجديد، في وقتٍ تشهد فيه العلاقة بين “قسد” وحكومة دمشق تفاهمات متقدمة.
وأضاف أن واشنطن لم تعد تدعم استمرار “قسد” بصيغتها الحالية، في حين عبّرت تركيا بوضوح عن رفضها لوجود عناصر حزب العمال الكردستاني في سوريا. وعلى الرغم من أن الحزب قد أعلن حل نفسه، فإن أنقرة ترى ضرورة انسحاب جميع عناصره من الأراضي السورية.
وأشار إلى أن تركيا ستدعم دمشق عسكريًا في حال نشوب مواجهة جديدة بين “قسد” والحكومة السورية، وذلك انسجامًا مع رؤيتها الأمنية الإقليمية.
تُظهر التحركات التركية الأخيرة تجاه سوريا تحولًا استراتيجيًا في السياسة الإقليمية، يعكس إدراك أنقرة لأهمية الاستقرار السوري كركيزة لأمنها القومي ومصالحها الإقليمية. ومن خلال دعمها لإعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية في دمشق، تسعى تركيا إلى خلق توازن جديد يُبعد التهديدات الحدودية ويعزز التعاون مع دمشق على أساس المصالح المشتركة. ومع استمرار التوترات الإقليمية وتداخل المصالح الدولية، يبقى هذا التحالف في دائرة المراقبة الدقيقة، حيث يُحتمل أن يشكل نقطة انطلاق جديدة نحو إعادة دمج سوريا في محيطها الإقليمي والدولي، لكن دون إغفال التحديات التي قد تعترض طريق هذه العلاقة المتجددة.
الترا سوريا
———————————-
اتفاق على الورق؟.. تقرير يكشف مخاوف السوريين من فشل تطبيق اتفاق شرق الفرات
أصدر المركز السوري لدراسات الرأي العام “مدى” تقريراً يتناول آراء عينة من سكان شرق الفرات بالاتفاق الموقّع بين الحكومة السورية و”قوات سوريا سورية الديمقراطية”، ومدى قابلية تطبيقه على أرض الواقع.
ولم يتوقع غالبية المستجيبين من عينة البحث (التي بلغت 1200 من محافظات دير الزور والحسكة والرقة) استمرار الاتفاق، بسبب ممارسات قوات “قسد” الأمنية والعسكرية التي لم تتغير، والوضع الأمني الذي ازداد سوءاً بعد توقيع الاتفاق.
وأكدت عينة المستجيبين من المقيمين في المحافظات الثلاث، والذين استطلعت آراؤهم في الفترة ما بين 28/4 و2/5 من العام الحالي 2025، أن الاتفاق، في حال طبّق على أرض الواقع، فإنه سوف يسهم في دعم السلم الأهلي وضمان حقوق المكونات الثقافية، ويسهّل عودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، وتحقيق الأمن في المنطقة.
وعلى الرغم من وجود اهتمام كبير بمضمون اتفاق شرق الفرات من قبل المستجبيبن، ووجود اتجاهات إيجابية نحو تأييد ذلك الاتفاق، ما يعكس رغبة كبيرة لدى أهالي المناطق، ومن المكوّنات المختلفة، في الانتقال إلى مرحلة جديدة من السلم والعيش المشترك؛، إلا أن ارتهان قبول “قوات سورية الديمقراطية” توقيع الاتفاق، بإعلان انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، وأحداث الساحل بين قوات الأمن السوري وما سُمّي بـ “فلول النظام”، على ما رأت عينة البحث، يجعل مسألة الالتزام ببنود الاتفاق وديمومته محط شك وحذر لدى الكثير من السكان “عينة الاستطلاع”.
وأكدت النتائج السابقة، أن هناك نسبة كبيرة من عيّنة الاستطلاع أفادت بأن الواقع الأمني (الاعتقالات والتدقيق الأمني وحظر التجول) بقي على حاله حتى بعد توقيع الاتفاق، بل وازداد سوءاً عن مرحلة ما قبل توقيع الاتفاق في بعض المناطق.
وأكد أحمد مراد، مدير الأبحاث في المركز، أنه تم تمثيل المكوّنات المختلفة في مناطق البحث الثلاث، من عرب وكرد، ومن القوميات الأخرى، والأديان والطوائف المختلفة. كما تم الأخذ بعين الاعتبار جهات السيطرة في كل منطقة، وهو ما يؤثر بالضرورة على التوجهات والتوقعات نحو الاتفاق.
يجدر بالذكر أن التقرير الذي حمل عنوان ” آراء وتوقعات السوريين حول اتفاق شرق الفرات”، تضمّن محورين أساسيين، الأول يتعلق بالموقف من الاتفاق، والثاني يتناول آراء وتوقعات السكان في ما يخص الوضع السياسي الحالي لمناطقهم مع تطبيق الاتفاق.
———————————-
الأسباب الحقيقة وراء زيارة الشرع المفاجئة لإسطنبول/ صالحة علام
29/5/2025
أثارت الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس المرحلة الانتقالية بسوريا أحمد الشرع لإسطنبول، ولقاؤه الرئيس أردوغان جملة من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول الأسباب التي دفعت الشرع إلى هذه الزيارة غير المدرجة على جدول أعمال الرئيسين، ولم يسبق الإعلان عنها بروتوكوليا كما جرت عليه العادة.
الشروط الأمريكية لتنفيذ قرار رفع العقوبات عن سوريا
لتحديد الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الزيارة، ولمعرفة الملفات التي تم بحثها بين الجانبين، ولوضع تصور عن ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من تطورات في المنطقة عموما، والداخل السوري على وجه الخصوص، يجب إمعان النظر بدقة في هوية المسؤولين الذين حضروا اللقاء من قادة أمنيين وعسكريين، إضافة إلى كل من وزراء الخارجية والدفاع، ومسؤولي جهازي الاستخبارات بالبلدين، إلى جانب التطورات التي شهدها الملف السوري دوليا، وإقليميا قبلها بأيام قليلة، وربما ساعات معدودة، وكانت دافعا إلى هذا التحرك السريع من جانب الشرع.
من هذه التطورات إعلان كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي على التوالي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وهو ما يعد تحولا كبيرا في نهج الغرب عموما اتجاه دمشق، لكن تنفيذ هذه الخطوة له شروط محددة تم وضعها أمام القيادة السورية، منها ضمان أمن إسرائيل، ومنع أية تهديدات يمكن أن تتعرض لها سواء من جانب الدولة السورية نفسها، أو من بعض المنتمين للتنظيمات الجهادية داخل سوريا.
مع عدم الاستعانة بأي عنصر من المقاتلين الأجانب الذين سبق لهم التعاون مع هيئة تحرير الشام، أو تعيينهم في مناصب قيادية داخل الإدارة السورية الجديدة، والمطالبة بتدمير جميع مخازن الأسلحة الكيميائية الباقية في سوريا، والتعاون بجدية في مكافحة الإرهاب.
لقاءات سورية إسرائيلية مباشرة تحت رعاية تركيا
وهي الشروط التي يبدو أن الإدارة السورية قد قررت القبول بها، والبدء في تنفيذها بمساعدة تركيا، حتى يتسنى لها المضي قدما في عملية إعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب، وإصلاح هيكل الاقتصاد، وتحديث البنية التحتية، لجذب الاستثمارات الأجنبية وإنعاش الأسواق، وتحسين الظروف المعيشية للسوريين.
ففي سابقة هي الأولى من نوعها تناولت وسائل إعلام دولية وإقليمية معلومات عن وجود لقاءات مباشرة بين مسؤولين سوريين وآخرين إسرائيليين تحت رعاية تركية، في باكو عاصمة أذربيجان، وهو ما ألمح إليه جدعون ساعر وزير خارجية دولة الاحتلال، الذي ثمن هذه الخطوة وأثنى عليها، لكونها تهدف إلى التوصل لاتفاق يحقق الاستقرار الأمني والسياسي للطرفين على حد زعمه.
وقد استدل البعض على صحة هذه المعلومات غير المؤكدة حتى الآن بموافقة أحمد الشرع على تحقيق رغبة إسرائيل، وتسليمها متعلقات الجاسوس الإسرائيلي إيلى كوهين، كبادرة حسن نية اتجاهها واتجاه ساكن البيت الأبيض.
كما أعلنت القيادة السورية عدم رغبتها في امتلاك أي أسلحة كيميائية، وتعهدت رسميا في اجتماع للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي بتدمير كافة المخزون الذي احتفظ به نظام الأسد سنوات.
تداعيات تعيين الأجانب بوزارة الدفاع
العقبة الوحيدة الآن التي يحتاج فيها الشرع بشدة لحنكة أنقرة، وتحركها دبلوماسيا لرفع الحرج عنه أمام واشنطن تحديدا، وتنفيذ وعدها برفع العقوبات عن بلاده، تكمن في معضلة المقاتلين الأجانب الذين شاركوا معه في معركة تحرير سوريا من نظام الأسد.
خاصة أنه قام فعلا بتعيين عدد من هؤلاء الأجانب في مناصب قيادية بوزارة الدفاع، أبرزهم قائد الحرس الجمهوري عبد الرحمن الخطيب وهو أردني الجنسية، وقائد فرقة دمشق العسكرية عمر محمد جفتشي المعروف باسم “مختار التركي”، وهو تركي الجنسية، وتراجعه عن هذه التعيينات، وإقصاؤهم من مناصبهم يمكن أن يسبب له مشكلة يصعب حلها أو معالجة تداعياتها في الوقت الراهن، خاصة بين أولئك الذين يدينون بالولاء لهؤلاء القادة.
تحركات مريبة لقوات سوريا الديمقراطية
إلى جانب هذه التطورات، كان قيام قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بتوسيع نطاق خريطة تحركاتها العسكرية في مناطق دير الزور، دافعا لتوجه الشرع صوب إسطنبول، خاصة بعد أن قامت قسد بإرسال المزيد من العناصر المسلحة، والمعدات العسكرية إلى المناطق الأكثر حساسية قرب حقول النفط، وعلى ضفاف نهر الفرات، إلى جانب التصعيد الأمني، وهو التحرك الذي يخالف الاتفاق الذي سبق توقيعه في مارس/آذار الماضي بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي.
كما كان للمباحثات التي أجراها إبراهيم كالن رئيس جهاز الاستخبارات التركي مع المسؤولين في دمشق دور في قرار القيام بهذه الزيارة، بعد أن تم بحث العديد من الملفات الأمنية ذات الحساسية بالنسبة لتركيا، لارتباطها بتطورات القضية الكردية لديها، وعملية السلام التي تقودها الحكومة مع عناصر حزب العمال الكردستاني، وانعكاسات هذا الأمر على وضع قسد، وآليات تسليم هذه العناصر لسلاحها، ودمجها ضمن وحدات الجيش والقوات الأمنية السورية.
إضافة إلى عودة الحديث مجددا عن مصير مقاتلي داعش وأسرهم المحتجزين في مخيم الهول، الذي يضم وفق تقارير لعدد من منظمات حقوق الإنسان أكثر من 35 ألف شخص، معظمهم من زوجات وأبناء مقاتلي التنظيم الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة، إلى جانب منطقة السجون والمعتقلات التي تضم ما يقارب 9 آلاف من المشتبه في كونهم من عناصر داعش، حيث لا يزال وضع هؤلاء وأولئك، والجهة التي ستتولى إدارة هذا الملف في المرحلة اللاحقة غير واضح.
في ظل التصريحات التي تصدر عن قيادات بقسد تؤكد أن الاتفاق مع حكومة دمشق يخص فقط آلية إجلاء المواطنين السوريين إلى المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الكردية، وليس تسليم إدارة المخيم لدمشق، وهو ما يتعارض مع المقترح التركي الذي تم إبلاغه لواشنطن، والخاص بضرورة تسليم المخيم والسجون الملحقة به للحكومة السورية مع إمكانية تقديم أنقرة المساعدة اللازمة عند الاحتياج إليها.
خطط أمنية تركية سورية للقضاء على تهديدات داعش
ولوضع حل نهائي لهذه المسألة التي تقلق بال دمشق خشية عودة تهديد داعش، وعدم القدرة على مواجهة تهديدات التنظيم كان لا بد من التفاوض المباشر مع أنقرة لوضع آليات محددة للترتيبات الأمنية لكونها المعنية بصورة خاصة بمسألة تمكين دمشق من تولي المسؤولية الأمنية عن حدود الدولة السورية، خاصة في ظل رغبة واشنطن في سحب قواتها من الأراضي السورية.
تشمل هذه الترتيبات تسليم سجون داعش ومعسكرات الاحتجاز للجهات الأمنية المعنية، وتحديد المهام التي ستوكل إلى اللجنة التي تم تشكيلها، وتضم إلى جانب تركيا الولايات المتحدة وسوريا والعراق لبحث مصير مقاتلي داعش في معسكرات الاعتقال التي تديرها قسد منذ سنوات.
مع وضع الخطط الكفيلة بإدماج المكون الكردي السوري في المجتمع، بما يضمن إغلاق الحديث نهائيا عن طبيعة الحكم في سوريا سواء كان مركزيا أو لا مركزيا، والإسراع في عملية نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية، وضمها ضمن وحدات الجيش السوري، لضرب عصفورين بحجر واحد، ضمان وحدة الأراضي السورية، وحماية أمن تركيا القومي، وتبديد مخاوفها.
المصدر : الجزيرة مباشر
كاتبة وصحفية مصرية مقيمة في تركيا
حاصلة على الماجستير في الاقتصاد.عملت مراسلة للعديد من الصحف والإذاعات والفضائيات العربية من تركيا
الجزيرة
—————————————
أردوغان: اتفاقنا مع الشرع يسير في اتجاه إيجابي ونحذّر من مماطلة “قسد“
2025.05.29
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استمرار المفاوضات مع الحكومة السورية، مشيراً إلى أن بلاده تتابع تنفيذ الاتفاقات المتعلقة بوحدة الأراضي السورية ومكافحة التنظيمات المسلحة، محذراً في الوقت نفسه من “تكتيكات المماطلة” التي تمارسها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وقال أردوغان في تصريحات صحفية
لدى عودته من زيارة لأذربيجان، “يجب الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وبنيتها الموحدة ووحدتها الوطنية، وقد ذكرنا بالفعل أننا نرحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، لكننا نرى أن قوات سوريا الديمقراطية لا تزال تواصل تكتيكاتها المماطلة، وعليهم التخلي عنها”.
وشدد الرئيس التركي على أهمية تنفيذ الالتزامات وفق الجدول الزمني المتفق عليه، مضيفاً: “نحن نتابع عن كثب تنفيذ القرارات المتخذة، والشيء الأساسي هو الالتزام بالوعود”.
العلاقة مع دمشق “إيجابية”
وأشار أردوغان إلى أن اجتماعات أنقرة مع الرئيس السوري أحمد الشرع جرت في هذا الاتجاه، مؤكداً أن المسار يسير بشكل إيجابي رغم بعض “الأصوات المتصدعة”، حسب وصفه، وأوضح: “لحسن الحظ، لا توجد مشكلة في عملية تركيا الخالية من الإرهاب، والتطورات مستمرة في اتجاه جيد وبنّاء، والرسائل من الجانب السوري معقولة وإيجابية”.
وأشار إلى أن الاتصالات مستمرة، قائلاً: “مفاوضات أصدقائنا مع سوريا مستمرة أيضاً، ونحن حذرون من أولئك الذين يريدون تسميم العملية، ولن نمنحهم الفرصة”.
وأضاف أردوغان أن أنقرة قطعت شوطاً كبيراً في مسار محاربة الإرهاب، مؤكداً أن هدف بلاده واضحاً وهو التخلص من مشكلة الإرهاب التي “جعلت تركيا تضيع سنوات، وتسببت في فقدان أرواح مواطنينا، ولعبت في أيدي أعدائنا”.
وختم بالقول: “ما نقوم به نفعله من أجل تركيا، ومن أجل سلام وأمن أمتنا، ولن نتورط في أي صفقة تزعج شعبنا. نثق في أمتنا، ونثق في قوة الأخوة”.
——————————-
توتر تعليمي بين “قسد” ودمشق.. “الإدارة الذاتية” تتجه لتنظيم امتحانات مستقلة
2025.05.28
أفادت “هيئة التربية والتعليم” في الإدارة الذاتية، اليوم الأربعاء، بأنها قد تلجأ إلى تنظيم امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية العامة بشكل مستقل، في حال استمرار تجاهل وزارة التربية السورية للتفاهمات الأولية التي جرت بين الطرفين.
وقالت سميرة حاج علي، الرئيسة المشاركة للهيئة، في تصريح لموقع “نورث برس” المحلي، إن لقاءات رسمية عُقدت مع وزارة التربية في دمشق يومي 13 و14 نيسان الماضي، سواء بشكل مباشر أو عبر الإنترنت، وأسفرت عن تفاهم مبدئي يقضي بإجراء الامتحانات في مناطق الإدارة الذاتية، مع تشكيل لجان مشتركة وتسهيل إجراءات تسجيل الطلاب.
وأوضحت حاج علي أن الهيئة باشرت فعلياً بفتح مراكز تسجيل بالتنسيق مع منظمة “اليونيسيف”، كما عقدت اجتماعات مع هيئاتها التنفيذية، بينها الداخلية والصحة، لوضع خطة شاملة لضمان سير العملية الامتحانية في بيئة آمنة ومنظمة.
وأضافت أن وزارة التربية السورية لم تصدر حتى الآن أي بيان رسمي يؤكد الاتفاق، محذرة من أن الإدارة الذاتية ستضطر إلى إجراء الامتحانات بشكل منفصل ومنح الشهادات للطلاب، مع إتاحة فرصة التسجيل في جامعات شمال وشرقي سوريا.
وأكدت حاج علي أن النقاشات لا تزال جارية لتحديد آليات تنفيذ الامتحانات، في حال اتخاذ قرار بالمضي قدماً في تنظيمها من دون تنسيق مع دمشق.
تبادل للاتهامات
دعت هيئة التربية في الإدارة الذاتية وزارة التربية السورية إلى الإسراع في التصديق على “اتفاق العملية الامتحانية أواخر شهر نيسان الماضي.
وعبرت الهيئة في بيان عن مخاوفها من تأخر وزارة التربية السورية في الرد على “الاتفاق المشترك الذي تم التوصل إليه بوساطة اليونيسيف، والذي يهدف إلى تسهيل العملية الامتحانية للطلاب في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد”.
وأكد البيان أن لقاء مباشراً في دمشق يومي 13 و14 من نيسان 2025 بين وفد الهيئة ووفد الوزارة، حيث تم الاتفاق على عدة نقاط منها:
– تسهيل إجراءات التسجيل وتمديد الموعد النهائي.
– تمكين الطلاب من أداء الامتحانات في مناطقهم من دون الحاجة للتنقل.
– تشكيل لجنة مشتركة مؤقتة لإدارة العملية الامتحانية.
– استمرار العملية التعليمية لمنهاج الإدارة الذاتية للعام الدراسي 2024-2025.
وحذرت الرئاسة السورية في بيان من تعطيل عمل مؤسسات الدولة السورية في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، و”تقييد وصول المواطنين إلى خدمتها، واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة، بما يُسهم في تعميق الانقسام وتهديد السيادة الوطنية”.
وأضاف البيان أنه “لا يمكن لقيادة قسد أن تستأثر بالقرار في منطقة شمال شرقي سوريا”.
مواعيد بدء الامتحانات
وأعلنت وزارة التربية والتعليم عن بدء امتحانات شهادة التعليم الأساسي (العام والشرعي) والشهادة الثانوية المهنية يوم السبت 14 حزيران المقبل، وتنتهي يوم الخميس 3 تموز المقبل.
في حين تبدأ امتحانات الشهادة الثانوية العامة بفرعيها الأدبي والعلمي، والثانوية الشرعية، يوم السبت 5 تموز المقبل، وتنتهي يوم الإثنين 28 من الشهر ذاته.
وكانت وزارة التربية مددت في 16 نيسان الماضي، موعد التسجيل على الشهادتين حتى الأول من أيار الجاري.
وقالت إن التعميم جاء نظراً لاقتراب موعد التسجيل من نهايته، ونتيجة الإقبال الكبير على التسجيل، وللتخفيف من معاناة الطلاب، ولتحقيق تأمين الفرص لكل من يرغب في متابعة دراسته.
——————————-
المجموعة الدولية للأزمات: استقرار سوريا بعد الأسد رهن بالإصلاح والدعم الخارجي
ربى خدام الجامع
2025.05.27
نشرت المجموعة الدولية للأزمات تحليلا ذكرت فيه أن المرحلة التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024 شهدت خطوات سياسية جريئة في سوريا، تمثلت بتشكيل حكومة أكثر تمثيلاً، واعتماد إعلان دستوري مؤقت، إلى جانب اتفاق تاريخي مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لإدماجها ضمن الجيش الوطني.
لكن التقرير حذّر في المقابل من تحديات أمنية عميقة، و”تصاعد للعنف الطائفي”، وتوترات داخلية وخارجية تهدد بتقويض مسار الانتقال.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة برفع العقوبات الغربية عن سوريا سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الجهة الناشرة له ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي ومراكز الأبحاث للملف السوري، دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة تلفزيون سوريا لهذه المادة:
منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، حقق قادة سوريا الجدد مكاسب مهمة وتعرضوا لتحديات متزايدة، وهم يحاولون توجيه البلد نحو التعافي، إذ خلال شهر آذار، وضع هؤلاء القادة حجري أساس مهمين، إذ شكلوا حكومة انتقالية جديدة أكثر تنوعاً، وأطلقوا إعلاناً يعتبر بمنزلة دستور مؤقت للبلد. وفي سياق منفصل، توصل هؤلاء القادة لاتفاقية مع القادة الكرد في شمال شرقي سوريا تقضي بدمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أي تلك الجماعة التي تسيطر على معظم أنحاء تلك المنطقة منذ عام 2015، ضمن الجيش الوطني الجديد، مع توسيع رقعة سيطرة الدولة ىالمركزية لتشمل تلك المناطق. كما ساعدت حملة دبلوماسية سحرية السلطات الجديدة على تكوين حالة دعم في العواصم الأوروبية وغيرها، والتي تجلت في أبهى صورها باجتماع ضم الرئيس الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب في 14 أيار الجاري، تعهد خلاله ترامب برفع واشنطن للعقوبات عن سوريا كونها خنقت الاقتصاد السوري وجعلته بحاجة ماسة للإنعاش. ومنذ ذلك الحين والاتحاد الأوروبي يحاول أن يقدم على التزام مماثل بالتماشي مع ما قدمته واشنطن.
بيد أن السلطات الجديدة ما فتئت تتعرض لمشكلات جسيمة، بعضها كانت هي السبب فيه، ولهذا ما يزال الشركاء في الخارج يحملون شيئاً من القلق تجاه الشرع والدائرة المقربة المحيطة به والتي استأثرت بالسلطة لنفسها، وذلك بالنسبة لمدى انفتاح تلك الفئة على تكوين حكومة تمثل الشعب السوري بحق. وخلال شهر آذار الماضي، شهدت المناطق الوسطى والساحلية في سوريا تفجراً للعنف الطائفي، ما أكد على وجود توتر قد يسهم في إخراج الجهود الرامية لتعزيز سلطة الدولة عن مسارها، كما أوضح بأن الحكومة المركزية تفتقر إلى القيادة والسيطرة على شطر كبير من جهاز الأمن. أما إسرائيل، ومن خلال حرصها على حماية خاصرتها الشمالية، فقد دمرت معظم الإمكانيات العسكرية السورية، واحتلت المنطقة العازلة التي تمتد على الحدود الجنوبية لسوريا، كما نفذت هجمات متواصلة طالت سلسلة واسعة من الأهداف السورية. وإلى أن تترجم الوعود برفع العقوبات إلى حقائق وأفعال، ستبقى تلك العقوبات تمثل عقبة كبيرة أمام العملية الانتقالية بعد رحيل الأسد.
وحتى يدعم الاتحاد الأوروبي عملية انتقال سلمية في سوريا، ينبغي عليه هو والدول الأعضاء فيه القيام بما يلي:
حث دمشق على تشكيل حكومة تمثل السوريين تمثيلاً حقاً، بوجود مشاركة أكبر للنساء، إلى جانب تشجيع دمشق على التعاون مع الأمم المتحدة في صياغة دستور جديد للبلد.
المساهمة في تعزيز الثقة بقوات الأمن السورية وبالدولة السورية بصورة أوسع، ويشمل ذلك حث السلطات الجديدة على التفكير بأمر إعادة رجال الشرطة الذي خضعوا لتفتيش أمني بعد أن خدموا أيام نظام الأسد، إلى جانب الدفع من أجل المحاسبة على الجرائم التي ارتكبتها القوات التابعة للدولة في آذار الماضي، ومواصلة الخطط الرامية لزيادة الدعم المخصص لإنعاش سوريا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، مع تقديم المساعدة التقنية لتعزيز الإمكانيات الموجودة لدى المؤسسات التابعة لعدة وزارات.
رفد الجهود الساعية لإدماج قسد ضمن قوات الأمن التابعة للدولة، مع خفض تصعيد النزاع القائم بين قسد والقوات المدعومة تركياً والتي تندرج تحت مسمى الجيش الوطني السوري، إلى جانب تسريع عملية إجلاء المواطنين الأوروبيين المحتجزين في مخيمات تحرسها قسد بتهمة الانضمام لتنظيم الدولة.
المشاركة في عملية دبلوماسية قائمة على التنسيق في بداية الأمر، ومنع إسرائيل من القيام بالعمليات التي من شأنها زعزعة الاستقرار في سوريا، ثم منع زيادة التصعيد بين إسرائيل وتركيا في سوريا.
تطبيق القرار السياسي الذي أصدرته الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على جناح السرعة، والذي يقضي برفع ما تبقى من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، مع توفير المعلومات وخلق المحفزات التي تدفع المشاريع التجارية إلى الاستثمار في سوريا.
الديناميات السياسية والأمنية
خلال الأشهر الستة التي أعقبت سقوط الأسد، سعت السلطات الجديدة في دمشق جاهدة لترسيخ سلطتها، ونشر الاستقرار في البلد، وإطلاق عملية انتقال سياسي فيها، على الرغم من النتائج المختلطة التي حققتها على هذا الصعيد. إذ في 29 كانون الثاني، نصب الشرع رئيساً مؤقتاً خلال “مؤتمر النصر”. ثم حلت الهيئة وغيرها من الفصائل نفسها، إلى جانب كامل قوات الأمن التي تعود لحقبة الأسد، لتفتح الطريق أمام تشكيل جهاز أمن جديد. وفي شباط، عقدت الحكومة المؤقتة مؤتمر الحوار الوطني والذي يهدف إلى إطلاق عملية سياسية جامعة لكن هذا المؤتمر كان أقل من التوقعات بكثير.
بعد ذلك، وقع الرئيس الشرع على الإعلان الدستوري في 13 آذار، فوضع بذلك إطار عمل قانوني لفترة انتقالية تمتد لخمس سنوات كما رسخ سيطرته على السلطة. وعند صياغة الإعلان الدستوري، تلقت السلطات المقترحات التي رفعتها الأمم المتحدة، وخاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان. وفي تلك الأثناء، شرع الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني بحملة دبلوماسية مكوكية مع نظرائهم الأجانب، سواء في العالم العربي أو في أوروبا، فحققوا بذلك خطوات مهمة ونوعية باتجاه تقبلهم على المستوى الدولي، كان آخرها تلك الخطوة المهمة التي تمثلت باللقاء التاريخي بين الشرع وترامب في الرياض في 14 أيار الجاري.
مثل الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة في 29 آذار مدى استعداد القادة الجدد لتمثيل شرائح واسعة من الشعب السوري ضمن جهاز الحكم، إذ شملت الحكومة الجديدة ممثلين عن الطائفة العلوية والمسيحية والإسماعيلية والكردية والدرزية، إلى جانب شخصيات من المجتمع المدني والتكنوقراط وشخصيات حملت حقائب وزارية في حكومة الأسد قبل الحرب. ولكن، وعلى الرغم من الآمال التي حملتها التشكيلة الوزارية التي تعبر عن تمثيل أكبر، حصل الثقات لدى الشرع على حقائب الداخلية والخارجية والدفاع والعدل والطاقة، ما يعني استئثارهم بالمناصب التي تتمتع بسلطة تنفيذية أعلى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشخصيات الرفيعة السابقة في الهيئة بقيت في مواقع السلطة التي تتصل بعدة مجالات. وكان من بين الوزراء المعينين امرأة واحدة هي هند قبوات التي شغلت منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، على الرغم من تعهد الشرع بدعم مشاركة المرأة.
