سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 01 حزيران 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
————————————
تصعيد على إيقاع الوساطة بين دمشق وتل أبيب/ زاهر عمرين
01 يونيو 2025
في وقت كانت فيه عيون الصحافيين تتابع بتوجس الإشارات المتبادلة بين دمشق وتل أبيب، جاءت الغارة الجوية الإسرائيلية مساء أول من أمس الجمعة على أطراف مدينة اللاذقية لتحمل إيقاعاً مختلفاً، خرق الصمت الذي سبق الخطوة الأميركية المنتظرة، وطرح أسئلة جدية بشأن جدوى أي حوار، ولو كان غير مباشر مع إسرائيل.
قالت الحكومة السورية، على لسان وزير الإعلام، حمزة المصطفى، إن المحادثات التي جرت مع إسرائيل لم تكن مباشرة، واقتصرت على البحث في آليات العودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974. ومع أن التصريحات جاءت حازمة في نفيها تقارير إسرائيلية وأخرى من وكالة رويترز عن محادثات أمنية مباشرة، فإن التوقيت، كالعادة، قال أشياء أكثر مما قيل رسميّاً. إذ تزامن المؤتمر الصحافي مع سقوط صواريخ إسرائيلية على منشآتٍ قالت تل أبيب إنها “تشكّل تهديداً أمنيّاً” في الساحل السوري، وبالتحديد مخازن يُزعم إنها تحوي صواريخ أرض– بحر.
لم تكن هذه المرّة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة. فالذاكرة السورية الجديدة مثقلة بسلسلة من الغارات الإسرائيلية التي باتت جزءاً من إيقاع الحرب الباردة الدافئة في المنطقة. ومع أن الشهر الماضي (مايو/ أيار) شهد خفوتاً نسبيّاً في هذه الاعتداءات، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، إلا أن هذا الهدوء يبدو حالياً أشبه باستراحة في سرديةٍ لم تُكتب نهايتها بعد.
في عمق الصورة، تتحرّك واشنطن بحذر، عبر المبعوث الأميركي الجديد إلى سورية، السفير توماس باراك، المقرّر أن يزور دولة الاحتلال الأسبوع الحالي، برفقة نائب مبعوث ترامب لشؤون الشرق الأوسط، موغان أورتاغوس، بهدف، كما تتداول الأوساط الدبلوماسية، تهيئة الأرضية لمفاوضات غير رسمية بين الطرفين السوري والإسرائيلي، قد تفضي لاحقاً إلى اتفاق “عدم اعتداء” يشكّل مدخلاً لحوار أوسع.
وقد قال باراك نفسه لصحافيين أميركيين إن “مشكلة سورية وإسرائيل قابلة للحل”، في تصريح يبدو كأنه خرج من زمن مختلف، فبينما تعبّر دمشق عن استعدادها لاستكشاف الحلول، تواجه مقاربتها واقعاً سياسياً إسرائيلياً يقوده يمين متطرّف يجد في القوة العسكرية منطقاً دائماً، لا تهزّه خطابات التهدئة، ولا تغيّره المبادرات الدبلوماسية.
المفارقة في المشهد أن تل أبيب، وبالرغم من هذا الانفتاح الأميركي، تواصل فرض شروطها عبر الجو، فلم تكن الغارة أول من أمس فقط رسالة إلى دمشق، بل كانت إشارة واضحة إلى واشنطن: نحن لا نتلقّى التعليمات بسهولة. … وهذا ما أكّده وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، حين أعلن أن الضربة استهدفت تجهيزاتٍ تهدّد أمن إسرائيل، في لهجةٍ لا تختلف كثيراً عن التي رافقت أضخم عملية نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي في تاريخه كله، وطاولت مطاراتٍ ومنشآتٍ استراتيجية بعيد سقوط نظام الأسد.
تشهد الحدود الجنوبية لسورية، على وجه الخصوص، حركة تفاوضية موازية، بعضُها سرّي وبعضُها مكشوف، فالتسريبات عن مباحثات في أذربيجان بين تركيا وإسرائيل حول إنشاء “خط ساخن” لتفادي الاشتباك جنوب سورية، تعيد صياغة فهمنا لمفهوم “المنطقة العازلة”، خصوصاً مع إصرار تل أبيب على نزع السلاح من محافظات درعا، القنيطرة، والسويداء.
في خلفية المشهد، تقف دمشق عند تقاطعٍ صعب: رغبة في التهدئة من جهة، وشكوك عميقة في نيات الطرف الآخر من جهة ثانية. ومع كل صاروخٍ يسقط، تتراجع إمكانية الوصول إلى حل، حتى وإن بدت واشنطن متحمسة لفتح فصلٍ جديد.
ليس التصعيد أخيراً حدثاً معزولاً. إنه عودة الصوت إلى مشهد لم يغادره التوتر. وحين يهبط السفير الأميركي في تل أبيب خلال أيام، سيكون أمام أول اختبار فعلي لجدّية مقاربة ترامب الجديدة للشرق الأوسط. فالتهدئة، حتى إن بدت فكرة قابلة للنقاش، لا يمكنها أن تولد أيضاً في ظل قصفٍ مستمر، ولا أن تعيش طويلاً في غياب الاعتراف الواضح بسيادة سورية على أراضيها، ولا بمعزل عن مآلات القضية الفلسطينية.
ولكن هل يستطيع توماس باراك، الدبلوماسي الطَموح المليء بالوعود، أن يرسم حدود تهدئة حقيقية بين دمشق وتل أبيب؟ سؤال تصعب الإجابة عنه، خصوصاً أن الطائرات الإسرائيلية ومع كل طلعةٍ تنفذها فوق الأراضي السورية تزيد مهمته صعوبة وتزيد ملامح المشهد تعقيداً.
العربي الجديد
—————————–
سورية تتعافى وتنتظر المستقبل/ فاطمة ياسين
01 يونيو 2025
لم يتأخّر الاتحاد الأوروبي في رفع العقوبات عن سورية، بعد خطوة الولايات المتحدة التي أزالت معظم القيود المفروضة خلال عهد الأسدين، فمنذ نهاية السبعينيات، بدأت ممارسات النظام السوري تراكم العقوبات فوق كاهل الشعب، حتى تصاعدت بشكل كبير بعد أشهر من بدء الثورة السورية ضد بشّار في مارس/ آذار عام 2011، حتى وصلت إلى تقييد كامل لأي حركة سياسية أو اقتصادية سورية، ووصل الوضع إلى حالة الإنهاك التي نعرفها، وعكستها بوضوح صورة الداخل بعد وصول قوات المعارضة إلى دمشق، ومن حينها دأبت القيادة الجديدة على العمل بشكلٍ جادٍّ لرفع العقوبات بالكامل، أو التخفيف منها، وبدت تعرف الوسيلة جيداً، فأطلقت جميع من في السجون، وفتحت حدودها إيذاناً ببدء عودة اللاجئين، وأبدت استعداداً كاملاً للتخلص من مستودعات الأسلحة الكيميائية التي كان النظام يخفيها إلى حين حاجته إليها.. كانت هذه الإجراءات التي طبّقت بمجرّد وصول السلطة الجديدة، من جملة شروطٍ أخرى نصّ عليها قرار الأمم المتحدة 2254 بخصوص سورية. ولم تتوقف العجلة عند ذلك، فقد بدأت عملية ترتيب البيت الداخلي بسرعة وجدّية عاليتين، فتسارعت القرارات التنظيمية والإدارية لتبدو سورية بمظهر دولة حقيقي، بعد أن فقدت هويتها السياسية والاقتصادية قرابة عقد ونصف العقد.
شكّلت المسألة الأمنية أولوية قصوى، وقد استوعبت وزارة الداخلية ذلك، فأعادت الأسبوع الماضي هيكلية جهازيها الوظيفي والفني، وقسّمت القُطر إلى محافظات، وجعلت قائداً واحداً للأمن في كل منطقة، بعد أن مسحت طريقة النظام القديم الذي كان يقيم أجهزة أمنية متعدّدة ذات مهام متداخلة، تسمح بالدخول في صراعات مباشرة فيما بينها، وقد حدث ذلك مراراً، بغرض زيادة سيطرة رأس النظام بإبقاء حرارة التنافس بين تلك الأجهزة. أما اليوم، فقد أصبح “الأمن الداخلي” الجهة الوحيدة التي يسمح لها بالتعامل المباشر مع المواطن بحسب الهيكلية الجديدة، ما يجعل التعامل أيسر وأسرع.
لم تستطع السلطات الجديدة، قبل إعادة الهيكلة، أن تتجنّب أحداثاً مؤسفة وقعت في الساحل بعد هجماتٍ من فلول النظام، وألقى هذا الحدث الأمني صدّاً دولياً، وتُرجم على شكل عقوبات طاولت شخصين، إلى جانب كيانيْن، كانا قد ذابا عملياً في هيكل الجيش بحسب وزير الدفاع. ولكن اللافت في هذا القرار أن الاتحاد الأوروبي الذي أصدره فرّق بين السلطة القائمة والشخصيات المستهدفة، تصديقاً لرواية الأمن العام الذي أقر بوقوع حوادث ذات طبيعة فردية أو منفلتة، فجاءت العقوبات منسجمةً تماماً مع هذا الإعلان، والآن بتنظيم الأمن ونشره في كل أرجاء سورية نتوقع عدم وقوع حوادث مشابهة، وهو ما على السلطة الحالية أن تحرص عليه وهو ضمن مسؤولياتها، وقد يكون تنظيم الجيش الذي أعلنه وزير الدفاع عاملاً مساعداً بعد إذابة أكثر من 130 كياناً وفصيلاً عسكرياً في جسد الجيش السوري الوليد.
بعد تشكيل جهاز الأمن، ورفع العقوبات، لن يكون هناك أي عائق أمام التخطيط لعملية تنموية شاملة تحتاج إليها سورية بشدّة، لتعيد إقلاعها، وهو تحدٍّ آخر أكثر صعوبة من رفع العقوبات الذي جرى بسرعة قياسية، ونشر الأمن الذي ننتظر اختبار فاعليته، وهناك مساندة ليست مسبوقة من الولايات المتحدة ودول أخرى مؤثرة وأساسية في الإقليم تمتلك الإمكانات والإرادة لدعم سورية.. وعَقْد الاتفاقيات الأربع قبل أيام نقطة مهمة في مسيرة سورية بمجال الطاقة الشمسية ومحطّات التوليد بواسطة الغاز، ضمن استثمار بمليارات الدولارات، وقد جرى توقيعها بالأحرف الأولى في دمشق، وهي فاتحة لمجموعة أخرى من المشاريع يجري التبشير بها في كل القطاعات. وبذلك تكون سورية قد وضعت قدمها على سلّم التعافي، بعد فترة الأسدين التي صبغت سورية بلونها الكالح، وعتمت على حاضرها، وصعّبت المهمة أمام من يرغب في بناء مستقبل مشرق لها.
العربي الجديد
——————————
التاريخ لا يكرر نفسه.. نحن نفعل/ سلمان عز الدين
31 مايو 2025
ذات مرة، منذ سنوات كثيرة، شرح لي أستاذي في كلية الصحافة درسًا صعبًا في السياسة. قال لي: “بما أنك لست ماركسيًا (كان هو كذلك) فلن تفهم معنى الديالكتيك”. وتكرم بإعطائي مثالًا: “نحن نقف ضد حافظ الأسد في سياسته الداخلية ولكننا نقف معه في سياسته الخارجية. في الداخل هو ضد الطبقات الفقيرة والكادحة فنحن نناضل ضده. أما في الخارج فهو يقف في مواجهة الإمبريالية والرجعية ولذلك نحن نناضل معه وخلفه. هل فهمت؟”.
لم أفهم بالطبع كيف نناضل مع وضد في الوقت نفسه، وما علاقة الديالكتيك بكل ذلك، ولكن بما أنني لم أكن أحبذ الرسوب في مادة الأستاذ الديالكتيكي، فقد فهمت، بل إنني أبهرته بسرعة فهمي.
وربما كانت تلك هي المرة الأولى التي أستمع فيها إلى “خطأ الداخل وصواب الخارج”، ولكنها بالتأكيد لم تكن الأخيرة، فقد انبرى كثر إلى تبني هذه المقولة العجيبة وتكرارها، إلى درجة صارت معها واحدًا من الشعارات الموازية، الشعارات من الباطن، التي كانت السلطة ترضى عنها وتشجعها، دون أن تصل إلى بثها على التلفزيون الرسمي، أو كتابتها على يافطات في الشوارع، أو السماح للجماهير الغفيرة أن تهتف بها.
كتّاب وصحفيون ومحللون سياسيون ودبلوماسيون.. كانوا ينخرطون في شرح العبقرية الاستراتيجية التي تتجلى في إدارة العلاقات مع الخارج. كيف كان الزعيم الداهية يناور أميركا ويلاعب إسرائيل ويخادع الاتحاد السوفيتي، ويمسك العصا من المنتصف بين السعودية وإيران، وكيف كان يُحرج صدام ويفحم مبارك ويُدخل ياسر عرفات في مأزق تلو الآخر.
وكان هؤلاء يضيفون على الهامش عبارة صغيرة: “ولكن هناك بعض الأخطاء في الداخل”، وكانت الأخطاء بسيطة ولا تستحق أن يتجشموا عناء ذكرها، غير أننا كنا نعرفها: تكميم أفواه شعب بأكمله، وتصفية كل رموز المعارضة، وصنع بضع مجازر من العيار الثقيل، وتدمير مدينة وأحياء من مدن أخرى فوق رؤوس أهلها، وتخريب التعليم، وإفساد القضاء، وتدمير الصحافة، واعتماد الفساد دينًا رسميًا للدولة.
صارت عبارة “العبقرية في الخارج والأخطاء في الداخل” ممجوجة لكثر ما ترددت، ثم صارت في عهد بشار نكتة سمجة، إذ أثبت القائد الجديد أن بلاهته في السياسة الخارجية لا تقل عن بلاهته في السياسة الداخلية.
ومع سقوط بشار كان مفترضًا أن تذهب العبارة هذه إلى أرشيف الكوميديا السوداء للعهد البائس البائد. ولكن منذ أيام انقبض قلبي وأنا استمع إلى محلل سياسي استراتيجي وهو يقول إن “الحكم الجديد أثبت براعة متناهية في إدارة الشؤون الخارجية”، وبعد شرح تخلله الكثير من الإطناب، أضاف، وعلى الهامش، أن “إدارة شؤون الداخل لم ترق بعد إلى هذا المستوى”!
يقال إن التاريخ لا يكرر نفسه، ربما يكون هذا صحيحًا، أما نحن فقد اعتدنا أن نفعل، باستمرار وإلى ما لا نهاية.. يا ساتر!
الترا سوريا
———————————
“داعش” في سورية… محاولة خروج من المخبأ/ محمد أمين
31 مايو 2025
على الرغم من تراجع تنظيم داعش من الواجهة في سورية منذ سقوط نظام بشار الأسد، أواخر العام الماضي، في ظل إجراءات مشددة تتخذها وزارة الداخلية السورية التي تضع مسألة الضبط الأمني في البلاد ومواجهة التنظيمات المتطرفة في رأس أولوياتها، فإن “داعش” في سورية أعلن، أمس الأول الخميس، مسؤوليته عن هجوم استهدف القوات السورية في جنوب البلاد، في تطور هو الأول من نوعه منذ تسلّم أحمد الشرع رئاسة البلاد.
ونقل موقع “سايت”، المتخصص في مراقبة التنظيمات المتشددة، عن بيان نشره التنظيم عبر منصاته الإعلامية، أن “جنود الخلافة” زرعوا عبوة ناسفة فجّروها عن بُعد مستهدفين آلية تابعة لقوات “النظام السوري المرتد”، في محافظة السويداء. وأسفر التفجير الذي وقع يوم الأربعاء الماضي، عن مقتل مرافق لدورية استطلاع تابعة للفرقة 70 في “الجيش السوري الجديد”، وإصابة ثلاثة عناصر آخرين بجروح، يوم الأربعاء الماضي. ويُعد هذا التصعيد أول هجوم رسمي معلن للتنظيم ضد قوات الحكومة السورية الجديدة بعد فترة من الهدوء النسبي، شهدت خلالها مناطق الجنوب السوري انخفاضاً في وتيرة الهجمات.
وكانت وزارة الداخلية السورية، قد أعلنت قبل أيام، أنها ألقت القبض على عدد من عناصر “داعش” في ريف دمشق الغربي، وضبطت معهم كميات من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، منها قواعد صواريخ وعبوات ناسفة وسترات انتحارية. وهذه العملية الثانية التي أعلنت عنها الوزارة منذ إسقاط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي ضد “داعش” في سورية حيث تعاملت، في السابع عشر من الشهر الحالي، مع خلية في مدينة حلب، ما أدى إلى مقتل ثلاثة من عناصرها، إضافة إلى عنصر في جهاز الامن العام.
وكان “داعش” وجّه تحذيراً واضحاً، في إبريل/نيسان الماضي، للرئيس السوري أحمد الشرع في حال قبوله انضمام سورية إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي تشكل من عدة دول في عام 2014 لمواجهة التنظيم المتطرف في سورية والعراق. وفي تصعيد إعلامي، شنّ “داعش”، في افتتاحية صحيفته الأسبوعية “النبأ” الصادرة في 16 مايو/أيار الحالي، هجوماً على الشرع، وذلك من خلال مقال بعنوان “على عتبة ترامب”، استنكر فيه لقاءه الأخير مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واعتبره “خيانة للمنهج الجهادي”.
ومطلع العام الحالي، أعلنت الإدارة الجديدة إحباط هجوم كان التنظيم ينوي شنه على منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، في محاولة لم تنجح لخلط الأوراق في البلاد وجرها إلى دورات عنف على أسس طائفية ومذهبية. وقالت وزارة الداخلية، في حينه، إن “جهاز الاستخبارات العامة، بالتعاون مع إدارة الأمن العام في ريف دمشق، نجح في إحباط محاولة لتنظيم داعش للقيام بتفجير داخل مقام السيدة زينب”. ويبدو أن التنظيم يحاول استغلال الأوضاع الأمنية التي تمر بها سورية خلال الفترة الانتقالية لتأكيد حضوره الدامي مرة أخرى. وسيطرت القوات التابعة للإدارة السورية على البادية بشكل كامل، ما خلا جيوباً قليلة يُعتقد أن خلايا التنظيم تتخذها ملاذاً ومنطلقاً لشن هجمات.
خلايا لتنظيم “داعش” في سورية
ويبدو أن لتنظيم داعش خلايا في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لا سيما في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، إضافة إلى “ذئاب منفردة”، ربما تستغل ثغرات أمنية لتنفيذ هجمات. ولا توجد معلومات يمكن الركون إليها لعدد عناصر “داعش” في سورية إلا أنه يُعتقد أن نحو ألف عنصر ينتشرون في مناطق داخل البادية السورية مترامية الأطراف، وربما لديهم خطوط إمداد من صحراء الأنبار غربي العراق.
وبُعيد سقوط الأسد بأيام، شن التنظيم عدة هجمات على أهداف في البادية، بيد أن التحالف الدولي شن هجمات جوية على مواقع له ربما لعبت دوراً في إضعاف قدرته على القيام بعمليات واسعة النطاق، لا سيما في مناطق سيطرة الدولة السورية. ولكن “قسد” تعلن بين وقت وآخر عن إحباط محاولات التنظيم لشن هجمات في مناطق سيطرتها في شمال شرق سورية. ونفذت قوات التحالف الدولي قبل أيام إنزالاً جوياً في البادية السورية، فاندلعت اشتباكات مع خلايا لتنظيم داعش أدت إلى مقتل عدد غير معروف منهم، ما يؤكد أن للتنظيم حضوراً في بادية دير الزور يمكّنه من شن هجمات في حال عدم التعامل معه من قبل الجيش السوري الجديد.
امتلاك “داعش” القدرة على شن هجمات
وأعرب الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عبد الرحمن الحاج، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده أن “داعش” في سورية لا يزال يمتلك القدرة على شن هجمات داخل المدن، “وهذا يعني أن خطره لا يزال قائماً، لكنه اليوم أضعف مما كان قبل سقوط نظام الأسد”. وبيّن الحاج أن الوقائع أثبتت أن الكثير من العمليات الإرهابية التي شهدتها البادية السورية في السنوات التي سبقت سقوط نظام الأسد، ونسبت للتنظيم، خصوصاً تلك المتعلقة بالمدنيين والرعاة، “كانت تقوم بها قوات النظام والمليشيات الإيرانية التي كانت تنتشر في عموم البادية قبل السابع من ديسمبر من العام الفائت”.
وتابع: “لقد عاينت بنفسي الإجراءات التي قامت بها الإدارة السورية الجديدة للضبط والمراقبة الفعالة في البادية”. وبيّن أن القوات الحكومية “نشرت حواجز تفتيش على الطرق، ووضعت على التلال مجموعات مراقبة مزودة بتقنيات اتصال تساعد على مواجهة أي خرق بسرعة كبيرة”، مضيفاً: خلافاً لما هو شائع، فإن تضاريس البادية تُمكن السيطرة عليها، فهي ليست معقدة ووعرة. وبرأيه، فإن “الانتقال إلى عمليات داخل المدن مؤشر على تغير في تكتيكات التنظيم”، مضيفاً أن العمليات ضد “قسد” في شرق وشمال شرق البلاد، انخفضت أيضاً بسبب السيطرة التي قامت الحكومة بها في البادية. وأشار إلى أن “العمليات الأخيرة التي قامت بها قوات الأمن التابعة للحكومة ضد خلايا داعش في سورية أثبتت مدى هشاشته وتراجع قدراته”، مضيفاً: بالتأكيد، فإن التنسيق مع الأجهزة الاقليمية والدولية لمواجهة التنظيم يمثّل عاملاً مهماً ساعد الحكومة في التضييق عليه ومنعه من النشاط وتقويض قدراته.
وكان من ضمن الشروط الأميركية لرفع العقوبات المفروضة على سورية تعاون الإدارة في مكافحة الإرهاب، وخصوصاً “داعش” في سورية كما طلبت منها استلام السجون التي تضم عشرات الآلاف من موقوفي التنظيم والتي تديرها “قسد” في الوقت الحالي. ويستفيد “داعش” في سورية بحسب الباحث السياسي عرابي عبد الحي عرابي في حديث مع “العربي الجديد”، من عدة عوامل لتنفيذ هجمات داخل الأراضي السورية. وتابع: “انتشاره في البادية الواسعة من هذه العوامل، ما يعطيه قدرة على التخفي”. وبرأيه، لدى التنظيم قدرات على استمرار نشاطه، مضيفا: “للتنظيم خلايا أمنية نشطة، لكنه يواجه قيوداً كبيرة بعد سقوط نظام الأسد، أبرزها: فقدان العدو المركزي الذي كان يحفّز التعبئة الدعائية والشرعية الدينية.
ومن القيود الأخرى المفروضة على التنظيم، تشديد الملاحقة الأمنية من الفاعلين الجدد وهم أكثر مرونة وتفرّغاً لمواجهته”، وفق عرابي الذي رأى أن “انعدام الحاضنة الشعبية بعد تجربة “دولة الخلافة” القاسية والضربات النوعية التي أضعفت قيادته ومراكزه اللوجستية تقلل من فرص التنظيم لشن هجمات. وباعتقاده، فإن “التنظيم تراجع من حالة الانتشار إلى حالة الكمون والاستنزاف، مع بقاء الخطر الأمني قائماً في مناطق الفراغات الأمنية والحدود”.
العربي الجديد
——————————
الشرع أمام وفد السويداء: حصتكم من التنمية مهمة لكنها غير ممكنة في ظل الفوضى
31 مايو 2025
زار وفد من السويداء، في 29 أيار/مايو الجاري، القصر الرئاسي في العاصمة دمشق، وأجرى لقاء مطولًا مع الرئيس أحمد الشرع، وذلك لبحث سبل النهوض بواقع محافظة السويداء.
ضم الوفد عددًا من المثقفين والسياسيين والوجهاء الاجتماعيين والدينيين، على رأسهم إمام جامع مدينة شهبا، الشيخ سليمان الهوارين، إضافةً إلى ممثلين عن شيخي عقل طائفة الموحدين، يوسف جربوع وحمود الحناوي، وأعيان من الطائفة المسيحية، ومحافظ السويداء مصطفى البكور.
وحصل “الترا سوريا” على نص الرسالة التي قدمها الوفد إلى الرئيس الشرع، وحملت ما يشبه خارطة الطريق لـ”إصلاح ذات البين”، وجاء في الرسالة: “تبنى الأوطان بالحوار والتوافق الوطني العريض على العدالة والاستقرار والأمان وهذا عمل تشاركي سبقتنا عليه تجارب التاريخ يجب أن نستفيد منها”.
وقالت الرسالة: “نحن أبناء السويداء من كافة مكوناتها الدينية، على تنوعها، والسياسية والأهلية، أكدنا ونؤكد على ثوابتنا الوطنية العامة”، وقد تمثلت هذه الثوابت، وفق الرسالة، بعدد من النقاط، منها أن السويداء جزء أصيل من سوريا “ونحن متمسكون بوحدة الأرض والهوية الوطنية ونبذ المشاريع الانفصالية والاستقواء بالخارج”. والرفض التام لخطاب الكراهية والتحريض الطائفي المقيت الذي يهدد النسيج الوطني العام، مع التأكيد على ضرورة إصدار قانون يجرم ويحاسب مرتكبيه وفقًا للقانون.
وكذلك التأكيد على سيادة القانون كمظلة وطنية سورية يتساوى أمامها الجميع دون تمييز عرقي أو ديني أو ثقافي “وتزيل آثار استبداد وأفعال النظام المجرم بكل أشكاله المادية والمعنوية والثقافية وذلك بالعمل على الشراكة الوطنية السورية العامة وصولًا لدولة الحق والقانون، دولة لكل السوريين”.
طالب الشرع أهالي السويداء بإنهاء حالة الفوضى والتعامل مع الفصائل المنفلتة التي تسبب القلق والفوضى
وتابعت الرسالة: “إننا وإذ نتابع باهتمام وقلق ومسؤولية مجريات الفترة الماضية، سواء المتغيرات الدولية أو العقبات الداخلية، وإذ كانت قراءتنا السياسية قد بشرت برفع العقوبات عن سوريا وشعبنا الكريم، لكننا بذات الوقت نعمل على أسلم الطرق للعمل المشترك لحل المشاكل التي طفت على السطح في الآونة الأخيرة، والتي أصابتنا بوجداننا الوطني الذي وقفنا لأجله منذ 2011 وتابعناه في ساحات الكرامة لعام ونصف متواصلة حتى سقوط النظام البائد”.
واقترحت الرسالة تفعيل خطة زمنية وفق ثلاثة مستويات هي:
المستوى الأول، ويتمثل بتحقيق الأمان وسيادة القانون، وذلك من خلال:
تثبيت وتمكين الضابطة العدلية والشرطية ماديًا ولوجستيًا بمرجعية وزارة الداخلية وفتح بوابات الانتساب إليها.
العمل على “تنسيق الوحدة العسكرية من أبناء السويداء وفق التفاهمات السابقة مع وزارة الدفاع تدريجيًا والاستعانة بخبرة العسكريين السابقين وأبناء الجبل في فصائله الثورية التي كانت ضد النظام السابق”.
تأمين حماية المحافظة من اعتداء الخارجين عن القانون وتأمين طريق دمشق السويداء.
تشكيل لجنة تقصي حقائق في الأحداث السابقة في السويداء وصحنايا والإفراج عن المعتقلين ضمن القانون.
أما المستوى الثاني فيتعلق بالشأن الإداري والخدمي، من تأمين الكهرباء وحماية خطوطها وإصلاح آبار المياه واستمرار تدفق خطوط التجارة من وإلى المحافظة. وإعادة هيكلة الدوائر الرسمية ومؤسسات الدولة إداريًا “والاستفادة من خبرات أبناء المحافظة الأكاديمية والتعليمية بكافة المجالات سواء داخل المحافظة أو على المستوى الوطني العام”. وحل المشاكل المتعلقة برواتب الموظفين والمتعاقدين والعمل على زيادتها. إضافة إلى العمل على خطط اقتصادية تنموية للمحافظة تستقطب كافة فعالياتها، خاصة العاطلين عن العمل.
ويتعلق المستوى الثالث بموضوع الحوار الوطني، إذ أكدت الرسالة على فتح الحوار السوري حول القضايا الوطنية العامة “سواء المتعلقة بالإعلان الدستوري أو القضايا الثقافية وشؤون الدولة حتى وإن كانت خلافية”، والعمل على إجراء المصالحات المحلية بين درعا والسويداء والعشائر.
وقال العقيد المتقاعد يوسف قطيش، وهو أحد أعضاء الوفد الذي زار دمشق، لـ”الترا سوريا” إن “اللقاء مع الرئيس الشرع كان جيدًا واستمر لنحو ساعة ونصف بعد أن كان مقررًا له 45 دقيقة”.
وأضاف قطيش أن الرئيس “تحدث عن دور السويداء التاريخي وحاضرها الوطني الممثل في ساحة الكرامة، وأن الدولة السورية تسعى للوصول إلى قواسم مشتركة مع أهالي السويداء وتبديد حالة عدم الثقة الحاصلة مؤخرًا”.
كما طالب الشرع، وفق قطيش، أهالي السويداء بإنهاء حالة الفوضى والتعامل مع الفصائل المنفلتة التي تسبب القلق والفوضى “الرئيس قالها بوضوح: أنا عشت تجربة الفصائل في مرحلة ما من حياتي، وأعلمُ حالة الفساد والقلق التي تسببها للناس”.
ونقل قطيش عن الرئيس قوله إن “السويداء لها حصة مهمة من خطط التنمية ومشاريع البنية الأساسية التي تخطط لها الدولة، لكن لا يمكن تحقيق ذلك في ظل حالة الفوضى والفلتان الأمني السائد في المحافظة”.
وأضاف قطيش، نقلًا عن الرئيس الشرع، أن “الدولة مقبلة على نهضة تنموية كبيرة ولا يمكن إضاعة الوقت في السويداء، بينما باقي المحافظات تتهيّأ للمشاركة في إعادة البناء، ويكفي ما عانته المحافظة من تهميش النظام البائد”.
وتحدث الرئيس أمام وفد السويداء عن أحداث الساحل، ووفق قطيش، قال إنها “كانت قائمة على رد الفعل الذي خرج عن السيطرة، بعد أن تم قتل أكثر من 200 عنصر من الأمن العام، مما أثار رد فعل عصبي من الفصائل التي قُتل أفراد منها، ولم يكن مخططًا لها أبدًا، بل كان الأمن العام يبني علاقات طيبة مع أهل الساحل وتفاجأ بالهجوم المنظم الذي خلق تلك الفوضى الأمنية”.
وأكد الشرع أمام الوفد أن الدولة السورية “لن تقبل ببقاء أي منطقة في سوريا الجديدة خارج سيطرة الدولة، وهي إرادة كل السوريين، كما أن المجتمع المحلي والإقليمي والدولي داعم لنا في هذه الخطوة ونملك تفويضًا بهذا الخصوص”.
كما تطرق الشرع في حديثه للعلاقة مع إسرائيل حيث أكد أن “علاقاتنا مع إسرائيل يتم بناؤها على أساس دولة تتعامل مع دولة، وأي كلام حول تعامل إسرائيل مع مجموعات محلية خارجة عن سلطة الدولة هو وهم وسذاجة سياسية”.
كما أكد الشرع، بحسب قول قطيش، على السعي للسيطرة على العصابات الإرهابية والمتطرفة والخارجة عن القانون والتي لا تناسب هذه المرحلة الحساسة في إعادة بناء الدولة السورية. وأن “العالم ينظر إلينا وإلى أفعالنا”، وأنه سيتم “تأسيس سوريا الجديدة على أُسس ومناهج وقوانين حديثة تناسب العصر وقواعد الاستثمار، وأول ذلك الاستقرار الاجتماعي الذي يؤدي إلى استقرار أمني، وبدون تحقيق ذلك نكون قد فشلنا والجميع خاسر”.
ومن جانبه قال د. جمال الشوفي، عضو آخر في الوفد، لـ”الترا سوريا”، إن “الرئيس الشرع طالب العقلاء في محافظة السويداء بالتعاون لنبذ خطاب الفتنة وأكد على تجريم الخطاب الطائفي من كل الأطراف، وأن الرئاسة السورية وأهالي السويداء تنبذ هذا الخطاب جملةً وتفصيلًا، ويجب على الوجهاء وقادة الفصائل في السويداء تطبيق التفاهمات السابقة وتفعيل القانون والضابطة العدلية تحت سلطة الدولة السورية قبل أن تصاب السويداء بالعزلة التي لا يريدها أحد”.
—————————————–
فورد والشرع و”لعبة الأمم”/ رغيد عقلة
31 مايو 2025
“هدف اللاعبين العام هو المحافظة على استمرار اللعبة، فتوقّفها يعني الحرب المحتمة”… بهذه الكلمات، مختتماً محاضرة له في عام 1962 في الكلّية الحربية، وصف نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة، زكريا محيي الدين، لعبة الأمم. كان زكريا أذكى رجال الرئيس جمال عبد الناصر، السبب الذي دفع البكباشي ليكلفه (1955) إنشاء جهاز المخابرات العامّة، ولعلّ دقّة توصيفه ماهيّة اللعبة دفعت بناشر كتاب “لعبة الأمم” (تعريب مروان خيّر، إنترناشنال سينتر، بيروت، ط1، 1970) إلى أن يحشره في مقدّمته، ورغم أن مؤلّفه مايلز كوبلاند، عميل المخابرات المركزية الأميركية الشهير، كان قد مزج القليل من الحقائق بكثير من الخيال في الكتاب، إلا أنه تمكّن من تقديم وصفٍ سيبقى رغم فانتازيته دقيقاً لطبيعة تلك اللعبة، لا تدحض ذلك بعض الروايات غير المثبتة عن تلقّيه دعماً مالياً من رئيس المخابرات السعودية الأسبق، كمال أدهم، لإنجاز كتابه، ليكون حلقةً في سلسلة جهوده المدعومة أميركياً لتطويق المدّ الناصري.
بالعودة إلى المشهد السوري ليلة 7-8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، فإن معادلة كوبلاند – محيي الدين قد تقدّم قراءةً سهلةً ومنطقيةً لما جرى، ففشل الأسد الوريث في فهم التبدّلات الجذرية للاحتياجات الأمنية الإسرائيلية ما بعد 7 أكتوبر (2023) استدعى فصلاً من لعبة الأمم، أودى بنظامه المتداعي أصلاً، لأن البديل كان مواجهة كسر عظم مباشرة بين إسرائيل وإيران، غير مسموح بها إقليمياً ودولياً، والأهم أميركياً، وهي أكبر من إمكانات المنطقة برمّتها، بما فيها إسرائيل، وهو ما عرف الرئيس رجب طيب أردوغان كيف يستفيد منه بدهاء شديد، ساعده فيه صبرُه الطويل على صلف الأسد الفارغ، وعجرفته البلهاء، وأكّدته أيضاً عدّة تصريحات لبنيامين نتنياهو عن دوره المباشر في إسقاط الأسد، بعدما راهن عليه طويلاً لإضعاف سورية، ولكن ليس إلى الحدّ الذي لا يعود قادراً فيه على ضبط استخدام أرضها قاعدةً للتمدّد الإيراني في المنطقة.
كان سقوط الأسد علامةً فارقةً في مجريات اللعبة السياسية والاستخباراتية التي سبقته بسنين، وبدأت تتضح بعض ملامحها اليوم مع ما كشفه السفير روبرت فورد، وإن كانت معلومات أكثر أهمية سبقت كلامه تم تداولها، منها ما تحدّث عن انفتاح وكالة الاستخبارات المركزية على التعاون مع هيئة تحرير الشام، وزعيمها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، فقدمت الوكالة معلومات مهمة ساعدت الهيئة في حربها ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وربّما في القضاء على زعيمه أبو بكر البغدادي. هنا يكون حصيفاً التوقّف عند أمرين مهمّين. الأول أن السقوط العملي لنظام الأسد تمّ في فترة ما بين إدارة ديمقراطية تغادر البيت الأبيض، وأخرى جمهورية تتجهّز لدخوله، بما يوحي أن القضية عابرة للإدارات، وترعاها مؤسّسات الدولة العميقة بوتيرة متصاعدة، كانت سابقةً زمنياً على إدارة بايدن برمّتها، وربّما إدارات قبلها. الثاني أن السفير فورد، في محاضرته المتداولة في توقيت دقيق جدّاً في مسيرة الشرع، قد تحدّث صراحةً عن لقاءاته معه، بما يعطي انطباعاً بجلسات تحضير سياسي، وربّما استخباراتي، وصرّح علناً باسم الجهة التي طلبت منه عقد تلك اللقاءات، وهي مؤسّسة Inter Mediate غير الحكومية. الأمر الذي لم يذكره فورد هو هل كان انخراط هذه المنظّمة الاستشارية في الشأن السوري، وتحديداً مع الجولاني وقتها (الشرع لاحقاً)، نابعاً من اهتمام ذاتي، أم بتكليف من حكومة أو حكومات مهتمة بالأمر، ولكنها اختارت في تلك المرحلة العمل من خلال طرف ثالث غير حكومي، مثل المؤسسة المذكورة؟
بالعودة إلى سيرة Inter Mediate، فهي مؤسّسة خيرية غير ربحية، مقرّها لندن، تهدف إلى تعزيز الحوار بين الحكومات والجماعات المتمرّدة بهدف الحدّ من النزاعات العنيفة والمساعدة في إنشاء اتفاقات سلام دائمة، أسّستها مجموعة من المفاوضين والوسطاء العالميين، وتركز في معالجة بعض النزاعات الأكثر تعقيداً في العالم، الأمر الذي ينسجم تماماً مع السيرة الذاتية للمؤسّسين الرئيسيّين لها، جوناثان باول ومارتن غريفث. وفي الوقت الذي وصل فيه غريفث إلى منصب ثاني أهم مسؤول أممي، عندما عمل وكيلاً للأمين العام الحالي للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ومنسّق الإغاثة في حالات الطوارئ بين عامي 2021 و2024، فإن السيرة الذاتية لباول، وتنقلّه بين مجموعة مناصب حسّاسة في الحكومة البريطانية، لا يقلّان أهميةً على الإطلاق، ولاسيّما علاقته المتميزة جدّاً برئيس الوزراء عقداً كاملاً، والزعيم العمّالي الأشهر توني بلير، الذي استحدث لباول منصباً غير مسبوق، هو كبير موظّفي 10 داوننغ ستريت، أيّ أهم موظّف في رئاسة الحكومة البريطانية بعد بلير نفسه، وساعده الأيمن. ولعلّ صحيفة الغارديان البريطانية كانت أكثر مَن وصف العلاقة بينهما بدقّة، عندما كتبت أن باول كان “في صميم جميع مبادرات السياسة الخارجية الرئيسية لبلير”.
بدأ باول حياته المهنية عام 1979 في السلك الدبلوماسي البريطاني، وشغل عدّة مواقع في لشبونة واستوكهولم وفيينا، وشارك في مفاوضات إعادة هونغ كونغ للصين بين عامي 1983 و1985، كما في محادثات “2 + 4” لتوحيد ألمانيا (1989-1990). وعندما انتقل إلى العمل في السفارة البريطانية في واشنطن عام 1991، ارتبط بقوة بحملة المرشّح الديمقراطي بيل كلينتون مراقباً، وليكون أوّل من قدّم رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير إلى الرئيس المنتخب بيل كلينتون وفريقه الرئاسي عقب فوزه، وخلال الفترة الطويلة التي عمل فيها مع بلير في رئاسة الحكومة، كان أهم مسؤول بريطاني في مفاوضات السلام في أيرلندا الشمالية، والتي انتهت باتفاق الجمعة العظيمة، الذي أقنع باول بأنه قادر على اتباع تكتيكاته نفسها في أيرلندا في الحرب على الإرهاب في جميع أنحاء العالم، وبأن الغرب بحاجة إلى مسار مفاوضات مع كلٍّ من حركة طالبان و”القاعدة”، تماماً كتلك التي مثّل فيها بريطانيا في مفاوضاتها مع الجيش الجمهوري الأيرلندي. بعد خروجه من العمل الحكومي الرسمي عام 2007، عمل باول مديراً إدارياً أعلى لقسم الخدمات المصرفية الاستثمارية بالمؤسّسة المالية العالمية، مورغان ستانلي، وفي عام 2011 أسّس Inter Mediate، التي قال السفير فورد أنها طلبت منه لقاء الجولاني، ويُعتقد بقوة أنها تقدّم خدمات استشارية للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وفريقه. هنا تجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني (المحافظ) دافيد كاميرون كان قد عيّن باول مبعوثاً خاصاً له إلى ليبيا عام 2014 (!) وكأنّ مسيرة باول ليس فيها من الإثارة ما يكفي، ليعيّن رئيس الحكومة البريطانية الحالي، كير ستارمر، في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أي بشهر تماماً قبل سقوط الأسد، باول مستشاراً للأمن القومي، ويمارس مهامه في ديسمبر مع دخول الجولاني دمشق.
قد يكون انخراط باول وInter Mediate في المشهد السوري، قبل سقوط الأسد وبعده، شأناً لا علاقة له بالمطلق بالحكومة البريطانية أو الغرب، فهو في صميم مجال عملهما المُعلَن صراحةً، وعلى رؤوس الأشهاد. كما أن لندن وواشنطن موجودتان في عمق المشهد السوري مباشرةً ومن دون وسطاء، يضاف إلى ذلك أنهما ليستا العاصمتَين الوحيدتَين اللتَين قد تكون لهما مصلحة في جهد المؤسّسة، فالأمر ينطبق على عواصم عديدة، في مقدّمتها أنقرة والدوحة، اللتان لهما باع طويل في الاستفادة من خبرات أهل الاختصاص، واهتمامهما لا يقل أبداً عن اهتمام كلّ من لندن وواشنطن. وقد يكون اختيار باول في هذه المرحلة تحديداً مستشاراً للأمن القومي البريطاني محض مصادفة (وقد لا يكون)، كذلك حديث السفير السابق فورد، الذي قد يقرأه بعضهم رسالةً من جهة ما تعيد الشرع إلى شروط معادلة لعبة الأمم، وقد يكون لهدف شخصي بحت يتعلّق به. الأمر الثابت الوحيد أن سورية والشرع سيبقيان وقتاً ليس قصيراً في صميم لعبة الأمم، التي ستتطلّب من الشرع، وبغضّ النظر عن مواقف مؤيّديه ومنتقديه، ممارسة أقصى درجات الحذر السياسي، وستثبت الأيّام وحدها مدى قدرته على الاستمرار، وأنه سيمرّ وقت طويل قبل أن يتمكّن السوريون من إدارة اللعبة السياسية في بلدهم.
العربي الجديد
————————————–
هل لسورية الجديدة حلفاء في لبنان؟/ توفيق شومان
31 مايو 2025
أصدر حزب القوات اللبنانية، في 24 مايو/ أيار الحالي، بياناً أكّد أن “المتابعة الحثيثة” مع الإدارة السورية الجديدة أدّت إلى تسليم قاتل المسؤول في “القوات” باسكال سليمان إلى الجهات اللبنانية المتخصّصة. ولم يُغفِل البيان الإشارة إلى متابعة قضية المغدور مع السلطات اللبنانية، فالقاتل كان قد غادر لبنان إلى سورية بعد قتله سليمان بمعيّةٍ من رفاق السوء السوريين.
قد لا يحمل أمر المتابعة “القواتية” مع الأجهزة اللبنانية جديداً، أو ما يشدّ النظر إلى سرّ مخبوء، فواقع الحال يفرض أفعال التواصل بين حزب لبناني ودولته، كما طبيعة الأشياء في دول المعمورة كافّة، إلا أن ملاحقة قضية جُرمية لها أبعاد أمنية، وتحمل في طيّاتها تواصلاًَ غير معهود بين طيف سياسي وريثٍ لأطيافٍ سابقةٍ مأخوذةٍ بالريبة من سورية، ومناوئةٍ لها عقوداً مضت، والإدارة السورية، يفتح المجال للسؤال عن تلك العلاقة الناشئة مع دمشق الجديدة، وبما يتخطى حصرية البحث عن قاتل مأفون وتقديمه للعدالة، وبطريقة يتوسّع فيها السؤال عن مشترك نفعي وسياسي آخذ بالنمو بين جماعة سياسية لبنانية والحُكم الجديد في سورية.
ما يدفع إلى ذاك الافتراض أن الجماعة السياسية اللبنانية المقصودة تقف في مساحة خصامية واحدة مع الإدارة السورية تجاه طرف لبناني محدّد، ما ينتج تجاوراً في المواقف، وتقارباً في الأهداف، وكلاهما قد يؤدّي إلى مزيد من التنسيق لمواجهة الغريم اللدود. في الذاكرة اللبنانية ما يماثل اجتماع النقائض وائتلافها بين بيروت ودمشق، فالأحزاب التي كانت محسوبةً على اليمين اللبناني مثل الكتائب، بزعامة الشيخ بيار الجميّل، والوطنيين الأحرار، بقيادة رئيس الجمهورية الأسبق كميل شمعون، نسجت خطابها السياسي والتعبوي على الموقف النزاعي التقليدي مع سورية، وعلى التحذير الدؤوب من نفوذها في لبنان، واستمرّ هذا الخطاب يغزل على النول نفسه حتى عشية الحرب الأهلية عام 1975، وانتظام أهل اليسار اللبنانيين مع فصائل المقاومة الفلسطينية في إطار عسكري واحد. وعلى ما غدا معروفاً، أدّى ذاك الانتظام إلى انقلاب ظهر المجنّ بين دمشق القديمة وأهل اليمين، وبات هؤلاء يمنّون النفس بدخول القوات السورية لبنان بهدف تكسير شوكة اليسار، واقتلاع أظافر الفصائل الفلسطينية، والعودة إلى مشاهد وشواهد تلك المرحلة، فيها كثير مما يُحكى ويُروى.
في “لبنان وسورية… مشقّة الأخوة”، يقول رئيس تحرير صحيفة العمل الكتائبية وأحد أهم العقول السياسية التي كانت قريبة من مؤسّس حزب الكتائب بيار الجميل، جوزيف أبو خليل: “إني أشهد بأننا كنّا مرحّبين بالدخول السوري إلى لبنان، وفي الكتائب، كما في كلّ الأوساط المسيحية، كنّا نتابع بلهفة حارّة أنباء تقدّم القوات السورية في البقاع، وفي صوفر وبحمدون وعاليه، وأحياناً كنّا نشكو بطء هذا التقدّم وتعثّره، والقوات السورية كانت تُستقبل برشّ الزهور في المناطق والأحياء الشعبية المسيحية”. وينقل أبو خليل عن بيار الجميّل قوله في اجتماع للمكتب السياسي الكتائبي (8 أغسطس/ آب 1977): “من المستطاع أن نجعل من التضامن اللبناني ـ السوري أداةً لتقوية لبنان وتعزيز موقعه في المنطقة العربية مع استقراره، وبقدر ما نكون متفاهمين مع سورية يرتاح لبنان ويقوى ويستقرّ”.
ويورد الأمين العام الأسبق لحزب الكتائب كريم بقرادوني، في كتابه “السلام المفقود… عهد إلياس سركيس 1976 – 1982″، أنه في أيلول 1976 أبلغ المبعوث السوري محمد الخولي قادة اليمين اللبناني باتخاذ دمشق قراراً عسكرياً محدوداً بضرب القوات المشتركة التابعة للقوى اليسارية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وقضى هذا القرار بدخول وحدات من الجيش السوري إلى منطقة المتن في جبل لبنان دون غيرها، وحين كان الخولي يشرح للرئيس كميل شمعون تفاصيل العملية، كانت علامات الفرح والانشراح ترتسم في وجه شمعون. ومع ذلك، أبدى الأخير استغرابه من محدودية العملية العسكرية السورية، وطالب باجتياح مناطق أخرى في جبل لبنان. أمّا بيار الجميّل، فلمّا تبلغ القرار من الخولي قال له “إني موافق بنسبة ألف في المائة” وأضاف: “هذا خبر حسن يستحقّ أن أدخن له سيجارة”.
وفي شهادة أخرى للرئيس شمعون في كتابه “أزمة في لبنان” (1977)، فمدينة “طرابلس وضواحيها تحت الاحتلال الفلسطيني، ولكن تُطوّقها من كلّ جهة قوات اليمين والفرق السورية الآتية من سهل عكّار، وأمّا زحلة والبقاع وجرود المتن التي حرّرتها القوات السورية، تعود خطوة خطوة إلى النظام اللبناني”، وقد يكون من المناسب تماماً التوقّف عند ما يقوله شمعون من “تحرير” القوات السورية مناطق في شرقي لبنان وشماله من القوات المشتركة اليسارية الفلسطينية. ولكن هذا الموقف سينقلب على عقبه حين راح أهل اليمين يطالبون بإخراج الجيش السوري عام 1978 من منطقة الأشرفية، الواقعة في الجانب الشرقي من بيروت، في إثر ما يُعرف بحرب المائة يوم، وما تلاها من حروب أخرى، كان أبرزها “حرب زحلة ” عام 1981، وصولاً إلى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ومن المواقف المستجدّة آنذاك، والمعارضة لوجود الجيش السوري بعد انقلاب الأحلاف والأحوال، ما قاله بيار الجميّل: “حيث تتواجد قوات سورية، بات الناس يخافون على حياتهم ورزقهم، فيتهجّرون ويتشرّدون، وها هم مهجّرو الأشرفية وعين الرّمانة لا يعودون إلى منازلهم ومتاجرهم بفعل خوفهم من القوات السورية الموجودة في مناطقهم”، وفقا لما نقلت عنه صحيفة الأنوار البيروتية في 29 أغسطس/ آب 1978.
مغزى القول ودلالته في الشواهد المذكورة، أن عالم السياسة يشبه سائل الزئبق، ينبسط وينقبض، وتمثّل انبساطه سابقاً في الحالة اللبنانية بالتحالف بين حملة بيارق اليمين في لبنان ورافعي أعلام القومية العربية في سورية، بهدف مواجهة اليسار اللبناني والمقاومة الفلسطينية، ولذلك جاء ترحيب أهل اليمين بدخول الجيش السوري إلى لبنان على أطباق من الزهور نكاية بأهل اليسار، وتجسّد الانقباض لما افترقت الأهداف والمآرب، فثُقبت الدفوف وشُجّت الطبول، فتفرّق العشّاق على ما يقول المثل المأثور.
وفي الحالة الراهنة، ثمّة من يقول في لبنان إن له “رفاق سلاح” في دمشق الجديدة، وكان له معها “متابعة حثيثة” أفضت إلى اعتقال قاتل أودى بمغدور، فهل تلك “المتابعة” منعزلة عن السياسة، ومنفصلة عن غايات في نفس يعقوب؟… العلم عند علّام الغيوب.
العربي الجديد
————————————
لورانس العرب هنا: توم برّاك/ بيار عقيقي
31 مايو 2025
لافتين كانا الإعلانان اللذان نشرهما موقع السفارة الأميركية في سورية، في منصة إكس، يومَي 25 و28 مايو/ أيار الحالي. لافتان إلى درجة أنه لو لم يكن كاتبهما المسؤول الأميركي الأول في دمشق توم برّاك لكان الكاتب حكماً من المنتسبين إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، المؤمن بوحدة سورية والعراق والأردن وفلسطين ولبنان في بلدٍ واحد، ضمن هلال خصيب تكمله قبرص نجمةً في البحر الأبيض المتوسط. في 25 مايو، اعتبر برّاك، المتحدّر من أصول لبنانية من مدينة زحلة (شرقي لبنان)، أن “الغرب فرض خرائطَ وحدوداً مرسومةً ووصاياتٍ وحكماً أجنبياً. فقد قسّمت اتفاقية سايكس – بيكو سورية والمنطقة الأوسع لتحقيق مصالح إمبريالية، لا من أجل السلام… وقد كلّف هذا الخطأ أجيالاً كاملةً، ولن نسمح بتكراره”. أمّا في 28 مايو، فذكر خلال لقائه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن “الأردن عنصر ثمين وحيوي للغاية في الفسيفساء السورية، بقيادة ملك كريم ووزير خارجية حكيم ولامع”. وعلى هذه الوتيرة، لم يعد مستبعداً أن يتطرّق برّاك إلى العراق ولبنان وفلسطين وقبرص، بوصفها أجزاءً من سورية، بما يوحي أن واشنطن تؤيّد أيّ خطوة “وحدوية” في المشرق العربي. بالطبع، تجاوز برّاك، وضمن منطقه، حلّ الدولتَين بين فلسطين وإسرائيل، نحو إطاحتهما معاً لمصلحة تلك البلاد الممتدّة من تخوم جبال زاغروس شرقاً وطوروس شمالاً وشبه الجزيرة العربية جنوباً والبحر المتوسط غرباً.
غير أنه في الوقت الذي يتحوّل فيه برّاك إلى “لورانس عرب” آخر، في القرن الـ21 هذه المرّة، من الضروري الإضاءة على ما يقصده، لا بجملة عابرة، بل بمصطلحاتٍ يبدو مصرّاً على تردادها، تحديداً تلك المتعلّقة بسورية التاريخية. يبدو واضحاً أن ما يقصده برّاك هو “استقلالية” القرار السوري عن إيران وحتى عن روسيا، مع تكريس التقارب مع المحيط الإقليمي، من تركيا إلى الخليج. وفي هذه الاستقلالية صيغة أميركية جديدة في المشرق العربي، تُحاكي تصوّراً لا يكون فيه لإيران دور. والاختبار السوري سيُشكّل نقطة انطلاق أميركية تحديداً، رغم قوله العكس، نحو لبنان والعراق. وهذا التصوّر الأميركي، سيدفع إيران حكماً إلى ما وراء الحدود العراقية شرقاً، باتفاقٍ نووي أو من دونه. كذلك، فإن حديثه عن وحدة سورية، يندرج حكماً في عدم تقبّل الأميركيين أي احتمال لتقسيمها بين دويلات. مع العلم أنه في العقدَين الماضيين راج لدى أصحاب نظريات المؤامرة في الشرق الأوسط أن الأميركيين يسعون إلى تقسيم الشرق الأوسط بين دويلات طائفية، فيما بدا موقف برّاك هنا لا عابراً لهذه التقسيمات، بل داعياً إلى تناغم الأكثريات والأقلّيات في سورية والجوار.
وهنا، لا يعني قوله عن سايكس ـ بيكو أن الأميركيين يسعون إلى توحيد العراق ولبنان وسورية وفلسطين وقبرص ضمن دولة سورية واحدة، بل إيجاد تكتّل إقليمي متناغم بين أقاصي شبه الجزيرة العربية ومداخل إسطنبول التركية أوروبياً. مثل هذا التكتّل يتناسب مع حاجات الشعوب في الشرق الأوسط، خصوصاً الغارقة في بؤسها، لنجدتها اقتصادياً واجتماعياً. وفي إشارته إلى أن “الغرب فرض خرائطَ وحدوداً مرسومةً…”، عبور إلى الفكرة الأميركية التي لم تنجح في حينه في محاولتها سحب النفوذ البريطاني والفرنسي من الشرق الأوسط، عبر طرح شعارات وحدوية واسعة النطاق. برّاك هنا يعلن عملياً أن الأميركيين لن يتركوا الشرق الأوسط للأوروبيين، عكس ما حصل بعد الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، وأن التدخّل العسكري الأميركي لتحرير الكويت من عراق ـ صدّام حسين في عام 1991، لم يكن عابراً ولا استثنائياً، بل محطّةً أساسيةً في الطريق إلى الغرب الصيني.
الآن، ما على برّاك سوى مواصلة ما يتفوّه به، لأن في ذلك تراكماً أميركياً متصاعداً، وتصالحاً مع شعوب شرق أوسطية إلى حدّ ما. لورانس العرب فكرة والفكرة لا تموت.
العربي الجديد
———————————
سوريا تعتمد خارطة طريق بين إعادة الإعمار والطاقة النظيفة/ أحمد العكلة
30/5/2025
دمشق– بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، وُقّعت في العاصمة دمشق، أمس الخميس، مذكرة تفاهم بين وزير الطاقة محمد البشير وتحالف من شركات عاملة في مجال الطاقة، تهدف إلى تعزيز الاستثمار في قطاع الطاقة وتوليد الكهرباء.
وقال الوزير خلال مراسم التوقيع “نوقّع اليوم اتفاقية بقيمة 7 مليارات دولار مع تحالف من شركات رائدة في مجال الطاقة” مشيرًا إلى أن الاتفاق يأتي في إطار السعي لإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة في قطاع الكهرباء، الذي يعد من أبرز القطاعات الخدمية في سوريا. وأضاف أن الاتفاقية تفتح المجال لتعاون إقليمي أوسع في مجال الطاقة، وتدعم الانتقال التدريجي نحو مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة.
وأوضح البشير أن الاتفاق يشمل تطوير 4 محطات لتوليد الكهرباء تعمل بتقنية الدورة المركبة “سي سي جي تي” (CCGT) باستخدام توربينات غازية، موزعة في دير الزور، ومحردة، وزيزون في ريف حماة، وتريفاوي في ريف حمص، بطاقة إجمالية تبلغ نحو 4 آلاف ميغاواط. كما تتضمن الاتفاقية إنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة ألف ميغاواط في وديان الربيع (جنوبي سوريا) باستخدام تقنيات مستوردة من الولايات المتحدة وأوروبا.
أبعاد اقتصادية واجتماعية
من جانبه، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون القابضة القطرية، رامز الخياط، بأن هذه المذكرة تمثّل بداية مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي، وتهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
وأشار إلى أن المشروع سيعتمد على أحدث التقنيات المتاحة، وسيسهم في إيجاد ما يزيد على 50 ألف فرصة عمل مباشرة، وقرابة 250 ألف فرصة غير مباشرة، مما يدعم سوق العمل ويعزز النشاط الاقتصادي المحلي.
فرص كبيرة
في السياق ذاته، قال أحمد سليمان، المتحدث باسم وزارة الطاقة، في حديث للجزيرة نت، إن المدة الزمنية المقدّرة لتنفيذ المشروع تبلغ نحو سنة و8 شهور، غير أن هناك جهودًا حثيثة لإنجازه خلال عام واحد. ودعا الشركات الإقليمية والدولية إلى الاستثمار في سوريا، معتبرًا أن المرحلة الحالية توفّر فرصًا كبيرة للنمو في قطاع الطاقة.
ولفت إلى أن هناك إمدادات جديدة من الغاز ستدخل الخدمة قريبًا، مؤكدًا أن عدد ساعات تشغيل الكهرباء سيرتفع ليبلغ 10 ساعات يوميًا في الأسابيع القليلة المقبلة، بعد سنوات من الانقطاعات الطويلة التي أثرت بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية.
اتفاقات إستراتيجية
في إطار أوسع، أوضح سليمان أن وزارة الطاقة أبرمت مؤخرًا عدة اتفاقيات إستراتيجية، من ضمنها شراكات مع الجانب التركي و4 شركات تعمل في مجالات الغاز والكهرباء والنفط.
وتهدف هذه الاتفاقيات إلى رفع القدرة التوليدية، وتحديث شبكات النقل والتوزيع، وتحسين أداء المحولات، بما ينعكس إيجابًا على تقليص فترات التقنين وتحقيق استقرار نسبي في إمدادات الكهرباء.
وأشار المتحدث باسم وزارة الطاقة إلى أن الحكومة وضعت خطة طارئة لتحسين واقع التغذية الكهربائية على المدى القريب، بالتوازي مع إطلاق مشاريع للطاقة المتجددة على المدى البعيد.
وأضاف أن وحدات التوليد الحالية تعتمد أساسًا على الغاز والفيول، إلا أن هناك توجهًا إستراتيجيًا نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة، مع وجود دراسات تفصيلية وخطة طويلة الأمد للانتقال التدريجي إلى مصادر بديلة.
وقال أيضا “لدينا خطط واضحة للانتقال إلى الطاقة المتجددة، لكن الأولوية الآن هي معالجة النقص الحاد وضمان وصول الكهرباء إلى كافة المناطق”.
المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك: هذه اللحظات لا تتكرر دائماً وكل جهود الإدارة الأمريكية تصب في مصلحة الحكومة السورية الجديدة.
توماس باراك يتحدث على هامش توقيع اتفاق الطاقة بقصر الشعب في دمشق (مواقع التواصل)
وفي تصريح لافت، نقلت وسائل إعلام عن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، قوله إن “هذه اللحظات تمثّل فرصة نادرة، وكل الجهود الأميركية تصب حاليًا في دعم الحكومة السورية الجديدة”. ولم تصدر توضيحات إضافية حول طبيعة هذا الدعم أو سياقه السياسي.
وقد تم توقيع 4 مذكرات تفاهم بين وزارة الطاقة وكل من مجموعة “يو سي سي” (UCC) العالمية، وشركات أورباكون وباور الدولية وجنكيز للطاقة، وذلك في إطار تعزيز الاستثمار وتنفيذ المشاريع المتفق عليها.
وفي تعليقه على هذه التطورات، رأى الخبير الاقتصادي أسامة العبد الله أن توقيع هذه الاتفاقيات يمثل اختبارًا مهمًا للاقتصاد السوري، مشيرًا إلى أن “ضخ استثمارات بهذا الحجم لا يقتصر تأثيره على تحسين البنية التحتية، بل يسهم أيضًا في تحفيز الاقتصاد المحلي، ويمهّد الطريق أمام عودة تدريجية لرؤوس الأموال واليد العاملة”.
وأضاف أن “التحدي الأساسي يكمن في توفير بيئة استثمارية آمنة وشفافة، وهو ما سيتضح خلال مراحل تنفيذ هذه المشاريع”.
وختم بالقول “إذا تم تنفيذ هذه المشاريع كما هو مخطط لها، فإن نتائجها ستكون واضحة في مؤشرات النمو الاقتصادي، خصوصًا في المناطق المتضررة من الحرب، كما ستُشكّل الطاقة المتجددة ركيزة مهمة للاستقرار الاقتصادي في مرحلة ما بعد النزاع”.
المصدر : الجزيرة
————————–
تعالوا نضحك على الخبراء والمحللين السياسيين/ د. فيصل القاسم
31 ايار 2025
عندما أنظر إلى الوضع الذي وصلت إليه سوريا الآن لا أستطيع أن أقاوم أبداً نوبات الضحك التي تنتابني أحياناً. ألا تسخرون هذه الأيام بربكم من سخافة كل المحللين الذين تناولوا الحدث السوري على مدى الأربعة عشر عاماً الماضية عندما تقارنون تحليلاتهم القديمة المضحكة بما يحدث اليوم؟
وكي نكون أمينين فقد كان الجميع، سياسيين ومحللين استراتيجيين وإعلاميين، يغمسّون خارج الصحن في تحليلاتهم وتنبؤاتهم بمستقبل الحالة السورية. ولا نبالغ إذا قلنا إن الغالبية العظمى من المحللين كانوا يضربون بالمندل، أو يمارسون التنجيم السياسي لا أكثر ولا أقل، وكأنهم نسخة مستحدثة من العرافين وقارئي الفنجان الذين نشاهدهم على شاشات التلفزيون. لا شك أن لغة «الخبراء» الذين كانوا يتداولون القضية السورية بالتحليلات والتوقعات على مدى حوالي عقد ونصف من الزمان كانت أكثر «فلهوة» وتنوعاً وبلاغة من لغة ليلى عبد اللطيف وميشيل حايك، لكن في العمق لا تختلف النتائج، فالكل كان يهرف بما لا يعرف على ضوء ما آلت إليه الأمور في سوريا.
هل تذكرون عندما كانت الغالبية العظمى من المحللين تعتبر أن الشرق الأوسط الجديد سيكون تحت الهيمنة الإيرانية، خاصة وأن إيران تغلغلت وتمددت وتوغلت في المنطقة بطريقة غير مسبوقة بعد أن سيطرت على العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان؟ لقد وصل التغلغل الإيراني في سوريا إلى حد التحكم بكل مفاصل الدولة والمجتمع، وأتذكر في عام ألفين وسبعة أنني كنت أبني منزلاً في سوريا، فلم أجد الإسمنت، فسألت أحد معارفي من المسؤولين وقتها: «لماذا الإسمنت غير متوفر في سوريا، فقال لي همساً إن إيران تبني مئات الحسينيات والمراكز الثقافية في سوريا، وهي تستهلك معظم ما تنتجه سوريا من الإسمنت.» بعبارة أخرى، فإن الإيرانيين كانوا يخططون للبقاء هنا لردح طويل من الزمن. وحدث ولا حرج عن دويلتهم في لبنان التي كانت تصادر القرار اللبناني وتتحكم وتتلاعب بالبلد كما يتلاعب ميسي بكرة القدم. وكلنا كان يتحدث عن الهوان العربي في مواجهة التمدد الإيراني، لكن ماذا حدث فجأة؟ لقد تبخر النفوذ الإيراني من المنطقة بلمح البصر، لا بل «هرّ» كقميص اللوكس، بينما استعاد العرب زمام المبادرة في سوريا وغيرها، وغدت إيران اليوم تدافع عن طهران بعد أن كانت تلتهم بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وتدير بعضاً من الوضع الفلسطيني. سبحان مغيّر الأحوال! هل توقع أحد أن يتبخر النفوذ الإيراني في سوريا بهذا الشكل العجيب الغريب أو بهذه السرعة الرهيبة التي لم تكن تخطر على بال أحد؟
كم من المقالات كتبنا عن مشروع التقسيم في سوريا؟ ألم يكن الشغل الشاغل للمحللين هو موضوع تفتيت سوريا والمنطقة إلى دويلات؟ كم رددنا ذلك المصطلح التقسيمي الشهير: «تقسيم المُقسّم وتجزئة المجزأ؟» كم تحدثنا عن خرائط الدم الأمريكية التي عرضها الضابط الأمريكي رالف بيترز؟ كم تكلمنا عن وثيقة «كيفونيم» الإسرائيلية التي كانت تبشر بتقسيم سوريا وغيرها إلى دويلات؟ كل ذلك كان نوعاً من التخريف السياسي على ما يبدو، فها هو المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك يخرج اليوم على وسائل الإعلام ليهاجم ليس فقط مشاريع التقسيم الجديدة في المنطقة ويتعهد بعدم تمريرها، بل ليهاجم أيضاً حتى اتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية القديمة التي قسمت العالم العربي إلى دول، كما لو أنه يتحدث باسم القيادة القومية؟ شيء لا يصدق فعلاً. طبعاً نرجو ألا يخيب ظننا بهذه التطمينات الأمريكية لاحقاً.
كم سفكنا من الحبر على موضوع التغيير الديمغرافي في سوريا؟ كم تحدثنا عن التلاعب بالنسيج السكاني في البلاد على ضوء محاولات النظام الساقط وحلفائه الإيرانيين والروس لإعادة توزيع وتركيب الخارطة السكانية في سوريا؟ كم تحدثنا عن تهجير الشعب السوري؟ لكن ها هي أبواب سوريا اليوم باتت مفتوحة لكل السوريين كي يعودوا إلى بلدهم. ها هم السوريون وقد بدأوا يعودون إلى مناطقهم التي تهجروا منها إلى مناطق أخرى داخل البلاد. لقد كان البعض يريد أن تكون محافظة إدلب معسكر اعتقال ومنفى للسوريين، فإذ بقادة إدلب وفصائلها يحررون سوريا كلها ويصلون إلى قلب دمشق. من كان منكم يتوقع أن جماعات المقاومة التي كان العالم يصنفها ويلاحقها على أنها جماعات إرهابية، وقد أصبحت اليوم الآمر الناهي في العاصمة السورية وبمباركة ودعم وتأييد من الذين لاحقوها وقاتلوها؟ هل خطر ذلك على بال أي محلل بربكم؟ هل توقع أحد أن يتحقق النصر والتحرير في سوريا على أشنع نظام عرفه التاريخ الحديث بهذه السرعة والسهولة؟
هل تتذكرون أولئك المحللين والخبراء والباحثين الذين كانوا يعتقدون أن رفع العقوبات عن سوريا ضرب من ضروب المستحيل؟ كم قالوا لنا إن العقوبات ستبقى ويمكن فقط تخفيف بعضها لا أكثر ولا أقل، فإذا بالرئيس الأمريكي يرفعها كلها. من كان منكم يتوقع أن يلتقي الرئيس ترامب بالرئيس السوري الجديد ويصفه بأنه رئيس وسيم وقوي وذو خلفية نضالية بعد أن كانت أمريكا ترصد مكافأة بعشرة ملايين دولار لكل من يرشدها إلى مكان أبي محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة سابقاً؟ بالأمس كانوا يبشروننا بأن سوريا ذاهبة إلى المجهول وأنها لن تعود، فإذا بها اليوم وقد أصبحت وجهة لكل المستثمرين في العالم وستصبح أفضل مما كانت بكثير، وهذا ما يتمناه كل سوري، لكن نبقى حذرين في توقعاتنا. من كان يتوقع أن يبدأ العمل على تشييد برج «ترامب» في قلب دمشق؟
أخيراً أقترح على المحللين الذين يتابعون الوضع السوري أن يأخذوا إجازة قصيرة على الأقل خمساً وتسعين سنة، كي يريحونا من فذلكاتهم وخزعبلاتهم وتنبؤاتهم وتوقعاتهم الرغبوية السخيفة.
القدس العربي
———————————
هل ينبغي حقاً إعادة السوريين؟/ آلاء عوض
2025.05.31
رغم سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، إلا أن واقع الحال في سوريا لم يشهد بعدُ استقرارا كافيا يبرر إنهاء الحاجة إلى الحماية الدولية. فلا تزال البلاد تمرّ بمرحلة انتقالية دقيقة، وتحديات على مستوى الإدارة، وتفكك جزئي في البنية المؤسسية، كما أن النزاعات المحلية والتوترات المجتمعية لا تزال تطرح تحديات أمام تحقيق استقرار شامل يمكن الركون إليه كقاعدة لإعادة اللاجئين.
وعلى الرغم من هذه الظروف، اتجهت عدة دول أوروبية إلى تعليق استقبال طلبات اللجوء من السوريين إلى أجل غير واضح. في حين أعلنت دول أخرى نيتها إعادة النظر في ملفات الحاصلين على الإقامة، من دون الاستناد إلى تقييمات ميدانية شاملة للواقع السوري، بل إلى اعتبارات سياسية داخلية تتغير بتغير المزاج العام واتجاهات الرأي. وفي حين توقّع السوريون لحظة لالتقاط الأنفاس، وجدوا أنفسهم عالقين بين حدود مغلقة، ومخيمات نائية، وقرارات مؤجلة.
ومع تصاعد التيارات اليمينية وتغيّر أولويات السياسات الأوروبية، ازدادت هشاشة الوضع القانوني للاجئين السوريين، وبات خطاب التخويف منهم أقرب من أي وقت مضى إلى التحوّل إلى نهج سياسي معلن.
في كتابه “الحب السائل”، ينقل عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان رؤية الصحفي الأميركي دونالد مكنايل القائلة إن “الساسة يعملون قوادين للخوف من الجريمة”، ويشرح كيف تتحوّل هذه العبارة إلى استراتيجية منظمة لربط “الخوف من الدخلاء” بالإحساس المتزايد بانعدام الأمان. يتحدث باومان عن معادلة مكرورة أصبحت تُستنسخ عبر أوروبا: كل اضطراب اجتماعي، أو تأخر اقتصادي، أو تدهور أمني، يجد تفسيره الجاهز في “المهاجر” و”اللاجئ”، الذي سرعان ما يُحوَّل إلى “كبش فداء” يُلقى عليه اللوم، لا باعتباره فردا، بل صورة نمطية.
في ألمانيا، تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الخطاب السياسي المناهض للاجئين، خاصة من قبل حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، الذي يدعو بشكل متكرر إلى إعادة اللاجئين السوريين بدعوى تحسّن الأوضاع الأمنية في سوريا، متجاهلا التقارير الدولية التي تؤكد استمرار المخاطر وعدم توفر شروط العودة الآمنة. وقد رافق ذلك طرح مشاريع لتقييد الإقامات المؤقتة (الحماية)، إيقاف لم الشمل، وربط تجديد الإقامة القانونية بعوامل تتعلق بـ “الاندماج” أو “السلوك الشخصي”، في منحى يعكس توجها متزايدا نحو التشديد القانوني والتضييق الإداري.
وامتدادا لهذا الخطاب، ازدادت في هولندا دعوات زعيم حزب الحرية، خيرت فيلدرز، إلى إغلاق الحدود وترحيل السوريين، متبنّيا سردية تعتبر الهجرة تهديدا مباشرا للأمن القومي والثقافة المحلية. وتحت عناوين مثل “الحفاظ على الهوية” و”السيادة الوطنية”، تُسنّ قوانين قاسية، ويُعلّق حق اللجوء، وتُدار ملفات اللاجئين في أجواء من الغموض والتسويف.
المفارقة أن هذا الخطاب لا ينحصر في دوائر السياسيين، بل يتسرّب إلى اللاجئين أنفسهم في مجموعات فيسبوكية سورية، تتكاثر الأصوات التي تطالب بضبط اللاجئين “المسيئين”، وتتحدث عن “إحراج” تتسبب به فئة من أبنائهم في المخيمات. هذا الانقسام الداخلي مؤلم، ويعكس مدى الضغط النفسي والاجتماعي الواقع على اللاجئين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين العنصرية والشعور بالذنب.
والأخطر من ذلك هو التوظيف الطائفي في الخطابات والسياسات، حيث يُثار الحديث عن تمييز ضمني بين اللاجئين السوريين بناءً على خلفياتهم الدينية أو الطائفية، في مشهد سوريالي يُعيد إنتاج سرديات الحرب الأهلية. يُشاع أن “السنّة سيرحَّلون” في حين يُقبل غيرهم، وكأن الحماية تُوزع وفق خرائط الطائفة لا استحقاقات الحماية والكرامة الإنسانية.
اللافت أن الحكومة الهولندية تعمّدت عدم نشر تقريرها الأمني عن سوريا بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، لتترك طالبي اللجوء في متاهة قانونية وأخلاقية. لا رفض واضح ولا قبول، فقط انتظار المجهول، وقلق، وحياة معلّقة.
ولعلّ واحدة من أكثر القصص تعبيرا عن تعقيدات هذا الملف، ما روته سيدة سورية وصلت مؤخرا إلى هولندا عبر لمّ الشمل، عن ابنتها التي لا تزال عالقة في تركيا برفقة طفليها، البالغين من العمر أربعة وستة أعوام، في ظروف معيشية قاسية ومفتقرة إلى الحد الأدنى من الاستقرار.
زوج ابنتها كان قد سافر إلى هولندا قبل نحو عام، وهو اليوم عالق في مسار إجراءات لجوء لم تُحسم بعد، فلا هو قادر على العودة إلى تركيا، ولا يملك يقينا بمصير طلبه في بلد اللجوء. وفي غيابه، تُضطر زوجته إلى العمل لساعات طويلة في مصنع ملابس تركي، لتأمين احتياجات أبنائها، في حين يُترك الطفلان وحيدين في المنزل، أكبرهما – وهو في السادسة – يتحمّل مسؤولية رعاية شقيقه الأصغر.
وبالنظر إلى الواقع المعقّد الذي يعيشه اللاجئون السوريون بعد سقوط نظام الأسد، تبرز مفارقة لافتة: فبينما يُفترض أن نهاية حكم استبدادي تمهّد لمرحلة من الأمان والعودة، يظهر أن ما نشأ فعليا هو موجة جديدة من التخبط والضياع، خصوصا لدى السوريين في الخارج. هؤلاء لم يعودوا مجرد لاجئين، بل باتوا شريان دعم حيوي لأسرهم في الداخل، حيث ما تزال تعتمد شريحة واسعة من السوريين على الحوالات المالية الخارجية لتأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، وسط أوضاع اقتصادية خانقة.
إن استخدام خطاب “انتهت الحرب، فليعودوا” يتجاهل كرامة البدء كما أن التركيز على صورة “اللاجئ المسيء” – الذي يُحمَّل تبعات فردية على حساب جماعة كاملة – يُعيد إنتاج سرديات قديمة طالما استخدمتها الأنظمة القمعية لتبرير سياساتها الإقصائية.
من جهة أخرى، تُسهم بعض التيارات، عن قصد أو غفلة، في تعميق مأساة اللجوء السوري؛ إذ تُمرّر السياسات من خلال إثارة البروباغندا وترويج انطباع نمطي عمّا ينبغي أن يكون عليه اللاجئ، فلا تكتفي بتقليص الحقوق، بل تُخضعه لتقييمات فضفاضة وغامضة، بعيدة عن معايير الحماية الدولية، وتُبقي باب اللجوء مفتوحا لا كحقّ أصيل، بل كمنّة قابلة للسحب في أي لحظة.
ويبدو السوريون، في هذا السياق، وكأنهم يعيشون على هامش السياسة والمعنى معا. كما يشير زيجمونت باومان في كتابه الحب السائل، مستشهدا بالفيلسوف جاك دريدا، في وصفه لحياة اللاجئين: “إنهم ليسوا فقط منبوذين، إنهم خارج طوق الفكر”.
—————————————-
الهجرة العكسية من تركيا لسوريا.. “القلة” تغلب عزيمة العودة/ منصور حسين
السبت 2025/05/31
قبل نهاية العام الدراسي في تركيا، أنهى محمد مختار، اللاجئ من مدينة حلب إلى ولاية إسطنبول التركية، جمع الأوراق والشهادات التي تؤكد اجتياز ابنته فاطمة سنتها الاعدادية الأولى، وابنه ماهر صفه الخامس الابتدائي، تحضيراً لاستكمال تعليمهم في مدينة حلب التي لم يروها من قبل.
فمع نهاية الموسم الدراسي واقتراب عيد الأضحى، بدأت عشرات الأسر والعائلات السورية اللاجئة في تركيا، تحضيرات العودة إلى سوريا، في موجة هجرة عكسية متوقعة، تحركها الضغوط الاقتصادية المتزايدة في تركيا، مقابل الفرص الموعودة، والأمل بانتعاش الوضع الاقتصادي وتحرك العجلة الصناعية مع قرار رفع العقوبات الغربية عن سوريا.
وأعلنت رئاسة إدارة الهجرة التركية، يوم الخميس الماضي، أن 250 ألفاً و64 سورياً، عادوا طوعاً إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد، ضمن ما وصفته بالعودة “الآمنة والكريمة والمنظمة”. وأضافت أن إجمالي عدد السوريين الذين عادوا طوعاً إلى سوريا منذ عام 2016، بلغ مليوناً و126 ألف شخص.
نهاية اللجوء
محمد مختار الذي زار منزله في حي باب النيرب في مدينة حلب، بعد أيام من سقوط نظام الأسد، كان قد أوكل شقيق زوجته في عملية ترميم وإصلاح المنزل، بعد سرقة عناصر ومليشيات النظام البائد كل ما يمكن بيعه، ما جعله غير صالح للسكن، بحسب ما يقول لـ”المدن”.
ويوضح أن قرار عودته ووضع نهاية لسنوات اللجوء في تركيا، قد اتخذه مع زوجته فور سقوط الأسد، إلا أن الموسم الدراسي الذي كان قد بدأ لتوه، وحالة منزلهم في حلب، دفعتهم لتأجيل هذه الخطوة.
ويقول: “لا يخفى على أحد حال اللاجئ السوري في تركيا، من ظروف معيشية قاسية ومخاوف الترحيل والتعقيدات الأمنية، كنا نجبر على تحملها لغياب بدائل الاستقرار في مكان آخر، لكن بعد تحرر سوريا، صارت أبواب العودة مفتوحة، لا يمنعنا عنها سوى الالتزامات التي أوجدتها سنوات معيشتنا الطويلة هنا”.
محمد ليس الوحيد، إذ يتشابه وضعه مع عشرات الأسر اللاجئة في تركيا، ومنها عائلة علي العبد الله المقيم في مدينة غازي عينتاب التركية، الذي كان ينتظر إجازة أبنائه المدرسية، لتصفية متجره لبيع المواد المنزلية في الشارع الإيراني “إينونو”، والتوجه إلى مدينته حماة.
وحول طريقة تقديم طلب العودة الطوعية، يوضح علي لـ”المدن”، أن الإجراءات مسهلة “فقط تقديم أوراق براءة ذمة من الفواتير والمستحقات الحكومية، ومصادقة المؤجر على استلام منزله دون ضرر، بعدها الحصول على إذن سفر من إدارة الهجرة”.
الاقتصاد والأمن أولوية
بينما بدا الحال مختلفاً بالنسبة إلى محمود المرندي، المقيم في منطقة “زيتوني بورنو” في إسطنبول، حيث أشار إلى أن “قرار العودة لم يكن مطروحاً، بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية وغياب الخدمات في سوريا، واندماج الأطفال مع أصدقائهم الأتراك في الشارع والمدرسة”.
لكن الأولويات تبدلت، بحسب مرندي، بسبب انقطاع عمله المتكرر خلال الأشهر الماضية، ما أجبره على السحب من مدخراته لتغطية مصاريفه الشهرية. ويقول لـ”المدن”: “اليوم هناك مفاضلات، بين استمرار البقاء في تركيا التي تمنح الشعور بنوع من الأمان، أو العودة والتعامل مع المشاكل التي تحملها هذه الخطوة، وأهمها تأسيس حياة جديدة في وضع اقتصادي وأمني صعب”.
معوقات بالجملة
حديث من تواصلت معهم “المدن”، يؤكد استمرار الهواجس التي يحملها قرار العودة، وفي مقدمتها الأمن وندرة فرص العمل، مع غياب ضامن حصول انفراجة اقتصادية ودخول الاستثمارات، التي يتوقع تأخر ظهور نتائجها على السوق المحلية.
فقد بدأت عائلات سورية بالتقديم على الإجازة المؤقتة التي تمنحها الحكومة التركية للراغبين باستطلاع أوضاع ممتلكاتهم ومناطقهم قبل مغادرتهم النهائية، ومنهم زينب التي عادت رفقة شقيقها إلى دمشق قبل أيام، لتقييم خطوة العودة.
وتشير زينب، إلى صدمتها من حالة “الغلاء الفاحش، من بدلات الإيجار والحجوزات الفندقية وارتفاع أجور المواصلات الداخلية، وصولاً إلى أسعار السلع، مترافقة مع سوء الخدمات وغياب الكهرباء والماء”.
وتردف أن “هذه الأمور يمكن تجاوزها في حال وجود مصادر دخل ثابتة تغطي احتياجات الناس، أما الواقع يؤكد قلة فرص العمل وقلة الأجور التي لا تتجاوز بأفضل حالاتها 100 دولار شهرياً، بالكاد تغطي ثمن أمبيرات الكهرباء، ما يجعل عودتنا شبه مستحيلة على المدى القريب”.
ويتفق الاقتصادي السوري رضوان الدبس مع الشهادة السابقة، من حيث تدهور الواقع الاقتصادي وانعدام فرص العمل الذي ينسحب أيضاً على الخدمات العامة، وبالتالي اضطرار الأسرة لتركيب منظومة طاقة بتكاليف لا تقل عن 1000 دولار أميركي للحصول على الكهرباء.
ويقول لـ”المدن”: “هناك معوقات وضغوط يومية، حيث الملاحظ اليوم الغلاء الفاحش مقارنة حتى بدول الجوار، وإغلاق الكثير من الورش والمصانع المحلية لعدم قدرتها على منافسة البضائع الأجنبية، وبالتالي ندرة فرص العمل، إضافة إلى أن وعود تحسن الوضع وتحرك العجلة الصناعية ما تزال بعيدة عن التطبيق، رغم الآمال الكبيرة التي منحها قرار رفع العقوبات كاملة عن سوريا”.
عوامل مشجعة؟
لكن الدبس، الذي عاد للاستقرار في بلده سوريا قبل أيام، يوضح في المقابل، أن “الأمر في تركيا لم يعد أفضل حالاً من سوريا، مع تراجع الوضع الاقتصادي وقلة فرص العمل والغلاء، يصاحبها الضغوط الشعبية التركية لترحيل اللاجئين وفي تعاملهم مع السوريين والتضييق عليهم”.
ويضيف “من أهم الأمور التي تدفعنا اليوم للعودة، الخلاص من حكم الأسد وشعور الجميع بالمسؤولية اتجاه وطننا وبنائه من جديد، ومعها إسقاط خدمة العلم التي كانت عائقاً أمام عودة الشباب، والملاحقات الأمنية، يضاف إليها البحث عن الاستقرار النهائي والخلاص من التهجير والاغتراب”.
ويشير إلى أن قضية الاستثمارات ودخول رؤوس الأموال، عامل دافع وبقوة لعودة اللاجئين السوريين، “على الرغم من أن انعكاس آثارها على الأرض، لا يمكن أن يظهر على المدى القريب، إذ يحتاج المواطن لسنوات للمس التغيير وتحسن الوضع الاقتصادي”.
المدن
———————————
عن انتشار ظاهرة ارتداء الحجاب أو النقاب بسوريا الجديدة/ نجيب جورج عوض
الخميس 2025/05/29
باتت مسألة تسويق ارتداء الحجاب والنقاب في المشهد السوري المجتمعي العام لافتة للأنظار بكثرتها وانتشارها والاحتفاء بها على المستوى الشعبي وأحياناً الحكومي. هناك موجة نشطة سلفية تعمل على نشر وتعميم ارتداء الحجاب أو النقاب كفريضة يتم فرضها على النساء خلال المراحل العمرية المختلفة، مثلما لاحظنا مثلاً في انتشار تلك الظاهرة في المدارس الابتدائية والجامعات وفي دورات تحفيظ القرآن، وفي المناشير العديدة التي تم تعليقها على الجدران وتوزيعها على الناس في أحياء المدن.
ويتسائل المراقب العلمي المختص بالفكر الديني: ما علاقة ارتداء الحجاب أو النقاب بالإيمان الديني في الإسلام، وهل هناك علاقة شرطية بينهما فعلاً؟ قد يبدو سؤالي هذا مزعجاً لكثيرين أو تعبيراً عن انتقاد قيم وشرائع الإسلام. طرحي للسؤال وتفكيري به هو أبعد ما يكون عن هذا. لقد أتاح لي اختصاصي العلمي في علم الكلام في العصر الإسلامي المبكر الفرصة لأن اطلع على الفكر الإسلامي وتاريخ تطوره وتياراته ومقارباته المختلفة لمسائل الدين والإيمان. وقد بينت لي دراساتي أن هناك فرقاً في الفكر الإسلامي اللاهوتي ما بين “فقه السلوك” و”فقه الإيمان”. وحين نقارب مسألة الحجاب أو النقاب من زاوية هذا الفرق المفاهيمي والمنهجي، يتبين لنا أن مسألة ارتداء الحجاب أو النقاب من عدمها ليست بالضرورة مسألة إيمانية، بل هي مسألة سلوكية صرفة.
الإيمان والحجاب
دعوني أحاول أن أفكك هذا بأبسط العبارات والشرح بعيداً عن تقنيات وتعقيدات علم الكلام الفلسفية والإصطلاحية والمنهجية. من الممكن جداً لامرأة مسلمة أن ترتدي الحجاب أو النقاب لمتطلبات وضرورات وحيثيات ومشروطات، بل وفروض، زمكانية، ومجتمعية، وثقافية، وأسرية، وشخصية من دون أن نستطيع التأكد أو الإيقان أو حتى تقديم بيَّنات مدروسة مثبتة تفيد بأن هذه السيدة المتحجبة أو المنقبة تؤمن حقاً دينياً بالله أو أنها تعيش علاقة إيمانية فعلية وحقيقية مع الله. من جهة أخرى، من الممكن جداً لرجلٍ ما أن يطلب من النساء في إطار حياته، أو أن يطالبهن، بارتداء الحجاب والنقاب، ولنفس الأسباب المذكورة في الأعلى، من دون أن يكون بالضرورة هو شخصياً مؤمناً حقاً وملتزماً إيمانياً بالله والعلاقة مع الله، ناهيك عن معرفته بمفهوم الإيمان في الإسلام. ومن جهة أخرى، يمكن لامرأة مؤمنة وملتزمة إيمانياً بالعلاقة مع الله أن تعيش إيمانها وأن تعكسه في حياتها من دون أن تكون بالضرورة محجبة أو منقبة. ويمكن لرجلٍ مسلمٍ أن يمارس إيمانه ويلتزم به ويعيش فعلياً علاقته العميقة مع الله من دون أن يشعر أن عليه أن يفرض على النساء في حياته الحجاب أو النقاب. أن تكون المرأة محجبة أو منقبة لا يعني أنها أتوماتيكياً مؤمنة. وأن يصر الرجل على تحجيب أو تنقيب النساء في عائلته لا يثبت أتوماتيكياً وبديهياً أنه مؤمن بالله. هذا ما نتعلمه في الحقيقة من فقه الإيمان في الفكر الديني الإسلامي: سلوكيات الناس ومظاهرهم ليست معياراً ولا دليلاً على إيمانهم وعلاقتهم بالله. بل إيمانهم وعلاقتهم بالله يمكن لها أن تكون معيار حياتهم وسلوكهم، والذي لا يقتصر على فقه سلوك واحد أو نمط معاملات ومظاهر أحادية.
في الفكر الإسلامي كما تعلمته من أمهات كتب المدارس الفكرية الكلامية في الإسلام، فقه الإيمان ثابت ومرجعي وقاعدي، أما فقه السلوك فهو متحول وديناميكي ونسبي. فقه الإيمان ميتافيزيقي اختباري، أما فقه السلوك فتاريخي وضعي. الأول قاعدي لأنه يتعلق بعلاقة الإنسان بالله وعلاقة المخلوق بالخالق. أما الثاني فهو نسبي لأنه يتعلق بعلاقة المخلوق بباقي الخلائق البشرية مثله ومثلها وكذلك برغبتها أو رغبته بالتعبير عن إيمانها وإيمانه بالله عن طريق مجموعة من السلوكيات والمظاهر السوسيو-ثقافية والسياقية والزمكانية. ولكن، دور هذه التعبيرات هو خدمة العلاقة الأفقية مع السياق الحياتي الذي نوجد فيه، وهي لا تؤثر بالعمق على العلاقة العمودية مع الكيان الإلهي الذي نتوق إليه. فالله، سبحانه وتعالى، لا يحتاج إلى سلوكياتنا ولا تعنيه مظاهرنا كي يعرف ما إذا كنا نعيش علاقة إيمان معه أم لا، وما إذا كانت تلك العلاقة علاقة إيمانية صحيحة أم لا. الله كلي المعرفة وهو فاحص القلوب والكلى. وهو وحده لا شريك له من يفعل ذلك. ولهذا، فإن مسألة الإيمان مسألة خاصة بين المؤمنة والمؤمن وبين الله. وهي تقع ما فوق التعابير الوجودية والمادية، ما فوق السلوكيات والفقهيات التعاملية، ما فوق التوقعات والقواعد التي يصنعها أتباع الدين كي يتعاملوا بين بعضهم البعض.
الحجاب ليس فريضة
من زاوية هذا التفريق البنيوي ما بين “فقه السلوك” و”فقه الإيمان” نستطيع أن نفهم تماماً المنطق الكلامي اللاهوتي الذي دفع سماحة شيخ الأزهر منذ بضع سنوات إلى الإفتاء بأن ارتداء الحجاب أو النقاب ليس “فريضة” بل هو “عادة” سلوكية تعاملية. بقوله أن الحجاب أو النقاب ليس فريضة، كان سماحة عالم الأزهر الجليل يضع مفهوم الفريضة ضمن إطار فقه الإيمان. فالفرائض تتعلق بالتوق الديني العلاقاتي والروحاني إلى الله وليس إلى البشر وآليات العيش بينهم. الفريضة جزء من منطق فقه الإيمان وليس منطق فقه السلوك. هكذا فهمه المتكلمون الأوائل في الإسلام المبكر من معتزلة وأشاعرة وماتوريديين. وضمنه يمكن لنا أن نفهم علاقة ارتداء الحجاب والنقاب بالإيمان في الإسلام: لا يوجد علاقة شرطية ما بين ارتداء الحجاب أو النقاب أو فرضهما وبين الإيمان والعلاقة الإيمانية بالله. ولهذا، لا ينبغي معاملة الحجاب أو النقاب على أنهما فريضة أو فرض، فهما سلوكيات ومظاهر نسبية وتاريخية وسياقية ظرفية، وليس ثوابت قاعدية مرجعية مثل ثابتة الإيمان والعلاقة الإيمانية بالله. الرغبة بتشجيع الناس على الإيمان بالله لا يتحقق من خلال محاولة دفعهم للانصياع لفرائض سلوكية لا تجعلهم بالضرورة يؤمنون بالله بل تدفعهم للانصياع العبودي والخضوعي لسلطة الأقوى ومعاييره الذاتية. ولكن، ألا يقول الإسلام: متى استبعدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحراراً؟
المدن
——————————-
نظريات العلاقات الدولية المغيبة عن سوريا/ محمد السكري
2025.05.31
ما زالت المدارس التقليدية في العلاقات الدولية، تهيمن على العقل العربي عند محاولة تحليل البنى الدولية والإقليمية، وتنحصر عملية التحليل لأي فعل أو سلوك سياسي ضمن اعتقادات تقليدية شبه ثابتة، ولا تخرج لدى تحليل النظام الدولي عن مدى محدد مؤطّر في المدرستين التقليديتين الواقعية أو المثالية.
هذا الجمود النظري يفرض نفسه على مجمل تحليل السلوك السياسي والفعل الدولي، إذ ينصبّ التركيز على نظريات يُعتقد أنّها لم تعد جزءًا من السياق الدولي الجديد، وذلك في ظل المتغيرات الكثيرة التي رافقت العالم منذ نهاية الحرب الباردة والتي مزّقت التعددية القطبية، ومن ثم عاودت بالظهور من المدخل السوري، علماً أنّ هذا الملف يتطلب اعتماد منهجيات شديدة التركيب من أجل فهم ديناميته لا سيما نظريات ما بعد الدولة أو المتعددة الجوانب التي تساعد على تفكيك الملف وفهم تعقيداته الكثيرة.
تتمثل إحدى الإشكاليات المركزية في أنّ كثيراً من القراءات العربية للعلاقات الدولية ما تزال تنطلق من محطات تاريخية كبرى كالحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة، وما رافقهما من انقسامات قطبية وهذا مقبول بنائياً؛ لكن ليس في السياق الحديث. فلا تساعد تلك النظريات على تفكيك ديناميات التغيير التي عصّفت بالعالم عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وصعود أنماط جديدة من الفاعلية السياسية والتدخل الإقليمي والدولي، ويتجلى هذا بوضوح عند قراءة الملف السوري.
يعاني سورياً، علم العلاقات الدولية من ضعف وفوضى شديدة، في التفاعل مع واقعه ونظرياته الحديثة، وذلك يعود لأسباب كثيرة منها؛ تأخر الاهتمام بالعلوم السياسة، إلا عقب اندلاع الثورة السورية؛ ومع ذلك هذا الاهتمام تجسد في اجتهادات فردية في الشخصيات التي درست خارج سورية، أكثر من الاهتمام المؤسساتي، مع وجود بعض المحاولات في شمال غربي سورية “المناطق المحررة خلال الثورة”، فعلى سبيل المثال: تأسست كلية العلوم السياسية في سوريا العام ١٩٧٧ وبقيت محصورة ضمن كوادر نظام الأسد.
ويندر في سوريا أهل الاختصاص في علم العلاقات الدولية، في حين تكثر العقلية المشيخية في التفسيرات إذ تنطلق من مقاربات وعظية لا معرفية أو واقعية وتنأى عن الطرح العلمي، أو تتماهى مع تفسيرات تسعى للحفاظ على بنية الاستبداد والعنف، مما يجعله من العلوم المظلومة في سوريا.
هذا ويعتمد كثير من الأكاديميين المحليين المختصين في هذا الحقل على نظريات باتت “كلاسيكية” في محاكاة الواقع الجديد للعلاقات الدولية، سواء على مستوى التلقي الأكاديمي أو على مستوى الإنتاج التحليلي؛ وهذا ما سبب أزمة حقيقية في تتبع المتغيرات داخل الملف السوري خلال الثورة السورية؛ مع أن الثورة حفّزت القوى المحلية والأكاديمية للتفاعل مع تدويل الملف السوري من أجل تلمس نظريات العلاقات الدولية من مدخل الملف نفسه.
في ذات التوقيت، أدى استمرار تحليل العلاقات الدولية وفهم الملف السوري بناءً على محورين (غربي-شرقي) لعدم التوصل إلى نتائج عملية وعلمية لمتغيرات الشرق الأوسط لأنّ النظريات القديمة لا تقدّم رؤى وتفسيرات كافية متفاعلة مع الحدث وسياقه؛ خاصة القطبية في الواقعية التقليدية، والأكثر خطورةً أن التفاعل السوري السياسي والأكاديمي ضمن العلاقات الدولية ما زال محكوماً بثنائيات مطلقة “غرب-شرق” أو الاعتقاد أن النظام الدولي هو نظام تراتبي “هيراريكي”.
هذا الفهم المتأخر يعرقل إمكانية تطوير مقاربة أكثر واقعية، بل وأكثر مرونة، من أجل فهم التحولات البنيوية التي شهدها النظام الدولي، ومنها تفكك القطبية وصعود فاعلين من غير الدول، وتحوّلات مفهوم “agency” أي فاعلية الأفراد والجماعات والمؤسسات في السياسة الدولية، ما يؤدي إلى وجود فجوة كبيرة بين التفسير السياسي والفاعلية السياسية في سوريا.
في الواقع، لقد طرأ على العلم الكثير من التغيرات التي تجاوزت النظريات التقليدية وحدودها التفسيرية، فحتّى النظرية الواقعية لم تعد على حالها، أو على صورتها الكلاسيكية والأبستمولوجية، بل تطورت لمقاربات أكثر شمولاً كحال الواقعية البنيوية كما ظهرت نظريات جديدة كالبنائية وما بعدها، مقدمةً أدوات تحليلية طوّرت قضايا الأمن والهُوية والخطاب السياسي؛ وفيها من روح نقد العقل المحض حول التصورات المسبقة التي بنيت عليها النظريات.
وفي هذا السياق، عالجت المدرسة البريطانية في العلاقات الدولية، مطلع القرن العشرين فهم جديد لنظريات العلاقات الدولية، كواحدة من أبرز المنعطفات لتجاوز الثنائيات الجامدة، حيث قدّم روادها، ولا سيما إدوارد هالت كار EDWARD HALLETT CARR، مقاربة نقدية للمثالية والواقعية، ولا سيما في سياق سجال المثالية والواقعية الذي سيطر على واقع العلاقات الدولية عقب الحرب العالمية الأولى.
نبّه إدوار من خطورة الانزلاق في الواقعية الساخرة، التي تنفي أي إمكانية للتعاون الدولية أو تحقيق العدالة والمشاركة، وذلك في كتابه الشهير “الأزمة العشرينية”، وأشار إلى أنّ رفض المثالية بالكامل؛ كما ظهر عقب الحرب العالمية الأولى، لا يقل خطورةً عن التمسك بها بصورة حالمة، ودعا إلى “واقعية أخلاقية” تتفهم المصالح لكنها لا تُقصي القيم، حيث مهدت نظريته لتعاون على المستوى الإقليم في الاتحاد الأوربي 1955 عندما شدد على ضرورة تجاوز مفهوم الهوية إلى الهويات السياسية المتعددة multinational.
وقد جاء كتابه كردة فعل على الصدمة التي عاصرها العالم عقب مرحلة طويلة من الأنسنة والتنوير بمخرج الحرب العالمية الأولى والذي شكّل “صدمة حضارية” دفع لإعادة النظر بالمثالية لا سيما قطبها الكانطي، والعودة إلى البسماركية أو ما يسمّى “توازن بسمارك” والقبول بمبدأ الواقعية كمحرك للدولة وفق لغة المصالح الديكارتي والهوبزي.
اعتقد إدور أنّ ولوج العالم في الواقعية ونفيهم للمثالية وفق مقاربة “خذ وأعطي”، سيصنع مأزق كبير في ديناميات الحركة والفعل بين الدولة وسيعيد تكرار ذات المأساة؛ مشدداً على أنّ ما تحتاجه الدول هو أكثر دبلوماسية وأقل مثالية، وليس نفي المثالية في المطلق، لأن الواقعية بدون المثالية يمكن أن تشكيل سخرية الواقعية السياسية ” cynical realpolitik”.
ونفى مفكرو المدرسة الإنكليزية في العلاقات الدولية، النظريات الجامدة لا سيما التقوقع بين ثنائيات المثالية والواقعية حتى عندما كان العالم أكثر حاجة لها. مع الأسف، بعد انقضاء أكثر من ٨٠ عاماً ما زال العديد من الباحثين العرب في العلاقات الدولية يتمسكون بتلك الثنائيات، مع أنّ حتى مقاربة “كار” يزيد عمرها عن ٧٠ عاماً، وبل بالكاد ما تبحث نظريات أكثر عملية كما في حال Democratic Peace Theory بمفهومها الكانطي الجديد الذي عالجه John Mearsheimer ببراعة.
تعطي النظرية أهمية كبيرة لنوعية تطور الأنظمة السياسية ودور المؤسسات والدولة الحديثة والفرد كفكر داخل سياق تفاعل العلاقات، سيما وأنّها عاودت النضوج عقب نهاية الحرب الباردة ونضجت أكثر مع موجات جديدة من الثورات عقب ثورات الربيع العربي، وذلك بعودة صعود مفهوم دمقرطة الدول.
وقلما ما يتناول الباحثون في المنطقة نظريات كثيرة أخرى تفاعلت ونشأت مع ارتفاع حركة تشكل التيارات النقدية في العلاقات الدولية؛ منها “مدرسة كوبنهاغن” الشهيرة، والتي عالجت البنائية Structuralism، من مدخل نقدي أو ما يسمّى النقدية الأمنية الحديثة Critical Security Studies التي تطورت عقب نهاية الحرب الباردة ولا سيما مع طرح بدء الباحثين بطرح أسئلة عديدة منها “إذا لم يعد هناك تهديد عسكري مباشر بين قوتين عظميين، فما معنى الأمن الآن؟”.
وباتت ما بعد البنائية Post-Structuralism محركة الفكر الغربي في العلاقات الدولية، فقد عالجت تفسيرات أكثر تفاعلًا مع متغيرات الأمن والتنمية وما نتج عن سؤال الأمننة Securitization Theory في القضيتين السورية والأوكرانية أو نزع الأمننة Desecuritization، وذلك يعود لأدوات النظرية الفعّالة؛ لأن أدوات الحركة والسلوك والتفسير تغيرت، وبات تشكيل الخطاب السياسي ودوافعه في رسم المشهد الدولي أحد أهم أعمدة تلك النظرية.
تلفزيون سوريا
—————————————–
حول الميثاق الأخلاقي لوزارة الدفاع السورية/ عبسي سميسم
01 يونيو 2025
تطرح لائحة قواعد السلوك والانضباط العسكري التي أصدرتها وزارة الدفاع السورية، يوم الجمعة الماضي، العديد من التساؤلات حول جدوى هذه اللائحة، وعلى عدة مستويات. يمكن البدء من تسمية تلك اللائحة التي قالت عنها الوزارة إنها بمثابة ميثاق أخلاقي، ما يطرح تساؤلاً حول إلزامية تطبيق هذه اللائحة، وحول نية الوزارة فرض إجراءات رادعة بحق من يخالفها. فالمواثيق الأخلاقية هي بمثابة قواعد ومحددات سلوكية وأخلاقية غير ملزمة، كما أن مخالفتها لا تندرج ضمن مخالفة القوانين ولا تستوجب أية عقوبة. وعادة ما تطلق المواثيق الأخلاقية لضبط أخلاقيات العمل ضمن بعض المهن مثل الصحافة والمحاماة وغيرها، أما المؤسسة العسكرية فيجب أن تكون محدداتها أكثر صرامة وإلزاماً.
لكن يبدو أن إطلاق “الميثاق الأخلاقي” على اللائحة هو مجرد تسمية، لأن البيان أكد على محاسبة ومقاضاة من يخالف مضمون هذا الميثاق، ما يطرح تساؤلاً أمام وزارة الدفاع حول إمكانية، وقدرة هذه الوزارة على إلزام كل المنضوين ضمن ملاكها على تطبيق ما ورد في هذا الميثاق، والذي استند إلى ركائز تتعلق بالقيم وأخرى تتعلق بالواجبات وثالثة تتعلق باحترام حقوق الإنسان. كما استند إلى عدد من المحظورات منها عصيان الأوامر والاعتداء على المدنيين والتمييز الطائفي، والإخلال بآداب المجتمع وغيرها. وهناك فصائل أعلنت انضمامها لوزارة الدفاع، لكنها لا تزال تتصرف كمليشيات منفصلة تتبع شكلياً للوزارة. كما لا تزال تظهر بين الحين والآخر بعض الفصائل التي ترتكب انتهاكات بحق المدنيين تحت مسمى “فصائل غير منضبطة”، فهل ستتمكن وزارة الدفاع من ضبط تلك الفصائل من خلال تطبيق بنود الميثاق؟ كذلك ما يزال هناك فصائل لم تعلن انضمامها لوزارة الدفاع، لم يشر إليها الميثاق الأخلاقي الموجه لمن انضم للوزارة فقط.
كما أغفل بيان الوزارة الجهة التي ستتعامل مع تلك الفصائل سواء لناحية ضمها للمؤسسة العسكرية أو لناحية حلها وسحب سلاحها.ويبقى السؤال الأهم حول مدى انسحاب ما جاء في الميثاق على الفترة السابقة بما يخص الفصائل التي ارتكبت انتهاكات بحق المدنيين، أو ارتكبت انتهاكات على أساس طائفي، خصوصاً بما يتعلق ببعض قادة تلك الفصائل الذين استثنتهم الولايات المتحدة من موضوع رفع العقوبات. فهل ستجعلهم الوزارة كبش فداء للمرحلة السابقة بموجب هذا الميثاق أم ستُبقي ضمن قياداتها أفراداً معاقبين أميركياً وأوروبياً؟
العربي الجديد
وزارة الدفاع السورية تصدر ميثاقاً للسلوك والانضباط
أعلنت وزارة الدفاع السورية، عن إصدار “ميثاق قواعد السلوك والانضباط العسكري” الذي يحدد الواجبات الأساسية للعسكريين، ويحظر الانتهاكات التي تمس بالقانون أو بحقوق المدنيين، مؤكدة أن هذا الميثاق ملزم لكل من يرتدي الزي العسكري، وأن مخالفته تُعرض مرتكبها للمساءلة القانونية وفق الأصول القضائية.
واجبات ومحظورات
وتشمل أبرز واجبات العسكريين بحسب الميثاق، الدفاع عن الوطن وسيادته ووحدة أراضيه، والتضحية في سبيل أمن الوطن والمواطن، وحماية المدنيين ولا سيما النساء والأطفال في جميع الظروف، بالإضافة إلى الالتزام بتنفيذ الأوامر المشروعة، واحترام القوانين المدنية والعسكرية، وصون الممتلكات العامة والخاصة، والتعامل مع المواطنين بكرامة دون تمييز.
كما نص الميثاق على مراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني في التعامل مع العدو من قتلى وجرحى وأسرى، وعلى ضرورة احترام التسلسل العسكري والانضباط الداخلي.
وشملت المحظورات التي يمنع ارتكابها، عصيان الأوامر، والتعدي على المدنيين، والإضرار بالممتلكات، وإطلاق شعارات تخل بالسلم الأهلي، وإهانة الموقوفين، إلى جانب إفشاء الأسرار العسكرية، والتصوير أو التصريح الاعلامي دون إذن، والإخلال بالآداب العامة.
وشددت الوزارة على أن هذا الميثاق يعكس القيم المتجذرة في عقيدة الجيش السوري الجديد، وعلى رأسها التمسك بالأخلاق، والالتزام بالانضباط، والإيمان بأن الجيش هو درع البلاد وموضع ثقة شعبها.
جهود الدمج
يأتي إصدار هذا الميثاق في سياق جهود أوسع تبذلها وزارة الدفاع لإعادة بناء مؤسسة عسكرية موحدة، إذ سبق أن منحت الوزارة مهلة للفصائل والأفراد غير المنتسبين إليها من أجل تسوية أوضاعهم والانضمام إلى صفوف الجيش الرسمي، وقد انتهت المهلة قبل أيام دون إعلان عن تمديد.
وتسعى الوزارة إلى دمج الفصائل المسلحة ضمن هيكلية وطنية تحت مظلتها، بالتوازي مع إعادة تأهيل ودمج المنشقين عن جيش النظام السابق، شريطة اجتيازهم لمراجعات أمنية وتنظيمية. وتُعد هذه السياسة جزءاً من استراتيجية وزارة الدفاع لإنهاء الفوضى الفصائلية، وبناء جيش سوري جديد.
وفي خطوة تعكس تحولاً جذرياً في العقيدة العسكرية، كان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أعلن عن إلغاء نظام التجنيد الإجباري في سوريا، مشدداً على أن الخدمة العسكرية ستكون على أساس التطوع الكامل والانتماء الوطني الطوعي، ضمن جيش يحترم الحقوق والحريات ويخضع للمحاسبة المؤسسية.
——————————–
أصحاب اللحى في مواقع المسؤولية.. من يضع الجرس في رقبة فلّة؟/ عبد القادر المنلا
2025.05.31
رغم كل التطورات الإيجابية التي تشهدها سوريا، سواء على مستوى رفع العقوبات أو العلاقات الجديدة مع المجتمع الدولي، ورغم ما ينتظر السوريين من انفتاح اقتصادي، إلا أن بعض المتضررين من سقوط النظام لا يزالون مصرين على تلقف أية إشارة سلبية أو أي خبر يمكن أن يبنوا عليه آمالهم في عرقلة مسار تشكيل الدولة وعودة سوريا للوقوف على رجليها بثبات.
الذريعة الأساسية التي يستند إليها المتضررون المتربصون تتعلق بالخلفية الجهادية للحكومة الحالية بدءاً من رئيسها وصولاً إلى عناصر الأمن العام، لا يقف المتصيدون على حجم الإنجازات التي تحققت منذ التحرير حتى الآن، ولا يهمهم ذلك، فالهم الوحيد الذي يبنون عليه عداءهم للدولة الوليدة هو اللحى ووجود أصحاب اللحى في مواقع المسؤولية، هم يعدون ذلك دلالة يقينية على أسلمة الدولة، دلالة لا تقبل الاحتمالات ولا تقبل الجدل.
لقد حدد أحمد الشرع منذ أن كان قائداً للعمليات العسكرية وقبل أن يستلم مهام رئيس الجمهورية شكل الدولة الجديد حينما تحدث عن دولة العدالة والقانون، وهو إعلان غير مباشر عن دولة مدنية لم يرد الشرع إعلانه بالمفردة الدقيقة لما يمكن أن تثيره من حساسيات لدى بعض المتشددين من أتباعه، وهو يعالج هذه المسألة المعقدة “شكل الدولة” بهدوء وروية لأنه يعي جيداً مدى تلك الحساسية وإلى أين يمكن أن تقود البلاد، ولولا بعض الانتهاكات التي يرتكبها عناصر متحمسون ومتشوقون لتطبيق الشريعة، لما وجدنا مساحة للحديث عن نوايا دولة إسلامية.
لقد بات واضحاً تماماً أن الشرع قد قطع صلته كلياً بالفكر الجهادي، ذلك سيتضح أكثر وبلا مواربة في خطابه وأيضاً في أفعاله، فمن غير المعقول أن تضم حكومة جهادية امرأة غير محجبة، ومن غير المعقول أن تضم الحكومة الجهادية وزراء من مكونات مختلفة عنها، ومن غير المعقول أن نرى مذيعات غير محجبات على شاشة الحكومة الجهادية، فضلاً عن أن تنوع الشارع السوري لا يزال كما كان عليه قبل سقوط النظام، فلم يفرض حتى الآن الحجاب على النساء ولم تمنع النساء من ارتياد المقاهي أو المطاعم ولم يتم منع الجلسات المختلطة، ولم يتم إقفال البارات ولا المطاعم التي تقدم المشروبات الكحولية، صحيح أن هناك تصرفات من أفراد تتدخل في الحريات العامة وهناك بعض الحوادث التي تم من خلالها تكسير محلات الخمور، ولكن ذلك لم يُدعم حتى الآن على المستوى الرسمي، أي أن سوريا الرسمية لا تبدو ماضية في طريق أسلمة الدولة.
