تشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعمنوعات

البحث عن حسن فتحي/ يعرب العيسى

03 يونيو 2025

لو اخترنا تقسيم الناس بحسب ذائقتهم المعمارية (وكأن الناس لا تكفيهم انقساماتهم) لوزعناهم على نوعين رئيسيين: الزهويين والفتحيين.

والزهويون هم المعجبون “الكثر” بزها حديد المعمارية العراقية الراحلة، والتي تحوّلت أيقونةً عالمية في مجالها بسبب تصاميمها الإبداعية الخارجة عن المألوف، ومبانيها التي تناطح السماء في مدن العصر، من سيدني إلى أوهايو، ودبي ومدريد والرياض وكوبنهاغن، على شكل عباءاتٍ وأمواج بحر وخصور نساء شرقيات.

أما الفتحيون (وأنا منهم) فهم المعجبون بالمعماري المصري الكبير حسن فتحي، الأكاديمي الملقب “مهندس الفقراء”، والذي عاد إلى طرق البناء التقليدية في النوبة بجنوب مصر، ودرس موادها وتقنياتها وتصاميمها، فهم فلسفتها وكيمياءها، ألّف حولها الكتب، وأضاف إليها ما تحتاجه الحياة اليوم، وصمم عشرات القرى والمجمّعات السكنية الصديقة للبيئة، والمتفهّمة للفقراء.

الفارق بين زها حديد وحسن فتحي، أن المبنى الذي تصممه حديد سيكون مفخرة للمكان الذي يحتويه، وتحفة تصلح للاستخدام سطحَ مكتب في أنظمة تشغيل الكومبيوتر، لكنه سيكلّف عشرات ملايين الدولارات لبنائه، وملايين أخرى لاستثماره وتشغيل مصاعده وإنارته ومكيفاته. بينما يكلف المبنى (البيت) الذي يصممه فتحي ألف دولار أو أقل قليلاً، ويمكن أن يبنيه رجل يلف رأسه بكوفية، ويحمل معولاً، ولا يحتاج قبعة صفراء ولا تنويعة آليات كاتربلر.

في سورية اليوم، يمتلئ الفضاء العام بوعود وأحلام عن مشاريع زهوية. زهوية مرّتين، مرّة لأنها من زمرة المعجبين بأبراج زها المتمايلة، ومرّة لأنها تنطلق في الفضاء تحت تأثير زهوة النصر.

والصورة الذهنية عن المستقبل تدور حول أشياء من قبيل برج ترامب، أبراج تجارة، وادي سيلكون، الجميرة، لوسيل. مشاريع بمليارات الدولارات، ثقة مطلقة بأن هناك من يصطفّون في طابور لدفع هذه المليارات التي ستكلفها تلك المشاريع، فيما لو قبلنا بهم.  والتصوّر لا يشمل البناء فقط، بل يتم التفكير بكل شيء وفق هذا المنطق الزهوي: شبكات مترو، صناعة سيارات، روبوتات، مصارف، موانئ، حقول، أفلام، وزراء.. 

ولكن مهلاً، يا أخوتي، نحن سوريون. وسورية ليست دمشق، نحن إذاً تحت القاع بقليل، نحتاج لبديل عن مخيمات إدلب، ولإعادة الزراعة إلى ريف حمص الشرقي، وإعادة الناس وأشجار المشمش إلى غوطة دمشق الشرقية، ونحتاج لإعمار تل أغر وجسر الشغور ودبسي عفنان والدرخبية أكثر مما نحتاج لإكمال ماروتا سيتي، نحتاج إصلاح جسر الرستن أكثر مما نحتاج لاستبدال مبنى محافظة دمشق، نحتاج لسد كضيم في عمق البادية أكثر مما نحتاج لتعبئة المياه المعدنية.

نحتاج حسن فتحي في العمارة والصناعة والزراعة والتعليم والتمويل والصحافة والأمن والشيبس، نحتاج من يرسم لنا مخطّطاً، نستطيع تنفيذه بأنفسنا، وحسب إمكاناتنا، وبالطريقة التي نعرفها، نشمّر عن ساعدينا، نرفع السروال عن أقدامنا، نجمع طيناً من أرضنا، ندوسه ليختلط جيداً بالتبن، نقطعه إلى مكعبات لِبِن، نتركه ليجف في الشمس (في الشمس طبعاً، فمن أين لفقراء مثلنا أن يجففوا الطوب بالفرن؟) ثم نبني بها جداراً.

بأدنى درجات الواقعية، نحتاج في كل شيء لمخططات يستطيع تنفيذها رجلٌ أسمر يحتمل الوقوف في الشمس، لأن لدينا الكثير من الشمس، والكثير من الرجال السمر، والقليل القليل من الترف.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى