منوعات

شركة عطور تُعيد روائح نباتات منقرضة إلى الحياة.. فهل نجحت؟

نشر السبت، 31 مايو / أيار 2025

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) — ماذا يحدث لو جمعت فريق من العلماء، ومختبر متخصّص في تسلسل الحمض النووي، وبعض أنواع الزهور المنقرضة؟ قد تكون الإجابة حبكة من فيلم “الحديقة الجوراسية”.

غير أنّ هذه العناصر شكّلت في الواقع أسُس شركة التكنولوجيا الحيوية للعطور “Future Society” (مجتمع المستقبل)، التي غيّرت مشهد العطور عبر استحضار أزهار منقرضة.

فبالتعاون مع معشبة جامعة هارفارد التي تضم أكثر من خمسة ملايين عينة نباتية، وشركة التكنولوجيا الحيوية “Ginkgo Bioworks”، نجحت شركة “Future Society” في وضع تسلسل الحمض النووي لنباتات محفوظة، يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 150 عامًا.

وقد تم بالفعل تحويل 6 من هذه النباتات إلى عطور، تتراوح روائحها المميزة بين الخشبية والزهورية.

فعلى سبيل المثال، سُجّل آخر تفتح معروف لزهور نبات Orbexilum stipulatum العشبي، في العام 1881، الذي كان ينمو في جزيرة “روك آيلاند” في أضحل أجزاء شلالات أوهايو القديمة. ويُعتقد أنّ النبات انقرض بعد القضاء على قطعان الجاموس التي كانت تمر عبر المنطقة، ما أدى إلى توقف انتشار بذوره. ثم في عشرينيات القرن الماضي، غمرت السدود المنطقة بأكملها ما أغرق معها آخر أمل لعودة هذا النبات.

وأوضحت جاسمينا أغانوفيتش، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة “Future Society”، والشركة الأم “Arcaea”، في مقابلة مع CNN: “أردنا تصنيع روائح لم نشمّها من قبل، وعطور كان من غير الممكن صنعها سابقًا”.

وشرحت أغانوفيتش: “إنها تكنولوجيا مشابهة لتلك المستخدمة في مواقع مثل ancestry.com و23andme، حيث يرسل المستخدمون عينة من اللعاب في أنبوب، ويتم تحليلها لمعرفة معلومات عن جيناتهم. وقد استخدمنا هذه التكنولوجيا على عينات محفوظة من نباتات منقرضة، بحثًا عن جزيئات الرائحة التي بدأت تعطينا لمحة عن كيف كانت رائحتها”.

ولم تنطلق أغانوفيتش من رغبة عارمة بمعرفة رائحة زهرة محددة، بل كانت تهدف إلى إثبات كيف يمكن استخدام التقدّم التكنولوجي بعلم الأحياء في قطاع التجميل.

ولفتت إلى أنّ فريقها لم يتّبع طريقة “رومانسية”، بل نظر في عدد العينات الموجودة بالأعشاب التابعة لجامعة هارفارد، وعدد العينات التي يمكنهم الحصول عليها، وأي منها سيكون قابلاً لإعادة الإحياء، نظرًا لأن الحمض النووي يتحلل مع مرور الوقت.

وأضافت: “في النهاية، لم نكن نعلم ما إذا كانت تجربة إعادة الإحياء هذه ستنجح، لذا كان الأمر مسألة أرقام وتجربة”.

وفي ما يتعلّق بالعملية، شرحت أغانوفيتش أنّ العينات الفعلية “عبارة عن أجزاء صغيرة جدًا يتم إحضارها إلى المختبر، وتخضع لسلسلة من التفاعلات الكيميائية لتحليلها والتأكد من أن ما يتبقى هو الحمض النووي فقط”.

ولفتت أغانوفيتش إلى أن جزءًا من البيانات التي ظهرت بداية كانت خامًا، وقالت: “كانت الرائحة أشبه بما تشمه عند استخدام جزازة العشب، لأنك تحصل على كل الأجزاء، وليس بتلات الزهرة العطرية فقط، بل أيضًا الساق، والأوراق، ومن يدري ماذا أيضًا.. أنت تحصل على جينات  النبتة الكاملة”.

قد يهمك أيضاً

بعد فك شفرته.. اكتشاف سر تركيب عطر الملكة كليوباترا

بعبارة أخرى، إعادة إحياء رائحة زهرة منقرضة ليست، كما تشير أغانوفيتش، علماً دقيقاً. وذلك ليس فقط لأن الرائحة معقدة للغاية. فمثلاً، تتكون زهرة الياسمين أو الورد من مئات، إن لم يكن آلاف، الجزيئات العطرية والمركّبات الكيميائية المختلفة.

وعندما يتم وضع تسلسل الحمض النووي للنبات المنقرض، يُكشف عن العديد من الجينات المختلفة الخاصة بجزيئات الرائحة، لكن لا يتم “تفعيلها” جميعا عند إدخالها في الخميرة، وهي كائن حي، بحسب ما قالته.

شركة عطور تعيد إحياء روائح أزهار منقرضة..كيف ذلك؟

وفي حين بقيت أغانوفيتش وفريقها مع هذا الدليل الجيني، كان لا يزال هناك عمل يجب القيام به لتفسيره. وأوضحت: “وجود الحمض النووي في الخميرة لا ينتج هذا العطر الجميل والدقيق، بل يمنحنا فقط ملف الرائحة. أما المزج الفعلي والتركيب فيعتمد على ملاحظات العطّارين ومركباتهم الموجودة في مكتباتهم الخاصة”.

ولا تستخدم شركة “Future Society” الحمض النووي لإعادة إنبات الزهور المنقرضة. كما أن السجلات المتوفرة قليلة، وذات طابع شخصي. فإذا لم يكن هناك أي شخص على قيد الحياة قد جرب شم الزهرة بشكل مباشر، فكيف تحدد الشركة أي الزهور تستحق أن يُعاد ابتكار عطر لها؟

وعليه، قالت أغانوفيتش، وهي عالمة بالتدريب لكنها تعمل في صناعة التجميل منذ العام 2014: “هذا هو ما أحبه حقًا في هذا العمل. لم يكن الأمر مجرد غرور علمي. فرغم أننا كنا نمتلك البيانات، إلا أننا اعتمدنا في الواقع على مجالات مختلفة من الخبرة، ضمنًا خبراء العطور ومعرفتهم بالمواد العطرية والكيمياء النباتية، لننظر في سلالات هذه النباتات، والنباتات الحية التي ترتبط بها، وأماكن نموها، وما كانت عليه بيئتها.. كل هذه العناصر قدمت لنا دلائل حول كيفية إعادة تركيب الرائحة من خلال مزيج من الفن والعلم”.

وتعاونت شركة “Future Society” مع صانعي العطور من دور العطور الشهيرة “Givaudan” و”Robertet” للحصول على مزيج من العطور، الاصطناعية والطبيعية والمُهندسة بيولوجيًا، مستوحاة من جزيئات روائح الأزهار المنقرضة، بهدف بتكار تركيبات عطرية. وبحسب موقع العلامة التجارية، فإن الروائح الناتجة تعد “تحية إلى” ما كان يمكن أن تكون عليه رائحة تلك النباتات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى