العقوبات الأميركية على سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةلقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 03 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

ملف رفع العقوبات عن سوريا

————————-

هل يكفي رفع العقوبات الاقتصادية للنهوض بسوريا الجديدة؟/ باسل المحمد

2025.06.01

بعد سنوات طويلة من الحصار الاقتصادي والعقوبات الغربية، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل متزامن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في خطوة وُصفت بأنها “تاريخية” وتستجيب للتحولات السياسية التي تشهدها سوريا بعد سقوط النظام السابق.

وبينما رحّب السوريون بهذه الخطوة باعتبارها بوابة لانفراج اقتصادي طال انتظاره، وبداية حقيقية لإعمار سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب والدمار، برزت في الأوساط السياسية والاقتصادية تساؤلات حول قدرة هذه الخطوة وحدها على دفع عجلة النهوض. إذ تُظهر المؤشرات الأولية أن رفع العقوبات ـ على أهميته ـ لن يكون كافيًا ما لم تُعالَج التحديات العميقة التي تُثقل كاهل سوريا الجديدة، وفي مقدّمتها الفساد البنيوي، وتآكل مؤسسات الدولة، وغياب الأمن المستدام، وتراكم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي خلّفتها حرب استمرت أربعة عشر عامًا.

في هذا التقرير نستعرض أبرز هذه التحديات، ونناقش لماذا لا يمكن لرفع العقوبات وحده أن يكون كافيًا للنهوض بسوريا الجديدة، ما لم يترافق مع إصلاحات حقيقية على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

الانفتاح السياسي شرط للنهوض

رغم أن رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن سوريا يشكّل خطوة إيجابية نحو تخفيف الأعباء المعيشية وفتح الطريق أمام الاستثمارات والمساعدات الدولية، إلا أن النهوض الفعلي بسوريا الجديدة يتطلب ما هو أبعد من الاقتصاد، إذ كشفت تجارب العديد من الدول التي شهدت ظروف مماثلة للحالة السورية أن غياب التشاركية السياسية الحقيقية سيشكل عائقاً أمام أي عملية إعادة إعمار شاملة أو بناء مؤسساتي مستقر.

وفي هذا السياق يرى مراقبون أن العقوبات وعلى الرغم مما تسببت به من أعباء على المواطنين لم تكن هي العامل العائق الوحيد أمام التنمية والبناء، بل إن انسداد الأفق السياسي واحتكار القرار وتهميش طيف واسع من السوريين عن المساهمة في صياغة مستقبل بلادهم هو ما كبّل البلاد لعقود، وأدى إلى ما وصلت إليه من دمار.

في هذا السياق يوضح الباحث السياسي نادر الخليل أنه لا يمكن أن يُنظر إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا الجديدة كحل سحري أو كافٍ للنهوض بالبلاد بمفرده، فهو يضيف خطوة مهمة وضرورية، لكنه جزء من منظومة أوسع يجب أن تتكامل فيها أبعاد الإصلاح السياسي وإعادة بناء المؤسسات، واستعادة وفرض سلطة القانون.

ويتجلى هذا الإصلاح السياسي بحسب حديث الخليل لموقع تلفزيون سوريا في فتح المجال العام لكل القوى والتيارات والمكونات دون تهميش، وإعادة انتاج عقد اجتماعي جديد قائم على المواطنة المتساوية.

وتأكيد على أهمية هذا المحور، وضعته الإدارة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي ضمن الشروط التي طالبت دمشق بتنفيذها مقابل رفع العقوبات، إذ أكد الطرفان أن رفع العقوبات مشروط بخطوات إصلاحية واضحة، أبرزها تحقيق مشاركة سياسية حقيقية، وإطلاق عملية انتقال سياسي تتسم بالشفافية، وتضمن مشاركة السوريين بكل طوائفهم ومكوناتهم.

وبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفعه للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا خلال زيارته السعودية، اعتمد الاتحاد الأوروبي رسميا في 28 أيار الماضي رفع العقوبات عن سوريا، وجاء ذلك على لسان منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، التي أكدت أن هذا القرار “هو ببساطة الشيء الصحيح الذي ينبغي للاتحاد الأوروبي القيام به في هذا الوقت التاريخي لدعم تعافي سوريا بشكل حقيقي وانتقال سياسي يلبي تطلعات جميع السوريين”.

الأمن أساس الاستثمار في سوريا

يشكل غياب الاستقرار الأمني العائق الأكبر أمام أي نهوض اقتصادي فعلي، فالبيئة الاستثمارية ـبحسب خبراء الاقتصادـ لا تقاس فقط بمرونة القوانين وحجم الإعفاءات، بل بمدى شعور المستثمر بالأمان والثقة بأن أمواله ومشاريعه لن تكون عرضة للمخاطر الأمنية، أو ابتزاز الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.

وفي تقريره لعام 2024 حول مناخ الاستثمار في الدول الخارجة من النزاع، يؤكد البنك الدولي أن “تحقيق الاستقرار الأمني يُعد الشرط الأول لجذب الاستثمارات في الدول الخارجة من نزاع، متقدماً على السياسات الضريبية أو التسهيلات الإدارية”.

من جانبه نوه المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن في إحاطة لمجلس الأمن “أنه لا يمكن الحديث عن تعافي اقتصادي في سوريا دون معالجة التحديات الأمنية، وعلى رأسها انتشار السلاح وتعدد مراكز السيطرة”.

من جهته يرى الناشط الحقوق زيد العظم أن رفع العقوبات وضع سوريا على السكة الصحيحة، لكن التحدي الحقيقي اليوم أمام الحكومة السورية هو في خلق بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار، فلا يمكن لأي مشروع اقتصادي أن ينهض في ظل الفوضى الأمنية، وانتشار المظاهر المسلحة.

ويضيف العظم في حديثه لموقع تلفزيون سوريا “على الدولة الجديدة أن تعي أن الاستقرار لا يتحقق بالخطاب السياسي، بل بإجراءات عملية تبدأ بتوحيد القرار الأمني، وبناء أجهزة شرطية وأمنية قوية واحترافية، لأن هذه المؤسسات هي الوحيدة القادرة على طمأنة المستثمرين وتشجيع رؤوس الأموال على ضخ المليارات في مشاريع إعادة الإعمار والتنمية”.

وفي إطار سعيها لضبط الأمن والاستقرار أعلنت وزارة الداخلية في 24 أيار الماضي عن إعادة هيكلة تنظيمية شاملة تهدف لتأمين سوريا على المستوى الداخلي والحدودي، واستحداث إدارات جديدة لضبط الأمن.

وفي سياق متصل كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا عن نية الوزارة إصدار قوانين بالتنسيق مع وزارة الدفاع، بهدف التصدي لظاهرة انتشار السلاح العشوائي داخل البلاد، مضيفاً أن الوزارة تنفذ يومياً حملات في مختلف المحافظات لإلقاء القبض على المطلوبين الذين ما زالوا يشكلون تهديداً للأمن العام.

مكافحة الفساد وبناء مؤسسات وطنية

ساهمت سنوات الحرب السورية، والعقوبات الاقتصادية التي طالت كل قطاعات الدولة، بتآكل المؤسسات الحكومة، وانتشار الفساد والمحسوبيات على مستويات عالية جداً، طالت رأس النظام وحتى أصغر موظف في الدولة، لتتبوّء سوريا المرتبة الثالثة عالميا في الفساد بحسب مؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية لعام 2024.

وتكشف العديد من التجارب السابقة لعمليات إعادة الإعمار بعد الحرب في مختلف بقاع العالم بأن الشفافية والتمثيل الجامع في اتخاذ القرارات الحكومية هو الحل الأفضل للفساد والركود الاقتصادي وغيرهما من الأمراض التي تصيب البلاد خلال مرحلة التعافي.

وفي هذا السياق تشير مجلة فورين أفيرز في تقرير عن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا إلى أن عمليات إعادة الإعمار في لبنان والعراق مثلا شكلت فرصة ذهبية لقلة من السياسيين وتجار الحرب للثراء، بينما غرق عامة السكان في أزمات اقتصادية وخدمات متهالكة، وقد أدى الفساد المستشري، والتدخل الخارجي، وهيمنة جماعات لا تمثل الدولة، إلى فشل الحكومات في بناء اقتصادات مستدامة أو مؤسسات قادرة على ضبط المرحلة الانتقالية.

وتحذر أفيرز بتقريرها الصادر في 27 أيار أن هذا الواقع ترك فراغاً أمنياً واقتصادياً، تسابقت على ملئه قوى طائفية وغير رسمية، كما فشلت مشاريع البنية التحتية في أن تكون رافعةً للتنمية، بل تحولت إلى أدوات للربح الشخصي والنفوذ.

بدوره يؤكد الخبير الاقتصادي د. فراس شعبو أن رفع العقوبات شكّل فرصة مهمة لسوريا، لكنها لن تُترجم إلى تعافٍ حقيقي ما لم تُرافق بإصلاحات جذرية في بنية الدولة، فحسب قوله، تحتاج البلاد اليوم إلى “تنظيمات وتشريعات حديثة، وإعادة هيكلة اقتصادية سليمة، تعيد الثقة بمؤسسات الدولة، وتضمن أداءً شفافاً بعيداً عن الفساد والمحسوبيات”.

ويشير شعبو في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن إعادة دمج بعض المؤسسات العامة، وخصخصة القطاعات غير المنتجة، وتمكين القطاع الخاص، كلها خطوات لا بد منها في ظل ضعف الموارد وتردي الخدمات، فالدولة، كما يوضح، “لا تستطيع القيام بكل شيء بمفردها، بسبب حجم الدمار الهائل، وانهيار البنى التحتية في الصحة والتعليم والخدمات”.

ويختتم شعبو بالقول: “إذا تمكّنا من معالجة التحديات الاقتصادية والأمنية، فقد نكون قد قطعنا 70% من طريق الحل، فالنهوض الاقتصادي يفتح الباب تلقائياً أمام حلول سياسية ومجتمعية أكثر استقراراً”.

وتشير التحركات الحكومية إلى توجه مختلف نحو فتح صفحة جديدة بخصوص إصلاح القوانين والأنظمة الخاصة بالاستثمار،  فقد أعلن وزير الاقتصاد والصناعة، الدكتور محمد الشعار، خلال قمة الإعلام العربي بدبي في 28 أيار، عن طرح فرص استثمارية واسعة وغير مسبوقة أمام المستثمرين المحليين والدوليين. ولفت إلى أن سوريا تسعى لتجاوز النموذج التقليدي لإعادة الإعمار، عبر إنشاء أربع مدن صناعية جديدة في مناطق غنية بالموارد الخام، وإصدار قانون جديد للاستثمار خلال أسابيع، بعد إلغاء القيود السابقة التي فرضها النظام البائد.

وكان وزير المالية محمد يسر برنية أكد في مقابلة مع تلفزيون سوريا أن الحكومة تعمل على خطة إصلاح شاملة تشمل تطوير الإدارة المالية العامة، وتعزيز استقلالية المصرف المركزي، والإصلاح الضريبي والجمركي، وبناء منظومة نزاهة مالية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب تطوير الخدمات الرقمية المالية والمصرفية.

تلفزيون سوريا

————————–

سورية بلا عقوبات غربية: التحدّيات المحلية التي تنتظر/ عمر عبد العزيز الحلاج

03 يونيو 2025

في لحظةٍ تبدو وكأنها نهاية فصلٍ طويل من الألم، أو بداية لحقبةٍ جديدة من الإمكانات، تقف سورية أمام مفترق طرق. لقد سقط النظام الذي طالما اختزل الوطن في نفسه، واحتكر الحقيقة، وجرّ البلاد إلى دهاليز الاستبداد والصمت. واليوم، مع رفع العقوبات الأميركية، وبينما يعلو خطاب النصر وتُرسم ملامح الدولة الجديدة، يُطرح السؤال الأصعب: كيف نمنع إعادة إنتاج المنطق نفسه الذي حوّل الدولة إلى قدرٍ متعالٍ، والمواطن إلى متلقٍ مطيع؟ كيف نؤسس لمصالحةٍ لا تُبنى على رواية واحدة، بل على اعترافٍ متبادل بين السوريين بوصفهم مواطنين متساوين، وعلى الإنصات لا على الإملاء؟

لطالما وظّفت مؤسسات السلطة في سورية سردية وطنية شمولية تُقدّم الدولة كائناً ماورائيا، يتجاوز الناس، يتكلم باسمهم، ويعرف عنهم أكثر مما يعرفون. هذه السردية نفسها، وإن تغيّرت وجوهها، تُهدّد اليوم بالعودة بثوبٍ جديد: سردية تُقدّم إسقاط النظام على أنه تحقيق لوعدٍ تاريخي أو مشيئةٍ قدَرية، لا محصلة نضالية بشرية متعددة الوجوه. هذا الخطر لا يكمن فقط في الخطاب، بل في التوجّه نحو بناء دولةٍ جديدة دون مساءلةٍ علنية، ودون نقاشٍ مفتوح، ومن دون مشاركةٍ حقيقية في بلورة معنى هذا التحول الجديد ومآلاته.

يجب ألّا يبقى بناء الدولة بعد الخلاص من نظام فاسد حبيس لحظة نصر تاريخي، بل هو مشروعٌ طويل لإعادة بناء العلاقة بين الناس بعضهم بعضاً، وبينهم وبين مؤسسات الحكم. هو مسار وليس مجرد إجراءات زمنية، مسار يتطلب مواجهة صادقة مع الألم، كل الألم، مع الانتهاكات كلها، مع الصمت الذي كمم الأفواه، ومع الأسئلة الصعبة التي لا تملك أجوبة جاهزة. بناء الدولة لا تكفيه مراجعة الماضي والمحاسبة على أخطائه، بل أيضاً الاعتراف، التوثيق، الاستماع، والاعتذار لإعادة صياغة سرديات وطنية جامعة تقودنا نحو مستقبل مشترك ولا تغلق النص على سرديات الماضي.

ورفع العقوبات الغربية ليس نصراً بحد ذاته، بل هو بوابة تفتح على المستقبل، لكن مسارات هذا المستقبل ومآلاته تتعلقان بما سيفعله السوريون بأنفسهم، وأي إرادة ستحركهم باتجاه المستقبل، وبالطبع فالدولة هي من سيرسم شكل العلاقة مع المجتمع، وإسهام هذا المجتمع بجميع مكوناته في النقاش الوطني، وفي عملية البناء، والتقاط فرصة رفع العقوبات، لإعادة بناء الاقتصاد، والمجتمع قبل الاقتصاد. وما هي الأرضية التي ستمشي عليها هذه العملية التشاركية الضرورية، بل الحتمية. ودون هذه التشاركية سيكون قرار رفع العقوبات دون تأثير، فلا معنى لرفع العقوبات الغربية، إذا تمسّك المجتمع السوري بسجل عقوبات ضد بعضه البعض.

لقد بيّنت التجربة السورية، خاصة في سنوات النزاع والانقسام، أن الهوية الوطنية لا تُفرض من فوق، بل تُبنى من تعددية الواقع المحلي. لا يوجد وطن دون اختلاف، ولا مصالحة دون اعتراف بالتنوع، لا بوصفه عقبة يجب تجاوزها، بل قيمة إيجابية يجب احتضانها. يفرض هذا على أي مشروع للمصالحة والوفاق الوطني أن يكون متعدّد المسارات، يدمج بين الآليات المركزية والمبادرات المحلية، ويمنح الأولوية لصوت من عاش التجربة من زواياها المختلفة لا فقط لمن يرويها عن بعد.

لكن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في تنوع الروايات، بل في استعداد الحكومة اليوم للانتقال من دورها السابق مالكا للحقيقة المطلقة، إلى راعٍ لمساحة الحوار حولها. على الدولة أن تكون بنية قابلة للنقد، منصة لاختلاف الآراء، لا أداة لإعادة إنتاج الشمولية باسم الشرعية أو التاريخ أو الاستقرار. لا بد من الواقعية والتواضع السياسي في وجه تعقيدات الواقع، ولا بد من رفض تحويل الدولة إلى بطلٍ روائي مغلق، بل جعلها ساحة مفتوحة للسرد والتفاوض المجتمعي والمساءلة.

سيكون على المجتمع العمل مع الحكومة لإنجاح التجربة، ولكن عليه أن يكون أيضاً بالمرصاد، كي لا تعود أدوات التسلط  لتغلق الحوار الوطني المطلوب، وهو الحوار الذي يجب أن يستمر لتطوير كل ما يتعلق ببناء الدولة من مسارات الإعمار والمصالحة والعدالة الانتقالية والإصلاح المؤسسي. بعضنا سيختار العمل على بناء الدولة من داخل هياكل الحكومة الجديدة وهذا جيد وضروري، وبعضنا سيعمل من خارجها ناصحًا وناقدًا لنضمن حرية تداول الأفكار وعدم احتكارها أو اختزالها ضمن مؤسسات الحكم الجديدة، وهو دور آليت على نفسي أن ألعبه فيما تبقى لي من أيام.

وفي هذا السياق، يكتسب الحوار الوطني المستمر والمفتوح أهمية قصوى لضمان استمرار الفعل التواصلي بين قوى المجتمع والاعتراف بوجود الآخرين وشرعية سردياتهم، إذ لا يمكن أن تُبنى شرعية النظام السياسي القادم فقط على حوار تأسس لحظة سقوط نظام مهما كان ذاك النظام جائراً، بل على تفعيل مستمر لمساحات الخطاب العام، فالدولة لا تكتسب أخلاقيتها من إعلان نفسها ممثلة للإرادة العامة، بل من التزامها بأن تكون فضاءً مفتوحاً للتفاعل بين المواطنين، تعترف بتعدّدهم، وتُصغي لاختلافاتهم، وتُصوّب مسارها عبر النقد العمومي والنقد الذاتي لسردية السلطة ومشروعيتها.

ما يحتاجه السوريون اليوم ليس فقط مؤسّسات عدالة فعالة، بل منابر حوار، ومساحات تواصل، وأدوات تتيح للمجتمع السوري أن يعيد بناء ذاته من القاعدة إلى الأعلى. الإعلام المحلي، والمبادرات المدنية، والمجالس المجتمعية، والشبكات الثقافية، كلها عناصر أساسية في صناعة المصالحة. فالعدالة والمصالحة ليست قانوناً ولا وثيقة ولا هيئة عليا، بل ثقافة تتجذر بالتدريج من خلال الاعتراف المتبادل، ومن خلال توسيع دائرة من له الحق في الكلام ومن يجرؤ على الكلام.

لا تروي الدولة العادلة الحكاية الأخيرة. إنها تفسح المجال لحكاياتٍ لم تُروَ بعد، وتقبل أن تكون مساحتها ساحة للاعتراف، لا منصة للإنكار. وإذا كان سقوط النظام البائد قد فتح الباب أمام التغيير، فإن مسؤولية الحاضر هي ألا يُغلق هذا الباب مجدّداً باسم أي سردية، مهما بدت مقنعة أو مخلِّصة. فشرعية الدولة القادمة لن تُبنى على إغلاق النقاش، بل على احتضانه. وبناء الدولة لا يتم بالختم لإعلان نهاية مرحلة، بل يتطلب نقاشًا شاملًا ومنفتحًا على الجميع، لا تكتبه مؤسّسات الدولة وحدها، بل يصوغه المجتمع بأكمله، بمبادراته، وحواراته، وأصواته المختلفة عبر حوار وطني مستمرّ في جميع المجالات. ولا يتعلّق هذا الحوار فقط بإغلاق صفحة الماضي، بل بكل الإشكالات القديمة والمستحدثة.

علينا أن نعي أن الظلم في الماضي لم يقتصر على جرائم أفراد في نظام بائد، وأن تحقيق العدالة لا يعني مجرّد محاسبة هؤلاء على أفعالهم، بل يعني تصوّراً جديداً لمنظومة الحكم يضمن عدم تكرار الماضي. مركزة السلطة واحتكار الموارد ومقدّرات الاقتصاد وتقييد التعبير والتمثيل السياسي وفّرت الغطاء والمبرّر للظلم في الماضي. والعدالة لا تتحقق بدون تفكير مستقبلي يضمن العدالة في توزيع الموارد الوطنية على طول الجغرافيا السورية، والعدالة البيئية، والعدالة بين الريف والمدينة، والعدالة في التمثيل السياسي والحقّ في الوجود في الحيز العام لكل أفراد المجتمع، رجالاً ونساءً شيباً وشباباً. فالعدالة ليست مساراً يكتفي بالنظر إلى الخلف، بل هي مشروع يستشرف المستقبل بوعي أكبر. لا ينفع أن نحاسب الماضي إذا كنا سنظلم أولادنا والأجيال القادمة.

في المقابل، لا يمكن أن يتوقع السوريون أن يؤدوا ذلك كله في غضون أيام قليلة. ولن توفر المعطيات الخارجية، كرفع العقوبات، سوى حافز لهم للعمل معاً لإعادة الإعمار وتحقيق الوفاق الوطني. وسيكون عليهم أن ينظروا إلى الأمام لا إلى الخلف. لندع مسارات العدالة الانتقالية تأخذ مجراها فيما يخص الماضي، ولكن المستقبل ينتظر السوريين في ساحات أكبر وأوسع وأكثر خطورة من الشرذمة التي خلفتها لنا عقود من الاستبداد وسنوات من الحرب. لم تنته التضحيات لحظة سقوط النظام. سيكون علينا أن نضحّي كل منا من موقعه ومن دوره. وسيكون على كلٍّ منا أن يقبل أن سورية الجديدة لن تتطابق مع سرديته بالمطلق، ولكنها ستوفر للجميع مساحة للتعبير عن سردياتهم وهذه ربما تكون التضحية الأكبر المطلوبة اليوم.

العربي الجديد

————————————-

 سوريا تواجه تحديات لاستثمار 7 مليارات دولار في الكهرباء

الثلاثاء 2025/06/03

تواجه سوريا تحديات جمّة تحول دون الاستفادة من استثمارات ضخمة وقعتها في قطاع الكهرباء، بقيمة 7 مليارات دولار، أبرزها التلف الواسع الذي تعانيه شبكة النقل الكهربائية، والسرقات التي تتعرض لها البنية التحتية الحيوية، في ظل ضعف أمني واقتصادي حاد.

وقد تعهدت قطر، من خلال تحالف دولي تقوده شركة “يو سي سي القابضة”، بمساعدة سوريا في إعادة البناء، عبر إنشاء أربع محطات كهرباء غازية ذات دورة مركبة، ومحطة طاقة شمسية، لكن هذه الخطط الطموحة “لن تعني الكثير، ما لم تتمكن دمشق من منع العصابات المسلحة من نهب كابلات الكهرباء بسرعة أكبر من قدرة الحكومة التي تعاني من نقص السيولة على إصلاحها”، بحسب تقرير لوكالة “رويترز”.

ويمثل المشروع القطري أكبر استثمار أجنبي يعلن عنه في سوريا منذ أن رفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الشهر الماضي، العقوبات المفروضة على دمشق، مما أعاد فتح أبواب الاستثمار ولو بشكل محدود.

شبكة شبه منهارة وسرقات منظمة

وبحسب تصريحات وزير الطاقة محمد البشير، لـ”رويترز”، فإن شبكة الكهرباء السورية كانت قبل عام 2011 تغطي 99% من سكان البلاد، لكنها اليوم تنتج أقل من خُمس إنتاجها السابق، والأخطر أن “معظم هذا الإنتاج يُسرق”، سواء عبر سرقة الكابلات والمكونات أو حتى من خلال سرقة الكهرباء نفسها.

وتُقدّر وزارة الطاقة تكلفة إعادة تأهيل الشبكة بنحو 5.5 مليار دولار، وهي أموال لا تملكها الدولة، مما يفرض الاعتماد على استثمارات خاصة أو مانحين دوليين. وقال البشير إن “المشاريع التي تقودها قطر، ستستغرق ثلاث سنوات لتصبح جاهزة للتشغيل الكامل، وخلال تلك الفترة، ربما نتمكن من استكمال إعادة تأهيل الشبكة”.

لكن الواقع على الأرض أكثر تعقيداً، وفقاً لرئيس المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء خالد أبو دي الذي قال إن “فرقنا تعمل في مكان والنهب في مكان آخر”، وأشار إلى أن أكثر من 80 كيلومتراً من الكابلات في جنوب سوريا نُهبت منذ سقوط النظام السابق، بينما أحبطت السرقات في الشرق، محاولات استعادة خط نقل رئيسي طوله 280 كيلومتراً.

تحديات أمنية

وتشكل حماية خطوط الكهرباء في سوريا، تحدياً أمنياً معقداً في ظل انتشار الميليشيات المحلية والمجموعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد، لا سيما أن العديد من خطوط النقل تمر عبر مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة، أو تقع على خطوط تماس بين قوات مختلفة، مما يجعل تأمينها مهمة شبه مستحيلة.

وقال أبو دي إن تأمين خطوط بطول مئات الكيلومترات، يتطلب موارد بشرية ولوجستية لا تملكها الدولة حالياً، مشيراً إلى أن “نشر حراس أو قوات أمنية على كامل مسار الخطوط مستحيل عملياً”، كما أن العديد من اللصوص الذين يستهدفون الأبراج والكابلات، “يعملون تحت حماية جماعات مسلحة محلية”، مما يُصعّب تدخل فرق الصيانة أو الشرطة.

من جهته، أوضح أحمد الأخرس، المسؤول عن الترميم في الجنوب، أن “الفرق الفنية غالباً ما تراقب عمليات نهب أثناء تنفيذ أعمال الصيانة، لكنها لا تتدخل بسبب خطر السلاح”، مضيفاً أن “اللصوص لا يسرقون تحت جنح الظلام، بل في وضح النهار أحياناً”.

وبسبب هذا الواقع، تحولت بعض المستودعات الحكومية إلى أهداف مباشرة، حيث أُفرغت العديد منها من المعدات الاحتياطية الضرورية، ما عطّل عمليات الإصلاح حتى في المناطق الآمنة نسبياً.

بيئة غير آمنة للمستثمرين

وقال الخبير في قطاع الطاقة غياث بلال، إن سوريا لا تزال في مراحلها الأولى من التعافي بعد الحرب، وتُعد “وجهة عالية المخاطر للمستثمرين”، لافتاً إلى غياب المقومات الأساسية مثل العملة المستقرة، والقطاع المصرفي، والأمن. وأشار إلى أن انعدام السيطرة الحكومية على مناطق واسعة يعوق بشكل مباشر محاولات إصلاح الشبكة أو جذب استثمارات جادة.

على الرغم من ذلك، تعول الحكومة على القطاع الخاص لقيادة عملية الإصلاح. ووفقاً للبشير، يمكن للشركات الاستثمارية الدخول في شراكات مع الدولة بصيغة المتعهدين، وبيع الكهرباء مباشرة للمستهلكين لاسترداد استثماراتهم.

وأكد المتحدث باسم وزارة الطاقة أحمد سليمان، أن شركات صينية وأميركية وقطرية وتركية، أبدت اهتماماً بدخول السوق السورية منذ رفع العقوبات، حيث تقضي الخطط الحكومية بأن تقوم هذه الشركات باستئجار محطات التحويل وخطوط النقل ذات الجهد العالي، على أن تسترد تكاليفها عبر رسوم الكهرباء.

كهرباء مدعومة وفقر مدقع

لكن إحدى العقبات الرئيسية التي يواجهها المستثمرون، هي أن الكهرباء في سوريا كانت مدعومة بشدة لعقود، إذ يدفع المستهلكون نسبة ضئيلة من تكلفتها الفعلية، لذلك تتجه الحكومة الى رفع الدعم تدريجياً عن قطاع الكهرباء، نظراً لأن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.

من جانب آخر، أبدى بعض المستثمرين تفاؤلاً حذراً، حيث يخطط رجل الأعمال السوري ضياء قدور، المقيم في تركيا، لاستثمار 25 مليون دولار في شبكة الكهرباء شمال سوريا، عبر شركته المرخصة في تركيا، لتزويد 150 ألف منزل في ريف حلب بالكهرباء المستوردة من تركيا. وقال لوكالة “رويترز”: “بإمكاننا تقديم أسعار أقل بكثير من الأسعار التي يدفعها السكان حالياً مقابل المولدات الخاصة”.

فيما عبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن تفاؤله بالاستثمار في هذا القطاع، قائلاً: “أفضل ما لدينا هو أننا موجودون على الأرض منذ خمس سنوات”.

معاناة يومية وواقع مأزوم

ومع تراجع ساعات التغذية الكهربائية إلى أقل من 4 ساعات يومياً في معظم المناطق، باتت الحياة اليومية للسوريين تدور حول جدول الكهرباء، فالكثيرون يضطرون للاستيقاظ في ساعات الفجر لتشغيل الغسالات أو تسخين الماء، ثم العودة للنوم، أما تخزين الطعام، فأصبح ترفاً لا تسمح به قدرة التبريد المحدودة، ما يدفع الناس لشراء كميات يومية فقط من الخضار أو اللحوم.

ويُعد هذا الملف من أبرز التحديات التي تواجه حكومة الرئيس أحمد الشرع في محاولاته لإعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد، في ظل استمرار الفوضى الأمنية وانهيار البنية التحتية.

—————————–

الاختراق السوري أبرز إنجازات ترمب/ طوني فرنسيس

من غزة إلى أوكرانيا مروراً بإيران تتعثر مبادرات الرئيس الأميركي وتصطدم بالوقائع الصعبة

الاثنين 2 يونيو 2025

قد يصح القول إن استعادة العلاقات الأميركية- السورية شكلت الإنجاز الأهم الأكثر حيوية لمستقبل أوضاع المشرق بما في ذلك مستقبل لبنان والعراق الذي يستعد للانتخابات التشريعية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فسوريا التي كانت رأس جسر المشروع التوسعي الإيراني عبر العراق وامتداداً إلى لبنان وفلسطين والأردن باتت في الموقع الاستراتيجي النقيض ويسهل ذلك عليها في المستقبل القريب القيام بدور إيجابي مؤثر تجاه لبنان والعراق والجيران الآخرين، وهي ستكون للمرة الأولى في صلب الجهود العربية التي لم تتوقف من أجل حل نهائي للقضية الفلسطينية على قاعدة حل الدولتين الذي ينهي مغامرات بنيامين نتنياهو و”حماس” والمرشد الإيراني، ويوفر على ترمب وعوداً في غير مكانها الصحيح.

لم ينجح دونالد ترمب، حتى الآن، في مساعيه المعلنة لحل أي من الأزمات الدولية التي أعلن عن تصديه لوضع حد لها، فيما الوقت يهدر والضحايا يتساقطون بدءاً من غزة وصولاً إلى أوكرانيا. فقط في سوريا أحدث الرئيس الأميركي خرقاً عندما اعترف بالسلطات الجديدة وقرر رفع العقوبات المفروضة على هذه البلاد منذ أيام حكم آل الأسد.

فشل الرئيس الأميركي حتى الآن في وقف الحرب الروسية – الأوكرانية على رغم أن إنهاءها كان في مقدمة شعارات حملته الرئاسية، واستمر التصعيد على الجبهات وتمسكت روسيا بشروطها، فيما كانت أوروبا تلتف حول أوكرانيا داعمة لها في معركتها المصيرية.

وعندما ضغط ترمب من أجل مفاوضات بين البلدين في تركيا، راهن على اتفاق سريع يتوج بلقاء يجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فلم يحصل الاتفاق واستعيض عن اللقاء باتصال هاتفي أعقبته اتهامات من ترمب لبوتين وصلت إلى حد وصفه بـ”المجنون”، لكن الكرملين خفف من حدة التوتر الأميركي، مقترحاً أسباباً تبريرية لرئيس البيت الأبيض الذي “يواجه صعوبات مع حلفائه الأوروبيين”، على قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

وينسجم تفسير موسكو هذا مع رؤيتها لسلوك ترمب ودوره ويخدم مطالبها الرئيسة التي تتمسك بها، فهي تمالئ الرئيس الأميركي ما دام يصطدم في رؤيته للعالم مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي، وتواصل في الوقت نفسه تمسكها بشروطها المعروفة للتسوية التي تتضمن اعتراف أوكرانيا والعالم بضمها القرم والمقاطعات الأوكرانية الشرقية، وتغيير وجهة النظام في كييف الذي تتهم قادته بـ”النازية الجديدة”.

سيحمل الوفد الروسي هذه المطالب إلى جولة مفاوضات مقررة هذا الأسبوع في تركيا وستقوم أنقرة بواجبها في استضافة الغريمين من دون أمل كبير في تسجيل اختراق، بينما تتصاعد لهجة الأوروبيين عن السماح لأوكرانيا باستعمال أسلحتهم ضد روسيا في أرضها وترد أوساط روسية بالتهديد بقصف برلين.

لن يكون كل ذلك مريحاً لترمب “صانع السلام” كما يود أن يسمي نفسه، بينما يواجه في أمكنة أخرى صعوبات مماثلة ومزيداً من الأطراف غير المطواعة. في غزة لم يتخطَّ الرئيس الأميركي الخط الذي رسمته إدارة سلفه بايدن، وهو إذ يكرر الحديث عن الاقتراب من صفقة لا تتحقق بين حركة “حماس” وإسرائيل، يوفر في مشاريعه الغريبة عن تهجير سكان القطاع إلى دول أخرى وإقامة “ريفييرا” فلسطينية على أرض غزة، أرضاً خصبة لاستمرار إسرائيل في حربها وقتلها وتجويعها اليومي للسكان الفلسطينيين ومبرراً أكثر من كافٍ لـ”حماس” ومثيلاتها لمواصلة القتال وحصد التصفيق في طهران.

لم يتم التوصل إلى اتفاق في غزة على رغم جهود ستيف ويتكوف وعلى رغم خط التفاوض الأميركي المباشر مع “حماس”، ومشروع الهدنة الأخير الذي يتضمن تبادلاً للأسرى عالق بين شروط طرفي القتال، فيما ترمب يعد بأخبار جيدة طوال الوقت.

في الأثناء سحب الرئيس الأميركي قواته من معركة تأديب الحوثيين، ودخل في التوقيت نفسه تقريباً في مفاوضات مع إيران أعلن أنه يهدف من خلالها إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني كلياً، لكن طهران تكرر إثر كل جولة من جولات تلك المفاوضات تمسكها بتخصيب اليورانيوم ويبدي مرشدها شكوكه في المفاوض الأميركي ويصب غضبه على إسرائيل، مهدداً للمرة المليون بإزالتها من الوجود. 

ومع ذلك لم يتراجع ترمب عن تفاؤله بقرب التوصل إلى اتفاق نووي جديد لا يكرر اتفاق أوباما، لكن لا بشائر فعلية سوى التصريحات المتفائلة يليها سيل الشكوك العارم. وفي المفاوضات النووية، كما في مفاوضات أوكرانيا وغزة، لا يكف ترمب عن إطلاق التعابير المفخمة عن صفقات “رائعة”.

“يجرب قوته” يقول معلق في صحيفة “يديعوت” الإسرائيلية. “كعادته يبحث عن إنجاز سريع، لامع ومبهر، عن صفقة القرن”، وعلى هذا النحو امتلأت الصحف والمحطات الإعلامية العالمية خلال مايو (أيار) الماضي بتصريحات من نوع إنهاء الحرب في غزة خلال أيام واقتراب سريع لاتفاق مع إيران وإنجاز لاتفاق ينهي حرب أوكرانيا “في غضون أسبوعين”، وهذان هما “أطول أسبوعين في التاريخ” كما لاحظ، بسخرية، مراسل “سي أن أن”.

وضمن جردة الحساب هذه، يحتل مصير الأوضاع في لبنان الذي تشرف على تثبيت وقف النار فيه بين “حزب الله” وإسرائيل، لجنة عسكرية بقيادة أميركية، مرتبة متقدمة في اهتمامات الإدارة “الترمبية”. وتعرف الإدارة أن هذا البلد لن يعود لحياته الطبيعية من دون كف يد التدخلات الإسرائيلية ونزع السلاح غير الشرعي من يد أنصار إيران وفصائل فلسطينية أخرى، وعلى رغم التغيير في الحكم، الحاصل في أعقاب حرب مدمرة، تتعثر خطوات إرساء سلطة الدولة من دون أن يبدي الرئيس الأميركي ضغطاً أو تحركاً كالذي يمارسه في مسائل حامية أخرى، وربما يعود ذلك للربط المحكم الذي تقيمه إسرائيل وأميركا بين “حزب الله” وإيران، مما يسمح بالاعتقاد بأن موضوع تحرير الدولة في لبنان من سطوة الميليشيات قد يكون جزءاً من مفاوضات الحل النهائي مع إيران.

في كل هذا المشهد المرتبك كان الاختراق البارز هو ذلك الذي سجله ترمب في المسألة السورية، مما يتيح اجتهادات متنوعة، فبطلب من السعودية وبمشاركة تركية، التقى ترمب الرئيس السوري أحمد الشرع وقرر رفع العقوبات عن سوريا. وفتحت تلك الخطوة الباب عريضاً أمام خروج البلاد من حال الحرب والحصار وعودتها للساحتين العربية والدولية، وكرست السلطات السورية الجديدة مسؤولة عن وحدة البلاد ومستقبلها، على أنقاض النظام البائد وحليفه الإيراني.

قد يصح القول إن استعادة العلاقات الأميركية- السورية شكلت الإنجاز الأهم الأكثر حيوية لمستقبل أوضاع المشرق بما في ذلك مستقبل لبنان والعراق الذي يستعد للانتخابات التشريعية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فسوريا التي كانت رأس جسر المشروع التوسعي الإيراني عبر العراق وامتداداً إلى لبنان وفلسطين والأردن، باتت في الموقع الاستراتيجي النقيض ويسهل ذلك عليها في المستقبل القريب القيام بدور إيجابي مؤثر تجاه لبنان والعراق والجيران الآخرين، وهي ستكون للمرة الأولى في صلب الجهود العربية التي لم تتوقف من أجل حل نهائي للقضية الفلسطينية على قاعدة حل الدولتين الذي ينهي مغامرات بنيامين نتنياهو و”حماس” والمرشد الإيراني، ويوفر على ترمب وعوداً في غير مكانها الصحيح.

والاختراق الأميركي في سوريا يلتقي جهوداً عربية حثيثة لإعادة الحياة لبنية عربية دولية تعيد ترتيب الحقائق ضمن أولوياتها الحقيقية وتوفر الأساس لبحث أميركي- عربي- دولي في شروط سلام دائم في المنطقة تحميه دولها الوطنية. وفي السياق قد يكون المؤتمر الدولي الذي تعمل عليه الرياض بالتعاون مع فرنسا من أجل تكريس حل الدولتين، هو الفرصة الجدية لجعل الزخم الذي يميز نهج ترمب مفيداً ومنتجاً لحلول تخدم سلاماً مستداماً وتضع حداً لمشاريع الاستغلال السياسي في شرق عانى ويعاني الكوارث منذ عقود.

——————————-

 واشنطن بوست: المقاتلون الأجانب التحدي الأكبر أمام الشرع بعد إسقاط الأسد

2025.06.01

سلط تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الضوء على تحدٍ جديد يواجه الرئيس السوري، أحمد الشرع، يتمثل في وجود آلاف المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الإطاحة بنظام بشار الأسد، والذين باتوا اليوم يشكّلون تهديداً محتملاً لاستقرار السلطة الجديدة في دمشق.

وبحسب التقرير، فإن عدداً من هؤلاء المقاتلين، المنحدرين من دول في أوروبا وآسيا الوسطى، ما يزالون ناشطين في سوريا، ويتمركز معظمهم في محافظة إدلب، وقد تم دمج بعضهم في مواقع أمنية حساسة داخل وزارة الدفاع.

ويواجه الشرع ضغوطاً من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لطرد هؤلاء المقاتلين كشرط لتخفيف العقوبات عن سوريا، في حين تحذّر أطراف دولية من خطر تحوّل بعض هؤلاء إلى مصدر لـ “الاضطراب الطائفي أو العنف المتجدد”.

ويستعرض التقرير شهادات لمقاتلين أجانب يعارضون النهج الجديد للسلطة السورية، ويتهمون الشرع بالتعاون مع الولايات المتحدة وتركيا ضد “جماعات جهادية متشددة”، كما يبيّن محاولات الحكومة الانتقالية لاحتواء هؤلاء الأفراد عبر دمجهم في الجيش وإخضاعهم لرقابة مشددة.

وفي حين تشدد بعض العواصم الغربية على ضرورة إخراج من يُصنفون كـ “إرهابيين أجانب”، تشير الصحيفة إلى تعقيدات قانونية ولوجستية تحول دون ترحيلهم، لا سيما في ظل رفض دولهم الأصلية استقبالهم مجدداً.

يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بملف رفع العقوبات عن سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.

وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:

عندما دخل المتمردون السوريون دمشق منتصرين أواخر العام الماضي، كان زعيمهم المعارض أحمد الشرع يعتمد جزئياً على آلاف المقاتلين الأجانب للمساعدة في الإطاحة بدكتاتورية بشار الأسد.

وبعد ستة أشهر، أصبح الشرع رئيساً، واستمرار وجود هؤلاء المتشددين الإسلاميين أنفسهم – الذين جاؤوا من أماكن بعيدة مثل أوروبا وآسيا الوسطى للانضمام إلى الثورة – يمكن أن يشكل الآن تحدياً عميقاً لبقائه السياسي.

عيّن الشرع بعضاً منهم في مناصب عليا في وزارة الدفاع، وأشار إلى أن العديد من المقاتلين العاديين قد يحصلون على الجنسية السورية، لكن إدارة ترمب طالبت بطرد كل هؤلاء المقاتلين الأجانب كشرط لتخفيف العقوبات الأميركية التي أصابت الاقتصاد السوري بالشلل، فبعد وقت قصير من لقاء الرئيس دونالد ترمب بالشرع في السعودية هذا الشهر، غردت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت قائلة إن ترمب حث الزعيم السوري الجديد على “إخبار جميع الإرهابيين الأجانب بالمغادرة”.

وعلاوة على ذلك، في حين يبدو أن الشرع عازم على إبقاء مجموعة من الحلفاء الأجانب حوله، فإن بعض هؤلاء المسلحين السنة المتشددين يخلقون بالفعل مشكلات له، ووفقاً لجماعات مراقبة، فإن بعض المقاتلين الذين شاركوا في هجوم قبل شهرين عبر البلدات الساحلية السورية، وأسفر عن مقتل المئات من أفراد الأقلية العلوية، كانوا من المسلحين الأجانب، وتهدد هذه التوترات الطائفية بزعزعة استقرار المرحلة الانتقالية الهشة في عهد الشرع.

وأكثر هؤلاء المقاتلين تشدداً يوجهون غضبهم بالفعل إلى الشرع، غاضبين من أن رفيقهم السابق في السلاح – الذي كان يُعرف منذ فترة طويلة بالاسم الحركي “أبو محمد الجولاني” – لم يفرض الشريعة الإسلامية بعد، ويُزعم أنه تعاون مع القوات الأميركية والتركية لاستهداف الفصائل المتطرفة، وقال أحد المتشددين الأوروبيين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه تلقى أوامر بعدم التحدث، في مقابلة بمدينة إدلب شمالي سوريا: “الجولاني يهاجمنا من الأرض، وأميركا من السماء”.

صنع الحياة في سوريا

تدفّق عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق المجاور خلال العقدين الماضيين، وانضم كثير منهم إلى القتال ضد الأسد خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ نحو 14 عاماً، انضم العديد من المقاتلين الأجانب إلى جماعات متطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية، في حين التحق آخرون بفصائل أقل تطرفاً، ويقدّر الباحثون أن هناك نحو 5000 منهم ما زالوا في سوريا، وقد تم دمج كثير منهم في المجتمعات المحلية، لا سيما في الركن الشمالي الغربي من البلاد، وتزوجوا من سوريات ولديهم أطفال نشأوا هناك.

قاتل الشرع نفسه كعضو في تنظيم القاعدة في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، وأسس لاحقاً جبهة النصرة في سوريا، وعندما أعيدت تسمية الجماعة إلى “هيئة تحرير الشام” في عام 2017، قطعت علاقاتها مع تنظيم القاعدة وقمعت الفصائل الإسلامية الأخرى، وعززت سلطتها كقوة متمردة مهيمنة.

وفي حين يكافح الرئيس الجديد لتحقيق توازن دقيق، ورد أن الحكومة أمرت الأجانب بالبقاء في الظل وعدم التحدث، وفقاً لما ذكره محللون سياسيون ومقاتلون.

وفي ثلاث زيارات سابقة إلى سوريا منذ سقوط الأسد في كانون الأول/ديسمبر، التقى مراسلو صحيفة واشنطن بوست بمقاتلين أجانب في عدة مناطق من البلاد. ففي كانون الأول/ديسمبر، كانوا متمركزين على طول الطريق المؤدي إلى مدينة حماة وسط البلاد، وقام المقاتلون الأتراك بتأمين طريق على قمة تل إلى ضريح زين العابدين، حيث اندلعت أعنف المعارك، وتجول المسلحون العراقيون في المدينة كسائحين، وفي آذار/مارس، كان أحد المقاتلين من آسيا الوسطى يقود نقطة تفتيش تسد الطريق المؤدي إلى جبل قاسيون الشهير في دمشق، ثم، في أوائل أيار/مايو، اختفوا إلى حد كبير – على الأقل من نقاط التفتيش والشوارع في وسط وجنوب سوريا.

وقال جيروم دريفون، كبير المحللين في الجهاد والصراع الحديث في مجموعة الأزمات الدولية: “حاولت الحكومة عزلهم”، وأضاف: “لكن هناك مشكلة حقيقية في تنفيذ الطلب الأميركي. يقولون إن جميع الإرهابيين خرجوا، لكن هذا يثير السؤال: من هم الإرهابيون في هذه الحالة؟”. ولم تصنف الأمم المتحدة سوى عشرات من المقاتلين كإرهابيين، وفي كثير من الحالات لا تملك الحكومات المحلية سوى معلومات محدودة عن أنشطة رعاياها في سوريا، وعندما يقولون ‘اخرجوا’، فإلى أين؟” سأل دريفون. “بلدانهم لا تريدهم”.

حياة يومية في إدلب

اليوم، فإن غالبية المقاتلين الأجانب تحت راية “هيئة تحرير الشام”، أو الجماعة الإسلامية التي يرأسها الشرع، أو “الحزب الإسلامي التركستاني” المتحالف بشكل فضفاض، يعيش معظمهم في محافظة إدلب، المنطقة التي حكمتها “تحرير الشام” كدولة رديفة خلال السنوات الأخيرة من حكم الأسد.

وفي أحد الأيام الأخيرة في إدلب، كان الرجال يتجولون في الشوارع المزدحمة على دراجات نارية لشراء الخبز والبقالة، ويتوجهون في مجموعات إلى المساجد عند سماع الأذان، بدا أن العديد منهم من آسيا الوسطى، وارتدى بعضهم ملابس رسمية، وبعضهم الآخر ملابس مدنية، وأصر أولئك الذين قبلوا إجراء مقابلات على درجة من عدم الكشف عن هويتهم، بسبب الأوامر بتجنب وسائل الإعلام.

وقال مقاتل فرنسي يُدعى مصطفى، إنه سافر من باريس للانضمام إلى القتال ضد قوات الأسد عام 2013، أولاً مع فصيل صغير يتكون في الغالب من المصريين والفرنسيين، ولاحقاً مع جبهة النصرة، النسخة السابقة من “تحرير الشام” التي كانت آنذاك مرتبطة بتنظيم القاعدة.

وفي محل حلاقة واجهته زجاجية في وسط إدلب، قال الحلاق محمد كردي (35 عاماً): “دائماً أبدأ مواعيدي بالسؤال عن مكان الزبون”، مضيفاً: “كان هناك أشخاص من بيلاروسيا والشيشان وأوزبكستان وأماكن أخرى”، وأوضح: “في بعض الأحيان، كنت أسأل عن الزبائن الذين توقفوا عن المجيء، ثم نكتشف أنهم قُتلوا”.