أما أصحاب اللحى الذين استلموا مواقع حساسة في الدولة ومناصب عليا، فلا يزال خطابهم وطنياً بالمجمل ولا تزال قراراتهم -باستثناءات قليلة للغاية- لا تمس الحريات الفردية ولا تتدخل في معتقدات الآخرين..
في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى التيار المتشدد الذي يحاول فرض قوانينه، ولديه شهوة الانحياز إلى أفكاره على حساب حرية الآخرين، ولكن من الواضح أن سياسة الدولة لا تدعم هذا التوجه، ربما لا تقمعه ولا تمنعه بالطريقة المباشرة تجنباً لأي صدام لن تحمد عواقبه، ولكنها تهمله إن لم تجد في محاسبته فعلاً حكيماً، حيث المرحلة الحالية ملأى بالألغام وحبلى بالمفاجآت، ومن الحكمة تقليص احتمالات الأذى وتقليل فرص الصدام الجانبي..
لقد كشفت اللحى الطويلة في غير مناسبة عن حقيقة أصحابها، عن الطيبة التي تتوارى خلف تلك اللحى التي قد تبدو للكثيرين مخيفة وشريرة، وعن هم وطني عميق يعيشه أصحاب تلك اللحى وعن انحياز للدولة أكثر من الانحياز للأيديولوجيا، خذ على سبيل المثال الدكتور مصطفى البكور محافظ السويداء، أيضاً وزير الخارجية، وأحمد الشرع نفسه والكثير من أصحاب اللحى الذين أثبتوا -على الأقل حتى الآن- أنهم منحازون لمشروع الدولة.
لا يمكننا في هذا السياق أن نغفل معاناة السوريين أثناء السنوات الأربع عشرة الأخيرة والتي تكالبت فيها أعتى القوى الإرهابية على السوريين كنظام الأسد وحزب الله وإيران بكل ميليشياتها، فضلاً عن روسيا، وكذلك تخلي المجتمع الدولي عن القضية السورية وحالة اليأس التي سيطرت على الجميع، حيث لم يصمد في المعركة إلا المتدينون، بينما عملت القوى المدنية والعلمانية في مجال الإعلام أو في المنظمات المتعددة من خارج سوريا، أي أن المتدينين فقط هم الذين بقوا كقوى عسكرية وواجهوا وخاضوا المعارك، وعندما انتصروا في نهاية المطاف انحازوا للحالة الدينية ولكن ذلك كان في أخفض مستوى وكل المؤشرات تدل على تراجع ذلك الهاجس بالتدريج وذوبانه في مفهوم دولة العدالة والقانون، أي الدولة المدنية في نهاية المطاف، (على سبيل المثال تم رفع العلم الديني الذي يحمل الشهادتين في معظم دوائر الدولة بعد التحرير ثم اختفى تماماً ولم يبق سوى العلم الوطني).
وإذا كان معظم السوريين لا يزالون يتشككون فيما ستذهب إليه الدولة لاحقاً، وهل ستغلّب الطابع الديني، فذلك حقهم بالطبع، ولكن ذلك لا ينطبق بالتأكيد على مؤيدي بشار الأسد الذين وقفوا ضد الثورة، فمن قبل بحكم الأسد وأيده وناصره لا يحق له رفض أي شكل حكم آخر، فدولة الأسد كانت متطرفة أكثر من أي دولة ذات طابع ديني، بل يمكننا القول إن دولة الأسد لم تكن أقل تطرفاً حتى من حيث التطرف الديني، ولكن الدين الذي اعتمدته كان دين الأسد نفسه حيث نصبت الرئيس ك “إله”، وكان أتباعه يكفّرون كل من يحتج عليه..
ومع ذلك كله فإن كل من رفض الانضمام إلى الثورة السورية، وكل من وقف ضدها لسنوات طويلة واتهمها بالعمالة والارتهان، لا يتردد اليوم برفع صوته عالياً للحديث عن الدولة الجديدة باعتبارها ذات لون واحد ولا يتردد أن يدين ويستنكر ويستهجن وصول شخصيات ذات خلفية إسلامية إلى مواقع رفيعة ومناصب عليا في الدولة، وأغلب هؤلاء يجدون في ذلك مبررات لمواقفهم التي الصقوا من خلالها كل الموبقات بالثورة والثوار، ولم يوفروا فرصة لتشويه سمعة كل من وقف ضد الأسد، وتحدثوا منذ الشهر الأول الذي انطلقت فيه المظاهرات عن الطابع الطائفي رغم الخطاب الواضح الذي رفع حينها (الشعب السوري واحد) وعن إمارات سلفية لم تكن موجودة إلا في أدراج النظام الأسدي ومخازن خططه الأمنية القمعية التي أطلقها بلا تردد ليَسِم الثورة بأنها إسلامية دون وجود أي مؤشرات لذلك حينها.
كان السيناريو الوحيد الذي رسمه النظام يتلخص في اتهام أي تمرد ضده وأي صوت يرتفع مطالباً بحق المواطنة والعدالة والحرية أنه صوت سلفي جهادي حتى وإن كان علمانياً أو يسارياً، فلم يكن لدى نظام الأسد أي خطط للدفاع عن البلد أو تطويرها، بل كان لديه خطة واحدة عمل عليها وكرس كل إمكانياته لتحقيقها وأنفق عليها ميزانيات ضخمة وهي الحفاظ على وجوده وضمان بقاء الأسد على كرسي السلطة للأبد، وذلك من خلال ذلك السيناريو الذي جهزه الأسد الأب ونفذه الابن بطريقة فاضحة ومكشوفة ولكنه أنفق مليارات الدولارات لكي يقنع المجتمع الدولي به، قبل أن يكشف سقوطه للعالم عن سجون صيدنايا وغيره وعن بشاعة الجرائم التي لا يمكن تبريرها بالعلمانية المزيفة التي كان الأسد يدعيها.
كانت دولة الأسد نموذجاً مثالياً لدولة اللون الواحد، ولدولة التطرف والعنف والاستئثار بالحكم، فضلاً عن كونها دولة الجريمة المنظمة والجرائم الجماعية والمخدرات، ولهذا لا يحق لمن أعلن عداءه للثورة وناصر الأسد أن ينتقد أي شكل جديد للحكم، وثمة حقيقة لا يمكن تجاوزها في هذا السياق، فلو شارك من ينتقد شكل الدولة اليوم في ثورة السوريين السلمية منذ البداية لما اضطرت الثورة لرفع السلاح، ولا اضطرت لأن تعيش مخاضاً عسكرياً دموياً أدى إلى التجاء الثوار للدين كملاذ أخير ووحيد، إذن فحتى أسلمة الثورة يتحمل مسؤوليتها الأسد وأتباعه، فمن يضع الجرس في رقبة فلة؟ من ينبه هؤلاء الذين يحاولون تشويه صورة الإدارة الجديدة أنهم يمارسون اليوم ما مارسوه بالأمس؟ ومن ذا الذي سيقنعهم أنهم اختاروا الطريق الخاطئ في البداية، وهاهم اليوم يكملون في ذات الطريق في بحثهم عن تشويه الحقائق وإلصاق التهم جزافاً ومحاولة عرقلة بناء الدولة بعد أن نجحوا في عرقلة الثورة التي كان يمكن أن تنجح لو اشتركوا فيها وتحقق أهدافها في عدة شهور بدل أن تستمر أربعة عشر عاماً مع أنهار من الدماء ومساحات من الدمار لم يشهدها تاريخ سوريا؟
من يضع الجرس في رقبة فلة لتنذر هؤلاء أن الوقوف مع فكرة بناء الدولة اليوم ليس من أجل تمجيد الأشخاص بل بهدف توفير الدماء وتقليل فرص الدمار وتكريس قيم العدالة والمواطنة وبناء الدولة وضمان مستقبل السوريين، وأن محاولاتهم لإفشال ذلك كله ما هو إلا شهوة مضاعفة لسفك الدم السوري الذي آن له أن يتوقف..
تلفزيون سوريا
———————————-
دمج “التركستاني”… مخاوف الأسلمة المبكرة للجيش السوري الجديد/ طارق علي
يخشى مراقبون اعتبار جهات حقوقية عالمية هذه الخطوة تحدياً صارخاً والتفافاً غير مقبول على تعهدات واتفاقات سابقة
السبت 31 مايو 2025
في الـ17 من مايو الجاري أعلن وزير الدفاع السوري مهلة 10 أيام بالضبط لتنضم بقية كل الفصائل التي لم تنضوِ بعد ضمن هيكلية وزارة الدفاع الجديدة
دخلت إدارة رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع في سباق مع الزمن من أجل توحيد الفصائل المسلحة تحت قيادة مركزية مما قد يسهم في تحقيق الاستقرار الداخلي، إذ انضم أخيراً الحزب الإسلامي التركستاني إلى هيكلية وزارة الدفاع الجديدة تحت مسمى الفرقة 84 ويحوي غالبية أجنبية تعتمد على الإيغور الصينيين.
ومع ذلك فإن هذه الخطوة قد تفسر دولياً على أنها تجاهل للمطالب المتعلقة بطرد المقاتلين الأجانب، مما قد يؤثر في العلاقات الدبلوماسية، بخاصة مع الولايات المتحدة والصين. كما أن منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب قد يثير تساؤلات حول مستقبل التوازن الديموغرافي والسياسي في البلاد، وتحديداً أن وزارة الدفاع لم تعلن ولم تنف الخبر حتى اللحظة حيال الفصيل الذي يضم آلاف المقاتلين مع عائلاتهم، لكن التسريبات الموثوقة عاجلت الوزير مرهف أبو قصرة الذي أعطى مهلة قصيرة لكل الفصائل للاندماج.
تقدر المراكز البحثية المتخصصة تعداد مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني بين 1500 و5000 مقاتل، ويظل من الصعب حصر رقم دقيق لما يحيط بالحزب من سرية. وأول من كشف عن طبيعة الاندماج هو الصحافي الأميركي داريل فيلبس الذي اعتنق الإسلام مسبقاً وصار مقرباً من “هيئة تحرير الشام” وقياداتها في مرحلة إدلب وما بعدها.
ويقود الحزب في سوريا الأمير العام أبو عمر كوثر، أما قائده العسكري فهو عبدالعزيز أبو محمد الذي يعرف أيضاً باسمه الحركي زاهد قاري. وفي العام الماضي صدر قرار من مجلس شورى التركستاني في أفغانستان يقضي بتعيين كل من عبدالعزيز والشيخ طوبى نائبين للقائد العام في سوريا.
مهلة الأيام الـ10
في الـ17 من مايو (أيار) الجاري أعلن وزير الدفاع السوري مهلة 10 أيام بالضبط لتنضم بقية كل الفصائل التي لم تنضوِ بعد ضمن هيكلية وزارة الدفاع الجديدة. وبالفعل خرج الوزير في اليوم العاشر عبر شاشة التلفزيون الرسمي السوري ليعلن انقضاء المدة التي كانت تشمل المجموعات القتالية الصغيرة بغية ألا يظل سلاح متفلت خارج السياق الرسمي والشرعي للدولة.
حينها أوضح مرهف أبو قصرة أن وزارة الدفاع باتت بالفعل تضم 130 فصيلاً عسكرياً جرى استيعابهم في صفوفها، أما عن موضوع سلاح قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد)، فبين أنه لم يكن ضمن مهلة ال10 أيام لأنه جرى توقيع مذكرة تفاهم ومبادئ بين قائدها مظلوم عبدي والشرع خلال مارس (آذار) الماضي على أن يستمر تنفيذ بنود الخطة حتى نهاية العام، كذلك لم يتطرق الوزير للسلاح الدرزي في الجنوب.
انضمام “التركستاني”
في خضم ذلك ومع اليوم الثالث من مهلة العشرة الأيام، قرر الحزب الإسلامي التركستاني ذو الغالبية المقاتلة من الإيغور الصينيين والمصنفين على لوائح الإرهاب، حل الحزب والانضمام إلى جهاز وزارة الدفاع ككتل منفصلة غير مستقلة أو موحدة كما هي شروط الوزارة السابقة في قبول سلاح الكيانات المنظمة، بحسب مصادر تحدثت لـ”اندبندنت عربية”.
المصادر نفسها قالت إن هذه الخطوة تعني انتفاء العقوبات عن الهيكلية القائمة على الحزب، لكن الأزمة تكمن في رفض بعض الدول هذه الخطوة، وفي مقدمها الصين التي تعاقب وتطارد أفراده، وهذا ما يفتح السؤال أمام إمكان منحهم أو بعضهم الجنسية السورية، وهو أمر سبق وأشار إليه الشرع في لقاء أخير مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، خصوصاً مع زواج كثير من هؤلاء الإيغور من مواطنات سوريات.
ليست الصين فقط التي ستتحفظ على هذه الخطوة، بل إن جهات حقوقية عالمية ستعتبر ذلك تحدياً صارخاً والتفافاً غير مقبول على تعهدات واتفاقات سابقة، فضلاً عن مشكلات المواطنة والديموغرافية التي قد تلحق بقرارات التجنيس لو حصلت، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القيادة السورية قد رفعت في وقت سابق عدداً من المقاتلين بينهم إيغور إلى رتب عسكرية عليا وسلمتهم مناصب قيادية.
خيار الضرورة
في حين كانت مطالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الشرع واضحة وجلية بطرد المقاتلين الأجانب من سوريا كخطوة على طريق رفع أو تجميد العقوبات، لكن الأمر بدا لمراقبين أشبه بالمستحيل، أو في الأقل يحتاج إلى وقت طويل للغاية، أو حلول ديناميكية سريعة تراعي المطالب الأميركية من جهة، وتحافظ على المطالب الأوروبية السرية من جهة ثانية، فكان يبدو خيار التجنيس ضمن أطر وسياقات محددة ضمن الأكثر واقعية ومنطقية.
وبحسب المتابع للشؤون السورية والمتخصص في ملفات الجماعات الإسلامية الدكتور أنس تميم فإن “هناك افتراضاً قوياً جرى تسريب معلومات عنه يتعلق بقضية المقاتلين الأجانب، والذي يقتضي دمج بعضهم في صفوف الجيش السوري وخضوعهم التام لأوامره وتوجيهاته الملزمة والصارمة في أي شأن، خصوصاً ما يتعلق بعدم تشكيلهم مصدر قلق أو خطر للجوار، فيما سيكون مصير من يرفض الاندماج والانسياق والتطوع هو الاعتقال القسري والترحيل والطرد”.
الموقف الأوروبي
يمضي تميم في تحليله فيقول، “سيكون أمام هؤلاء المقاتلين الموجودين في سوريا منذ أكثر من عقد، خياران لا ثالث لهما، إما القبول بصورة الدولة العصري والتراتبية العسكرية والأوامر المباشرة والالتزام التام، أو المصير الآخر. والمصير الآخر هو الذي لا ترغب به الدول الأوروبية تحديداً من تحت الطاولة، وعلى رأسها فرنسا، التي تخشى ترحيلهم وارتداد الإرهاب لأراضيها، وهي مطالب جاءت بصيغة غير مباشرة وجرى بحثها فعلياً عبر زيارة الوفود الأوروبية”. وتابع “يمكن ربط ذلك بقضية معتقلي ’داعش’ الذين لا تريد أي من الدول استرداد رعاياها منهم في واحدة من أعقد قضايا القانون الدولي الحديث، وعليه، فهي لا تريد ذات المواجهة القانونية أمام الرأي العام وأمام التردي الأمني الذي يهددها بين الحين والآخر، لذلك في السياسة لا بأس بأن تبقى سوريا إسفنجة امتصاص الجهاد العالمي”.
ويختتم بالقول، “محاربة المتشددين في بقعة جغرافية واحدة أمام أي مفترق طرق هو أفضل بآلاف المرات من مطاردتهم حول دول العالم، بخاصة أن حادثة طعن واحدة في عاصمة أوروبية تغير سياسات وأمزجة وتحالفات هناك”.
انقلاب على الانقلاب
يقول المتخصص في القانون الدولي علي الصواف في تصريح خاص إن أميركا كانت تعرف سلفاً أن طرد أكثر من 7 آلاف مقاتل أجنبي ليس أمراً يتخذ بقرار إداري ويجري تنفيذه، وليس هناك دول جاهزة لاستقبالهم، كما أن القيام بحركة جماعية ضدهم يعد بمثابة انقلاب عليهم، فيتحولون من المنقلب عليهم إلى المنقلبين على الحكم بكل ما لديهم من خبرات قتالية عالية وشراسة عسكرية تشمل الانغماسيين، أصحاب العصائب الحمراء وهم صفوة مقاتلي “هيئة تحرير الشام”، وربما المفخخات وغيرها، فيدخل البلد في دوامة حرب جديدة ومريرة، خصوصاً مع تمركز الأجانب في معسكرات رئيسة قرب المدن السورية المهمة.
ويوضح أنه “قد يكون هناك ضوء أخضر أميركي مع اتفاق أوروبي مبطن على عملية الدمج التي ما كانت لتحصل ويتحدى بها الشرع كل القوى العالمية لولا تنسيق جزئي مسبق ضمن اختبار قائم، فمن اندمج وانساق ومن قبل كان عنصراً جديداً يمكن التعامل معه وتقييمه، ومن رفض فقد أعلن التمرد وصار مصيره ملاحقاً مطارداً كالحال في القوى المناوئة للحكم الجديد على غرار ’داعش’ و’سرايا أنصار السنة’ وما تبقى من فلول نظام بشار الأسد”. ويرى أنه ما كان متوقعاً حصل فعلياً خلال الشهر الجاري، إذ رفضت جماعات أجنبية الانتظام في صفوف وزارة الدفاع فاصطدمت مع القوات والأمن العام في البادية السورية على مقربة من تدمر ودير الزور وسقط في تلك المعارك قتلى من الطرفين.
مخاوف مستقبلية
يعرف الحزب الإسلامي التركستاني اختصاراً بأحرف (تي آي بي)، ونشأ في تسعينيات القرن الـ20 بذريعة تحقيق حكم ذاتي وانفصال في إقليم شينغيانغ الصيني، لكنه دخل على خط الحرب السورية منذ بدايتها عام 2011، وكان يعد خلالها أكثر التنظيمات تطرفاً وتشدداً وتنظيماً وقاتل بضراوة في معارك إدلب وأرياف اللاذقية، ويعد مقاتلوه من الأكثر تمرساً وتدريباً وجاهزية وتحضيراً، إلا أن الحزب بعد سقوط النظام السوري أواخر عام 2024 قرر الانتظام في المرحلة الجديدة عبر إعادة تدوير نفسه تماشياً مع المرحلة، وفق مراقبين.
أول هدف رفعه الحزب منذ نشأته وظل متمسكاً به هو إقامة إمارة إسلامية في تركستان الشرقية، ومن أجل ذلك تحالف مع تنظيم “القاعدة” و”طالبان” في أفغانستان، إلى أن وجد في الحرب السورية بيئة خصبة لإعادة بناء تموضعه العالمي وتقوية ساعده وتدريب كوادره بما فيه الكفاية والعمل على استقطاب مزيد، إلا أنه غرق في الحرب السورية لسنوات طويلة لم تنسَ فيها الصين أن الحزب واحد من أعدائها الرئيسين، ولربما أخطرهم.
وحظي الحزب للمرة الأولى بالانتقال من حال التمرد والعصيان وحرب الشوارع والحالة السرية ليكون تنظيماً شرعياً معترفاً به ومندرجاً ضمن جهاز رسمي لدولة آسيوية وعنصراً فاعلاً بها منهياً عقوداً من اللاتبني الرسمي والملاحقات الدولية.
في آتون كل ذلك يخشى المتخصص في العلوم السياسية والمطلع على الشؤون الصينية عبدو رميلان من أن يكون قبول الحزب التركستاني حل نفسه ما هو إلا بمثابة مرحلة استراحة تتيح له استعادة التموضع من جديد، وخلال هذه المرحلة القيام بدورهم الذي برعوا فيه في نشر الأفكار المتشددة داخل هيكل وزارة الدفاع، و”بالتالي أن يحظوا بدور مباشر أو غير مباشر في إعادة إنتاج العنف من الداخل لا الخارج هذه المرة، وصولاً إلى “أسلمة” قوام الجيش وتطويعه عقائدياً من خلال ركوب القطار والتأثير فيه من الداخل عوضاً عن الوقوف في وجهه”.
——————————
الأقوال والأفعال.. ما هو المطلوب من السوريين؟/ محمد شيخ يوسف
2025.05.31
لم يكن شهر أيار/مايو مجرد أيام عادية في مشوار سوريا الحديثة ما بعد النظام الزائل، شهر شهد أحداثا هامة كثيرة لا يمكن حصرها بعدة أسطر، تمثلت باعتراف أمريكي صريح وواضح لا لبس فيه بحكومة الإدارة الجديدة، ورفع العقوبات المفروضة على البلاد، الأمر الذي يساهم في أخذ نفس عميق كبير، حيث إن عقبات إعادة الإعمار وتوسيع الاستثمار وإعادة تأهيل البنية التحتية قد أزيلت، وتبع ذلك قرارات مماثلة من دول وأطراف أخرى، أهمها من قبل الاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل اهتمام الشركات يتوجه مجددا إلى سوريا، وتكلل ذلك باتفاقيات في مجال الطاقة والكهرباء، مع شركات من قطر والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا.
مرحلة طال انتظارها رافقها احتفالات للسوريين في مختلف المحافظات، على أمل أن تجلب لهم الأيام القادمة مزيدا من الرفاهية والاستقرار بعد سنوات الحرب، ونتيجة للتطورات التي حصلت والمواقف الإيجابية من أبرز الدول الداعمة لسوريا وهي تركيا وقطر والسعودية، فإن الأنظار أيضا توجهت للسوريين في عموم البلاد من أجل العمل يدا بيد لبناء سوريا الحديثة الجديدة التي يرغب بها جميع السوريين ويحلمون ويكونون عند حسن الظن، فعلى صعيد الخارج والدول الداعمة والراعية واضح أن الدعم كبير وغير محدود وهناك رغبة كبيرة في بناء سوريا مجددا، ولكن ماذا يقع على عاتق السوريين كي يتحلوا به في الفترة المقبلة من أجل تكاتف الجهود المشتركة مقارنة مع الدعم الكبير غير المحدود.
من المؤكد أن سوريا الآن في مرحلة انتقالية، وشهدت حوارا وطنيا وتشكيل حكومة وإعلانا دستوريا، وينتظر أن يشكل برلمان مؤقت، وهناك مرحلة كتابة الدستور السوري وإقراره وصولا إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتولي حكومة جديدة، وتدور بذلك عجلة الديمقراطية في البلاد بشكل دائم ومستمر، ولحين استكمال ذلك يتوجب بناء الدولة بشكل يريح المواطنين ويقدم لهم الخدمات اللازمة ويساهم في عودتهم، وتحسين وضعهم المعيشي، والوصول لكافة الخدمات المتوقفة، وبدء الاستثمار والعمل تتحول البلاد معها إلى خلية نحل من إعادة البناء وتأسيس البنية التحتية وتقديم الخدمات، وخلق فرص العمل وتحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وبالتوازي مع ذلك، يقع على السوريين واجبات عديدة هامة من أجل تكاتف الجهود، وأن تكون مرحلة رفع العقوبات والدعم الإقليمي والدولي ذات أثر مهم لديهم، من خلال إعطاء الرسالة الواضحة بشكل كاشف دون أدنى شكل، باستحقاق السوريين لكل ما حصل ويحصل وسيحدث مستقبلا، وحقهم بالحياة والبناء والديمقراطية، ولا بد من أن يضع السوريين يدهم بيد، كتفا بكتف، من أجل تجاوز هذه المرحلة الانتقالية والحساسة، وترسيخ أركان الدولة الجديدة وأن يكونوا الجزء الهام في مرحلة البناء، والحجر الأساس الذي يبنى عليه الوطن.
وأولى الخطوات الهامة المطلوبة في هذا الإطار، هو تخفيف التوترات الحاصلة في البلد، حيث إن السوريين هم في وقت أحوج فيه إلى الاحتواء المتبادل وضبط النفس والصبر بشكل كبير، والهدوء الذي يجلب السلام والاستقرار، وتخفيف التوترات الحاصلة تتوجب تعزيز فكرة المواطنة بين السوريين، من خلال المساواة وعدم التمييز، ومعالجة أي حوادث تؤدي إلى التوترات، والابتعاد عن التعميم في الحوادث الفردية، كل ذلك يساهم في تخفيف التوترات الحاصلة، وتؤدي إلى التركيز على مسألة بناء الدولة، ويقلل من أي احتقان قد يحصل بين بعض النفوس.
ومن الخطوات الهامة مسألة منح الفرصة لقضية العدالة الانتقالية، حيث تم تشكيل هيئة من أجل ذلك، تتولى النظر في الدعاوى والشكاوى المقدمة، من أجل محاسبة المتورطين في أي جرائم ارتكبت خلال سنوات قمع النظام السابق، وممارساته التعسفية بحق الشعب، وقصف المدن والبلدات، فأي متورط بهذه المجازر يجب تقديم البيانات والدلائل التي تدينه للهيئة ومحاسبته لاحقا قضائيا على ما تم ارتكابه، ومن الضروري عدم اللجوء إلى حالات انتقامية تزعزع أمن البلاد وتقوض عمل السلطات الرسمية، لهذا يجب الابتعاد تماما عن الحالات الفردية وتقديم الدعم لمسار العدالة الانتقالية، ومن المعروف أن آلام السوريين كبيرة والجميع تألم ولا يمكن تقليلها ولا الاستخفاف بها، بل هي مطلب محق وعادل بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات والجريمة من جميع الأطراف، فلزام استكمال مرحلة العدالة الانتقالية، وهي مطلوبة وأساسية ويجب فسح المجال لها بعيدا عن التحرك الفردي في هذا الإطار.
كما يتوجب في المرحلة المقبلة دعم الإدارة الجديدة، عبر منحها الوقت الكافي لاستكمال جهودها في المرحلة الانتقالية في عملية إعادة البناء وتشكيل مؤسسات الدولة، وإعادة هيكلة الوزارات والمؤسسات المختلفة، وعدم الاستعجال والإلحاح بطلبات تعجيزية، لأن مرحلة بناء ما خربه النظام بشكل ممنهج بحاجة إلى سنوات، لتحسين الاقتصاد، وتعزيز القدرات الشرائية وتحسين الرواتب، وإعادة بناء البنية الفوقية والتحتية، وبالتالي هناك حاجة إلى الصبر والهدوء ومنح الوقت للإدارة الجديدة، وهو ما سيساهم في تعزيز الوحدة الوطنية وعبور المرحلة الانتقالية إلى بر السلام، وبتكاتف الجهود الدولية مع الجهود السورية في بناء الدولة.
ومن الأمور الملحة في تعزيز الجبهة الداخلية في سوريا، هو مسألة المحاكمة بعقل رشيد قبل إطلاق الأحكام، فمن المعروف حاليا انتشار التضليل الإعلامي وممارسة التشويش عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل فلول النظام وأعداء سوريا الجديدة، وكل يوم تقريبا هناك زج لمواضيع وقصص تؤدي للتشويش على المرحلة الانتقالية، وتعرقل عملية إعادة البناء، خاصة أن بعض المشاهد والفيديوهات تكون قديمة فيعاد وضعها على أنها حديثة لمجازر وقضايا مختلفة واتهام شخصيات في الإدارة الجديدة، بالقيام بها، أو محاولات زرع فتن بين مكونات الشعب السوري، ومحاولة إثارة القلاقل والنعرات الطائفية والعرقية، فالحاجة ملحة جدا للمحاكمة والتأني في إطلاق الأحكام، والصبر لمعرفة حقيقة أي شيء يتم تداوله في المجموعات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وإلى جانب ما سبق يجب تعزيز إحساس الشراكة في الوطن من قبل الجميع، فلا يمكن لأي منطقة أو طرف أو مدينة أو مكون بناء سوريا بشكل منفرد، وممارسات النظام البائد هو خير دليل على أن الإقصاء ليس هو الحل، بل تشارك الجميع، فالسوريون جميعا في مركب واحد، وعليهم الوصول به إلى بر الأمان، ولا يمكن ذلك إلا عبر الإحساس بالشراكة في الوطن، فجميع المكونات هم شركاء في الوطن، بأعراقهم وقومياتهم وأديانهم وطوائفهم هم جزء مهم في الوطن، والكل مدعو لأن يكون شريكا صالحا يعتز بهويته الوطنية، ويكون له الدور في مرحلة البناء.
وبهذا يتعزز النسيج السوري، ويصبح كل فرد فيه ذا قيمة كبيرة، كل إنسان سوري هو جزء من شعب عظيم يعمل على بناء بيته ووطنه ودولته، يجب تعزيز الشعور الوطني في ظل التحديات الكبيرة، ويقع على السوريين دور كبير في تقبل وحب بعضهم البعض، وهذا يساهم في قطف ثمار المكتسبات التي تحققت مؤخرا، وهي مكاسب مهمة على صعيد العالم، تفتح الأبواب أمام مستقبل زاهر كبير، يجب على السوريين وضع يدهم يد، ولا خيار لهم غير ذلك في قادم الأيام.
تلفزيون سوريا
————————————
مقداد فتيحة سفاح الساحل السوري وقائد مليشيا “درع الساحل“
31/5/2025
يعرف بـ”أبو جعفر” وينحدر من مدينة جبلة الساحلية في سوريا، عمل في الحرس الجمهوري أيام الرئيس المخلوع بشار الأسد، واشتهر حينئذ بنشره صورا تظهر تنكيله بجثث المدنيين وقطع رؤوسهم، وهو متهم بارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم تعذيب ضد المعارضين لحكومة بشار، وبالاتجار بالمخدرات والخطف، وأسس عقب سقوط النظام مليشيا “لواء درع الساحل”.
التجربة العسكرية
تطوّع مقداد لؤي فتيحة -وهو من الطائفة العلوية– في القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، وانضم للحرس الجمهوري، كما قاتل في صفوف الفرقة 25 التابعة لسهيل الحسن الملقب بـ”النمر” ومبتدع البراميل المتفجرة، حسب ما أوردته صفحة أرشيف الثورة السورية.
ويُتهم فتيحة بارتكاب مئات الانتهاكات لحقوق الإنسان طوال فترة تطوعه بالحرس الجمهوري، خاصة عقب اندلاع الثورة عام 2011، وانتشرت له كثير من الصور ظهر فيها يقتل مدنيين ويمثل بجثثهم، بعضها وثقها بنفسه بالصوت والصورة، إلى جانب صور أخرى يجلس فيها قرب جثث مدنيين أحرقهم أحياء وبينهم أطفال، وأخرى يحمل فيها رؤوسا مقطوعة.
وتناقل ناشطون تغريدة له على موقع إكس نشرت عام 2021، يتباهى فيها بكونه لا يخاف من التهديدات، ويؤكد أنه لكثرة ما قتل ومثّل بالجثت فهو يعرف أعضاء جسم الإنسان أكثر مما يعرفها أطباء الطب الشرعي، ويقول إنه مثل بالجثث بقدر ما بث التلفزيون السوري من مسلسلات.
“لواء درع الساحل”
استمرت عمليات فتيحة الإجرامية حتى بعض سقوط نظام بشار، لكنه وجهها لأول مرة ضد أبناء طائفته ممن رفضوا الانضمام له في العمليات والكمائن التي بدأ بشنها ضد قوات الأمن في الإدارة الجديدة.
وأسس فتيحة لواء درع الساحل في فبراير/شباط 2025، وفي السادس من مارس/آذار ظهر في فيديو نشر على صفحة “مقداد فتيحة لواء درع الساحل الاحتياطية” يعلن التمرد على الحكومة السورية الجديدة.
وبعدها بأيام أعلن فتيحة تعاونه مع فصيل “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس” الذي أعلن عن تأسيسه في 4 مارس/آذار 2025، وقال إن “عملهم وقتالهم لتحرير الساحل السوري بدعم روسي”.
وفي ليلة إعلان التأسيس، بدأت قوات درع الساحل وفلول النظام المخلوع، بشكل منظم وفي وقت واحد في مناطق عدة من الساحل السوري، استهداف عناصر من الشرطة وقوات الأمن الداخلي والعناصر التابعين لوزارة الدفاع، كما طال الاستهداف أي مدني يقود سيارة تحمل رقم محافظة إدلب.
وقتلت هذه القوات مع بداية العملية نحو 75 عنصرا من قوى الأمن الداخلي وعناصر الشرطة ومدنيين، وأسرت قرابة 200 عنصر وأصيب العشرات من قوات الدولة السورية والمدنيين بينهم صحفي.
وسيطر فلول النظام على معظم الساحل السوري ومواقعه الإستراتيجية والعسكرية، ووصلوا إلى قاعدة حميميم ومطار أسطامو والكلية البحرية واللواء 107، إضافة للجسور والمداخل والمخارج المؤدية إلى مدن الساحل، وانتشرت على طريق “إم 4” لقطع الطريق على القادمين من مناطق إدلب.
View this post on Instagram
A post shared by الجزيرة (@aljazeera)
وقد امتصت الحكومة السورية صدمة الهجوم المنظم من فلول النظام، وبدأت عملية استعادة المواقع التي سيطروا عليها من وحدات الأمن الداخلي، وبمساندة وزارة الدفاع في مدن اللاذقية وطرطوس وجبلة.
يُذكر أن النظام المخلوع كان قد حاول إعادة بناء الحرس الجمهوري عام 2015، عبر تشكيل لواء باسم “درع الساحل” للتركيز على الريف العلوي، وتقسيم المنطقة إلى مقاطعات طائفية.
وظهر فتيحة في فيديو مصور ثان في 13 مارس/آذار 2025 يرتدي لباس الأمن العام ويهدد قوات وزارة الدفاع والأمن بما سماه المرحلة الثانية من المعركة إذا لم تنسحب من قرى الساحل، وهدد بتفخيخ الطرقات وإعدام الأسرى واغتيال العناصر.
وقد تداول رواد التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا آخر نسب لفتيحة أواخر مايو/أيار 2025، يهدد فيه الحكومة بسلسلة هجمات واعتقالات في حال لم تفرج عن المعتقلين.
المصدر : الصحافة السورية
——————————–
عقوبات أوروبية «بلا جدوى» على قادة وفرق عسكرية/ منهل باريش
يساعد القرار بالخروج من المآزق وإعطاء فرصة لإدارة الشرع لترتيب أوراقها الداخلية وخصوصا على الصعيد العسكري، والخلاص من ملف الجيش الوطني تدريجيا ودمج فصائله بالجيش السوري الجديد.
أعلن الاتحاد الأوروبي، الأربعاء الفائت، عن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا والتي بدأ الاتحاد فرضها على نظام الأسد منذ أيار (مايو) 2011، وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان الاتحاد في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، تعليق عقوباته على قطاعات الطاقة والتمويل والطيران.
وجاء في بيان نشره مجلس الاتحاد الأوروبي على موقعه الإلكتروني، أنه اعتمد على قرارات قانونية «ترفع جميع القيود الاقتصادية المفروضة على سوريا»، إلا أنه استثنى القيود المبنية على «دواعٍ أمنية»، ولفت مجلس الاتحاد في بيانه إلى أن قرار رفع العقوبات شمل أيضاً «24 كياناً من قائمة الاتحاد الأوروبي للجهات الخاضعة لتجميد الأموالـ«، ومن هذه الكيانات مصرف سوريا المركزي، وقطاعات رئيسية تساهم في إنعاش الاقتصاد السوري، مثل شركات إنتاج النفط وتكريره، وشركات اتصالات ووكالات إعلام وقنوات تلفزيونية سورية.
وقال المجلس في البيان إن قرار رفع العقوبات يهدف إلى «دعم الشعب السوري في إعادة توحيد وبناء سوريا جديدة، شاملة وتعددية ومسالمة».
وفي السياق ذاته، مدد الاتحاد الأوروبي قوائم العقوبات على الكيانات والأفراد المرتبطين بنظام الأسد حتى مطلع حزيران (يونيو) من العام المقبل 2026، وذكر البيان أن هذا التمديد يتماشى مع دعوة الاتحاد الأوروبي إلى «المساءلة، ودعمه للانتقال السلمي».
إلا أن إعلان الاتحاد رفع العقوبات ترافق في الوقت نفسه مع فرض عقوبات على ثلاثة كيانات هي «لواء السلطان سليمان شاه» الذي أسسه وكان يقوده محمد حسين الجاسم «أبو عمشة»، وفرقة الحمزة التي أسسها وكان يتولى قيادتها حسين بولاد المعروف بلقب «سيف أبو بكر»، وفرقة «السلطان مراد» التي أسسها وكان يقودها فهيم عيسى، والذي يتولى في هذه المرحلة منصب نائب وزير الدفاع السوري.
الجدير بالذكر، أن العقوبات استهدفت كلاً من العميدين محمد الجاسم وسيف بولاد، وفصيليهما، إلا أنها استهدفت فرقة السلطان مراد ككيان بدون أن تُفرض على قائد الفرقة فهيم عيسى أي عقوبات. وبعد سقوط نظام الأسد، وبدء إدارة الرئيس أحمد الشرع الحالية تنظيم الفصائل المسلحة ودمجها ضمن وزارة الدفاع والجيش السوري الجديد، منح كلٌ من الجاسم وبولاد رتبة عميد، وتولى محمد الجاسم قيادة الفرقة «62» والتي من المفترض أن يكون نطاق انتشارها في محافظة حماة، ومنح سيف بولاد قيادة الفرقة «76».
وقال مجلس الاتحاد الأوروبي في هذا السياق، إنه فرض ما وصفها بـ«تدابير تقييدية جديدة بموجب نظام العقوبات العالمي لحقوق الإنسان التابع للاتحاد الأوروبي، تستهدف فردين وثلاثة كيانات بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما يتصل بموجة العنف التي اندلعت في منطقة الساحل السوري في آذار (مارس) الماضي».
وأضاف الاتحاد الأوروبي في بيانه تفصيل أسباب العقوبات المفروضة على الكيانات والأشخاص، شارحا عقوباته على محمد الجاسم أنها جاءت بسبب، «مشاركة لواء السلطان سليمان شاه، بقيادته، في أعمال عنف بالساحل السوري، ونتيجة استهدافه مدنيين وخاصة من الطائفة العلوية، بما في ذلك جرائم قتل تعسفية بحق المدنيين، في آذار (مارس)»، وحمل الاتحاد الأوروبي الجاسم مسؤولية ارتكابه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك «القتل التعسفي».
بدوره نفى محمد الجاسم «أبو عمشة»، عبر وسائل التواصل الخاصة به، ارتكابه وفصيله أي انتهاكات، واصفًا عناصر لواءه بالمدربين والحذرين من الوقوع في أي مكائد، إلا أنه لم ينتقد العقوبات بنفس الحدية التي انتقد بها عقوبات «وزارة الخزانة» التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، والتي فرضت عليه في آب (أغسطس) 2023، حيث وصفها حينها بأنها مرتبطة بـ «توجهات سياسية» ولا ترتبط بأي انتهاكات لحقوق الإنسان.
بموازاة ذلك، اعتبر الاتحاد الأوروبي سيف بولاد، مسؤولاً عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك «تعذيب مدنيين وقتلهم تعسفيا». وجاء في بيان مجلس الاتحاد، أن فرقة الحمزة بقيادة بولاد شاركت في آذار (مارس) الفائت في «أعمال العنف في المنطقة الساحلية السورية، مستهدفةً المدنيين، وخاصةً الطائفة العلوية، بما في ذلك ارتكاب أعمال تعذيب وقتل تعسفي بحق المدنيين».
ولفت البيان إلى أن «فرقة الحمزة» بقيادة سيف بولاد أبو بكر كانت «طوال فترة الحرب الأهلية السورية، مسؤولة عن العديد من أعمال التعذيب في مراكز الاحتجاج التابعة لها، والتهجير القسري للمدنيين، وبشكل خاص في منطقتي حلب وعفرين».
وتأتي هذه العقوبات بالتزامن مع انفتاح دول الاتحاد الأوروبي على الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، بسبب ما وصفه مجلس الاتحاد الأوروبي بمسؤولية الكيانات الثلاثة، والشخصين عن انتهاكات لحقوق الإنسان وقعت في الساحل السوري في آذار (مارس) من العام الجاري.
وحول القرار قال الباحث المتخصص في العلاقات العسكرية في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محسن المصطفى إن العقوبات «تأتي ضمن إطار تحميل المسؤولية عن الانتهاكات التي تم ارتكابها في الساحل السوري» ورأى انها «رسالة للحكومة السورية منعاً لتكرار أي انتهاكات بالساحل أو بغيرها من المناطق مستقبلاً»، وخفف المصطفى من معناها «لم تعد بذات الأهمية خصوصا أن هذه المجموعات ستختفي وتندمج ضمن وزارة الدفاع» معتبرا أن العقوبات المفروضة هي «تحصيل حاصل».
وفي إطار عملية إعادة تركيب الجيش السوري، يسهل وضع العميدين على لوائح العقوبات الأوروبية على اضعاف نفوذهما داخل الجيش السوري المعاد تشكيله، وتحجيم نشاط القادة المذكورين، وهو ما يساعد وزارة الدفاع في وقت لاحق على إحالتهما إلى التقاعد وإخراجهما من ملاك الوزارة وقيادة الفرقتين.
وكثيرا ما اعتبرت الفرق الثلاثة أعلاه، بمثابة الطفل المدلل لتركيا والتي اعتمدت عليها في معاركها الخارجية، حيث دفعت بهم إلى لبيبا للقتال ضد قوات الجيش الليبي الذي يقوده اللواء حفتر، وأحدث المقاتلون السوريون فرقا في معارك صد الهجوم وحصار مدينة طرابلس وكانوا ثقلا بالهجوم ضد اللواء حفتر والقوى المتحالفة معه عام 2019.
ورغم ترفيع القائدين المذكورين، اعتمدت وزارة الدفاع منهج تفكيك الفصائل وإخراجها من منطقة درع الفرات التي اعتبرت حاضنتها التاريخية منذ تأسيسها عام 2016 لتقاتل تنظيم الدولة الإسلامية بريف حلب الشمالي. وقامت بتوزيع عناصرها حسب المنطقة الجغرافية في كثير من المناطق ورغم انها ليست قاعدة عامة، فقد ساعدت بقطع الولاء بين العناصر وقادتهم في الجيش الوطني وبنت علاقة جديدة بينهم وبين الفرق المؤسسة جديدا.
والملاحظ من القرار، تجنب الاتحاد الأوربي وضع العميد فهيم عيسى على لوائح العقوبات وإبقاء فرقته «السلطان مراد»، وهوما يعزز أن القرار جاء بعد مشاورة عميقة مع أنقرة لتحميل جهة محددة الانتهاكات التي حصلت في الساحل السوري ضد العلويين. حيث يساعد القرار بالخروج من المآزق وإعطاء فرصة لإدارة الشرع لترتيب أوراقها الداخلية وخصوصا على الصعيد العسكري، والخلاص من ملف الجيش الوطني تدريجيا ودمج فصائله بالجيش السوري الجديد.
كما استثنى القرار الأوروبي أسماء الفرق الجديدة في الجيش السوري التي يقودها أبو عمشة وسيف أبو بكر وهو ما يعني فعليا أن القرار جاء بمثابة إرضاء لبعض الدول داخل الاتحاد الأوروبي. والجدير بالذكر، أن القرار تجنب اعتراض إدارة الشرع بأي شكل من الأشكال، ولعل التمعن بالقرار يجعلنا ندرك أنه جاء في صالح الإدارة السورية الجديدة بشكل لا لبس فيه.
القدس العربي
————————————-
الأنظمة الجمهورية العسكرية وكارثة إلغاء المعارضة/ عبد الباسط سيدا
01 حزيران 2025
من الكوارث التي تسبّبت بها الأنظمة الجمهورية العسكرية في عدد من الدول العربية، كارثة القضاء على المعارضة السياسية، أو عدم إفساح المجال أمامها لتتشكل أصلاً، أو تدجينها، لتتحول إلى مجرد استطالة شحمية تزيينية اعتمدتها الأنظمة المعنية للتعمية والتضليل. فهذه الأنظمة، التي سيطرت على مقاليد الأمور بانقلابات عسكرية، كانت غالباً بناء على صفقات مع المتحكّمين بالمعادلات الإقليمية والدولية، رفعت شعارات كبرى كان القصد الأساسي منها هو إسباغ قسط من الشرعنة الزائفة على وضعها اللامشرعن. تحدثت عن الوحدة بوصفها المفتاح السحري القادر على فتح سائر الأبواب. وزعمت أن الوحدة ستساعد في إنجاز مهمة تحرير فلسطين، وستمكّن من مقارعة مشكلات الأمية والمرض والتعليم والفقر، وستحقق التنمية والتقدم، وستحرر الإرادات على مستوى الأفراد والأمة. وسيصبح الشعب سيد نفسه، ليكون قادراً على التصدّي للقوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وغير ذلك من التسويفات التبشيرية الأيديولوجية التي كانت وظيفتها الأساسية، وربما الوحيدة، التغطية على عملية الإطباق على الوطن وأهله وثرواته.
وفي غياب، أو تغييب، المعارضة ربطت الأنظمة المعنية مصير الأوطان والشعوب بأنفسها، ولم تتردد سواء بالتصريح أو بالتلميح في اتخاذ الإجراءات والتدابير التي كان من شأنها تدمير كل شيء من أجل البقاء. هذا في حين أن المعارضة ممثلة بالأحزاب والجمعيات والحركات الشعبية كانت، وما زالت، في الأنظمة الديمقراطية تعتبر الضامن لامكانية تجديد النظام السياسي عبر معالجة السلبيات في الوقت المناسب؛ والحيلولة دون تراكمها وبلوغها مرحلة انسداد الآفاق.
ومن دون وجود أحزاب تعبر عن الإرادة الحرة لأعضائها لا يمكن بأي شكل من الأشكال الحديث عن نظام ديمقراطي تعددي، نظام يحترم سائر التوجهات، ويستوعب الآخر المختلف، ويسمح بالمساءلة والمحاسبة، ويحتكم إلى رأي الشعب عبر انتخابات شفافة نزيهة، تحدد نتائجها الأحجام الحقيقية للقوى المتنافسة على الحكم التي تقرّ بالتداول السلمي للسلطة. انتخابات تجسّد إرادة الناس على الصعيد الواقعي لا الشعاراتي الديماغوجي التجييشي.
هذا بينما اتخذت الأمور في ظل الأنظمة الملكية العربية باسمائها المختلفة منحى آخر أكثر نضجاً واستقراراً وفائدة لشعوبها على كل المستويات. فقد تمكنت هذه الأنظمة من تحقيق إنجازات كبيرة في دولها، وتمكنت بفضل الإدارة الرشيدة لثرواتها من تحقيق ما يمكن تسميته بالرخاء الاجتماعي الذي يتقاطع في أوجه كثيرة منه مع نظام الرفاه في الدول الاسكندنافية، وذلك من جهة تأمين متطلبات العيش الكريم لكل المواطنين، وتجسير الفجوات ضمن المجتمع عبر الإصلاحات التي تراعي حاجات الناس وقدراتهم، وتفسح المجال أمامهم للتعبير عن آرائهم، وكل ذلك أسهم في الحفاظ على التوازن والاستقرار المجتمعيين.
وبالعودة إلى كارثة إلغاء المعارضة من جانب الأنظمة الجمهورية العسكرية في منطقتنا، يلاحظ أن الأزمات المستعصية التي تعاني منها دول عديدة في منطقتنا راهناً إنما هي من مخلفات تلك السياسات والممارسات المتوحشة التي اعتمدتها الأنظمة المعنية بهدف البقاء في الحكم وإلى الأبد.
ونستطيع في هذا المجال أن نتناول على سبيل المثال ما حدث، ويحدث في كل من ليبيا والسودان وسوريا، مع الإشارة في الوقت ذاته إلى أن الأوضاع في بقية الجمهوريات العسكرية ليست هي الأخرى على ما يرام.
ففي ليبيا، كانت الأحزاب السياسية ممنوعة في عهد القذافي الذي امتد على نحو أربعة عقود. وكان الشعار المرفوع في كل الأماكن هو: من تحزّب خان، وهو الشعار الوارد في الكتاب الأخضر. وكانت الأجهزة الأمنية القمعية بالمرصاد لأي نشاط سياسي معارض علني أو سري، وكانت العقوبات على غاية القسوة. هذا في حين أن الأحزاب السياسية تمثّل الركن الأساس في أي نظام ديمقراطي. أحزاب تطرح برامجها وأنظمتها الداخلية أمام الجمهور، وتشارك في انتخابات حرة نزيهة شفافة. فالبلاد كان يحكمها شخص وحيد هو القذافي نفسه، أما كل الواجهات الأخرى مثل المؤتمرات الشعبية الفرعية، والمؤتمر الشعبي العام، والحكومات والأمانات الشعبية وغيرها من الأسماء، فقد كانت مجرد أدوات للتضليل تستخدم لتجميل صورة النظام الدكتاتوري القمعي.
بالإضافة إلى غياب الأحزاب في ليبيا خلال عهد الجماهيرية، لم تكن هناك منظمات مجتمع مدني، ولم تكن هناك نقابات مستقلة تدافع عن حقوق أعضائها. وقد عاني الليبيون كثيراً من هذه الوضعية حتى بعد سقوط سلطة القذافي وصدور قانون متقدم للأحزاب في ربيع عام 2012. وتفسير ذلك يتشخص في عدم تمكن الأحزاب الحديثة من التجذر في المجتمع الليبي بعد عقود من التصحر السياسي؛ ولعل هذا الأمر يلقي ضوءاً ساطعاً على الكثير من الخلافات والصراعات بين الليبيين الذين توحّدوا في مواجهة حكم القذافي، ولكنهم سرعان ما تفرقوا بعد سقوطه، وتوزعوا بين الشرق والغرب ربما تحت تأثير الحساسيات والذكريات القديمة التي استغلها الطامعون في السلطة والثروة، وما زالوا يفعلون ذلك.
فلو كانت هناك أحزاب وطنية مؤثرة ومنظمات مجتمع مدني فاعلة، لكان في مقدورها التدخل لدفع الأمور نحو حوارات جادة مسؤولة بهدف الوصول إلى توافقات وطنية لصالح سائر الليبين في جميع أنحاء البلاد. ولكن في غياب الأحزاب ولغة السياسة، طغت قرقعة السلاح من جانب الفصائل المسلحة والميليشيات والمرتزقة على كل الأصوات، وأصبحت الأساس في حسم الخلافات وفرض الإرادات، وذلك عبر محاولات إلغاء الآخر المنافس، أو على الأقل اضعافه وتهميش دوره وإخراجه من المعادلات.
وقد ساعدت القوى الإقليمية والدولية في دفع الأمور تجاه هذا المنحى، وذلك بناء على مصالحها ومشاريعها الخاصة بالهيمنة على الثروات الليبية، لا سيما النفط والغاز. ولعل هذا ما يلقي الضوء على سرّ استعصاء الأزمة الليبية على كل الحلول التي طرحت حتى الآن. فعلى الصعيد الوطني لا توجد قوى منظمة تدافع بقوة عن وحدة وطنها وشعبها، وقادرة على ضمان حقوق الليبيين في سائر الجهات. كما لا توجد قوى إقليمية، وحتى دولية، لديها توجه حقيقي لمساعدة الليبيين على استعادة بلدهم وثرواته.
أما في السودان، ورغم وجود أحزاب كبيرة لها تاريخ عريق وبصمات واضحة في معالم الحياة السياسية السودانية؛ إلا أن الأنظمة العسكرية المتعاقبة على الأقل منذ أيام جعفر النميري، اضطهدت واعتقلت وأعدمت قياداتها، واتهمتها تارة بالخيانة، وبالكفر تارة أخرى. ولم تتغير الصورة كثيراً لاحقاً في عهد البشير الذي ركز على الجيش، واعتبره الأداة الأهم، بل الوحيدة للمحافظة على حكمه، ودعم استمراريته.
ومع انطلاقة الثورة السودانية الشعبية التي أنهت حكم البشير الفاسد، اعتقد السودانيون أنهم قد تخلصوا أخيراً من حكم العسكر، وأنه أصبح في استطاعتهم تقرير مصيرهم بأنفسهم بكل حرية، ولمصلحة بلدهم وشعبهم، خاصة الشباب؛ وهو الأمر الذي لم يحصل بكل أسف رغم التعاضد الذي أظهره السودانيون في ما بينهم، ورغم كل الالتفاف الشعبي الذي تمثل في تحالفات القوى السياسية والنقابية والمدنية السودانية. فقد تمكنت المؤسسة العسكرية من التحايل على الموقف، وقدمت نفسها بوصفها ضمان وحدة البلاد واستقرارها وأمن السودانيين. ولكن سرعان ما تبين للناس أن قيادات الجيش لم تكن في وارد التخلي عن السلطة ولا بأي شكل من الأشكال، وهي ما زالت على هذا الموقف إلى يومنا الراهن. وهذا ما يفسر إصرارها على تهميش سائر القوى السياسية.
أما في سوريا فقد اختلف الوضع بالنسبة إلى الأحزاب السياسية بعد دخول قوات هيئة تحرير الشام، والفصائل المتحالفة معها إلى دمشق. فقد أصبح حزب البعث، حزب السلطة وواجهتها، محظوراً بعد أن اتخذ قرار بحله؛ كما تم حل أحزاب «الجبهة الوطنية التقدمية» التي تمكن حافظ الأسد من تدجينها. أما الأحزاب الأخرى فهي أصلاً لم تكن أحزابا مرخصة من قبل السلطة البائدة، بل كانت مضطهدة وملاحقة؛ ولم تكتسب الصفة الرسمية في عهد الإدارة الجديدة، ويُشار هنا بصورة خاصة إلى الأحزاب والتيارات السياسية التي توزعت بين إعلان دمشق وهيئة التنسيق، وكذلك الأحزاب الكردية والسريانية والتركمانية، بالإضافة إلى الأحزاب الحديثة التي تشكلت في زمن الثورة.
والأمر اللافت في موضوع الأحزاب هو أنه لم توجه الدعوات إلى الأحزاب السياسية للمشاركة في «مؤتمر الحوار الوطني» كأحزاب، وإنما وجهت الدعوات إلى أفراد ضمن تلك الأحزاب بصفتهم الشخصية لا الحزبية.
هل لهذا الأمر علاقة بتوجهات الإدارة الجديدة وتصورها للدولة السورية ونظام الحكم الذي ستعتمده؛ خاصة أن هذه الإدارة ما زالت تلتزم الصمت بخصوص مصطلح الديمقراطية؟ وجوهر الديمقراطية، كما هو معروف، يتمثّل في الإقرار بأن الشعب هو مصدر السيادة؛ ومن المفروض أن يعبر عن رأيه وفق الآليات المتعارف عليها، وذلك سواء عبر استفتاء عام، أو من خلال انتخابات تشريعية شفافة تشارك فيها الأحزاب السياسية ببرامج سياسية وطنية واضحة معلنة؛ أحزاب تمثل التنوع السوري على المستوى السياسي، وتشارك عبر ممثليها في الحوارات الوطنية المعمقة الرامية إلى التوافق على عقد اجتماعي وطني جامع، يكون أساساً لدستور دائم يضع البلاد على سكة الاستقرار الذي لن يتحقق من دون استقرار مجتمعي عام يكون مقدمة لنهوض اقتصادي يضع حداً للمعاناة السورية، ويضمن مقومات العيش الكريم للجميع من دون أي استثناء.