ثم إن غياب الأمن بصورة عامة مايزال يمثل مصدر قلق كبير، وذلك لأن التركة التي خلفتها الحرب السورية والتي تشمل الدمار الاقتصادي وتهتك النسيج الاجتماعي السوري، خلقت ظروفاً مواتية أمام عودة العنف. وفي الوقت ذاته، سعت القوات الحكومية المنهكة جاهدة للرد بطريقة فاعلة على أعمال القتل والاختطاف والسلب، غير أن الهجمات التي استهدفت العلويين نظراً لارتباطهم بالنظام البائد، والقتال الذي دار مؤخراً بين الجماعات المسلحة السنية والدرزية، جعل الأقليات تحس بتهميش أكبر وخطر
ثم إن العنف الذي اشتعل في وسط سوريا وفي المنطقة الساحلية في مطلع شهر آذار أدى إلى تراجع مكانة الحكومة على المستويين المحلي والدولي، إذ في السادس من آذار، شن متمردون موالون للأسد هجمات نسقوا لها واستهدفت قوات الأمن التي شكلتها الحكومة منذ فترة قريبة داخل المدن الساحلية كما استهدفت سيارات المدنيين والطريق السريع الذي يربط مدينة اللاذقية بإدلب في شمال غربي البلد. ولقد دفع عداد القتلى الكبير دمشق إلى إرسال تعزيزات ضمن حملة مضادة ضمت فصائل مسلحة اندغمت بصورة اسمية ضمن الجيش الجديد، لكنها حافظت على استقلاليتها في القيادة والسيطرة. كما انضمت عصابات من المطالبين بالثأر والانتقام لتلك الاضطرابات، وخلال الأيام التي أعقبت ذلك، أمعنت عناصر غير منضبطة من كلا الفئتين الأخيرتين تقتيلاً في أهالي قرى اللاذقية وطرطوس وحماة وأحيائها، وذلك انتقاماً منهم على ما ارتكبه نظام الأسد من جرائم، والتي يحمّل بعض السوريين كامل العلويين مسؤوليتها.
وعند عودة النظام من جديد، تبين بأن ما يقرب من 900 مدنياً علوياً قد قتلوا في تلك الأحداث، بينهم أكثر من مئة امرأة وطفل، في حين فر أكثر من 30 ألفاً إلى لبنان، وعليه، فإن أغلب سكان الساحل السوري الذين أدانوا تصرفات العناصر الموالية للأسد حملوا المسؤولية للحكومة في فشلها بحمايتهم. وعقب أحداث العنف، تعهد الشرع بمحاسبة المسؤولين عنها، ثم شكل لجنة لتقصي الحقائق كلفها بتوثيق الانتهاكات ووضع توصيات بشأن إجراءات المحاسبة، ومن المقرر أن ترفع نتائج هذا التحقيق في تموز القادم.
إلا أن التحديات التي تواجهها الحكومة أكبر من تلك المتعلقة بضمان المحاسبة على الجرائم التي ارتكبت في آذار، وذلك لأن الجرائم التي ارتكبتها قوات تابعة للدولة سلطت الضوء على وجود ثغرات كبيرة في سيطرة دمشق على الفصائل المسلحة التابعة لها، كما بينت بأن الحكومة الجديدة خلقت مشكلة جديدة عندما حلت قوات الأمن القديمة، وذلك عندما سرحت من العمل آلاف الشبان المتضررين الذين يتمتعون بخبرة قتالية وسهولة على الوصول إلى الأسلحة. ومع ندرة فرص العمل المتاحة، شكل هؤلاء سلسلة جاهزة من المجندين الذين بوسع الموالين للنظام البائد الاستفادة منهم في أي ثورة أو تمرد قد يحصل مستقبلاً، ثم إن دمج تلك العناصر غير المنضبطة التي أصبحت اليوم جزءاً من قوات الأمن التابعة للدولة ضمن قوة متماسكة تخضع لانضباط ملائم لن تكون مهمة سهلة، طالما بقيت الدولة تسعى جاهدة وهي مكبلة بالعقوبات لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام، وهذا ما جعل كثيرين من حملة السلاح يعتمدون على مصادر أخرى للدخل.
إن عدم وجود سلسلة قيادة وتحكم واضحة بالنسبة للعناصر المسلحة التابعة للحكومة يمكن أن يتسبب بظهور موجات عنف جديدة وبكل سهولة، إذ في أواخر نيسان الماضي، تصاعدت وتيرة العنف بسرعة متحولة إلى اقتتال عنيف إثر هجمات شنتها جماعات مسلحة موالية للحكومة على ضواحي ذات غالبية درزية بالقرب من دمشق، وقد كان السبب وراءها تسيجل صوتي نسب فيه صوت المتحدث إلى شخصية قيادية درزية وهي تشتم النبي محمد، ثم وصلت الاشتباكات إلى محافظة السويداء الجنوبية ذات الغالبية الدرزية، ما أسفر عن مقتل أكثر من مئة شخص خلال ثلاثة أيام. وفي الوقت الذي تراجع الاضطراب في نهاية المطاف، فإن ما آلت إليه الأحداث سلطت الضوء على سرعة تحول أي توتر محلي إلى عنف يمتد على نطاق واسع.
هذا ويخلق الوضع الأمني تحديات كبيرة بالنسبة للنساء على وجه الخصوص، لأنه يقيد تحركاتهن في أغلب الأحيان، كما أنهن ضحية لأحداث الاعتقال العشوائي المتصاعدة ناهيك عن المضايقات التي يتعرضن لها. إذ في غياب أي رد فعال من طرف الحكومة، صار الأهل يلجأون في أغلب الأحيان لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل المناشدة بهدف إعادة بناتهن المفقودات، بيد أن هذه المناشدات التي توجه لعامة الناس قد تعرض النساء وأهاليهن لمزيد من المضايقات، كما أن بعض المسؤولين المحليين تصرفوا باستقلالية هم أيضاً عندما تقدموا بإجراءات تقيد النساء في بعض المجالات العامة وبيئات العمل، أو تلك التي تعنى بفصل الرجال عن النساء في الحافلات والمشافي والمحاكم. بيد أن السلطات كانت تتراجع في معظم الأحيان عن تلك الإجراءات بعد أن يحتج الشارع عليها بشكل كبير.
شمال شرقي سوريا
عندما عقدت دمشق اتفاقاً مع قسد في العاشر من آذار الماضي، تأمل كثيرون بأن تكون هذه خطوة مهمة نحو ترسيخ الاستقرار في سوريا، وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية لم تفصّل كثيراً في بنودها، فإنها ألزمت كلا الطرفين بدمج قوات قسد المسلحة ومؤسساتها المدنية ضمن الدولة المركزية قبل نهاية عام 2025. ويعتبر ذلك بالنسبة لدمشق فرصة لاستعادة سلطة الدولة في شمال شرقي سوريا، حيث يتركز معظم النفط السوري، إلى جانب استعادة الدولة لمصداقيتها بعد أحداث العنف التي وقعت في مطلع آذار. ولكن بالنسبة لقسد، فإن هذه الاتفاقية حدت من التهديد التركي الذي يعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي صنفته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كتنظيم إرهابي والذي بقيت أنقرة تحاربه على مدار عقود، لكنه أعلن منذ فترة قريبة عن حل نفسه. وهذه الاتفاقية تفتح السبيل أمام قسد نحو المشاركة السياسية في النظام بعد الحرب، ولكن ماتزال هنالك تساؤلات مهمة بقيت بلا إجابات، وعلى رأسها مدى لامركزية الدولة السورية مستقبلاً، والآليات التي ستم بموجبها عملية الدمج.
شكل كلا الطرفين لجنة خاصة به حتى تبدأ بالمهمة الشاقة المتمثلة بوضع التفاصيل الخاصة بما يمكن أن يتحول إلى سلسلة معقدة من المفاوضات قد تمتد لأشهر. وقد نجح الاتفاق المبدئي حتى الآن في خفض تصعيد الاقتتال بين قسد وفصائل الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً والذي قتل مئات الناس، أغلبهم مقاتلين، وذلك خلال الفترة ما بين شهري كانون الأول وشباط. وفي نيسان الماضي، ركزت المحادثات المستمرة بين دمشق وقسد على بؤر التور في الشمال السوري، ثم اتفق الطرفان في حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، على خطوات مرحلية باتجاه إزالة المظاهر العسكرية من أحياء الشيخ مقصود والأشرفية التي تخضع لسيطرة قسد، إلى جانب دمجهما من جديد ضمن باقي أجزاء حلب. ومن المتوقع للمحادثات حول سد تشرين المتنازع عليه والمقام على نهر الفرات أن تتمخض عن اتفاقية واضحة، بيد أن تلك المحادثات خففت حتى الآن من خطر وقوع قتال من أجل تلك المنشأة التي تعتبر ضرورية من أجل توليد الطاقة والمياه في البلد. كما بدأ الطرفان في مناقشة أمور قطاع التعليم، على الرغم من أن أهم عقبة ذلك هي تضييق الفجوات المعنية بدمج الهياكل الحكومية والأمنية والعسكرية.
وفي تلك الأثناء، بقيت قسد تحرس المقرات التي تؤوي مقاتلي تنظيم الدولة المحتجزين هم وعائلاتهم، بينهم نحو أربعين ألفاً في مخيم الهول، كما بينهم آلاف الأجانب من حملة الجنسيات الأوروبية، ناهيك عن الأطفال الذين يحمل أهاليهم جنسيات أوروبية. وفي الوقت الذي تبنت واشنطن نهجاً استباقياً بالنسبة لإجلاء مواطنيها، تأخرت معظم الدول الأوروبية عن القيام بتلك الخطوة، ما جعل السلطات المحلية تتحمل عبء تأمين مقرات الاحتجاز، وفي حال تدهور الظروف في تلك المخيمات بعد تخفيض المساعدات الذي أقر مؤخراً، أو في حال سحب القوات الأميركية، فمن المرجح أن تحدث إثر ذلك اضطرابات قد تشمل حالات شغب جماعية إلى جانب محاولات للهروب من تلك المقرات.
وفي المنطقة الشرقية بالبادية، ماتزال خلايا تنظيم الدولة تختبئ ضمن مساحات شاسعة لا تخضع لسيطرة الدولة، كما أنها تعتمد على قدرتها في المناورة لتعزيز إمكانياتها في مجال التحضير لشن هجمات مستقبلاً، ويخبرنا أهالي تلك المنطقة بأن تنظيم الدولة يحاول وبصورة فعلية أن يجند أتباعاً جدداً له، في حين ذكرت مصادر من قوات الأمن القديمة والحالية بأن تنظيم الدولة يستقطب شخصيات قيادية صاحبة خبرة جرى تحريرها من سجون نظام الأسد، ولكن خلال الوقت الراهن، ما يزال التحالف لمحاربة تنظيم الدولة الذي تقوده الولايات المتحدة يسهم في إبعاد الجهاديين عن المشهد.
التدخلات الإسرائيلية
ظهرت إسرائيل كأشد قوة خارجية عملت على زعزعة استقرار سوريا بعد سقوط الأسد، وذلك لأنها استراتيجيتها تقوم على استباق أي احتمال لظهور خطر أمني قد يهدد حدودها الشمالية الشرقية مستقبلاً. كما أبدت إسرائيل قلقها تجاه تنامي قوة ونفوذ تركيا داخل الحكومة السورية الجديدة، بما أن إسرائيل تعتبر تركيا منافسة لها في المنطقة. ولذلك حافظت إسرائيل على موقفها على الرغم من تطمينات الشرع وغيره لها وتعهدهم بعدم وجود أي نية لديهم باستعدائها.
وعلى الصعيد العسكري نشطت إسرائيل إلى حد بعيد، إذ فور سقوط نظام الأسد، تحرك الجيش الإسرائيلي إلى المنطقة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان والتي أقيمت في عام 1974، وأعلن عن قيام منطقة عازلة تمتد قبالة الجنوب السوري، وحظر على القوات السورية الدخول إلى تلك المنطقة، ثم أعلن مسؤولون إسرائيليون كبار عن نية إسرائيل بإبقاء قواتها متمركزة في تلك المنطقة لأجل غير مسمى. وفي تلك الأثناء، أخذت الطائرات الحربية الإسرائيلية تدك مواقع في سوريا، فدمرت سلاح الجو فيها، كما دمرت سلاح البحرية والأسلحة الثقيلة. ومنذ فترة قريبة، شن سلاح الجو الإسرائيلي غارة بالقرب من القصر الرئاسي في سوريا موجهاً بذلك رسالة واضحة للحكومة السورية مفادها أن إسرائيل لن تسمح للقوات السورية بالانتشار جنوبي العاصمة. وبالتوازي مع ذلك، حرصت إسرائيل على تأييد الطائفة الدرزية لها في جنوب غربي سوريا، بعد أن وعدت أبناء تلك الطائفة بتقديم الحماية لهم. وعبر قيامها بذلك، أخذت تتودد لحلفائها في الداخل، وتدق إسفيناً بين هذه الطائفة وبين السلطات الموجودة في دمشق.
ولهذا، وفي الوقت الذي أخذت الحكومة الجديدة في دمشق بتلمس موضع قدميها، كانت ممارسات إسرائيل وعملياتها قد أضعفت حكام سوريا الجدد وهددت بإعادة سوريا إلى أحد السيناريوهات التي أعلنت الحكومة عن رغبتها في تجنبه، والذي يتمثل إما بتأجيج حالة الإضطراب بشكل يساعد المقاتلين الجهاديين على استغلال الوضع أو دفع الحكومة الجديدة في دمشق إلى التقرب من أنقرة.
عبء العقوبات
في وقت يلوح معه تخفيف العقوبات في الأفق، مايزال الاقتصاد السوري يعاني من حالة اختناق بسبب سلسلة كبيرة من العقوبات التي فرضتها عليه الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتعتبر العقوبات الأميركية هي الأشد، على الرغم من أن جميع العقوبات ألحقت أضراراً بالاقتصاد السوري، وتلك العقوبات كانت ستلحق مصيبة بالبلد الذي يعيش 90% من سكانه في فقر من دون وجود أي شريان يمدهم بالحياة. فقد كان النظام البائد يعتمد على إيران وروسيا لدعم ميزانيته، كما كان يستعين بالعائدات التي توفرها إمبراطورية المخدرات غير المشروعة التي أقامها والتي كانت تدر على آل الأسد مليارات الدولارات، غير أن السلطات الجديدة في دمشق ليس لديها أي مصدر للكسب بسهولة، ناهيك عن الضغط المتصاعد الذي تتعرض له من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، والتي تبدأ بدفع رواتب العاملين في القطاع العام وتنتهي بتأمين ما يكفي من الوقود والكهرباء. وفي حال تعثر تلك السلطات في تأدية تلك المهام، فإنها ستخسر شرعيتها، وهذا ما سيستغله المفسدون سواء في الداخل أم في الخارج.
جرى تحقيق تقدم بالنسبة لتخفيف هذا العبء عن سوريا، إذ في العشرين من أيار، وبعد مرور ستة أيام على إعلان ترامب تخفيف العقوبات عن سوريا، لحق به الاتحاد الأوروبي عبر قرار يقضي برفع ما تبقى من العقوبات الاقتصادية عن هذا البلد، مع إبقاء العقوبات المفروضة على نظام الأسد أو على الأسلحة والتقانة التي يمكن أن تستخدم لقمع الشعب في الداخل. وأكدت بروكسل على قدرتها على التراجع عن تلك الخطوات، مع مراقبتها للوضع السوري عن قرب، ويشمل ذلك مراقبة مدى التطور الحاصل في ملف المحاسبة وذلك فيما يخص أحداث العنف الأخيرة. ولكن يجب التركيز اليوم على تطبيق هذه القرار، بالإضافة إلى ضمان اتخاذ الدول التي ترفع العقوبات لخطوات مناسبة مكملة لتلك العملية وذلك من أجل التشجيع على الاستثمار في الاقتصاد السوري بما أنه بات بحاجة ماسة لذلك.
ما الذي بوسع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فعله ؟
بوسع الاتحاد الأوروبي بل ينبغي على الدول الأعضاء فيه أن تتحول إلى شريكة لسوريا خلال مرحلة التعافي والانتعاش، إذ على الرغم من أن دمشق لم تحقق من التقدم سوى النزر القليل مما كان مأمولاً منها وذلك بالنسبة لتعزيز عملية الانتقال السياسية الجامعة لكل السوريين، ومن المؤكد أن تلك مهمة صعبة بالنسبة لبلد خرج لتوه من حرب مدمرة امتدت لأكثر من عقد، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يواصل إلحاحه وأن يستمر في دفع هذا البلد نحو هذا الاتجاه، فلقد أبدى قادة سوريا الجدد استجابتهم لهذا الضغط في السابق، سواء خلال فترة حكمهم لإدلب خلال الحرب، أو منذ أن تولوا زمام أمور البلد في دمشق. ومن ضمن تلك الجهود، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يواصل دعم منظمات المجتمع المدني السورية وإسماع أصوات المعارضة بصورة أكبر بعد أن تحدثت عن توجهات السلطات في مجال الإقصاء، وطالبتها بتحسين أدائها. كما ينبغي على الاتحاد الأوروبي التشديد على أهمية مشاركة المرأة في القيادة، ولذلك يجب عليه تشجيع الحكومة المؤقتة على مواصلة تعاونها مع الأمم المتحدة، وخاصة فيما يتصل بصياغة دستور جديد.
ثانياً، يجب على الاتحاد الأوروبي الاستثمار في تعزيز قطاع الأمن وصفوف قواته، ويمكن له تشجيع دمشق على إعادة جهاز الأمن الذي اعتمد أيام النظام البائد بعد إجراء فحص أمني لكوادره كافة، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يحقق تقدماً في مجال المخططات الساعية لتوسيع نطاق برامج المساعدات الإنمائية، وخاصة فيما يتصل بدعم التعافي الاقتصادي بسوريا، وذلك عبر دعم مجال خلق فرص عمل مثلاً، أو في مجال الرعاية الصحية أو التعليم، ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يبحث في فرصة دعم قدرة الدولة على دفع رواتب الموظفين في القطاع العام، وذلك بهدف الاحتفاظ بالكوادر الحالية إلى جانب توظيف كوادر جديدة، وذلك عبر التنسيق بشكل وثيق مع العناصر الفاعلة الدولية الأخرى. وينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يخلق حالة توازن دقيقة بين ميله لفرض شروط على الدعم تقوم على تحقيق تقدم في الأمور السياسية والأمنية وبين الحقيقة القائلة بإن إمكانيات الدولة بحد ذاتها تعتبر شرطاً ضرورياً لتحقيق تلك الأهداف. وبالتوازي مع كل هذا، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يواصل البحث في نوع المساعدة التقنية التي بوسعه تقديمها من أجل إعادة بناء إمكانيات الدولة، مثل تلك التي تقدم في مجال الأمن أو المصارف. ويجب على الاتحاد الأوروبي التأكيد على أهمية التزام الدولة بما تعهدت به وذلك في مجال فتح تحقيق بأحداث آذار وضمان محاسبة مرتكبي تلك الجرائم.
ثالثاً، وفي شمال شرقي سوريا، يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه مواصلة دعم اندماج قسد ضمن الدولة وتشجيع الطرفين على اتخاذ الخطوات الكفيلة بخفض تصعيد النزاع بين قسد والجيش الوطني السوري، ويشمل ذلك الضغط على أنقرة حتى توجه رسالة للجماعات التي تدعمها في المنطقة بخصوص ذلك. وفي تلك الأثناء، يعتبر الخطر المستمر المتمثل بعودة تنظيم الدولة من الأمور الأساسية التي تدفع قوات التحالف للبقاء في هذا البلد إلى أن ينجز الاتفاق بشكل كامل بين الطرفين، وذلك لمنع تلك الجماعة من التحول إلى عنصر يعمل على زعزعة الاستقرار في سوريا. ولتخفيف العبء عن قسد، وخاصة فيما يتصل بإدارة مقرات الاحتجاز، يتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه تسريع عملية إجلاء مواطنيهم الذين بايعوا تنظيم الدولة، إلى جانب تسريع عملية تحديد جنسية الأطفال الذين لا يحملون أية وثائق.
رابعاً، فيما يتصل بممارسات إسرائيل المثيرة للقلق، يجب على الدبلوماسيين الأوروبيين التواصل مع إسرائيل وذلك عبر توجيه رسالة لها بالتنسيق بينهم، مفادها بأن ما تمارسه من أعمال يقوض استقرار سوريا، وبالتالي فإنه يضر بمصلحتها العليا. ويجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه الاستعانة بقنواتهم لتجنب حدوث تصعيد كبير بين إسرائيل وتركيا على الأراضي السورية.
خامساً، يجب على بروكسل أن تطبق وبسرعة القرار الذي أصدرته في العشرين من أيار الجاري والقاضي برفع كامل العقوبات الاقتصادية عن سوريا، ويجب على بروكسل أيضاً تقديم الدعم المخصص لإعادة الإعمار وتشجيع المستثمرين الأوروبيين في القطاع الخاص على العودة إلى سوريا، إلى جانب مساعدتهم في التغلب على العقبات الموجودة في قطاعات مثل المال والطاقة، وتوفير الحوافز لهم قدر الإمكان، ثم إن الدعم الموجه للاستثمارات المبكرة في قطاع الطاقة قد يعتبر نقطة بداية عملية في هذا المضمار، لأن الشركات الأوروبية التي سبق لها العمل على البنية التحتية للطاقة في سوريا مستعدة لإحياء شبكة الكهرباء في ذلك البلد. هذا وينبغي للاتحاد الأوروبي التعاون مع الدول الأعضاء والمؤسسات المالية للحد من حالة الإفراط في عملية الانصياع، والتي من الممكن أن تستمر حتى بعد رفع العقوبات، ويشمل ذلك تقديم توجيهات تنظيمية تخص تلك المسائل.
في النهاية، فإن مسألة إعادة إعمار سوريا بعد عقود من الحكم الديكتاتوري والصراع المريع أصبحت بيد السلطات الجديدة في دمشق، وكذلك بيد المجتمع المدني في سوريا والشعب السوري، ولكن بوسع الاتحاد الأوروبي بل عليه وعلى غيره من القوى الخارجية الأخرى أن يمدوا يد العون لهم بما أنه بأمس الحاجة لذلك، بل إنهم يستحقون ذلك فعلاً، وذلك لأن عدم مد يد العون للسلطات في دمشق وللشعب السوري وللمجتمع المدني في سوريا يعتبر إجهاضاً لهذه التجربة الواعدة في مجال إعادة بناء مجتمع دمرته الحرب.
المصدر: The International Crisis Group
تلفزيون سوريا
————————————
حل حزب العمال الكردستاني: تقوية تركيا داخليًّا وخارجيًّا
أعلن حزب العمال الكردستاني التخلي عن العمل المسلح وحل نفسه، فمهَّد السبيل لتصدعات بداخله لكنه فتح الباب في نفس الوقت أمام تعزيز مشاركة الأكراد في النشاط السياسي التركي، وزيادة المبالغ التي سترصدها الدولة التركية للتنمية، وتقوية علاقة تركيا بالعراق والشريك الأوروبي.
28 مايو 2025
أعلن حزب العمال الكردستاني، الذي يقود نشاطًا مسلحًا ضد الدولة التركية منذ ثمانينات القرن الماضي، في 12 مايو/أيار 2025، رسميًّا عن قرار بحل تنظيماته ونهاية العمل المسلح. القرار، الذي وُصف في تركيا وجوارها المشرقي بالتاريخي، جاء عقب عقد المؤتمر العام الثاني عشر للحزب في شمال العراق، من 5 -7 مايو/أيار، واستجابة لنداء عبد الله أوجلان، زعيم الحزب وقائده المؤسس، الذي يقضي عقوبة بالسجن منذ 1999 في جزيرة إمرالي ببحر مرمرة. برَّر الحزب قراره باللغة نفسها التي استخدمها أوجلان في ندائه، أي بالإشارة إلى أن المسألة الكردية لم تعد مغيَّبة في تركيا، وأن من الممكن اليوم مواصلة النضال من أجل الحقوق الكردية عبر الوسائل الديمقراطية.
لم يأت قرار حزب العمال الكردستاني بالحل مفاجئًا، لا للمجتمع الكردي في تركيا وجوارها المشرقي، ولا للحكومة وأجهزة الدولة التركية. فقد كان دولت بهتشلي، رئيس حزب الحركة القومية وحليف حزب العدالة والتنمية الحاكم، أطلق مبادرة لتسوية المسألة الكردية ووضع نهاية للقتال في تركيا، في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. وعلى الرغم من أن المبادرة تقدمت ببطء، فقد أصبح واضحًا، منذ سمحت الدولة التركية لوفد من قيادات حزب مساواة وديمقراطية الشعب، الحزب الكردي الممثل في البرلمان التركي، ووثيق الصلة بحزب العمال الكردستاني المحظور، بعدة زيارات لأوجلان، أن الأمور تسير باتجاه تسوية سياسية ما.
فكيف يُقرأ قرار حزب العمال الكردستاني في سياق التاريخ العنيف والمؤلم للحزب وللأكراد ولعموم تركيا؟ وهل يعني القرار بالفعل نهاية قاطعة لعمل الحزب المسلح؟ ما الذي يعنيه القرار لتركيا، وللأكراد، ولمستقبل الدولة التركية؟ وما الذي يعنيه القرار للمسألة الكردية في الجوار التركي، سيما في العراق وسوريا؟
تاريخ مفعم بالعنف والدماء
وُلد حزب العمال الكردستاني، في 1978، على يد مجموعة من الشبان الأكراد الأتراك، كان أبرزهم عبد الله أوجلان. أغلب المؤسسين كانوا من طلاب الجامعات، وجميعهم في العشرينات من عمرهم. حمل الحزب منذ لحظة تشكله الأولى توجهات أيديولوجية قومية -كردية وماركسية- لينينية، ولكن تبني الحزب للعمل المسلح ضد الدولة التركية لم يبدأ إلا في 1984، بعد ست سنوات على التأسيس، عندما قامت مجموعة مسلحة من أعضاء الحزب بقتل ضابط صف تركي في منطقة سيرت. وليس من الواضح ما إن كان قرار اللجوء إلى العمل المسلح قد وُلِد من سياسات دولة ما بعد انقلاب 1980 العسكري في تركيا، أو بتشجيع من الأجهزة السوفيتية التي كان الحزب قد أسس لصلات معها بصفته حزبًا ماركسيًّا-لينينيًّا ينشط في دولة عضو في حلف الناتو.
ثمة تقارير تشير إلى أن علاقاتٍ ما ربطت بين حزب العمال الكردستاني ومنظمة فلسطينية يسارية في لبنان، قبل مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية لبنان، في 1982. ولكن المؤكد أن الحزب أقام صلات مع نظام حافظ الأسد في سوريا قبل انقلاب 1980 في تركيا، وأن أوجلان انتقل إلى دمشق قبل انطلاق العمل المسلح في 1984. أصبح نظام الأسد الأب، بالتالي، مصدر دعم سياسي وعسكري لحزب العمال، الذي اتخذ قواعد له في منطقة البقاع اللبنانية، تحت حماية الجيش السوري، بل وقاعدة واحدة أخرى على الأقل في سوريا نفسها. بذلك، لم تعد دمشق مقرًّا آمنًا لعبد الله أوجلان وحسب، بل ومركز قيادة للحزب ككل، ومنها كان بإمكان أوجلان التحرك إلى شمال العراق للقاء قيادات كردية، أو عناصر حزبه التي بدأت بالتمركز هناك بعد أن فقد نظام صدام السيطرة على كردستان العراق عقب هزيمته في حرب الكويت. وفي مقابل الدعم والحماية السورية، امتنع حزب العمال الكردستاني كلية عن العمل في أوساط الأكراد السوريين.
تمركزت نشاطات الحزب المسلحة في البداية في الجنوب وجنوب شرق تركيا؛ حيث يمثل الأكراد أغلبية السكان، ولكن هجمات الحزب سرعان ما اتسعت إلى محافظات غرب البلاد وإلى أنقرة وإسطنبول. كما أن هذه الهجمات لم تعد تقتصر على أهداف عسكرية وأمنية تركية رسمية. لم تستطع كوادر وعناصر الحزب، الماركسية الحداثوية، تحقيق التفاف شعبي كردي في جنوب شرق البلاد المحافظ، بسبب إستراتيجياته العسكرية والصراع المستمر مع الدولة التركية؛ مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من الأكراد وتدمير آلاف القرى الكردية.
في 1998، عندما وصلت المواجهة بين حزب العمال والدولة التركية إحدى ذرواتها، هددت حكومة مسعود يلماز بغزو سوريا وملاحقة مجموعات الحزب في معاقلها؛ وهذا ما دفع الرئيس المصري، حسني مبارك، للتوسط بين أنقرة ودمشق. أسفرت وساطة مبارك عن توقيع اتفاق أضنة بين تركيا وسوريا، الذي سمح للجيش التركي بمطاردة العناصر المسلحة بعمق عدة كيلومترات داخل الأراضي السورية، وعن طرد عبد الله أوجلان ومساعديه من سوريا، وإغلاق قواعد حزب العمال. بذلك، انتقلت قيادة الحزب إلى جبال قنديل في شمال العراق. أما أوجلان، فقد غادر دمشق إلى أثينا؛ حيث فشل في الحصول على اللجوء السياسي. وبعد توقف في بلد إفريقي أو اثنين، وصل أخيرًا إلى مطار نيروبي؛ حيث نجحت وحدة من القوات الخاصة التركية في القبض عليه ونقله إلى تركيا. وقد ذُكِر يومها أن الأميركيين قدموا مساعدة معلوماتية، على الأقل، لحلفائهم الأتراك لتحديد موقع أوجلان وتأمين عملية القبض عليه وإعادته إلى تركيا.
حوكم أوجلان في 1999 وصدر عليه حكم بالإعدام؛ ولكن الحُكم خُفِّف إلى السجن مدى الحياة في 2002، عندما قامت الحكومة التركية بإلغاء عقوبة الإعدام، أسوة بدول الاتحاد الأوروبي. أدى خروج أوجلان من المسرح القيادي، وخسارة الحاضنة السورية، إلى تراجع ملموس في مقدرات حزب العمال وفاعليته. كما أن صعود حزب العدالة والتنمية إلى حكم تركيا، مسلحًا بخطاب وحدوي ودعم واسع النطاق من الصوت الكردي، عمل على تعميق أزمة الحزب. وتكاد عمليات الحزب في تركيا في عشرين سنةً الماضية تقتصر على أهداف مدنية، وإن استهدفت العديد من المدن التركية، لتخلِّف نتائج مأساوية في أغلب الحالات.
سيطر على قيادة الحزب في الحقبة بعد أوجلان مجموعة الخمسة: دوران كولكان، ومراد قرايلان، وجميل بايق، والسيدة بيسي هوزات، وباهوز إردال (سوري الجنسية). وتقول تقارير: إن اثنين من هؤلاء على الأقل، هما من العلويين الأكراد اليساريين، الذين يبدو أنهم عبَّروا دائمًا عن مواقف أكثر راديكالية وحملوا ضغينة مزدوجة تجاه الدولة التركية؛ مما جعلهم أميل إلى العنف الأهوج ضد المدنيين والأهداف المدنية، طالما كان هذا النوع من الأعمال يحافظ على وجود الحزب وموقعه في حسابات مستقبل تركيا وشعبها.
طريق المصالحة ومواريثها
بدأت محاولات إيجاد حل سياسي للمسألة الكردية ووضع نهاية لأعمال حزب العمال الكردستاني القتالية منذ عهد تورغوت أوزال في التسعينات، قبل تولي العدالة والتنمية مقاليد الحكم. خلال الفترة من أوائل التسعينات وحتى 2010، أُجريت اتصالات غير مباشرة بين أجهزة الدولة التركية وحزب العمال، أدت إلى وقف لإطلاق النار لفترات محدودة ولكن مسار المصالحة لم يشهد تقدمًا ملحوظًا. لكن بدأت اتصالات مباشرة بين ممثلين عن الحكومة وحزب العمال، في 2010، في عواصم أوروبية وعن طريق سياسيين أكراد عُرفوا بعلاقاتهم مع حزب العمال داخل تركيا، بل ومع عبد الله أوجلان نفسه في سجنه بجزيرة إمرالي، فأفضت إلى وضع أسس مسار سياسي تصالحي، وتم الاتفاق على وقف طويل لإطلاق النار في 2012.
تضمن المسار الجديد مفاوضات في تركيا بين ممثلين عن حكومة العدالة والتنمية، التي كانت تتمتع آنذاك بأغلبية برلمانية مريحة، وممثلين عن حزب الشعوب الديمقراطية (السابق على حزب مساواة وديمقراطية الشعوب الحالي)، الذين عُدُّوا ضمنًا ممثلين عن حزب العمال كذلك. وكان من المفترض طبقًا لاتفاق وقف إطلاق النار أن يقوم حزب العمال الكردستاني بسحب مجموعاته المسلحة وسلاحها خارج تركيا كلية، تمهيدًا لإيجاد حل نهائي لوضع الحزب عند توصل المفاوضات إلى تسوية شاملة للمسألة الكردية. ولكن، ونظرًا لسقف مطالب الممثلين الأكراد المرتفع، حسب القيادة التركية، يبدو أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود في النصف الأول من 2015.
في يوليو/تموز 2015، قام عنصر من تنظيم الدولة الإسلامية بتفجير في تجمع لاتحاد الشباب الاشتراكي، القريب من حزب العمال الكردستاني، في مدينة سروج بمنطقة شانلي أورفه، على خلفية من الصراع المحتدم في عين العرب، كوباني، بين تنظيم الدولة وقوات حماية الشعب السورية، ذراع حزب العمال في سوريا. أوقع التفجير الهائل والمأساوي 32 ضحية من بين المجتمعين. ولكن حزب العمال لم يتوجه برده على التفجير إلى تنظيم الدولة، بل بسلسلة هجمات على مواقع للجيش والشرطة التركية، بدأت بقتل اثنين من رجال الشرطة. وفي الشهر التالي، نظم الحزب حركة تمرد مسلحة واسعة النطاق في الجنوب الشرقي، شملت أحياء من ديار بكر، وشرناق، وماردين، وجزيرة ابن عمر؛ حيث خاض مسلحو الحزب مواجهات طاحنة مع القوى الأمنية التركية، أوقعت دمارًا بالغًا بهذه المدن والأحياء، قبل أن تنجح وحدات الشرطة والجندرمة في إخماد التمرد.
بذلك، كُسر وقف إطلاق النار وانتهت عملية المصالحة الأكثر طموحًا في تاريخ الصراع. ولم يكن كسر وقف إطلاق النار، وحسب، ما أدى إلى قطع مسار المصالحة، ولكن أيضًا اعتبار أجهزة الدولة التركية المفاجيء أن حزب العمال لم يلتزم أصلًا باتفاقية وقف النار والمسار التفاوضي، وأنه بدلًا من سحب السلاح والمسلحين من البلاد، كان في الحقيقة يعمل على تخزين المزيد من السلاح والمتفجرات في كافة أنحاء تركيا ويعيد بناء تنظيماته المسلحة.
خلال السنوات التالية، طوَّرت أجهزة الدولة التركية وسائل وأدوات مكافحة الحزب ونشاطاته، وجهدها الاستخباراتي لاختراق صفوفه وأذرعه داخل تركيا، وفي سوريا، وفي شمال العراق. كما شنَّ الجيش التركي ثلاث عمليات عسكرية، انتهت إلى إبعاد الجماعات الكردية المسلحة عن الحدود السورية-التركية في أكثر من قطاع من الحدود. وبعد أن كانت أعداد مسلحي الحزب النشطين داخل تركيا تقدر بالآلاف، أصبحت في السنوات الأخيرة تقدر بالعشرات. ويكاد معظم الهجمات التي نفذها الحزب داخل تركيا في السنوات القليلة الماضية قد شنَّتها عناصر أُدخلت إلى تركيا من سوريا بصورة غير شرعية. بكلمة أخرى، يمكن القول: إن الدولة التركية نجحت أخيرًا في إيقاع هزيمة بالغة بالحزب، بدون أن تستطيع اقتلاعه كليًّا. وهذا، على أية حال، ما ساعد على إحراز تقدم سريع في جهود المصالحة الثانية، والأخيرة، منذ أطلق دولت بهتشلي مبادرته، في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
بهتشلي هو، بالطبع، رئيس حزب الحركة القومية، الحزب الذي يمثل التيار الأكثر حدة في المواجهة المستمرة مع حزب العمال الكردستاني طوال نصف القرن الماضي. مهد السياسي التركي العجوز لمبادرته بمصافحة مفاجئة لأعضاء البرلمان من حزب مساواة وديمقراطية الشعب. وفي كلمة له أمام كتلة حزبه البرلمانية، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024، اقترح بهتشلي السماح لعبد الله أوجلان بالحديث أمام البرلمان التركي لدعوة حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحل نفسه. فاجأت المبادرة كافة الدوائر السياسية في تركيا، وأطلقت جدلًا متعدد الأطراف حول ما إن كان بهتشلي يتحدث بصفته الشخصية أو بالاتفاق مع حليفه، الرئيس طيب أردوغان، وحول ما إن كانت المبادرة وليدة أفكار بهتشلي أو أن اتصالات ما قد سبقتها.
على الرغم من أن مبادرة بهتشلي بدت للوهلة الأولى وكأنها طلقة في الهواء، فسرعان ما وجدت ترحيبًا من أردوغان، الذي أطلق عليها اسم “مبادرة تركيا خالية من الإرهاب”، كما من قيادات حزب مساواة وديمقراطية الشعب، بمن في ذلك رئيس الحزب المشارك السابق، صلاح الدين دمرتاش، الذي يقضي عقوبة بالسجن بعد إدانته بالترويج للإرهاب. كما سمحت الحكومة التركية لوفد من حزب مساواة وديمقراطية الشعب بالقيام بعدة زيارات لأوجلان وبدء حوار معه حول كيفية الاستجابة لمبادرة بهتشلي. والأرجح، أن أوجلان استقبل أيضًا مسؤولًا تركيًّا كبيرًا للتباحث حول الدور الذي يمكن أن يقوم به لدفع مبادرة بهتشلي إلى الأمام.
ولم تلبث الاتصالات ودورات الحوار مع أوجلان أن أفضت إلى قيامه بإطلاق نداء 27 فبراير/شباط 2025، الذي دعا فيه إلى حل حزب العمال الكردستاني وإلقاء السلاح، مشيرًا إلى الحزب وُلِد في ظروف تاريخية مختلفة كلية، وأن نضال الحزب قد حقق بالفعل الاعتراف بالمسألة الكردية، وأن الأوضاع التركية الحالية تسمح باستمرار النضال من أجل حقوق الشعب الكردي بوسائل مدنية وديمقراطية. نداء أوجلان، بالطبع، هو ما وفر الأرضية لعقد مؤتمر حزب العمال الكردستاني العام الثاني عشر في شمال العراق، 5-7 مايو/أيار، والإعلان عن تبني المؤتمر قرار الحل وإلقاء السلاح.
الطريق نحو المستقبل
بيد أن من الضروري ملاحظة أن قرار حزب العمال بالحل وإلقاء السلاح لم يأت استجابة لنداء أوجلان وحسب. الحقيقة، أنه مهما كان الوزن الرمزي لأوجلان، فإن تأثير زعيم الحزب السابق ومؤسسه قد انقطع وغاب منذ أكثر من ربع قرن، وخلال هذه السنوات الطويلة تقدم إلى قيادة الحزب وصفوف كوادره الأولى عناصر لم تُحسب على رفاق أوجلان الأوائل، كما أن الحزب مرَّ بمنعطفات لم تكن في حسبان أيٍّ من مؤسسيه.
ثمة عدد من العوامل التي تصادف أن تقاطعت مع نداء أوجلان وجعلت الاستجابة له ممكنة؛ الأول: أن الحزب في ساحته التركية قد تلقى ضربات موجعة في السنوات التالية على تمرد صيف 2015. الثاني: أن عددًا من قيادات الحزب كانت أصلًا بدأت تدرك، منذ تسعينات القرن الماضي، عندما تخلى الحزب عن مطلب الدولة الكردية المستقلة، أن النضال المسلح ربما فقد فاعليته وضرورته. والثالث: كان عجز الحزب، بعد كل هذه السنوات، عن تحقيق التفاف شعبي كردي واسع النطاق، حتى في المجتمعات الكردية التي تعطي أولوية لمسألة الهوية الثقافية.
أما السبب الرابع فيتصل بمجمل المتغيرات الإستراتيجية في المشرق في العامين الماضيين، سيما في أعقاب اندلاع الحرب على غزة. فبعد أن نجحت أنقرة في تعزيز علاقاتها مع بغداد وأربيل، وأسست لوجود عسكري مديد في شمال سوريا، لم يعد لحزب العمال الكردستاني من صديق إقليمي سوى إيران. أما في سوريا، فلم تستطع قوات حماية الشعب، قصة النجاح الوحيدة لحزب العمال، تعزيز مواقعها في شمال-شرقي البلاد بدون الدعم الأميركي. ما أظهرته متغيرات ما بعد حرب غزة، كان التراجع الإيراني الإستراتيجي الملموس في الإقليم، وسقوط نظام الأسد، والتفاف أغلبية الشعب السوري حول النظام الجديد واستقبال الغرب الإيجابي للنظام، وتزايد المؤشرات على قرب الانسحاب الأميركي من الشرق السوري.
بيد أن ذلك لا يعني بالضرورة أن التقدم باتجاه الحل وإلقاء السلاح سيمضي بصورة سلسة وبلا عقبات. ثمة تقارير تشير إلى أن جميل بايق، الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع إيران، كان الوحيد بين قيادات حزب العمال الرئيسة الخمس الذي أعرب عن تحفظه على الحل وإلقاء السلاح، ولكن ليس بالضرورة المعارضة الصريحة للقرار. ولا يستبعد، عندما تبدأ إجراءات تسليم السلاح وحل البنى التنظيمية ومغادرة جبال قنديل، أن تعلن مجموعة صغيرة من الحزب الانشقاق ومواصلة العمل المسلح، تمامًا كما حدث في أيرلندا الشمالية في التسعينات، عندما عارض جناح من الجيش الجمهوري الأيرلندي اتفاق المصالحة والسلم. وقد برزت مؤشرات عديدة في الأسابيع القليلة التالية على مؤتمر الحزب على أن الأصوات المعارضة لقرار الحل وإلقاء السلاح انحصرت أغلبها في الأوساط الكردية-العلوية، سيما تلك النشطة في الدول الأوروبية؛ مما يعني أن التمرد على القرار، إن وقع، فسيأخذ صبغة طائفية أكثر منها قومية، ولن يكون له من أثر كبير على مستقبل العلاقة بين الدولة التركية والمجتمع الكردي، أو على مستقبل المسألة الكردية في تركيا.
وعود السلم والحل في تركيا وجوارها الإقليمي
طبقًا لتقرير الإدارة التركية للأمن العام، بلغت تكاليف مكافحة حزب العمال وإعادة البناء في تركيا، خلال الحقبة من 1984 إلى 2019، ما يزيد عن تريليونات ثلاثة من الليرات التركية. أما على الصعيد البشري، فقد زادت حصيلة المواجهة بين الدولة وحزب العمال عن الأربعين ألفًا من الضحايا. وربما تقدم هذه الأرقام وجهًا واحدًا فقط لما يمكن أن تحمله نهاية الصراع من وعود لتركيا وشعبها. انتقال التدافع حول المسألة الكردية إلى الصعيد السياسي، يعني في النهاية رفع عبء ثقيل من على كاهل الدولة التركية، ماليًّا-اقتصاديًّا، وأمنيًّا واجتماعيًّا. كما سيوفر فرصة هائلة لتنمية جنوب البلاد الشرقي، الشاب، والذي يحتل موقعًا وسيطًا بين العراق وسوريا وإيران، وتحوله إلى رافد إضافي لنهضة تركيا الاقتصادية.
المفترض، أيضًا، أن تدفع نهاية المواجهة بين الدولة وحزب العمال الكردستاني إلى تعزيز المسار الديمقراطي في تركيا وإلى تخفيف قبضة الدولة على المجال العام. طوال عقود من المواجهة شَرَعت الحكومات التركية المتعاقبة، بقبول ضمني من أغلبية الشعب، سلسلةً من القوانين التي استهدفت مكافحة الجماعات المسلحة، أو تأييد ودعم هذه الجماعات؛ فعززت مركزية الحكم، أو قيدت مجالات الحياة السياسية. بحل حزب العمال ونزع سلاحه، يمكن تدريجيًّا مراجعة هذه القوانين، وتوسيع نطاق ساحة العمل السياسي، بل وتعهد المزيد من الإجراءات الكفيلة بالاستجابة لمطالب الجماعة الكردية الثقافية.
أما على صعيد العلاقات الخارجية، فقد كانت نشاطات حزب العمال الكردستاني في عدة دول أوروبية، على الرغم من تصنيف الحزب منظمة إرهابية في دول الاتحاد الأوروبي، مصدر توتر مستمر بين تركيا وهذه الدول. كما أن عددًا من القوانين التركية، التي توصف أوروبيًا بالتضييق على الحريات، كانت تُحسب دائمًا باعتبارها إحدى العقبات أمام سعي تركيا إلى إنجاز مزيد من التقدم في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، سيما في الجانب الاقتصادي من هذه العلاقات. نهاية المواجهة بين الدولة وحزب العمال، ستضع حدًّا للتوتر المديد في علاقات تركيا بأوروبا، كما يمكن أن يعمل التحرك نحو إصلاح تشريعي على توسيع نطاق التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
إقليميًّا، وعلى الرغم من ادعاء وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي في سوريا أنها تنظيمات سورية بحتة ولا يجب أن تعد طرفًا في الصراع بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، يرجِّح عدد واسع من الدارسين للوضع السوري أن هذه التنظيمات ليست سوى أذرع للحزب، وأن سلطة باهوز إردال، القيادي السوري في الحزب، تفوق سلطة أي من القيادات الكردية السورية مثل صالح مسلم ومظلوم عبدي. ولذا، فإن قرار حل حزب العمال لابد أن ينعكس على وضع التنظيمات الحليفة في سوريا، سيما إن رافق الحل ونزع السلاح انسحاب أميركي من الشرق السوري. أعلنت القوى الكردية السورية قائمة من المطالب عالية السقف في مؤتمر القامشلي الأخير، ولكن هذه المطالب لابد أن تعد بداية التفاوض مع دمشق وليست آخر الطرق. والمؤكد، في حال تم التوصل إلى تسوية للمسألة الكردية في شمال-شرقي سوريا، تسوية قابلة للاستمرار ومرضية لكافة أطراف الإقليم، أن يُفتح المجال واسعًا لمزيد من التعاون السوري-التركي.
أما في العراق، فلابد أن يفسح إخلاء حزب العمال الكردستاني قواعده في شمال العراق ونهاية نشاطاته العسكرية المجال لعودة السلم إلى كافة المناطق محل النزاع وإلى عودة المهجرين على جانبي الحدود العراقية-التركية إلى قراهم، وربما حتى إلى انسحاب القوات التركية في المستقبل من نقاط تمركزها في كردستان العراق. والأرجح أن يفضي خروج حزب العمال الكردستاني من شمال العراق إلى تعزيز قوة وسيطرة حكومة الإقليم في أربيل على الشأن الكردي، على حساب إدارة الاتحاد الوطني في السليمانية، التي تربطها بحزب العمال الكردستاني علاقة تحالف غير معلنة. ولابد أن تفضي مثل هذه التطورات إلى توفير مناخ أكثر أمنًا وأمانًا لمشاريع التعاون والترابط الاقتصادي والتجاري بين العراق وتركيا، وفي مقدمتها مشروع طريق التنمية.
——————————
حلّ المشكلة الكردية يتعقّد: تفاوت النوايا وغموض التطبيق/ د. محمد نور الدين
في الظاهر على الأقلّ، تبدو الجهود لحلّ المشكلة الكردية في تركيا، كما لو أنها تسير من جانب واحد، هو الجانب الكردي. فإلى الآن، يبادر «حزب العمال الكردستاني» إلى اتّخاذ إجراءات يَعتقد أنها تأتي في إطار حلٍّ غير معلَن بين الحزب والسلطة (ممثَّلة برئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان وزعيم «حزب الحركة القومية» دولت باهتشلي)، من دون أن يلقى خطوات مقابلة.
وكان زعيم «الكردستاني» المعتقل، عبد الله أوجالان، قام بما عليه، حين وجَّه نداءه الشهير بحلّ الحزب وتسليم سلاحه، لتعقب ذلك مطالبة الأخير بإطلاق سراح زعيمه ليتولّى بنفسه إدارة المؤتمر الذي سيقرّ تلك الإجراءات، تحت طائلة الامتناع عن هذه الخطوة في حال لم تُقدم الدولة على إعلان خُططها لحلّ المشكلة. ومع هذا، عُقد المؤتمر الذي فيه تقرّر تنفيذ نداء «آبو»، فيما جُلّ ما يسعى وراءه «الكردستاني» الآن، هو إطلاق سراح زعيمه ليشرف على تطبيق الاتفاق.
وتبرز، في هذا الإطار، مطالعة طويلة للقيادية في «حزب العمال»، بيسيه هوزات، نُشرت قبل أيام في صحيفة «يني ياشام» المؤيّدة لـ«الكردستاني»، أكدت فيها أن «قرارات مؤتمر الحزب لا يمكن تطبيقها إلّا بإطلاق سراح أوجالان، الذي يمكنه وحده نزع السلاح من أيدي المقاتلين». وقالت هوزات إن «الدول الكبرى رأت أهميّة الدور الكردي في الشرق الأوسط، فعملت على خطط تضمن مصالحها وأمن إسرائيل، وإعطاء الأكراد موقعاً في رسم سياسات المنطقة.
وهذا أخافَ الدولة التركية، فأرسلت وفودها إلى أوجالان الذي قيّم ما حَمَلته، ووافق على الدخول في عملية الحلّ، ما أكد الأهمية المتزايدة للعامل الكردي في المنطقة واستحالة تصفية قضيّته». وأضافت: «أوجالان رأى في مبادرة الدولة الجديدة فرصة، ولا سيما أنها صدرت عن باهتشلي تحديداً، الذي يعتبر «عقل» الدولة العميقة، وممثّل فلسفتها التأسيسية»، داعيةً السلطات إلى «الاعتراف بالحقّ في الحياة السياسية الديموقراطية، ووضع الترتيبات القانونية والقضائية، وإطلاق سراح أوجالان، وإلّا فلا يمكن للحزب حلّ نفسه ولا وقف الكفاح المسلّح الذي يَعتمد على الحرية الجسدية للقائد آبو».
كذلك، رأت هوزات أن «نهج العدالة والتنمية ليس جادّاً كفاية، إذ يماطل ويضع العربة أمام الحصان»، بخلاف «الكردستاني» الذي قالت إنه «جادّ في حلّ نفسه ووقف العمل المسلح والانتقال إلى العمل السياسي». ومن جهة أخرى، انتقدت هوزات سياسة تركيا في سوريا، معتبرةً أنه «ما دامت أنقرة تتبع سياسات معادية للأكراد في سوريا، فلن يكون لها مكان في هذا البلد. أمامها طريق واحد للبقاء في سوريا، وهو الاعتراف بحقوق الأكراد السوريين، وإلّا ستكون هي الخاسر الأكبر».
وجاء كلام هوزات في سياق مواقف متناقضة وإشارات متعارضة، من بينها بيان مجلس الأمن القومي التركي الصادر قبل أيام، والذي وصفته صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» الكردية بأنه «عدوانيّ ومحرّض»، خصوصاً مع ورود مصطلح «تصفية» الحزب في متنه. وبحسب البيان المذكور، «قيّم المجلس التطوّرات والخطوات الهادفة إلى جعل تركيا بلا إرهاب، وأكد تصميمه على جعل تركيا مرفّهة وقوية»، وعلى «إخراج الإرهاب من انشغالاتها وتَتبُّع كل مرحلة من مراحل عملية التصفية».
ومع أن إردوغان أوعز إلى عشرة حقوقيين بإعداد دستور جديد للبلاد، فإن التباينات في شأن عملية الحلّ ما تزال كبيرة؛ فالأكراد يقدّرون أن العملية قد تنتهي قبل نهاية حزيران، فيما ترجّح أوساط «العدالة والتنمية» أن تُختتم مع نهاية فصل الصيف. ووفقاً للكاتب مراد يتكين، فإن «مشكلات تظهر في طريق عملية الحلّ. فالقيادي في حزب العدالة والتنمية، ظفر صاري قايا، قال: إذا لم يسلّم حزب العمال سلاحه، فلن تتألّف اللجنة البرلمانية الخاصة بالحلّ». ولفت الكاتب إلى أن «مسألة تسليم السلاح غير واضحة بعد.
يُنقل أن أصواتاً داخل قيادة حزب العمال، وتحديداً مراد قره ييلان، ترى أن الأكراد كانوا قادرين على مواصلة حرب كبرى وبدعم دولي ضدّ تركيا»، متسائلاً: «عمَّن يقصد قره ييلان في هذا التسريب لشريط الفيديو، بالدول الخارجية؟ هل الولايات المتحدة أم إسرائيل أم إيران؟»، مؤكداً أن «محاولة إيجاد حلّ سياسي للقضية الكردية تحت قبة البرلمان لن تكون سهلة»، وأنه لا يعرف ما إذا كان قرار تسليم السلاح «كرمى لخاطر أوجالان، أم أنه مناورة لمواصلة الكفاح المسلّح؟ الواضح أن خلافات في الرأي موجودة داخل حزب العمال الكردستاني».
وختم قائلاً إن «السجال بين مستشار إردوغان محمد أوتشوم، ورئيس حزب المساواة والديموقراطية للشعوب الكردي تونجير باقر خان، تعكس جانباً من هذه الصعوبات، إذ وصف باقر خان، المعتقلين الأكراد، مثل صلاح الدين ديميرطاش، بـ»المعتقلين السياسيين»»، فيما ردّ أوتشوم بالقول إنهم «معتقلون على خلفية قضايا إرهابية لكن باقر خان لا يفهم بالقانون»».
——————————-
إردوغان: «قوات سوريا الديمقراطية» تستخدم «تكتيكات للمماطلة» رغم الاتفاق مع دمشق
29 مايو 2025 م
كشف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن أن «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يهيمن عليها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة، تستخدم «تكتيكات للمماطلة» رغم الاتفاق مع الحكومة السورية الجديدة على دمجها في القوات المسلحة السورية، وأكد أنه يتعين عليها أن تتوقف عن هذا، وفقاً لوكالة «رويترز».
وفي تصريحات للصحافيين خلال رحلة جوية من أذربيجان، كرر إردوغان موقف تركيا الداعي إلى الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، مشدداً على ضرورة تنفيذ الاتفاق بين «قوات سوريا الديمقراطية» ودمشق في الإطار الزمني المتفق عليه والمخطط له.
ونقل مكتب الرئيس التركي عن إردوغان القول اليوم (الخميس): «سبق أن رحَّبنا بالاتفاق. لكننا نرى أن (قوات سوريا الديمقراطية) لا تزال تواصل أساليب المماطلة. عليهم أن يتوقفوا عن ذلك».
——————————–
قرار أوجلان وحده لا يكفي لحل حزب العمال الكردستاني
دونه حقوق عالقة وآليات تطبيق… ونيات تركية غامضة
أنقرة: سعيد عبد الرازق
29 مايو 2025 م
بات «الحذر والترقب» من أبرز العناوين بعدما أعلن حزب العمال الكردستاني قراره حل نفسه وإلقاء أسلحته في خطوة تاريخية أعقبت نداء وجهه مؤسسه وزعيمه السجين منذ 26 عاماً عبد الله أوجلان في ظل تباين بين أطراف العملية التي تهدف إلى «تركيا خالية من الإرهاب» وتحقيق تحول ديمقراطي يعزز التضامن بين الأكراد والأتراك.
