الهجرة العكسية من تركيا لسوريا.. “القلة” تغلب عزيمة العودة/ منصور حسين

السبت 2025/05/31
قبل نهاية العام الدراسي في تركيا، أنهى محمد مختار، اللاجئ من مدينة حلب إلى ولاية إسطنبول التركية، جمع الأوراق والشهادات التي تؤكد اجتياز ابنته فاطمة سنتها الاعدادية الأولى، وابنه ماهر صفه الخامس الابتدائي، تحضيراً لاستكمال تعليمهم في مدينة حلب التي لم يروها من قبل.
فمع نهاية الموسم الدراسي واقتراب عيد الأضحى، بدأت عشرات الأسر والعائلات السورية اللاجئة في تركيا، تحضيرات العودة إلى سوريا، في موجة هجرة عكسية متوقعة، تحركها الضغوط الاقتصادية المتزايدة في تركيا، مقابل الفرص الموعودة، والأمل بانتعاش الوضع الاقتصادي وتحرك العجلة الصناعية مع قرار رفع العقوبات الغربية عن سوريا.
وأعلنت رئاسة إدارة الهجرة التركية، يوم الخميس الماضي، أن 250 ألفاً و64 سورياً، عادوا طوعاً إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد، ضمن ما وصفته بالعودة “الآمنة والكريمة والمنظمة”. وأضافت أن إجمالي عدد السوريين الذين عادوا طوعاً إلى سوريا منذ عام 2016، بلغ مليوناً و126 ألف شخص.
نهاية اللجوء
محمد مختار الذي زار منزله في حي باب النيرب في مدينة حلب، بعد أيام من سقوط نظام الأسد، كان قد أوكل شقيق زوجته في عملية ترميم وإصلاح المنزل، بعد سرقة عناصر ومليشيات النظام البائد كل ما يمكن بيعه، ما جعله غير صالح للسكن، بحسب ما يقول لـ”المدن”.
ويوضح أن قرار عودته ووضع نهاية لسنوات اللجوء في تركيا، قد اتخذه مع زوجته فور سقوط الأسد، إلا أن الموسم الدراسي الذي كان قد بدأ لتوه، وحالة منزلهم في حلب، دفعتهم لتأجيل هذه الخطوة.
ويقول: “لا يخفى على أحد حال اللاجئ السوري في تركيا، من ظروف معيشية قاسية ومخاوف الترحيل والتعقيدات الأمنية، كنا نجبر على تحملها لغياب بدائل الاستقرار في مكان آخر، لكن بعد تحرر سوريا، صارت أبواب العودة مفتوحة، لا يمنعنا عنها سوى الالتزامات التي أوجدتها سنوات معيشتنا الطويلة هنا”.
محمد ليس الوحيد، إذ يتشابه وضعه مع عشرات الأسر اللاجئة في تركيا، ومنها عائلة علي العبد الله المقيم في مدينة غازي عينتاب التركية، الذي كان ينتظر إجازة أبنائه المدرسية، لتصفية متجره لبيع المواد المنزلية في الشارع الإيراني “إينونو”، والتوجه إلى مدينته حماة.
وحول طريقة تقديم طلب العودة الطوعية، يوضح علي لـ”المدن”، أن الإجراءات مسهلة “فقط تقديم أوراق براءة ذمة من الفواتير والمستحقات الحكومية، ومصادقة المؤجر على استلام منزله دون ضرر، بعدها الحصول على إذن سفر من إدارة الهجرة”.
الاقتصاد والأمن أولوية
بينما بدا الحال مختلفاً بالنسبة إلى محمود المرندي، المقيم في منطقة “زيتوني بورنو” في إسطنبول، حيث أشار إلى أن “قرار العودة لم يكن مطروحاً، بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية وغياب الخدمات في سوريا، واندماج الأطفال مع أصدقائهم الأتراك في الشارع والمدرسة”.