*كاتب وأكاديمي سوري
القدس العربي
————————–
كرامة الإنسان في قلب العدالة.. هكذا تُختبر الدولة لا المجرم/ بشار الحاج علي
2025.06.01
ما تزال مجتمعاتنا تنظر إلى الجريمة من زاوية واحدة، تُلخّص الجاني في فعله، وتُلحق به جماعته أو منطقته أو خلفيته، وتحوّل الجريمة الفردية إلى “وصمة جماعية”، فتبدأ حملة لا تنتهي من الاتهام والازدراء والتشهير، وتُطمس كل إمكانية للفهم، أو الإصلاح، أو حتى التمييز بين الجريمة وسياقها، بين الفعل ومن قام به، بين الفرد والجماعة.
في كل نقاش عام يخص الجريمة والعدالة، تُرفع الشعارات، وتُختصر القيم، وتُستنهض الغرائز، كأن العدالة لا تكتمل إلا بإذلال الجاني، وكأن احترام الحقوق يعني خيانة للضحايا، بل خيانة للمجتمع بأسره، وهذا المزاج الشعبي، الذي لا يمكن إنكار قوته، بات يُشكّل ضغطًا هائلًا على الخطاب القانوني نفسه، بل ويتسلل إلى قرارات ومواقف، كان يُفترض بها أن تمثل روح الدولة لا وجدان الشارع الغاضب.
هذا ليس دفاعًا عن المجرمين، بل هو دفاع عن الدولة، عن القانون، عن المعايير التي تضمن للجميع – وليس للبعض فقط – العدالة والكرامة، فالعدالة الحقة لا تقاس حين يكون المتهم شريفًا أو محبوبًا، بل حين يكون منبوذًا، مرفوضًا، مَن لا يكترث أحد لمصيره، وإذا احترمت الدولة حقوقه رغم كل شيء، فهي تكرّس بذلك مبدأ العدالة، لا لأنها توافق على ما فعل، بل لأنها ترفض أن تنحدر هي إلى مستوى الفعل الذي تدينه.
نحن هنا لا نتحدث في فراغ أخلاقي، ولا نطرح ترفًا حقوقيًا أكاديميًا، بل ننطلق من تجربة سياسية ودبلوماسية وحقوقية، اختبرت عن قرب كيف تُقاس الدول، لا بخطابها، بل بسلوكها حين يتعلق الأمر بالمحكومين، بالمعتقلين، بالمجرمين، أولئك الذين لا يملك أحد مصلحة سياسية في الدفاع عنهم، ولكنهم يظلون حجر الزاوية في كل منظومة قانونية محترمة، فالحق الذي يُصان لمن لا يملك نفوذًا، هو الحق الذي يمكن الوثوق به حين نحتاجه لأنفسنا.
لسنا بحاجة إلى أن نستعيد تلك العبارة المضللة التي تقول إن الحقوق تُمنح لمن يستحقها، فهي تختزل الإنسان في موقفه من القانون، وتُنكر عليه صفة الكرامة حين يزل، وكأن الحق امتياز لا ضمان، هذه النظرة، الخطيرة في عمقها، لا تمثل فقط خطرًا على حقوق المجرمين – إن صح التعبير – بل تهدد البنية الأخلاقية للمجتمع بأكمله، لأنها تُعيد تعريف الإنسان وفقًا لموقفه من القانون، لا بصفته الوجودية التي تضمن له حدًا أدنى من الكرامة لا يُصادر.
إن من يريد بناء دولة، لا يمكنه أن يقبل بثقافة تُلغي الإنسان حين يخطئ، لأن الدولة التي تتأسس على القطيعة مع الكرامة، ستتحول عاجلًا إلى جهاز عقاب أعمى، وتفقد تدريجيًا مشروعيتها، إن لم يكن أمام القانون، فعلى الأقل أمام الأجيال القادمة.
أعلم أن هذا الخطاب لا يروق لمن اعتادوا استخدام القضايا العامة لبناء شعبية سريعة، أو لمن اختزلوا العدالة في “القصاص” وحده، لكن من واجبنا، نحن الذين نؤمن أن للسياسة وظيفة أخلاقية، أن نعيد التأكيد على أن احترام حقوق الجناة ليس عداءً للضحايا، بل هو احترام للضحايا أنفسهم، لأننا نرفض أن يتحول مطلبهم بالعدالة إلى وسيلة للانتقام، ونرفض أن تكون كرامتهم مبنية على سحق كرامة الآخرين.
ولعل المثال الأشهر والأكثر تداولًا، ما قامت به النرويج مع أندرس بريفيك، مرتكب مجزرة أوتويا، الذي قتل عمدًا 77 شخصًا، أغلبهم من المراهقين، ورغم ذلك، لم تُنتهك حقوقه، بل حصل على محاكمة عادلة، وعلى ظروف اعتقال تضمن له الحد الأدنى من الحياة الكريمة، بل سُمح له برفع دعوى على الحكومة بسبب ما وصفه بـ”المعاملة القاسية”، وقد رُفضت دعواه لاحقًا، ولكن مجرد سماح الدولة له بمقاضاتها، يُظهر عمق الفلسفة التي تحكم سلوكها: نحن لا نُكرمك لأنك تستحق، بل لأننا نرفض أن نُهين أنفسنا في تعاملنا معك.
في المقابل، ما تزال مجتمعاتنا تنظر إلى الجريمة من زاوية واحدة، تُلخّص الجاني في فعله، وتُلحق به جماعته أو منطقته أو خلفيته، وتحوّل الجريمة الفردية إلى “وصمة جماعية”، فتبدأ حملة لا تنتهي من الاتهام والازدراء والتشهير، وتُطمس كل إمكانية للفهم، أو الإصلاح، أو حتى التمييز بين الجريمة وسياقها، بين الفعل ومن قام به، بين الفرد والجماعة.
وهنا يكمن الخطر الأكبر، أن يتحول القانون إلى أداة في يد الثقافة، بدل أن يكون هو الموجّه لها، فإذا استسلمت الدولة لمزاج الشارع، وبدأت تصيغ سياساتها العدلية استنادًا إلى ما يريده الناس لا ما تقتضيه المبادئ، فقدنا البوصلة، وانهارت أهم وظيفة للدولة: ضبط القوة، وتحييد الانفعال، وتكريس الموضوعية.
نحن لا ننكر أن المجتمعات تُعاني من الجريمة، وأن الضحايا يستحقون إنصافًا وعدالة، لكن العدالة لا تكتمل إلا حين تُمارس بإنسانية، وحين يكون هدفها هو الردع لا التنكيل، إعادة التوازن لا إشباع الرغبة في العقوبة، وإن لم نميز بين هذه المستويات، فإننا نُنتج بيئة تُعيد إنتاج الجريمة ذاتها، لأننا نُفرغ السجون من إصلاحها، ونملؤها بالكراهية والنبذ والإقصاء.
ثم إننا، دون أن ندري، نُكرّس منطقًا خطيرًا في اللاوعي الجمعي، مفاده أن احترام القانون يرتبط بموقع الإنسان، لا بكونه إنسانًا، وهذا يتناقض تمامًا مع مبدأ المواطنة، ويُمهّد لما هو أخطر: أن تسقط الحماية عن كل من يختلف، لا عن كل من يُجرّم.
في النهاية، لا أحد يطلب أن نُحب المذنب، ولا أن نغفر له، بل أن نحميه من تجاوز الدولة عليه، لأن الدولة التي تتجاوز حقوق أسوأ أبنائها، لن تتردد في قمع أفضلهم إذا تغير المزاج، وكل من يدافع عن حقوق المجرمين، لا يفعل ذلك لأنه يبرر الجريمة، بل لأنه يريد أن يبني منظومة تحمي الجميع من عبث اللحظة، وطيش الحشود.
تلفزيون سوريا
—————————————
اتفاقات الطاقة فعل سياسي بامتياز/ أحمد مظهر سعدو
2025.06.01
لطالما عانت سوريا الوطن من جراء انعدام الكهرباء، وفقدان كل أنواع الطاقة، التي لا بد منها كضرورة حياتية معاشية، ترتبط بكل مفاصل الحياة، كما الصناعة والزراعة، وكل الخدمات الحياتية للناس. لكن نظام المقتلة الأسدية، نظام الفاشيست والبراميل، لم يكن يلقي بالًا لهذه المسألة، ولضرورات وجود الكهرباء والطاقة عمومًا، فلديه (كما يبدو) ماهو أهم منها، وما هو أكثر ضرورة لاستمراره كنظام قامع ناهب للوطن كل الوطن، وهو الاستمرار في قتل السوريين، وإلقاء البراميل عليهم، وكذلك الكيماوي المحرم دوليًا حتى في الحروب الكبرى بين الدول، كان همه تأمين المزيد من الأقبية والمعتقلات الجديدة، ليتم زج مئات الآلاف من الشرفاء السوريين في أتون ظلامها المر.
بالطبع فإن نموذج (الدولة الفاشلة) الذي أوصل من خلاله سوريا إلى ماكانت عليه قبل 8 كانون أول / ديسمبر 2024 لايمكن أن تواكب العصر، فتعيد إنتاج الحياة، ومنها مسألة الطاقة، الكهرباء وسواها، ولكن دولته الفاشلة كانت منشغلة بفسادها وإفسادها، ونهبها للموارد، حتى أصبحت سوريا مضرب المثل في تخلفها وشح مواردها وظلامها الدامس، إذ ليس من المعقول مثلًا أن تبقى دمشق المدينة التاريخية العريقة، عاصمة الوطن السوري، بلا كهرباء وكذلك بلا مواصلات، لا مترو، ولاترام، في حين يرى السوريون بأم أعينهم (وبعد التهجير القسري الذي أصابهم من قبل سلطات الأسد) أن مدينة صغيرة في تركيا بحجم ولاية (غازي عينتاب) يتوفر فيها الميترو وكذلك الترام والكهرباء 24 ساعة بلا انقطاع. إنها معاناة السوريين، التي لا بد من أن يتم تجاوزها كليًا، بعد كنس أدوات النهب والسرقة والفساد من نظام الاستبداد المشرقي، نظام العصابة الأسدي، نظام النهب والكبتاغون.
وهذا ماكان بالفعل لا بالقول.
إن توجه الحكومة السورية اليوم إلى التوقيع وعقد اتفاقات كبرى ضمن مسارات الطاقة الكهربائية والبديلة، مع كل من تركيا وأميركا وقطر التي تعادل ماقيمته 7 مليار دولار، وبطاقة إنتاجية للكهرباء تقدر بـ 5000 ميغا واط للكهرباء التي يحتاجها الناس كل الناس، وهذا التوجه بالشراكة الاقتصادية نحو الدول الصديقة لسوريا، وانجدال العمل الخدمي المهم للمواطن السوري، بالعمل الوطني برمته، يعتبر عملًا ولحظة تاريخية جبارة، وهو خيار سياسي، وفعل سياسي بامتياز، سيؤسس لما بعده بكل تأكيد، وسوف يعيد إنتاج الحالة الوطنية السوري على أسس مختلفة وأبعاد أخرى لاتقل أهمية عن الفعل بحد ذاته.
ليس الخيار الاستثماري الجديد في سوريا خيارًا غير مدروس، وليس العمل المتسارع عملًا اقتصاديًا فحسب، بل هو كل ذلك، وأكثر، وسوف يفعل فعله الممارس في تلبية احتياجات المواطن اليومية العادية، كما أنه يفتح الباب على مصراعيه مشجعًا عملية الاستثمار العربي والخارجي الدولي ضمن كل الجغرافيا السورية، ليكون حاملًا مهما على طريق بناء سوريا الجديدة وعلى أسس حداثية جديدة ومتجددة.
إن قيام مشروع للطاقة بهذا الحجم، يشير وبوضوح إلى أن من يريد أن يعمل لا يمكن إلا أن يجد الطريق الممكن والمتاح للعمل، وأن مستقبل سوريا، لم يعد نهبًا لأهل الحكم والسلطات الخاطفة للوطن، وزبانيتهم من آل الأسد، وحاشيتهم وشبيحتهم، بل إن سوريا ستكون لكل السوريين، وأي عمل تنموي تطويري حديث سوف يترك آثاره المباشرة وغير المباشرة، على كل مفاصل الحياة، ومنها بالضرورة مسألة القضاء على البطالة والعمل على إنتاج الحلول لها، الآنية والمستقبلية، من أجل إنتاج المزيد من فرص للعمل، ومحاربة البطالة وعوامل توليد البطالة، وإهالة التراب عليها بشكل نهائي، ومن ثم الحد من ظاهرة الفقر، فقد وصل خط الفقر في سوريا خلال حكم بشار الأسد إلى عتبة الـ 90 في المئة، وهذا لم يحصل في تاريخ سوريا الحديث ولا القديم، إذ تدرك الحكومة السورية اليوم أهمية أن يتم رفع مستوى الدخل والإنفاق للمواطن السوري، ضمن الاشتغال جديًا على مسألة قيام، وإنفاذ دولة المواطنة المبتغاة للسوريين.
صحيح أن القطاع الخاص يبتغي في أعماله ومشاريعه الربح دائمًا، وأن الدعم من قبل الدولة سيكون صعبًا في هذه المسارات لمشاريع القطاع الخاص، إلا أن العمل حثيثًا على رفع دخل المواطن السوري، يمكن أن يسهم في حل المعادلة تلك، والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، ومن ثم سوف يعيد البناءات الوطنية المعيشية ضمن انبثاقات مختلفة، وعلى هدي رؤيا اقتصادية جديدة للبلد، وهي قد أصبحت بالفعل قاب قوسين أو أدنى من الدفع بها.
ولعل كل الاتفاقات المعلنة والجديدة للطاقة، التي تم توقيعها مؤخرًا، تندرج حتمًا في سياقات تطوير الوضع الاقتصادي والمعيشي للسوريين الذي كان متهالكًا وصفريًا على أيدي نظام الأسد المخلوع، لكنها أيضًا وأيضًا اشتغال في السياسة بحق، وفتح جديد مختلف، في العلاقة مع الخارج، التي تقوم على سياسات الاحترام والمتبادل، وإنفاذ مصلحة الطرفين على حد سواء، ضمن أساسات بنيوية متجددة ومتمايزة، يمكن عبرها أن تكون سوريا دولة فاعلة ومؤثرة في المنطقة العربية، دولة لمواطنيها المتعددين والمتنوعين بكل إثنياتهم وطوائفهم وأيديولوجياتهم، بالطبع خارج إطار وسياق الاستبداد، وفي مواجهة كل أنواع العسف والقهر الذي كان يمارس ضد الأنساق المجتمعية السورية بكليتها، أيام حكم المجرمين حافظ الأسد وابنه بشار الأسد.
فهل تشهد الحالة السورية بعد إطلاق اتفاقات الطاقة في دمشق، حراكًا جديدًا نحو انبثاق بوادر نهضة اقتصادية ومعرفية وتقنية وأيضًا قانونية، تواكب انشغالات أفكار الاستثمار الجديد، وبالتالي تعيد إنتاج الواقع السوري الجديد على أسسس حديثة، وحداثية ، وتفعل فعلها في عملية بناء الوطن السوري الحر، الذي ضحى من أجله وعلى مذبحه كل السوريين بالغالي والنفيس، من أجل قيامة وطن سوري، خالٍ من كل أنواع الاستبداد، يسوده العدل، وتعيد بناؤه سواعد أبنائه، ولا مكان فيه لإيران/ الملالي، ولا زبانيتها، أو ميليشياتها، ولا كل أهل القتل والاستبداد والكيماوي.
تلفزيون سوريا
—————————-
“النظام الضريبي” بانتظار قائمة تعديلات إصلاحية/ أمير حقوق
المتبع نظام “جباية” غير شفاف
يُعتبر النظام الضريبي من الركائز الأساسية لأي اقتصاد في العالم، فهو من أهم مصادر دخل خزينة الدولة.
وعانى النظام الضريبي في سوريا خلال السنوات الماضية من تشوهات وعدم شفافية، ما جعله نظام جباية يتهرب منه المكلفون بطرق عدة.
وأكد وزير المالية، محمد يسر برنية، في 28 من أيار الماضي، أن النظام الضريبي الحالي معقد ومتشعب، والعمل جارٍ على تعديله بشكل كامل، ويتم تشكيل لجنة لمراجعة السياسة الضريبية.
وأصدرت وزارة المالية، في 18 من أيار الماضي، قرارًا بتمديد مهلة تقديم البيان الضريبي شهرين إضافيين، وذلك حتى نهاية تموز المقبل، بناء على مطالب من صناعيين سوريين.
فعاليته منخفضة
الأوساط الاقتصادية ترى أن النظام الضريبي المتبع في سوريا يفتقد إلى مقومات العدالة، والملاءمة، والوضوح، والاقتصاد في نفقات الجباية، ولم يحقق سوى الهدف الأول من أهداف الضريبة، ألا وهو الهدف المالي على حساب الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.
عميد كلية العلوم الإدارية في جامعة “إيبلا” الخاصة، والخبير الاقتصادي، الدكتور صبري حسن، قال لعنب بلدي، إن النظام الضريبي في سوريا اليوم قائم ومتبع من الناحية الرسمية، لكنه يواجه تحديات كبيرة بسبب الأزمات الاقتصادية التي مرت بها البلاد.
فعالية النظام الضريبي اليوم منخفضة، بسبب انتشار الاقتصاد غير الرسمي، والتهرب الضريبي، والسوق السوداء، وضعف القدرة الإدارية للدولة في تحصيل الضرائب بكفاءة، والإعفاءات والامتيازات لبعض الفئات، والتضخم والانهيار الاقتصادي.
ولذلك، فإن القوانين الضريبية غير قادرة على مواكبة الواقع، ما يجعل النظام الضريبي عاجزًا عن تحقيق أهدافه الأساسية في تمويل الدولة وتحقيق العدالة الضريبية.
ووفقًا للخبير الاقتصادي الدكتور صبري حسن، فإن أبرز ملامح النظام الضريبي السوري اليوم تتمثل في:
الضرائب المباشرة: تشمل ضريبة الدخل على الأفراد والشركات.
الضرائب غير المباشرة: مثل ضريبة القيمة المضافة (VAT)، وضرائب المبيعات على الواردات، والتي تشكل مصدرًا مهمًا للإيرادات بسبب تراجع الإنتاج المحلي.
الضرائب الخاصة والرسوم: تفرض الحكومة رسومًا وضرائب إضافية في بعض القطاعات، مثل الضرائب على المحروقات، والاتصالات، والعقارات.
نظام جباية وسرقة
أما الخبير الاقتصادي محمد الحلاق، فقال لعنب بلدي، إن النظام الضريبي السابق المتبع هو عبارة عن نظام جباية وسرقة من جيوب المواطنين بكل الأشكال، ويحوي تشوهات متعددة، وخالٍ من الشفافية.
ضرائب الدخل في سوريا عديدة ومتنوعة، وهي مشوهة، ويتطلب النظام الضريبي معالجة شاملة وكاملة، دون سياسة الترقيع، بحسب توصيف الحلاق.
ويعتقد أنه لتحسين النظام الضريبي يجب تحديد المدخلات والمخرجات، وأن يكون واضح المعالم، وأن يعمل مع كل التشريعات الحكومية بشكل شفاف، وأن يعاد النظر بضريبة الدخل، كونها غير محقة، ويجب أن يتناسب الحد الأدنى من الدخل مع حجم العمل.
وفيما يتعلق بالقانون الجديد، أوضح الحلاق أنه يجب إشراك كل الفعاليات الاقتصادية وخاصة قطاع الأعمال بمناقشة القانون الجديد، وأن يوضع قانون سلس ومرن وقابل للتطبيق، ويؤدي المطلوب منه، فكلما سهلت الإجراءات، كانت النتائج المرجوة أفضل.
إصلاحات ضريبية
تشكل إعادة دراسة النظام الضريبي وإصلاحه خطوة مهمة لبناء منظومة ضريبية أكثر فاعلية وعدالة، تسهم في تعزيز الموارد المالية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي، الدكتور صبري حسن، يرى أنه هناك محاور أساسية يجب إعادة النظر فيها، لتحقيق الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتبسيط النظام الضريبي.
وأبرز المحاور التي تحتاج إلى تعديل أو إلغاء هي:
الإعفاءات والحوافز الضريبية: يجب مراجعة الإعفاءات والإبقاء فقط على تلك التي تحفز الاستثمار الحقيقي (المنتج)، والإعفاءات للشركات الناشئة، وخفض ضريبة الأرباح للشركات الصغيرة والمتوسطة، وربط الحوافز الضريبية بمعايير التوظيف أو الابتكار، وخاصة التي تراعي المعايير البيئية، وذوي الدخل المحدود.
الحد من الازدواج الضريبي: العمل على التنسيق بين الضرائب، لتجنب الازدواج، خاصة على السلع الأساسية أو التي تخص الطبقات الفقيرة.
مكافحة التهرب الضريبي: من خلال تعزيز الرقابة الإلكترونية، وربط قواعد البيانات (مثل الفواتير الإلكترونية).
العمل على تحقيق العدالة الضريبية: بزيادة الضرائب التصاعدية على الدخل والثروة (مثل ضريبة التركات أو الأصول العقارية الفاخرة)، وإعفاء أو تخفيض ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية (الأدوية، الغذاء).
تبسيط النظام الضريبي: من خلال تبسيط الإجراءات عبر منصات رقمية، وتوحيد الشرائح الضريبية وتقليل الاستثناءات.
تفعيل الضرائب البيئية: من خلال فرض ضرائب خضراء على الانبعاثات مع إعادة توجيه إيراداتها لدعم الطاقة النظيفة.
اعتماد اللامركزية الضريبية: بمنح السلطات المحلية صلاحية فرض ضرائب محددة (مثل ضريبة العقارات) لتمويل مشاريع محلية.
انعكاسات اقتصادية
في سوريا، يُعتبر النظام الضريبي إحدى الأدوات الرئيسة التي تؤثر على القطاع الاقتصادي، لكنه يعاني من تحديات هيكلية وتنفيذية تفاقمت منذ 2011.
الدكتور صبري حسن يرجح أن انعكاسات النظام الضريبي الحالي وتداعياته على الاقتصاد، تتمثل في:
محدودية الإيرادات الضريبية: نتيجة ضعف التحصيل الضريبي، والاعتماد الكبير على الضرائب غير المباشرة، التي تزيد العبء على الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
التشوهات في النظام الضريبي: نتيجة العبء الضريبي غير المتناسب على القطاعات الرسمية، وزيادة معدلات التهرب الضريبي.
الفساد والتهرب الضريبي: بسبب ضعف الرقابة والفساد الإداري، وازدهار التجارة غير الخاضعة للضريبة.
عنب بلدي،
———————————–
مشروع الاتصالات SILKINK في سوريا.. طموح كبير في ظل واقع صعب/ سامر سيف الدين
1 يونيو 2025
أعلن وزير الاتصالات السوري عبد السلام هيكل، في 13 أيار/ مايو، عبر منصة “إكس”، عن إطلاق مشروع “سيلك لينك” SILKINK والذي يسعى إلى تحويل سوريا إلى ممر إقليمي للبيانات عبر نشر ما يقارب من 4500 كيلومتر من الألياف الضوئية في أنحاء البلاد. ويُعدّ هذا المشروع جزءًا من مبادرة “طريق الحرير الرقمي” Digital Silk Way التي تقودها أذربيجان، والتي تهدف إلى إنشاء ممر رقمي عالي السعة يربط آسيا وأوروبا عبر بنية تحتية متطورة للألياف الضوئية.
فما أهمية هذا المشروع لسوريا، وكيف يمكننا الاستفادة من مشروع Digital Silk Way في أذربيجان كأحد التجارب الناجحة، لإنجاح المشروع السوري الواعد؟
أهميته “سيلك لينك” لسوريا
يُحسّن المشروع شبكة الإنترنت السورية القديمة والمتضررة جراء الحرب، مما يضمن اتصالاً أسرع وأكثر موثوقية. ويدعم الاقتصاد الرقمي، والتجارة الإلكترونية، والعمل عن بُعد، مما يُسهم في إعادة الإعمار بعد الصراع الطويل التي عانت منه البلاد.
كما أنه يربط سوريا بالأسواق الرقمية العالمية عبر أذربيجان وجورجيا، مما يُعزز التجارة والتعاون الدوليين. ويجذب الاستثمار الأجنبي في قطاعي التكنولوجيا والاتصالات. وكذلك فهو يُعزز الوصول إلى التعليم والخدمات عبر الإنترنت، وهو أمر بالغ الأهمية لإعادة بناء المجتمع.
ولكن لتحقيق هذه الأهداف الطموحة كيف يمكننا محاكاة التجربة الأذربيجانية في مشروعها “طريق الحرير الرقمي”؟
التعاون الإقليمي
تتطلب المشاريع الكبيرة مثل Digital Silk Way تخطيطًا استراتيجيًا دقيقًا يشمل جميع الأطراف المعنية. ففي حالة أذربيجان، تم توقيع اتفاقيات مع دول مثل كازاخستان وتركمانستان لتطوير خطوط كابلات الألياف الضوئية عبر بحر قزوين، مما يعكس أهمية التعاون الإقليمي في تحقيق الأهداف المشتركة.
كما تظهر التجارب أن التعاون مع الدول والشركات العالمية يمكن أن يعزز من فعالية المشاريع. في أذربيجان، تم جذب استثمارات من شركات عالمية مثل Sparkle الإيطالية، مما ساعد في إنشاء ممرات رقمية تربط بين أوروبا وآسيا. وهذا التعاون يمكن أن يكون نموذجًا يُحتذى به لسوريا في سعيها لتحديث بنيتها التحتية.
التكنولوجيا الحديثة وفوائدها
ومن جهة أخرى تعتبر التكنولوجيا الحديثة عنصرًا أساسيًا في نجاح مشاريع البنية التحتية. وهذا ما أكد عليه الأستاذ في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق، د. عادل محمد، حيث أوضح أن استخدام أذربيجان لتقنيات الألياف الضوئية، وفر سرعات نقل بيانات عالية، وحسن من جودة الخدمات المقدمة. وأن على سوريا أن تستثمر في تقنيات مماثلة لضمان تقديم خدمات موثوقة وسريعة.
كذلك تساهم مشاريع البنية التحتية في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل وتحسين الوصول إلى الخدمات الرقمية. ففي أذربيجان، يُتوقع أن يُحسن Digital Silk Way من الوصول إلى الإنترنت لمليار شخص في الدول المشاركة، مما يعزز من الاقتصاد الرقمي. وعلى سوريا أن تأخذ في الاعتبار التأثيرات الاقتصادية المحتملة لمشروع SILKINK على المجتمع المحلي.
التحديات والمعوقات
ولكن الطموحات الكبيرة لهذا المشروع تتطلب تحديد المخاطر والمعوقات التي تقف أمام نجاحه، وبالتالي تحديد السبل الأنجع لتجاوزها. فالمشاريع الكبرى تتطلب إدارة فعالة للمخاطر، بما في ذلك المخاطر السياسية والاقتصادية. ففي أذربيجان، تم التعامل مع التحديات من خلال تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة، مما ساعد في تحقيق استقرار أكبر للمشروع. وعلى سوريا أن تتبنى استراتيجيات متوافقة مع واقعها المعقد لتقليل المخاطر المرتبطة بمشروعها. فالاستقرار غير المضمون في سوريا قد يعيق الاستثمار في مشاريع البنية التحتية.
كما تحتاج سوريا إلى إصلاحات داخلية كبيرة لتتمكن من الاندماج بفعالية في المشروع. وفوق كل ذلك قد تواجه سوريا صعوبات في تأمين التمويل اللازم لربط شبكاتها الداخلية بالممر الرقمي.
وبحسب الأستاذ في كلية الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة حلب، د. صالح علي، فإن الاستدامة جزء لا يتجزأ من أي مشروع بنية تحتية ناجح. ويجب أن تركز سوريا على تطوير بنية تحتية مستدامة تضمن عدم تدهور الخدمات في المستقبل، كما فعلت أذربيجان من خلال استثماراتها في التكنولوجيا الخضراء.
طموح وواقع
يمكن أن يساهم مشروع SILKINK في تحسين جودة الإنترنت في سوريا، ودعم الاقتصاد الرقمي، وتعزيز الاتصال الإقليمي، مما يساعد في إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات. ولكن، يتطلب تحقيق هذه الفوائد استقرارًا سياسيًا واستثمارات داخلية لتحديث البنية التحتية. وعلى الحكومة الحالية الاستفادة من أخطاء الحكومات السابقة والتعلم من التجارب المماثلة، والتخطيط الاستراتيجي الجيد، وتعزيز التعاون الدولي، والتركيز على التكنولوجيا الحديثة، وإدارة المخاطر، ويمكن لسوريا وقتها أن تُحقق تقدمًا ملحوظًا في تحديث بنيتها التحتية وتعزيز مكانتها كمركز رقمي أساسي في المنطقة.
————————————-
الحرية في سوريا: بين التجربة والمعنى الوجودي/ مالك الحافظ
31 مايو 2025
قد تكون الحرية في سوريا اليوم تتمحور حول السؤال عن طبيعة السلطة الجديدة، وهل الفضاء الذي يُتاح فيه القول هو فعلًا مساحة حرة، أم أنه مجرد حقل مراقب بعقيدة ما، أو بسلطة تفسيرية لا تقبل الخروج عليها؟
عمومًا، لا يكفي سقوط نظام كي تولد الحرية؛ فالحرية ثقافة يومية وبنية تحتية للمعنى، وفي ظل الأنظمة الرمزية المغلقة حتى الأكثر حداثة في أدواتها، يمكن للحرية أن تُدفن بهدوء تحت لافتات الإيمان، أو الأمن، أو الخلاص.
ليست الحرية في السياق السوري مفهومًا نظريًا قابلًا للتأمل المجرد، بقدر ما هي تجربة مُمزّقة يتداخل فيها التاريخ بالجسد، والخسارة بالرغبة. هل نمتلك اللغة والذات والمعنى الذي يمكن من خلاله صياغة ممارسة حرّة؟ أم أن الحرية، بعد ما عايشه السوريون من قمع واقتلاع وشتات، تحوّلت إلى عبء وجودي، يكشف هشاشتهم، ويضعهم أمام مرايا ذاتهم المشروخة؟
الحرية كمعاناة؟
قدّمت الفلسفة الوجودية، من كيركغور إلى هايدغر إلى سارتر، فهمًا عميقًا للحرية بوصفها معاناة لا نعمة، فالإنسان حرٌّ لكنه محكوم أن يختار وكل اختيار هو مسؤولية، وكل مسؤولية تُنتج قلقًا. يقول سارتر في عبارته الشهيرة: “الإنسان محكوم عليه أن يكون حرًّا”، بمعنى أن الحرية هي قدر ثقيل لا يمكن التراجع عنه.
لم تكن الحرية تقاس فقط بمدى الفعل بالنسبة للسوريين بل حتى أيضًا بمدى الألم، بعدما عاشوا تجربة مركّبة من الخسائر وصولًا في أحيان إلى فقدان اللغة المشتركة، وفقدان الثقة، وحتى فقدان القدرة على تخيّل المستقبل.
إن فقدان الحرية قد يكون ناتجًا عن السلطة السياسية وعن التفكك المجتمعي، وعن العزلة الرمزية، وعن انسحاب المعنى من الحياة اليومية.
في الفكر السياسي التقليدي، تُعرّف الحرية كحق فردي يضمنه القانون، ويكفله النظام الديمقراطي. لكن الحرية من منظور معرفي–وجودي، هي مسؤولية أكثر من كونها امتيازًا، فالحرية أن تتحمّل نتائج ما تقوله، وأن تبني سرديتك بناءً على ذلك الاختيار.
تُصبح هذه المسؤولية شديدة الوطأة في حالتنا السورية، فكل اختيار سياسي أو أخلاقي، صار محفوفًا بالخطر مشكوكًا فيه، ومهددًا بالوصم. هل من يرفض السلطة خائن أو مرتد؟ هل من يختار الحياد جبان؟ هل من يعبّر عن وجعه يخدم أعداء الشعب؟
هكذا تفقد الحرية معناها التحرّري، وتتحول إلى فخّ لغوي وأخلاقي، بحيث تصبح الحرية بمعنى أن تتحمل عبء التأويل، وعبء الخوف، وعبء العار.
الحرية الفردية والجماعية في سوريا الجديدة
من الإشكاليات العميقة في التجربة السورية، هي تصادم الحرية الفردية مع الشعور بالواجب الجماعي، فهل من حق الفرد أن ينسحب، أن يسافر، أن يصمت، أن يختار الحياد؟ أم أن “الحرية الفردية” تُعدّ خيانة إذا لم تكن منخرطة ضمن “الحرية الجماعية” كما يحددها الخطاب الوطني أو الطائفي؟
يقول تشارلز تايلور إن الحرية لا يمكن أن تُمارس خارج “أفق التفاهم المشترك”، لكن في سوريا، يبدو أننا لم نعد نمتلك هذا الأفق. نحن اليوم أمام فضاء رمزي متشظٍ، تتنازع فيه تعريفات الحرية، وتتقاطع مع موازين القوة، والهوية، والتاريخ، والجغرافيا.
الحرية في سوريا اليوم تُفهم بطرق متباينة: لدى البعض خلاصٌ من الاستبداد، ولدى آخرين نجاةٌ من الموت، ولدى البعض، هي الحفاظ على الهوية، أو المكان، أو العقيدة. بهذا المعنى، تتحول الحرية من “مشترك” جامع، إلى مفهوم تفكيكي، شخصي، وانفعالي، وربما مُهدّد.
لقد بيّنت حنّة آرنت أن الحرية تتجاوز الخروج من الطغيان، إلى الدخول في فضاء يتيح للناس أن يظهروا، أن يُشاهدوا، ويشاهدوا أنفسهم بوصفهم فاعلين.
الزمن المُعطّل
في التجربة السورية، تُقاس الحرية بإمكان الفعل في الزمن الصحيح، فالحرية لا تنفصل عن الإيقاع الزمني للحياة؛ أن تختار في لحظتك، أن تقرر في وقتك، أن تتكلم حين تكون الكلمة ذات معنى.
لكن ماذا لو تعطل الزمن؟ ماذا لو انكسرت الحياة إلى تواريخ مؤجلة، وقرارات مُعلّقة؟ هنا تُفرّغ الحرية من محتواها، كما لو أنها عرض مسرحي بلا جمهور.
يصف زيغمونت باومان الحداثة السائلة بأنها تلك التي “تحرّر الإنسان من القيود، لكنها لا تمنحه أرضًا يقف عليها”. وهكذا تبدو الحرية في سوريا اليوم؛ عالقة في الفراغ.
قد يكون هو زمن مُفرغ من السياسة، من المعنى، ومن الذات. وفي هذا الفراغ، تصبح الحرية مفهومًا معلقًا في الهواء، ويتبخر في الواقع.
إن واحدة من أهم التحولات في التفكير المعاصر حول الحرية تتعلق بتجاوز تعريفها القانوني أو السياسي، والاقتراب منها من زاوية الفاعلية الفردية، فالفرد يكون حرًا حين يُتاح له أن يكوّن ذاته، ويخلق فعلًا ذا معنى، ويشارك في صياغة العالم الذي يعيش فيه.
الفيلسوف أمارتيا سن يرى أن الحرية هي القدرة على أن تكون وتفعل ما للقيمة في أن تكونه وتفعله. هذا التعريف يُخرج الحرية من إطارها الشعاري، ويربطها مباشرة بتمكين الإنسان من اتخاذ القرار، وتحقيق الذات، لا فقط التخلص من القيد.
في السياق السوري، تغدو هذه الفاعلية مُعطّلة، لأن السوري في كثير من الحالات لا يملك شروط الفعل؛ لا أفق، ولا حتى مساحة رمزية للتعبير عن الذات دون خوف.
الفيلسوفة البريطانية مارغريت آرتشر تُفرّق بين “الفاعل” و”المنفعل” في السياقات الاجتماعية – السياسية، مؤكدة أن الحرية تبدأ حين يُمنح الإنسان موقعًا في التاريخ، وليس حينما يُجبر فقط على التفاعل معه. لكن السوري، في كثير من الأحيان، أُقصي عن صناعة تاريخه، أو تم اختزاله إلى “شاهد على مأساته”، أو “ضحية يروي نجاته”، دون أن يُمنح مساحة ليكون فاعلًا معرفيًا وأخلاقيًا في رواية وطنه.
بهذا المعنى، لا تعني الحرية مجرد إسقاط النظام أو الهروب من الطغيان، إنما استعادة القدرة على إنتاج الذات ككيان أخلاقي، وتاريخي، وسياسي.
الترا سوريا
—————————————
=======================
واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 01 حزيران 2025
متابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
————————————
هل تُرمى “قسد” في أحضان إيران؟/ فراس فحام
السبت 2025/05/31
يمر تنظيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بظروف صعبة في ظل المتغيرات الكبيرة في الموقف الأميركي من المنطقة عموماً، وسوريا خصوصاً، بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مما جعل هامش مناورة “قسد” ضيقاً للغاية، حيث تعرضت لضغوطات أميركية لتوقيع اتفاق مع الإدارة السورية الجديدة في آذار/مارس الماضي، يقرّ بوحدة الأراضي السورية.
تنسيق أميركي-تركي-سوري
مؤشرات عديدة أكدت أن ترامب ينظر لسوريا من المنظورين التركي والسعودي، وكان آخرها تأكيدات الرئيس الأميركي أن قرار تجميد العقوبات على سوريا، أتى بموجب طلب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأردفها بتعيين السفير الأميركي في تركيا توماس باراك، مبعوثاً أميركيا إلى سوريا، وهو أيضاً شخصية مقربة من ترامب.
وقبل أيام من تعيين المبعوث الجديد، سهّلت القوات الأميركية المتمركزة شمال شرق سوريا، زيارة وفد حكومي سوري إلى مخيم الهول في محافظة الحسكة، الذي يقطنه عوائل يتهم بعض أفرادهم بالانتساب سابقاً إلى تنظيم “داعش”، تمهيداً لتولي الحكومة السورية مسؤولية الإشراف على هذه العائلات، وتسهيل إعادة دمجها في المجتمع السوري، وبالتالي ستفقد “قسد” ورقة مهمة كانت تلوح فيها بوجه الغرب كلما تعرضت لضغوطات تركية أو سورية.
الخطوة الأميركية الكبيرة كانت في 29 أيار/مايو الجاري، حين حضر المبعوث الأميركي توم باراك حفل توقيع اتفاقيات تركية وقطرية مع الحكومة السورية لتطوير قطاع الطاقة والكهرباء، وقام برفع علم الولايات المتحدة في المنزل المخصص للسفير الأميركي في سوريا، مع تأكيده على إمكانية بناء شراكة مع الجانب السوري، مما يشير بوضوح إلى نية لدى واشنطن بترقية العلاقة مع دمشق من المستوى الأمني الذي تعزز خلال الأشهر الماضية إلى المستويين الاقتصادي والسياسي.
بطبيعة الحال لا يمكن أن ترتاح “قسد” لهذه التطورات التي من شأنها أن تقلص من الاعتماد الأميركي عليها، رغبة من إدارة ترامب بإصلاح العلاقات مع تركيا، ولتوفير الدعم للإدارة السورية الجديدة لمنع الفوضى التي قد تتيح لإيران العودة إلى سوريا مجدداً.
قسد تفخخ شمال شرق سوريا
وفقاً للمعلومات الميدانية، تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” شمال شرق سوريا، وصول قيادات من حزب “العمال الكردستاني” بشكل شبه يومي، قادمين من جبال قنديل وكارا، وينتمي هؤلاء لتيار داخل الحزب لا يرغب بإلقاء السلاح، وعلى رأسه جميل باييك الذي يرتبط بعلاقة وثيقة مع إيران.
من جهة أخرى، فتحت “قسد” أبوابها منذ عدة أشهر، لانتساب عناصر سابقين في صفوف نظام الأسد، بعضهم ينحدر من محافظات شمال شرق سوريا، والبعض الآخر يهرب إلى مناطق سيطرة قسد من العمليات الأمنية التي تنفذها الحكومة السورية في الساحل لتفكيك شبكات تتبع للفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، التي كانت تدين بالولاء لإيران.
ومنذ منتصف أيار/مايو الجاري، بات عناصر فلول الأسد يتولون مهاماً ميدانية تحت مظلة “قسد”، مثل الانتشار في بعض مناطق محافظة دير الزور لحراسة الحقول النفطية.
فرصة إيرانية محتملة
تمثل التطورات شمال شرق سوريا فرصة محتملة لإيران، التي تعتبر الخاسر الأبرز من سقوط بشار الأسد نهاية عام 2024.
وتفيد المعلومات بأن الاتصالات الإيرانية مع قيادات “قسد” مستمرة منذ سقوط الأسد، نظراً لشعورهم بالتهديد المشترك من تنامي الدور التركي في الإقليم، وسوريا خاصة، وبالتالي فإن ابتعاد واشنطن عن “قسد” وممارستها ضغوطاً عليها للاندماج ضمن الدولة السورية، قد يفتح المجال أمام الاستثمار الإيراني، لأن طهران فيما يبدو مستاءة من شعورهم بمساعي تركيا ودول الخليج العربي للتفرد بالملف السوري وإبعادها، وقد يكون خيار تعزيز التعاون مع “قسد” مناسباً جداً لإيران التي فقدت الكثير من شبكاتها المنتشرة في الساحل السوري، التي كانت تديرها عن طريق ضباط من الفرقة الرابعة فروا برفقة ضباط من الحرس الثوري الإيراني، إلى معسكرات إيرانية قرب الحدود العراقية، بعيد سقوط الأسد.
عموما، التعاون بين وحدات حماية الشعب التي تشكل غالبية تنظيم “قسد” والجانب الإيراني، ليس جديداً، حيث لدى الجانبين بالفعل اتصالات وثيقة منذ 2013، ولكن تراجعت العلاقة بشكل ملحوظ بعد تلقي الوحدات لدعم التحالف الدولي ضد “داعش” بقيادة الولايات المتحدة منذ عام 2014، وقد تعود المصالح للتلاقي من جديد، خصوصاً أن هذه العلاقة لم تنقطع بالكامل، بل بقيت “قسد” تتحرك ضمن محور تحت الغطاء الإيراني يشمل أيضاً حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” العراقي، وفصائل عراقية تحظى بالدعم الإيراني، وقد ساهمت السليمانية الخاضعة لسيطرة الحزب الوطني، بتقديم الدعم الأمني واللوجستي لـ”قسد” طيلة السنوات الماضية، في ظل تغاضي الديمقراطيين الأميركيين عن هذا المحور تبعاً للهوامش التي كانت ممنوحة لإيران بالأصل.
المدن
———————————
شمال شرق سوريا: الخطوة الأخيرة!/ فايز سارة
كرّس العهد السوري الجديد منذ إطاحة نظام الأسد، فكرة أنّ إقلاعه يحتاج الى إتمام ثلاث مهمّات لا بدّ منها. أوّلها اعادة بناء وتثبيت أركان ومؤسّسات الدولة السورية بعيدًا عن إرث النظام البائد، والثانية اكتساب شرعية إقليمية ودولية تساعد ليس على استعادة حضور سوريا في محيطها فقط، وإنّما أيضًا الحصول على دعمه لعملية إعادة بناء البلاد، والثالثة إعادة توحيد الكيان السوري، وإنهاء تقسيمات الأمر الواقع وسلطاتها، التي تكرّست في تطوّرات الصراع السوري.
شمال شرق سوريا: الخطوة الأخيرة!
للحقّ، فإنّ الأشهر الستة الماضية، كانت حافلةً بتطوّراتٍ صبّت بصورةٍ مباشرةٍ وغير مباشرةٍ في سياق تلك المهمات وفق ما رسمته السلطة الجديدة.
ففي المهمّة الأولى أعيد تنظيم النصوص والهياكل السياسية والإدارية والتنظيمية، التي رأت القيادة الجديدة أنّها تناسب وتلبّي الاحتياجات، ولعلّ الأبرز فيها ترتيب الإطار السياسي للعهد الجديد، وإعادة ترتيب الوضع الحكومي، وتأسيس الجيش وقوات الأمن، وإعادة تشغيل المؤسّسات التي توقّف العمل فيها.
وفي المهمّة الثانية، توالت الخطوات باتجاه تحسين علاقات العهد الجديد مع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثّرة في الملف السوري ولا سيما بلدان الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ومع الدول الغربية لا سيما غرب أوروبا والولايات المتحدة، وقد عاشت الأخيرة قفزةً هائلةً في علاقاتها مع سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية، ولقاء الرئيسيْن السوري احمد الشّرع والأميركي دونالد ترامب نتيجة مساعٍ سعودية – تركية أدارها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب أردوغان.
وبالتأكيد فإنّ المهمّة الثالثة، لم تكن خارج التطوّرات التي شهدها الوضع السوري. فقد انتهت حالة التكتّل السياسي والعسكري الذي يتزعّمه أحمد العودة في درعا، وحسّنت الإدارة سيطرتها على الساحل بعد فوْرة فلول الأسد هناك في آذار الماضي، والتي خلّفت تداعيات مأساوية على السوريين، وذهبت معظم التشكيلات المُسلّحة في شمال غرب سوريا إلى حلّ نفسها والالتحاق بالجيش الجديد.
وبخلاف السّياق السابق في تعزيز سيطرة العهد الجديد على الجغرافيا السورية، فإنّ مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا مضت في سياقٍ آخر، جوهره تكريس الواقع القائم بصورة عملية، على الرَّغم من التوصّل المبكر لاتفاقٍ وقّعه الرئيس أحمد الشّرع مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديموقراطية “قسد” في مارس/آذار 2025، ينصّ صراحةً على تفكيك المؤسّسات البديلة التي شيّدتها الإدارة الذاتية، و”دمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافّة في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.
إنّ الحجّة الأساسيّة في تأخّر إجراءات اندماج الإدارة الذاتية ومؤسّساتها في الدولة السورية، هي الحاجة إلى حوارٍ وتوافقاتٍ على “التفاصيل” كما يؤكّد بعض ممثلي الإدارة، غير أنّ أحدًا منهم لا يحدّد وقتًا معيّنًا للحوار الذي تُعيد فكرته إلى الأذهان حوارًا بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي، استمرّ نحو أربعة عشر عامًا، انتهى مؤخرًا إلى “اتفاقٍ” يعرف الجميع أنّه هشّ، وأنّه جاء نتيجة ظروفٍ سياسيةٍ مؤقتةٍ وطارئة.
خلف واجهة الحاجة إلى حوارٍ بين الإدارة الذاتية والسلطة الحاكمة في دمشق، ثمّة أشياء كثيرة يجري بعضها سرًا وبعضها في العلن، وفي السياق الأخير، يتكرّر نقد ممثلي الإدارة لمحتوى الإعلان الدستوري الصادر في دمشق، ويمارسون التشهير ببعض سياسات السلطات في تشكيلات الجيش الجديد وبعض الشخصيات فيه وبخاصة موضوع المقاتلين الأجانب، والأهمّ ممّا سبق هو العزف على وتر أن السلطة في دمشق “سلطة أمر واقع”، وأنّ طبيعة الإدارة الذاتية، ذات صفة تمثيلية أفضل، وأنّها أنسب لمستقبل سوريا والسوريين.
إذا كان من شأن المواقف السابقة تأخير وإعاقة، وصولًا إلى التشكيك بإمكانية، تنفيذ اتفاق الشرع/عبدي، فإنّ بين الإجراءات غير المعلنة من جانب الإدارة الذاتية وقوات “قسد”، ما يندرج في سياق العدائيات وصولًا إلى مساعي تقويض سلطة العهد الجديد إذا أمكن، وإلى هذا الهدف تقود عمليات التنسيق بين الإدارة وأطراف في مناطق الالتهاب الرّاهنة في الساحل السوري من جهة وفي محافظة السويداء من جهةٍ ثانية، بحيث يتمّ تغذية النزعات “الاستقلالية” وتقديم “مساعدات متنوّعة” بينها إتاحة الفرصة لفلول النظام البائد لتنظيم أنفسهم في شرق الفرات، وإعادة الانتشار والسيطرة المُسلّحة في المربّع الأمني في القامشلي وفي مطارها، وثمّة تقارير ذات مصداقية عن تحرّكاتٍ لميليشيات “داعش” وفلول إيران تحت بصر الإدارة في الشرق السوري.
وسط واقع الحال القائم في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، وتأثيراته الممتدة الى الأنحاء الأخرى، أمهلت وزارة الدفاع في دمشق الفصائل المسلحة في سوريا فرصة، تنتهي قبل نهاية أيار للانخراط في الجيش الجديد، أو أنّها ستكون خارج القانون، ممّا دفع فصائل “الجيش الوطني” في شمال غرب سوريا لإعلان حلّ نفسها والتحاق كوادرها بالجيش السوري، فيما تراوحت مواقف قيادات “قسد” وفصائل موجودة في السويداء بين إعلان رفض طلب وزارة الدفاع أو القول إنّه ثمّة ضرورة للحوار مع القيادة في دمشق.
رفْض الفصائل المُسلّحة الانضمام إلى الجيش، يدفع العلاقات بين شرق الفرات والسويداء إلى التوتّر مع القيادة في دمشق، لأنّه يضع العلاقات أمام واحدٍ من احتمالَيْن: قيام مواجهات مُسلّحة وسياسية لاختلاف الموقفيْن أو تراجع القيادة في دمشق عن مطلبها، وهو أمر شديد الصعوبة لأنه سيكون مؤشر فشلٍ ذريعٍ في سياساتها، وليس فشل ضمّ الفصائل إلى جيشها فقط، ممّا سيؤدّي إلى تدهور الوضع في سوريا إلى حدودٍ غير مسبوقة، لأنّ الوضع وصل إلى حدود اللّاعودة، ولم يعُد من فرصة سوى الذهاب نحو مواجهاتٍ عنيفة، التي قال ويقول الجميع إنّهم لا يريدونها، ويمنعون الانخراط فيها.
(خاص “عروبة 22”)
—————————-
إعادة التموضع الأميركي في سوريا.. مكافحة الإرهاب وإعادة صياغة النفوذ الإقليمي/ أحمد العكلة
1 يونيو 2025
أعلن التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” عن تنفيذ عملية إعادة تموضع لقواته في سوريا، مؤكدًا أن هذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى تقويض قدرات التنظيم الإرهابي وتعزيز الأمن الإقليمي. ويتزامن هذا التحرك مع تطورات ميدانية في مناطق شمال شرقي سوريا، حيث تنشط “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بدعم من التحالف.
من بين الأهداف المعلنة لإعادة التموضع تقويض قدرات تنظيم “داعش”، حيث أكد التحالف أن إعادة الانتشار تهدف إلى الحفاظ على الضغط العسكري على بقايا التنظيم، مشيرًا إلى تنفيذ عشرات الضربات الجوية خلال العام الماضي ضد أهداف تابعة لداعش.
يقول الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، فراس علاوي، لـ”الترا سوريا”، إن الخطوة الأميركية الأخيرة في سوريا لا تعكس فقط أولويات ميدانية، بل تعبّر عن طبيعة العلاقة والاستراتيجية الجديدة في التعامل مع الأطراف الفاعلة. مشيرًا إلى احتمال انتقال التحالف الأميركي من دعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) إلى تعزيز العلاقة مع الحكومة السورية فيما يخص ملف مكافحة التنظيمات المتطرفة.
وأكد علاوي أن التصريحات الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبعض القيادات العسكرية توضح هذا التحول في النهج الأميركي تجاه الملف السوري. وأوضح أن مفهوم “إعادة التموضع” يشير إلى نقل القوات العسكرية إلى مواقع تُعتبر أكثر استراتيجية، بما يخدم الأهداف العسكرية والسياسية للولايات المتحدة في المنطقة، قائلًا: “تغيير أماكن القوات يعني تغييرًا في استراتيجية واشنطن في سوريا، ما يتطلب إعادة النظر في التحالفات والمقاربات السابقة”.
وأشار إلى أن توقيت هذا التحرك ليس عشوائيًا، بل يرتبط بإعادة صياغة العلاقات الأميركية مع الحكومة السورية، إضافة إلى انسحاب إيران وتراجع النفوذ الروسي في المنطقة، وهي عوامل تلعب دورًا أساسيًا في هذا التحول.
وبخصوص تأثير التموضع الجديد على “قسد”، اعتبر علاوي أن ذلك سيؤدي إلى تغيير في طريقة التعامل معها، من كيان شبه مستقل إلى طرف تابع أو مندمج ضمن الدولة السورية، ورأى أن هذا التحول قد يُفرض على “قسد” بحكم الواقع الجديد.
وأضاف: “هذه الخطوة من شأنها أن تعزز الاستقرار في سوريا، وخاصة في شمال شرق البلاد، حيث تسعى الولايات المتحدة لإيجاد صيغة تضمن الأمن وتخدم سياستها في دعم الحكومة السورية واستقرار المنطقة”.
وفيما يتعلق بوضع “داعش”، لفت علاوي إلى أن التنظيم ما زال موجودًا، وإن لم يكن يُشكل تهديدًا عالي المستوى حاليًا. وأضاف: “الضربات الجوية السابقة كانت السبب الرئيسي في شل قدرات التنظيم، لكن يبقى خطر عودته قائمًا، خصوصًا إذا استغل أي فراغ أمني ناجم عن إعادة تموضع غير مدروسة”.
وبشأن ملف المعتقلين ومراكز الاحتجاز، أشار علاوي إلى أن التحالف الدولي يسعى إلى تقليل عدد المراكز والتركيز على أخطر المعتقلين. كما أوضح أن المرحلة المقبلة قد تشهد إعادة هيكلة لمراكز الاعتقال.
كما أشار إلى تحديات قانونية وأمنية تواجه عملية إعادة اللاجئين والمحتجزين، خاصة في ظل رفض بعض الدول استقبالهم أو نزع الجنسية عنهم، ما يخلق معضلة قانونية وإنسانية، خصوصًا للأطفال الذين لم يحصلوا على جنسية بلدان آبائهم.
وختم علاوي حديثه بالتأكيد على أهمية التعاون بين الشركاء المحليين في مكافحة الإرهاب، قائلًا: “إذا تحول التعاون إلى مستوى رسمي بين الحكومة السورية والتحالف الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، فسيكون أكثر فاعلية في مواجهة التهديدات الأمنية المستمرة”.
وتخشى “قسد” من انسحاب أميركي وشيك، بعد تلميح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بإعادة قواته من سوريا إلى العراق، مما سيُضعف موقفها أمام الحكومة السورية وتركيا اللتين تسعيان لتفكيك التنظيم الكردي.
وكشف الصحفي ومدير مركز “القارات الثلاث”، أحمد حسن، عن تحركات أميركية نشطة في شمال شرق سوريا، تشير إلى مرحلة جديدة من إعادة التموضع الاستراتيجي تتجاوز مجرد مكافحة تنظيم “داعش”.
وأوضح حسن أن الولايات المتحدة لم تعد تركز فقط على محاربة التنظيم، بل تعمل حاليًا على ثلاثة محاور رئيسية:
1. ترسيخ وجود عسكري وأمني مستدام في سوريا ضمن استراتيجية طويلة الأمد.
2. إعادة انتشار قواعدها العسكرية لتمكينها من تدريب عناصر من الجيش السوري وبعض المجموعات المحلية.
3. حماية الاستثمارات الأميركية المرتقبة في سوريا، خاصة في مجالات الطاقة والنفط والغاز.
وأشار حسن إلى أن التحركات الأميركية لم تُقابل حتى الآن بمطالبات جادة من القوى الإقليمية بإنهاء التواجد الأميركي، حيث أن تركيا لم تعد تتحدث عن ضرورة الخروج الأميركي، بينما لم يُظهر النظام السوري تصعيدًا تجاه هذا الوجود، ما يُفهم كقبول ضمني أو تجنب للصدام المباشر.
أوضح حسن أن المخاوف الأميركية من اندلاع حرب أهلية جديدة ساهمت في الإبقاء على هذا الوجود، مستبعدًا وجود نية فعلية للانسحاب رغم احتمال تقليص بعض القوات غير الفاعلة.
كما توقع أن يشهد المستقبل القريب توسيع الوجود الأميركي ليشمل إنشاء سفارة موسعة وملحقية عسكرية كبيرة وقواعد تدريبية، ما يشير إلى نية في البقاء طويل الأمد، إن لم يكن دائمًا.