من وجهة نظر الدولة لا ينبغي النظر إلى ما يجري على أنه عملية سلام أو حل للمشكلة الكردية، لأنه ليس هناك في تركيا ما يسمى «القضية أو المشكلة الكردية»، وعلى الجانب الآخر، يرى حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الممثل للأكراد في البرلمان، ومعه أحزاب المعارضة، يتقدمها حزب الشعب الجمهوري أن المشكلة موجودة طالما يقول الأكراد، الذين يمثلون نحو 20 في المائة من سكان البلاد، إنها موجودة.
سجل 12 مايو (أيار) 2025 على أنه «يوم تاريخي» فاصل، وضع، أو يفترض أنه وضع، نهاية لنحو نصف قرن من الصراع المسلح بين حزب العمال الكردستاني، الذي أسسه أوجلان عام 1978، ثم انطلق في عمليات مسلحة منذ عام 1984، بهدف نيل حكم ذاتي للأكراد في شرق وجنوب شرقي تركيا، ليسفر الصراع عن 40 ألف قتيل، بحسب تقديرات الحكومة التركية، وفتح الباب أمام عملية يبدو أنها «أكثر جدية» من محاولتين سابقتين إحداهما في بدايات الألفية الثانية، والأخيرة جرت بين العامين 2012 – 2015 وباءت أيضاً بالفشل، وانتهت بإعلان الرئيس رجب طيب إردوغان عدم اعترافه بالمفاوضات التي جرت خلالها وتأكيده أنه لا يوجد مشكلة كردية في تركيا.
إصرار مشترك
يبدو أن هناك تصميماً في هذه المرة سواء من جانب الدولة أو من جانب حزب العمال الكردستاني ذاته، نتيجة الظروف الإقليمية التي أشار إليها أوجلان في النداء الذي وجهه للحزب، تحت عنوان: «دعوة للسلام ومجتمع ديمقراطي»،لعقد مؤتمره العام وإعلان حل نفسه وإلقاء أسلحته، حيث تطرق إلى التطورات في سوريا، والوضع في غزة، مذكراً بما تعرض له الإخوة من بين الأكراد والأتراك على مدى 200 عام.
في المؤتمر الذي عقده الحزب في منطقتين مختلفتين، لم يعلن عنهما لاعتبارات أمنية، في الفترة من 5 إلى 7 مايو (أيار) الحالي، عبر القائد الحالي للعمال الكردستاني، مراد كارايلان، عن تصميم القائد (آبو)، وهو لقب عبد الله أوجلان لدى أعضاء حزبه وأنصاره، ويعني (العم)، قائلاً: «أرى أن القائد (آبو) يتصرف بعزيمة شديدة ومعنويات عالية، لذا أقول لا بأس، أعلم أنه إذا لم يكن متأكداً من أمر ما، فلن يُصرّ عليه بهذه الطريقة، لذا فهو متأكد».
وبحسب ما جاء في خطاب كارايلان خلال المؤتمر، الذي نشرت أجزاء منه بعد نحو أسبوعين من إعلان قرار حل الحزب، فإن أفضل ما في هذه العملية «الحاسمة» هو الوحدة، مضيفاً: «لقد تعلمنا من تجارب 2002 – 2004، صحيح أن هناك بعض النواقص، لكن هناك أيضاً جانب إيجابي، ما زلت أرغب في فهم العملية الجديدة، أشعر بالتأثر لأننا دفعنا ثمناً باهظاً، لهذا السبب، يثير السؤال عن كيفية تحقيق النجاح في هذه العملية الحاسمة قلقي البالغ، أعتقد أننا سنحقق النجاح».
تفكيك البنية المسلّحة
قرار حزب العمال الكردستاني، ليس إلا مجرد بداية لمرحلة طويلة قد تستغرق سنوات، تبرز فيها قضايا صعبة ومعقدة أهمها كيف سيتم تفكيك البنية المسلحة للحزب المصنف من جانب تركيا وحلفائها الغربيين «منظمة إرهابية» ونزع سلاحه بالكامل، وما الآليات التي ستتبع في هذه المرحلة.
وليس هذا فحسب، بل هناك تساؤلات عن مصير قيادات الصف الأول والقيادات الوسيطة للحزب في جبال قنديل، وإلى أين ستذهب بعد حله، وكيف سيتم التعامل مع باقي العناصر المسلحة وعددها بالآلاف،
وبموجب قرار الحل، سيفقد أعضاء حزب العمال الكردستاني، الذين كان لهم الحق في طلب اللجوء إلى الخارج قبل حله هذا الحق أيضاً، وأصبح وضع 50 ألف عضو في الخارج غير مؤكد، في ظل إدراج الاتحاد الأوربي الحزب ضمن المنظمات الإرهابية.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن تركيا تجري محادثات مع حكومتي العراق وإقليم كدرستان حول تفاصيل كيفية تسليم الأسلحة خارج حدود تركيا، عادّاً أن هذه الخطوة ستخدم أيضاً استقرار العراق وسوريا خلال المرحلة المقبلة.
ولفت إردوغان إلى أن جهاز المخابرات التركي وباقي المؤسسات المعنية ستتولى هذه العملية بالتنسيق مع بغداد وأربيل.
وتسود توقعات بأن تنتهي هذه العملية في سبتمبر (أيلول) لتبدأ لجنة بالبرلمان التركي، اقترح رئيس حزب الحركة القومية، الشريك الرئيسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في «تحالف الشعب» تشكيلها للنظر في الإجراءات والتدابير القانونية اللازمة لإنجاح مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب» التي أطلقها في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدعم من إردوغان.
موقف حذر
وظهر من التصريحات المتعاقبة للمسؤولين الأتراك أنه لن تكون هناك أي خطوة ستتخذ على الصعيد السياسي، قبل الانتهاء من عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، وأن دعوة أوجلان تمتد إلى جميع أذرع وامتدادات الحزب في العراق وسوريا وإيران وصولاً إلى أعضائه في أوروبا.
وأكدت وزارة الدفاع التركية أن العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة في شمال العراق والتي تشمل تطهير المخابئ والملاجئ ومخازن الأسلحة والذخيرة التابعة للعمال الكردستاني ستستمر كما هي حتى التأكد من التزامه بقرار حل نفسه، وزوال خطره.
ويرجع خبراء ومحللون حالة الحذر في التعامل مع قرار حل حزب العمال الكردستاني إلى أنه ربما تكون هناك معارضة للقرار من جانب بعض الفصائل، الرافضة للانخراط في العملية التي قد تلجأ إلى الجبال أو تعيد نشاط الحزب تحت أسماء جديدة.
ولا يختلف موقف حزب العمال الكردستاني عن موقف أنقرة، فقد أكد، مراد كارايلان، أنه في حال عادت تركيا إلى مهاجمتنا فإننا سنرد.
وعلى الرغم من أن عمليات حزب العمال الكردستاني ضد تركيا تراجعت إلى أدنى درجة تحت وطأة العمليات العسكرية التركية المتواصلة في شمال العراق، إضافة إلى العمليات في شمال سوريا، التي استمرت لفترة بعد تولي الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، يبدو أن الحزب حقق تطوراً كبيراً في مجال الأسلحة في السنوات الأخيرة.
وعلى سبيل المثال، أعلنت وزارة الدفاع التركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أنها ضبطت بعض الأسلحة الثقيلة، منها مدافع رشاشة مضادة للطائرات، وأخرى مضادة للدبابات، وقاذف صواريخ «دوشكا»، في منطقتي متينا وأفاشين – باسيان في شمال العراق.
ومع التقدم الذي أحرزته تركيا في تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، برزت الصراعات الجوية كمجال مهم، وكشفت تقارير عن أن العمال الكردستاني بدأ في استخدام الطائرات دون طيار ذات الرؤية المباشرة (إف. في. بي) بشكل أكبر.
كما شن الحزب ما لا يقل عن 17 هجوماً بطائرات مسيّرة على تركيا في شهر يونيو (حزيران) 2024 وحده.
قضية أكراد سوريا
غيّرت التطورات الأخيرة بشكل كبير ديناميكيات الصراع بالنسبة لكلا الجانبين، كما أكد محلل شؤون تركيا في مجموعة الأزمات الدولية، بيركاي مانديراجي، الذي لفت إلى أن تركيا كثفت الضغوط على الحزب من خلال عملياتها العسكرية المكثفة على مدى العقد الماضي، وتعزيز موقعها في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، مع تزايد احتمال انسحاب الولايات المتحدة من شمال شرقي سوريا.
وبالتوازي مع التنسيق بين أنقرة وبغداد وأربيل، تدفع تركيا باتجاه تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، بشأن اندماجها في الجيش ومؤسسات الدولة السورية.
وربط إردوغان، في تصريحات الخميس الماضي، بين حل حزب «العمال الكردستاني» وتنفيذ الاتفاق الموقع بين دمشق و«قسد» في مارس (آذار) الماضي، لافتاً إلى أن قرار الحزب حل نفسه يشمل أيضاً وحدات حماية الشعب الكردية، المدعومة أميركياً في إطار الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، التي تعدّها أنقرة امتداداً لـلحرب ضد «العمال الكردستاني».
وفي إشارة إلى سحب مهمة «قسد» الأساسية منها، قال إردوغان إن بلاده وسوريا والعراق والولايات المتحدة، شكّلت لجنة لمناقشة مصير مقاتلي تنظيم «داعش» في مخيمات ومعسكرات الاعتقال بشمال شرقي سوريا، التي تديرها قوات «قسد» منذ سنوات، وإنه يتعين على العراق «التركيز على مسألة المخيمات؛ لأن معظم النساء والأطفال في (مخيم الهول) من السوريين والعراقيين، ويجب إعادتهم إلى بلادهم».
ولم تعلن «قسد» صراحة حتى الآن أن قرار حزب العمال الكردستاني سيشملها. وقال عبدي إن حزب العمال الكردستاني كان له دور تاريخي في الشرق الأوسط خلال المرحلة الماضية، وكلنا ثقة بأن هذه الخطوة ستمهد الطريق أمام مرحلة جديدة من السياسة والسلام في المنطقة، ونأمل في أن تبادر جميع الأطراف المعنية باتخاذ خطوات مهمة وأن يقدّم الجميع الدعم المطلوب.
وأثار تبني أحزاب وجماعات كردية في شمال شرقي سوريا، خلال مؤتمر عقدته في القامشلي بمحافظة الحسكة الشهر الماضي، قلقاً من جانب تركيا بسبب الحديث عن الفيدرالية والحكم الذاتي هدفاً لها، على الرغم من الاتفاق مع دمشق، ووصف إردوغان الحديث عن الفيدرالية بأنه «مجرد حلم».
لكن عضو هيئة الرئاسة المشتركة لحزب «الاتحاد الديمقراطي»، وهو الحزب المهيمن في شمال شرقي سوريا، وتشكل الوحدات الكردية ذراعه المسلحة، آلدار خليل، أعلن أن الأحزاب الكردية السورية سترسل وفداً إلى دمشق قريباً لإجراء محادثات حول المستقبل السياسي لمناطقهم، في إطار سعيها لتحقيق هدفها المتمثل في الحصول على «إدارة ذاتية»، على الرغم من معارضة إدارة دمشق وكذلك تركيا المجاورة.
وأكدت رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلهام أحمد خلال، مؤتمر عقد في العاصمة اليونانية أثنيا الأحد تحت عنوان: «القضية الكردية والتطورات في الشرق الأوسط»، أن العملية التي بدأها أوجلان ستؤثر عليهم وعلى المنطقة، وأن آراءهم ضرورية ويجب حل المشكلة على الطاولة.
ولفتت إلى أنه بعد المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني، يجب اتخاذ خطوات قانونية وديمقراطية، ويجب أن تستمر العملية المقبلة وفقاً للأطر القانونية.
وأوضحت أنه بالنسبة لسوريا، فإن العودة إلى نظام البعث غير ممكنة، ويكمن الحل يكمن في الانتقال إلى نظام الإدارة الذاتية في الأمن والاقتصاد والتعليم، محذرة من اندلاع حرب أهلية إذا تم الإصرار على نظام حكم مركزي.
كسر عزلة أوجلان
ولا تعد قضية تسليم أسلحة العمال الكردستاني، وأذرعه، هي القضية الوحيدة المعقدة في مسار عملية ما بعد حل الحزب، إذ تبرز مسألة اتخاذ خطوات لتحسين ظروف سجن عبد الله أوجلان، الذي يمضي عقوبة السجن المشدد مدى الحياة في سجن انفرادي منعزل في جزيرة إيمرالي الواقعة في جنوب بحر مرمرة غرب تركيا، وتوسيع التواصل معه، ومنحه فرصة اللقاء مع المجموعات التي يرغب بها سواء من الصحافيين أو السياسيين، من خلال لوائح إدارية في المستقبل القريب، كإحدى القضايا التي يدور حولها النقاش.
ويتمسك حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الذي تولى الاتصالات مع أوجلان والحكومة والأحزاب، إلى جانب الاتصالات الخارجية مع الحكومة والحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، باستفادة أوجلان بـ«الحق في الأمل»، الذي أقرته محكمة حقوق الإنسان الأوروبية عام 2014، للسماح للمحكومين بالسجن المشدد مدى الحياة بالعودة للانخراط في المجتمع بعد قضاء 25 عاماً من عقوبتهم.
وكان أول من طرح مسألة «الحق في الأمل» بالنسبة لأوجلان، هو رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، الذي دعا في أكتوبر الماضي أوجلان إلى توجيه النداء بحل حزب العمال الكردستاني وإلقاء أسلحته، مقابل النظر في إصلاحات قانونية تكفل له هذا الحق.
وأثار بهشلي بسبب ذلك جدلاً حاداً على الساحة السياسية واعتراضات من حزب «الجيد» القومي، الذي وصف دعوته بالخيانة، كما تجنب الرئيس رجب طيب إردوغان التطرق إلى هذا الأمر بسبب حالة الغضب التي فجرها تصريح بهشلي، وأكد أنه لا يمكن العفو عن «قتلة الأطفال».