ويقول خبراء يراقبون الجماعات الإسلامية إن المقاتلين أصبحوا عموماً أقل تطرفاً مع مرور الوقت، رغم أنهم لا يزالون محافظين بشدة، وقالت أروى عجوب، طالبة الدكتوراه في جامعة مالمو: “الغالبية العظمى من الذين بقوا تحت قيادة تحرير الشام حتى تقدموا إلى دمشق، تم استيعابهم واحتواؤهم بطريقة أو بأخرى”.

لم يرغب أي من المقاتلين الذين أجريت معهم المقابلات في مغادرة سوريا، مشيرين إلى احتمال اعتقالهم أو حتى إعدامهم في بلدانهم الأصلية، وقال المقاتل الفرنسي مصطفى: “أنا مطلوب في معظم الدول الأوروبية”، وأضاف آخر: “ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه”.

ضغط من المتشددين

في حين عبّر معظم الذين أُجريت معهم المقابلات عن دعمهم لتطبيق الشريعة الإسلامية تدريجياً، إلا أن مجموعة صغيرة من المتشددين بدأت تفقد صبرها، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، انتقد رجال السلطات الجديدة واصفين إياها بأنها غير إسلامية، لعدم تطبيقها الشريعة، ولعقدها لقاءات مع قادة غربيين يعارضونهم أيديولوجياً.

وقال رجل الدين الكويتي علي أبو الحسن، وهو مسؤول ديني سابق في جبهة النصرة، على قناته على تلغرام هذا الشهر: “أصبح المهاجرون عبئاً على الجولاني بعد أن كانوا قوته”، مضيفاً: “سيتخلص منهم بمجرد أن يؤمن بديلاً”.

ويزيد من سخط المتشددين اعتقادهم بأن الشرع تعاون مع الولايات المتحدة وتركيا في استهداف خلايا تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة عبر ضربات جوية، في حين يسعى لتعزيز سيطرة “تحرير الشام”، أولاً في إدلب ثم في دمشق. وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في كانون الأول/ديسمبر: “لقد ساعدونا كثيراً”، وأضاف: “على مر السنين تعاونوا معنا في توفير المعلومات الاستخباراتية”. وفي الشهر التالي، ذكرت واشنطن بوست أن الحكومة السورية الجديدة استخدمت معلومات استخباراتية أميركية للمساعدة في إحباط مؤامرة لتنظيم الدولة الإسلامية لمهاجمة ضريح ديني شيعي قرب دمشق.

وقال برودريك ماكدونالد، زميل مشارك في برنامج أبحاث XCEPT في كينغز كوليدج لندن: “نرى منشورات تقول إن الصبر بدأ ينفد. بعضهم يتحدث عن استعداده لمحاربة طاغية جديد”، وأضاف: “إنهم ينظرون إلى الوضع ويسألون: هل هذا ما قاتلنا من أجله طوال 14 عاماً؟”.

وفي مسجد في إدلب، وصف مقاتل أوروبي من فصيل “حراس الدين” المنحل الشرع بأنه عدو بقدر ما هو عدو للولايات المتحدة، وقال: “إنهم يعطون إحداثياتنا للأميركيين لقصفنا”.

الشريعة لتحقيق التوازن

حالياً، تشعر الحكومة بالقلق من أن يُنظر إليها على أنها تستهدف المقاتلين الذين بقوا موالين لها أو تثير غضب المتشددين المحبطين، وقال دريفون: “إنها لا تريد أن تخونهم، لأنها لا تعرف في النهاية ما الذي سيفعلونه”، وأضاف: “قد يختفون، قد ينضمون إلى جماعات أخرى، قد يبدأون بالعنف الطائفي، وقد تسوء الأمور”.

وبدلاً من ذلك، تحاول السلطات وضع مبادئ توجيهية واضحة للسلوك المتوقع من الأجانب: تجنب التحريض على العنف الطائفي أو السياسي، والامتناع عن الدعوة إلى شن هجمات على دول أخرى، كما تسعى حكومة الشرع إلى دمج معظم المقاتلين الأجانب في الجيش الجديد للبلاد، وقال دريفون: “الفكرة هي وضعهم في هيكل عسكري، ومن الأسهل السيطرة عليهم بهذه الطريقة”، لكنه أشار إلى أن التقدم كان بطيئاً.

وقد عيّن الشرع بالفعل ستة أجانب في مناصب عليا في وزارة الدفاع – وهي خطوة قال خبراء إنها تهدف إلى عزله ضد الانقلابات المحتملة من خلال وضع المناصب الأمنية، بما في ذلك قيادة الحرس الرئاسي، في أيدي موالين أجانب لا يملكون قاعدة سلطة مستقلة، لكن هذه التعيينات أثارت جدلاً كبيراً، سواء بين السوريين أو في العواصم الغربية.

وفي رسالة إلى الإدارة الأميركية قبل أسابيع من زيارة ترمب إلى السعودية، قالت حكومة الشرع إنها أوقفت منح الرتب العسكرية العليا للمواطنين الأجانب، لكنها لم توضح ما إذا كانت الترقيات السابقة قد أُلغيت، حسبما ذكرت وكالة رويترز.

وأشاد المبعوث الأميركي الخاص المعيّن حديثاً إلى سوريا، توماس باراك، بحكومة الشرع في بيان صدر في 24 أيار/مايو، لاتخاذها “خطوات ذات مغزى” بشأن قضية المقاتلين الأجانب، من دون تقديم مزيد من التفاصيل.

وقال ماكدونالد عن الشرع: “لقد مشى على هذا الخط لفترة طويلة لتحقيق توازن بين دوائره الانتخابية”، وأضاف: “هذا هو الاختبار الكبير الآن”.

المصدر: The Washington Post

تلفزيون سوريا

————————————–

واشنطن خارج التعقيدات السورية/ مازن بلال

26/05/2025

ما طرحه السفير الأمريكي في تركيا، توم باراك، عن سوريا يشكل الحلقة المفرغة الجديدة في سياسة واشنطن تجاه المنطقة، فبعد تعيينه مبعوثاً أمريكياً إلى سوريا ولقائه رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في تركيا؛ ظهرت تصريحاته لتكشف أن المقاربات التي قدمها تحمل “أحلاماً” لا تصورات سياسية، وعلى الرغم من أن تقسيم المنطقة يشكل وتراً حساساً للسوريين من “سايكس-بيكو”، لكن السفير الأمريكي شطب الحقبة السياسية ونتائج الحروب وحتى نفوذ تركيا الحالي في المنطقة.

التصريحات التي ساقها تلامس اليوم السياسات التركية، فمسألة “سايكس-بيكو” هي ترميز لمرحلة الضعف التركي، ولانحسار الدور العثماني في المشرق، والعودة إليها اليوم يعبر تعبيراً واضحاً عن توجه لإعادة ذلك الدور وبآليات جديدة، فتعقيدات المنطقة لم تبدأ بالصراع الفرنسي-البريطاني على المنطقة إنما بتحول الميزان الدولي منذ الثورة الصناعية الذي جعل الدولة العثمانية تتحول تحولاً بطيئاً نحو الانكفاء.

عملياً فإن الانفتاح الأمريكي على دمشق تم بوساطة الرياض، لكنه يتأسس في أنقرة بوصفها دولة محورية في النظام الإقليمي، والمسألة السورية بكامل أوراقها أصبحت وبإرادة أمريكية ضمن مهام الخارجية التركية، وهذا الأمر كان واضحاً في زيارة الرئيس الشرع تركيا ولقائه “باراك” بدلاً من أن يبدأ المبعوث الأمريكي مهمته بزيارة دمشق، فنحن أمام عاملين أساسيين:

الأول أن تركيا لا تملك فقط “سماحاً” أمريكياً بالتحرك في سوريا؛ بل أصبحت “البوابة الإقليمية” للمسألة السورية، وهو أمر كان متوقعاً ولكنه اليوم يُؤسس من جديد بجهد دبلوماسي ترعاه واشنطن.

من الصعب فهم الدور التركي الحالي من دون مسألة “التهدئة” السورية-“الإسرائيلية”، فمهام أنقرة لا تتعلق بترتيب البيت السوري بالداخل؛ بل بالمساعدة في بناء “دولة محايدة” أيضاً، وبصرف النظر عن نجاحها أو فشلها في هذا الموضوع، لكن العلاقات الأمنية والعسكرية كافة تؤشر على أن أنقرة تعمل لإيجاد “منظومة” تعاون ثلاثية مع سوريا و”إسرائيل” لاستيعاب ثمانية عقود من الصراع.

العامل الثاني يرتبط بالسوريين الأكراد، فالمشروع السياسي السوري المطروح المرتبط بالفيدرالية لم يفقد موقعه، لكنه أصبح في مساحة دور أنقرة المركزي لا دمشق، وأي حلول لشمال سوريا الشرقي باتت مرتبطة بعلاقة تركيا مع التشكيلات الكردية التركية.

سيختلف وضع السوريين الأكراد عن الحالة السياسية في إقليم كردستان العراق، فمن الصعب إيجاد معادلة سياسية شبيهة لما حدث في العراق في ظل الدور التركي الحالي، أو حتى في مساحة العمل الكردي في سوريا نتيجة حساسية أنقرة تجاه التشكيلات الموجودة في الجزيرة السورية، وهي أوجدت حزاماً أمنياً ضيقاً عند حدودها مع سوريا؛ يشكل مشروعاً للحد من أي حالة لا تتوافق مع دورها الإقليمي.

المبعوث الأمريكي إلى سوريا وفي منصة “إكس” كشف بطريقة غير مباشرة عن اهتمام أمريكي هامشي لأبعد الحدود بالشأن السوري، فتركيا، لا العرب الذين سعوا إلى رفع العقوبات عن سوريا، هي من ستتولى ترتيب الأمن الإقليمي من البوابة السورية، وهي أيضاً ستتحرك بنفوذها لتحريك مسارات السلام والتطبيع مع “إسرائيل”.

—————————-

ترمب… «تحولات جذرية» تجاه سوريا وقضايا الشرق الأوسط/ إيلي يوسف

مصادر أكدت أن الدور السعودي كبير… وواشنطن اختارت «التحقق أولاً»

31 مايو 2025 م

يُجمع الكثير من المراقبين والمسؤولين السابقين والحاليين في الولايات المتحدة، على أن قرار إدارة الرئيس دونالد ترمب رفع العقوبات عن سوريا يُعدّ تغييراً جذرياً في السياسة الأميركية تجاه هذا البلد، الذي لطالما صنفته أميركا «دولة مُعادية». ولكن، يذكر مسؤولون في إدارة ترمب أنهم انخرطوا في اتصالات هادئة منذ أشهر «لتمهيد طريق» تخفيف العقوبات لمساعدة سوريا على التعافي من سنوات الحرب المدمرة وإعادة الإعمار. بيد أن لقاء ترمب بالرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارته للسعودية، كان استثنائياً؛ نظراً لتصنيف الشرع إرهابياً سابقاً، وفق ماثيو ليفيت، كبير الباحثين في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، الذي أبلغ «الشرق الأوسط» أن تعامل المسؤولين الأميركيين مع مثل هذه الشخصيات «ليس بالأمر الجديد»، والمسألة الحقيقية ليست «من كان جهادياً مرة سيبقى جهادياً إلى الأبد»، بل ما إذا كان لدى واشنطن أي أسس للثقة بهذه الشخصية مستقبلاً.

خطوات واشنطن المفاجئة إزاء دمشق تجسّد أسلوب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إحداث تغيير لم يكن ليحصل مع إدارات أميركية سابقة، ما تجاوز ما كان يُرجح أن يكون عملية صنع سياسات طويلة ومملة.

من جهة ثانية، شهد الأسبوع الماضي تطورات، عدَّها البعض إشارات إلى أن العلاقات الأميركية – السورية تتجه لفتح صفحة جديدة. وهذا ما تطرق إليه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، بعد قرار رفع العقوبات عن سوريا، بقوله: «تُمثّل إجراءات اليوم الخطوة الأولى في تحقيق رؤية الرئيس لعلاقة جديدة بين سوريا والولايات المتحدة».

وفي ظل نظرة أميركية أكثر شمولاً تجاه المنطقة، عُدّ موقف توم برّاك، السفير الأميركي لدى تركيا – الذي عيّنه ترمب مبعوثاً خاصاً لسوريا – بعدما التقى الرئيس الشرع، وكذلك اللقاء «الأمني» الأول «المباشر» بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، تطوّرين مهمين يعكسان التزاماً بشروط الإدارة الأميركية في إنجاح مسار العلاقات الجديدة بين واشنطن ودمشق، وانعكاسه على التوازن الداخلي في سوريا.

واقعياً، منذ سقوط نظام الأسد، ساور القلق كثرة من السوريين ومتابعي الشأن السوري من أن واشنطن قد لا ترفع عقوباتها أبداً. إذ فرضت عقوبات على سوريا لأول مرة عام 1979، عندما صنّفت نظامها «دولة راعية للإرهاب»؛ ما أدى إلى حظر مبيعات الأسلحة وقيود أخرى على الصادرات إلى البلاد.

ومنذ بداية الألفية الثانية، فرض الكونغرس عقوبات إضافية، تصاعدت بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 2011. كما صُنّفت جماعات مسلحة في سوريا، بعضها ممثل الآن في الحكومة الانتقالية الجديدة، على أنها «إرهابية»، ما يبقيها عملياً خاضعة للعقوبات. وأدت هذه الإجراءات مجتمعة إلى عزل سوريا إلى حد كبير عن التجارة والاستثمار الدوليين، وشكلت عائقاً رئيساً أمام تعافيها الاقتصادي.

خطأ «سايكس – بيكو»

من جهته، كتب السفير برّاك على منصة «إكس» قائلاً: «إنه قبل قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط وانتدابات وحدوداً وحكماً أجنبياً». وأردف إن «اتفاقية سايكس – بيكو قسّمت سوريا والمنطقة الأوسع، لتحقيق مصالح إمبريالية، لا من أجل السلام». وتابع أن مأساة سوريا وُلدت من الانقسام، ويجب أن «تُبعث» مجدداً عبر الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها.

برّاك استطرد أنه «مع سقوط نظام الأسد، أصبح الباب مفتوحاً للسلام، ومن خلال رفع العقوبات، سُيمَكّن الشعب السوري من فتح ذلك الباب أخيراً، واكتشاف طريق نحو الازدهار والأمن من جديد». وأكد أن «المستقبل ينتمي إلى الحلول الإقليمية، إلى الشراكات، وإلى دبلوماسية تقوم على الاحترام… ونحن نقف إلى جانب تركيا ودول الخليج وأوروبا، ليس هذه المرة عبر الجنود والمحاضرات أو الحدود الوهمية، بل جنباً إلى جنب مع الشعب السوري نفسه».

في المقابل، رأى ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترمب الأولى، تصريحات برّاك «غريبة بعض الشيء، فبينما وُجّه انتقادات كثيرة لاتفاقية سايكس – بيكو، فإن الاتفاقية، وإن شابها بعض العيوب، كانت تهدف إلى تنظيم الفوضى التي خلّفتها الإمبراطورية العثمانية التي حكمت جزءاً كبيراً من المنطقة لأكثر من نصف ألفية».

وأضاف في حوار مع «الشرق الأوسط» أن «أي حلٍّ كان سيُفضي إلى فوضى عارمة، وفي غضون ذلك أسست تلك الاتفاقية الأردن ولبنان والعراق. وبالنسبة لدارس التاريخ، قد يُفهم تصريح برّاك خطأ على أنه دعوة إلى عودة (سوريا الكبرى)». ومع ذلك، يقول شينكر، إن العنصر الآخر في تصريحه «أقل غرابة»؛ إذ يدعو إلى تقليص التدخل الغربي في المنطقة وتبني حلول محلية أكثر، وهذا موقفٌ يدعمه ترمب في ولايته الثانية.

وهنا لا بد من ذكر أنه عندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترمب في واشنطن في أبريل (نيسان)، طلب منه ألا يرفع العقوبات عن سوريا، قائلاً إنه يخشى أن يؤدي ذلك إلى تكرار أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. لكن ترمب أقرّ في ختام جولته في الشرق الأوسط، بأنه «لم يسأل» إسرائيل عن تخفيف العقوبات عن سوريا، وتابع: «اعتقدت أن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله».