فيما يخص إيران، أشار حسن إلى أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا على طهران لتقديم تنازلات ملموسة في ملفات لبنان واليمن والعراق، مع محاولة إدماجها في مشروع تنمية إقليمي بدلًا من دورها المزعزع للاستقرار.
دوافع داخلية أميركية واستثمارات مرتقبة
واختتم حسن حديثه بالتأكيد على أن الانسحاب العسكري من سوريا لن يُقدم إنجازًا يُذكر للإدارة الأميركية الحالية، بل قد يُفسر كفشل، لافتًا إلى خطط لاستثمارات ضخمة في سوريا تتطلب التزامات أمنية ترافقها.
من جهته، يرى الباحث في العلاقات الدولية عبد الله الخير أن إعادة التموضع تهدف إلى تحسين التوزيع العملياتي للقوات في المناطق الحيوية، وتسهم في منع عودة ظهور خلايا تنظيم “داعش” في مناطق نفوذه السابقة.
وأضاف أن قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، ستستمر في العمل مع “قسد” وشركاء محليين، منهم “جيش سوريا الحرة” في التنف، في ملاحقة فلول داعش، وتقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي والميداني.
وأشار إلى جهود التحالف المستمرة لتقليص أعداد المقيمين في مخيمات مثل الهول والروج، ودعم مبادرات إعادة التأهيل والدمج، لا سيما للأطفال والنساء المرتبطين بالتنظيم.
تشير عملية إعادة تموضع قوات التحالف الدولي في سوريا إلى توجه محسوب يوازن بين ضرورات مكافحة الإرهاب والتعامل مع التغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة. وبينما تسعى واشنطن إلى تقليص الكلفة السياسية والبشرية لوجودها في سوريا، إلا أن هذا التموضع يؤكد أن معركة القضاء على “داعش” لم تنتهِ بعد، وأن الاستقرار في شمال شرقي سوريا لا يزال هشًّا ويتطلب حضورًا عسكريًا ودبلوماسيًا فاعلًا.
الترا سوريا
———————————-
صراع “قسد” و”الإدارة الذاتية”.. هل يحسمه عبدي أم “الاتحاد الديمقراطي”؟/ فراس فحام
2025.05.31
تظهر التصريحات التي تصدر عن قيادات في حزب “الاتحاد الديمقراطي”، الذي قاد جهود تأسيس “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، والتصريحات التي تصدر عن قائد “قسد”، مظلوم عبدي، وجود تباين واضح يخفي خلفه صراعاً على القرار فيما يتعلق بمصير شمال شرقي سوريا والمفاوضات مع الحكومة.
في 22 أيار، هاجم آلدار خليل، الذي يوصف بأنه أحد أبرز صناع مشروع “الإدارة الذاتية” المركزية التي تحاول فرضها، دمشق، محذراً من تقسيم سوريا واندلاع حرب أهلية فيما لو استمرت هذه السياسية، كما رفض ما وصفه بـ”الإملاءات التركية”.
كما أشار خليل إلى أن الوفد الذي سيفاوض دمشق سيكون ممثلاً عن “الإدارة الذاتية”، وهو من سيتولى نقاش مصير قوات “قسد”.
بالمقابل، أكد قائد “قسد” مظلوم عبدي، في مقابلة تلفزيونية أجراها في 30 أيار، على استمرار الالتزام بالاتفاق الذي وقعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع، في شهر آذار من العام الجاري، وتم تشكيل لجان مشتركة من الجانبين لبحث آليات التنفيذ. كما اعتبر أن البلاد أمام فرصة لبناء دولة جديدة لا مركزية قائمة على العدالة.
وبدى لافتاً الإيجابية التي تحدث بها عبدي عن تركيا، وإشارته إلى حساسيتها الأمنية، وحرصها على دمج “قسد” ضمن الجيش السوري، مؤكداً وجود اتصالات مباشرة مع أنقرة، وانفتاحه على تطوير العلاقات مع تركيا، في نبرة مختلفة تماماً عن تلك التي تحدث بها خليل.
تباين بالتموضع.. الخلاف بين عبدي والاتحاد الديمقراطي
الخلاف في المواقف بين قائد “قسد” وقيادات “الاتحاد الديمقراطي” ومؤسسي “الإدارة الذاتية” يعكس تموضعاً سياسياً متبايناً، حيث يعتبر عبدي أقرب إلى الجانب الأميركي بحكم العمل المشترك لسنوات طويلة.
تصريحات عبدي الأخيرة أتت بعد يوم واحد من اتصال أجراه المبعوث الأميركي الجديد إلى سوريا، توماس باراك، وتفيد المعلومات أن الأخير حث عبدي على الالتزام باتفاقه مع دمشق، وهو النهج ذاته الذي يدعمه الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود بارزاني، الذي يتولى السلطة التنفيذية في إقليم كردستان، والذي كثف اتصالاته مع قائد “قسد” خلال الأشهر الماضية، ويرعى وساطة بينه وبين الحكومة السورية بدعم من أميركا.
بالمقابل، فإن قيادات “الاتحاد الديمقراطي” أقرب إلى رؤية كوادر حزب “العمال الكردستاني”، التي تنشط في سوريا، ولديها ذراع مسلح يدعى “شبيبة الثورة”، التي بدورها أقرب للتنسيق مع إيران، التي تحرص على إبقاء صلات قوية مع أفرع “العمال الكردستاني” في العراق وسوريا، في إطار عدم فقدانها المزيد من النفوذ في المنطقة لصالح تركيا.
وأسهمت قيادات في الجيش الأميركي بتسهيل وصول عبدي إلى دمشق لتوقيع الاتفاق، في شهر آذار الماضي، الذي تضمن الالتزام بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
الظروف الإقليمية والدولية تصب في صالح عبدي
تصب مجمل الظروف الإقليمية والدولية في صالح قائد “قسد”، وعلى رأسها الضغوطات التي تمارسها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أجل تفكيك نفوذ إيران في المنطقة، والذي ترتبط به بعض تشكيلات حزب “العمال الكردستاني” النشطة في العراق وسوريا، حيث ترتبط هذه التشكيلات مع الفصائل العراقية المدعومة من إيران، وكان لديها تنسيق وثيق مع الفرقة الرابعة لدى نظام الأسد، التي كانت تحظى بدعم إيراني.
ومنذ وصول ترمب إلى البيت الأبيض، يعمل على إعادة تشكيل المشهد الكردي في المنطقة بالتنسيق مع تركيا، بالطريقة التي تقلص من تأثير إيران ومن قدرتها على استثمار القضية الكردية لحساباتها الخاصة.
ولذا، تدعم واشنطن موقف أربيل، التي يتزعمها الحزب الديمقراطي الكردستاني، إذ تركز واشنطن ثقلاً عسكرياً كبيراً فيها حالياً، لتقويض محاولات إيران السابقة، والمتحالفين معها، ومن ضمنهم السليمانية، محاصرة أربيل المتحالفة مع تركيا.
ويبدو أن عبدي يفهم التغيير الحاصل في موازين القوى، وتصريحاته تعكس رغبة بالتموضع بعيداً عن “العمال الكردستاني” وإيران، لكن نجاح مسعاه يعترضه عقبات كثيرة، من ضمنها تدفق المزيد من مقاتلي “العمال الكردستاني” وقياداته إلى سوريا بعد إعلان حل الحزب.
تلفزيون سوريا
—————————–
أرفع مفاوضات بين دمشق و«قسد»: لا آمال بخرق كبير
تنطلق، اليوم، أولى جلسات الحوار الرسمي بين وفد «الإدارة الذاتية» و«قسد» من جهة، والحكومة السورية من جهة أخرى، في دمشق. ويأتي هذا على الرغم من التوتر الذي يخيّم على العلاقة بين الطرفين، وسط تعثّر الجهود المتواصلة لاستئناف اتفاق تبادل الأسرى في الشيخ مقصود في مدينة حلب، وتبادل الاتهامات بين الطرفين بالتسبب في تعطيله. ويُضاف إلى ما تقدّم، تعثّر انتشار الأمن السوري داخل سد تشرين في ريف حلب الشمالي الشرقي، فضلاً عن استمرار تعطّل التوصل إلى آلية لترحيل السوريين من مخيم الهول، بعد أسبوع من زيارة الوفد الحكومي إليه.
وتحمل هذه الجولة من المفاوضات أهمية كبيرة، نظراً إلى أنها تُعقد للمرة الأولى على هذا المستوى في العاصمة، بعد أن عُقدت سلسلة من الجلسات التمهيدية في كل من مدينتَي الحسكة وحلب، وسط إمكانية عقد اجتماعات على مستوى اللجان للدخول في القضايا التفصيلية، بعد التوافق سابقاً على مبادئ عامة. كما تتناول جولة اليوم قضايا حساسة تتعلّق بدمج «قسد» و«الأسايش» ضمن المؤسستين العسكرية والأمنية، وتسليم الحقول النفطية والغازية لوزارة الطاقة الحكومية، بالإضافة إلى ملفات التعليم والموظفين وقضايا خلافية أخرى.
وتحاول «الإدارة الذاتية» الحصول على ضمانات وتطمينات عن جدّية الحكومة في حل ملف شمال شرق سوريا، من خلال التركيز على انتزاع اعتراف رسمي بمبدأ «اللامركزية» كنموذج حكم، مع ضمان شراكة فعلية في القرار السياسي والاقتصادي والإداري، وصولاً إلى المشاركة في صياغة الدستور الجديد، والاعتراف باللغة الكردية كلغة أساسية في البلاد، وفقاً لما أكّده القيادي الكردي وعضو هيئة الرئاسة في حزب «الاتحاد الديمقراطي»، صالح مسلم، مشيراً إلى أن «كل ذلك قابل للنقاش». ولفت مسلم إلى أن كل بند من بنود الاتفاق الموقّع بين الرئيس في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، والقائد العام لـ«قسد» مظلوم عبدي، والموقّع في 10 آذار، يحتاج إلى «نقاشات طويلة»، كاشفاً عن «تشكيل لجان عامة وفرعية بين الطرفين» لمتابعة تطبيق تلك البنود، من خلال «عقد اجتماعات عديدة بين الطرفين».
وبالعودة إلى محاولات استئناف اتفاق تبادل الأسرى، بيّنت المتحدّثة باسم «وحدات حماية المرأة» التابعة لـ«قسد»، روكسان محمد، أن تأجيل تنفيذه «جاء من قبل سلطة دمشق وليس من المجلس المحلي في حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية»، داعيةً الحكومة إلى «ضرورة الالتزام بالبنود، وفق ما تمّ الاتفاق عليه». وأشارت إلى أن الحكومة ترفض إطلاق مقاتلات «الوحدات»، معتبرة أن ذلك «يعكس تهميش قضية المرأة».
في المقابل، اتّهم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، «قسد» بـ«المماطلة» في تنفيذ الاتفاقات مع دمشق، داعياً إلى «الحفاظ على وحدة الأراضي السورية». كما جدّد المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، زكي أكتورك، رفض بلاده أي «أجندات انفصالية» تحت مسمى اللامركزية. وأشار إلى أن موقف تركيا «لم يتغيّر» بشأن ضرورة وجود الجيش السوري باعتباره «الهيكل المسلّح الوحيد» في البلاد، ودمج «قسد» ضمن الجيش الناشئ. ومساء أمس، قال عبدي إن قواته على «اتصال مباشر مع تركيا»، مضيفاً: «لا أعارض لقاء» إردوغان.
وإزاء ما تقدّم، تشير مصادر مطّلعة، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى «ضعف احتمالات تحقيق خرق فعلي في مسار تطبيق اتفاق الشرع – عبدي، بفعل تمسّك قسد باللامركزية ورفض دمشق النقاش فيها حتى الآن»، مرجّحة «إمكان دخول واشنطن على خط التفاوض للضغط على الطرفين، خاصة مع تعيين توماس باراك مبعوثاً أميركياً إلى سوريا». وتحذّر المصادر من «دور تركي سلبي في المفاوضات يضع مصالح أنقرة فوق المصلحة الوطنية السورية».
وفي سياق آخر، يواصل أهالي بلدة سلوك في ريف الرقة إضرابهم لليوم الرابع، احتجاجاً على ممارسات فصيل «صقور السنّة» التابع لـ«الجيش الوطني» المدعوم تركياً، بعد مقتل أربعة مدنيين في مشاجرة مع شبان من قبيلة النعيم، فيما طالبت العشائر الحكومة السورية بإخراج الفصيل من البلدة ومحاسبة المتورطين. وعلى الرغم من دخول قوة من الجيش التركي وعناصر من «الشرطة العسكرية» إلى سلوك، لا يزال التوتر قائماً، وسط إغلاق كامل للمحالّ التجارية. وأكّدت مصادر أهلية، لـ«الأخبار»، وجود «إجماع عشائري على إخراج عناصر الجيش الوطني من بلدة سلوك، بسبب ممارساتهم السلبية، التي انفضحت في الحادثة الأخيرة»، متوقّعة أن «تنجح الضغوط العشائرية في إخراج الفصيل على الأقل إلى خارج البلدة، لضمان عدم تطوّر الأحداث إلى اشتباكات عشائرية».
الأخبار
—————————-
وفد من سوريا الديمقراطية إلى دمشق.. “قسد”: مستعدون للانخراط في سوريا
قائد “قسد” لا يعارض لقاء أردوغان ويؤكد على وجود اتصال مباشر بين قواته وتركيا
العربية.نت، الوكالات
31 مايو ,2025
أفاد مراسل “العربية” و”الحدث”، السبت، بتوجه وفد من قادة سوريا الديمقراطية إلى دمشق لإجراء محادثات مع النظام السوري الجديد.
وشدد قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي على أن التحول السياسي الكامل يحتاج إلى ضمانات دستورية تحفظ حقوق المكونات، وعلى رأسها الأكراد، مشيراً إلى أن “قسد” مستعدة للانخراط في العملية السياسية متى ما تحقق الاستقرار وتم تثبيت الاتفاقات.
وخلال مقابلة تلفزيونية، الجمعة، ورداً على سؤال حول متى قد يخلع عبدي البزة العسكرية، أوضح أن التهديدات الأمنية لا تزال قائمة، وأن قوات “قسد” منتشرة على خطوط التماس مع مناطق يراها خطراً على أمن المنطقة.
وحول الاتفاق الذي وقّعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع، قال عبدي إن الاتفاق ما زال قائماً ويحظى بالتزام الطرفين، لافتاً إلى أن لجاناً مشتركة شُكّلت بين الجانبين وستبدأ قريباً بعقد اجتماعات لبحث آليات تنفيذ الاتفاق عملياً.
وفيما يتعلق بمسار التفاوض، أشار عبدي إلى وجود عقبات عملية، من أبرزها تثبيت وقف إطلاق النار وضمان الاستقرار الأمني، مؤكداً أن بعض التقدم تحقق في هذا المجال، إلا أن العمل لا يزال جارياً لتأمين بيئة سياسية وعسكرية تسمح بتطبيق الحلول المتفق عليها.
اللامركزية والفيدرالية.. وحساسية المصطلحات
وعن سبب تجنبه استخدام مصطلح “الفيدرالية”، قال عبدي إن الاتفاق الموقّع مع الحكومة السورية لا يتضمن هذا المفهوم، مؤكداً في الوقت نفسه أن الإدارة الذاتية تطالب بحكم محلي حقيقي يُمكّن أبناء المنطقة من إدارة شؤونهم.
ولفت إلى أن الحديث عن الفيدرالية يُقابل بحساسية من دمشق، التي ترى في ذلك تهديداً لوحدة البلاد، رغم أن المطلب الكردي لا يهدف إلى الانفصال.
وعلّق عبدي على الموقف الرسمي السوري من المؤتمر الأخير الذي حمل عنوان “وحدة الصف الكردي”، قائلاً إن ردّ فعل الرئيس أحمد الشرع كان متسرعاً، بسبب سوء فهم لمضمون الوثيقة السياسية التي صدرت عن المؤتمر.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد حذر من “فرض واقع تقسيمي” في البلاد، موجها حديثه إلى قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
قسد.. وتركيا
وقال قائد قوات سوريا الديمقراطية، إن قواته على اتصال مباشر مع تركيا، وكذلك على اتصال معها من خلال وسطاء. وأعرب عن أمله في تطوير هذه العلاقة. وأضاف في مقابلة تلفزيونية أنه منفتح على تحسين العلاقات مع أنقرة، مؤكدا استعداده للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
واتفقت تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد، في ديسمبر (كانون الأول) على وقف إطلاق النار بوساطة أميركية بعد اندلاع مواجهات مع تقدم جماعات معارضة مسلحة نحو دمشق وإسقاطها الرئيس السابق بشار الأسد.
وتقول تركيا إن وحدات حماية الشعب الكردية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية لا يمكن تمييزها عن حزب العمال الكردستاني المتشدد، الذي قرر في وقت سابق من هذا الشهر حل نفسه بعد صراع دام 40 عاما مع الدولة التركية.
وأشار عبدي إلى أن قواته والأتراك خاضوا حروبا طويلة ضد بعضهم بعضا، لكن الهدنة المؤقتة أوقفت تلك الاشتباكات خلال الشهرين الماضيين، معبرا عن أمله في أن تصبح الهدنة دائمة.
وعندما سُئل عما إذا كان يعتزم مقابلة أردوغان، قال عبدي إنه ليس لديه خطط حالية للقيام بذلك، لكنه أوضح أنه لا يعارض، وأنهم ليسوا في حالة حرب مع تركيا، ويمكن في المستقبل تطوير العلاقات معها، مشيرا إلى أنهم منفتحون على ذلك.
هذه التصريحات جاءت بعد أيام من اتهام الرئيس التركي قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بمواصلة أساليب المماطلة في تنفيذ اتفاقها مع الحكومة الانتقالية السورية.
وقبل أيام، قال أردوغان إن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، “لا تزال تواصل أساليب المماطلة في تنفيذ الاتفاق المبرم مع الحكومة السورية”، داعيا إياها للتوقف عن ذلك، بحسب ما أوردته وكالة أنباء “الأناضول” التركية.
أردوغان: نتابع عن كثب اتفاق دمشق مع قسد ونحث على تنفيذه
سوريا أردوغان: نتابع عن كثب اتفاق دمشق مع قسد ونحث على تنفيذه
ولفت في تصريحات أدلى بها للصحافيين، إلى “ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وهيكلها الموحد ووحدتها الوطنية”.
وقال الرئيس التركي: “كنا أعربنا سابقا عن ترحيبنا بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، لكننا نرى أن قوات سوريا الديمقراطية لا تزال تواصل أساليب المماطلة، ويتوجب عليها أن تتوقف عن ذلك”، مشددا على أن تركيا تتابع تنفيذ القرارات المتخذة في هذا الصدد عن كثب.
كما أكد عدم وجود مشاكل في مسار مبادرة “تركيا خالية من الإرهاب”، وأن التطورات جيدة وتسير على نحو إيجابي.
العربية
————————————-
عبدي يتمسك باللامركزية: الشرع تسرّع.. ونتواصل مع تركيا
السبت 2025/05/31
جدد زعيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، تأكيده على مطلب اللامركزية في حكم مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، مؤكداً التزامه بالاتفاق الموقّع مع الرئيس السوري أحمد الشرع، فيما أبدى استعداده للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
رفع العقوبات
ورحّب عبدي في مقابلة مسجّلة مع تلفزيون “شمس” في أربيل، برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، مضيفاً أن قسد كانت دائماً مع رفع العقوبات لأن الشعب السوري عانى من نتائجها”، مشيراً إلى أن مناطق شمال شرق سوريا لم تكن مشمولة بالعقوبات.
وأكد أن نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد كان السبب الرئيسي وراء مآسي الشعب السوري، لكن “الآن لدينا فرصة لبناء سوريا الجديدة”. وشدد عبدي على مطلب “سوريا لامركزية لا يتم فيها إقصاء أحد”، لافتاً إلى أن الشعب السوري عاش تجربة مريرة في ظل الحكم المركزي الشمولي على زمن نظام حزب البعث.
وقال إن غالبية السوريين يرفضون العودة إلى نظام الهيمنة والديكتاتورية، وإن التنوع القومي والديني في البلاد يجب أن يُنظر إليه كمصدر غنى وقوة في مشروع بناء سوريا الحديثة.
لا تقسيم
وعن الاتفاقية الموقّعة مع الشرع في آذار/مارس الماضي، قال عبدي إن الاتفاق ما زال قائماً ويحظى بالتزام الطرفين، وإن لجاناً مشتركة شُكّلت بين الجانبين وستبدأ قريباً بعقد اجتماعات لبحث آليات تنفيذ الاتفاق عملياً. وأكد وجود تقدم في العقبات أمام تنفيذ الاتفاق، مثل تثبيت وقف إطلاق النار، وضمان الاستقرار الأمني، لافتاً إلى أن العمل جارٍ لتأمين بيئة سياسية وعسكرية تسمح بتطبيق الحلول المتفق عليها.
وأضاف أن “قسد” تحاول الحفاظ على المكتسبات التي “تم تحقيقها بالدم”، مؤكداً أن اللامركزية لا تعني التقسيم، إنما “شعب هذه المنطقة يريد أن يدير الهيئات التابعة له”، كما أشار إلى أن تجنبه استخدام مصطلح “الفيدرالية” لأن الاتفاق مع الشرع لا يتضمن هذا المفهوم.
وأشار إلى أن الحديث عن الفيدرالية يُقابل بحساسية من الحكومة السورية، كما ترى دمشق بذلك تهديداً لوحدة البلاد، رغم أن المطلب الكردي لا يهدف إلى الانفصال.
وأكد أن مطلب الأكراد في سوريا، هو إدارة ذاتية في حكم مناطق مناطقهم أمنياً وسياسياً، قائلاً: “الفدرالية لا تعني التقسيم نحن ضد التقسيم وندعم وحدة سوريا”، لافتاً إلى أن لقاءه مع الشرع كان ايجابياً، لكنه وصف رد الرئيس السوري بـ”المتسرع”، على الوثيقة التي تم إقرارها بمؤتمر “وحدة الصف الكردي” في القامشلي في 26 نيسان/إبريل.
لا زيارة لتركيا
وعن العلاقة مع تركيا، نفى عبدي وجود أي زيارة مقررة للقاء أردوغان، لكنه أكد بأنه أنه لا يمانع من حيث المبدأ مثل هذا اللقاء، وإذا توفّرت الظروف المناسبة.
وأكد أن “قسد” منفتحة على تطوير العلاقات مع تركيا، وأن “قسد” ليست في حالة حرب مع تركيا في الوقت الحالي، وباب الحوار مفتوح في المستقبل، لافتاً إلى أن وقف إطلاق النار مع تركيا لا يزال قائماً منذ قرابة شهرين ونصف.
وأوضح أن الهدنة الحالية مؤقتة ومشروطة، كما ترتبط بعدة ملفات أمنية حساسة تطالب بها تركيا، بينما تعمل “قسد” على تحويلها إلى هدنة دائمة تحفظ الاستقرار في شمالي سوريا.
وكشف أن من بين الملفات التي تطالب بها أنقرة وتركّز عليها، مسألة دمج “قسد” ضمن الجيش السوري الجديد، موكداً أن “قسد” على اتصال مباشر بأنقرة.
————————————
عبدي: الاتفاق مع دمشق لا يزال قائمًا و”قسد” ملتزمة بوحدة سوريا
31 مايو 2025
قال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مظلوم عبدي، إن الاتفاق المُبرم مع الحكومة السورية في 10 آذار/مارس الفائت لا يزال قائمًا، مؤكدًا أن “قسد” ملتزمة بالاتفاق، وتعمل على تطبيق بنوده من خلال لجان سوف تبدأ مهامها قريبًا.
وأضاف عبدي، في مقابلة مع قناة “شمس”، أن قلق قوات سوريا الديمقراطية وبقية المكونات الكردية سيزول عندما يتضمن الدستور الحل الذي تريده، والذي يقوم على عدم الإقصاء ويرسخ حقوق جميع المكونات، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ستدفعهم إلى الانخراط في العملية السياسية.
وأوضح أن المقصود بـ”اللامركزية” هو أن “شعب هذه المنطقة (شرقي سوريا) يريد إدارة المؤسسات الموجودة بنفسه”، لافتًا إلى أن التحدي الأساسي المتعلق بالاتفاق مع دمشق يكمن في “رؤية الطرفين لبعض مواد الاتفاقية، ولا سيما لناحية دمج المنطقة مع الدولة السورية”.
وفي هذا السياق، أكد عبدي أن مخرجات مؤتمر الحوار الكردي، الذي عُقد في مدينة القامشلي بتاريخ 26 نيسان/أبريل الفائت، لا تتعارض مع الاتفاق المُبرم مع دمشق، ولا تتضمن أي دعوات للتقسيم أو مشاريع انفصالية أخرى، لافتًا إلى أن “رد فعل الشرع حول مؤتمر القامشلي كان متسرعًا، ولم يتم فهم محتوى المؤتمر السياسي”، مؤكدًا أن لقائه بالشرع كان إيجابيًا “ويمكننا سويا تجاوز التحديات للتوصل إلى حلّ دائم”.
وأشار عبدي إلى أن الفدرالية تم إقرارها في مؤتمر الحوار الكردي، لكن “الاتفاقية التي توصلنا إليها مع دمشق لم تنص على موضوع الفدرالية أو على الحكم المستقبلي لسوريا، ونحن ملتزمون تطبيق بنود الاتفاقية والوفد الذي سيتم تشكيله سيبحث بهذا الموضع مع حكومة دمشق”.
وبينما شدد على أن الفدرالية لا تعني التقسيم، وأن “قسد” ملتزمة بوحدة الأراضي السورية، أوضح أن مطالب أكراد سوريا تتلخص في إدارة ذاتية لحكم محلي، وإدارة شعب المنطقة للمؤسسات الأمنية والسياسية.
وشدد عبدي على ضرورة وجود جيش واحد لسوريا يضم جميع المؤسسات العسكرية، بما فيها “قسد”، مشيرًا إلى أنه من الضروري أن يكون لمقاتلي “قسد” دور أساسي في مستقبل سوريا. وقال إن إمكانية نشوب حرب أهلية في سوريا تبقى قائمة طالما أن هناك فراغًا أمنيًا، لافتًا إلى أن تنفيذ الاتفاق مع دمشق يمكنه ملء هذا الفراغ.
وأشار إلى أن المحادثات حول السجون التي يُحتجز فيها مقاتلو “داعش” لم تبدأ بعد، مضيفًا أنه “سيكون هناك لجان مشتركة للبحث بالأمر”، مشددًا على أهمية ضمان أمن هذه السجون التي تضم نحو 10 آلاف سجين من “داعش” وتنظيمات أخرى.
ونفى عبدي وجود أي علاقة لـ”قسد” مع إسرائيل، قائلًا “ليس لدينا أي علاقة مع إسرائيل، ونحن مع حسن الجوار مع الجميع وسوريا عانت الكثير جراء الحروب”.
كما كشف عن وجود قنوات تواصل مباشرة مع تركيا عبر وسطاء، معربًا عن أمله بأن تتطور هذه العلاقة، وعن انفتاح “قسد” على إقامة علاقة جيدة مع تركيا، مؤكدًا عدم ممانعته لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأكد القائد العام لـ”قسد” أن العلاقة مع واشنطن “لم تتغير”، وأن “إعادة تموضع القوات الأميركية لا يؤثر على عملنا المشترك ضد داعش”، مشيرًا إلى أن الأميركيين والتحالف الدولي “يساعدوننا في التفاوض مع دمشق”.
وحذّر من أن “خطر داعش حقيقي وازداد في الفترة الأخيرة”، موضحًا أن التنظيم يستفيد من الفراغ الأمني الحالي في سوريا لإعادة تنظيم نفسه، بما في ذلك في المدن الكبرى.
وفي سياق آخر، أكد عبدي أن النفط في المناطق الواقعة تحت سيطرة “قسد” هو “لكل السوريين، وللجميع الحق في الاستفادة منه”. ودعا السوريين إلى “التعلم من التجارب السابقة واستخلاص الدروس وبناء سوريا الجديدة”، مؤكدًا أن “عدو الكرد هو العقلية العنصرية والطائفية والجاهلة بحقيقة الشعب الكردي”.
كما أكد عبدي أن رفع العقوبات عن سوريا “سيكون له أثر إيجابي جدًا على الوضع الاقتصادي، ويساعد في إرساء الاستقرار السياسي والأمني”.
————————
وفد “قسد” في دمشق.. ومدير المركز الكردي للدراسات: “لا أستبعد لقاء عبدي مع الأتراك“
وتعد زيارة هذا الوفد الأولى من نوعها إلى العاصمة دمشق بعد الاتفاق الذي وصف بـ “التاريخي” بين زعيم “قسد” والرئيس السوري أحمد الشرع
جوان سوز ـ العربية.نت
نشر في: 31 مايو ,2025:
توجّه وفد من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وهي المنطقة التي تخضع بالكامل لسيطرة “قسد” إلى العاصمة السورية دمشق للتفاوض مع النظام الجديد، حيث ضم الوفد فوزة يوسف وعبد حامد المهباش وأحمد يوسف وسنحريب برصوم وسوزدار حاجي ومريم إبراهيم وياسر سليمان وذلك بعد مرور ساعاتٍ على تصريحات مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” والتي كشف فيها عن استعداد قواته للانخراط في العملية السياسية في البلاد.
وتعد زيارة هذا الوفد الأولى من نوعها إلى العاصمة دمشق بعد الاتفاق الذي وصف بـ “التاريخي” بين زعيم “قسد” والرئيس السوري أحمد الشرع يوم العاشر من آذار/مارس الماضي، ومن المقرر أن يناقش الوفد يوم غدٍ الأحد مع دمشق كيفية تطبيق بنود الاتفاق وآلية عمل اللجان المشتركة، بحسب ما أفاد لـ “العربية.نت” مصدر رفيع من الإدارة الذاتية.
وتوصف زيارة الوفد إلى دمشق بـ “الاستثنائية” خاصة أنها تأتي بعد أيام من تأجيل عملية تبادل الأسرى بين قوات سوريا الديمقراطية والسلطات السورية الانتقالية في حلب بعد اتفاقٍ شامل بين الجانبين كان قد أُبرِم يوم الأول من نيسان/إبريل الماضي.
وكشف قائد “قسد” لأول مرة عن وجود تواصلٍ مباشر وهدنة مع “تركيا” وذلك في مقابلة تلفزيونية مع قناة “شمس” الإخبارية التي تبث من أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق. كما أشار في المقابلة نفسها إلى أنه لا يعارض لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأن قواته جاهزة للانخراط في العملية السياسية بسوريا.
وتعليقاً على ذلك لم يستبعد نواف خليل مدير المركز الكردي للدراسات، حصول لقاءٍ مباشر بين عبدي ومسؤولين أتراك كبار في دمشق أو في أنقرة في “مرحلة لاحقة” وفق تعبيره رغم نفي “قسد” الرسمي لوجود طلبٍ تركي للقاء قائدها. مشدداً على أن مثل هذا اللقاء سيكون من نتائج عملية السلام في تركيا بين السلطات وحزب “العمال الكردستاني”.
وقال خليل لـ “العربية.نت”: “لا ينبغي أن نستبعد حدوث مثل هذا اللقاء بين قائد قسد والمسؤولين الأتراك”، مضيفاً: “على سبيل المثال حتى نهاية العام الماضي لم يكن يتوقع أحد أن يقوم زعيم اليمين المتطرّف في تركيا بإلقاء السلام على نواب الحزب المؤيد للأكراد وهو أكثر من يعاديهم، لكنه فعل ذلك واليوم يلتقي بهم بشكلٍ رسمي وعلني ويؤيد مسار السلام الذي أطلقه الزعيم الكردي عبدالله أوجلان”.
من جهة أخرى اعتبر مدير المركز الكردي أن زيارة وفد الإدارة الذاتية لدمشق “أم إيجابي لتوسيع المساحات المشتركة بين الإدارة الذاتية والحكومة الانتقالية”، مؤكداً أن “هناك العديد من الملفات التي سيتفاوض عليها الجانبان لاسيما ملف قوات سوريا الديمقراطية والنفط وملف التعليم باللغتين الكردية والسريانية”.
كما نوّه إلى أن “هذا الوفد سيفاوض باسم الإدارة الذاتية وترتبط نتائج زيارته لدمشق بالموقف التركي والدعم الأميركي لهذا المسار”، لافتاً إلى أنه “سيكون هناك وفد آخر منبثق عن المؤتمر الكردي الذي عُقِد نهاية الشهر الماضي لحل القضية الكردية في البلاد”.
وكان عبدي قد علّق أيضاً على الموقف الرسمي السوري من المؤتمر الأخير الذي حمل عنوان “وحدة الصف الكردي” المنعقد في القامشلي أواخر الشهر الماضي، قائلاً إن ردّ فعل الرئيس أحمد الشرع كان متسرعاً، بسبب سوء فهم لمضمون الوثيقة السياسية التي صدرت عن المؤتمر.
وجاءت تصريحات قائد “قسد” بعد أيامٍ من اتهام الرئيس التركي قوات سوريا الديمقراطية بمواصلة أساليب المماطلة في تنفيذ اتفاقها مع الحكومة الانتقالية السورية عندما قال إن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، “لا تزال تواصل أساليب المماطلة في تنفيذ الاتفاق المبرم مع الحكومة السورية”، داعيا إياها للتوقف عن ذلك، بحسب ما أوردته وكالة أنباء “الأناضول” التركية الرسمية. لكن عبدي لفت في مقابلته مع قناة “شمس” إلى وجود “هدنة مؤقتة” بين قواته وتركيا أوقفت الاشتباكات بين الجانبين، معبراً عن أمله في أن تصبح الهدنة دائمة.
———————————-
=======================
لقاء الشرع ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 01 حزيران 2025
لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
————————————
رفع العقوبات يفتح الباب للاستثمار في سوريا والفوضى الأمنية تهدد بإغلاقه/ باسل المحمد
2025.06.01
بعد سنوات طويلة من الحصار الاقتصادي والعقوبات الغربية، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل متزامن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في خطوة وُصفت بأنها “تاريخية” وتستجيب للتحولات السياسية التي تشهدها سوريا بعد سقوط النظام السابق.
وبينما رحّب السوريون بهذه الخطوة باعتبارها بوابة لانفراج اقتصادي طال انتظاره، وبداية حقيقية لإعمار سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب والدمار، برزت في الأوساط السياسية والاقتصادية تساؤلات حول قدرة هذه الخطوة وحدها على دفع عجلة النهوض. إذ تُظهر المؤشرات الأولية أن رفع العقوبات ـ على أهميته ـ لن يكون كافيًا ما لم تُعالَج التحديات العميقة التي تُثقل كاهل سوريا الجديدة، وفي مقدّمتها الفساد البنيوي، وتآكل مؤسسات الدولة، وغياب الأمن المستدام، وتراكم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي خلّفتها حرب استمرت أربعة عشر عامًا.
في هذا التقرير نستعرض أبرز هذه التحديات، ونناقش لماذا لا يمكن لرفع العقوبات وحده أن يكون كافيًا للنهوض بسوريا الجديدة، ما لم يترافق مع إصلاحات حقيقية على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الانفتاح السياسي شرط للنهوض
رغم أن رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن سوريا يشكّل خطوة إيجابية نحو تخفيف الأعباء المعيشية وفتح الطريق أمام الاستثمارات والمساعدات الدولية، إلا أن النهوض الفعلي بسوريا الجديدة يتطلب ما هو أبعد من الاقتصاد، إذ كشفت تجارب العديد من الدول التي شهدت ظروف مماثلة للحالة السورية أن غياب التشاركية السياسية الحقيقية سيشكل عائقاً أمام أي عملية إعادة إعمار شاملة أو بناء مؤسساتي مستقر.
وفي هذا السياق يرى مراقبون أن العقوبات وعلى الرغم مما تسببت به من أعباء على المواطنين لم تكن هي العامل العائق الوحيد أمام التنمية والبناء، بل إن انسداد الأفق السياسي واحتكار القرار وتهميش طيف واسع من السوريين عن المساهمة في صياغة مستقبل بلادهم هو ما كبّل البلاد لعقود، وأدى إلى ما وصلت إليه من دمار.
في هذا السياق يوضح الباحث السياسي نادر الخليل أنه لا يمكن أن يُنظر إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا الجديدة كحل سحري أو كافٍ للنهوض بالبلاد بمفرده، فهو يضيف خطوة مهمة وضرورية، لكنه جزء من منظومة أوسع يجب أن تتكامل فيها أبعاد الإصلاح السياسي وإعادة بناء المؤسسات، واستعادة وفرض سلطة القانون.
ويتجلى هذا الإصلاح السياسي بحسب حديث الخليل لموقع تلفزيون سوريا في فتح المجال العام لكل القوى والتيارات والمكونات دون تهميش، وإعادة انتاج عقد اجتماعي جديد قائم على المواطنة المتساوية.
وتأكيد على أهمية هذا المحور، وضعته الإدارة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي ضمن الشروط التي طالبت دمشق بتنفيذها مقابل رفع العقوبات، إذ أكد الطرفان أن رفع العقوبات مشروط بخطوات إصلاحية واضحة، أبرزها تحقيق مشاركة سياسية حقيقية، وإطلاق عملية انتقال سياسي تتسم بالشفافية، وتضمن مشاركة السوريين بكل طوائفهم ومكوناتهم.
وبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفعه للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا خلال زيارته السعودية، اعتمد الاتحاد الأوروبي رسميا في 28 أيار الماضي رفع العقوبات عن سوريا، وجاء ذلك على لسان منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، التي أكدت أن هذا القرار “هو ببساطة الشيء الصحيح الذي ينبغي للاتحاد الأوروبي القيام به في هذا الوقت التاريخي لدعم تعافي سوريا بشكل حقيقي وانتقال سياسي يلبي تطلعات جميع السوريين”.
الأمن أساس الاستثمار في سوريا
يشكل غياب الاستقرار الأمني العائق الأكبر أمام أي نهوض اقتصادي فعلي، فالبيئة الاستثمارية ـبحسب خبراء الاقتصادـ لا تقاس فقط بمرونة القوانين وحجم الإعفاءات، بل بمدى شعور المستثمر بالأمان والثقة بأن أمواله ومشاريعه لن تكون عرضة للمخاطر الأمنية، أو ابتزاز الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.
وفي تقريره لعام 2024 حول مناخ الاستثمار في الدول الخارجة من النزاع، يؤكد البنك الدولي أن “تحقيق الاستقرار الأمني يُعد الشرط الأول لجذب الاستثمارات في الدول الخارجة من نزاع، متقدماً على السياسات الضريبية أو التسهيلات الإدارية”.
من جانبه نوه المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن في إحاطة لمجلس الأمن “أنه لا يمكن الحديث عن تعافي اقتصادي في سوريا دون معالجة التحديات الأمنية، وعلى رأسها انتشار السلاح وتعدد مراكز السيطرة”.
من جهته يرى الناشط الحقوق زيد العظم أن رفع العقوبات وضع سوريا على السكة الصحيحة، لكن التحدي الحقيقي اليوم أمام الحكومة السورية هو في خلق بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار، فلا يمكن لأي مشروع اقتصادي أن ينهض في ظل الفوضى الأمنية، وانتشار المظاهر المسلحة.
ويضيف العظم في حديثه لموقع تلفزيون سوريا “على الدولة الجديدة أن تعي أن الاستقرار لا يتحقق بالخطاب السياسي، بل بإجراءات عملية تبدأ بتوحيد القرار الأمني، وبناء أجهزة شرطية وأمنية قوية واحترافية، لأن هذه المؤسسات هي الوحيدة القادرة على طمأنة المستثمرين وتشجيع رؤوس الأموال على ضخ المليارات في مشاريع إعادة الإعمار والتنمية”.
وفي إطار سعيها لضبط الأمن والاستقرار أعلنت وزارة الداخلية في 24 أيار الماضي عن إعادة هيكلة تنظيمية شاملة تهدف لتأمين سوريا على المستوى الداخلي والحدودي، واستحداث إدارات جديدة لضبط الأمن.
وفي سياق متصل كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا عن نية الوزارة إصدار قوانين بالتنسيق مع وزارة الدفاع، بهدف التصدي لظاهرة انتشار السلاح العشوائي داخل البلاد، مضيفاً أن الوزارة تنفذ يومياً حملات في مختلف المحافظات لإلقاء القبض على المطلوبين الذين ما زالوا يشكلون تهديداً للأمن العام.
مكافحة الفساد وبناء مؤسسات وطنية
ساهمت سنوات الحرب السورية، والعقوبات الاقتصادية التي طالت كل قطاعات الدولة، بتآكل المؤسسات الحكومة، وانتشار الفساد والمحسوبيات على مستويات عالية جداً، طالت رأس النظام وحتى أصغر موظف في الدولة، لتتبوّء سوريا المرتبة الثالثة عالميا في الفساد بحسب مؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية لعام 2024.
وتكشف العديد من التجارب السابقة لعمليات إعادة الإعمار بعد الحرب في مختلف بقاع العالم بأن الشفافية والتمثيل الجامع في اتخاذ القرارات الحكومية هو الحل الأفضل للفساد والركود الاقتصادي وغيرهما من الأمراض التي تصيب البلاد خلال مرحلة التعافي.
وفي هذا السياق تشير مجلة فورين أفيرز في تقرير عن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا إلى أن عمليات إعادة الإعمار في لبنان والعراق مثلا شكلت فرصة ذهبية لقلة من السياسيين وتجار الحرب للثراء، بينما غرق عامة السكان في أزمات اقتصادية وخدمات متهالكة، وقد أدى الفساد المستشري، والتدخل الخارجي، وهيمنة جماعات لا تمثل الدولة، إلى فشل الحكومات في بناء اقتصادات مستدامة أو مؤسسات قادرة على ضبط المرحلة الانتقالية.
وتحذر أفيرز بتقريرها الصادر في 27 أيار أن هذا الواقع ترك فراغاً أمنياً واقتصادياً، تسابقت على ملئه قوى طائفية وغير رسمية، كما فشلت مشاريع البنية التحتية في أن تكون رافعةً للتنمية، بل تحولت إلى أدوات للربح الشخصي والنفوذ.
بدوره يؤكد الخبير الاقتصادي د. فراس شعبو أن رفع العقوبات شكّل فرصة مهمة لسوريا، لكنها لن تُترجم إلى تعافٍ حقيقي ما لم تُرافق بإصلاحات جذرية في بنية الدولة، فحسب قوله، تحتاج البلاد اليوم إلى “تنظيمات وتشريعات حديثة، وإعادة هيكلة اقتصادية سليمة، تعيد الثقة بمؤسسات الدولة، وتضمن أداءً شفافاً بعيداً عن الفساد والمحسوبيات”.
ويشير شعبو في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن إعادة دمج بعض المؤسسات العامة، وخصخصة القطاعات غير المنتجة، وتمكين القطاع الخاص، كلها خطوات لا بد منها في ظل ضعف الموارد وتردي الخدمات، فالدولة، كما يوضح، “لا تستطيع القيام بكل شيء بمفردها، بسبب حجم الدمار الهائل، وانهيار البنى التحتية في الصحة والتعليم والخدمات”.
ويختتم شعبو بالقول: “إذا تمكّنا من معالجة التحديات الاقتصادية والأمنية، فقد نكون قد قطعنا 70% من طريق الحل، فالنهوض الاقتصادي يفتح الباب تلقائياً أمام حلول سياسية ومجتمعية أكثر استقراراً”.
وتشير التحركات الحكومية إلى توجه مختلف نحو فتح صفحة جديدة بخصوص إصلاح القوانين والأنظمة الخاصة بالاستثمار، فقد أعلن وزير الاقتصاد والصناعة، الدكتور محمد الشعار، خلال قمة الإعلام العربي بدبي في 28 أيار، عن طرح فرص استثمارية واسعة وغير مسبوقة أمام المستثمرين المحليين والدوليين. ولفت إلى أن سوريا تسعى لتجاوز النموذج التقليدي لإعادة الإعمار، عبر إنشاء أربع مدن صناعية جديدة في مناطق غنية بالموارد الخام، وإصدار قانون جديد للاستثمار خلال أسابيع، بعد إلغاء القيود السابقة التي فرضها النظام البائد.
وكان وزير المالية محمد يسر برنية أكد في مقابلة مع تلفزيون سوريا أن الحكومة تعمل على خطة إصلاح شاملة تشمل تطوير الإدارة المالية العامة، وتعزيز استقلالية المصرف المركزي، والإصلاح الضريبي والجمركي، وبناء منظومة نزاهة مالية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب تطوير الخدمات الرقمية المالية والمصرفية.
—————————-
الشرع في مرمى التكفير/ محمد أبو رمان
01 يونيو 2025
للمرّة الأولى، يعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قبل أيامٍ، مسؤوليته عن عملية “عبوة ناسفة” ضدّ القوات السورية في النظام السياسي الجديد، بعد سقوط نظام بشّار الأسد (وتولي زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، أبو محمّد الجولاني سابقاً، رئاسة البلاد)، في استنساخ لنموذج شبيه من الصراع بين حركة طالبان وتنظيم داعش (ولاية خراسان) هناك، الذي تحوّل إلى العدو الأول للنظام الجديد في أفغانستان.
حجم الخصومة والعداء بين تنظيمَي هيئة تحرير الشام وداعش كبيرٌ لا يقف عند تخوم الجانب الفكري أو الأيديولوجي، بل يصل إلى التكفير والرمي بالعمالة والتخوين. وقد دخل كلاهما صراعاً دموياً كبيراً، في العام 2013 عندما رفضت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام لاحقاً) الاعتراف بالتبعية للخلافة التي أعلنها حينذاك أبو بكر البغدادي، ما أدّى إلى خلاف شديد لاحقاً بينهما، اضطر معه أبو محمّد الجولاني إلى الاعتراف بالعلاقة مع “القاعدة”، بالرغم من أنّه لم يكن يعلن ذلك سابقاً، قبل أن يعلن الجولاني نفسه الانشقاق والانفصال عن تنظيم القاعدة في 2016، وفي وقتٍ لاحق يعلن تنظيم حراس الدين القريب من “القاعدة” انشقاقه عن تنظيم هيئة تحرير الشام في إدلب، احتجاجاً على التحولات والتغيرات الكبيرة التي مرّ بها التنظيم، خاصّة انفصاله عن القاعدة.
يمكن أن يضاف إلى “داعش” و”القاعدة” تحدّيان آخران؛ الأول من حلفاء الهيئة من الفصائل الإسلامية الأخرى، التي بالرغم من أنّها قريبة من تركيا، ولن تأخذ موقفاً يعارض تركيا في سورية، إلاّ أنّه لا توجد قراءة دقيقة فيما إذا كان أفراد هذه الفصائل مُهيّئين للتحولات السياسية والفكرية التي تحدُث في سورية. ويتمثّل التحدّي الثاني بمصير آلاف المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا إلى جوار الهيئة، ووقفوا وقوفاً صلباً معها في مراحل ومنعرجات صعبة وقاسية، خاصّة أنّ هنالك موقفاً غربياً، وخاصّة أميركياً، حاسماً بربط الانفتاح والتطبيع ومستقبل سورية بإخراج هؤلاء تماماً من النظام السوري، وهو الشرط الذي ما يزال الشرع يحاول ممانعته، بالرغم من مرونته الشديدة في ملفاتٍ كثيرة، وينقل عنه دبلوماسيون عرب قوله إنه لا يستطيع التضحية بهم بعد كل ما قدّموه للثورة السورية، ولكن إلى أين ستسير الأمور ليس واضحاً بعد.
وبالرغم من أنّ الشرع قد أدار ظهره كليّاً لتلك المرحلة الجهادية، ويحاول صوغ مسار جديد، إلاّ أنّه أمام “بيئة خصبة” معادية لهذه التحوّلات في أوساط جهادية، وسيعمل كثيرون على استثمار تلك التحوّلات لإظهاره بصورة الذي تخلّى عن أفكاره وعن المجموعات التي ساهمت في وصوله إلى السلطة. ويكفي قراءة بعض المقالات والخطابات من أوساط “داعش” و”القاعدة”، لنرى حجم الحرب الكبيرة عليه، إذ خصّصت مجلة النبأ، الناطقة باسم تنظيم داعش، مقالات وتحليلات عديدة (في الأعداد الصادرة أخيراً) للهجوم على الشرع واتهامه بالردّة، وقد جاءت افتتاحية العدد قبل الأخير بعنوان “على عتبة ترامب”، وشنّت هجوماً أيديولوجياً عنيفاً على الشرع، بينما احتوى العدد الأخير على افتتاحية بعنوان “يا جنودَ الله هُبّوا”، وفيه تحريض على عملياتٍ في موسم الحج، في كل من مكّة والقدس ودمشق.
وإذا كانت الفتوى المنسوبة لأبي محمد المقدسي بتكفير الشرع غير مؤكدة بعد من مصادر موثوقة ولا حساباته الحركية على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّها ليست بعيدة البتة عن الموقف الحقيقي للمقدسيّ، الذي يرى أنّ هيئة تحرير الشام أخذت مساراً خارج سياق السلفية الجهادية تماماً، وحتى المنظومة الإسلامية، لكن الفرق أنّ الفتوى الجديدة (إن صحّت) فهي أقرب إلى تكفير علني واضح وصريح.
في الخلاصة، هنالك صراع أيديولوجي وفكري ضخم يواجه هيئة تحرير الشام على أكثر من صعيد، وهو صراع ليس في طور التراجع والهدوء، بل التصعيد، كلما مرّ الوقت وبنى النظام الجديد المؤسّسات والعلاقات الجديدة. وربما تشهد المرحلة المقبلة استقطاب أعداد من التنظيمات والجماعات المسلّحة السابقة وتأليبها ضد النظام الجديد، خاصة أنّ الشرع بين فكّي الكماشة؛ أصدقاء الأمس- أعداءُ اليوم، أصدقاء اليوم – أعداء الأمس، الأميركيون والإسرائيليون من جهة، والجهاديون العالميون وبعض المحليين من جهةٍ أخرى، والشروط الدولية والإقليمية القاسية التي وضعت لإعادة قبول سورية ورفع العقوبات واستدخالها ضمن المنظومات الإقليمية والدولية، وذلك هو المفتاح الوحيد المتاح لتحسين الاقتصاد وحياة الناس والخروج من أخطار عديدة في هذا السياق.
العربي الجديد
—————————–
رفعُ العقوبات عن دمشق.. ابتداء حلّ للاجئين في لبنان/ بتول يزبك
السبت 2025/05/31
خرج إعلان واشنطن رفع العقوبات الأساسيّة عن دمشق من رحم إعادة هندسةٍ إقليميّةٍ آخذةٍ في التشكّل؛ خطوةٌ واكبها الاتّحاد الأوروبيّ بمسارٍ موازٍ لتليين قبضته الماليّة والتجاريّة، لتبدو سوريا فجأةً على أعتاب “تعويمٍ” دوليّ يفتح لها، ولو جزئيًّا، صنابير التمويل والاستثمار، ويلوّح بعودةٍ تدريجيّةٍ للاجئين المنتشرين في شتات العالم. لكنّ تحت قوس السّياسة العريضة يتربّع ملفٌّ ملتهبٌ: لبنان، المثقل بنحو مليونٍ وسبعمئة ألف لاجئٍ سوريٍّ منذ عام 2012، يقف اليوم على مفترقٍ مصيريٍّ بين فرصةٍ لاستعادة بعض أنفاسه وخطر تثبيت واقعٍ مأزومٍ طويل الأمد.
فإذا ما تحوّل الانفراج الاقتصاديّ المحتمل داخل سوريا إلى حقيقةٍ ملموسة، فقد تتشقّق جدران اللجوء مفسحةً لعودةٍ طوعيّةٍ مدروسةٍ تعيد توزيع اليد العاملة وتخفّف الضغط عن بنيةٍ خدماتيّةٍ لبنانيّةٍ منهارة. غير أنّ هذا السيناريو يحتاج أكثر من مجرّد تفاؤل؛ فهو يتطلّب صفقة حوافز ثلاثيّة الأضلاع، لبنانيّة- سوريّة- أمميّة، تربط العودة بمشاريع إعادة الإعمار في مناطق المنشأ، وتمنح العائدين ضماناتٍ أمنيّةً وخدماتيّةً تقيهم شرّ دورة نزوحٍ جديدة. لذا، يجد لبنان نفسه فجأةً على مفترقٍ تاريخيّ: فهل يغتنم اللحظة لنسج مقاربةٍ إنسانيّةٍ وسياديّةٍ متوازنةٍ لملفّ اللجوء، أم يهدر الفرصة تحت وطأة الشعبويّة والعنصريّة والمزايدات الداخليّة؟
بعد اللجوء: بين مطرقة الانهيار وسندان الكراهية
يشكّل الوجود السوريّ في لبنان -رقميًّا- أكبر “تجمّع لاجئين” قياسًا بعدد السكان في العالم؛ فمن أصل أربعة ملايين مقيمٍ لبنانيّ، يشكّل اللاجئون ما يزيد على ثلث المجتمع. منذ عام 2012 استقبل لبنان قرابة 1.7 مليون لاجئٍ سوريّ، ومع تفاقم الانهيار الماليّ بعد عام 2019 أصبح اللاجئون كبش فداءٍ جاهزًا في ميدان السياسة الداخليّة: قرارات بلديّاتٍ بحظر التجوّل الليلي، هدم خيامٍ، توقيفاتٌ عشوائيّةٌ عند الحواجز، واقتراحاتٌ رسميّةٌ بإعادةٍ جماعيّةٍ تتجاوز التزامات لبنان بموجب الاتفاقيّات الدوليّة و”مذكّرة التفاهم” غير المنشورة مع المفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، متجاهلةً حقيقة أنّ الأزمة البنيويّة للبلد الصغير سبقت اللجوء بزمنٍ طويل: دينٌ عامٌّ فاق مئة مليار دولار، منظومة خدماتٍ هشّة، واقتصادٌ ريعيٌّ قائمٌ على تحويلاتٍ آخذةٍ في التآكل. ومع ذلك، استغلّ قطاعٌ واسعٌ من الطبقة السياسيّة خطاب “الإغراق الديموغرافيّ” لتحويل الأنظار عن فسادٍ عمره عقود.
غير أنّ رفع العقوبات يفتح نافذةً نظريّةً لعودةٍ منظّمة، شرط توافر ثلاثة عناصر متزامنة:
– إنعاشٌ اقتصاديٌّ سوريٌّ حقيقيّ يخلق فرصًا في مناطق المنشأ.
– برنامج حوافز ثنائيّ-أمميّ يربط العودة بمشاريع إعادة الإعمار ويوفّر ضماناتٍ أمنيّةً وخدماتيّة.
– سياسةٌ لبنانيّةٌ حقوقيّة تجرّد ملفّ اللجوء من المزايدات وتحظر الإعادة القسريّة.
حدود الحماية: القانون في مواجهة الديموغرافيا
حتّى الآن، يحظى خطاب “التخلّص من اللاجئين” الشعبويّ -على الرغم من أنّ شطرًا لا يستهان به منهم عاد إلى سوريا فعلًا- والمشحون بمشاعر عنصريّةٍ وتمييزيّة، بقبولٍ واسعٍ ومتزايدٍ في أوساط اللبنانيّين. وللأسف، يتقاطع هذا الجنوح المحلّي مع صعود اليمين الشعبويّ المعادي للمهاجرين في أوروبا وأميركا، الذي بات يجد له مسوّغًا في سقوط النظام ورفع العقوبات.
يتقاطع المساران الأمنيّ والحقوقيّ عند نقطةٍ بالغة الحساسيّة: مبدأ عدم الإعادة القسريّة (Non-Refoulement). ورغم أنّ لبنان ليس طرفًا في اتفاقيّة عام 1951، فإنّ العرف الدوليّ الملزِم يحظر طرد أيّ شخصٍ إلى بلدٍ يتعرّض فيه لخطر الاضطهاد أو التصفية. غير أنّ الخطاب الشعبويّ يسعى إلى “تسييل” هذا المبدأ، أي تحويله من قاعدةٍ مطلقةٍ إلى استثناءٍ قابلٍ للتأويل: إذا باتت سوريا بعد سقوط نظام الأسد ورفع العقوبات، آمنة، فلم لا يعتبر اللاجئ “قادرًا” على العودة؟
هنا يحذّر خبراء القانون الدوليّ من “فخّ المصطلحات”؛ فالمعيار الحاسم ليس مجرّد غياب القصف، بل توفّر منظومة عدالةٍ شفّافة، وعقدٍ اجتماعيٍّ يضمن الأمن الشخصيّ وحقوق الملكيّة، ونظام رصدٍ مستقل لانتهاكات ما بعد العودة.