ومع ذلك، فمن المتصور أن يتم إدراج هذه المسألة على جدول الأعمال بعد أن تستقر العملية على المسار الصحيح ويتم تحقيق القبول الاجتماعي، بشكل تدريجي.
ويطرح حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» مطالب أخرى تتعلق بإعادة رؤساء البلديات المنتخبين الذين تم عزلهم وتعيين أوصياء من جانب الحكومة بدلاً عنهم (10 رؤساء بلديات من الحزب) إلى مناصبهم، والاستبدال بهذه الممارسة انتخاب أحد أعضاء مجلس البلدية ليحل محل رئيسها حال عزله.
ويطالب الحزب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين والنواب الأكراد، وفي مقدمتهم الرئيسان المشاركان السابقان لحزب «الشعوب الديمقراطية» صلاح الدين دميرطاش، وفيجن يوكسكداغ، وتنفيذ قرارات المحكمة الدستورية التركية، ومحكمة حقوق الإنسان الأوروبية بشأنهم.
كما يطالب بتعديلات في قانوني تنفيذ الحكام ومكافحة الإرهاب، تكفل الإفراج عن أعضاء العمال الكردستاني من كبار السن والمرضى، الذين يقدر عددهم بـ7 آلاف.
وفي حين تجري وحدات الأمن دراسة حول مصير قادة حزب العمال الكردستاني، تدور نقاشات حول الترتيبات القانونية المتعلقة بعودة الأعضاء الذين يحملون الجنسية التركية، والذين تقدر أعداهم بـ4 آلاف.
ويطالب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» بوضع لوائح جديدة للتعامل مع أوضاع الأعضاء المتورطين في الجرائم وغير المتورطين فيها رغم وجود قوانين صدرت في الماضي مثل «قانون التكامل الاجتماعي».
متى يتحرك البرلمان؟
يتوقع أن تدرج هذه القضية على جدول أعمال البرلمان في العام التشريعي الجديد بعد استكمال عملية نزع السلاح، وبالإضافة إلى ذلك هناك حاجة إلى تعديلات في قانوني العقوبات ومكافحة الإرهاب للسماح بعودة أعضاء العمال الكردستاني الذين غادروا إلى دول أوروبا بسبب تحقيقات الإرهاب ضدهم.
ومن المتوقع أن يتم تضمين هذه التعديلات في حزمة الإصلاحات القضائية العاشرة، التي يستعد حزب العدالة والتنمية الحاكم لطرحها على البرلمان عقب عودته من العطلة الصيفية في أكتوبر المقبل.
وبينما يتمسك حزب العمال الكردستاني بتمكين أوجلان من قيادة المفاوضات مع الدولة، يطالب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» بإجراء التعديلات التي يطالب بها على نحو عاجل قبل عطلة عيد الأضحى من أجل إنجاح العملية التي بدأت بحل الحزب.
وتقول الرئيس المشارك للحزب، تولاي حاتم أوغللاري، إن الوقت حان لبناء حياة متساوية في الوطن المشترك وتتويجها بجمهورية ديمقراطية تلبي تطلعات 86 مليون مواطن.
وأكدت أنه يجب أن تنفذ هذه الترتيبات بسرعة وقبل عطلة عيد الأضحى وأن يتحرك البرلمان من أجل اتخاذ خطوات ترسخ السلام والديمقراطية في البلاد.
وأجرى وفد من الحزب جولة على الأحزاب السياسية، خلال الأيام القلية الماضية، لمناقشة الخطوات التي يتعين اتخاذها من خلال البرلمان في أعقاب إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء أسلحته.
وبينما يتصاعد النقاش حول هذه المطالب وإمكانية تحقيقها أو رفض بعضها من جانب الحكومة، اقترح بهشلي تشكيل لجنة برلمانية باسم «لجنة الوحدة الوطنية والتضامن» من الأحزاب الـ16 الممثلة في البرلمان بحيث يمثل كل حزب بعضو واحد في اللجنة الرئيسية، التي يترأسها رئيس البرلمان، نعمان كورتولموش، وتشكيل لجان فرعية، على أن يبلغ عدد الأعضاء بالكامل في اللجنة الرئيسية واللجان الفرعية 100 عضو.
وبحسب الاقتراح، تناقش اللجنة الخطوات التي يجب اتخاذها فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي، ودمج أعضاء حزب العمال الكردستاني، غير المتورطين في أعمال مسلحة في المجتمع، على أن تتخذ اللجنة قراراتها بالأغلبية البسيطة، على غرار «لجنة التوفيق» التي أنشئت في الماضي للتعديلات الدستورية، إلا أنها كانت تتخذ قراراتها بـ«الأغلبية المؤهلة».
ويمكن للجنة المقترحة، بحسب الاقتراح، تلقي جميع الاقتراحات ومناقشتها، لكن لن يكون مسموحاً بالتطرق إلى الخصائص الأساسية للجمهورية التركية التي تحددها المواد الأربع الأولى من الدستور، ولن تكون قابلة للنقاش بأي شكل من الأشكال.
مواقف متباينة
وإلى جانب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، أيد حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، اقتراح بهشلي، معلناً أنه يتمسك منذ البداية بأن يكون البرلمان هو المنصة التي تناقش فيها عملية حل المشكلة الكردية وأن تشكيل لجنة خاصة بذلك هو اقتراحه في الأساس، بحسب رئيس الحزب، أوزغور أوزيل.
ويعترض حزب الشعب الجمهوري على الشق المتعلق باتخاذ قرارات اللجنة بالأغلبية البسيطة، ويطالب بأن تعمل وفق قواعد لجنة التوفيق المتعلقة بالتعديلات الدستورية.
كما يعترض أعضاء في حزب العدالة والتنمية الحاكم على هيكل اللجنة الذي اقترحه بهشلي، ويرون أنه من المهم منع تأثر العملية، وضمان اتخاذ القرارات دون تأخير، وأنه لتجنب مثل هذه المشاكل، يجب إنشاء هيكل يضم من لا يعارضون العملية.
وتقف أحزاب ما يعرف بـ«الطريق الجديد»، التي تضم أحزاب «الديمقراطية والتقدم» برئاسة علي باباجان، و«المستقبل» برئاسة أحمد داود أوغلو، و«السعادة» برئاسة محمود يريكان، في جبهة التأييد المبدئي لاقتراح بهشلي، لافتة إلى أنها دعت منذ البداية إلى إشراك البرلمان في العملية.
ومع ذلك ترى هذه الأحزاب أن هيكل اللجنة المقترح من بهشلي يجب أن يناقش بسبب مخاوف تتعلق من إمكانية أن يعتمد حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية على الأغلبية التي ستزداد بتأييد حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» لهما، وأن تتحول باقي الأحزاب إلى مجرد ديكور، وتطالب أيضاً بأن تبدأ هذه العملية قبل عطلة عيد الأضحى.
أما حزب «الجيد»، القومي، الذي يعارض العملية برمتها فأعلن أنه يدعو إلى حل كل شيء في تركيا من خلال الحوار، وأكد رئيسه، مساوات درويش أوغلو، أن حزبه لن يسمح أبداً بأن تتحول القومية التركية إلى جهاز يستخدم تحت إشراف إرهابي (أوجلان) أمضى أكثر من 25 عاماً في السجن ومحكوم عليه بالسجن المشدد مدى الحياة.
ويعد حزب «الجيد» العملية التي تصفها الحكومة بـ«تركيا خالية من الإرهاب» فخاً منصوباً لتركيا، ويصفها بأنها «عملية خيانة».
وأرجع بهشلي اقتراحه بأن تسند رئاسة اللجنة إلى رئيس البرلمان، نعمان كورتولموش، إلى ضمان إشراف دستوري مباشر على عملها.
ورغم مطالبة حزب «الديمقراطية المساواة للشعوب» بمناقشة التعديلات القانونية اللازمة على نحو عاجل قبل عطلة عيد الأضحى، قال كورتولموش إن عملية الانتقال نحو «تركيا خالية من الإرهاب» تسير وفق الجدول المقرر، وإن «الخطوة التالية هي تسليم السلاح، وبعد ذلك ستكون ساحة النقاش السياسي هي البرلمان، سواء من حيث التشريع أو وضع الأطر القانونية اللازمة».
وكذلك أكد مسؤولون في حزب العدالة والتنمية الحاكم أن مناقشات البرلمان لن تبدأ قبل أن يقدم جهاز المخابرات تقريراً رسمياً إلى الرئيس رجب طيب إردوغان يؤكد فيه انتهاء عملية نزع أسلحة العمال الكردستاني.
مآرب أخرى
ولم تبتعد المناقشات الدائرة حول مشروع السلام والأخوة والتضامن بين الأكراد والأتراك، عن المناقشات الدائرة حول وضع دستور جديد لتركيا، لا يخفى أن الهدف منه هو فتح الباب أمام إردوغان للحصول على حق الترشح لرئاسة تركيا من جديد.
ويتردد في أروقة السياسة في أنقرة أن «الاستدارة» التي حدثت من جانب إردوغان وبهشلي تجاه حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الذي لطالما تعرض لهجومهما ودمغه بالإرهاب بشكل صريح، إنما هي محاولة لضمان تأييده لمشروع الدستور، الذي يرى من منظوره الخاص أن تركيا بحاجة إليه ولكن بمعايير تدعم مشروع التضامن الكردي التركي، والحصول على دعم كتلة نوابه بالبرلمان، واستبدال كتلة الشعب الجمهوري به، الرافض لمناقشة أي مشروع للدستور قبل الالتزام بالدستور الحالي، وبقرارات المحكمة الدستورية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
الشرق الأوسط
—————————–
مبادرة حل «الكردستاني» تشق صفوف القوميين الأتراك
أنقرة: سعيد عبد الرازق
29 مايو 2025 م
أحدثت مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب» التي أطلقها رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي، صدمة قوية في الساحة السياسية التركية، وتركت شرخاً عميقاً في صفوف القوميين الأتراك.
وجاء أقسى رد على دعوة بهشلي من جانب رئيس حزب «الجيد» القومي المعارض، موساوات درويش أوغلو، الذي حمل بيده حبلاً خلال إلقاء كلمته أمام المجموعة البرلمانية لحزبه بالبرلمان، موجهاً خطابه إلى بهشلي، قائلاً: «خذ هذا الحبل، وعلقه الآن على رأسك».
وكان ذلك بمثابة تذكير من درويش أوغلو لبهشلي بمطالبته إردوغان بإعدام أوجلان، إذ حمل بيده حبلاً خلال تجمع لأنصار حزب الحركة القومية قبل الانتخابات البرلمانية عام 2007، وخاطب إردوغان قائلاً: «خذ هذا الحبل واشنقه (أوجلان)».
وعد درويش أوغلو أن السر وراء خروج بهشلي من وراء الستار وإطلاق مثل هذه الدعوة هو محاولات وضع دستور جديد للبلاد وجعل إردوغان مرشحاً للرئاسة مرة أخرى.
واتهم رئيس حزب «النصر» القومي، أحزاب الحركة القومية والعدالة والتنمية والشعب الجمهوري و«الديمقراطية والمساواة للشعوب»، بتشكيل جبهة غير رسمية معادية للقومية التركية.
جدل إضافي
وفجر البيان الذي أصدره حزب العمال الكردستاني في 12 مايو (أيار) لإعلان قراره حل نفسه وإلقاء أسلحته استجابة لدعوة أوجلان جدلاً جديداً، بسبب إشارته إلى «معاهدة لوزان» و«الإبادة الجماعية للأكراد».
وتضمن البيان فقرة قال فيها: «لقد برز حزبنا (حزب العمال الكردستاني) على مسرح التاريخ بعدّه حركة حرية شعبنا ضد سياسة إنكار وإبادة الأكراد، التي تستمد مصدرها من معاهدة لوزان ودستور عام 1924».
وقال درويش أوغلو إن ما نفهمه من البيان هو أنه إعلان للنصر، وأن الحزب لم يتراجع عن أهدافه ومقاصده، وأود أن أؤكد بشكل خاص أن معاهدة لوزان هي سند ملكية الجمهورية التركية.
ونظم الحزب تجمعاً في أنقرة للدفاع عن معاهدة لوزان التي رسمت حدود الدولة التركية، بينما رفضت جميع أحزاب المعارضة المساس بمعاهدة لوزان أو المواد الأربع الأولى من الدستور التي تحدد خصائص الجمهورية التركية ولغتها وعلمها.
وعلق الكاتب البارز، مراد يتكين، قائلاً إن ما جاء في بيان حزب العمال الكردستاني أثار اعتراضات ليس فقط من أحزاب المعارضة، ولكن أيضاً من داخل حزب العدالة والتنمية، ويجب أن يدرك الجميع أن المطالب القانونية والدستورية للعمال الكردستاني، التي تصل إلى تغيير المواد الأربع الأولى الرئيسية من الدستور، ستؤدي إلى ردود فعل خطيرة في المجتمع.
وقال الكاتب المخضرم، طه أكيول، إنه قلق من الآن فصاعداً، لأن الحركة السياسية الكردية ستكتسب زخماً، وسيتم تقديم عبد الله أوجلان إلى الرأي العام العالمي بعدّه الرجل الذي جعلهم يلقون السلاح بدلاً من كونه مداناً بالإرهاب، وسيصبح الخط السياسي للحركة الكردية الأكثر راديكالية.
ولفت الأكاديمي، مسعود يغين، إلى أن معاهدة لوزان ينظر إليها من جانب الأتراك على أنها سند ملكية الجمهورية التركية، لكن الأكراد يرون أنها كانت بداية لتجزئة الأراضي التي يعيشون عليها معاً وإنكار حقوقهم، لكنه رأى أن التأكيد الذي جاء في البيان لا يشكل اعتراضاً على سلامة أراضي تركيا.
ودفع هذا الجدل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى التأكيد، في حديثه عن الدستور الجديد، أنه سيكون ليبرالياً ديمقراطياً يقضي تماماً على حقبة الانقلابات، وأنه لن يكون هناك مساس بالمواد الأربع الأولى من الدستور، داعياً حزب الشعب الجمهوري لدعمه، لكن رئيس الحزب أوزغور أوزيل، كرر موقفه الرافض لمناقشة الدستور الجديد مع من لا يمتثلون للدستور الحالي.
——————————-
==========================