هل تراجع الضغط على الشرع؟

شينكر يرى أنه بعد تعليق العقوبات، تناقص الضغط المباشر على الشرع لتلبية طلبات واشنطن، وعلى الرغم من الاتفاقية الموقعة مع «قوات سوريا الديمقراطية»، سيصعب على الشرع إقناع الأكراد السوريين بالاندماج ونزع السلاح إذا واصلت حكومته تعيين رجال الميليشيات السابقين، خاصة أن واشنطن تصنّف بعضهم إرهابيين ومتورّطين في حروب ضد الأكراد للسيطرة على مناطقهم.

وهكذا، بفضل الدور الذي لعبه هؤلاء في إزاحة الأسد، سيصعب على الشرع تهميشهم، وفي المقابل إذا ظل هؤلاء يحتلون مناصب رئيسة في الحكومة والجيش سيقوض ذلك ثقة السوريين والمجتمع الدولي.

وبالنسبة للعلاقة مع إسرائيل، لفت شينكر إلى أن الشرع «قال إن لا مشكلة لديه معها ولا يريد قتالها». وأضاف: «أعتقد أن الاجتماعات بينهما مهمة لبدء بناء بعض الثقة، وتجنّب سوء الفهم في المستقبل، وهو يدرك أن وجود علاقات أكثر طبيعية مع إسرائيل وحدود هادئة سيساعد سوريا على تطوير اقتصادها، ويبدو أن هذه هي أولويته… لكن تكفير أبو محمد المقدسي للشرع لن يساعد على ذلك».

الباحث ماثيو ليفيت، من جانبه، يرى أن بقاء المقاتلين الموضوعين أميركياً على قوائم الإرهاب، والذين يشكلون جزءاً من الجيش السوري الجديد، «مصدر قلق بالغ دفع إدارة ترمب إلى طلب إقالتهم من مناصبهم». مع ذلك، يرى ليفيت أن حكومة الشرع «اتخذت خطواتٍ بناءة مفاجئة»، مثل وقف نقل الأسلحة إلى (حزب الله)، وطرد القوات الإيرانية، واتخاذ إجراءات ضد داعش بناءً على معلومات استخباراتية أميركية.

وتابع ليفيت، أنه «مع رفع العقوبات سيُمكّن هذا من استئناف النشاط الاقتصادي الكامل في سوريا مع الحفاظ على النفوذ الأميركي على الشرع لضمان وفائه بالتزاماته». و«للحفاظ على نفوذها على دمشق، تمتلك واشنطن أداتين رئيستين: إعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية، والحفاظ على وجود عسكري أميركي محدود على الأرض». ويختم: «باختصار، يبدو أن واشنطن اختارت نهج التحقق بدلاً من الثقة مع التحقق».

خطوات بناءة للرئيس السوري

على صعيد آخر، قال بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق في واشنطن، لـ«الشرق الأوسط» إن تعيين السفير توم برّاك «يدل من ناحية على أهمية تركيا، وأيضاً على أهمية الشراكات مع دول الخليج لإيجاد الاستقرار في سوريا». وأضاف: «برّاك لا ينتمي إلى المنظومة السياسية الأميركية التقليدية، وتعكس آراؤه ابتعاداً عن طريقة تفكيرها. وبالتالي، فإن قربه من ترمب سيساعد على حل المشاكل بشكل مباشر».

مؤشرات على «لا مركزية» إدارية

وحول علاقة الحكومة الجديدة مع الأكراد والموحّدين الدروز والعلويين وباقي المكوّنات السورية، يرى بربندي أنها «ستُحل ضمن الإطار السوري، وثمة مؤشرات على نيل كلٍّ من هذه المكوّنات (حكماً إدارياً لا مركزياً)، وهو ما قد يحصل في كل سوريا. ولكن لن يكون هناك انفصال ولا فصائل خارج سيطرة دمشق ولا إدارة سياسية تخالف أو تناوئ الحكومة».

ثم يوضح: «مناورة الأكراد محدودة بسبب قرب الانسحاب الأميركي، الذي يترافق مع ضغوط مستمرة لإيجاد معادلة جديدة تعكس الاستقرار والتنوع السوري في الحكم، وضمان عدم اندلاع اقتتال داخلي». أما عن الاجتماعات السورية – الإسرائيلية، فيقول بربندي إنها ليست جديدة؛ إذ عقدت اجتماعات سابقة في دبي وفي أذربيجان، منها كان بحضور تركي ومنها كان مباشراً. وبالتالي، ومع أن الاجتماع الأخير كان طابعه «أمنياً»، فهو يمهد لشيء أكبر لتوقيع اتفاقية سلام كما يريد الرئيس ترمب.

دور كبير للسعودية

وفي سياق موازٍ، أبلغ الدكتور مرهف إبراهيم، رئيس رابطة العلويين في الولايات المتحدة، «الشرق الأوسط» بأنه على الرغم من أهمية الاختيار الموفق للسفير برّاك مبعوثاً خاصاً لسوريا، وفهمه المنطقة وطبيعتها بشكل جيد، «لا بد من الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبته المملكة العربية السعودية، خاصة في مسألة رفع العقوبات عن سوريا». وأردف إبراهيم أنه «في ظل علاقة برّاك الخاصة بالرئيس ترمب نأمل أن يستمر ويتعمق هذا الدور بحيث تكون كما كانت دائماً إلى جانب السوريين بجميع أطيافهم لتجاوز هذه المرحلة الانتقالية الصعبة نحو صيغة حكم رشيد توافقية مع جميع المكوّنات في سوريا».

وعن تصريحات بّراك بشأن رؤيته لخريطة المشرق العربي، اعتبرها إبراهيم أنها «تشجّع على توقّع دفع واشنطن باتجاه بناء نظام سياسي تعدّدي ديمقراطي لا مركزي يحترم حقوق السوريين، والتعلم من تجارب الماضي أن بناء أنظمة سلطوية مركزية قمعية سيؤدي إلى انفجار وحروب أهلية، كما حصل مع النظام البائد». وأضاف: «نتفق بشكل كامل مع رؤية السفير برّاك، بأن التكاتف والشراكة القائمة على الاحترام يجب أن تكون حجر أساس، ليس فقط بين دول المنطقة وسوريا، بل وبين المكونات السورية أيضاً، وأنه لا مكان للتطرف وعمليات التهجير والتطهير العرقي، ولا يمكن أن يفلت مرتكبو هذه الجرائم من العقاب أو أن يكون لهم أي دور في سوريا الجديدة».

هذا، ورأى إبراهيم أن لدى واشنطن والرياض «القدرة على التأثير بشكل إيجابي وكبير في المرحلة الانتقالية، لصياغة نظام سياسي يحترم جميع المكوّنات، ويبتعد عن فكرة القمع والإخضاع بالقوة العسكرية لأي فئة أو مكوّن، والتأكيد على أن رفع العقوبات والعمل مع الحكومة الحالية ليس ضوءاً أخضر، بل فرصة نادرة للعمل مع الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين لبناء نظام مستقر يحترم حقوق الجميع ويراعي مخاوفهم المشروعة».

رفع العقوبات ليس كافياً لإنقاذ سوريا من «حافة الهاوية»

أعلنت فرنسا، الأربعاء، أن الاتحاد الأوروبي سيرفع المزيد من العقوبات عن سوريا لإعادة إطلاق اقتصادها، بعدما شاهد بالفعل التقدم على صعيد الانتقال الديمقراطي. لكن تقريراً في مجلة «فورين أفيرز» يقول إن حاجات سوريا ملحة، وقد لا يكون رفع العقوبات الأميركية والأوروبية كافياً لبدء رحلة التعافي وإنقاذها من «حافة الهاوية». إذ يعيش أكثر من 90 في المائة من السوريين تحت خط الفقر، ويحتاج 70 في المائة منهم إلى مساعدات إنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وفي ظل المعدل الحالي للنمو، سيستغرق الاقتصاد السوري حتى عام 2080 على الأقل، للوصول إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي كان عليه قبل بدء الحرب الأهلية في عام 2011. ومع أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وعد بحماية الأقليات في سوريا، فإن تفاقم الظروف الاقتصادية المزرية بسبب العنف والتوترات الطائفية التي اندلعت، لم يقنع تلك الأقليات. وأدى التدخل الخارجي، بضمنه إسرائيل، التي شنت أكثر من 700 غارة على سوريا واستولت على أراضٍ سورية، إلى تعميق اللااستقرار. من جهة ثانية، يرى التقرير أن قرار ترمب المفاجئ بشأن العقوبات هو القرار الصائب، وقد يساعد سوريا على مواجهة تحدياتها الحالية بعدما فتح سقوط نظام الأسد الباب أمام مستقبل أفضل للسوريين وللمنطقة. مع ذلك، يرى التقرير أن رفع العقوبات ليس كافياً لإبعاد سوريا عن حافة الهاوية، وستحتاج الولايات المتحدة وباقي شركاء سوريا الآن إلى إزالة العقبات المتبقية أمام الاستقرار والتعافي الاقتصادي، عبر رفع نهائي للعقوبات وبسرعة، بدلاً من ترك الضغوط الداخلية والتنافسات الإقليمية تتسبب في انهيار البلاد. كذلك، يرى أن العقوبات ليست العقبة الوحيدة التي تُهدد بزعزعة استقرار سوريا؛ إذ برزت منافسةٌ لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية في هذا البلد المُنهك، وإسرائيل من أبرز اللاعبين السلبيين. ومع تصاعد دور تركيا في سوريا، يُعدّ الصدام الإسرائيلي التركي فيها احتمالاً مُقلقاً، لكن من المُرجّح أن واشنطن دفعت إسرائيل بالفعل إلى التراجع عبر التواصل مع السلطات السورية المؤقتة ودول الخليج وتركيا نفسها. وأيضاً يمكن لاستمرار الدبلوماسية الأميركية المساعدة في منع تحوّل سوريا مرة أخرى ساحة للتنافسات الإقليمية. وختاماً، يؤكد التقرير على ضرورة الحكم الرشيد؛ لأن سوريا محاطة بنماذج تحذيرية عن سوء الإدارة بعد الصراع، إذ ترسخ الفساد في العراق إبان عملية إعادة الإعمار التي أعقبت الغزو الأميركي عام 2003، وفي لبنان بعد نهاية الحرب الأهلية (1975 – 1990). وتراكمت ثروات حفنة من السياسيين ورجال الأعمال على حساب الخدمات الأساسية والتنمية الاقتصادية لشرائح أوسع من السكان. وأدى فشل الحكومات الانتقالية في تطوير اقتصادات متكاملة إلى تنامي الصراع الطائفي، وترك فراغات تملأها جهات فاعلة غير حكومية.

———————–

العسكريتاريا السورية والتحول الاقتصادي/ عمر قدور

الثلاثاء 2025/06/03

ارتفعت مؤشرات التفاؤل الخاصة بالاقتصاد السوري مؤخراً، فتعليق العقوبات سمح بالحديث عن دخول مساعدات ورؤوس أموال ضخمة لتحريك عجلته. الأوساط المقرَّبة من الحكومة تنشر مؤشرات متفائلة، والمناخ العام متلهّف لاستقبال هذه الأخبار، حتى من دون البحث في تفاصيل الصفقات التي أُعلن عنها في الأسابيع الأخيرة مع جهات خارجية.

الخلاص من الحضيض الاقتصادي الذي وصل إليه البلد هو بمثابة مطلب للغالبية الساحقة، بصرف النظر عن تباين التوجهات السياسية. والإقرار بأن التحوّل الاقتصادي لا بد آتٍ منتشر بين الغالبية، بصرف النظر عن عدم الاتفاق على قضايا الخصخصة، وتحديداً في قطاعات خدمية حيوية مثل الكهرباء. الأمر شبيه بأولوية إسعاف المريض الذي يحتاج أجهزة إنعاش، وبعد إنقاذه يمكن البحث في سجله الصحي العام.

الهاجس الملحّ الذي ينافس الهاجس الاقتصادي هو المتعلق بالأمن. وكان العديد من مسؤولي السلطة قد ربط تحسّن الجانب الأمني برفع العقوبات وتحسّن الأوضاع الاقتصادية. لكن هذا الربط، الصحيح مبدئياً، يحتمل وجوهاً عديدة من التأويل، بل وجوهاً متناقضة. ولعل التفسير الأقرب هو في الشكوى من شحّ الأموال، ما يمنع بناء أجهزة أمنية متطورة، وهو التفسير الذي يمنح الجيش وقوات الأمن أولوية من حيث التمويل، تضاهي ما تبدو أنها أولوية للاستقرار.

الربط التلقائي السابق جرّبته سوريا، من خلال إعطاء أولوية للإنفاق العسكري بذريعة التصدي لإسرائيل، ومن خلال إعطاء أولوية (غير معلنة دائماً) لأجهزة الأمن من أجل تحقيق الأمن السياسي للسلطة. في الشق الاقتصادي للعسكرة، الحديث هنا عن تضخم قُدِّر في بعض السنوات بأنه تجاوز 400 ألف عنصر، هم قوام أجهزة الجيش والشرطة والمخابرات، مع كل تبعات هذا الرقم على الاقتصاد الحكومي، وبما له من دلالات اقتصادية واجتماعية أوسع، فضلاً عن دلالته على نوعية السلطة.

بدءاً من عام 2012، يجوز القول أن اقتصاد العسكرة بات هو الأكثر شيوعاً وسيطرة في عموم الأراضي السورية. فالمناطق التي كان يسيطر عليها الأسد فرغت تدريجياً من النشاط الاقتصادي المعتاد، والتحق الشباب إما بالقوات النظامية أو بقوات الشبيحة، أو بالميليشيات الإيرانية. أما مناطق سيطرة المعارضة فقد عانى معظمها من حصار كلي أو جزئي يمنع النشاط الاقتصادي المعتاد، لتكون الكتلة المالية الأكبر بحوزة الفصائل التي تحصل على تمويل ورعاية خارجيين. هذا الوضع أدّى بالكثير من الشباب إلى التطوع لقاء راتب بوصفه الخيار المتاح، وشبه الوحيد في العديد من الأحيان.

في الحصيلة، كان البلد بأكمله يعتمد على مساعدات خارجية مقترنة بالعسكرة، وإلى جوارها أنشطة ربحية غير مشروعة، منها ما هو مرتبط بالسيطرة على المعابر الداخلية، ومنها ما يتعلق بنشاطات جرمية عابرة للحدود. باستثناء قوات الأسد وشبيحته، بقيت الفصائل الأخرى تحت مظلة وزارة الدفاع، وتم تطويع دفعات جديدة من المنتسبين إلى الجيش والشرطة، ولا تُعرف بعدُ نوايا السلطة الخاصة بالشأنين العسكري والأمني، لجهة السقف المستهدف من عدد المنتسبين.

السيناريو الأفضل للحالة السورية يتعيّن بتحوّل الكتلة الكبيرة من المنخرطين في العسكرة إلى أنشطة إنتاجية حقيقية، فهذه النقلة (على المدى المتوسط والبعيد) هي التي ستفكك الدور الحاسم للعسكر في الشؤون الداخلية. مدنية الدولة، في الحالة السورية، لا تأتي فقط بتحييد الجيش والمخابرات عن السلطة. المدخل إليها اقتصادي، إذا فُتحت أمام الأعداد الضخمة من الشباب أبواب العيش الطبيعي، متضمناً الحصول على دخل يُغني عن التطوّع في الجيش والمخابرات.

الخيار الاقتصادي للسلطة مرتبط أيضاً بنواياها، فالتحوّل إلى اقتصاد السوق الحر بالمعنى الليبرالي الكلاسيكي سيتضمن مع الوقت ابتعاداً عن العسكرة، لأن الشرائح الأوسع المدفوعة بالهمّ المعيشي ستبحث عن فرص العمل في اقتصاد ناهض بعد الحرب. كان هذا التحول مما لا يريده العهد البائد بنسختَي الأب والابن، إدراكاً منهما لكون إفلات الاقتصاد سيؤدي إلى تقويض العسكرة كجوهر للسلطة الحاكمة. الخصخصة الجزئية التي قام بها الابن، وقوانين الاستثمار، كانت غطاء لسيطرته مع مجموعة من المحاسيب على الاقتصاد، وليست إطلاقاً على سبيل تحريره من قبضة السلطة.