نافذة عودةٍ أم مجرّد سراب؟
منذ لحظة رفع العقوبات، عادت عبارة “التعويم الدوليّ” تتردّد على ألسنة المستثمرين: في دمشق، يصوّر الأمر كإعلان نهايةٍ رسميّةٍ للعزلة، وفي بيروت، يسوّق على أنّه “بوليصة تأمين” تسمح للحكومة بطرح خطّةٍ تنظيميّةٍ لعودة جزءٍ من اللاجئين. لكنّ المتلقّي الأوّل لهذا الخطاب هي المفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، التي تجد نفسها مضطرّةً إلى المواءمة بين طموحات العواصم ووقائع الميدان.
في حديثٍ إلى “المدن”، تشير الناطقة الرسميّة باسم المفوّضيّة في لبنان ليزا أبو خالد إلى أنّه “بينما يستمرّ الوضع في سوريا في تطوّرٍ سريع، ترى المفوّضيّة أنّ السياق الحاليّ يمثّل فرصةً إيجابيّةً لعددٍ أكبر من اللاجئين السوريّين للعودة إلى ديارهم، أو على الأقلّ لبدء التفكير في العودة بطريقةٍ واقعيّةٍ ومستدامة”.
وتضيف: “لا يزال الأفق الإنسانيّ في سوريا يواجه تحدّياتٍ كبيرة؛ فهناك ملايين الأشخاص بحاجةٍ ماسّةٍ إلى المساعدة، من طعامٍ ومأوى ورعايةٍ صحيّة وغيرها. وقد أعرب كثيرٌ من اللاجئين عن رغبتهم في العودة، لكنّهم متردّدون بسبب عدم اليقين في الظروف على المدييْن القصير والطويل. وتشمل المخاوف الرئيسيّة الوصول إلى التعليم وسبل العيش، والقضايا العالقة المتعلّقة بالإسكان والأراضي والممتلكات، إضافةً إلى توافر المساعدة الإنسانيّة عند العودة. على المجتمع الدوليّ أن يبذل المزيد لتلبية هذه الاحتياجات ودعم جهود التعافي طويل الأمد في سورية؛ فلكي تكون عمليات العودة مستدامة، تحتاج سوريا إلى أكثر من مجرّد السلام، إلى وظائف ومدارس ومستشفياتٍ وخدماتٍ أساسيّةٍ مثل الكهرباء والمياه النظيفة. وسيعدّ رفع العقوبات عاملًا حاسمًا في إعادة بناء البلاد وخلق الظروف التي تسمح لعددٍ أكبر من العائلات بالعودة إلى منازلها”.
مبادرات المفوضية وخطط العودة
وتشير قائلةً: “نحن الآن نقف عند مفترق طرقٍ حاسم، ولا يسعنا إلّا التأكيد على ضرورة اغتنام هذه اللحظة التاريخية لضمان عودة أعدادٍ أكبر من اللاجئين، ممّا يخفّف الضغط عن لبنان. ولهذه الغاية، تتطلّع المفوضية إلى مزيدٍ من التعاون مع حكومة لبنان لتنفيذ مبادراتٍ ملموسة لمساعدة اللاجئين المستعدّين للعودة، مع توسيع الدعم الإنساني داخل سوريا لضمان استدامة هذه العودة.
في لبنان، طوّرت المفوضية وشركاؤها خطة عملٍ مشتركة للعودة الطوعية تهدف إلى مساعدة نحو 400 ألف لاجئ سوري (من بينهم 5 آلاف لاجئ فلسطيني قادمون من سوريا) على العودة الطوعية إلى سوريا بحلول عام 2026 في أفضل السّيناريوهات. وتتضمّن الخطة مخصّصات لدعم العودة، إلى جانب النقل والمساعدة في إنجاز الوثائق اللازمة عند الوصول إلى سوريا.
وتواصل المفوضية تنسيق التحضيرات وتنفيذ إجراءات العودة في لبنان، وتتعاون مع الحكومة اللبنانية (ولا سيّما الأمن العام) لوضع مساراتٍ للعودة الطوعية وضمان دعم اللاجئين السوريين الذين يختارون العودة طوعًا”.
وأضافت: “تمّ تقديم الإطار التشغيليّ اللّبنانيّ للعودة الطوعية، الذي طوّر بالتعاون مع الأمن العام، للمراجعة. وكجزءٍ من ذلك، رفعت خطط تيسير العودة رسميًا إلى الحكومة، وتتطلّع المفوضية إلى التوصّل إلى اتفاقٍ في القريب العاجل. وعلى أرض الواقع، ترغب المفوضية وشركاؤها في تقديم دعمٍ معيشيّ للأشخاص لإنهاء شؤونهم، إضافةً إلى تغطية تكاليف النقل”.
بيانات العودة الراهنة
تسأل “المدن”: هل رصدتم عودة منظّمة أو عفوية في الأشهر الماضية؟ إذا كان الجواب نعم، فما الأعداد التقريبية، والمسارات، والخصائص الديموغرافية؟
تجيب المفوضية: “حتى 22 أيار 2025، تقدّر عودة 507 672 سوريًا إلى سوريا عبر الدول المجاورة منذ 8 كانون الأول 2024، منهم 172 801 عبروا من لبنان.
ومنذ بداية عام 2024، عاد 868 512 فردًا سوريًا إلى سوريا.
وبحسب أحدث البيانات حتى 22 أيار، عاد 1 200 486 نازحًا داخليًا إلى منازلهم في سوريا منذ أوائل كانون الأول 2024.
تعمل المفوضية مع الحكومة اللبنانية، ومن خلال شراكاتٍ شاملة، على برامج لتيسير العودة الطوعية للاجئين السوريين، لضمان دعم من يختار منهم العودة طوعًا بعد اطّلاعٍ كامل. غير أنّ الإطار التشغيلي اللبناني للعودة الطوعية لم يفعّل بعد؛ وقد رفعت خطط تسهيل العودة رسميًا إلى الحكومة، وتتطلّع المفوضية إلى اتفاقٍ قريب”.
الرصد داخل سوريا
بمجرّد عودة اللاجئين (سواء بإرادتهم أم تحت الضغط)، كيف تتعقّب المفوضية سلامتهم وإمكان حصولهم على الوثائق والممتلكات والخدمات الأساسية داخل سوريا؟
تجيب أبو خالد: “تعلم فرق المفوضية في سوريا عن كلّ عودة تتمّ في إطار برامجنا للعودة الطوعية، وتلعب دورًا رئيسيًا في رصد الأوضاع عند الوصول وما بعده بالتنسيق مع السلطات المعنية. كما تتواجد فرقنا في نقاط العبور الرسمية للتواصل مع العائدين، ويجري التنسيق مباشرة بين السلطات اللبنانية والسورية. ويتيح الوجود المستمرّ لفرقنا وشبكات الحماية المجتمعية داخل سوريا المتابعة الدورية والتقارير المنتظمة عن أوضاع العائدين.
يشمل دور المفوضية في برامج العودة المنظّمة في لبنان تقييم طوعية العودة، وضمان حدوثها في ظروفٍ آمنة وكريمة، وتنسيق إجراءات المغادرة مع السلطات عبر نقاط العبور الرسميّة. وقبل المغادرة، تشارك المفوضية في لبنان اللاجئين المعلومات المتوفّرة عن الخدمات والمراكز المجتمعية في سوريا لدعم اتخاذ قرارٍ مستنير وتقديم المساعدة حيث أمكن (مثل دعم النقل والمساعدات النقدية)”.
تأثير تخفيف العقوبات على تمويل المفوضية
إلى أيّ مدى قد يؤثّر التخفيف الجزئي للعقوبات الأميركية والأوروبية على تمويل المفوضية وإمكاناتها التشغيلية في سوريا أو على استراتيجيتها للحلول الدائمة؟
تجيب المفوضية: “كانت المفوضية تدعو إلى تخفيف العقوبات عن سوريا منذ سقوط نظام الأسد. وقد يسهم إعلان الرئيس ترامب في دعمٍ كبير لعودةٍ طوعية واسعة ومستدامة لملايين السوريين والنازحين داخليًا. فإعادة الإعمار ضرورية بشدّة لدعم ذلك؛ إذ يحتاج الناس إلى فرص عمل ليعيشوا، وإلى خدماتٍ لأطفالهم. ولكن، لاغتنام هذه اللحظة التاريخية، يجب على المجتمع الدولي أن يتعاضد سريعًا لتلبية هذه الاحتياجات ودعم جهود التعافي على المدى الطويل، وإلّا فسيعدّ ذلك تراجعًا كبيرًا عن سعينا المشترك لإيجاد حلولٍ دائمة للنازحين السوريين.
المفوضية حاضرة داخل سوريا وتلبّي الاحتياجات الإنسانية للنازحين داخليًا والعائدين؛ ويشمل دعمها توفير المأوى والحماية ودعم سبل العيش -بالمواد والمساعدات النقدية- لبناء القدرة على الاعتماد على الذات وتعزيز التماسك الاجتماعي والمرونة، بما يضمن استدامة العودة على المدى الطويل.
ومع ذلك، وكحال لبنان، تعاني المفوضية في سوريا نقصًا حادًّا في التمويل، ما اضطرّها -للأسف- إلى تقليص عملياتها الحيوية، وهو ما يمنعها من تقديم الدعم اللازم في الوقت المناسب لتحسين شروط العودة. وعلى الرغم من محدودية الموارد، تواصل المفوضية تقديم الدعم في أنحاء سوريا، لتصل إلى آلاف العائلات العائدة بمساعداتٍ أساسية”.
الدعم لمن يقرّر البقاء في لبنان
بالنسبة إلى اللاجئين الذين يختارون -على الأقل في الوقت الحاضر- البقاء في لبنان، ما خطط المفوضية لتوسيع فرص سبل العيش والتعليم والمساعدة القانونيّة وغيرها من الخدمات الحيويّة بينما تبقى الحلول السّياسيّة غير مؤكّدة؟
“تنفّذ المفوضية مبادراتٍ ملموسة لدعم الحكومة اللبنانية في مساعدة اللاجئين المستعدّين للعودة، وفي الوقت ذاته تواصل دعم من يفضّل الانتظار وتقييم الوضع ويظلّ بحاجة إلى المساعدة. إلا أنّها، والمجتمع الإغاثي بأسره، تواجه انخفاضًا كبيرًا وغير متوقّع في التمويل خلال عام 2025، إذ لم تتجاوز نسبة التمويل 20 % حتى نيسان 2025. وقد أثّر تجميد التمويل الأميركي الأخير، إلى جانب نقص تبرعات المانحين الآخرين، تأثيرًا كبيرًا في قدرة المفوضية على تقديم الخدمات الأساسية للاجئين وللفئات الضعيفة من اللبنانيين”.
نافذة ضيّقة وحاجة إلى توافق ثلاثي
يجمع الدبلوماسيون على أنّ النافذة الزمنية لالتقاط مكاسب رفع العقوبات تطول، ريثما تتّضح مآلات الصراع الأوسع على الإقليم. فإذا أخفق لبنان -والمجتمع الدولي- في تحويل “الحدث الاقتصادي” إلى رافعة حلٍّ إنساني، فسيتراكم الإحباط وتنفجر موجة نزوحٍ معاكسة نحو أوروبا أو داخل لبنان، بينما تعيد سوريا -بموارد محدودة- إنتاج نظام محاصصةٍ اقتصادية يقصي الأكثر هشاشة.
البديل الوحيد هو توافقٌ سياسيٌّ ثلاثيّ (لبنانيّ/سوريّ/دوليّ) يربط رفع العقوبات بخطة إعادة إعمارٍ مشروطةٍ بإصلاحٍ داخلي، ويقنّن حركة العودة ضمن آلياتٍ تحترم القانون الدولي وتوفّر شبكة أمانٍ تشمل العائدين ومن يختار البقاء إلى حين. والحال، إنّ رفع العقوبات ليس عصًا سحرية، بل مجرّد إجراءٍ تمهيديّ؛ أمّا الاختبار الحقيقي فيكمن في قدرة الأطراف كلّها على استثمار اللحظة لإنتاج سياساتٍ عقلانية تعيد للناس حقّهم في وطنٍ آمن، وتمنح لبنان متنفسًا بعد سنواتٍ من الانهيار.
————————————
4 أسباب للخلاف بين ترامب ونتنياهو بشأن سوريا/ محمود علوش
29/5/2025
رفعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب جزءًا كبيرًا من العقوبات المفروضة على سوريا، بهدف تعزيز نهجها الجديد القائم على دعم استقرار حكم الرئيس أحمد الشرع، والاستفادة من الفرص التي تقدمها سوريا الجديدة لإحداث تحول تاريخي في العلاقات مع دمشق، وإعادة صياغة دورها في الشرق الأوسط.
من بين الجوانب التي تبدو غامضة في السياسة الأميركية تجاه سوريا حاليًا، الهوة الواضحة بينها وبين السياسة الإسرائيلية. وتتجلى هذه الهوة في مؤشرات متضاربة؛ فمن جهة، يتعارض نهج ترامب مع السياسة الإسرائيلية التي اعتبرت حتى وقت قريب الحكم الجديد في سوريا تهديدًا إستراتيجيًا، وتبنت تصورات مثل إبقاء سوريا دولة ضعيفة والدفع نحو إقامة فدراليات طائفية كمدخل لتقسيمها. ومن جهة أخرى، تُظهر إدارة ترامب اهتمامًا كبيرًا بالمصالح الإسرائيلية، وترى في التحول السوري فرصة تاريخية لتطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل في المستقبل.
علاوة على ذلك، لا تقتصر هذه الهوة على النظرة إلى حكم الرئيس أحمد الشرع. ففي الوقت الذي تحرص فيه إدارة ترامب على تعزيز الانخراط التركي والسعودي في سوريا، ترى إسرائيل في الوجود التركي تهديدًا جيوسياسيًا.
إن هذا التعارض بين حليفين وثيقين يُعد أمرًا نادرًا في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكنه يصبح أكثر وضوحًا عند النظر إلى الدوافع والأسباب المتعددة التي تشكل نهج ترامب. يمكن تلخيص هذه الدوافع في أربعة محاور رئيسية:
أولًا، يوفر التحول السوري فرصة تاريخية للولايات المتحدة لتحويل سوريا إلى حليف جديد في الشرق الأوسط، بعد عقود من تموضعها في المعسكر المناهض لها.
ومن شأن هذا التحول إعادة تعريف النفوذ الأميركي في الجغرافيا السياسية الإقليمية، إذ يشكل أيضًا قاعدة انطلاق للتأثير على دول مجاورة مثل لبنان والعراق. ومن هذا المنظور، يُشكل النهج الإسرائيلي، الذي يسعى إلى إبقاء سوريا في حالة فوضى، تهديدًا كبيرًا لهذه الفرصة.
ثانيًا، يندرج اهتمام الرئيس دونالد ترامب بتعزيز انخراط دول المنطقة، وفي مقدمتها تركيا والسعودية، في سوريا، ضمن رغبة الولايات المتحدة في تقليص انخراطها المباشر في الشرق الأوسط، وتمكين القوى الحليفة من إدارة شؤون المنطقة بدرجة أكبر من الاستقلالية.
وبالتالي، فإن انضمام سوريا إلى تكتل الدول الحليفة لأميركا في المنطقة يعزز قوة النظام الإقليمي الجديد الذي تطمح إليه واشنطن. وعليه، فإن النهج الإسرائيلي في سوريا لا يدعم تشكيل هذا النظام الإقليمي، بل يُضيف ضغوطًا جديدة على سياسة ترامب في الشرق الأوسط.
ثالثًا، تعتقد الولايات المتحدة أن انخراطها القوي في سوريا والانفتاح على حكم الرئيس أحمد الشرع يحدان من مخاطر انهيار الاستقرار السائد في البلاد منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد.
إن سيناريو انهيار الاستقرار قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مثل اندلاع حرب أهلية تشكل بيئة خصبة لعودة تنظيم الدولة، مما يعقد هدف ترامب بالانسحاب العسكري من المنطقة، فضلًا عن احتمال عودة روسيا وإيران إلى سوريا، وتصاعد التوتر الجيوسياسي بين تركيا وإسرائيل إلى مواجهة عسكرية. ومن هذا المنظور، فإن النهج الإسرائيلي يزيد من هذه المخاطر بدلًا من الحد منها.
رابعًا، يرى ترامب، الذي يولي أهمية كبيرة في ولايته الثانية لتوسيع اتفاقيات السلام بين دول المنطقة وإسرائيل، أن استقطاب سوريا إلى معسكر الأميركي في المنطقة يوفر فرصة تاريخية لتطبيع العلاقات السورية- الإسرائيلية على المدى البعيد.
ويُشكل هذا الهدف فائدة إستراتيجية كبيرة لإسرائيل. وانطلاقًا من ذلك، فإن محاولات إسرائيل زعزعة استقرار الحكم الجديد ستؤدي حتمًا إلى نتائج عكسية.
تتجلى ثلاثة مؤشرات واضحة تشير إلى تحول في النهج الإسرائيلي نتيجة سياسة ترامب، وهي:
تراجع ملحوظ في النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا مؤخرًا مقارنة بالفترة التي أعقبت الإطاحة بنظام الأسد.
تغير النبرة الإسرائيلية تجاه الحكم الجديد بعد بدء محادثات غير مباشرة معه.
دخول إسرائيل في حوار مع تركيا لتهدئة التوترات في سوريا والتوصل إلى تفاهمات لإدارتها.
مع ذلك، فإن استقرار السياسة الإسرائيلية في سوريا على مسار واضح يظل مرهونًا بمجموعة من العوامل، أبرزها تطور العلاقات الأميركية السورية.
ويمكن النظر إلى فترة الستة أشهر التي حددتها واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا على أنها مصممة بشكل رئيسي لاختبار الرئيس أحمد الشرع، وتهيئة الأرضية لعلاقات جديدة، وفي الوقت ذاته، فرصة للتوصل إلى تفاهمات واضحة تعالج التهديد الذي تشكله إسرائيل لسوريا.
ورغم أن هدف الرئيس دونالد ترامب بتحقيق تطبيع سوري- إسرائيلي يبدو بعيد المنال في المستقبل القريب، فإن السياق الجديد لسوريا والانخراط الأميركي القوي فيها يعملان حاليًا على تجميد التحدي الإسرائيلي لسوريا، بما يُعزز من قدرة الرئيس أحمد الشرع على التفرغ للتحديات الداخلية والاستفادة من رفع العقوبات للشروع في عملية الإنعاش الاقتصادي الذي يُشكل بوابة ضرورية للاستقرار الأمني والسياسي والمجتمعي.
كما يوفر الانخراط الأميركي فرصة لتركيا وإسرائيل للتفاهم على آليات عمل تتجاوز الحد من مخاطر التصعيد إلى التعاون في سوريا. وهذا ما يطمح إليه ترامب، الذي يسعى إلى جعل سوريا أرضية لنظام إقليمي جديد يحافظ على النفوذ الأميركي في المنطقة، مع تقليص انخراطها المباشر فيها في الوقت ذاته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
باحث في العلاقات الدولية
الجزيرة
———————————–
كيف تشطب سوريا من قائمة “غسيل الأموال”
تعد ظاهرة “غسيل الأموال” من القضايا الاقتصادية الخطيرة التي تؤثر سلبًا على الاستقرار المالي والاقتصادي في سوريا.
وتصنف مجموعة العمل المالي الدولية سوريا ضمن القائمة الرمادية، بشأن غسيل الأموال.
وكان المبعوث المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شينك، طالب في 27 من أيار، يإزالة اسم سوريا من قائمة غسيل الأموال، متطلعًا إلى شراكة بلاده مع الحكومة السورية بعد رفع العقوبات.
وقال المبعوث الألماني في تصريحات نقلتها قناة “الجزيرة” القطرية، إنه يجب رفع العقوبات عن سوريا من أجل تعزيز الاستثمار، وشطب اسم سوريا من قائمة غسل الأموال”.
شينك أعرب عن تطلع بلاده إلى شراكة مع الحكومة السورية بعد رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية، آملًا تعزيز الشراكة معها في مجالات الطب والتعليم والنقل.
ومنذ إدراجها في القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي في عام 2010، واجهت سوريا تحديات كبيرة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بحسب ما يرى نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حماة، عبد الرحمن محمد.
وخلال حديثه لعنب بلدي، اعتبر الدكتور عبد الرحمن محمد، أن سوريا تعاني “من ضعف في الإشراف المالي، وغياب التشريعات الفعالة، ما يجعلها بيئة خصبة للأنشطة غير المشروعة”.
وأشار إلى أن وجود سوريا في القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي يعني “أن البلاد تخضع لمراقبة دولية مشددة، بسبب أوجه القصور في نظامها لمكافحة غسل الأموال”.
واعتبر نائب عميد كلية الاقتصاد أن استمرار وجود سوريا في القائمة الرمادية يعكس عدم كفاية الإجراءات المتخذة لمواجهة هذه الظاهرة، ما يؤثر على ثقة المستثمرين ويزيد من تكاليف المعاملات المالية.
ومن وجهة نظر الدكتور محمد، فإن هذا يُعتبر “إنذارا للحكومة السورية بضرورة تنفيذ إصلاحات عاجلة لتحسين نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل أي عمليات مسلحة ضد البلد حاليا“.
كيف تشطب من القائمة
وتتطلب مكافحة غسيل الأموال في سوريا جهودًا متكاملة تشمل تعزيز الشفافية، وتطوير الأنظمة القانونية، وتحسين التعاون الدولي.
ويرى نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حماة، أن سوريا “بيئة نشطة لغسيل الأموال”، بسبب ضعف الرقابة المالية، وغياب الشفافية في المعلومات المتعلقة بالمعاملات المالية”.
ولمكافحة هذه الظاهرة، اقترح عدة إجراءات يجب اتخاذها منها:
تعزيز وتطوير التشريعات: تطوير قوانين صارمة لمكافحة غسل الأموال.
تحسين الرقابة: إنشاء هيئات رقابية فعالة لمتابعة الأنشطة المالية المشبوهة.
تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية مثل مجموعة العمل المالي لتبادل المعلومات والخبرات.
تدريب العاملين في القطاع المالي على كيفية التعرف على الأنشطة المشبوهة.
وسيكون لرفع سوريا من القائمة الرمادية، آثار إيجابية كبيرة على الاقتصاد السوري، بحسب دكتور الاقتصاد عبد الرحمن محمد، إذ يؤدي ذلك إلى” تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين في النظام المالي السوري”، و”تسهيل الوصول إلى الأسواق المالية الدولية وتقليل تكاليف المعاملات المالية، وتحسين بيئة الأعمال”.
وبعد التخلص من ظاهرة غسيل الأموال ورفع سوريا من القائمة الرمادية، يمكن أن يشهد الاقتصاد السوري، بحسب محمد تحسنًا ونموًا ملحوظًا في عدة مجالات منها:
جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ما يعزز النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل كثيرة
زيادة التمويل للمشاريع التنموية والبنية التحتية، ما يسهم في تحسين جودة الحياة التي باتت مرهقة ومتعبة للمواطن.
تحسين النظام المالي والمصرفي، مما يؤدي إلى استقرار الأسعار وتخفيض التضخم.
خلق فرص عمل جديدة نتيجة للنمو الاقتصادي وزيادة النشاط التجاري.
على “القائمة الرمادية”
وتصنف مجموعة العمل المالي (FATF)، سوريا على القائمة الرمادية بشأن غسيل الأموال .
وعندما تضع فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية في المجموعة، دولة ما تحت المراقبة المشددة، فهذا يعني أن الدولة قد التزمت بمعالجة أوجه القصور الاستراتيجية في أنظمتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح، ضمن الأطر الزمنية المتفق عليها، وعلى أنها تخضع لمراقبة مشددة.
في بيان صادر في 21 شباط 2025، قالت منظمة “العمل المالي”، إنه منذ تعهدت سوريا في شباط 2010 بالعمل مع مجموعة العمل المالي (FATF) ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAFATF) لمعالجة أوجه القصور الاستراتيجية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أحرزت سوريا تقدمًا في تحسين نظامها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في حزيران 2014.
ولذلك قررت مجموعة العمل المالي، بحسب البيان، أن “سوريا قد عالجت بشكل جوهري خطة عملها على المستوى الفني، بما في ذلك تجريم تمويل الإرهاب ووضع إجراءات لتجميد أصول الإرهابيين”.
وبينما قررت مجموعة العمل المالي أن “سوريا قد أكملت خطة عملها المتفق عليها، إلا أنها لم تتمكن، بسبب الوضع الأمني، من إجراء زيارة ميدانية للتأكد مما إذا كانت عملية تنفيذ الإصلاحات والإجراءات المطلوبة قد بدأت وما إذا كانت مستمرة”.
وأضافت المجموعة أنها ستواصل مراقبة الوضع في سوريا، وستجري زيارة ميدانية في أقرب وقت ممكن.
ما مجموعة “العمل المالي”
وتعرف “مجموعة العمل المالي” (FATF) نفسها بأنها “الهيئة العالمية الرقابية المعنية بغسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
وتضع هذه الهيئة الحكومية الدولية معايير دولية تهدف إلى منع هذه الأنشطة غير القانونية والأضرار التي تلحقها بالمجتمع. وبصفتها هيئةً صانعة للسياسات، تعمل مجموعة العمل المالي على حشد الإرادة السياسية اللازمة لإحداث إصلاحات تشريعية وتنظيمية وطنية في هذه المجالات.
كما تضع هذه الهيئة، المكونة من 40 عضوًا، معايير دولية تضمن قدرة السلطات الوطنية على ملاحقة الأموال غير المشروعة المرتبطة بالاتجار بالمخدرات، وتجارة الأسلحة غير المشروعة، والاحتيال الإلكتروني، وغيرها من الجرائم الخطيرة بفعالية.
وبحسب المنظمة فقد التزمت أكثر من 200 دولة وسلطة قضائية بتطبيق معايير مجموعة العمل المالي كجزء من استجابة عالمية منسقة لمنع الجريمة المنظمة والفساد والإرهاب.
وتأسست مجموعة العمل المالي عام 1989، ومقرها باريس.
عنب بلدي
——————————
سورية تتعافى وتنتظر المستقبل/ فاطمة ياسين
01 يونيو 2025
لم يتأخّر الاتحاد الأوروبي في رفع العقوبات عن سورية، بعد خطوة الولايات المتحدة التي أزالت معظم القيود المفروضة خلال عهد الأسدين، فمنذ نهاية السبعينيات، بدأت ممارسات النظام السوري تراكم العقوبات فوق كاهل الشعب، حتى تصاعدت بشكل كبير بعد أشهر من بدء الثورة السورية ضد بشّار في مارس/ آذار عام 2011، حتى وصلت إلى تقييد كامل لأي حركة سياسية أو اقتصادية سورية، ووصل الوضع إلى حالة الإنهاك التي نعرفها، وعكستها بوضوح صورة الداخل بعد وصول قوات المعارضة إلى دمشق، ومن حينها دأبت القيادة الجديدة على العمل بشكلٍ جادٍّ لرفع العقوبات بالكامل، أو التخفيف منها، وبدت تعرف الوسيلة جيداً، فأطلقت جميع من في السجون، وفتحت حدودها إيذاناً ببدء عودة اللاجئين، وأبدت استعداداً كاملاً للتخلص من مستودعات الأسلحة الكيميائية التي كان النظام يخفيها إلى حين حاجته إليها.. كانت هذه الإجراءات التي طبّقت بمجرّد وصول السلطة الجديدة، من جملة شروطٍ أخرى نصّ عليها قرار الأمم المتحدة 2254 بخصوص سورية. ولم تتوقف العجلة عند ذلك، فقد بدأت عملية ترتيب البيت الداخلي بسرعة وجدّية عاليتين، فتسارعت القرارات التنظيمية والإدارية لتبدو سورية بمظهر دولة حقيقي، بعد أن فقدت هويتها السياسية والاقتصادية قرابة عقد ونصف العقد.
شكّلت المسألة الأمنية أولوية قصوى، وقد استوعبت وزارة الداخلية ذلك، فأعادت الأسبوع الماضي هيكلية جهازيها الوظيفي والفني، وقسّمت القُطر إلى محافظات، وجعلت قائداً واحداً للأمن في كل منطقة، بعد أن مسحت طريقة النظام القديم الذي كان يقيم أجهزة أمنية متعدّدة ذات مهام متداخلة، تسمح بالدخول في صراعات مباشرة فيما بينها، وقد حدث ذلك مراراً، بغرض زيادة سيطرة رأس النظام بإبقاء حرارة التنافس بين تلك الأجهزة. أما اليوم، فقد أصبح “الأمن الداخلي” الجهة الوحيدة التي يسمح لها بالتعامل المباشر مع المواطن بحسب الهيكلية الجديدة، ما يجعل التعامل أيسر وأسرع.
لم تستطع السلطات الجديدة، قبل إعادة الهيكلة، أن تتجنّب أحداثاً مؤسفة وقعت في الساحل بعد هجماتٍ من فلول النظام، وألقى هذا الحدث الأمني صدّاً دولياً، وتُرجم على شكل عقوبات طاولت شخصين، إلى جانب كيانيْن، كانا قد ذابا عملياً في هيكل الجيش بحسب وزير الدفاع. ولكن اللافت في هذا القرار أن الاتحاد الأوروبي الذي أصدره فرّق بين السلطة القائمة والشخصيات المستهدفة، تصديقاً لرواية الأمن العام الذي أقر بوقوع حوادث ذات طبيعة فردية أو منفلتة، فجاءت العقوبات منسجمةً تماماً مع هذا الإعلان، والآن بتنظيم الأمن ونشره في كل أرجاء سورية نتوقع عدم وقوع حوادث مشابهة، وهو ما على السلطة الحالية أن تحرص عليه وهو ضمن مسؤولياتها، وقد يكون تنظيم الجيش الذي أعلنه وزير الدفاع عاملاً مساعداً بعد إذابة أكثر من 130 كياناً وفصيلاً عسكرياً في جسد الجيش السوري الوليد.
بعد تشكيل جهاز الأمن، ورفع العقوبات، لن يكون هناك أي عائق أمام التخطيط لعملية تنموية شاملة تحتاج إليها سورية بشدّة، لتعيد إقلاعها، وهو تحدٍّ آخر أكثر صعوبة من رفع العقوبات الذي جرى بسرعة قياسية، ونشر الأمن الذي ننتظر اختبار فاعليته، وهناك مساندة ليست مسبوقة من الولايات المتحدة ودول أخرى مؤثرة وأساسية في الإقليم تمتلك الإمكانات والإرادة لدعم سورية.. وعَقْد الاتفاقيات الأربع قبل أيام نقطة مهمة في مسيرة سورية بمجال الطاقة الشمسية ومحطّات التوليد بواسطة الغاز، ضمن استثمار بمليارات الدولارات، وقد جرى توقيعها بالأحرف الأولى في دمشق، وهي فاتحة لمجموعة أخرى من المشاريع يجري التبشير بها في كل القطاعات. وبذلك تكون سورية قد وضعت قدمها على سلّم التعافي، بعد فترة الأسدين التي صبغت سورية بلونها الكالح، وعتمت على حاضرها، وصعّبت المهمة أمام من يرغب في بناء مستقبل مشرق لها.
العربي الجديد
————————
عقوبات أوروبية «بلا جدوى» على قادة وفرق عسكرية/ منهل باريش
يساعد القرار بالخروج من المآزق وإعطاء فرصة لإدارة الشرع لترتيب أوراقها الداخلية وخصوصا على الصعيد العسكري، والخلاص من ملف الجيش الوطني تدريجيا ودمج فصائله بالجيش السوري الجديد.
أعلن الاتحاد الأوروبي، الأربعاء الفائت، عن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا والتي بدأ الاتحاد فرضها على نظام الأسد منذ أيار (مايو) 2011، وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان الاتحاد في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، تعليق عقوباته على قطاعات الطاقة والتمويل والطيران.
وجاء في بيان نشره مجلس الاتحاد الأوروبي على موقعه الإلكتروني، أنه اعتمد على قرارات قانونية «ترفع جميع القيود الاقتصادية المفروضة على سوريا»، إلا أنه استثنى القيود المبنية على «دواعٍ أمنية»، ولفت مجلس الاتحاد في بيانه إلى أن قرار رفع العقوبات شمل أيضاً «24 كياناً من قائمة الاتحاد الأوروبي للجهات الخاضعة لتجميد الأموالـ«، ومن هذه الكيانات مصرف سوريا المركزي، وقطاعات رئيسية تساهم في إنعاش الاقتصاد السوري، مثل شركات إنتاج النفط وتكريره، وشركات اتصالات ووكالات إعلام وقنوات تلفزيونية سورية.
وقال المجلس في البيان إن قرار رفع العقوبات يهدف إلى «دعم الشعب السوري في إعادة توحيد وبناء سوريا جديدة، شاملة وتعددية ومسالمة».
وفي السياق ذاته، مدد الاتحاد الأوروبي قوائم العقوبات على الكيانات والأفراد المرتبطين بنظام الأسد حتى مطلع حزيران (يونيو) من العام المقبل 2026، وذكر البيان أن هذا التمديد يتماشى مع دعوة الاتحاد الأوروبي إلى «المساءلة، ودعمه للانتقال السلمي».
إلا أن إعلان الاتحاد رفع العقوبات ترافق في الوقت نفسه مع فرض عقوبات على ثلاثة كيانات هي «لواء السلطان سليمان شاه» الذي أسسه وكان يقوده محمد حسين الجاسم «أبو عمشة»، وفرقة الحمزة التي أسسها وكان يتولى قيادتها حسين بولاد المعروف بلقب «سيف أبو بكر»، وفرقة «السلطان مراد» التي أسسها وكان يقودها فهيم عيسى، والذي يتولى في هذه المرحلة منصب نائب وزير الدفاع السوري.
الجدير بالذكر، أن العقوبات استهدفت كلاً من العميدين محمد الجاسم وسيف بولاد، وفصيليهما، إلا أنها استهدفت فرقة السلطان مراد ككيان بدون أن تُفرض على قائد الفرقة فهيم عيسى أي عقوبات. وبعد سقوط نظام الأسد، وبدء إدارة الرئيس أحمد الشرع الحالية تنظيم الفصائل المسلحة ودمجها ضمن وزارة الدفاع والجيش السوري الجديد، منح كلٌ من الجاسم وبولاد رتبة عميد، وتولى محمد الجاسم قيادة الفرقة «62» والتي من المفترض أن يكون نطاق انتشارها في محافظة حماة، ومنح سيف بولاد قيادة الفرقة «76».
وقال مجلس الاتحاد الأوروبي في هذا السياق، إنه فرض ما وصفها بـ«تدابير تقييدية جديدة بموجب نظام العقوبات العالمي لحقوق الإنسان التابع للاتحاد الأوروبي، تستهدف فردين وثلاثة كيانات بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما يتصل بموجة العنف التي اندلعت في منطقة الساحل السوري في آذار (مارس) الماضي».
وأضاف الاتحاد الأوروبي في بيانه تفصيل أسباب العقوبات المفروضة على الكيانات والأشخاص، شارحا عقوباته على محمد الجاسم أنها جاءت بسبب، «مشاركة لواء السلطان سليمان شاه، بقيادته، في أعمال عنف بالساحل السوري، ونتيجة استهدافه مدنيين وخاصة من الطائفة العلوية، بما في ذلك جرائم قتل تعسفية بحق المدنيين، في آذار (مارس)»، وحمل الاتحاد الأوروبي الجاسم مسؤولية ارتكابه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك «القتل التعسفي».
بدوره نفى محمد الجاسم «أبو عمشة»، عبر وسائل التواصل الخاصة به، ارتكابه وفصيله أي انتهاكات، واصفًا عناصر لواءه بالمدربين والحذرين من الوقوع في أي مكائد، إلا أنه لم ينتقد العقوبات بنفس الحدية التي انتقد بها عقوبات «وزارة الخزانة» التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، والتي فرضت عليه في آب (أغسطس) 2023، حيث وصفها حينها بأنها مرتبطة بـ «توجهات سياسية» ولا ترتبط بأي انتهاكات لحقوق الإنسان.
بموازاة ذلك، اعتبر الاتحاد الأوروبي سيف بولاد، مسؤولاً عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك «تعذيب مدنيين وقتلهم تعسفيا». وجاء في بيان مجلس الاتحاد، أن فرقة الحمزة بقيادة بولاد شاركت في آذار (مارس) الفائت في «أعمال العنف في المنطقة الساحلية السورية، مستهدفةً المدنيين، وخاصةً الطائفة العلوية، بما في ذلك ارتكاب أعمال تعذيب وقتل تعسفي بحق المدنيين».
ولفت البيان إلى أن «فرقة الحمزة» بقيادة سيف بولاد أبو بكر كانت «طوال فترة الحرب الأهلية السورية، مسؤولة عن العديد من أعمال التعذيب في مراكز الاحتجاج التابعة لها، والتهجير القسري للمدنيين، وبشكل خاص في منطقتي حلب وعفرين».
وتأتي هذه العقوبات بالتزامن مع انفتاح دول الاتحاد الأوروبي على الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، بسبب ما وصفه مجلس الاتحاد الأوروبي بمسؤولية الكيانات الثلاثة، والشخصين عن انتهاكات لحقوق الإنسان وقعت في الساحل السوري في آذار (مارس) من العام الجاري.
وحول القرار قال الباحث المتخصص في العلاقات العسكرية في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محسن المصطفى إن العقوبات «تأتي ضمن إطار تحميل المسؤولية عن الانتهاكات التي تم ارتكابها في الساحل السوري» ورأى انها «رسالة للحكومة السورية منعاً لتكرار أي انتهاكات بالساحل أو بغيرها من المناطق مستقبلاً»، وخفف المصطفى من معناها «لم تعد بذات الأهمية خصوصا أن هذه المجموعات ستختفي وتندمج ضمن وزارة الدفاع» معتبرا أن العقوبات المفروضة هي «تحصيل حاصل».
وفي إطار عملية إعادة تركيب الجيش السوري، يسهل وضع العميدين على لوائح العقوبات الأوروبية على اضعاف نفوذهما داخل الجيش السوري المعاد تشكيله، وتحجيم نشاط القادة المذكورين، وهو ما يساعد وزارة الدفاع في وقت لاحق على إحالتهما إلى التقاعد وإخراجهما من ملاك الوزارة وقيادة الفرقتين.
وكثيرا ما اعتبرت الفرق الثلاثة أعلاه، بمثابة الطفل المدلل لتركيا والتي اعتمدت عليها في معاركها الخارجية، حيث دفعت بهم إلى لبيبا للقتال ضد قوات الجيش الليبي الذي يقوده اللواء حفتر، وأحدث المقاتلون السوريون فرقا في معارك صد الهجوم وحصار مدينة طرابلس وكانوا ثقلا بالهجوم ضد اللواء حفتر والقوى المتحالفة معه عام 2019.
ورغم ترفيع القائدين المذكورين، اعتمدت وزارة الدفاع منهج تفكيك الفصائل وإخراجها من منطقة درع الفرات التي اعتبرت حاضنتها التاريخية منذ تأسيسها عام 2016 لتقاتل تنظيم الدولة الإسلامية بريف حلب الشمالي. وقامت بتوزيع عناصرها حسب المنطقة الجغرافية في كثير من المناطق ورغم انها ليست قاعدة عامة، فقد ساعدت بقطع الولاء بين العناصر وقادتهم في الجيش الوطني وبنت علاقة جديدة بينهم وبين الفرق المؤسسة جديدا.
والملاحظ من القرار، تجنب الاتحاد الأوربي وضع العميد فهيم عيسى على لوائح العقوبات وإبقاء فرقته «السلطان مراد»، وهوما يعزز أن القرار جاء بعد مشاورة عميقة مع أنقرة لتحميل جهة محددة الانتهاكات التي حصلت في الساحل السوري ضد العلويين. حيث يساعد القرار بالخروج من المآزق وإعطاء فرصة لإدارة الشرع لترتيب أوراقها الداخلية وخصوصا على الصعيد العسكري، والخلاص من ملف الجيش الوطني تدريجيا ودمج فصائله بالجيش السوري الجديد.
كما استثنى القرار الأوروبي أسماء الفرق الجديدة في الجيش السوري التي يقودها أبو عمشة وسيف أبو بكر وهو ما يعني فعليا أن القرار جاء بمثابة إرضاء لبعض الدول داخل الاتحاد الأوروبي. والجدير بالذكر، أن القرار تجنب اعتراض إدارة الشرع بأي شكل من الأشكال، ولعل التمعن بالقرار يجعلنا ندرك أنه جاء في صالح الإدارة السورية الجديدة بشكل لا لبس فيه.
القدس العربي
———————————
مستثمر عقاري من أصول لبنانية.. من هو توم باراك المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا وماذا يعني تعيينه لدمشق؟
عربي بوست
2025/05/31
أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، عن تعيين السفير الأمريكي لدى تركيا، توم باراك، مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، بعد أيام من إعلانه رفع العقوبات الأمريكية عن البلاد.
ورُفع العلم الأمريكي خارج مقر إقامة السفير الأمريكي في دمشق، الخميس 29 مايو/أيار 2025، في إشارة إلى تنامي العلاقات بين واشنطن والحكومة السورية الجديدة. ووصل السفير الأمريكي باراك لافتتاح المقر، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية سانا.
ومن المتوقع أن يستمر باراك في منصبه سفيراً أمريكياً لدى تركيا، حسبما ذكرت مصادر لوكالة رويترز.
والتقى باراك بالرئيس السوري، أحمد الشرع، وحضر توقيع اتفاقية بين اتحاد شركات قطرية وتركية وأمريكية لتطوير مشروع طاقة بقدرة 5000 ميغاواط لإحياء جزء كبير من شبكة الكهرباء السورية المتضررة من الحرب.
وقال باراك، الأحد الماضي، إن بلاده تقف مع تركيا ودول الخليج وأوروبا، إلى جانب الشعب السوري.
وفي منشور على منصة إكس، أضاف باراك: “نقف مع تركيا ودول الخليج وأوروبا؛ هذه المرة ليس بالجنود أو الخطابات أو الحدود الوهمية، بل جنباً إلى جنب مع الشعب السوري نفسه”.
وتابع: “مع سقوط نظام الأسد، فتحنا باب السلام، وبرفع العقوبات، نسمح للشعب السوري بفتح هذا الباب واكتشاف طريق نحو الرخاء والأمن المتجددين”.
وأردف: “الغرب فرض قبل قرن خرائط وإدارات انتدابية وحدوداً مرسومة وحكماً أجنبياً. اتفاقية سايكس-بيكو قسمت سوريا والمنطقة، ليس من أجل السلام بل لتحقيق مكاسب إمبريالية. وقد كلف هذا الخطأ أجيالاً. لن نكرره مرة أخرى”.
وأوضح المبعوث الأمريكي أن عصر التدخل الغربي قد انتهى، وأن المستقبل يكمن في الحلول الإقليمية والدبلوماسية المبنية على الشراكات والاحترام.
وأشار إلى أن المأساة السورية نابعة من الانقسام، وأن ولادة سوريا من جديد لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الكرامة والوحدة والاستثمار.
من هو توم باراك؟
تعود أصول المبعوث الأمريكي الجديد إلى سوريا، باراك، البالغ من العمر 78 عاماً، إلى أصول لبنانية، حيث هاجر أجداده إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من 100 عام.
حصل باراك على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة جنوب كاليفورنيا (USC) في عام 1969، ثم التحق بكلية جولد للحقوق بجامعة جنوب كاليفورنيا، حيث كان محرراً لمجلة Southern California Law Review، قبل أن يحصل على درجة الدكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة سان دييغو في عام 1972.
وفي عام 1982، شغل باراك منصب نائب وكيل وزارة الداخلية الأمريكية في إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان.
وفي عام 2016، تولى باراك، وهو مستثمر عقاري، رئاسة اللجنة الرئاسية الافتتاحية لترامب خلال ولايته الأولى، وشغل لفترة طويلة منصب مستشار ومقرب من الرئيس.
وبعد فوز ترامب الأول في الانتخابات عام 2016، طُرحت سلسلة من الأسئلة الصعبة حول لجنة حفل التنصيب التي كان يرأسها باراك، والتي واجهت تدقيقاً من المدعين الفيدراليين خلال النصف الأول من رئاسة ترامب، وتحديداً بشأن كيفية إنفاق اللجنة لمواردها الضخمة. ومع تكثيف التحقيقات، برزت مخاوف من أن باراك قد يواجه مشاكل قانونية حقيقية.
وتعود علاقة باراك بترامب أيضاً إلى تعاملاته مع منظمة ترامب التجارية التي يعود تاريخها إلى أواخر الثمانينيات، إذ التقيا لأول مرة عام 1987، عندما اشترى ترامب نسبة 20% من أسهم شركة تمتلك سلسلة متاجر أمريكية، ولعب باراك دور الوسيط في الصفقة.
طوّر باراك أيضاً علاقات تجارية مع بعض أغنى الشخصيات في الخليج وتفاوض على اتفاقيات مع هيئة أبو ظبي الإماراتية للاستثمار.
اتهامات سابقة بممارسة حملة نفوذ
وفي عام 2021، واجه باراك اتهامات بانتهاك قوانين الضغط الأجنبي وعرقلة العدالة والإدلاء بتصريحات كاذبة.
وتضمنت لائحة الاتهام المكونة من سبع تهم اتهام باراك باستغلال قدرته على الوصول إلى ترامب لتعزيز أهداف السياسة الخارجية لدولة الإمارات.
وكشفت تقارير أن مسؤولين إماراتيين، بينهم ولي عهد أبوظبي آنذاك محمد بن زايد، ومستشار الأمن القومي طحنون بن زايد، ومدير المخابرات علي الشامسي، وسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، أشرفوا على حملة تأثير “غير قانونية” داخل واشنطن على إدارة الرئيس الأمريكي ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى.
وأضافت التقارير أن المسؤولين الإماراتيين استخدموا باراك، الممول الجمهوري والمقرب من ترامب، لتعزيز نفوذهم لدى ترامب من خلال تحويلات مالية واجتماعات مسائية عُقدت في أبوظبي.
وأشارت وكالة بلومبرغ الأمريكية إلى أنه، وبعد أسابيع من فوز ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حظي باراك باستقبال حافل في الديوان الأميري بأبوظبي، كما التقى في شهر ديسمبر/كانون الأول مع ولي عهد أبوظبي وشقيقه الذي يتولى منصب مستشار الأمن القومي، ومسؤول ثالث يتولى رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي، حسب الوكالة الأمريكية.
باراك بدوره شجع المسؤولين الإماراتيين على تقديم رؤية حول السنوات الأربع التي سيحكم فيها ترامب الولايات المتحدة، وما يمكن أن تقدمها لهم.
وكشفت الوكالة أن اللقاء السري كان جزءاً من خطة للتأثير على حملة ترامب والإدارة الأمريكية، وتقوية النفوذ السياسي للدولة الخليجية في واشنطن.
وفي عام 2022، تمت تبرئة باراك من جميع التهم في محاكمة فيدرالية.
وبرأت هيئة المحلفين في بروكلين، نيويورك، باراك من تهمة العمل كعميل أجنبي غير مسجل لدولة الإمارات، أو عرقلة سير العدالة، أو الإدلاء بتصريحات كاذبة. وكان باراك قد نفى التهم بشدة طوال المحاكمة.
ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يلتقي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض/رويترز
ما دلالة تعيين توم باراك مبعوثاً أمريكياً خاصاً لدى سوريا؟
تشير خطوة تعيين باراك مبعوثاً أمريكياً جديداً إلى سوريا، وزيارته اللاحقة إلى دمشق ورفع العلم الأمريكي خارج مقر إقامة السفير الأمريكي في العاصمة السورية، إلى محاولةٍ لتعزيز الزخم نحو تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والحكومة السورية الجديدة، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وبعدما كانت واشنطن حذرة في البداية تجاه قادة سوريا الجدد، فقد أبدت إدارة ترامب انفتاحاً متزايداً على دمشق، بتشجيع من حليفتين للولايات المتحدة في المنطقة، السعودية وتركيا، كما أفادت وكالة أسوشيتد برس.
وجاءت خطوة تعيين باراك بعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، ورغم أنه لم يتضح بعد مدى الارتياح الذي شعر به السوريون منذ رفع العقوبات الأمريكية، فإن تعيين باراك ربما يساعد في تمهيد الطريق أمام ضخ استثمارات جديدة وأموال لإعادة الإعمار بعد الحرب، وفق نيويورك تايمز.
وأشارت تقارير إلى أنه، ومع رفع العقوبات الأمريكية على سوريا، يمكن للشركات الأجنبية البدء بالاستثمار في سوريا، لا سيما في قطاعات كالزراعة والاتصالات والبناء. وقد يُسهم هذا التدفق الهائل من رؤوس الأموال في خلق فرص عمل وتعافي القطاعات التي دمرها الصراع.
وكانت العلاقات الأمريكية مع سوريا متجمدة منذ عام 2011، عندما أشعلت حملة الأسد القمعية على الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، وما تلاها من ثورة قوبلت بحملة عنيفة من نظام الأسد أودت بحياة مئات الآلاف وأجبرت السوريين على النزوح الجماعي. وفي عام 2012، أغلقت الولايات المتحدة سفارتها وفرضت عقوبات إضافية على نظام الأسد
—————————-
=======================
عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 01 حزيران 2025
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
——————————
إسرائيل مسألةً ثلاثية الأوجه، استعماري ويهودي وهولوكوستي/ ياسين الحاج صالح
تتأرجح أشكال حضور إسرائيل في وعي العرب المعاصر بين تصورين غير عقلانيين: إما كونها موضوع صراع دائم أو قدر محتوم يجب الاستسلام له. واليوم نحن بأمسّ الحاجة للتعامل مع إسرائيل بوصفها مسألة شائكة ومعقدة لكن يمكن استيعابها عقلانياً والسيطرة عليها فكرياً، وأولى الخطوات في هذا الاتجاه هو بالنظر لها ضمن أوجهها الرئيسية الثلاث: وجهها الاستعماري، ووجهها اليهودي، ووجهها الهولوكوستي.
إسرائيل شاغل كلّي الحضور في وعي العرب المعاصرين، لكنها قلّما كانت موضوع تَفكُّر جدّي خارج بعض الدوائر الفلسطينية. قد يأخذ الحضورُ الإسرائيلي شكلَ ذريعةٍ لتسويغ أوضاعٍ غير صالحةٍ في المجال العربي كما في سوريا ولبنان. أو يأخذ حضورُها شكلَ قوّة شرٍّ غير سياسيةٍ تَطوّر حيالَها مركّبٌ من مقاومةٍ وممانعةٍ على يد قوىً غير تحرريةٍ تبدو معنيّةً بدوام الصراع أكثر من التوصل لحلولٍ أعدل له. كما قد تَحضر إسرائيلُ في وعي العرب قَدَراً ساحقاً يُسوغ حالةً من عدم الفعل، إن لم يكن التسليمَ والمراضاة.
غرضُ هذه المناقشة المساهمةُ في قول ما هي إسرائيل، لكن يتعداه إلى محاولة بلورة تصورٍ للمسألة الإسرائيلية بوصفها مزيجاً من محنةٍ نفسيةٍ وتحدٍّ سياسيٍّ وسؤالٍ فكريٍّ استهلَك غيرَ قليلٍ من أعمارنا ويرجَّح أن ترافقنا مفاعيلُه السُّميّة لأمدٍ طويل. إن لإسرائيل ثلاثة أوجهٍ: وجهٌ استعماريٌّ، وآخَر يهوديٌّ، وأخيرٌ قربانيٌّ تضحويٌّ أو هولوكوستيٌّ (نسبةً إلى المحرقة التي سامها النازيّون اليهودَ في الحرب العالمية الثانية). وفي تصور هذه المناقشة أن من شأن تنظيم التفكير في إسرائيل –وهي المسألة المزمنة والمعقدة– أن يساعدَ في تكوّن العرب ذاتاً تاريخيةً فاعلةً، أي جماعةً عندها الوعي والإرادة اللازمان لتشكيل الأحداث التاريخية وتحريكها بدلاً من أن يكونوا مجرّدَ موضوعاتٍ متأثّرةٍ بها. فالمسألة الإسرائيلية مسألةٌ عربية، وتحرُّر العرب وانعتاقُهم رهنُ ضبط تصوراتنا ووضوحها إزاء هذه القوّة المُصمِّمة الفتاكة التي تَراهم واحداً.
إسرائيل في قراءةٍ أُولى، قوّةٌ استعماريةٌ وامتدادٌ للاستعمار الذي عرفته أكثر البلدان العربية نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ولعلها أكثرُ من ذلك، فهي امتدادٌ لشكلٍ خاصٍّ من الاستعمار يدعى الاستعمار الاستيطاني الذي عرفته الجزائرُ وحدها من بين البلدان العربية. وتضاف في أدبياتٍ فلسطينيةٍ صفة الإحلالي إلى عبارة الاستعمار الاستيطاني، لتعطي دلالة إحلال قومٍ وافدين محلَّ أهل البلاد الأصليين.
ويبدو أن هذا الضرب من الاستعمار الاستيطاني الإحلالي حاملٌ لطاقةِ إبادةٍ عاليةٍ، مثلما تُبرهِن أمثلتُه في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. قد تأخذ هذه الطاقة شكل إبادةٍ سياسيةٍ، أو ما يطلق عليه “بوليتيسايد”، من صنف ما تكلم عنه عالم الاجتماع الإسرائيلي الكندي باروخ كمرلنغ في كتابٍ له بهذا العنوان. ناقش كمرلنغ جهود إسرائيل المنهجية لتقويض الهوية الوطنية والسياسية الفلسطينية بسياسات الاحتلال والتوسع الاستيطاني والهيمنة الاقتصادية، وإن كان قد حَمّل مسؤوليتَها رئيسَ الوزراء الإسرائيلي السالف آرييل شارون وحده، لا المشروعَ الصهيوني بوصفه استعماراً استيطانياً إحلالياً. ويمكن أن تعني الإبادةُ السياسية قتلاً واسع النطاق لمجموعةٍ بشريةٍ لأسبابٍ سياسية. وهذا النوع من القتل الجماعي لم تلحظه اتفاقيةُ الأمم المتحدة لسنة 1948 المعنيةُ بمنع “جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”، أو ما يطلق عليه “الجينوسايد”، وتعني حرفياً إبادةَ الجنس، والتي اقتصرت على استهداف جماعاتٍ عرقيةٍ أو دينيةٍ أو قومية أو إثنية. وقد تعني الإبادةُ السياسيةُ القتلَ السياسيَّ لجماعةٍ بشريةٍ ما، بمعنى حرمانها المستمر من قياداتٍ سياسيةٍ بالقمع والاغتيال وتغذية الانقسامات أو إفساد قطاعاتٍ من النخبة السياسية واستتباعها. كذلك يمكن لطاقة الإبادة أن تأخذ شكلاً يمتزج فيه الاستعمار الاستيطاني بالفصل العنصري، أو ما يسمى “الأبارتهايد”، وهو التوصيف الذي وَصفَت به منظمةُ العفو الدولية إسرائيلَ في تقريرٍ جريءٍ في مطلع فبراير 2022. أو مثلما رأى عزمي بشارة، في بحثه “استعمار استيطاني أم نظام أبارتهايد: هل علينا أن نختار؟” المنشور في خريف 2021. وأخيراً يمكنها أن تأخذ شكل “الجينوسايد”، أي القتل متعدّد الوسائل وواسع النطاق لمجموعةٍ بشريةٍ، دون تمييزٍ بين المدني والعسكري، ليس بالسلاح وحده بل كذلك بالحصار والتجويع وصدّ المساعدات الإنسانية أو التحكم الشديد بها، مثلما تفعل إسرائيل في غزة بعد 7 أكتوبر 2023.
من التسويغات النظرية التي بَرّر بها هذا التكوينُ السياسيّ استعمارَه الاستيطانيّ فلسطينَ اعتبارُها أرضاً بلا شعبٍ لشعبٍ بلا أرض، بحسب الصهيوني البريطاني إسرائيل زانغويل (1864-1926). فإذْ ينفي وجودَ شعبٍ في فلسطين فهو يؤسِّس لما يسمّى اليوم –ومنذ حروب تفكّك يوغسلافيا في تسعينيات القرن الماضي– بالتطهير العرقي، وهو ما حدث فعلاً في النكبة سنة 1948. لقد هُجّر ثلاثةُ أرباع سكّان البلد، وكانوا نحو مليونٍ وقتها، جرّاء مجازر وتهديدٍ بها وضروبٍ متنوعةٍ من العنف الاقتلاعي، ما جعل النكبة حدثاً مؤسّساً لإسرائيل وضرباً من “خطيئة أصلية” ترجع صداها في كلّ ما أعقبَها، على ما يفيد كتابُ دومينيك فيدال “خطيئة إسرائيل الأصلية”.
أما من بقي من الفلسطينيين على أرضهم فقد وقعوا تحت حكمٍ عسكريٍّ حتى سنة 1966. أي أنهم، مدّةً طويلةً، تحوّلوا لأناسٍ مستباحين يعيشون في “حالة استثناء”، إذا ما أردنا استخدام أطروحة الفيلسوف الإيطالي المعاصر جيورجيو أغامبن. فقد اجترح أغامبن نموذجَ الإنسان المستباح من تجربة نزلاء معسكرات الاعتقال النازية، لكنه ينطبق أيضاً على من هم تحت حكمٍ استعماريٍّ يسيطر عليهم بالتوجيهات والتعميمات الإدارية، مثلما أظهرت ذلك الفيلسوفة الألمانية اليهودية حنّه آرنت في كتابها “أصول الشمولية” ومثّلَت عليه باللورد كرومر، الحاكم الاستعماري لمصر طيلة ثلاثين عاماً أثناء الاستعمار البريطاني. ولا شكّ أن حالة الفلسطينيين أسوأ بما لا يقاس من حالة المصريين أيام كرومر، من حيث أنهم يعامَلون بوصفهم غرباء في وطنهم، يضيّق عليهم بكلّ السبل كي يرحلوا، فيما يلبث ألوفٌ منهم دوماً في المعتقلات الإسرائيلية بقراراتٍ من محاكم عسكريةٍ في عملية قطع رأسٍ سياسيٍّ مستمرّةٍ، إذ يفوق عدد الأسرى الفلسطينيين اليوم عشرة آلاف. وقد ظهرت حالة الاستباحة هذه بجلاءٍ لا مزيد عليه بعد عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023.
على أن الواقعة التي تجسد التكوين الاستعماري لإسرائيل تكمن في أنها نشأت تحت مظلة الانتداب البريطاني. فقد أقرّ صكُّ الانتداب البريطاني على فلسطين – الذي وُضعت أسسه الأولى في مؤتمر سان ريمو بإيطاليا في أبريل 1920، واعتمده مجلس عصبة الأمم رسمياً في يوليو 1922 – وعدَ بلفور جزءاً أساسياً من نصّ الانتداب. وتشير الفقرة الثانية من مقدمته إلى هذا الوعد وإلى تبنّي دول الحلفاء له، كما أوضح الأكاديمي الفلسطيني رائف زريق في كتيّبه “القضية الفلسطينية وحلّ الدولة/الدولتين”.
والانتداب هو الشكل الذي أخذه الاستعمار الأوروبي في بعض بلداننا، ومنها، إلى جانب فلسطين، سوريا ولبنان اللذين كانا من نصيب فرنسا. على هذا النحو عمل الانتداب البريطاني أمّاً للكيان الإسرائيلي، حمله في بطنه ثلاثين عاماً. في سنة 1938، قال أُورد ونغيت، الضابط البريطاني في فلسطين “نحن موجودون هنا لنصنع الجيش الصهيوني”، بحسب ما ذكر الكاتب الإسرائيلي آري شبيط في كتابه “أرض إسرائيل، النصر والمأساة”.
والمشروع الصهيوني بدأ أصلاً في أوروبا، وليس في فلسطين أو الشرق الأوسط. وذلك نتيجة تقاطع ثلاث ظواهر أوروبية، وهي صعود القومية العدوانية وتوسّع الإمبريالية الأوروبية ونموّ معاداة اليهود، أو اللاسامية، شكلاً خاصّاً من أشكال العنصرية. فشرطُ إمكانه هو الإمبريالية الأوروبية بما تعنيه من سياساتٍ استعماريةٍ توسعيةٍ وما يرتبط بها من استغلالٍ اقتصاديٍّ للشعوب المستعمَرة حول العالم. والزمن الذي شكّل فيه أبو الصهيونية ثيودور هرتزل هذا المشروعَ فقد كان زمنَ صعود اللاسامية وقضية دريفوس. ودريفوس هذا كان ضابطاً يهودياً فرنسياً اتُّهم في سنواتٍ باكرةٍ من القرن العشرين بالخيانة والعمالة لألمانيا دون وجه حقّ. ويؤكّد المؤرّخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتابه “اختراع أرض إسرائيل” أن هرتزل كان استعمارياً، و”لم يكن امتلاكُ وطنٍ خارج أوروبا، يشكّل امتداداً للعالم البرجوازي المتحضّر، يحتاج، في نظره، إلى أيّ تبريراتٍ أو مسوّغاتٍ فائضة”.
وقبل أيّ نقاشٍ تاريخيٍّ أو نظريٍّ، عاش الشعبُ الفلسطينيُّ والنخبُ العربيةُ الواقعةَ الإسرائيليةَ استعماراً فَرض نفسَه بالعنف الحربيّ واقترن بالعنف دوماً منذ قيامه إلى يومنا هذا. ولا يجب الاستهانة بهذا البعد الذاتيّ في تقرير استعماريةِ إسرائيل لأنه يدلّ على أن المتأثرين بالوجود الإسرائيلي خبروه عدواناً على كيانهم بلا ذنبٍ اقترفوه. ونشأَت في وجه هذا العدوان مقاوَماتٌ متنوعةٌ، قامت وقت انطلاقها في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته على أسسٍ تحرّريةٍ أكثر اتساقاً مما نرى في العقود الأخيرة، وإنْ كانت متعثّرةً بأثرِ فرادةِ العدوّ الذي تواجهه وتَراجُعِ المكوّنات التحرّرية في السياسات العربية الداخلية والخارجية منذ سبعينيات القرن العشرين.
ومن أوجُه هذه الفرادة تفوّقُ القوّة الإسرائيلية المكفولُ من التحالف الغربيّ. يُنسب إلى بن غوريون، أوّل قادة إسرائيل، قولُه إنّ ما لا يتحقّق بالقوّة يتحقّق بمزيدٍ من القوّة. هذا منظورٌ سياديٌّ استعماريٌّ يُضمِر ما واجه المشروعَ الإسرائيليّ من رفضٍ فلسطينيٍّ ومن استعدادٍ إسرائيليٍّ مستمرٍّ للحرب والإخضاع العنيف. لكنه يضمر أكثرَ من ذلك أن تفوّقَ السلاح و”المزيد من القوة” مضمونٌ دوماً. ومعلومٌ أن هذا الضمان أخذ منذ سبعينيات القرن العشرين شكلَ تعهّدٍ أمريكيٍّ كان يتكرّر علانيةً حتى مؤتمر مدريد للسلام سنة 1993 بتفوّق إسرائيل العسكريّ النوعيّ على البلدان العربيّة مجتمعة. ولا يدلّ عدمُ التكرار العلنيّ لهذا التعهّد اليوم على أنه زال أو تراجع في أيّ وقت. فالواقع أنه صار قانوناً أمريكياً مكرّساً منذ 2008، يحظر وفقه بيع سلاحٍ أمريكيٍّ لأيّ دولةٍ عربيةٍ يهدِّد تفوّقَ إسرائيل العسكريّ النوعيّ على الدول العربية مجتمعة. أمريكا، وليس إسرائيل وحدها، تفكّر في العرب على أنهم مجموعةٌ واحدة.
لَم ينجح نهجُ “مزيد من القوة” في تدمير المقاومة الفلسطينية، لكنه نجح في تقويض الجانب العقلانيّ من وعي المنظمات الفلسطينية والدول العربية التي قاومت إسرائيل، عبر ما نجم عنه من دولٍ ومنظماتٍ مردوعة أو “مؤدبة” مع المحتل القوي. وقد سمّى رئيسُ أركان الجيش الإسرائيلي سابقاً موشيه يعالون نهجَ “المزيد من القوة” بِاسمٍ آخَر هو “كيّ الوعي”، أي حفر الردع في عمق وعي الفلسطينيين. لكن ما لم يَحتسِب له نهجُ “المزيد من القوة” هو تولّدُ منظماتٍ وطبقات وعيٍ أقلّ قابليةً للردع، تعمل على مستوىً دينيٍّ، مانعٍ أو “ممانِع”. ولعله يمكن فهم حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة وما يحتمل تفجره من حرب شاملة مع حزب الله في لبنان بوصفه مسعى لردع فائق يطال حتى المنظمات الدينية التي تستنفر الشعوري أكثر من العقلاني.
لا تنحصر ماهيّة إسرائيل في كونها كياناً استعمارياً استيطانياً إحلالياً، بل تمتدّ لتشمل وجهين آخَرين، نخطئ كلَّ الخطأ بعدم رؤيتهما. أوّلهما وجهُها اليهوديّ، فإسرائيل تعرّف نفسَها دولةً يهوديةً. هكذا هي في واقعها، وهكذا يثبت ذلك الواقعَ الإعلانُ الأساسيُّ الذي صدر سنة 2018 ويقرّر أن إسرائيل دولةُ الشعب اليهوديّ وله وحده حقّ العودة إلى “أرض الميعاد”. لا تعني يهوديةُ إسرائيل أنها بالضرورة دولةٌ دينيةٌ، لكنها تعني ارتباطاً وثيقاً بتاريخٍ وجغرافيةٍ توراتيةٍ مقدّسةٍ مسرحُها فلسطين، أو “إرِتْس (أرض) إسرائيل”، وتشغل ضمنها القدسُ موقعاً مركزياً.
تَحضر التوراةُ بقوّةٍ في الوعي الإسرائيلي ركيزةً لهذا التاريخ المقدس. ومِن ذلك وعيُ المتديّنين بطبيعة الحال. ويشملُ أيضاً وعيَ غير المتديّنين والعلمانيين ممّن كانت لهم الكلمة العليا وقت تأسيس الدولة ونحو ثلاثة عقودٍ بعدها. واليهودية، أوّل أديان التوحيد، والأساس الإبراهيميّ الذي تقوم عليه المسيحية والإسلام. فالدين اليهوديّ، من حيث هو رابطةٌ شعوريةٌ وحسُّ انتماءٍ تغذّى أكثرَ من ألفَي سنةٍ على الغربة والتمييز، هو أساسُ فكرة “الشعب اليهودي”. ليس الأرض ولا الكيان السياسي ولا العرق، وإن جرى الإيهام بأصلٍ واحدٍ ساميٍّ، ولا حتى الإيمان بعقيدةٍ محدّدة. فغيرُ قليلٍ من اليهود انتماءً ملحدون ممارسةً، دون أن يطعن ذلك في يهوديّتهم، لا في نظرهم ولا في نظر أرباب الديانة اليهودية. والصهيونية هي الحركة القومية التي ظهرت في أوج عصر الإمبريالية والقوميّات الأوروبي لتقريب العناصر الثلاثة، أي “الشعب” الذي كان يعيش أكثرُه في “المنفى”، والأرض والدولة. ترى الصهيونيةُ نفسَها نفياً للمنفَى اليهوديّ، على ما أظهرَ غيرَ مرّةٍ الأكاديميُّ الإسرائيليُّ الناقدُ للصهيونية أمنون راكوتزكين.
ولا تزال القصّةُ التوراتية مصدر الشرعية الرئيسي لكثيرٍ من النظّار والنقّاد الصهاينة. فعلى سبيل المثال، يعتقد أوري إليتسور، وهو “من أفصح ممثّلي الفكر الصهيونيّ الجديد” بحسب ما نقله الباحثُ الفلسطيني أمل جمال في كتابه “الفكر الصهيوني في متاهات التجديد والتحديث، جدلية التناقضات الداخلية وانعكاساتها العملية”، أنه “مِن دون قصّة الكتاب المقدّس فنحن [الإسرائيليون] لسنا سوى استيطانٍ أوروبيٍّ استعماريٍّ في الشرق الأوسط”. إلا أن هناك من يرفض تبريرَ إسرائيل بالكتاب المقدّس. إذ يقول شلومو ساند، الذي تقدّم ذكرُ كتابه “اختراع الشعب اليهودي”: “لَم يخطرْ ببالي في أثناءِ تأليف الكتاب أن يكون هناك في بداية القرن الحادي والعشرين عديدٌ من النقّاد الذين يبرّرون الاستيطانَ اليهوديّ وإقامةَ دولة إسرائيل من خلال ادّعاءات أرض الآباء، والحقوق التاريخية، أو أشواقٍ تاريخيةٍ عمرُها ألفا عام”. فعند ساند، يمكن تسويغُ إسرائيلَ بحقيقة أن “الاستيطان الصهيوني … أَنتجَ مجتمعاً وثقافةً، وحتى شعباً محلّياً لا يمكن تصوّر اقتلاعه”، وإنْ يكن أنتج كذلك “طبقة عليا استعمارية مستغِلة”.
ولَإنْ بدأَت إسرائيلُ علمانيةً واشتراكيةً بصورةٍ ما، فإن تاريخَها منذ ما بعد حرب 1967 هو تاريخُ نموّ قوّة المتديّنين والتيّارات اليمينية. وهو ما تَكرّس سياسياً في فوز حزب الليكود في الانتخابات سنة 1977، وذلك أوّلَ مرّةٍ منذ قيام الكيان. ويعيد إيان لوستيك في كتابٍ بعنوان “الأصولية اليهودية في إسرائيل” صعودَ الأصوليين إلى حربِ 1967. وهذا أمرٌ جديرٌ بالتأمّل لأنه ثمّة اعتقادٌ على نطاقٍ واسعٍ أن صعود الأصولية الإسلامية يجد أحدَ جذوره كذلك في تلك الحرب التي كانت انتصاراً إسرائيلياً ماحقاً وهزيمةً مذِلّةً للقوى العربية. ومع صعود اليمين والتيارات الدينية المتطرفة صعدت كذلك العناصر “المسيحانية” في السياسة الإسرائيلية، أي العناصر المتصلة بالخلاص وفكرة الأرض الموعودة وقدوم المسيح اليهودي. ومثلما نَعرف من التجربة في البلدان العربية، فإن التأويل السياسيّ المباشر للمعتقدات الدينية بابٌ لعنفٍ مطلقٍ، إباديٍّ، وليس هناك ما يسوّغ الاعتقادَ بأن الأمر سيكون مختلفاً في سياقٍ إسرائيليٍّ يهوديّ. وهذا ما نحن فيه بالفعل، ونعرف نظائر له منذ أيام الحروب الصليبية، وصولاً إلى الجهادية الإسلامية المعاصرة، إلى إرادة بنيامين نتنياهو إبادةَ الفلسطينيين في غزّة نسجاً على منوالٍ توراتيٍّ في إبادة اليهود العماليقَ، وهم قومٌ سكنوا فلسطين قديماً، ويرى بعضُ الإسرائيليين في الفلسطينيين امتداداً لهم. ومعلومٌ أن ملفّ جنوب أفريقيا أمام منظمة العدل الدولية، وهو متاحٌ للعموم منذ فبراير 2024، قد تطرّق إلى هذا التصريح بوصفه تعبيراً عن نيّة الإبادة، والنية عنصرٌ مُعرِّفٌ من عناصر تعريف الأمم المتحدة جريمةَ الجينوسايد.
والواقع أن إسرائيل تحمل تكوينياً هذا التناقضَ بين الخلاصيّ أو المسيحانيّ وبين السياسيّ الدنيويّ والعلمانيّ، وهو ما تَمثّل في قولٍ ظريفٍ مأثورٍ ينسَب إلى بن غوريون: “يَهْوَه غيرُ موجودٍ، لكنه وعدَنا بهذه الأرض”. وهو تناقضٌ ينحل لمصلحة المتديّنين اليوم. فما دام اليهودُ على الأرض بعد ألفَي عامٍ من المنفى، يجبُ أن يكون يَهْوَه موجوداً، وبقوّة.
ويدخل المكوّنُ اليهوديّ في تعريف إسرائيل لكونِه من ركائز الدعم الغربي لها. فهذا الدعم لا يقتصر منشأه على الصفة الاستعمارية لإسرائيل، أو كونها “قلعة الغرب” على حدّ قول كونراد أديناور، أوّل مستشارٍ لألمانيا الغربية بعد الحقبة النازية. بل صار الغرب يُعرّفُ على نطاقٍ واسعٍ بثقافةٍ يهوديةٍ مسيحيةٍ بعد الحرب العالمية الثانية، ويُقر بدَينٍ كبيرٍ لليهود في الأزمنة الأحدث. وهو دَينٌ كبيرٌ وحقيقيٌّ، فغيرُ قليلٍ من كبار العلماء والفلاسفة والمفكرين في القرنين الأخيرَين من اليهود، من سبينوزا وماركس وفرويد، إلى إنشتاين وحنّه آرنت، إلى تشومسكي وجوديث بتلر، وآخرين بالألوف وفي مختلف المجالات.
لكن الأمر ليس مُبَرّأً بحالٍ من “معاداةِ ساميّة” متنكّرة. ذلك أن دعم الكيان السياسيّ اليهوديّ متيسّرٌ بعد أن صار هناك في فلسطين ولَم يعُدْ هنا في أوروبا. في كتابه “اليهودي، العربي: تاريخ للعدو”، يقول غيل أنيدجار (النجار) إن اليهود كانوا في عين الأوروبيين العدوَّ اللاهوتيّ الداخليّ والمسلمون العدوَّ السياسيّ الخارجيّ. وهو ما يتضمّن أن انشغال هذين العدوّين ببعضهما أمرٌ طيّب. وهذا مؤكّدٌ في دوائر اليمين المعادية للسامية في أوروبا وعموم الغرب، ممّن يَغسلون اليومَ أيديَهم من اللاساميّة المتأصّلة في أوساطهم بالتحريض على المسلمين، أقلّيات المهاجرين منهم في الغرب أو المسلمين في ديارهم. وتجد حكومةُ نتنياهو اليمينيةُ نفسَها على وفاقٍ مع هذا اليمين الفاشيّ أو شبه الفاشيّ، في إطار تحوّل الولاء لإسرائيل ودعمها في الغرب إلى هذه الدوائر اليمينيّة والفاشيّة.
الوجه الثالث لإسرائيل يتّصل بالهولوكوست، تلك المأساة التاريخية الكبرى نادرة المثال، التي توصف كثيراً بالفريدة. أودت الهولوكوست بحياة ستّة ملايين يهوديٍّ على يد ألمانيا النازية، التي كانت قوّةً عدوانيةً عنصريةً احتلّت أجزاء واسعةً من أوروبا وعاملَت سكّانَها بوحشيةٍ وطوّرت نظامَ إرهابٍ شاملٍ في الداخل الألمانيّ. لم يكن هناك من يمكن أن يدافع عن النازيّة، ولا سيّما بعد سقوط الحكم الهتلريّ سنة 1945، واحتلال ألمانيا من قوّات كلٍّ من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. بل على العكس حاز ضحاياها، خاصّةً اليهود، تعاطفاً عظيماً لهول ما ألمّ بهم، ولكونهم خلافاً للروس والبولنديين والأوكران والبيلاروس والتشيك والسلوفاك والفرنسيين، بلا دولةٍ أو كيانٍ سياسيٍّ يحميهم. فالصهيونيةُ، التي كانت ناشطةً في أوروبا أكثر من نصف قرنٍ وقتها، جَنت ثمارَ هذا التعاطف بتأويل الهولوكوست إلى ضرورةِ قيام دولةٍ لليهود كي لا يحدث لهم من جديدٍ ما حدث على يد النازيّين. وهذه فحوى عبارة “نيفر أغين”، أو “لو عُلام لو عود” بالعبرية، وتعني “لن تتكرّر”، فدلالتها الحصرية الاستبعادية التي تعني أن هذه الحادثة لن تتكرّر لليهود تحديداً طغت على الدلالة المنافسة التي تعني أنه يجب أن لا يحدثَ هذا لأيٍّ كان.
يتعلّق أمرُ هذا الوجه الثالث بتضحيةٍ هائلةٍ، يكفي مثلُها ويزيدُ ليكون أساساً لدِينٍ ما، وهو ما جرى فعلاً. صارت الهولوكوستُ دِيناً، ليس فقط في إسرائيل التي نجحت في استملاكٍ سياسيٍّ وأخلاقيٍّ لهذه التضحية الهائلة، وإنما في عموم الغرب. وهو دِينٌ يلقى التعزيزَ من واقعِ أن من ضُحِّيَ بهم هم جماعةٌ دينيةٌ صار ينظَر لها بعد ما أثارته الهولوكوست من شعورٍ بالذنب والدَيْن شريكاً مؤسّساً للغرب. ما تقدّم ذكرُه من كلامٍ على تراثٍ يهوديٍّ مسيحيٍّ يَستبطن هذا التحوّلَ في النظرة.
بصورةٍ ما يمكن التفكيرُ في الهولوكوست أساساً لدِينٍ جديدٍ مثلما يُنظر إلى صَلب المسيح أساساً للمسيحيّة. لقد اضطُهِد اليهودُ في العالم الأوروبيّ المسيحيّ طوالَ أكثر من ألف عامٍ، تحميلاً لهم المسؤوليةَ عن صَلبِ المسيح ولعدمِ اعترافِهم به، ونشأت معاداة السامية جزئياً على الأقل من تحميلهم المسؤولية عن تضحية المسيح. ومثل ذلك يمكن أن يقول عن الديانة القربانية الجديدة المتكونة حول الهولوكوست، حيث يحلَّ اليهودُ المُبادون محلَّ يسوع المصلوب، فصاروا بصورةٍ ما “ابن الله” البديل. تقول شارلوت دلبو، وهي يهوديةٌ فرنسيةٌ ناجيةٌ من الهولوكوست، في كتابها ” آوشفيتز وما بعد”: “بكيتم ألفَي عامٍ على من برّح به العذاب ثلاثةَ أيامٍ وثلاثَ ليالٍ. ماذا بقي لديكم من دموعٍ يا ترى للبكاء على من تعذّبوا أكثرَ من ثلاثمئة ليلةٍ وثلاثمئة يومٍ. وكم سيكون شديداً بكاؤكم على هؤلاء الذين تعذّبوا عذاباتٍ كثيرةً، وكان عددهم فوق الحَصر”. تُحيل دلبو بالطبع إلى عذابات اليهود المهولة على يد النازيّين. وهي مهولة فعلاً وجديرةٌ بأن يُعرَف عنها أكثر في المجال العربي وأن يفكَّر فيها في سياق وصف ضروب المعاناة الفظيعة وتحليلها في مجالنا الإقليمي، بما في ذلك فلسطين بطبيعة الحال.
بات هذا الدِّين القرباني الحديثُ هو الدِّين، بلامِ التعريف، الذي تراعَى حرماتُه ويحوز مكانةً مقدّسةً عند التيّار الرئيسِ في الغرب المنتصر بعد الحرب العالمية الثانية. وهو دِينٌ حديثٌ لأن بداياته تعود إلى ستينيات القرن العشرين، أي ما بين 15 و 20 عاماً مِن بَعد حدثِ الهولوكوست نفسِه. وهو اليوم الدِين الرئيس، وليس المسيحية التي انخفضت مكانتُها في مسارات التنوير والعلمنة والحركة الاشتراكية والحداثة باعتبارها ثورةً ثقافيةً، ولا حتى اليهودية. ذلك أن الغرب هو وريث تجربة الحرب العالمية الثانية ضد النازية، وتكوينُه الحاليُّ مرتبطٌ بها، ولم يحدث ما هو أكبر من تلك التجربة في الثمانين عاماً الماضية. إلّا أن عدوَّ هذا المعتقد الجديد تحوّلَ سريعاً ليصير الفلسطينيَّ والعربيَّ عموماً، وليس الألمانيَّ الذي افتدى نفسه بتعويضاتٍ كبيرةٍ بدءاً من سنة 1952، وبامتحانِ ضميرٍ جعلَ من الهولوكوست أساساً للوجدان الألمانيّ المعاصر، ومِن أمنِ إسرائيل مبرّراً للدولة في ألمانيا كما ذكرت ذلك يوماً المستشارةُ الألمانية أنغيلا ميركل في خطابها أمام الكنيست سنة 2008. أما معبد الهولكوست، بوصفه دِيناً مدنياً، فهو مركز ياد فاشيم لدراسات الهولوكوست وأبحاثها في القدس، وهو بمثابة متحفٍ للهولوكوست يزوره مئات الألوف كلَّ سنة.
ومثل كل دين، يمكن لهذا “الدين المدني” أن يُصاب بالأصولية. فيصير ديناً سياسياً متزمتاً وحرفياً مثل الإسلام السياسي، فيطالب لنفسه بالسلطة ويمارس الحِرَم مثل المسيحية أيام سلطتها الدنيوية، ويُكفِّر ويقصي ويشرع، ويضيق بالنقد والأصوات المعترضة. نجد هذا خصوصاً في ألمانيا التي يتعذّر فيها كلَّ التعذّر فهمُ أن إسرائيل هي ألمانيا الفلسطينيين، وهي الحلُّ النهائيُّ على حساب الفلسطينيين للحلِّ النهائيِّ الألمانيِّ على حساب اليهود. يَنسبُ مارسيلو سفيريسكي، مؤلّفُ كتاب “ما بعد إسرائيل: نحو تحول ثقافي”، القولَ السديدَ الآتي إلى الناقد والصحفيّ الإسرائيليّ بوعاز إيفرون: “حدث حدثان رهيبان للشعب اليهوديّ في هذا القرن: الهولوكوست والدروس المستخلَصة منه”. والقصدُ أن هذه الدروس التي تضع اليهودَ في موقع المظلوم المطلق الدائم، الذي لا يستطيع أن يضع نفسَه محلَّ غيره ويتوقع من الجميع بالمقابل المراعاةَ والدعمَ، تؤسِّس للأنانية العادلة بدلَ أن تؤسّس هي ذاتها للغيرية وشحذ الحسّ بالعدالة. وقد لا يكون هذا هو المقام الأنسب للقول إن الإسلام الشيعيّ يَعرض النزعةَ نفسها نحو الأنانية العادلة بفعل وراثة مظلومية آل البيت. وحديثاً نرى شيئاً مماثلاً مع الإسلاميين السنيّين المشرقيين. بل قد نقول إن أحد أسباب كون الشرق الأوسط هو هذه البيئة من التوحّش والأنانية والكراهية هي وفرة المظلوميات وتنشيط بعضها بعضاً، وافتراض أصحابها أن مظلوميتهم تكفي كي يكونوا عادلين. وهذا باطلٌ تماماً بطبيعة الحال.
ومثل كلِّ دِينٍ، يثير وضعُ دِين الهولوكوست المدنيّ سؤالَ العلمانية، أي الفصل الضروري بين السلطة السياسية والدينية من أجل حماية مساحاتٍ من الحرّية والاختلاف. يمكن أن تعني العلمنةُ في هذا السياق فصلَ الهولوكوست عن إسرائيل، وفصلَ احترامه عن حرمة دولةٍ عدوانيةٍ قامت على التطهير العرقيّ وتحمل كُموناً إباديّاً عالياً. إنها تعني اعتبار إسرائيل دولةً مثل غيرها، تُنتقَد وتُدان وتُعاقَب وتُقاطَع. تتّصل أصوليةُ الهولوكوست، وتصوّر أنه دينٌ ودولةٌ متجسّدان ومتوحّدان معاً في إسرائيل، باستخدامه السياسيّ، مثلُها في ذلك مثلُ نظرة الإسلامية المعاصرة إلى الإسلام. احترام التضحية المهولة لا يجب أن يمتدّ إلى توظيفاتها السياسيةَ، سواءً في إسرائيل لتسويغ الاحتلال والعنصرية حيال الفلسطينيين، أو في الغرب للتغطية على التاريخ الاستعماري.
تقتضي هذه الطبيعةُ المتعدّدة لإسرائيل مقاربتَها على اعتبار أنها “مسألة إسرائيلية”. ومفهومُ المسألة الإسرائيلية يهدف إلى أن يغطيَ هذه الأوجهَ الثلاثة معاً، الاستعماريّ واليهوديّ والتضحويّ أو الهولوكوستيّ، التي لا تقبل الاشتقاقَ من بعضها كما فعلَت وتفعل كثيرٌ من المقارَبات العربية للدولة الصهيونية. اقتصر تفكير القومية العربية والوطنية الفلسطينية في إسرائيل على كونِها واقعاً استعمارياً حصراً. أما التفكير بوجه إسرائيل اليهوديّ فيجري في دوائر المسيحية الإنجيلية والحضاريين أو المركزيين الغربيين. وكذلك في أوساط الإسلاميين في جهتنا من العالم، وإنْ مع محمولٍ سلبيٍّ يستأنف ما يفترض أنها خصومةٌ أصليةٌ لليهود مع النبيّ العربيّ. وبدأ التفكيرُ في إسرائيل بدلالة الهولوكوست في دوائر يساريةٍ ومتنوّرةٍ في الغرب قبل أن تترسّخ الهولوكوست دِيناً عاماً تعتنقه أو تراعيه بقوّةٍ جميعُ الدوائر الاجتماعية والسياسية والثقافية هناك. جديرٌ بالذكر أن البعد الهولوكوستي لإسرائيل كان غائباً عن وعي اليهود الشرقيين في إسرائيل بالذات حتى صار جزءاً من الذاكرة الجمعية لهم، مثل الجميع، في سبعينيات القرن العشرين بحسب ما أورده توم سيغيف، مؤلّف كتاب “المليون السابع: الإسرائيليون والهولوكوست”.
الحديث عن إسرائيل بوصفِها مسألةً يعني الاعترافَ بأننا حيال وضعٍ معقّدٍ، مديدٍ، ليس له معالَجاتٌ تبسيطيةٌ ويعوزه الكثير من عمل الرؤية والفكر والحسّ السياسيّ. إنها مسألةٌ من جنس تلك المسائل الكبيرة التي عَرفنا عنها شيئاً في الأزمنة الحديثة كالمسألة اليهودية في أوروبا والمسألة الشرقية المتعلقة بالإمبراطورية العثمانية. بل إن إسرائيل والعرب المعاصرين هم في واقع الأمر ورثةُ الحلول التي قدّمَتها قوى السيطرة الدولية، وبخاصّةٍ الإمبرياليات الغربية، لهاتين المسألتين.
يدفع فشلُ المواجهات العربية مع إسرائيل إلى اليوم ونجاحُ إسرائيل فيها إلى مساءلة تصوّراتنا وتفكيرنا في الواقعة الإسرائيلية التي نكّدت حياةَ أجيالٍ منّا، عشرات الملايين وأكثر، بل أكثر بما لا يقاس من عدد جميع اليهود في العالَم الذين يقدّرون بنحو خمسة عشر إلى ستة عشر مليوناً. كان المسرحيُّ السوريّ الراحل سعد الله ونّوس قد قال في فيلمٍ وثائقيٍّ أنجزه عنه الراحلُ أيضاً المخرج عمر أميرالاي إن إسرائيل سرقَت عمرَه، وهذا بما تسمّم به هذا العمرُ (1941- 1997) من شعورٍ بالذلّ وفقدان الاعتبار. حاول ونّوس الانتحار إثر زيارة أنور السادات القدسَ سنة 1977. نجا منها، لكنه ظلّ صامتاً سنواتٍ بعدها في ضربٍ من الانتحار الرمزيّ. ومثالُه أشيعُ في المشرق العربي ممّا يبدو، وإنْ لم يأخذ دوماً صورةً درامية. كان ياسين الحافظ، المثقّف السوريّ الذي رحل سنة 1978 عن 48 عاماً، قد كتب أنه فكّر في الانتحار إثر هزيمة 1967، وما منعه من ذلك إلا “بقايا ثقةٍ ميتافزيقيةٍ [أي تتجاوز المادّة] بقدرات الشعب العربي” بحسب تعبيره. ومعلومٌ أن الشاعر اللبنانيّ خليل حاوي (1919-1982) انتحر عند احتلال إسرائيل بيروتَ في صيف 1982. أذكر هذه الأمثلة، وهي بلا ريب غيضٌ من فيضٍ، للقول إن لدينا عديداً من الأسباب النفسية، فضلاً عن السياسية والعسكرية والحقوقية والأخلاقية، للعمل على جعل إسرائيل سؤالاً أو مسألةً يمكن أن يجاب عليها. ذلك أن شيئاً يدعو مثقّفين مُرهفين إلى الانتحار أو التفكير به، ويبثّ الشعورَ بالذلّ في قلوب الملايين، ويسمّم حياةَ كثيرين تسميماً مزمناً، يحتدّ كلَّ بضعة أعوامٍ بالضغينة ومعاداة العالم، وكان مصدرَ تغذية منازع عدميةٍ جمعيةٍ بين كثيرٍ من العرب طوال الجيلين الماضيين. أقول إن هذا الشيءَ مشكلةٌ كبيرةٌ، محنةٌ للنفس وتحدٍّ للإرادة ومعضلةٌ للفكر، ممّا يستوجب جهداً لتنظّم إدراكه ومحاولة السيطرة عليه فكرياً، على أمل أن يساعد ذلك يوماً في السيطرة عليه بالفعل. لا نتكوّن ذاتاً تاريخيةً فاعلةً دون تحويل انفعالاتنا ومشاعرنا المختلطة إلى مسائل نعمل على معالجتها وحلّها.
لا يَظهر فشلُ تكوّن الذات الفاعلة أكثرَ ممّا في فكر الممانعة وغريمه الذي يمكن تسميته بالممانعة المعكوسة التي تتقبّل الواقعةَ الإسرائيلية البالغة التطرّف بذريعة الاعتدال. ليست الممانعةُ مقاومةً تحرريةً تستند إلى أسسٍ حقوقيةٍ وأخلاقيةٍ عالميةٍ، وتندرج بذلك في إطار تراث التحرر العالميّ في العصور الحديثة. إنها رفضٌ سياسيٌّ ذو أسسٍ ثقافيةٍ ودينيةٍ، تعترض على الحداثة الديمقراطية وتحتاج إلى أعداء كي تسيطر على مجتمعاتنا. من هذا الباب يبدي الإسلاميون جميعاً، الشيعة والسنة على حد سواء، والقوميون العرب التقليديون، استعداداً ممانِعاً، حتى حين يجد بعضهم أنفسهم في موقعٍ سياسيٍّ غير متوافقٍ مع محور الممانعة الراهن الذي تقوده إيران وتُشكّل الشيعية السياسية متنه. الممانعة وليدةُ ما تقدّم ذكرُه من تحطّم الطبقة العقلانية من الوعي العربي بيد المطرقة الإسرائيلية وحاميها الأمريكيّ.
وبقدرِ ما تُعنى الممانعة بدوامِ الصراع من أجل سيطرتها السياسية، تتقبلُ الممانعةُ المعكوسة الواقعةَ الإسرائيلية دون سؤال. لكن حتى لو “رضينا بالهمّ، الهمّ مو راضي فينا”، على ما يقول التعبير الشعبي، وما تثبته محصّلات اتفاق أوسلو طوال أكثر من ثلاثين عاماً. من الغريب أن توجد دولٌ تتقبّل اختلالاً مهولاً لموازين القوى لمصلحة بلدٍ مجاورٍ حتى لو لم يكن هذا البلد حادثَ التكوين، بدأ بحرب تطهيرٍ عرقيٍّ، ولم يقبل بحدٍّ أدنى من العدالة لضحاياه المباشرين ومن المساواة مع محيطه. الممانِعون المعكوسون قصيرو النظر حين يتصوّرون أنه يمكن تطبيع إسرائيل والتطبيع معها. فإسرائيل ليست طبيعيةً، وهي لا تقبل أنها كيانٌ سياسيٌّ مثل غيره يُنتقَد ويقاطَع ويقاوَم ويُدان، ويعاهَد ويسالَم ويؤمَن جانبه. إسرائيل لا تقبل أنداداً في المجال العربيّ.
يساعد تصوّرُ وجوهِ المسألة الإسرائيلية الثلاثةِ على تجديد التفكير في سبل معالجتها وتطوير لغةٍ أكثر تركيباً للنظر فيها من الجهة العربية. فبوجهها اليهوديّ، يمكن البناء على حقيقةِ أن الوجود اليهوديّ في فلسطين والمجال العربي لم يكن أمراً إشكالياً قبل ظهور الصهيونية، وأن واقع الصهيونية وإسرائيل قوّةً استعماريةً هو ما يحول دون عودة الوضع كما كان. وعليه يتعيّن نقلُ وجود اليهود في المجال العربي إلى نطاق الوعي به والترحيب به. وهذا لا يشمل اليهود العرب فقط، أي الذين عاشوا في بلداننا وكانت العربية لغتهم، بل الترحيب بعموم اليهود في هذه المنطقة التي هي مهد الأديان الإبراهيمية وتعرّبت بعد الإسلام، ولكنها أضاعت سبيل النهوض والحضارة في العصر الحديث. كانت منطقتنا متعدّدة دينياً طوال تاريخها، وانحسر هذا التعدّد في القرنين الأخيرين بفعل تكوّن مركز جذبٍ وخلخلةٍ تمثّل في الغرب الحديث، وزاد انحساره بعد ظهور الصهيونية وقيام إسرائيل، ثم بفعل تلك البنى الفكرية والسياسية العربية الحديثة، القومية والإسلامية، الطاردة للبشر والتي لا ترحّب بأهلها كي ترحّب بغيرهم. ليس في الانفتاح العربي على الوجود اليهودي ما يهدّد الطابع العربي للمنطقة أكثر ممّا يهدّد وجودُ المسلمين في أوروبا كيانَ بلدانها، وهو قولُ اليمين الفاشيّ في هذه البلدان.
أمّا وجهها القرباني الهولوكوستي، فلِإسرائيل كامل الحقّ في الوجود في ألمانيا، وربما بولندا والتشيك. لكن الفلسطينيين والعرب مدعوّون إلى التعبير عن كامل الاحترام لهذه التضحية الهائلة، التي تحول عبئها ليجثم على كواهلهم. بل لعلنا مدعوّون إلى المزيد من دراسة الهولوكوست لتحسين فهمنا لا لإسرائيل وحدها، ولا لألمانيا والغرب المعاصر، بل للمَنازع التدميرية البشرية والفاشية والإبادية والعدمية. وللعلاقة بين التضحيات الكبيرة والتفجّرات الدينية. ليس أيٌّ من هذه الظواهر غريباً على العرب المعاصرين، إنما الغريب هو التواني وقلّة الاكتراث بها في المجال العربي.
وأما بُعدها الاستعماريّ الذي تمخّض عن تشريد ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني بالمجازر والترويع، البعد المستمر والمتفاقم طوال أكثر من ستة وسبعين عاماً، فليس لإسرائيل أيّ حقٍّ في الوجود، كما ليس هناك حقٌّ في الوجود لأيّ استعمارٍ أو نظام تمييزٍ عنصريّ. وهو ما يوجب نزع استعمارية إسرائيل إن كان لها أن تكون جزء من هذه المنطقة. المهمة صعبة، بل لعلها مستحيلة دون تغير جوهري في النظام السياسي والحضاري الدولي. المسائل عموماً لا تحل دون تغيرات ضخمة، جيولوجية، في البنى الدولية.
غير أننا نعلم أن إسرائيل القائمةَ في فلسطين، وليس في ألمانيا، ولا في شتاتٍ بلا مركزٍ، تركيبٌ من هذه الوجوه الثلاثة. فوجهٌ يهوديٌّ يوفّر لها عمقاً تاريخياً أسطورياً وضرباً من “رسالة خالدة” وسرديّة عن الميعاد و”أرض إسرائيل”. ووجهٌ قربانيٌّ تضحويٌّ يوفّر لها شعوراً بالعدالة والشرعية مهما فعلَت. ووجهٌ استعماريٌّ يؤمّن لها قوّةً وطاقةً إباديّةً قد تشمل العربَ كلّهم وليس الفلسطينيين فحسب. هذه الإسرائيلُ، “مجتمعاً وثقافة وشعباً”، بحسب شلومو ساند، قائمةٌ منذ ثلاثة أجيالٍ، وغيرُ قليلٍ من سكّانها اليهود لا يعرفون لأنفسهم بلداً غيرها. فهل في تصوّر المسألة الإسرائيلية ما يساعد على الوصول يوماً إلى معالجةٍ متكاملةٍ لهذه المشكلة الهائلة؟ علينا أن نذهب، مثلما فعل إدوارد سعيد (1935-2003)، إلى أبعد من الحقّ المجرّد من أجل الإجابة عن السؤال. رَفَضَ سعيد مراراً فكرةَ تهجير أيّ كتلٍ سكانيةٍ ممّا يشكّل اليوم، وفي أيامه، فلسطينَ إسرائيل، لكنه أصرّ على وجوب نزع الطابع الاستعماريّ والعنصريّ عن إسرائيل.
إدراك المسألة الإسرائيلية بأوجهها الثلاثة يفتح الباب للتفكير في حلولٍ مركّبة تشملها كلّها. فيمكن التفكير في الجمع بين الإصرار على القانون الدولي فيما خصّ الانسحابَ من الأراضي المحتلة سنة 1967 وعودة اللاجئين الفلسطينيين أو التعويض العادل الذي يتعيّن أن ينظر في التعويضات الألمانية لإسرائيل لكونِها سابقةً يُستأنَس بها، وهذا لأنها حجر الأساس في معالجة الوجه الاستعماري. وفرص ذلك أكبرُ بقدرِ ما يجري العمل على الوجهين الآخرين: الانفتاح على الوجود اليهودي في فلسطين والمجال العربي، بما في ذلك إعادة أملاك اليهود العرب، أو تعويضهم، إن عادوا إلى مواطنهم مقابل شيءٍ مماثلٍ لحقوق الفلسطينيين وأملاكهم. ثمّ الاهتمام بالهولوكوست نموذجاً للإبادة والجنون البشري، والعمل مثلاً على ترجمة بعض أهم الكتابات في هذا الشأن، وعقد مؤتمراتٍ وحلقاتٍ دراسيةٍ عن هذه الإبادة، وغيرها. ليس هذا شيئاً يعطى لإسرائيل والصهيونية، ولا حتى لليهود في واقع الأمر، بقدرِ ما يتعيّن أن يكون من أوجُهِ صحوِ العرب على العالم والشراكة في الدفاع عن المظلومين عالمياً. يقع العرب في أزمةٍ وجدانيةٍ حادّةٍ حين تحُلّ إحدى أكبر المظالم في العصر الحديث على حسابهم دون ذنبٍ اقترفوه، في حين يجدون أن مظلومي الأمس القريب هم ظالمو اليوم، المتعجرفون العادلون دوماً في عين أنفسهم، والمدعومون من أقوياء العالم. تصوُّر المسألة الإسرائيلية قد يكون خطوةً نحو حلّ هذه الأزمة الوجدانية.
تصبح المسألةُ الإسرائيلية بهذه الدلالة مسألةً عربية. أي أنها تحدٍّ وسؤالٌ مطروحٌ على العرب من المستبعد أن يصيروا أحراراً دون التقدم في طرحه والعمل على معالجته. لَم يعرض العربُ طوال العقود الماضية الحدّ الأدنى من الجدّية للتعامل مع هذه المشكلة الكبرى المخيّمة عليهم وتحويلها إلى مسألةٍ تقبل المعالجة والحلّ العقلانيَّين.
ويعني القول إن المسألة الإسرائيلية مسألة عربية أن التقدم في معالجتها مرتبط بالتقدم في معالجة مشكلاتٍ عديدةٍ، جعلت العربَ مشكلةً لأنفسهم ولغيرهم. يستحقّ الأمرُ نقاشاً مستقلاً، ولكن يكفي القول إن العرب المعاصرين هم من أقلّ الجماعات البشرية تمتّعاً بالحرّية، نتيجة معاناتهم من ثلاثية الطغيان الدولتيّ، وأوّلها الأنظمةُ العربيةُ التي هي أنظمةُ إبادةٍ سياسية دون استثناء، وثانيها الحضورُ الاستعماريّ، سواءً الغربيّ أو غيره، و إسرائيلُ أبرزُ مظاهره، لكنها ليست الوحيدة، وأما ثالثُها فالأصولية الدينية العدمية ذاتُ التوجّهات الفاشية.
فإذا كان لمفهوم المسألة الإسرائيلية أن يفكّر في نفسه ويُعرّف نفسه، فعليه أن يُعرّفها بالتضادّ مع المقاربات الوجودية العدمية للصراع مع إسرائيل. فأيّ تصوّرٍ أننا في صراعٍ وجوديٍّ مطلقٍ لا يفتح أفقاً لغير الإبادة، أي سلطة العدم. ومن يقدر فعلياً على الإبادة اليوم ليس إلا إسرائيل التي تفكّر نخبها، والقوى اليمينية خاصّة، في كلّ مقاومةٍ لإسرائيل خطراً وجودياً لا بدّ من محقِه. يتحدّث آري شبيط، الذي تقدّمت الإشارةُ إلى كتابه “أرض ميعادي”، عن السلاح النوويّ الإسرائيليّ، الذي يطلق عليه “نار بروميثيوس الحديثة” (وبروميثيوس هذا شخصيةٌ من الأساطير الإغريقية، يُعرف بسرقته النارَ من الآلهة ومنحها للبشر) فيقول: “للمرّة الأولى في التاريخ، يمتلك اليهودُ القدرةَ على إفناء الآخَرين”. من يُحتمل أن يكونَ الآخَرون هنا يا ترى؟ الألمان؟ الأمريكيون؟ الفرنسيون الذين وفّروا تقنية القنابل النوويّة لإسرائيل، بينما كانوا يخوضون حربهم الاستعمارية ضدّ الثورة الجزائرية وبعد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956؟ يصفُ شبيط المفاعلَ النوويّ بأنه “لفتة عظيمة من فرنسا تجاه إسرائيل” قبل أن يضيف شيئاً يوضح التكوينَ الاستعماريّ لإسرائيل: “كانت التكنولوجيا النووية هدية الوداع من قوّةٍ استعماريةٍ في طور التراجع، إلى دولة المواجهة الشابّة التي أنشأها الغرب في الشرق، والتي تُترك الآن وحدها” مع أسلحة الإبادة. سوى أنها لم تُترك يوماً وحدَها في واقع الأمر. في الآن نفسه، تثير هذه الحالة انفعالاتٍ غاضبةً وتغذي التصوّرات الوجودية، أو العدمية، للصراع، خاصّةً حين تقرأ عند المؤلّف نفسه قولَه عن المفاعل النوويّ الإسرائيليّ في ديمونة بأنه “جوهر الثورة الصهيونية”. هل يعني ذلك شيئاً آخَر غير أنّ الإفناء أو الإبادة هو هذا الجوهر؟ أي بالضبط إعادة إنتاج الهولوكوست؟
إلّا أن هذا، ولأسبابٍ عمليةٍ، يدفع إلى العدول عن المقاربة الوجودية التي هي نفسها المقاربة العدمية. فالفلسطينيون العرب المحرومون من “نار بروميثيوس الحديثة” هم المرشَّحون الوحيدون للإفناء في أيّ أفقٍ منظور. لكن الأهمّ من ذلك هو أنه لا يجب أن يكون تكوينُ أهل الأرض والمنطقة حرجاً إلى درجة رهن وجودهم بعدم غيرهم، مع ما هو معلومٌ من مركزية قيم الكرم والضيافة في الثقافة العربية. فضلاً عن أن يكون تصوّر المسألة الإسرائيلية نداءً من أجل العقل والسياسة والكرم، فإنه إهابةٌ بتقاليد تعدّديةٍ ومسكونيةٍ كانت حيّةً في المجال العربي والإسلامي قبل فترة الاستعمار والدول القومية التي أعقبته.
لقد حُمّل الفلسطينيون والعرب أوزارَ حلِّ المسألة اليهودية التي هي مسألةٌ أوروبيةٌ دون ذنبٍ أتَوه ودون وجه حقّ. فليس للعرب ضلعٌ بالهولوكوست إلّا في ضمير أمثال نتنياهو الذي جعل أمينَ الحسينيّ ملهِماً لهتلر، ما أثار في وقته اعتراضاتٍ يهوديةً وألمانيةً أكثر من الاعتراضات العربية. وليس للعرب علاقةٌ من قريبٍ أو بعيدٍ بنشوء الشتات اليهوديّ تاريخياً، فقد انتزع العربُ فلسطينَ فيما انتزَعوا من أيدي البيزنطيين، وليس من أيدي أيّ كيانٍ يهوديٍّ، إذ لَم يكن لليهود كيانٌ سياسيٌّ طوال ستة قرونٍ قبل الفتح العربيّ. ولَم يقُم العرب في أيّ وقتٍ بتهجير يهودٍ من فلسطين وجوارها. أما الاستعمار، فالفلسطينيون والعرب من ضحاياه إلى جانب الأفارقة والهنود وغيرهم، وإسرائيل هي المستفيدة منه قبل نشوئها وبعده. وهذا ظلمٌ تاريخيٌّ يتحمّل المسؤوليةَ عنه التحالفُ الصهيونيّ الغربيّ. لقد دفعت ألمانيا تعويضاتٍ لإسرائيل عن جرائم النازيّين بحقّ اليهود، فيما لم تُقدَّم أيُّ تعويضاتٍ للفلسطينيين، لا مِن ألمانيا ولا مِن أيّ جهاتٍ غربيةٍ أو دوليةٍ عن سلب وطنهم وما لحق بهم من ظلمٍ فادحٍ، أو عن الاستعمار.
بالمقابل، يجدر بالعرب قيادات فكرية أو دينية أو سياسية أن يرحّبوا بالوجود اليهوديّ، وبطبيعة الحال المسيحيّ، في المنطقة، وأن ينظروا إلى المنطقة مجالاً مشتركاً للتراث الإبراهيمي. ولكن هذا الترحيب يجب أن يتجاوز مجاملة الديانة الإبراهيمية المزعومة، التي غالباً ما تكون فوقيةً ورجعيةً وكاذبةً لأنها تتجاهل القضيةَ الفلسطينية وتتجنب مناقشةَ قضايا العدالة والتمييز في المنطقة، ويجب أن يتجاوز مجاملةَ إسرائيل الاستعماريةِ والعنصريةِ، بل يجب أن يكون ضمن إطار العمل على إنهاء مشروعها الاستعماريّ.
وليس في تصوّر المسألة الإسرائيلية ما يقتضي أن يبقى أسيرَ عالم الأفكار. فهو بالعكس يبتغي أن يكون أرضيّةً عقلانيةً لسياساتٍ عامّةٍ أصلحَ تغطّي كاملَ الحقل السياسيّ، من التحليلات والتغطيات الإعلامية والدعائية، مروراً بالتنظيم والبرامج السياسية والتحالفات، ووصولاً إلى المقاومة المسلّحة والحرب. قد يكون الاشتراطُ الوحيدُ في هذا الشأن تبعيةَ الصراع المسلح للسياسة أو أولوية السياسة، وبالتالي الاستراتيجية والرؤية، على الأفعال المقاومة، والسياسيّين على المسلّحين.
عند التفكير في الأمر ربما نتبيّن أن ما يَحول دون بناء تصوّرٍ مركّبٍ للمسألة الإسرائيلية لا يقع في الجهة الإسرائيلية بل في الجهة العربية. فما هي الذاتُ التي تطرح على نفسها وضعَ تصوّرٍ وسياسةٍ حيال إسرائيل؟ تطرح على نفسها المسائلَ وتُفكّر على مستوى التاريخ؟ ليس هناك من ذاتٍ عربيةٍ تفعل ذلك. وهو ما يحكم راهناً على تصوّر المسألة الإسرائيلية بأن يبقى فكرةً ذاتيةً دون سياسيةٍ ودون تاريخية.
وعلى هذا النحو ينفتح “السؤالُ عن المسألة الإسرائيلية” على “السؤال عن المسألة العربية” التي تأخذ من وجهة نظرٍ عربيةٍ دلالةً نظريةً وعمليةً في آنٍ: كيف أخذَت في التشكّل في التاريخ المعاصر ذاتٌ عربيةٌ، وكيف تعثّر تَشكّلُها وتبدو اليوم متلاشية؟ وكيف يمكن أن تتشكّل من جديدٍ في صورةٍ أهدى، دون أوهام عظمةٍ ودون مَنازع عدميةٍ، وباعتبارها ذاتاً معنيةً بحياةٍ طيبةٍ في العالم إلى جانب المعنيّين الآخَرين؟ قد يكون المؤشّرُ الأوّلُ على السير في هذا الاتجاه التقدّمَ في تصوّر المسألة الإسرائيلية بوصفها من أكبر ما يواجه العرب من تحدّياتٍ، خاصّةً عبر صِلتها بمسألةٍ أُخرى معقّدةٍ وكبيرةٍ: المسألة الغربية.
ومن الظاهر أن أطراف المسألة الإسرائيلية هي إسرائيل والغرب والعرب. الغربُ طرفٌ في الصراع وفي المسألة، ليس حَكَماً ولا محايداً ولا هو غير مُبال. وهو طرفٌ إلى جانب إسرائيل بقدرٍ يسوغ القول إن إسرائيل شأنٌ غربيٌّ أو مسألةٌ غربيةٌ، من وجهة نظر من لا يرون تدليل إسرائيل واحتضانها في الغرب أمراً “طبيعياً” ويبحثون له عن حلّ. وإنما لذلك نرى اليوم فلسطين تصير شأناً غربياً كذلك. فكلّ من يعترض على المؤسسات الحاكمة والتيار الرئيس في بلدان الغرب، يجد نفسه معنياً بالشأن الفلسطينيّ ومتضامناً مع الفلسطينيين. وليس الأمر كذلك بخصوص قضايا أُخرى، كالقضية السورية أو الإيرانية أو حتى الأوكرانية اليوم.
وفي القول إن المسألة الإسرائيلية مسألةٌ عربيةٌ ما يضمر أنها ليست مسألةً فلسطينيةً حصراً، وإنْ كان الفلسطينيون هم من يتحمّلون وطأتَها الأشدّ ويَدفعون من كيانهم ثقلَها المهول. هذا يسيرُ عكسَ ما سارت عليه سياساتُ القوى العربية الفعلية منذ سبعينيات القرن العشرين. وهي على أيّ حالٍ سياساتٌ لم تثمر في أيّ شأن.
لا تتصرف القوى العربية الفاعلة ولا تفكر في إسرائيل مسألةً صعبةً ومعقّدة. فرفضُها وعداؤها لا يُغْني عن التفكير المتجدّد فيها والتصرّف كأنها طرفٌ في مسألةٍ عالميةٍ وتاريخيةٍ كبرى. ولأن الرفضَ عقيمٌ ولا يقبل ترجمةً سياسيةً فاعلةً، فإنه يتواتر أن ينقلب على نفسه، يتحول إلى مصالحةٍ خانعةٍ مع الواقع الإسرائيليّ، ليست سياسيةً هي الأخرى، لا تنجح في تطبيع إسرائيل، جعلها دولة مثل غيرها من الدول.
ما هو الإطار الزمنيّ المحتمَل لحلّ المسألة الإسرائيلية؟ ذلك أن الكلام على مسألةٍ يعني الكلام على حلٍّ، والحلّ يعني السيطرة على الواقع الذي تمثّله تلك المسألة، والتحكّم به، والتحوّل من موضوعٍ منفعلٍ له إلى ذاتٍ فاعلةٍ تَفعل وتتفاعل. إذن، ما هو الإطار الزمنيّ لحلّ المسألة الإسرائيلية؟
المسألة بالتعريف وضعٌ نزاعيٌّ طويل الأمد، ليس شأن سنواتٍ، بل عقود وأجيال. كان مفهوم المسألة اليهودية في التداول وقتَ كتبَ ماركس كتاباً بهذا العنوان سنة 1843. في مئة عامٍ ونيّفٍ بين صدور الكتاب وقيام إسرائيل شهد العالمُ صعودَ معاداة السامية ذات الأسس القومية، وليس المسيحية التقليدية، وشهد كذلك ظهورَ النازية والهولوكوست الذي فكّر فيه النازيّون حلّاً نهائياً للمسألة اليهودية. إسرائيل هي الحلّ النهائيّ لهذا الحلّ النهائيّ مثلما تَقدّم القولُ، توافقَت عليه النخب الأشكنازية النافذة في الغرب و”اليشوف”، أو المهاجرين اليهود إلى فلسطين، والقوى الاستعمارية الغربية إثر الحرب العالمية الثانية التي شهدت الهولوكوست.
تقاطعت ظروفٌ متنوعةٌ لحلّ المسألة اليهودية، وهي مسألةٌ أوروبيةٌ حصراً، بهذه الصورة التي خَلقت مسألةً إسرائيليةً للفلسطينيين والعرب. أخذ الأمرُ قرناً، بل قرناً ونصف، بالنظر إلى أنّ أبكرَ النقاشات في المسألة اليهودية ظهرت بعد الثورة الفرنسية، ودارت حول ما إذا كان لليهود حقٌّ بوصفهم جماعةً أم حقوقُ المواطَنة الفردية مثل غيرهم. كانت الإبادةُ النازية، الهولوكوست، ثمّ قيامُ إسرائيل حلَّين لهذه المسألة، وقد خلقا مسألةً جديدةً متميزةً تماماً عن المسألة اليهودية الأوروبية. إنها المسألة الإسرائيلية بوصفها مسألةً عربية.
وظهرت المسألة الشرقية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقتَ ظهر أن السلطنة العثمانية هي “رجل أوروبا المريض” بتعبير قيصر روسيا نيكولاي الأول. فالمسألة الشرقية منذ البداية مسألةٌ غربيةٌ، على ما سيقول المؤرّخ البريطانيّ أرنولد توينبي لاحقاً. وبصفتِها هذه حُلّت المسألة الشرقية في نهاية الحرب العالمية الأولى بانهيار السلطنة العثمانية وتقاسمها. لكنها من وجهة نظر المعنيين، خاصّةً العرب، تحوّلت ولم تُحلّ، فلَم يسيطِرْ عليها المعنيّون فكرياً وسياسياً. صارت المسألةُ الشرقية مسألةً عربيةً، فاقَمَتها المسألةُ الإسرائيلية. وما نراه من تحلّلٍ في الإطار العربيّ هو نتاج الفشل في معالجة أيٍّ من المسألتين، العربية والإسرائيلية. التحلّل هو انهيارٌ أو تفككٌ للذات التي تعجز عن الحلّ، وربما تعجز قبل ذلك عن تصوّر المسألة. ومحاولةُ تصوّر المسألة الإسرائيلية هنا هو، بالعكس، جهدٌ لمقاومة التحلّل.
والغرض من التذكير بالمسألتين اليهودية والشرقية إعطاء حسٍّ بأن المسائل مديدةٌ ومعقّدةٌ وأوثق صلةً ببعدٍ زمنيٍّ طويلٍ، متعالٍ على السياسة الظرفية. ويرجح أن تمتدّ عبر الأجيال الطويلة وليس السنوات والعقود القليلة. والمسألة الإسرائيلية من هذا الصنف بلا شكّ. وكي نخرج من الاكتئاب والبؤس ربما يساعد أن نفكّر فيها وفق هذا الإطار. من شأن التقدّم في تنظيم التفكير في الشؤون المعقّدة أن يساعد في الحدّ ممّا تثيره من شقاءٍ في الأنفس.
على أنّ الكلام على إطارٍ من عقودٍ طويلة وأجيالٍ لا يُرضي بعضَ بني قومنا. وقد يسارع بعضُهم إلى رمي من يقول بمثل ذلك بالاستسلام والتطبيع وما شابه. لكن الخوف من المزايدات والمزايدين أسهَم في إيصالنا إلى أحوالٍ ناقصةٍ إلى أقصى حدٍّ، وفي ظهور صنفٍ من المُناقصين في أوساطنا، يريدون الرضى بما يتركه الأقوياء من فُتاتٍ، ولا يكفّون عن لوم غيرهم على قلّة العقل والنقص في كلّ شأن. بين المناقِصين والمزايِدين، الممانِعين والممانِعين المعكوسين، ينبغي لبعضنا أن يقولوا ما يؤمنون به دون خشيةٍ ورقابةٍ ذاتية. وتَصوّرُ المسألة الإسرائيلية سؤالاً تاريخياً مديداً محاولةٌ في هذا الاتّجاه.
———————————
تصعيد على إيقاع الوساطة بين دمشق وتل أبيب/ زاهر عمرين
01 يونيو 2025
في وقت كانت فيه عيون الصحافيين تتابع بتوجس الإشارات المتبادلة بين دمشق وتل أبيب، جاءت الغارة الجوية الإسرائيلية مساء أول من أمس الجمعة على أطراف مدينة اللاذقية لتحمل إيقاعاً مختلفاً، خرق الصمت الذي سبق الخطوة الأميركية المنتظرة، وطرح أسئلة جدية بشأن جدوى أي حوار، ولو كان غير مباشر مع إسرائيل.
قالت الحكومة السورية، على لسان وزير الإعلام، حمزة المصطفى، إن المحادثات التي جرت مع إسرائيل لم تكن مباشرة، واقتصرت على البحث في آليات العودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974. ومع أن التصريحات جاءت حازمة في نفيها تقارير إسرائيلية وأخرى من وكالة رويترز عن محادثات أمنية مباشرة، فإن التوقيت، كالعادة، قال أشياء أكثر مما قيل رسميّاً. إذ تزامن المؤتمر الصحافي مع سقوط صواريخ إسرائيلية على منشآتٍ قالت تل أبيب إنها “تشكّل تهديداً أمنيّاً” في الساحل السوري، وبالتحديد مخازن يُزعم إنها تحوي صواريخ أرض– بحر.
لم تكن هذه المرّة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة. فالذاكرة السورية الجديدة مثقلة بسلسلة من الغارات الإسرائيلية التي باتت جزءاً من إيقاع الحرب الباردة الدافئة في المنطقة. ومع أن الشهر الماضي (مايو/ أيار) شهد خفوتاً نسبيّاً في هذه الاعتداءات، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، إلا أن هذا الهدوء يبدو حالياً أشبه باستراحة في سرديةٍ لم تُكتب نهايتها بعد.
في عمق الصورة، تتحرّك واشنطن بحذر، عبر المبعوث الأميركي الجديد إلى سورية، السفير توماس باراك، المقرّر أن يزور دولة الاحتلال الأسبوع الحالي، برفقة نائب مبعوث ترامب لشؤون الشرق الأوسط، موغان أورتاغوس، بهدف، كما تتداول الأوساط الدبلوماسية، تهيئة الأرضية لمفاوضات غير رسمية بين الطرفين السوري والإسرائيلي، قد تفضي لاحقاً إلى اتفاق “عدم اعتداء” يشكّل مدخلاً لحوار أوسع.
وقد قال باراك نفسه لصحافيين أميركيين إن “مشكلة سورية وإسرائيل قابلة للحل”، في تصريح يبدو كأنه خرج من زمن مختلف، فبينما تعبّر دمشق عن استعدادها لاستكشاف الحلول، تواجه مقاربتها واقعاً سياسياً إسرائيلياً يقوده يمين متطرّف يجد في القوة العسكرية منطقاً دائماً، لا تهزّه خطابات التهدئة، ولا تغيّره المبادرات الدبلوماسية.
المفارقة في المشهد أن تل أبيب، وبالرغم من هذا الانفتاح الأميركي، تواصل فرض شروطها عبر الجو، فلم تكن الغارة أول من أمس فقط رسالة إلى دمشق، بل كانت إشارة واضحة إلى واشنطن: نحن لا نتلقّى التعليمات بسهولة. … وهذا ما أكّده وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، حين أعلن أن الضربة استهدفت تجهيزاتٍ تهدّد أمن إسرائيل، في لهجةٍ لا تختلف كثيراً عن التي رافقت أضخم عملية نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي في تاريخه كله، وطاولت مطاراتٍ ومنشآتٍ استراتيجية بعيد سقوط نظام الأسد.
تشهد الحدود الجنوبية لسورية، على وجه الخصوص، حركة تفاوضية موازية، بعضُها سرّي وبعضُها مكشوف، فالتسريبات عن مباحثات في أذربيجان بين تركيا وإسرائيل حول إنشاء “خط ساخن” لتفادي الاشتباك جنوب سورية، تعيد صياغة فهمنا لمفهوم “المنطقة العازلة”، خصوصاً مع إصرار تل أبيب على نزع السلاح من محافظات درعا، القنيطرة، والسويداء.
في خلفية المشهد، تقف دمشق عند تقاطعٍ صعب: رغبة في التهدئة من جهة، وشكوك عميقة في نيات الطرف الآخر من جهة ثانية. ومع كل صاروخٍ يسقط، تتراجع إمكانية الوصول إلى حل، حتى وإن بدت واشنطن متحمسة لفتح فصلٍ جديد.
ليس التصعيد أخيراً حدثاً معزولاً. إنه عودة الصوت إلى مشهد لم يغادره التوتر. وحين يهبط السفير الأميركي في تل أبيب خلال أيام، سيكون أمام أول اختبار فعلي لجدّية مقاربة ترامب الجديدة للشرق الأوسط. فالتهدئة، حتى إن بدت فكرة قابلة للنقاش، لا يمكنها أن تولد أيضاً في ظل قصفٍ مستمر، ولا أن تعيش طويلاً في غياب الاعتراف الواضح بسيادة سورية على أراضيها، ولا بمعزل عن مآلات القضية الفلسطينية.
ولكن هل يستطيع توماس باراك، الدبلوماسي الطَموح المليء بالوعود، أن يرسم حدود تهدئة حقيقية بين دمشق وتل أبيب؟ سؤال تصعب الإجابة عنه، خصوصاً أن الطائرات الإسرائيلية ومع كل طلعةٍ تنفذها فوق الأراضي السورية تزيد مهمته صعوبة وتزيد ملامح المشهد تعقيداً.
العربي الجديد
———————————-
سوريا وإسرائيل … ثمن السلام
آخر تحديث 01 يونيو 2025
لم يعد سرا أن مفاوضات غير مباشرة جرت بين سوريا وإسرائيل في دول عدة في الفترة الأخيرة، لبحث ترتيبات أمنية. لكن السر يكمن في المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه المفاوضات، خصوصا بعدما أفاد البيت الأبيض بأن الرئيس دونالد ترمب طرح على الرئيس أحمد الشرع خلال لقائهما في الرياض يوم 14 مايو/أيار “الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية”.
——————————
إسرائيل و”سوريا الجديدة”… رياح السلام/ إبراهيم حميدي
آخر تحديث 31 مايو 2025
لم يعد سرا أن مفاوضات غير مباشرة جرت بين سوريا وإسرائيل في دول عدة في الفترة الأخيرة، لبحث ترتيبات أمنية وإحياء اتفاق فك الاشتباك لعام 1974. لكن السر يكمن في المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه المفاوضات، خصوصا بعدما أفاد البيت الأبيض بأن الرئيس دونالد ترمب طرح على الرئيس أحمد الشرع خلال لقائهما في الرياض يوم 14 مايو/أيار “الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية”.
“سوريا وإسرائيل… ثمن السلام”، قصة غلاف “المجلة” لشهر يونيو/حزيران. نستعرض هذا الملف من جميع جوانبه. نعود بالتاريخ إلى ما قبل الاستقلال السوري في 1946، وتأسيس دولة إسرائيل في 1948، ونكشف تفاصيل مفاوضات وزيارات سرية لقادة في الحركة الصهيونية مثل موشي شاريت وحاييم وايزمان إلى دمشق، ولقاء “أبطال الاستقلال” مثل شكري القوتلي، وقادة صهاينة مثل إلياهو ساسون في فندق بلودان الكبير عام 1936، وصولا إلى مفاوضات قادة إسرائيليين والرئيس أديب الشيشكلي في 1951.
دشّن الأسد-الأب حكمه باتفاق “فك الاشتباك” مع إسرائيل في مايو/أيار 1974 بعد “حرب تشرين” 1973. ومع انهيار حليفه، الاتحاد السوفياتي، دخل برعاية أميركية في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بعد انطلاق مؤتمر مدريد في 1991. واستضافت أميركا في منتصف التسعينات، لقاءات رئيس الأركان السوري حكمت الشهابي ونظيريه الإسرائيليين إيهود باراك وأمنون شاحاك لإقرار مبادئ الترتيبات الأمنية، وعُقد لقاء بين وزير الخارجية فاروق الشرع وباراك بصفته رئيسا للوزراء في 2000 لوضع لمسات أخيرة على اتفاق سلام تضمّن علاقات دبلوماسية واستعادة الجولان.
خلال هذه الفترة كانت المفاوضات تجري وفق مبدأ “الأرض مقابل السلام”، أي تستعيد دمشق الجولان التي خسرها الأسد عندما كان وزيرا للدفاع في 1967 مقابل علاقات دبلوماسية. وكانت آخر محاولة لقاء الأسد والرئيس بيل كلينتون في جنيف في مارس/آذار 2000.
خلال حكم بشار الأسد، جرت مفاوضات سرية، وساهمت تركيا برعاية جولات منها في 2008، حيث كان الأسد موافقا على لقاء رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت، لكن انفجار حرب غزة أرجأ اللقاء. وتجددت الجهود في 2010، حيث توسط مبعوث أميركا فريد هوف بين الأسد ونتنياهو. هنا تغيرت المعادلة، من “الأرض مقابل السلام” إلى “الأرض مقابل التموضع الاستراتيجي”، أي استعادة الجولان مقابل تخلي الأسد عن التحالف مع إيران و”حزب الله”.
هوف يتحدث لـ”المجلة” ضمن قصة الغلاف عن الاحتمالات بعد لقاء ترمب-الشرع، بدءا من الاكتفاء بترتيبات أمنية وتأسيس خط ساخن لمنع الصدام، إلى التفاوض على اتفاق سلام. كما نقدم وجهة نظر سورية وأخرى إسرائيلية عن السلام. ونفرد مساحة لمقاربة تركيا باعتبار أنها باتت طرفا بعد سقوط النظام ووسيطا بين دمشق وتل أبيب.
بعد انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، شنت إسرائيل 700 غارة، ودمرت الأصول البرية والجوية والبحرية ومراكز الأبحاث. كما توغلت في سوريا واحتلت المنطقة العازلة بموجب اتفاق “فك الاشتباك” وقمة جبل الشيخ ومصادر المياه. وشنت غارة قرب القصر الرئاسي السوري وحذرت الحكم الجديد من استهداف الدروز السوريين.
لا شك أنه بعد خروج إيران و”حزب الله” من سوريا وإضعاف روسيا فيها، باتت تركيا وإسرائيل لاعبين رئيسين. وقامت تل أبيب بمنع أنقرة من تأسيس قواعد جوية، وشنت غارات على مواقعها المحتملة. وكاد الطرفان أن يقعا في مواجهة مباشرة لولا تدخل ترمب وتسهيل اجتماع مبعوثي أردوغان ونتنياهو في أذربيجان، لتأسيس “خط ساخن” ومنع الصدام.
تطورت اللقاءات السرية وانضم إليها الجانب السوري، وباتت قائمة المحادثات طويلة، تشمل ترتيبات في جنوب سوريا تضمن أمن إسرائيل وتضبط مخاوفها من تكرار سيناريو “هجمات 7 أكتوبر” في غزة، والتعاون ضد أي وجود إيراني ومنع تهريب السلاح إلى “حزب الله”، إضافة إلى منع تموضع خلايا جهادية في الجنوب.
لا تزال المحادثات محصورة في الإطار الأمني، مع أن مسؤولين أبدوا اهتماما بتجربة مصر وقيام الرئيس أنور السادات بكسر الحاجز النفسي وإلقاء خطاب في الكنيست عام 1977 تمهيدا لتوقيع اتفاق السلام.
هل تنتقل إسرائيل-نتنياهو و”سوريا الجديدة” من الترتيبات الأمنية إلى الجوانب السياسية التي تتعلق باتفاق السلام؟ هل يساهم رجال أعمال إسرائيليون في إعمار سوريا؟ هل تنضم دمشق إلى “الاتفاقات الإبراهيمية” أم إن قصتها مختلفة، فهي تملك أراضي محتلة منذ يونيو/حزيران 1967 وأخرى مقضومة منذ 8 ديسمبر 2024، على عكس الإمارات والبحرين والمغرب التي لا تحتل إسرائيل أراضي لأي منها؟ ثم، ما ثمن السلام بين سوريا وإسرائيل؟ هل تقدم دمشق مفاجأة جديدة بعد “معجزة” إسقاط النظام؟
المجلة
——————————
ترمب والشرع… باب سوري – إسرائيلي يُفتح/ فريدريك سي هوف
آخر تحديث 01 يونيو 2025
واشنطن- أعقب إعلانَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا لقاء جمع الرئيسين دونالد ترمب وأحمد الشرع في الرياض، ثم استعادة العلاقات بين دمشق وواشنطن. وستفتح هذه التطورات الباب أمام استقرار البلاد وإعادة إعمارها كدولة تعيش في سلام مع جيرانها، وبشراكة مع واشنطن. ولكن السؤال المطروح هو: هل سيعبر أحد هذا الباب؟
بناء على نصيحة السعودية، قرر ترمب أن يغامر بحذر ويدعم القوى السورية التي أطاحت ببشار الأسد، وشَكّلت لاحقا حكومة مؤقتة وأصدرت إعلانا دستوريا. بيد أن هذه الخطوة تنطوي على مخاطر رئيسة ثلاث.
أولا، يتكوّن النظام الذي يترأسه الشرع، إلى حد كبير، من شخصيات كانت على ارتباط سابق بتنظيم “القاعدة”. بل إن الشرع نفسه كان مدرجا على لائحة الإرهاب الأميركية. وعلى الرغم من إعلان الحكومة الجديدة التزامها بسيادة القانون ومناهضة الإرهاب، فإن سوريين تعرّضوا لانتهاكات على أيدي مجموعات مسلحة تابعة للقيادة الجديدة. فإذا ما استمرّت هذه القيادة في التواطؤ مع العنف الطائفي، أو تجاهلته، أو عجزت عن كبح جماحه، فإن ترمب سيكون عرضة لانتقادات واسعة بسبب مجازفته غير المحسوبة.
ثانيا، حتى لو كانت حكومة الشرع، كما يُصرّح، جادة في تبنّي مشروع وطني قائم على المواطنة، وملتزمة بحماية جميع السوريين من الثأر والفوضى، فإنها لا تزال بعيدة عن فرض احتكار فعلي للسلاح في البلاد. ولئن كان معظم السوريين، الذين أُنهكت غالبيتهم من حكم الأسد القمعي والناهب، يتمنون نجاح القيادة الجديدة، فإنهم يرون أنها لا تملك القدرة على ضبط المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون. فهل هناك، سوى ترمب، من هو مستعد لأن يراهن بثقة على من سيكون الحاكم الفعلي لسوريا بعد شهر أو عام؟
ثالثا، تشنّ إسرائيل حربا مفتوحة من طرف واحد ضد سوريا ما بعد الأسد. وكما يُقال، رأس المال جبان. لقد أدّت العقوبات الأميركية، التي قد يستغرق الكونغرس أشهرا لإلغائها بالكامل بعدما خففت، إلى ردع المنح والقروض والاستثمارات المرتبطة بإعادة الإعمار. ويريد ترمب الآن إزالة هذا العائق. ولكن، هل يمكن للمستثمرين أن يضخوا أموالا ضخمة في سوريا بينما تواصل إسرائيل قصف أراضيها دون رادع، واحتلالها مناطق سورية في انتهاك لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974؟
من الواضح أن ترمب يأمل في أن يوافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسرعة على وقف دائم لإطلاق النار في غزة. لكن هل هو مستعد أيضا لمواجهته بشأن سوريا؟ وهل يستطيع تحمّل التبعات السياسية لذلك داخليا؟
في محاولة لتقليص هذه المخاطر، ضغط ترمب على الشرع لكي يطرد كل الجماعات الإرهابية من سوريا، ويشارك في الهزيمة الكاملة لـ”داعش”، بما في ذلك تولّي إدارة مراكز الاعتقال، والانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام” تمهيدا للسلام مع إسرائيل. وإذا كانت لدى الشرع أدوات تساعده على تحقيق بعض هذه الأهداف، فإن السلام مع إسرائيل يتطلب، قبل كل شيء، أن تتوقف الحرب الإسرائيلية على سوريا.
تستند التبريرات الإسرائيلية إلى ما يُقال إنه “درس مستفاد” من مجازر “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. قوام هذا الدرس أن كل جماعة إسلامية تظهر على حدود إسرائيل تتبنّى نهجا جهاديا. لذلك، يجب توجيه ضربة استباقية وساحقة. أما التفسيرات غير الرسمية، فتربط هذه الحرب برغبة نتنياهو في الحفاظ على صورته كقائد زمني لحرب، لتفادي المساءلة عن فشل إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، تحت ذريعة أن زمن الحرب لا يسمح بإجراء تحقيقات أو محاسبة. وإذا فُرض عليه وقف الحرب في غزة، فبوسعه أن يشير إلى سوريا ولبنان واليمن وحتى إيران، كساحات تبرر استمرار العمليات العسكرية. وعززت إسرائيل مزاعمها بتأكيدها أن من حقها أن تدافع عن الدروز السوريين من الاضطهاد المزعوم الذي يتعرضون له من قبل الحكومة السورية الجديدة.
ومع ذلك، وبصرف النظر عن التبرير، يبدو أن إسرائيل، خلافا للولايات المتحدة، لم تُعر اهتماما حقيقيا لانهيار التهديد الإيراني– ومن خلال “حزب الله”– بعد سقوط الأسد وهروبه إلى المنفى. لقد سعت إيران وذراعها اللبنانية طويلا لفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل انطلاقا من سوريا، وفشلت في ذلك. كان من الطبيعي أن يُقابل هذا الفشل بالترحيب في تل أبيب. لكن إسرائيل لم تكتف بإدارة الظهر للحكومة الجديدة، بل أدانت علنا الدور التركي في دعم عملية إسقاط الأسد. وتركيا، كما هو معلوم، حليف في “الناتو”، ورئيسها يحتفظ بعلاقة متينة مع ترمب. ومن الواضح أن أردوغان وترمب متفقان على ترسيخ دحر إيران في سوريا، وأن تُمنح دمشق الجديدة فرصة حقيقية للنجاح. أما نتنياهو، فيغرد خارج السرب تماما.
ثمة تقارير تتحدث عن محادثات غير رسمية بين سوريا وإسرائيل، وقد يعطي ذلك فسحةً للتفاؤل. على أن أي تقدم سيتوقف على الدوافع الحقيقية وراء السلوك الإسرائيلي. فإذا كانت المخاوف الأمنية والاعتبارات الإنسانية، كحماية الدروز، هي الدافع الفعلي، فإن محادثات المسار الثاني قد تسفر عن خطوات بناءة، مثل إعادة تفعيل اتفاقية عام 1974، أو التفاوض على هدنة ثنائية أو اتفاقية عدم اعتداء، تمهيدا للتطبيع الكامل. ولا يعني ذلك أن تتنازل سوريا عن مطالبتها بالأراضي التي احتُلت عام 1967. لكن الحاجة الماسّة لإعادة الإعمار، في بلد دمّره نظام الأسد ونهبه، يجب أن تدفع القيادة الجديدة إلى رفض فكرة الحرب وسيلةً لتحقيق المطالب. وسيتطلب هذا الخيار تعاونا كاملا من إسرائيل. أما إذا كانت الدوافع محصورة ببقاء نتنياهو السياسي، فستحتاج إسرائيل إلى حكومة جديدة إذا أرادت اجتذاب سوريا نحو مسار تطبيع مستقبلي.
المخاطر المحيطة بانفتاح ترمب على سوريا ستتعاظم إذا تبيّن أن إعلان رفع العقوبات ولقاءه مع الشرع لا يعدوان كونَهما مبادرات رمزية. وعلى المستوى الداخلي، ينبغي للإدارة أن تضغط على الكونغرس لتفكيك منظومة العقوبات. وعلى الصعيد الدولي، عليها أن تحثّ الدول الشريكة التي شجعت هذا الانفتاح على مراقبة أداء الحكومة السورية، وتقديم ما يلزم من دعم لمساعدتها على محاربة الإرهاب وردع الفوضى. كما يجب أن تضغط على إسرائيل لاحترام اتفاقية 1974. وكان مهماً تعيين دبلوماسي أميركي رفيع لبناء العلاقات، والتأثير في مسار القرارات، ونقل صورة الوقائع.
فتح ترمب الباب، فهل سيعبره أحد؟ الجواب مرهون بمدى استعداده للبقاء منخرطا. سبق أن نظر إلى سوريا باعتبارها هامشية، لكنه يبدو اليوم أكثر إدراكا لحجمها في حسابات الحلفاء العرب الذين يسعى لكسبهم. إن اختبار الإرادة بدأ، والمأمول أن يبقى الباب مفتوحا أمام سوريا مزدهرة، تنعم بالسلام مع محيطها، وتسير بخطى متناغمة مع واشنطن في الإقليم وما بعده.
————————————
الحوار السوري – الإسرائيلي… ضرورة اللحظة وبناء الثقة/ عمار عبد الحميد
آخر تحديث 01 يونيو 2025
منذ انهيار نظام الأسد وصعود السلطة الانتقالية بقيادة “هيئة تحرير الشام” في الثامن من ديسمبر/كانون الأول عام 2024، شنت إسرائيل ما يقارب سبعمئة غارة جوية على الأراضي السورية، رغم أن رصاصة واحدة لم تُطلق عبر الحدود من سوريا. وعلى ظاهر الأمر، تبدو إسرائيل هي الطرف المعتدي، لا سيما في ظل الدعوات العلنية التي أطلقها عدد من الوزراء الإسرائيليين لتقسيم سوريا. ويبدو حجم هذه الغارات وتواترها، في أحسن الأحوال، غير متناسب، وفي أسوئها جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إبقاء سوريا ضعيفة ومشتتة.
غير أن الاكتفاء بإدانة السلوك الإسرائيلي يغفل المنطق الاستراتيجي الذي يحكمه. وفهم هذا المنطق لا يعني تأييده، لكنه شرط لا بد منه لأي تواصل مثمر، كما لا يمكن من دونه الدفاع بفعالية عن مصالح سوريا الوطنية على المستويين الإقليمي والدولي.
لينا جرادات لينا جرادات
من منظور إسرائيل، تتمثل أبرز التهديدات التي تواجهها في الحركات الإسلامية، سواء تمثلت في إيران وشبكة وكلائها كـ”حزب الله” و”حماس” والحوثيين، أو في الجماعات الجهادية العابرة للحدود كـ”داعش” و”القاعدة” وتفرعاتها. وفي حين تعرض القيادة السورية الانتقالية نفسها اليوم كطرف برغماتي وغير معادٍ، فإن كثيرين من صفوفها يرتبطون بسابق انتماء إلى جماعات إسلامية متشددة، ولا يزال بعضهم يتبنى مواقف أيديولوجية تسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي.
لقد تشكلت العقيدة الأمنية الإسرائيلية من خلال تجارب مؤلمة، في مقدمتها ما واجهته مع “حماس” في غزة. تلك التجربة عمقت قناعة راسخة لدى كثير من الإسرائيليين بعدم إمكانية الثقة في الحكومات التي تقودها حركات إسلامية، إذ يُنظر إليها على أنها لا تلبث أن تتخلى عن البرغماتية لصالح الأيديولوجيا. فامتناع حكومة ما عن العنف اليوم لا يضمن لها أن تبقى على هذا النهج غدا، حين تتغلب العقيدة على حسابات الحكم الرشيد. ومن هذا المنطلق، فإن المبادرات السورية الأخيرة نحو التهدئة، وتلميحاتها بشأن الانضمام المستقبلي إلى “اتفاقات أبراهام”، لا تُستقبل في تل أبيب بوصفها اختراقات، بل تُقابل بشكوك، باعتبارها وعودا مؤقتة تفرضها الضرورات الانتقالية، لا قناعات دائمة.
لينا جرادات لينا جرادات
ومع ذلك، لا يصح أن تُمنح الهواجس الإسرائيلية صلاحية دائمة لانتهاك السيادة السورية، ولا ينبغي أن يُستخدم ماضي سوريا المضطرب ذريعة تحول دون سعيها لبناء مستقبل أكثر استقرارا وشمولا. إن ما هو مطلوب في هذه المرحلة ليس مزيدا من الغارات أو الخطابات المتشددة، بل حوار مباشر وشفاف وواقعي.
ينبغي أن يبدأ هذا الحوار بأهداف محدودة وملموسة في الوقت نفسه. لا تشمل أي منها التطبيع، أو الانضمام إلى “اتفاقات أبراهام”. ستتطلب هذه الخطوات تنازلات صعبة- وخاصة فيما يتعلق بمرتفعات الجولان- تنازلات لا تستطيع أن تقدمها بشكل مشروع إلا حكومة مستقبلية منتخبة ديمقراطيا. وبدلا من ذلك، ينبغي أن يكون الهدف المباشر من أي حوار مقبل هو التوصل إلى اتفاق مؤقت يعالج المخاوف الأمنية الإسرائيلية بشأن مسار سوريا، مع التأكيد على أنه لا يمكن اعتبار سوريا منطقة عازلة دائمة أو ساحة معركة للأذرع المختلفة.
وقد تشمل إجراءات بناء الثقة تنسيقا ثنائيا بشأن أمن الحدود، أو عمليات مراقبة مشتركة، أو تعاونا محدودا في مشاريع إعادة الإعمار والطاقة في جنوب سوريا، بشكل مشابه للمشاركة البرغماتية التي شهدتها أجزاء من شمال سوريا الخاضعة للنفوذ التركي. والهدف هو بناء الثقة والقدرة على التنبؤ بما تحمله الأيام المقبلة، مما يمهد الطريق لمفاوضات ذات جدوى أكبر في المستقبل.
قد يزعم البعض أن مثل هذه المبادرة غير مجدية، وأن تحالفات إسرائيل العالمية، وخاصة تحالفها مع الولايات المتحدة، لا يجبرها على تقديم أي تنازلات. إلا أن هذا الافتراض قد يفتقر إلى الدقة اليوم. في الواقع، يشير قرار الرئيس دونالد ترمب الأخير برفع العقوبات عن سوريا، رغم اعتراضات القادة الإسرائيليين الحاليين على ما يبدو، إلى بعض التحول في المواقف. وسواء كان هذا القرار استراتيجياً أم ذا طابع معاملاتي، فهو يشير إلى أن واشنطن منفتحة على منح الحكومة الانتقالية السورية فرصة لإثبات نفسها.
إن تخفيف العقوبات هذا ليس موافقة غير مشروطة، بل يمثل فترة اختبار بتوقعات واضحة: إحراز تقدم في إيجاد حلول لوجود المقاتلين الأجانب، والمشاركة المسؤولة في الحرب المستمرة ضد “داعش”، واحترام التعددية وحقوق الأقليات، وأخيرا وليس آخرا علاقات بناءة مع الجيران، بما في ذلك إسرائيل. والطريقة التي تتعامل بها القيادة السورية مع هذه القضايا ستحدد استمرار تخفيف العقوبات أو تجديدها.
وتشكل هذه اللحظة فرصة نادرة ينبغي على السلطة الانتقالية بقيادة “هيئة تحرير الشام” أن تنتهزها، فعلى الرغم من كل أعبائها الأيديولوجية، فإن هذه السلطة تملك اليوم فرصة حقيقية كي تثبت أنها قادرة على الحكم بشكل مختلف، وأنها قادرة على التعلم من الماضي وقيادة سوريا على مسار جديد. وسيكون الدخول مع إسرائيل في حوار جاد ومفتوح يعترف بالحقائق الصعبة بينما يطمح إلى تسوية حقيقية، دليلا قويا على هذا التطور.
لسنا بحاجة إلى تأييد أفعال إسرائيل في غزة أو في أي مكان آخر أو إضفاء الشرعية عليها كي ندرك أن إسرائيل حقيقة جيوسياسية. فهي مهيمنة عسكريا واقتصاديا، وراسخة دبلوماسيا، ومدعومة- في أوقات مختلفة- من كافة القوى الكبرى، بما فيها روسيا والصين. ولا يعتبر تجاهل هذا الواقع استراتيجية ذكية أو صحيحة، بل مواجهته بحكمة ووعي هو الاستراتيجية الصحيحة.
لن يبنى مستقبل سوريا بالشعارات أو بالصمت والتمنيات، بل سيصاغ من خلال قرارات صعبة، تُتخذ بوعي وإدراك، وتسمو فوق كل التحديات كي تكون مصالح الشعب السوري محركها ودليلها الأوحد. وفي هذه المرحلة، يبدو أن الحوار هو السبيل الأجدى أمام سوريا.
المجلة
———————————–
4 أسباب للخلاف بين ترامب ونتنياهو بشأن سوريا/ محمود علوش
29/5/2025
رفعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب جزءًا كبيرًا من العقوبات المفروضة على سوريا، بهدف تعزيز نهجها الجديد القائم على دعم استقرار حكم الرئيس أحمد الشرع، والاستفادة من الفرص التي تقدمها سوريا الجديدة لإحداث تحول تاريخي في العلاقات مع دمشق، وإعادة صياغة دورها في الشرق الأوسط.
من بين الجوانب التي تبدو غامضة في السياسة الأميركية تجاه سوريا حاليًا، الهوة الواضحة بينها وبين السياسة الإسرائيلية. وتتجلى هذه الهوة في مؤشرات متضاربة؛ فمن جهة، يتعارض نهج ترامب مع السياسة الإسرائيلية التي اعتبرت حتى وقت قريب الحكم الجديد في سوريا تهديدًا إستراتيجيًا، وتبنت تصورات مثل إبقاء سوريا دولة ضعيفة والدفع نحو إقامة فدراليات طائفية كمدخل لتقسيمها. ومن جهة أخرى، تُظهر إدارة ترامب اهتمامًا كبيرًا بالمصالح الإسرائيلية، وترى في التحول السوري فرصة تاريخية لتطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل في المستقبل.
علاوة على ذلك، لا تقتصر هذه الهوة على النظرة إلى حكم الرئيس أحمد الشرع. ففي الوقت الذي تحرص فيه إدارة ترامب على تعزيز الانخراط التركي والسعودي في سوريا، ترى إسرائيل في الوجود التركي تهديدًا جيوسياسيًا.
إن هذا التعارض بين حليفين وثيقين يُعد أمرًا نادرًا في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكنه يصبح أكثر وضوحًا عند النظر إلى الدوافع والأسباب المتعددة التي تشكل نهج ترامب. يمكن تلخيص هذه الدوافع في أربعة محاور رئيسية:
أولًا، يوفر التحول السوري فرصة تاريخية للولايات المتحدة لتحويل سوريا إلى حليف جديد في الشرق الأوسط، بعد عقود من تموضعها في المعسكر المناهض لها.
ومن شأن هذا التحول إعادة تعريف النفوذ الأميركي في الجغرافيا السياسية الإقليمية، إذ يشكل أيضًا قاعدة انطلاق للتأثير على دول مجاورة مثل لبنان والعراق. ومن هذا المنظور، يُشكل النهج الإسرائيلي، الذي يسعى إلى إبقاء سوريا في حالة فوضى، تهديدًا كبيرًا لهذه الفرصة.
ثانيًا، يندرج اهتمام الرئيس دونالد ترامب بتعزيز انخراط دول المنطقة، وفي مقدمتها تركيا والسعودية، في سوريا، ضمن رغبة الولايات المتحدة في تقليص انخراطها المباشر في الشرق الأوسط، وتمكين القوى الحليفة من إدارة شؤون المنطقة بدرجة أكبر من الاستقلالية.
وبالتالي، فإن انضمام سوريا إلى تكتل الدول الحليفة لأميركا في المنطقة يعزز قوة النظام الإقليمي الجديد الذي تطمح إليه واشنطن. وعليه، فإن النهج الإسرائيلي في سوريا لا يدعم تشكيل هذا النظام الإقليمي، بل يُضيف ضغوطًا جديدة على سياسة ترامب في الشرق الأوسط.
ثالثًا، تعتقد الولايات المتحدة أن انخراطها القوي في سوريا والانفتاح على حكم الرئيس أحمد الشرع يحدان من مخاطر انهيار الاستقرار السائد في البلاد منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد.
إن سيناريو انهيار الاستقرار قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مثل اندلاع حرب أهلية تشكل بيئة خصبة لعودة تنظيم الدولة، مما يعقد هدف ترامب بالانسحاب العسكري من المنطقة، فضلًا عن احتمال عودة روسيا وإيران إلى سوريا، وتصاعد التوتر الجيوسياسي بين تركيا وإسرائيل إلى مواجهة عسكرية. ومن هذا المنظور، فإن النهج الإسرائيلي يزيد من هذه المخاطر بدلًا من الحد منها.
رابعًا، يرى ترامب، الذي يولي أهمية كبيرة في ولايته الثانية لتوسيع اتفاقيات السلام بين دول المنطقة وإسرائيل، أن استقطاب سوريا إلى معسكر الأميركي في المنطقة يوفر فرصة تاريخية لتطبيع العلاقات السورية- الإسرائيلية على المدى البعيد.
ويُشكل هذا الهدف فائدة إستراتيجية كبيرة لإسرائيل. وانطلاقًا من ذلك، فإن محاولات إسرائيل زعزعة استقرار الحكم الجديد ستؤدي حتمًا إلى نتائج عكسية.
تتجلى ثلاثة مؤشرات واضحة تشير إلى تحول في النهج الإسرائيلي نتيجة سياسة ترامب، وهي:
تراجع ملحوظ في النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا مؤخرًا مقارنة بالفترة التي أعقبت الإطاحة بنظام الأسد.
تغير النبرة الإسرائيلية تجاه الحكم الجديد بعد بدء محادثات غير مباشرة معه.
دخول إسرائيل في حوار مع تركيا لتهدئة التوترات في سوريا والتوصل إلى تفاهمات لإدارتها.
مع ذلك، فإن استقرار السياسة الإسرائيلية في سوريا على مسار واضح يظل مرهونًا بمجموعة من العوامل، أبرزها تطور العلاقات الأميركية السورية.
ويمكن النظر إلى فترة الستة أشهر التي حددتها واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا على أنها مصممة بشكل رئيسي لاختبار الرئيس أحمد الشرع، وتهيئة الأرضية لعلاقات جديدة، وفي الوقت ذاته، فرصة للتوصل إلى تفاهمات واضحة تعالج التهديد الذي تشكله إسرائيل لسوريا.
ورغم أن هدف الرئيس دونالد ترامب بتحقيق تطبيع سوري- إسرائيلي يبدو بعيد المنال في المستقبل القريب، فإن السياق الجديد لسوريا والانخراط الأميركي القوي فيها يعملان حاليًا على تجميد التحدي الإسرائيلي لسوريا، بما يُعزز من قدرة الرئيس أحمد الشرع على التفرغ للتحديات الداخلية والاستفادة من رفع العقوبات للشروع في عملية الإنعاش الاقتصادي الذي يُشكل بوابة ضرورية للاستقرار الأمني والسياسي والمجتمعي.
كما يوفر الانخراط الأميركي فرصة لتركيا وإسرائيل للتفاهم على آليات عمل تتجاوز الحد من مخاطر التصعيد إلى التعاون في سوريا. وهذا ما يطمح إليه ترامب، الذي يسعى إلى جعل سوريا أرضية لنظام إقليمي جديد يحافظ على النفوذ الأميركي في المنطقة، مع تقليص انخراطها المباشر فيها في الوقت ذاته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
باحث في العلاقات الدولية
الجزيرة
—————————————-
الهجري: متمسكون بحمل السلاح حتى تستقر الدولة
أطلق الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، تصريحات أفصح فيها عن التحركات تجاه المرحلة المقبلة، معتبرًا أن الأحداث السابقة في ريف دمشق والسويداء، دفعت لـ”التعلق بحق حماية النفس، وحمل السلاح حتى تستقر الدولة”.
الشيخ الهجري من الشخصيات الدينية البارزة في الطائفة الدرزية، وهو مناهض للحكومة السورية، في وقت يلعب فيه شيوخ آخرين دورًا تفاوضيًا مع الحكومة لحل المشكلات العالقة في المناطق ذات الغالية الدرزية، مثل شيخ عقل الطائفة يوسف جربوع، والشيخ حمود الحناوي، وقادة عسكريين محليين كليث البلعوس، ويحيى الحجار.
وقال الشيخ الهجري في بيان، نشر مساء 31 من أيار الماضي، إن “اندلاع نيران الحقد المستتر بستائر الدين، زاد تعلقنا بحق حماية أنفسنا”، مضيفًا أن “حمل السلاح وصونه وتنظيمه واجب علينا حتى تستقر الدولة”.
وترّحم الهجري، على من وصفهم بشهداء “المجازر الإرهابية” التي أوقعتها “العصابات التكفيرية اللاإنسانية في مناطقنا بريف دمشق والسويداء”، وفي الساحل وكل المناطق السورية الثكلى، داعيًا بالشفاء للجرحى، بإشارة إلى أحداث صحنايا وجرمانا والسويداء، التي حدثت في نيسان الماضي، وأحداث الساحل في آذار الماضي.
وفي خضم ما نمر به من ويلات وحرب “دامية” لم نكن نتوقعها، ولم نتجه إليها، بحسب الهجري، قال الرئيس الروحي، “بقينا ولا زلنا على مبادئنا ثابتين لتأمن بلادنا وتحضن أبناءها بسلام ومواطنة مشتركة ينظّمها دستور مدني حديث، مبني على دولة ديمقراطية حضارية لامركزية بتوافق السوريين بكل مكوناتهم وأطيافهم دون تسلّط ولا انفراد بالسلطة”.
و”عبر مرحلة انتقالية سادها الحزن على ما بدر خلالها من حالات فتنة طائفية تعمل على تمزيق الوحدة الإنسانية”، لم يكن يتوقع الهجري، تكرار “المجازر والويلات التي حصلت وتجدد الإرهاب بصور أعنف، وحالات “التغييب القسري لأبنائنا”.
وأشار إلى عدم رغبته في “عودة الحرب الطائفية أو التخوينية الغريبة عن معتقداتنا وتربيتنا التي اعتادت أن تحقن دماء السوريين وتحترمهم”، مستهجنًا “انفجار التحريض الطائفي المقيت”.
وتمنى الهجري من بعض وسائط الإعلام العربية المعروفة، أن “تحمل مصداقيتها وأن تتمتع بحيادها لتكون محل الأمانة الموكلة إليها، بحسب قوله، معتبرًا أنها ساهمت بشكل كبير وعبر برامجها بنقل الفتن بلا مصداقية ونقلت الأخبار مجتزئة، وطلب من تلك الوسائل أن “يعودوا إلى حسن المبادئ والحقيقة لأن التجييش والتحريف الإعلامي رصاص حقيقي يحرك أشباح الموت على الواقع”.
وختم الهجري بيانه بالقول “جاء العيد (الأضحى) ولا تزال دماء الأبرياء منثورة على أراضي سورية كلها هنا وهناك، فأفراح التحرير كفنها الإرهاب بالمجازر والترهيب والتحريض الطائفي، ولا تزال صرخة الشعب مدوّية لينال حريته ويقطف مكاسب ثورته ويداوي جراحه ويدفن شهداءه وله منا جزيل التقدير والعرفان”.
الحكومة: هناك فرصة في الأفق
فيما يخص الوضع في السويداء، قال وزير الإعلام، حمزة المصطفى في مؤتمر صحفي في 30 من أيار، إن “الحكومة حاولت، على مدى الأشهر الماضية، الوصول إلى صيغ وتفاهمات مع القوى الموجودة في السويداء، ووصلت الجهود إلى درجة أن الحكومة قبلت تقريبًا كل مطالب هذه القوى”.
لكن بعض القوى تراجعت عن مطالبها التي قدمتها، أو هي لا تستطيع تنفيذها، بحسب المصطفى، وحصلت مجموعة من التصرفات التي لا تمت إلى وطنية أهالي محافظة السويداء، ولعل أبرزها ما جرى مع السيد المحافظ”.
وأضاف وزير الإعلام: “التقى السيد الرئيس وفدًا من محافظة السويداء، وكانت هناك مطالبات عديدة بضرورة حل المسألة، لأن حالة الاستعصاء وقلة الخدمات المقدمة، إضافة إلى بعض الظواهر المنفلتة الناتجة عن انتشار السلاح وما شابه، تشكل تحديات أساسية وتلقي بثقلها على كاهل المواطن.
وأكد الشرع للمجتمعين بحسب وزير الإعلام على ضرورة أن “يلفظ (يتخلص) عقلاء السويداء والقوى الوطنية بعض الأصوات التي تحاول تبني خطاب استجدائي يراهن على تدخل خارجي، وخاصة بعد رفع العقوبات. هناك فرص تلوح في الأفق، والجميع مدعو إلى الالتفاف حول الوطن السوري، فلا خيار لنا سوى النجاح، وهذه مهمة الجميع”.
توتر في السويداء وحرس الوطني
وتأتي تصريحات الهجري في وقت تشهد فيه محافظة السويداء، توترات، وأحداث متلاحقة، آخرها كان الاعتداء المسلح على محافظ السويداء، مصطفى بكور، في 21 من أيار الماضي، والذي تبعه فيما طلب البكور بالاستقالة.
وقبل الاعتداء على المحافظ بيوم، خرج الأمين العام لحزب “اللواء السوري”، مالك أبو الخير، والمقيم في فرنسا ليعلن إنشاء فصيل يدعى الحرس “الحرس الوطني” في السويداء مهمته قيادة المشهد الأمني والعسكري في السويداء، وفي خطوة يتم العمل عليها ويتم توجيه دعوات انتساب للفصائل في السويداء”.
ويجري تداول معلومات أن الفصيل الذي أسسه نجل شيخ طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، إلا أن عنب بلدي، لم تعثر على ما يؤكد هذه المعلومة.
وأضاف أبو الخير، أن تشكيل “الحرس الوطني”، هو خيار الطائفة الدرزية ككل كردة فعل طبيعية على ماحدث في جرمانا وصحنايا والسويداء مؤخرًا، وما ترتب عليها من انتهاكات دون محاسبة حقيقة معتبرًا أن هناك فقدان ثقة في الحكومة السورية والفصائل غير منضبطة”.
———————————-
الشرع أمام وفد السويداء: حصتكم من التنمية مهمة لكنها غير ممكنة في ظل الفوضى
31 مايو 2025
زار وفد من السويداء، في 29 أيار/مايو الجاري، القصر الرئاسي في العاصمة دمشق، وأجرى لقاء مطولًا مع الرئيس أحمد الشرع، وذلك لبحث سبل النهوض بواقع محافظة السويداء.
ضم الوفد عددًا من المثقفين والسياسيين والوجهاء الاجتماعيين والدينيين، على رأسهم إمام جامع مدينة شهبا، الشيخ سليمان الهوارين، إضافةً إلى ممثلين عن شيخي عقل طائفة الموحدين، يوسف جربوع وحمود الحناوي، وأعيان من الطائفة المسيحية، ومحافظ السويداء مصطفى البكور.
وحصل “الترا سوريا” على نص الرسالة التي قدمها الوفد إلى الرئيس الشرع، وحملت ما يشبه خارطة الطريق لـ”إصلاح ذات البين”، وجاء في الرسالة: “تبنى الأوطان بالحوار والتوافق الوطني العريض على العدالة والاستقرار والأمان وهذا عمل تشاركي سبقتنا عليه تجارب التاريخ يجب أن نستفيد منها”.
وقالت الرسالة: “نحن أبناء السويداء من كافة مكوناتها الدينية، على تنوعها، والسياسية والأهلية، أكدنا ونؤكد على ثوابتنا الوطنية العامة”، وقد تمثلت هذه الثوابت، وفق الرسالة، بعدد من النقاط، منها أن السويداء جزء أصيل من سوريا “ونحن متمسكون بوحدة الأرض والهوية الوطنية ونبذ المشاريع الانفصالية والاستقواء بالخارج”. والرفض التام لخطاب الكراهية والتحريض الطائفي المقيت الذي يهدد النسيج الوطني العام، مع التأكيد على ضرورة إصدار قانون يجرم ويحاسب مرتكبيه وفقًا للقانون.
وكذلك التأكيد على سيادة القانون كمظلة وطنية سورية يتساوى أمامها الجميع دون تمييز عرقي أو ديني أو ثقافي “وتزيل آثار استبداد وأفعال النظام المجرم بكل أشكاله المادية والمعنوية والثقافية وذلك بالعمل على الشراكة الوطنية السورية العامة وصولًا لدولة الحق والقانون، دولة لكل السوريين”.
طالب الشرع أهالي السويداء بإنهاء حالة الفوضى والتعامل مع الفصائل المنفلتة التي تسبب القلق والفوضى
وتابعت الرسالة: “إننا وإذ نتابع باهتمام وقلق ومسؤولية مجريات الفترة الماضية، سواء المتغيرات الدولية أو العقبات الداخلية، وإذ كانت قراءتنا السياسية قد بشرت برفع العقوبات عن سوريا وشعبنا الكريم، لكننا بذات الوقت نعمل على أسلم الطرق للعمل المشترك لحل المشاكل التي طفت على السطح في الآونة الأخيرة، والتي أصابتنا بوجداننا الوطني الذي وقفنا لأجله منذ 2011 وتابعناه في ساحات الكرامة لعام ونصف متواصلة حتى سقوط النظام البائد”.
واقترحت الرسالة تفعيل خطة زمنية وفق ثلاثة مستويات هي:
المستوى الأول، ويتمثل بتحقيق الأمان وسيادة القانون، وذلك من خلال:
تثبيت وتمكين الضابطة العدلية والشرطية ماديًا ولوجستيًا بمرجعية وزارة الداخلية وفتح بوابات الانتساب إليها.
العمل على “تنسيق الوحدة العسكرية من أبناء السويداء وفق التفاهمات السابقة مع وزارة الدفاع تدريجيًا والاستعانة بخبرة العسكريين السابقين وأبناء الجبل في فصائله الثورية التي كانت ضد النظام السابق”.
تأمين حماية المحافظة من اعتداء الخارجين عن القانون وتأمين طريق دمشق السويداء.
تشكيل لجنة تقصي حقائق في الأحداث السابقة في السويداء وصحنايا والإفراج عن المعتقلين ضمن القانون.
أما المستوى الثاني فيتعلق بالشأن الإداري والخدمي، من تأمين الكهرباء وحماية خطوطها وإصلاح آبار المياه واستمرار تدفق خطوط التجارة من وإلى المحافظة. وإعادة هيكلة الدوائر الرسمية ومؤسسات الدولة إداريًا “والاستفادة من خبرات أبناء المحافظة الأكاديمية والتعليمية بكافة المجالات سواء داخل المحافظة أو على المستوى الوطني العام”. وحل المشاكل المتعلقة برواتب الموظفين والمتعاقدين والعمل على زيادتها. إضافة إلى العمل على خطط اقتصادية تنموية للمحافظة تستقطب كافة فعالياتها، خاصة العاطلين عن العمل.
ويتعلق المستوى الثالث بموضوع الحوار الوطني، إذ أكدت الرسالة على فتح الحوار السوري حول القضايا الوطنية العامة “سواء المتعلقة بالإعلان الدستوري أو القضايا الثقافية وشؤون الدولة حتى وإن كانت خلافية”، والعمل على إجراء المصالحات المحلية بين درعا والسويداء والعشائر.
وقال العقيد المتقاعد يوسف قطيش، وهو أحد أعضاء الوفد الذي زار دمشق، لـ”الترا سوريا” إن “اللقاء مع الرئيس الشرع كان جيدًا واستمر لنحو ساعة ونصف بعد أن كان مقررًا له 45 دقيقة”.
وأضاف قطيش أن الرئيس “تحدث عن دور السويداء التاريخي وحاضرها الوطني الممثل في ساحة الكرامة، وأن الدولة السورية تسعى للوصول إلى قواسم مشتركة مع أهالي السويداء وتبديد حالة عدم الثقة الحاصلة مؤخرًا”.
كما طالب الشرع، وفق قطيش، أهالي السويداء بإنهاء حالة الفوضى والتعامل مع الفصائل المنفلتة التي تسبب القلق والفوضى “الرئيس قالها بوضوح: أنا عشت تجربة الفصائل في مرحلة ما من حياتي، وأعلمُ حالة الفساد والقلق التي تسببها للناس”.
ونقل قطيش عن الرئيس قوله إن “السويداء لها حصة مهمة من خطط التنمية ومشاريع البنية الأساسية التي تخطط لها الدولة، لكن لا يمكن تحقيق ذلك في ظل حالة الفوضى والفلتان الأمني السائد في المحافظة”.
وأضاف قطيش، نقلًا عن الرئيس الشرع، أن “الدولة مقبلة على نهضة تنموية كبيرة ولا يمكن إضاعة الوقت في السويداء، بينما باقي المحافظات تتهيّأ للمشاركة في إعادة البناء، ويكفي ما عانته المحافظة من تهميش النظام البائد”.
وتحدث الرئيس أمام وفد السويداء عن أحداث الساحل، ووفق قطيش، قال إنها “كانت قائمة على رد الفعل الذي خرج عن السيطرة، بعد أن تم قتل أكثر من 200 عنصر من الأمن العام، مما أثار رد فعل عصبي من الفصائل التي قُتل أفراد منها، ولم يكن مخططًا لها أبدًا، بل كان الأمن العام يبني علاقات طيبة مع أهل الساحل وتفاجأ بالهجوم المنظم الذي خلق تلك الفوضى الأمنية”.
وأكد الشرع أمام الوفد أن الدولة السورية “لن تقبل ببقاء أي منطقة في سوريا الجديدة خارج سيطرة الدولة، وهي إرادة كل السوريين، كما أن المجتمع المحلي والإقليمي والدولي داعم لنا في هذه الخطوة ونملك تفويضًا بهذا الخصوص”.
كما تطرق الشرع في حديثه للعلاقة مع إسرائيل حيث أكد أن “علاقاتنا مع إسرائيل يتم بناؤها على أساس دولة تتعامل مع دولة، وأي كلام حول تعامل إسرائيل مع مجموعات محلية خارجة عن سلطة الدولة هو وهم وسذاجة سياسية”.
كما أكد الشرع، بحسب قول قطيش، على السعي للسيطرة على العصابات الإرهابية والمتطرفة والخارجة عن القانون والتي لا تناسب هذه المرحلة الحساسة في إعادة بناء الدولة السورية. وأن “العالم ينظر إلينا وإلى أفعالنا”، وأنه سيتم “تأسيس سوريا الجديدة على أُسس ومناهج وقوانين حديثة تناسب العصر وقواعد الاستثمار، وأول ذلك الاستقرار الاجتماعي الذي يؤدي إلى استقرار أمني، وبدون تحقيق ذلك نكون قد فشلنا والجميع خاسر”.
ومن جانبه قال د. جمال الشوفي، عضو آخر في الوفد، لـ”الترا سوريا”، إن “الرئيس الشرع طالب العقلاء في محافظة السويداء بالتعاون لنبذ خطاب الفتنة وأكد على تجريم الخطاب الطائفي من كل الأطراف، وأن الرئاسة السورية وأهالي السويداء تنبذ هذا الخطاب جملةً وتفصيلًا، ويجب على الوجهاء وقادة الفصائل في السويداء تطبيق التفاهمات السابقة وتفعيل القانون والضابطة العدلية تحت سلطة الدولة السورية قبل أن تصاب السويداء بالعزلة التي لا يريدها أحد”.
———————————–
========================================