لكن الأولويات تبدلت، بحسب مرندي، بسبب انقطاع عمله المتكرر خلال الأشهر الماضية، ما أجبره على السحب من مدخراته لتغطية مصاريفه الشهرية. ويقول لـ”المدن”: “اليوم هناك مفاضلات، بين استمرار البقاء في تركيا التي تمنح الشعور بنوع من الأمان، أو العودة والتعامل مع المشاكل التي تحملها هذه الخطوة، وأهمها تأسيس حياة جديدة في وضع اقتصادي وأمني صعب”.
معوقات بالجملة
حديث من تواصلت معهم “المدن”، يؤكد استمرار الهواجس التي يحملها قرار العودة، وفي مقدمتها الأمن وندرة فرص العمل، مع غياب ضامن حصول انفراجة اقتصادية ودخول الاستثمارات، التي يتوقع تأخر ظهور نتائجها على السوق المحلية.
فقد بدأت عائلات سورية بالتقديم على الإجازة المؤقتة التي تمنحها الحكومة التركية للراغبين باستطلاع أوضاع ممتلكاتهم ومناطقهم قبل مغادرتهم النهائية، ومنهم زينب التي عادت رفقة شقيقها إلى دمشق قبل أيام، لتقييم خطوة العودة.
وتشير زينب، إلى صدمتها من حالة “الغلاء الفاحش، من بدلات الإيجار والحجوزات الفندقية وارتفاع أجور المواصلات الداخلية، وصولاً إلى أسعار السلع، مترافقة مع سوء الخدمات وغياب الكهرباء والماء”.
وتردف أن “هذه الأمور يمكن تجاوزها في حال وجود مصادر دخل ثابتة تغطي احتياجات الناس، أما الواقع يؤكد قلة فرص العمل وقلة الأجور التي لا تتجاوز بأفضل حالاتها 100 دولار شهرياً، بالكاد تغطي ثمن أمبيرات الكهرباء، ما يجعل عودتنا شبه مستحيلة على المدى القريب”.
ويتفق الاقتصادي السوري رضوان الدبس مع الشهادة السابقة، من حيث تدهور الواقع الاقتصادي وانعدام فرص العمل الذي ينسحب أيضاً على الخدمات العامة، وبالتالي اضطرار الأسرة لتركيب منظومة طاقة بتكاليف لا تقل عن 1000 دولار أميركي للحصول على الكهرباء.
ويقول لـ”المدن”: “هناك معوقات وضغوط يومية، حيث الملاحظ اليوم الغلاء الفاحش مقارنة حتى بدول الجوار، وإغلاق الكثير من الورش والمصانع المحلية لعدم قدرتها على منافسة البضائع الأجنبية، وبالتالي ندرة فرص العمل، إضافة إلى أن وعود تحسن الوضع وتحرك العجلة الصناعية ما تزال بعيدة عن التطبيق، رغم الآمال الكبيرة التي منحها قرار رفع العقوبات كاملة عن سوريا”.
عوامل مشجعة؟
لكن الدبس، الذي عاد للاستقرار في بلده سوريا قبل أيام، يوضح في المقابل، أن “الأمر في تركيا لم يعد أفضل حالاً من سوريا، مع تراجع الوضع الاقتصادي وقلة فرص العمل والغلاء، يصاحبها الضغوط الشعبية التركية لترحيل اللاجئين وفي تعاملهم مع السوريين والتضييق عليهم”.
ويضيف “من أهم الأمور التي تدفعنا اليوم للعودة، الخلاص من حكم الأسد وشعور الجميع بالمسؤولية اتجاه وطننا وبنائه من جديد، ومعها إسقاط خدمة العلم التي كانت عائقاً أمام عودة الشباب، والملاحقات الأمنية، يضاف إليها البحث عن الاستقرار النهائي والخلاص من التهجير والاغتراب”.
ويشير إلى أن قضية الاستثمارات ودخول رؤوس الأموال، عامل دافع وبقوة لعودة اللاجئين السوريين، “على الرغم من أن انعكاس آثارها على الأرض، لا يمكن أن يظهر على المدى القريب، إذ يحتاج المواطن لسنوات للمس التغيير وتحسن الوضع الاقتصادي”.
المدن