طبيعة الاستثمار في العسكرة والأمن، وطبيعة التحول الاقتصادي المقبل، هما مؤشّران متكاملان على توجه السلطة. فالاستثمار المفرط في العسكرة يؤشّر، كما في كل التجارب المماثلة، للتحوّل إلى اقتصاد ممسكوك رغم أنه لا يعتمد على القطاع العام، وقد يكون مزيجاً من رأسمالية الدولة ورأسمالية متحالفة مع السلطة، لا منفصلة عنها وحُرّة تالياً على صعيد التنافس الاقتصادي وعلى الصعيد السياسي.

نظرياً، تتمثّل المعضلة السورية في الحاجة إلى الاستثمار في المجال الأمني، من أجل ضبط السلم الأهلي، وفي تغليب الحاجة الراهنة على دور التحول الاقتصادي (البطيء) في تعزيز السلم والأمان المجتمعيين. وإغراء العسكرة يبقى وارداً، بحيث يستمر وجودها كعائق أمام الليبرالية السياسية، ما يقتضي ترجيحها على التحول السياسي الديموقراطي.

ما يبدو تناقضاً، بين استحقاق مستعجل وآخر أقل إلحاحاً، يجد حلّه في النظر إلى بعض الجوانب الأمنية من زاوية تعبيرها عن أوضاع اقتصادية متردية، في حين يعبّر بعض آخر منها عن غياب الحياة السياسية منذ عقود. إشراك المجتمع في ملف السلم الأهلي من شأنه توفير أعباء الاستثمار في العسكرة والأمن، ومن شأنه توجيه رسالة مغايرة تنفي الرغبة في احتكار السلطة. والأمر، هنا كما في ملفات أخرى، لا يقتضي إنجازات سريعة أو سحرية غير ممكنة بطبيعة الحال، بل القيام بخطوات متكاملة توحي بالثقة. وأن يُنفق جزء من المبالغ على الدور الاجتماعي للدولة، بدل إنفاقه على العسكر والمخابرات، فهذا على سبيل المثال يصنع أمناً اجتماعياً مستداماً، في حين يتحول الإنفاق الأمني غالباً إلى هاجسٍ سلطوي يجعل الكلفة تتضخم مع الوقت.

الحضيض الذي وصلت إلى سوريا يجعل السلطة الحالية تحظى بميزة استثنائية، لجهة اكتساب شعبية على أرضية أي تحسن اقتصادي، حتى ذلك الذي لا بد منه. ولجهة تغليب اللهفة إلى التحسن الاقتصادي على الأسئلة المتعلقة بفحواه ومساراته المستقبلية، أي لجهة عدم وجود رقابة ولو رمزية على الأداء، بل انعدام التفكير بأهمية وضرورة وجود الرقابة. في الواقع، لا يُعرف سوى شذرات عمّا يحدث الآن، ولا معلومات عن المستقبل الذي يُعَدّ حالياً، والخشية من دورة عسكرة جديدة تبقى ماثلة طالما وجِدت أسبابها الاقتصادية والسياسية.

المدن

——————————

المقاتلون الأجانب في سوريا… العقدة والحل/ سلطان الكنج

هل تنجح الإدارة الجديدة في تجاوز امتحان ترمب؟

2 يونيو 2025 م

ترافق إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات عن سوريا بخمسة شروط أو مطالب، منها «مغادرة جميع المقاتلين الأجانب» من الأراضي السورية. ويشكّل هذا المطلب تحدياً كبيراً بالنسبة للإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع لما لهؤلاء المقاتلين من «دَين» في عهدة «هيئة تحرير الشام» على مدى السنوات الماضية وحتى سقوط نظام بشار الأسد.

فمنذ أن أُعلن عن تشكيل «الجيش الحر» في بدايات الثورة السورية، بدأت مرحلة جديدة من تدفق المقاتلين الأجانب من دول عربية وأجنبية. وكانت الحدود التركية ممراً مزدوجاً للسوريين الفارين من جحيم الحرب وجعلوا لنفسهم فيها موطناً أو رحلوا منها إلى الدول الأوروبية، ولمئات المقاتلين من غير السوريين المتوجهين إلى جبهات القتال داخل سوريا والتحقوا بدايةً بالتشكيلات المسلحة غير «المؤدلجة» في تلك المرحلة.

«حواضن الثورة»

بين عامي 2012 و2014، حين اشتد القصف بالبراميل المتفجرة وأنواع الأسلحة كافة على الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام السابق، حظي المقاتلون الأجانب بسمعة جيدة فيما سُمي «حواضن الثورة»، لا سيما في الشمال السوري، لا لكونهم شاركوا بقوة وفاعلية في القتال ضد قوات الأسد فحسب، وإنما أيضاً لما عُرف عنهم من شدة في القتال. كذلك في مرحلة ما، شكَّلوا مجموعات «الانغماسيين» و«الانتحاريين» ونفَّذوا عمليات «نوعية» واقتحامات فاكتسبوا تعاطفاً شعبياً واسعاً وأُطلق عليهم اسم «المهاجرين».

وبعد سقوط النظام السوري السابق في 8 ديسمبر (كانون الأول)، كانت تنظيمات المقاتلين الأجانب، مثل «الحزب الإسلامي التركستاني» و«أجناد الشام» (شيشان) وأجناد القوقاز جزءاً أساسياً من «غرفة إدارة العمليات العسكرية» بقيادة «هيئة تحرير الشام». وفي أول تصريح حول قضية المقاتلين الأجانب في البلاد، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن هؤلاء الذين ساهموا في إطاحة نظام الأسد «يستحقون المكافأة». وأوضح الشرع، في لقاء مع صحافيين منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، أن جرائم النظام السابق دفعت إلى الاعتماد على المقاتلين الأجانب، وهم يستحقون المكافأة على مساندتهم الشعب السوري، ملمّحاً إلى إمكانية منحهم الجنسية السورية؛ وهو ما أثار نقاشات واسعة في حينه.

ولم يمضِ وقت كثير قبل أن تعلن الإدارة السورية الجديدة تعيين مجموعة من هؤلاء المقاتلين في مناصب عسكرية رفيعة ورتب تتراوح بين عميد وعقيد في الجيش السوري الجديد، وأبرزهم عبد الرحمن حسين الخطيب، وهو أردني تمت ترقيته إلى رتبة عميد، وعلاء محمد عبد الباقي، وهو مصري، وعبد العزيز داوود خدابردي التركستاني من الإيغور، ومولان ترسون عبد الصمد (طاجيكي)، وعمر محمد جفتشي مختار (تركي)، وعبد البشاري خطاب (ألباني)، وزنور البصر عبد الحميد عبد الله الداغستاني، قائد «جيش المهاجرين والأنصار».

العقدة والحل

اليوم، في حين القرار بشأن مصيرهم على المحك، يشكّل هؤلاء الأجانب أحد أوجه العقدة والحل في مستقبل سوريا. وفي السياق، قال لـ«الشرق الأوسط» قيادي سابق في «هيئة تحرير الشام»، فضَّل عدم ذكر اسمه، إن «إدارة الشرع لن تمانع من الاستجابة لشرط الإدارة الأميركية»، مؤكداً أن «الإخوة المهاجرين» أنفسهم لا يتمسكون بالمناصب «إن كانت تعيق مصلحة البلاد».

وبالفعل، بعد أقل من يوم على لقاء ترمب – الشرع في العاصمة السعودية، بدأت وكالات محلية سورية تبث أخباراً حول مداهمة الأمن العام مقار تابعة للمقاتلين الأجانب في ريف إدلب. وفي حين لم يتسن لـ«الشرق الأوسط» تأكيد هذه المداهمات بعد، فإن الإجراء سواء كان حقيقياً وبدأ بالفعل أو أنه مجرد فقاعة إعلامية، فإنه يرسل إشارة واضحة إلى النوايا.

ويقول كريم محمد، وهو قيادي في الجيش السوري (الحالي) وكان قائد كتيبة في «هيئة تحرير الشام» تضم مقاتلين أجانب، يقيم حالياً في دمشق، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا مصلحة للحكومة بأي خطوة سلبية تجاههم» لكونهم يتمتعون بشعبية قوية داخل صفوف الجيش والأمن الجديد وحاضنة الثورة. ويضيف محمد: «بدأت منذ فترة بعض الدول تطرح مسألة المقاتلين الأجانب بصفتها ورقةَ ضغطٍ على الحكومة الجديدة. هؤلاء المقاتلون، الذين نسميهم نحن بصفتنا ثواراً (المهاجرين)، كان لهم دور حاسم منذ بداية الثورة، وبرزت خبراتهم العسكرية في المعارك»، مؤكداً أن الحكومة «تبذل جهوداً واضحة لإبعاد المهاجرين عن الصراعات الداخلية وإعادتهم إلى مواقعهم في إدلب، مع وعود بدمجهم بالمجتمع، وربما حتى منحهم الجنسية السورية مستقبلاً».

«لا مطالب بطرد الأجانب»

الباحث في الجماعات المتطرفة حسام جزماتي يرى أن هناك سوء فهم كبيراً لهذه المسألة؛ إذ إن المطالب الأميركية والغربية لا تتضمن طرد المقاتلين الأجانب «بقدر ما تشترط أمرين، ألا يحتل هؤلاء مناصب بارزة في الدولة الوليدة، ولا سيما في الجيش والأمن والحكومة، وألا يتخذ أي منهم من الأراضي السورية منصة لانطلاق عمليات عسكرية في الخارج أو الإعداد لها أو التدريب عليها».

وأضاف جزماتي لـ«الشرق الأوسط»: «عندما كانت (هيئة تحرير الشام) تسيطر على إدلب، ومنذ سنوات، التزمت بعدم السماح لأي فصيل باتخاذ الأراضي السورية منصة للتهديد، وقد ضبطت إيقاع الجهاديين بشكل لا يطمحون معه للعمل عبر الحدود».

وتابع: «ما يرفضه حلفاء (المهاجرين) وإخوانهم هو طردهم من البلاد التي قاتلوا للدفاع عن أهلها في وجه نظام متوحش، أو تسليمهم إلى دولهم، حيث تنتظرهم السجون وربما الإعدام. وعموماً، لا أظن أن قيادات ومقاتلي (هيئة تحرير الشام) وسواها من الفصائل، والحاضنة الإسلامية أو الثورية المحبة لنموذج المهاجر، مصرّة على أن يتصدر هؤلاء بناء الدولة. ولا أعتقد أن ذلك في ذهن (المهاجرين) أنفسهم».

ويؤكد ذلك أبو حفص التركستاني، وهو يرأس حالياً كتيبة في الجيش السوري (ضمن تشكيلات وزارة الدفاع) غالبية عناصرها من التركستان وتوجد بين ريف إدلب وريف اللاذقية، وكان قيادياً في «الحزب الإسلامي التركستاني». ويقول التركستاني لـ«الشرق الأوسط»: «لم نأتِ إلى سوريا لقتل السوريين، ولم نأتِ هنا لكسب مادي أو مناصب، فقط قدِمنا لنصرتهم، لنشاركهم همومهم وننصرهم بقدر ما نستطيع والحمد لله تحقق النصر ولنا شرف مشاركة إخوتنا به». وأضاف التركستاني أن هناك هجوماً إعلامياً ممنهجاً عليهم حالياً يتهمهم بأنهم وراء أي تجاوز يحدث، وأنهم «وراء الهجمات على قرى الساحل أو السويداء وهذه مجرد افتراءات».

وأوضح: «نحن لم نتدخل يوماً في شؤونهم (السوريين)، كنا نعيش طوال هذه السنين معهم ولم نتدخل في أساليب حياتهم. نحن نعرف أن لكل شعب اختلافات في العادات، وإن كنا لا نتفق في كثير من الأمور، لكن لم نتدخل في المجتمع السوري. وإن حدثت بعض التجاوزات في السنين الماضية في إدلب، فهي أحداث لم تتكرر، والسوريون يعرفون ذلك جيداً».

ويرى جزماتي أنه يمكن لـ«المهاجرين» أن «يبقوا في سوريا بصيغ قانونية رسمية واضحة يتفق عليها، وبصفة مدنية فقط من دون أن يتصدروا الواجهة بدولة ليسوا مشغولين بحكمها أصلاً، وأن يتعهدوا بعدم استخدام أراضيها لتنفيذ مخططات جهادية خاصة بهم في بلدانهم الأصلية أو في أنحاء العالم، لما قد يسببه ذلك من ضرر بالغ. وإلا، فيمكنهم المغادرة إلى الوجهة التي يختارون».

معضلة التعيينات

قال أحد المقاتلين الأجانب (من جنسية عربية) ويكنى بـ«أبي محمد» لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لن نقف ضده (الشرع) كما فعلنا طوال السنوات الماضية. لم نتدخل في قتال الفصائل وكنا على مسافة من الجميع ونراعي مصالح سوريا التي لم ولن تتضارب مع مصالحنا يوماً. كنا نقدِم على الموت من أجل حياة السوريين، ونعرف كيف نعيش الآن تحت ظل دولة نقدّرها ونحترمها».

ولكن المعضلة – بحسب جزماتي – تكمن في صعوبة «التراجع عن التعيينات وقرارات ترفيع العسكريين التي أعلنتها القيادة العامة، بعد ثلاثة أسابيع فقط من سقوط نظام بشار الأسد، وبينهم ثلاثة عمداء وثلاثة عقداء».

وحسب التسريبات التي اطلع عليها جزماتي، فقد تعهد المسؤولون بإيقاف تعيين غير السوريين منذ الآن، وتبقى مسألة الذين جرى تعيينهم بالفعل عالقة وتحتاج إلى حل لا يحرج وضعهم ورتبهم وربما مناصبهم.

وعن احتمالات استغلال الجماعات المتطرفة مسألة التضييق على عناصرها وإبعاد المقاتلين الأجانب منهم، قال الباحث: «لا أرى أن تنظيم (القاعدة) في وارد إحياء نشاطه في سوريا بعدما حلّ فرعه فيها، أي حراس الدين. أما (داعش)، التي لا نعرف مخططاته السورية بالضبط، فربما يستقطب معترضين على سياسة الحكومة الحالية، سواء كانوا من السوريين أو من غيرهم. وربما تحاول ذلك مجموعات أو تنظيمات جديدة ترى في سلوك السلطة الحالية ابتعاداً عن تطبيق الشريعة كما يريدون».

ولا تقف كل مجموعات المقاتلين الأجانب عند نقطة واحدة على طيف التطرف. فهناك تمايز آيديولوجي بينها بدأ لحظة توافدهم إلى سوريا وطريقة هذا التوافد، سواء بالتجنيد المسبق أو الاندفاع الذاتي. فأحياناً كان يتم إرسال مقاتل إلى بلده ليجنّد شباناً راغبين في المجيء إلى سوريا بعد التواصل معهم عبر الإنترنت، فيتم تنظيم انتقالهم بطريقة مدروسة منذ لحظة انضمامهم وحتى عبورهم الحدود وانضمامهم إلى تنظيم محدد. وأحياناً أخرى كان البعض يصل منفرداً بالاعتماد على المهربين ورحلات سياحية عبر تركيا وغالباً كانوا يتكبدون تكاليف السفر من جيوبهم.

ومع الوقت، وخصوصاً أواسط 2013، تشعبت الفصائل وكثرت وبدأت تظهر عملية الفرز والتمايز بينها؛ لكن بقيت وجهة غالبية المقاتلين الأجانب الجماعات الجهادية، لا سيما «جبهة النصرة»، في حين التحقت قلة من الأجانب بجماعات «معتدلة» مثل «لواء التوحيد» في حلب.

خلافات وانشقاق وتشكيلات

مع تعمق الخلافات المتعلقة بالأفكار أو التنافس على النفوذ، انتقل أغلب «المهاجرين» إلى جماعات انقسمت على بعضها في فترات معينة، مثل «جبهة النصرة» التي كانت تابعة لتنظيم الدولة (داعش) وانشقت عنه بعد رفض قائدها حينذاك أحمد الشرع مبايعة زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وإعلانه في المقابل بيعته وتنظيمه لزعيم «القاعدة» السابق أيمن الظواهري.

في تلك الفترة انشق المزيد من المقاتلين الأجانب وقيادات من «النصرة» للالتحاق بتنظيم «داعش»، عادّين أن «بيعة الظواهري» غير مقبولة ليدخل الفصيلان في جولات اقتتال أفضت بجزء منها إلى تشكيل جماعات مستقلة عنهما، أبرزها «جند الأقصى» الذي أسسه الجهادي العراقي المولد الفلسطيني الأصل أبو عبد العزيز القطري، وتشكيلات أخرى اعتمدت التمحور حول جنسيتها الأصلية مثل الإيغور والأوزبك والشيشان.

لكن مع تمدد «داعش» جغرافياً أواسط 2014 في محافظات غرب وشمال غربي العراق وصولاً إلى محافظات دير الزور والرقة وجزء من محافظة الحسكة وريفي حلب وإدلب، بدأت حالة من العداء بين التنظيم وجماعات أخرى تشكلت من مقاتلين أجانب أيضاً وحكم عليها التنظيم بـ«الردة». وهذه معظمها بقيت على علاقة جيدة بـ«جبهة النصرة»، مفضلة «الحياد» في كثير من المعارك على الانحياز إلى طرف دون آخر في «قتال الإخوة».

ومن تلك الفصائل التي بقيت على حالها حتى سقوط نظام الأسد، «الحزب الإسلامي التركستاني»، و«أجناد الشام» و«أجناد القوقاز» و«أنصار التوحيد»، وبقايا فصيل «جند الأقصى» الذي كان أغلب قادته من السوريين وانفرط عقده في 2017. وذهب قسم منه باتجاه «داعش» وآخر بقي في مناطق إدلب باسم «أنصار التوحيد» وكان أحد التشكيلات المتحالفة مع «هيئة تحرير الشام» في إدارة العمليات العسكرية التي سيطرت على دمشق.

«سورنة» المعركة

في الأعوام بين 2014 و2018، كانت «هيئة تحرير الشام» بدأت تكبح منهجياً من سلطة المقاتلين الأجانب وتنحيهم عن تصدر القيادة والظهور في الإعلام كما كان الوضع سابقاً، واعتقلت الكثيرين منهم كما فعلت مع «حراس الدين». كذلك طردت من صفوفها الكثير ممن رفضوا الانصياع للتغيرات التي أحدثها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) وقتها. فقد بدأ هؤلاء المقاتلون الأجانب يشكّلون عائقاً في وجه مشروع «هيئة تحرير الشام» داخلياً وخارجياً. فمن جهة راح يتنامى لدى السوريين شعور بأن «الهيئة» تفضل عناصرها وقادتها من الأجانب على السوريين، وخارجياً صار هؤلاء يظهرون في الإعلام وينشطون في المساجد، ويتركز خطابهم على أدبيات جهادية كتلك التي تقول بها «القاعدة»، بل ووجدت «هيئة تحرير الشام» أنهم يعرقلون علاقتها مع تركيا؛ إذ حرّموا التعامل مع الجيش التركي؛ كونه ينتمي إلى حلف شمال الأطلسي، «ناتو».

وعليه، عمل الشرع على «تشذّيب المتشددين داخل الهيئة من السوريين والأجانب على السواء»، وغيّر الخطاب من «جهاد عابر للحدود» إلى محلي سوري، فبدأت تظهر في خطاباته عبارات تدل على المحلية وأن سوريا لها الأولوية كعبارة «ثورة أهل الشام» التي كثيراً ما كان يرددها.

في تلك المرحلة اصطف معه كثير من المقاتلين الأجانب وتبنّوا رؤية الشرع «الوطنية»، عادّين أن سوريا للسوريين وأنهم «أنصار» في هذا، وعمل هو بالتوازي على «سورنة المعركة والمقاتلين» من خلال دمجهم في السياسة الجديدة القائمة على الابتعاد عما هو خارج الحدود.

فهل ينجح اليوم وقد صار أحمد الشرع رئيساً للبلاد في إجراء المزيد من التشذيب والدمج بما يحقق شروط الخارج ومصالح الداخل؟

الشرق الأوسط

————————–

رفع العقوبات عن سوريا والتمهيد لنظام إقليمي جديد/ هشام جعفر

3/6/2025

شكّل إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المفاجئ في الرياض يوم 13 مايو/ أيار الماضي، عن نيّته رفع العقوبات المفروضة على سوريا، إحدى أكثر اللحظات لفتًا للانتباه خلال زيارته للخليج.

وفي اليوم التالي، التقى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، وصافحه، وذلك على الرغم من أن الأخير كان قد حارب القوات الأميركية في العراق.

أوضح ترامب أن قراره جاء استجابة لطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. دعمت قطر هذا التوجّه بشدة، بحكم أنها ساندت “الحكم الجديد” من اليوم الأول، وترى في نفسها شريكًا اقتصاديًا واستثماريًا قويًا له.

تسببت هذه الخطوة في صدمة لدى إسرائيل، التي توصف بأنها الحليف الأقرب تقليديًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتي تدفع باتجاه تقسيم سوريا إلى “دويلات مذهبية وإثنية متناحرة”. بيدَ أن ترامب اختار الانحياز إلى رؤية الدول الثلاث التي تؤمن بأن إعادة إعمار سوريا ضرورة لاستقرار الشرق الأوسط، وأنها ستفتح آفاقًا واسعة للتجارة والاستثمار.

حث ترامب الرئيس السوري على الانضمام إلى الاتفاقيات الأبراهامية التي ترسي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتطهير سوريا من “الإرهابيين الأجانب”، وترحيل “المقاتلين الفلسطينيين”. ولم يتطرق إلى حماية الأقليات أو بناء المؤسسات الديمقراطية السورية. من جانبه، أعلن الشرع قبوله اتفاقية فك الارتباط لعام 1974 التي أقامت منطقة عازلة بين إسرائيل وسوريا، ودعا الشركات الأميركية إلى الاستثمار في النفط والغاز السوريين.

مجمل هذا المشهد قد يطلق ديناميات إقليمية جديدة لن تقتصر فحسب على “إعادة تأهيل سوريا كدولة موحدة ومستقرة، ضمن توازنات ترعاها قوى إقليمية وازنة” – كما ذكر محمد سرميني في مقاله “اللحظة التي غيرت ترامب تجاه سوريا” على الجزيرة نت.

غير أن ما تجدر الإشارة إليه هو أن هذه الاتجاهات قد لا تأخذ في الغالب مسارًا متبلورًا يسير في اتجاه محدد؛ إذ ربما تأخذ مسارًا حلزونيًا متعرجًا بحكم كثرة الفاعلين، وتداخل العوامل، وتعقيد الدوافع والأهداف والمصالح، وهو ما أطلق عليه التحليل الشبكي في مقابل التحليل النظمي. ما يحسن التأكيد عليه -إذن- هو أننا لسنا على الأقل حتى الآن بصدد نظام إقليمي في المنطقة برزت اتجاهاتُه الأساسية وفاعلوه الرئيسيون، وتبلورت خصائصه وسماته.

توجهات ثمانية رئيسية

وعلى الرغم من ذلك، يمكن رصد بعض هذه التوجهات استنادًا إلى الحالة السورية التي تظل مفتوحة على احتمالات متعددة. واكتفي في هذا المقال بالرصد دون تقييم المعضلات التي تواجه هذه الديناميات الثماني، والذي أرجو أن أصرف فيه جهدًا آخر.

أولًا: الاقتصاد كقوة استقرار إقليمية

وفقًا لهذه الرؤية، يُنظر إلى التدابير الاقتصادية، وعلى رأسها تخفيف العقوبات والاستثمار والمساعدات وجهود إعادة الإعمار، من قبل مختلف الأطراف الفاعلة (قادة الخليج والإدارة الأميركية) باعتبارها أدوات قادرة على تعزيز الاستقرار في المناطق الخارجة من الصراعات، مثل سوريا، وربما تساهم في التخفيف من حدة الأزمات في غزة واليمن، فضلًا عن خدمة المصالح الإستراتيجية الأوسع للولايات المتحدة ودول الخليج.

وفق هذه الرؤية، يُعد التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار ضروريين لتحقيق الاستقرار في سوريا بعد سنوات الحرب الأهلية. وتُشكل العقوبات عائقًا رئيسيًا أمام جهود إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية والتعافي الاقتصادي، إذ إنها تضر بالدرجة الأولى بالمدنيين السوريين.

ومن المتوقع أن يمهد رفع العقوبات الطريق أمام تدفق المساعدات والاستثمارات والخبرات الإقليمية والدولية لدعم “الحكومة الجديدة” في جهودها لإعادة بناء البلاد ومنع عدم الاستقرار السياسي. ويُعتبر وجود اقتصاد قوي أمرًا حيويًا لنجاح “الحكومة السورية الجديدة” في تحقيق الاستقرار.

وبحسب التقديرات، سيظل الاقتصاد السوري في حالة تدهور مستمر ما لم يتم تخفيف العقوبات، الأمر الذي سيزيد من الاعتماد على روسيا والصين وإيران. كما أن ازدهار سوريا سيساهم في الحد من تدفقات اللاجئين.

تتبنى السعودية وقطر بالشراكة مع تركيا بشكل خاص فكرة تخفيف العقوبات، لا سيما تلك المفروضة على البنية التحتية والقطاعات العامة، انطلاقًا من اعتقاد بأن ذلك سيعزز مكانة القيادة الجديدة، ويواجه النفوذ الإيراني، ويحول دون تحول سوريا إلى “دولة فاشلة”.

ويُنظر إلى تخفيف العقوبات باعتباره خطوة أولى حاسمة نحو تحقيق الاستقرار في القطاعات الأساسية، وتهيئة المناخ للاستثمار الدولي. ويمكن لجهود التعافي المبكرة، المدعومة بتخفيف العقوبات، أن تتيح عودة آمنة للنازحين السوريين، وتساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي على نطاق أوسع.

ترى هذه الدول أن الاستقرار الجيوسياسي يكتسب أهمية بالغة لرفاهية اقتصاداتها، التي قد تتضرر من جراء حالة عدم اليقين الاقتصادي أو التصعيد مع إيران. وهناك تفاؤل بأن تحقيق السلام في الشرق الأوسط من شأنه أن يدعم الأجندات الاقتصادية لدول الخليج الساعية لتنويع اقتصادها وبناء اقتصاد ما بعد النفط.

ثانيًا: التحالفات السائلة الفضفاضة

تشير الحالة السورية إلى تقارب محدد في المصالح بين الفواعل الإقليمية فيما يتعلق باستقرار سوريا وإعادة إعمارها، وخاصة في جهودهم للتأثير على السياسة الأميركية بشأن العقوبات، وأدوارهم في الاستثمار بعد الصراع. ومع ذلك، فإن هذا لا يمثل بالضرورة إجماعًا إقليميًا أوسع بشأن مجمل القضايا والأزمات في الإقليم، كما يتضح من ديناميكيات التوازن المحتملة، والتنافسات القائمة.

تظل أولوية الدول لمصالحها القُطرية، ولم يحدث حتى الآن حوار جاد بين “الفواعل الرئيسية” في الإقليم حول ملامح نظام إقليمي جديد. ومصالحها في سوريا متعددة الأوجه، ورغم تقاربها حول نقاط محددة، فإنها لا تعكس بالضرورة إجماعًا إقليميًا شاملًا. بل إنها مدفوعة إلى حد كبير بتقارب مصالح محددة بين هذه الدول فيما يتعلق بمستقبل سوريا واستقرارها، لا سيما بعد تغيير الحكومة فيها.

ثالثًا: التطبيع المرتبط بإنهاء الاحتلال

لم تعد أولوية ترامب هي ضم مزيد من الدول العربية الكبرى إلى اتفاقيات أبراهام، وقد تراجعت محاولاته لإقناع بقية دول الخليج للانضمام لتلك الاتفاقيات التي أقرت اعترافًا متبادلًا وعلاقات اقتصادية بين بعض الدول العربية الموقعة عليها وإسرائيل.

وفي مقابل ذلك، فقد أكدت الدول غير الموقعة بوضوح موقفًا من هذه القضية يتماشى مع الخطة العربية التي تحدد إستراتيجيات إعادة إعمار غزة وتنميتها، وتدعم قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على أساس خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتشترط التطبيع مع إسرائيل فقط بعد أن يوقع القادة الإسرائيليون والفلسطينيون اتفاقية سلام تحل جميع قضايا الوضع النهائي، وتنهي الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وترسخ السيادة الفلسطينية على غزة والضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية).

تأمين اتفاق نووي مع إيران يمثل حاليًا أولوية أكثر أهمية بالنسبة لترامب، وهو كذلك شديد الأهمية للمملكة العربية السعودية ولبقية دول الخليج. فالمملكة، التي عارضت الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015، تشجع الولايات المتحدة الآن على المضي قدمًا في المفاوضات لمنع الحرب.

وفي حين توصف اتفاقيات التطبيع بأنها لا تزال “حية وبصحة جيدة” على الرغم من العدوان الإسرائيلي”، إلا أن المستقبل القريب للتطبيع واسع النطاق، خاصة مع لاعبين رئيسيين في المنطقة، يبدو أنه يتأثر بالسياق الإقليمي الحالي، بما في ذلك الإبادة الجماعية في غزة وإعطاء الأولوية لقضايا أخرى مثل الاتفاق النووي الإيراني.

إن نهج ترامب القائم على المعاملات وتركيزه على الصفقات الاقتصادية خلال الزيارة قد أدى أيضًا إلى تهميش القضية الفلسطينية مقارنة بالجهود الدبلوماسية التي بذلتها الإدارات السابقة.

رابعًا: مراعاة المصالح الأميركية

تشارك الدول الراعية لسوريا بفاعلية في ضمان الاستقرار والسلام الإقليميين، وهو ما يوصف بأنه ضروري لتحقيق الرخاء الاقتصادي وتحويل المنطقة إلى مركز للفرص -كما اشار ترامب في زيارته الأخيرة للخليج.

تسعى هذه الدول لإخراج المقاتلين الأجانب وتطالب بإخراج إيران من سوريا، ولبنان بتقليل نفوذ حزب الله على السياسة اللبنانية، وهو ما يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة. وتفضل الحل الدبلوماسي فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني لتجنب الصراع العسكري وحماية بنيتها التحتية الاقتصادية. وهذا يتماشى مع تفضيل إدارة ترامب للتوصل إلى اتفاق تفاوضي.

تُعتبر هذه الدول وسيطًا محتملًا في الصراعات الإقليمية وحتى العالمية، حيث استضافت السعودية محادثات بشأن أوكرانيا وعرضت التوسط في المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية المستقبلية. وتستضيف قطر المفاوضات بين حماس وإسرائيل، كما تلعب هذه الدول جميعًا دورًا في عدم عودة تنظيم الدولة، وهو ما يتماشى أيضًا مع أهداف مكافحة الإرهاب الأميركية.

تصبّ مساعي هذه الدول في المصالح الأميركية من خلال تعزيز الرخاء الاقتصادي، والدعوة إلى جهود الاستقرار الإقليمي وتسهيلها (خاصة في سوريا)، والسعي إلى حلول دبلوماسية مع منافسين مثل إيران، واستضافة أصول عسكرية أميركية حيوية، والانخراط في مناقشات حول إعادة الإعمار بعد الصراع (كما هو الحال في غزة)، وغالبًا ما تتماشى الأولويات الإستراتيجية فيها مع الأهداف الأميركية المتصورة في المنطقة.

ويظهر من مواقف الدول مثل السعودية وتركيا وقطر بشأن سوريا، وتفضيل دول الخليج للدبلوماسية مع إيران وشروط التطبيع مع إسرائيل، أن تأثيرها متزايد على السياسة الأميركية نفسها.

خامسًا: شرق أوسط بلا جماعات مسلحة

شهد عام 2024، وما مضى من هذا العام، استخدام إستراتيجيات متنوعة لمواجهة “الجماعات المسلحة غير الحكومية” في الشرق الأوسط. واجهت بعض الجماعات، مثل “محور المقاومة”، إجراءات تهدف إلى إضعاف قدراتها -خاصة العسكرية. في المقابل، كانت هناك حالات دمج حكومي محتمل لبعض الجماعات المسلحة، كما هو الحال في سوريا بعد الأسد، وجهود لدمج جماعات أخرى في هياكل الدولة -كما يجري مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وجهود للمصالحة مع الدولة عن طريق حل جناحها العسكري مع قبول لاندماجها في العملية السياسية كحزب شرعي -كما يجري مع حزب العمال الكردستاني   (PKK)  في تركيا.

“محور المقاومة” الذي يضم جماعات مثل حزب الله والحوثيين وجماعات المقاومة الفلسطينية شهد “انتكاسات كبيرة” في عام 2024 أدت إلى “إضعاف موقفهم العام”. أما حماس، فمن المرجح أن تخرج من الصراع الدائر منذ أواخر 2023 حتى الآن “بقدرات عسكرية ضعيفة إلى حد كبير”؛ بسبب “العدوان العسكري الإسرائيلي”.

كان أحد أهداف الضربات الأميركية تجاه الحوثيين الانتقال من الضربات المستهدفة إلى حملة أوسع وأكثر عدوانية؛ تهدف إلى تعطيل قدراتهم بشكل نشط، بما في ذلك استهداف قيادتهم السياسية إلى جانب الأصول العسكرية، وهذا يشير إلى وجود محاولة لإضعاف الحوثيين إلى ما هو أبعد من مجرد احتوائهم.

وافقت الولايات المتحدة على تمويل القوات المسلحة اللبنانية لتعزيز قدرتها على مواجهة التهديدات من حزب الله. ورغم أن تعزيز القوات المسلحة اللبنانية لا يشكل مواجهة مباشرة مع حزب الله، فإنه يمثل وسيلة غير مباشرة لإدارة نفوذ “جهة فاعلة غير حكومية قوية” داخل لبنان من خلال تعزيز قدرة الدولة.

في سوريا، يسلط الوضع الضوء على مشهد معقد، حيث لعب “المسلحون الموالون للحكومة” دورًا في إسقاط نظام الأسد، وبات مطلوبًا أن يحلوا أنفسهم ليتم دمجهم في مؤسستي الأمن والدفاع في سوريا الجديدة.

علاوة على ذلك، كان الهدف من الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في مارس/ آذار 2025 هو دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في الجيش السوري الجديد. هذه الخطوة، وإن كانت تهدف إلى استقرار سوريا، ومنع إعادة ترسيخ النفوذ الإيراني، فإنها تُشير أيضًا إلى شكل من أشكال التكامل بين الدولة مع جماعة مسلحة، ومع ذلك، ظلت تفاصيل هذا التكامل ومدى الحكم الذاتي الكردي موضع تفاوض.

وفي 27 فبراير/ شباط 2025، أعلن عبدالله أوجلان – زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) المسجون – دعوته لحل الحزب. وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه الدعوة، بأنها “فرصة لاتخاذ خطوة تاريخية نحو هدم جدار الإرهاب”. وفي 3 مارس/ آذار، أعلن الحزب عن وقف إطلاق النار استجابة لدعوة زعيمه، وأتبع ذلك في 12 مايو/ أيار الماضي عن حل نفسه.

هذه التطورات، التي يمكن أن نضم إليها التعامل مع الجماعات المسلحة الشيعية في العراق، تعكس تطلع الولايات المتحدة وشركائها في الاتحاد الأوروبي والمنطقة نحو شرق أوسط بلا جماعات مسلحة، أو على أقل تقدير يختفي فيه أكثرها.

يبدو أن الولايات المتحدة وشركاءها يهدفون على الأرجح إلى شرق أوسط، يتقلص فيه نفوذ بعض “الجماعات المسلحة غير الحكومية” وأفعالها المزعزعة للاستقرار بشكل كبير.

الهدف الإستراتيجي من ذلك هو تهيئة الشرق الأوسط ليكون معبرًا وممرًا لخطوط التجارة العالمية، بما يتطلبه ذلك من تطبيع العلاقات السياسية بين دوله المختلفة.

سادسًا: إسرائيل/ نتنياهو: وصفة عدم استقرار

إسرائيل متورطة في حرب على “سبع جبهات” -على حد قول قادتها- ولا تريد للمنطقة أن تهدأ أبدًا. يتجلى ذلك في تورط إسرائيل المباشر في الإبادة الجماعية في غزة، واعتداءات المستوطنين في الضفة، وعدوانها العسكري المستمر في سوريا، وموقفها الرافض لإقامة الدولة الفلسطينية، والرغبة في حل عسكري للبرنامج النووي الإيراني، وتداعيات التهجير للفلسطينيين على الاستقرار في مصر والأردن.. باعتبارها عوامل مهمة تؤثر على الديناميكيات الإقليمية المعقدة وغير المستقرة في كثير من الأحيان.

تتجلى أهمية الوضع الحالي لمشروع ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) في جوانب متعددة. ويكشف عن عدة جوانب مهمة حول المنطقة والتجارة العالمية. لم يُصوَّر مشروع (IMEC) كطريق تجاري فحسب، بل كوسيلة لتعزيز الاستقرار الإقليمي وتطبيع العلاقات السياسية، لا سيما من خلال ربط الهند بأوروبا وأميركا عبر الخليج العربي والأردن وإسرائيل.

ويُعد وضعه الحالي، المتأثر بشكل كبير بالحرب على غزة والصراعات الإقليمية المرتبطة بها، مؤشرًا واضحًا على “حالة عدم الاستقرار العميقة” التي لا تزال تعوق مشاريع التكامل الطموحة هذه. في ظل حقيقة أن بناء البنية التحتية اللازمة، وخاصة بين إسرائيل والأردن، يُعتبر الآن أمرًا “غير محتمل”، هل يمكن لسوريا الجديدة أن تكون إحدى محطات هذا الممر؟

بات واضحًا التأثير الضار للصراعات المنخرطة فيها إسرائيل على التعاون الإقليمي الأوسع. يرتبط مستقبل طرق التجارة المقترحة وممرات الطاقة في الشرق الأوسط ارتباطًا وثيقًا بمستقبل حكومة نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف.

يُشكل عدم الاستقرار الذي تُسببه حكومة اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني حاليًا تهديدًا كبيرًا لتحقيق هذه المشاريع وأمنها. لذلك، من المرجح أن تتطلب الجهود المبذولة لإنشاء هذه الطرق التجارية والحفاظ عليها معالجة وضع “المتطرفين” على جميع الجبهات. ويمكن للديناميكيات المحيطة بهذه الطرق، بدورها، أن تُشكل المسار المستقبلي للاستقرار الإقليمي -هكذا يتصور البعض.

هذا الهدف الإستراتيجي لـ”الرأسمالية الأميركية”، يعني أيضًا بعدين متكاملين: مواجهة ممر الحزام والطريق الذي تدعمه الصين، والتفرغ لمواجهة الصين بالانسحاب من الشرق الأوسط المستقر.

سابعًا: إعادة ضبط نفوذ إيران التي لم تعد عدوًا

دول الخليج الرئيسية (السعودية، الإمارات، قطر) وتركيا تتبنى مقاربات مختلفة للتعامل مع إيران، ولكنّ هناك اتجاهًا مشتركًا نحو تفضيل الحلول الدبلوماسية والتفاوضية على المواجهة العسكرية، وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة -كما يظهر في سوريا ولبنان.

تتأثر هذه المقاربات بشكل كبير بالرغبة في حماية المصالح الاقتصادية الحيوية (مثل البنية التحتية النفطية)، والحاجة إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي الذي يُنظر إليه على أنه أساس للرخاء والتنمية. وقد دفعت هذا المصالح إلى التعامل المباشر مع إيران، حتى لو كان ذلك يعني تجاوز الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة في إدارة بعض ديناميكيات الأمن الإقليمي.

ثامنًا: تراجع قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية

تركز الرواية السائدة في الإقليم على الدولة التي توفر التقدم الاقتصادي والاجتماعي تحت قيادة قوية. من الواضح أن الديمقراطية السياسية غائبة عن مجمل مناقشة التحول في دول المنطقة، وما تبقى هو حديث عن الحريات الشخصية فقط.

يقتصر الاهتمام بحقوق الإنسان في المقام الأول على الاعتراف بـ”الأزمة الإنسانية في غزة”، والتي أخشى أن تجعل من القضية الفلسطينية مجرد قضية إنسانية لشعب بلا حقوق.

إن مناهج السياسة الخارجية لترامب، هي مناهج “معاملاتية” وتعطي الأولوية للصفقات الاقتصادية والاستقرار، وتتجاهل تمامًا قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن تركيز الجمهور العربي على ضرورة تحسين الظروف المعيشية اليومية لا يعني أنهم غير مهتمين بتحسين الحكم أو أنهم يرفضون الديمقراطية. لا يعتقد العرب -كما أشار الباروميتر العربي في استطلاعاته- أن الديمقراطية سيئة بطبيعتها، وبدلًا من ذلك، فقد تبنوا نهجًا قائمًا على النتائج تجاه الديمقراطية، نهجًا لا يوفر الشرعية وحكم القانون فحسب؛ بل أيضًا الظروف الاجتماعية والاقتصادية المزدهرة.

في الختام؛ كيف سيبدو الشرق الأوسط إذا تفاعلت هذه الاتجاهات الثمانية وغيرها مع بعضها البعض؟ وكيف ستبدو ملامحه إذا انبعثت المعضلات داخل كل اتجاه وبين الاتجاهات جميعًا؟ -أسئلة تستحق المتابعة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

صحفي وباحث

الجزيرة

——————————-

سوريا تعود للساحة الدولية/ عبد اللطيف البصري

3/6/2025

يمثل رفع العقوبات الأميركية عن الرئيس أحمد الشرع، ووزير الداخلية أنس خطاب، إضافةً إلى البنك المركزي السوري، والبنك التجاري، وميناءي طرطوس واللاذقية، نقطة تحول محورية في مسار العلاقات السورية الدولية. هذه الخطوة تعكس تغيراً جوهرياً في السياسة الأميركية تجاه سوريا، وتشير بوضوح إلى رغبة واشنطن والغرب في إعادة تأهيل دمشق ودمجها من جديد في المحيط الإقليمي والدولي. هذا التحول ينبع من إدراك متزايد للدور المحوري الذي تلعبه سوريا كعامل استقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

البعد السياسي للقرار الأميركي

يعكس قرار رفع العقوبات اعترافاً أميركياً ضمنياً بفشل استمرار سياسة العزل والضغط، التي كانت تنتهجها واشنطن تجاه حكومة دمشق الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بعد القضاء على النظام البائد. من هنا، بدأت الإدارة الأميركية تدرك أن الواقع السياسي يفرض التعامل مع الحكومة السورية كأمر واقع لا مفر منه.

هذا التحول في الموقف الأميركي يأتي أيضاً في سياق إعادة ترتيب الأولويات الإستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، حيث باتت مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الإقليمي على رأس هذه الأولويات، وهو ما يتطلب تعاوناً مع سوريا.

كما يشير رفع العقوبات عن شخصيات سياسية بارزة، مثل الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، إلى رغبة أميركية في فتح قنوات اتصال مباشرة مع صناع القرار في دمشق، وهو ما يمهد الطريق لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في المستقبل القريب.

الأبعاد الاقتصادية لرفع العقوبات

يمثل رفع العقوبات عن البنك المركزي السوري والبنك التجاري وميناءي طرطوس واللاذقية انفراجة اقتصادية كبيرة لسوريا، التي عانت لسنوات من آثار العقوبات المدمرة على اقتصادها. هذه الخطوة ستسمح بعودة التحويلات المالية الدولية، وتسهيل التجارة الخارجية، ما سيساهم في تخفيف الضغط على الليرة السورية، وتحسين قدرة الدولة على استيراد السلع الأساسية.

كما أن رفع العقوبات عن الموانئ السورية سيعيد تنشيط حركة التجارة البحرية، ويفتح الباب أمام استثمارات جديدة في البنية التحتية للموانئ، ما سيعزز دور سوريا كمعبر تجاري إقليمي مهم يربط بين أوروبا وآسيا.

هذه التطورات الاقتصادية ستنعكس إيجاباً على حياة المواطن السوري العادي، من خلال تحسن فرص العمل وانخفاض أسعار السلع الأساسية وتحسن الخدمات العامة، وهو ما سيساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي الذي يشكل ركيزة أساسية للاستقرار السياسي.

البعد الإنساني لرفع العقوبات

لطالما كان للعقوبات الاقتصادية تأثير سلبي مباشر على الوضع الإنساني في سوريا؛ حيث عانى المواطنون العاديون من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية والغذائية.

رفع العقوبات سيسمح بتدفق أكبر للمساعدات الإنسانية، وتسهيل عمل المنظمات الدولية في تقديم الخدمات الأساسية للسكان. كما سيساهم تحسن الوضع الاقتصادي في تهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين من دول الجوار وأوروبا، وهو ما سيخفف من أزمة اللجوء التي أرهقت المجتمع الدولي لسنوات، ويعيد بناء النسيج الاجتماعي السوري.

رفع العقوبات يعكس أيضاً اعترافاً دولياً بأن العقوبات الاقتصادية غالباً ما تؤثر سلباً على المدنيين أكثر من تأثيرها على الحكومات، وأن تحقيق الأهداف السياسية لا ينبغي أن يكون على حساب المعاناة الإنسانية.البعد الإقليمي والدولي

يأتي رفع العقوبات الأميركية في سياق تحولات إقليمية كبرى، حيث شهدت عودة للعلاقات بين سوريا والدول العربية، بدءاً من إعادة فتح السفارات وصولاً إلى عودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية.

هذا التحول الأميركي سيشجع المزيد من الدول العربية والأوروبية على تطبيع علاقاتها مع دمشق، ما سيعزز من دور سوريا الإقليمي ويساهم في تحقيق التوازن الإستراتيجي في المنطقة، خاصة في ظل التنافس الدولي المحتدم بين القوى الكبرى.

كما أن عودة سوريا للمشهد الدولي ستساهم في تعزيز جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، من خلال التنسيق الأمني والاستخباراتي مع مختلف الدول المعنية، وهو ما سينعكس إيجاباً على الأمن الإقليمي والدولي.

التوقعات المستقبلية

من المتوقع أن يشهد المستقبل القريب المزيد من الخطوات الإيجابية في مسار إعادة تأهيل سوريا ودمجها في المجتمع الدولي، بما في ذلك رفع المزيد من العقوبات، وعودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مختلف دول العالم. كما ستشهد سوريا على الأرجح تدفقاً متزايداً للاستثمارات الأجنبية، خاصة في مجالات إعادة الإعمار والبنية التحتية والطاقة، ما سيساهم في تسريع عملية التعافي الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة للشباب السوري.

وعلى الصعيد السياسي، قد تشهد سوريا تطورات إيجابية في مسار المصالحة الوطنية وإعادة دمج مختلف مكونات المجتمع السوري، بما يضمن استقراراً سياسياً طويل الأمد، يشكل أساساً متيناً لنهضة شاملة.

يمثل رفع العقوبات الأميركية عن سوريا نقطة تحول تاريخية في مسار الأزمة السورية، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين دمشق والمجتمع الدولي. هذا التحول يعكس إدراكاً متزايداً للدور المحوري الذي تلعبه سوريا في استقرار المنطقة، ويؤكد على فشل سياسات العزل والضغط في تحقيق أهدافها.

إن عودة سوريا للمشهد الإقليمي والدولي ستساهم -بلا شك- في تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وستفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين مختلف دول المنطقة. كما ستمثل فرصة حقيقية للشعب السوري لتجاوز سنوات المعاناة، والبدء في بناء مستقبل أفضل يليق بتاريخ وحضارة هذا البلد العريق.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

مدون، ماجستير دراسات القدس وفلسطين (علاقات دولي

الجزيرة

——————————–

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى