تحقيقاتسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

رؤساء أندية رياضية في عهد الأسد… قادة مليشيات وتجّار مخدرات/ مازن الهندي

03 يونيو 2025

لعبت الرياضة في سورية دوراً كبيراً في حياة الناس والمجتمع منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970. فبعد عام تأسّست منظمة الاتحاد الرياضي العام، واحدة من المنظّمات الشعبية الرديفة لحزب البعث، من أجل الاهتمام بالقطاع الرياضي والإشراف عليه، وسيلة لاحتواء “الشباب” وغرس الأفكار والقيم الخاصة بالحزب، ممن يمكن أن يكون قد تسرب من نقابات مهنية ومنظمات شعبية أخرى كاتحاد شبيبة الثورة واتحاد الطلبة.

أصدر الرئيس السوري، أحمد الخطيب، في 18 فبراير/ شباط 1971 مرسوماً يقضي بإنشاء منظمّة الاتحاد الرياضي العام، قبل أربعة أيام من انتخاب حافظ الأسد رئيساً للبلاد في أعقاب الانقلاب الذي قام به في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1970.

وبحسب المرسوم، تمثل هذه المنظّمة جماهير الرياضيين في الهيئات الشعبية والحكومية وفي النوادي، وتتولى صلاحية التخطيط للسياسة الرياضية والإشراف على تنفيذها، على أن تعمل من أجل تحقيق أهدافٍ عديدة، من أبرزها: “تنمية الوعي الرياضي والمشاركة الفعلية مع وزارات الدولة ومؤسّساتها في تربية أجيال الشبيبة تربية قومية اشتراكية بهدف زيادة الإنتاج ومضاعفته، والدفاع عن الوطن وعن الثورة، والنضال لحشد طاقة الشباب العربي في معركة التحرير وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد”.

عصر الهواية وتجربة الحمصي

أكثر من عقدين، عاشت الرياضة السورية عصر الهواية، وكان لفظ كلمة (الاحتراف)، الداخلي والخارجي، يعد بمثابة جريمة لا تغتفر، إذ مُنع الرياضيون (وتحديداً لاعبي كرة القدم) من الاحتراف الخارجي، في حين أنهم كانوا يمارسون اللعبة باعتبارها نوعاً من الهواية، بالتزامن مع أعمال أخرى لتأمين لقمة العيش. وخلال هذه العقود، لم يبرز مفهوم دخول رأس المال والسلطة إلى الأندية، لأن العمل كان فيها تطوعياً، ولأن الأندية كانت تتلقى بعض المساعدات المالية (المدرجة ضمن ميزانية حزب البعث وفروعه). لكن ذلك لم يمنع من وجود بعض الاستثناءات القليلة التي كان يشار إليها بصفة (الداعمين أو المحبّين)، سواء من رجالات الدولة ومسؤوليها، أو من خلال تجارها.

وشكلت حالة رجل الأعمال الدمشقي، محمد مأمون الحمصي، حالة فريدة من نوعها، في فترة التسعينيات حين استفاد نادي الوحدة من دعمه المادي من أجل تأمين الدعم اللوجستي لفرق النادي في مختلف الألعاب، وخصوصاً كرة القدم وكرة السلة، وقد استثمر وجوده عضواً في البرلمان السوري (نائب مستقل منذ 1990) من أجل تعزيز شعبيته بين جماهير العاصمة ليؤمن إعادة انتخابه في الدورات التالية، كذلك كانت له كلمة مسموعة ومؤثرة في تعيين أعضاء محسوبين عليه في النادي الدمشقي. وخلال فترة وجوده وتقديمه الدعم، عرف نادي الوحدة نهضة كبيرة على مستوى الجماهيرية، ونجح في كسر احتكار مدينة حلب للقب دوري كرة السلة نحو ربع قرن، كذلك حقق فريق كرة القدم أول ألقابه على الإطلاق من خلال الفوز بكأس الجمهورية لأول مرّة عام 1992.

وفي اللاذقية كان هناك بعض التجارب الداعمة من فواز الأسد المافيوي وابن أخي حافظ الأسد، وكذلك شركة جود في دعم ناديي تشرين وحطين.

إقرار قانون الاحتراف

إزاء الضغوط المتزايدة والانفتاح الإعلامي والرياضي في البلاد بحلول عام 2000، كان لا بد من إحداث تغيير جذري في المنظومة الرياضية، استجابة لرغبة الجماهير في مواكبة التطور الذي طرأ على الألعاب الجماهيرية (بشكل أساسي) في المنطقة المجاورة وفي العالم. وقد استجابت لذلك القيادة السياسية والرياضية، رغبة في الإبقاء على هذا “المتنفّس الشعبي” كما كان يطلق عليه اصطلاحاً، وذلك في وسيلة لإلهاء الناس عن الكثير من المشكلات الاجتماعية الأخرى.

وبالفعل، أُقرَّ قانون الاحتراف الداخلي والخارجي في سورية، ووُضعَت أنظمة وقوانين (خاصة وفريدة من نوعها) بما يتماشى مع سياسة المنظمة الأم (الاتحاد الرياضي العام) وبما يضمن استمرارية هيمنتها على الأندية وقراراتها.

ورغم أن قانون الاحتراف الجديد شجع بطريقة أو بأخرى على دخول رأس المال إلى الأندية، ولكنه قيّد كثيراً ذلك الأمر من خلال حصر الموافقة على قرار تشكيل إدارات الأندية بيد منظمة الاتحاد الرياضي العام، التي كانت تشترط أن يحظى أعضاء حزب البعث بنسبة (50+1) من عضوية مجلس الإدارة في كل الأندية، بما يضمن “حل هذه الإدارات” عند الحاجة، من خلال تقديم هؤلاء الأعضاء لاستقالاتهم (بإيعاز حزبي) ومن دون الحاجة لأي تدخّل (من الجهات العليا) بشكل علني.

تجارب متباينة

عرف العقد الأول من الألفية الجديدة بروز أسماء معينة على مستوى بعض المحافظات والأندية السورية، ورغم أن بعضها كان معروفاً ولم يكن بحاجة للاستثمار (الشعبي) في الأندية لتدعيم مكانته في الدولة، أو الحصول على مكاسب معينة (كالترشح لعضوية مجلس الشعب)، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن عدداً من رجال الأعمال قد استفاد من دخوله القطاع الرياضي، وإبراز دعمه لعدد من الأندية من أجل تعزيز حظوظه ومكاسبه أو (البرستيج) المجتمعي، ومن بين هؤلاء، رجلا الأعمال الدمشقيان خالد حبوباتي وصفوان نظام الدين، وفهر كالو ومعه مرتضى الدندشي ورياض حبال في حمص، وبسام ديري وهاني عزوز ومجموعة ثقة في حلب، ويعقوب قصاب باشي والدكتور غزوان المرعي في حماة، إضافة إلى استمرار ظهور شركة جود في اللاذقية.

وقد تباينت هذه التجارب والنجاحات التي تحققت في عهد كل هؤلاء، والتي راوحت ما بين الوصول إلى نهائي دوري أبطال آسيا (نادي الكرامة 2006) والتتويج بكأس الاتحاد الآسيوي (الاتحاد الحلبي 2010)، إضافة إلى إنجازات أخرى في كرة السلة، مثل فوز نادي الوحدة بلقب أبطال آسيا (2003) وتنظيم نادي الجلاء للبطولة الآسيوية 2009. لكن الرابح الأكبر كان الرياضة السورية عموماً، مع وصول العديد من اللاعبين المحترفين الأجانب إلى الملاعب والصالات السورية التي كانت تمتلئ عن آخرها بالحضور الجماهيري، وهو ما كان يتناسب أيضاً مع الأهداف التي وضعتها القيادة السياسية والرياضية من إقرار قانون الاحتراف.

أمراء الحرب وتبييض الأموال

بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011 انحسر النشاط الرياضي لعدة سنوات، وتحول إلى ما يشبه “الحصّة الدرسية” بعد أن دخلت الأندية غرفة الإنعاش الاقتصادية، إذ عزف الداعمون السابقون عن تقديم أموالهم، فيما هرب آخرون إلى خارج البلاد. وهنا كان لزاماً على الدولة أن توجِد نظاماً جديداً يساعد على استمرار النشاط الرياضي ويمنع توقفه، من خلال العودة إلى تقديم المساعدات (في الحدود الدنيا) لضمان مشاركة الأندية في المنافسات المحلية وبعض البطولات الخارجية، كذلك غضّت الطرف قليلاً عن وصول بعض الأسماء المقرّبة من السلطة إلى مناصب سيادية في الأندية، رغم عدم توفر المعايير الأساسية المنصوص عليها.

وبينما كان من بعض هؤلاء أمراء حرب (حسب التسمية الجديدة لرجال أعمال ظهروا فجأة على الساحة) كانوا يتطلّعون إلى تبييض بعض من أموالهم واكتساب بعض الشرعية (الجماهيرية)، ومن ثم استثمارها في الوصول إلى قبة مجلس الشعب، فإن آخرين كانوا من الداعمين والمعروفين بعشقهم القديم لأنديتهم.

ويمكن الوقوف في هذه الفترة عند أسماء وتجارب من قبيل: غياث الدباس وخالد زبيدي (نادي الوحدة) وائل عقيل (نادي الشرطة) مفيد مزيك والقاطرجي (نادي الاتحاد) سامر فوز (ناديا تشرين وحطين) مدلول العزيز (نادي الفتوة) عمر العموري (نادي الكرامة) إياد السباعي (نادي الوثبة) يوسف السلامة (نادي الوثبة) الشيخ فضل النايف وفادي الحلبي (النواعير والطليعة)، وغيرهم.

بعد سقوط نظام الأسد

على الرغم من أن الفترة التي تلت سقوط نظام الأسد لم تكن طويلة، إلا أن القيادة الجديدة للبلاد لم تجد بداً من الاهتمام بمؤسسات القطاع الرياضي منعاً من انهيارها، ولما في ذلك من أهمية بعدم الانجرار إلى مستنقع التجميد (الدولي) للمشاركات الخارجية، وهي المشاركات التي استثمرت في الماضي للترويج للنظام السابق وتلميع صورته.

وأمام نقص الكوادر وعدم إمكانية تطبيق ما يجري في الكثير من مؤسسات الدولة على قطاع الرياضة، فقد كان لا بد من المحافظة على بعض الوجوه (رؤوس الأموال) الداعمة التي كانت موجودة في عهد النظام البائد، الأمر الذي سمح بعودة غياث الدباس إلى (نادي الوحدة)، محمد كعدان (أهلي حلب) نجيب الفرّا (نادي الوثبة)، مع عودة أسماء أخرى سبق لها أن حضرت في فترة ما قبل 2011.

وبانتظار انتخاب مجالس إدارات اتحادات الألعاب التي حُلَّت، وفي مقدمتها اتحادا كرة القدم وكرة السلة، فإن إطلاق المنافسات الرياضية (المحلية) من جديد قد يتطلب تدخّلاً ودعماً حكومياً، لأن معظم الأندية قد تشكلت إداراتها من رياضيين (قدامى) لا يملكون المال الكافي لدعم أنديتهم ودفع رواتب لاعبيهم، في ظل ضعف الاستثمار (قديماً وحالياً).

ولا تملك الأندية السورية مصادر دخل حقيقية، كما هو حال الأندية في دول أخرى، أو في البلدان المجاورة، إذ لا تملك هذه الأندية ملاعبها الخاصة، فكل الملاعب ملك للدولة، ومعظمها بلا مقرّات حقيقية، وإنما يشغل غرفاً صغيرة، وبالتالي لا متاجر لبيع قمصان النادي ومنتجاته، فضلاً عن عدم وجود أي رعاية للقمصان وعدم وجود أية عوائد للبثّ التلفزيوني، ليبقى مصدر الدخل الوحيد من بيع تذاكر المباريات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

إدارات هاوية وأندية محترفة

كان كثيرون من خبراء الرياضة السورية يُجمعون على أن المشكلة الحقيقية ليست في الذين تناوبوا على إدارة شؤون هذا الملف عبر السنوات (بالرغم من فساد كثيرين منهم)، ولكن يتعلق الأمر بالمنظومة الرياضية عموماً والقوانين التي لا تساعد على تطوير هذا القطاع الذي يعتبر بالنسبة إلى بلدان عديدة أحد مصادر الدخل القومي فيها.

ومن بين الفجوات الكبيرة المتعلقة بالعمل الرياضي، تولي أشخاص هواة من أصحاب الأموال الذين لا يملكون أدنى مقومات فن الإدارة وشهاداتها، مناصب سيادية في الأندية السورية التي بات أهم مفاصلها (اللاعبون والمدربون) أشخاصاً محترفين.

ومن هذا المنطلق شهدنا عبر ربع قرن من تطبيق قانون الاحتراف أمثلة كثيرة على إقالات لمدرّبين وفسخ عقود للاعبين بسبب أهواء شخصية أو تحت ضغط فئة من الجماهير عبر السوشال ميديا، من دون أن تستند هذه القرارات إلى أية معايير أو تقييمات فنية حقيقية، مع الإشارة إلى أن “تناحر” بعض رؤساء الأندية لتحقيق “برستيج ما” قد أدّى إلى هلاك بعض الأندية في وقت لاحق عند وصول هذا الداعم أو ذاك إلى ما كان يصبو إليه أو إلى حالة الملل، لتتحول هذه الأندية بين ليلة وضحاها من قبلة لأهم نجوم اللعبة المحليين إلى أندية لا تقدر على سد رمق العيش وتنفيذ روزنامتها الرياضية.

وبالرغم من حالة اللاوعي لدى كثيرين من رؤساء الأندية أو الداعمين المتسلطين على إدارات هذه الأندية وقراراتها، إلا أن خبراء الرياضة في سورية يرون أن لا مفر من الوصول إلى قرار بخصخصة الأندية والابتعاد عن الدعم الحكومي أو أيٍّ من أشكال الهيمنة (كما كان يحصل في عهد النظام السابق ومنذ تأسيس منظمّة الاتحاد الرياضي العام)، لتكون هذه الأندية ملكاً لشركات أو أشخاصٍ يتولّون مسؤولية الرفع من شأنها تحت رقابة الجماهير المحبة وحدها.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى