محددات المصالحة التاريخية بين العلمانيين والإسلاميين في سوريا الجديدة/ عبدالله تركماني

2025.06.03
تثير إشكالية المصالحة جملة تساؤلات: هل ثمة ضرورة لعلاقة ما بين الدين والدولة؟ وإذا كان الجواب بنعم كيف تكون؟ وما هي تجلياتها ومحدداتها وحدودها وإيجابياتها وسلبياتها؟ وأية سلطة ستنشأ في حالة هيمنة الإسلاميين وبالتالي أية دولة؟ وما مدى قدرتهم ورغبتهم في احترام الشرعة الدولية لحقوق الإنسان؟ وما الذي يريده العلمانيون على صعيد ماهية الدولة والمواطنة السورية وطبيعة الحكم؟
إنّ التحدي الكبير الذي يواجه أنصار السلفية الجهادية السورية يتجسد في موقفهم من المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن أي معطى آخر: ديني، أو طائفي، أو قومي. بما تقتضيه هذه المساواة من أن تكون مرجعيتهم الإسلامية حاضنة حضارية تتسع لجميع صنوف الاختلاف السياسي والديني داخل الوطنية السورية الجامعة. ولعلَّ التحديات والأسئلة كثيرة، وكلها تتعلق بمفهوم مدنية الدولة، وديمقراطية الحكم، والموقف من مفهوم المواطنة، ومنظومة الحقوق والحريات للجميع من دون تمييز.
وفي المقابل فإنّ التحدي الأبرز أمام العلمانيين السوريين فهو الاعتراف بأنّ الحالة الإسلامية السورية هي جزء من النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي، فلا يمكن تجاهل وجودها أو التلويح بخطرها من قبل بعضهم. على أنّ خطأ التعاطي مع الإسلاميين كتيارات دينية وأيديولوجية جامدة من دون النظر إليهم كحركات اجتماعية وقوى سياسية تؤثر وتتأثر بما يدور حولها، يحرمنا من إمكانية البحث عن فرص التوافق من أجل بناء سورية الجديدة، باعتبارها دولة حق وقانون.
ومن أجل تعظيم فرص المصالحة التاريخية يجدر بالحالة الإسلامية السورية مغادرة الالتباس في موقفها من: الحقوق المتساوية للمواطنين، والتعددية، والتداول السلمي على السلطة، والدولة الدينية، وممارسة العنف ضد الرأي الآخر. ويدور الأمر حول ما إذا كان بالإمكان طرح مفهوم للمواطنة يقوم على أساس المصالحة بين مجتمع مؤمن ودولة لا دينية. فهل يمكن بناء نوع من ” العلمانية “، على أساس ” حيادية الدولة ” عن الأيديولوجيات والأديان، ولكن بغطاء عقلي نقدي يتيح مناخ النقد وحرية المعتقد والتفكير والرأي الحر للجميع؟ وفي هذا السياق لا بدَّ أن نعترف بأنّ سورية تضم تعدداً دينياً ومذهبياً وقومياً يشكل صورة حضارية مشرقة للتنوّع والتفاعل والعيش المشترك، والعلاقة بين الوطن ومكوّناته يمكن أن تكون علاقة توافق وتكامل، حين تكون الحدود واضحة بين المساحة المشتركة والمساحات الخاصة، ويمكن أن تكون علاقة صراع، حين تريد المكوّنات توسيع مساحتها الخاصة على حساب المساحة المشتركة أو حين تريد قيادة المرحلة الانتقالية توسيع المساحة المشتركة على حساب الخصوصيات الثقافية للمكوّنات.
وفي المقابل، فإنّ على العلمانيين عدم التشجيع على الاستقطاب الأيديولوجي وتقسيم المجتمع على أساسه، وإنما الاشتغال بأدوات الفعل السياسي (بلورة برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية). انطلاقاً من أنّ الدولة ذات وظيفة سياسية بحتة، ورهاناتها متعلقة بمصالح الشعب السوري، وعلاقتها مع أطياف المجتمع علاقة تعاقدية.
من مقتضياتها أن تكون على مسافة واحدة من المكوّنات السورية في إطار مفهوم ” المواطنة “، ومن مقتضيات ذلك أن تقف حيادية تجاه الأديان والأيديولوجيات.
إنّ إعادة بناء دولة الحق والقانون لا تستقيم في ظل قيادات تعيش حالة تنافس غير منضبط يمكن أن ينقلب في أي وقت إلى فوضى، مثلما هي حال بعض العلمانيين والإسلاميين، مما يتطلب الإقرار المتبادل بحق كل منهما في تقديم قراءة مختلفة حول قضايا ومسائل ومشكلات، لأنّ وجوده ضروري لتشكيل فضاء الحرية المفتوح، ولبناء دولة الحق والقانون.
وفي هذا السياق، ثمة احتمالان ينضجان في واقعنا الراهن: احتمال أن نذهب إلى مصالحة تاريخية بين أطراف السياسة والمجتمع، خاصة بين العلمانيين والإسلاميين، تتيح انتقالاً آمناً نحو دولة الوطنية الحديثة، نقبله جميعاً لأنه من اختيارنا.
واحتمال نقيض يعني تحققه ذهابنا إلى حال مفتوح على الاقتتال والفوضى. هذان الاحتمالان هما بديلان تاريخيان للواقع السوري الحالي، يمثل أولهما فرصة وثانيهما كارثة. ولكي يرجح احتمال الفرصة فلنعمل من أجل توحيد جهود كل المواطنات والمواطنين، من أجل بناء مجتمع الحرية والكرامة ودولة الحق والقانون.
تلفزيون سوريا