الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 03 حزيران 2025

متابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

————————-

قسد بين واقعية السياسة وتهمة الاعتداء على السيادة!/ سميرة المسالمة

الثلاثاء 2025/06/03

لا شك أن الحكومة السورية الحالية تسعى بجدية إلى استعادة سلطتها على كامل البلاد، بعيدًا عن أي صدام عسكري، لتجنيب السوريين مآسٍ جديدة تزيد من عمق ذاكرة العنف في تاريخهم الحديث. وتأتي في هذا السياق المباحثات المستمرة مع وفود من مكونات اجتماعية مختلفة، كالدروز والساحل والكُرد، حيث تتقدّم عبارات السلم الأهلي والمصالحة على نُذر التوتر، والتي لا تزال تشكل مشهدًا عامًا يعيق الوصول إلى البيئة الآمنة المرجوة، لتحقيق النمو والاستقرار لكل السوريين، بما في ذلك المناطق الخارجة جزئيًا أو كليًا عن السيطرة الحكومية حتى الآن.

وفي سياق التفاوض بين حكومة الرئيس أحمد الشرع و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تبرز تحديات جوهرية، تتصل من جهة بمفهوم السيادة الوطنية غير القابلة للتفاوض أو التجزئة، ومن جهة أخرى بمفهوم الحقوق الجماعية للمكونات السورية، ومنها المكوّن الكردي، الذي يرى في “اللامركزية الموسعة” ركيزةً أساسية لأي تفاهم سياسي أو أمني.

في المقابل، تعلن الحكومة أن وحدة البلاد هدف لا يمكن التنازل عنه، مؤكدة أن التعامل مع سوريا والسوريين لا يمكن أن يتم على أساس التمايز المناطقي أو التمييز في الحقوق، أو القبول بأن يكون التمرد على قرارات الدولة وسيلة لتحقيق مكاسب خاصة. ولهذا، فإن العودة إلى حوار وطني شامل حول شكل الدولة وتوزيع الصلاحيات الإدارية، قد يشكّل مدخلًا واقعيًا لأي تفاهم، من دون أن يُفضي إلى خصومة سياسية مع أي مكوّن، أو إلى خلاف عقيم يُبقي التفاوض في دائرة المراوحة، والدخول في متاهة مقسوم لا تأكل وصحيح لا تقسم.

وفي هذا السياق، فإن الحديث عن تمسّك الحكومة بمركزيّتها الصارمة لم يعد دقيقًا، في ظل ما نراه من مرونة تفاوضية مع أهالي جرمانا، والسويداء، والساحل، و”قسد”. هذه المرونة لا تمس مصالح الأطراف، ولا تُضعف شرعية الدولة، بل تُسهّل التقارب في إطار احترام السيادة السورية الكاملة، ورفض تحويل سوريا إلى “مناطق نفوذ” أو “استثناءات مناطقية” تقوم على أسس قومية أو طائفية.

ولذا، فإن البحث عن حلول إدارية تمنح كل المحافظات السورية، وعلى قدم المساواة، القدرة على تحقيق تنمية اقتصادية وبناء مجتمعي، وتمكّنها من المشاركة الفاعلة في الحكم، ضمن مشروع دستوري مستقبلي جامع، وهو الكفيل بتحويل مشروع الحوار إلى واقع مستدام، لا يحتاج لضمانات خارجية، بل يقوم على الإرادة الوطنية.

من حق المكونات السورية أن تكون شريكة في إدارة مناطقها، بل من حق جميع السوريين أن يعيشوا في ظل لامركزية إدارية رشيدة، لا تتعارض مع سلطة الدولة، ولا تُهدد سيادتها، ولا تمنع إشرافها الكامل على الأمن والحدود والثروات، وهي مسؤوليات مناطة بجيش موحد يعمل تحت قيادة مركزية وطنية.

ولا شك أن تطبيق الإدارة المحلية الرشيدة من شأنه أن يُخفّف العبء عن الدولة، ويُفعل دور المجالس المحلية المنتخبة، ويُطلق الطاقات المجتمعية نحو خدمة نفسها بنفسها. وفي هذا الإطار، لا يمكن إنكار أن للمكونات الاجتماعية في شمال شرق سوريا -من عرب وكُرد وسريان وآشوريين- حقوقًا ثقافية وسياسية واقتصادية مشروعة، مثلها مثل بقية المكونات على كامل التراب السوري. ومن حقها أن تُطالب بإدارة محلية فعالة، وتمثيل سياسي حقيقي، وضمانات لحماية هويتها الثقافية، وعدالة ترفع عنها التهميش التاريخي.

مهمّة الأطراف المتفاوضة هي الحفاظ على مساحة الحوار من أجل إنتاج آليات عمل تتجاوز الماضي الأليم، بما في ذلك التهميش الذي عاناه السوريون عمومًا، والكُرد خصوصًا. واستمرار هذه الجلسات التفاوضية يُعدّ إشارة إيجابية على الرغبة المشتركة في بناء عقد اجتماعي جديد، يعترف بتنوع سوريا، ويؤسس لإدارة هذا التنوع ضمن دولة موحدة عادلة، وسيادة لا تتجزأ، فعدالة الدول تأتي من توسيع مشاركتها، وليس من تقسيم سيادتها، ومن بين ذلك وحدة جيشها ومركزية قراره وتحديد مساره.

المدن

———————–

اللامركزية السياسية في سورية… مطلب يثير الهواجس والتحفظات/ محمد أمين

02 يونيو 2025

لم تغب الدعوات المطالبة باعتماد مبدأ اللامركزية السياسية في سورية منذ إسقاط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو ما تعتبره الإدارة السورية الجديدة خطوة نحو التأسيس لتقسيم البلاد إلى “كانتونات” هشة، على أسس عرقية وطائفية، وتدفع باتجاه الاحتراب الأهلي في بلاد خرجت منهكة على مختلف المستويات، من سلطة استبدادية راكمت الكثير من المظالم. وجدد قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، في حوار تلفزيوني يوم الجمعة الماضي، مطالبته باعتماد اللامركزية السياسية في سورية، مشيراً إلى أن الأكراد “منفتحون” على الحوار مع دمشق ضمن هذا الإطار، متجنباً استخدام مصطلح الفيدرالية لأن الحديث عنه “يُقابل بحساسية من دمشق”، التي ترى في ذلك تهديداً لوحدة البلاد، رغم أن “المطلب الكردي لا يهدف إلى الانفصال”، وفق عبدي. وجاءت تصريحات عبدي، التي نشرت الجمعة، قبل يوم من توجه وفد الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، وهي ذراع مدنية لـ”قسد”، إلى دمشق لبدء مفاوضات مع الحكومة لحسم مصير الشمال الشرقي من سورية.

وكانت قوى سياسية كردية أقرت أواخر إبريل/نيسان الماضي وثيقة دعت إلى “سورية لا مركزية” وإلى نظام حكم برلماني “يتبنّى التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات، كما يعتمد مجالس المناطق في إطار النظام اللامركزي”. ولم تتأخر الرئاسة السورية في الرد على هذه المطالب، مؤكدة في بيان يومها رفضها القاطع لأي محاولات “لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة بمسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية من دون توافق وطني شامل”. وأضافت: لا يمكن لقيادة قسد أن تستأثر بالقرار في منطقة شمال شرقي سورية، إذ تتعايش مكوّنات أصيلة كالعرب والأكراد والمسيحيين وغيرهم. وأكدت أن رفضها “مصادرة قرار أي مكوّن واحتكار تمثيله أمر مرفوض”، مشيرة إلى أنه “لا استقرار ولا مستقبل من دون شراكة حقيقية وتمثيل عادل لجميع الأطراف”.

طرح اللامركزية السياسية في سورية

تبدو اللامركزية السياسية في سورية صعبة التحقيق في الشمال الشرقي، فالعرب يشكلون غالبية سكانه، وجلّهم مع مركزية السلطة في الوقت الحالي، ويرفضون الدعوات لاعتماد مبدأ اللامركزية. وتخلو المناطق التي تسيطر عليها قوات “قسد” من محافظتي الرقة ودير الزور من أي حضور سكاني كردي، ما يعني عملياً أن هذه المناطق غير معنية بأي طرح سياسي كردي حول اللامركزية السياسية في سورية أو غيرها من نظم السلطة. ولا يوجد ارتباط جغرافي بين الأكراد السوريين المنتشرين في القامشلي وريفها وفي مناطق بريف حلب مثل عين العرب (كوباني)، وعفرين، فضلاً عن حضور في مدينتي حلب ودمشق.

في السياق، قال فيصل يوسف، وهو المتحدث باسم “المجلس الوطني الكردي”، المظلة السياسية الأوسع في المشهد الكردي في سورية، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “المجلس يرى أن الشكل الأمثل للدولة السورية المستقبلية هو الدولة الديمقراطية التعددية اللامركزية، القائمة على الاعتراف الدستوري بحقوق كافة المكونات القومية والدينية، وضمان حقوق الشعب الكردي كشعب أصيل في البلاد”. بيد أنه أكد أن “هذا الموقف قابل للنقاش”، مشيراً إلى أن المجلس “يؤمن بالحوار”. وأضاف يوسف: غير أن المبدأ الأساسي الذي لا يمكن التخلي عنه، هو رفض العودة إلى مركزية السلطة. وتابع: اللامركزية السياسية في سورية هي الضامن الحقيقي لوحدتها واستقرارها، إذ تتيح توزيع السلطة والموارد بعدالة بين مختلف المناطق، وتمكين المكونات المحلية من إدارة شؤونها ضمن إطار وطني. ورأى أن اللامركزية السياسية في سورية “تحدّ من الاستبداد، وتمنع تكرار تجربة الحكم الأمني والمركزي الذي أضر بكل السوريين”، لافتاً إلى أنه بالنسبة للأكراد، فإن اللامركزية تعني أيضاً إطاراً دستورياً يمكن من خلاله صون هويتهم القومية، ولغتهم، وحقوقهم السياسية والاجتماعية ضمن سورية موحدة.

بدوره، قال القيادي الكردي شلال كدو، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الأكراد في سورية “اتفقوا على أن سورية يجب أن تكون لامركزية برلمانية ديمقراطية”، مضيفاً: سنطالب بذلك في المفاوضات مع دمشق. وتابع: “النظام اللامركزي هو الأنسب لسورية، كونها متعددة الثقافات والإثنيات والطوائف، والنظام الديكتاتوري المخلوع دمر جسور الثقة بين المكونات، ومن ثم فإن اللامركزية هي الحل في هذه المرحلة. اللامركزية قابلة للنقاش ولكن ليست قابلة للتنازل”.

وحول مبررات الجانب الكردي للإصرار على اللامركزية السياسية في سورية، أشار الباحث السياسي المقرب من الإدارة الذاتية إبراهيم مسلم، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “التهميش” هو الدافع الرئيسي لهذا المطلب. وتابع: الأنظمة التي تعاقبت على السلطة في سورية، همّشت الأكراد في البلاد. وأي كردي يكون في موقع القرار لا يعمل على ضمان مصلحة الأكراد. ولم يرَ مسلم مانعاً لمشاركة الأقليات في إدارة مناطقهم من النواحي كافة، مضيفاً: اللامركزية السياسية في سورية تعني مشاركة كل مكونات المجتمع السوري في إدارة شؤون حياتهم.

ولا تقتصر المطالبة بإقرار اللامركزية السياسية في سورية على المكون الكردي، بل ظهرت أصوات لها تأثير سياسي في الطائفتين العلوية والدرزية تدعو إلى اعتماد هذا المبدأ. وكرر حكمت الهجري أبرز المرجعيات الدينية في السويداء عديد المرات المطالبة باللامركزية في هذه المحافظة ذات الغالبية الدرزية من السكان، التي تعيش اليوم تبايناً سياسياً بين مختلف تياراتها حول العلاقة مع الحكومة المركزية في دمشق.

رأى الباحث السياسي مؤيد غزلان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “اللامركزية في مراحل التنشئة السياسية تعتبر مجازفة سياسية ومجتمعية في الوقت ذاته”، مضيفاً: التركيبة الديمغرافية في شمال شرق سورية ليست نهائية، حيث سيكون هناك إعادة تموضع في حال تم الاتفاق بين الحكومة و”قسد”. وتابع: التمثيل السياسي في شمال شرق سورية غير عادل وأحادي ولا يشمل كل المكونات، خصوصاً العرب. هناك تذمر كبير من العرب، تحديداً في محافظة الحسكة بسبب عدم تمثيلهم سياسياً، علماً أن اللامركزية تقتضي توزيعاً سياسياً وديمغرافياً عادلاً.

الفارق بين اللامركزية والانفصال

وبرأي غزلان فإن طرح اللامركزية السياسية في سورية في الوقت الراهن “يُقرأ على أن هدفه هو الانفصال”، مضيفاً: هذا الطرح لا يخدم الأهداف السياسية للشعب السوري في هذه المرحلة. وأعرب عن اعتقاده أن “غالبية الشعب تريد مركزية السلطة في دمشق وغير موافقة على الإدارات اللامركزية، لأن قوة الحكم في مرحلة التنشئة والمأسسة السياسية تتطلب مركزية القيادة”. لكنه أكد أنه ربما في مرحلة يمكن طرح مسألة اللامركزية بعد الوصول إلى مرحلة نضوج سياسي مجتمعي. لا يمكن تغيير الخريطة السياسية الداخلية من دون استتباب للمجتمع السياسي الذي يحاول الخروج من تركة النظام المخلوع.

ورأى غزلان أن المرحلة التي تمرّ بها البلاد “تتطلب التعاضد مع السلطة المركزية، وليس التأسيس للانفصال تحت ذريعة الفيدرالية أو غيرها من الطروح”، مضيفاً أن هناك ريبة في أن الفيدرالية من عموم الشعب السوري الذي يعتبرها مقدمة لتقسيم البلاد. واعتبر أنه يتعين على الجميع احترام رأي الأغلبية من السوريين والتي ترفض اللامركزية وتطالب بمناصرة الحكومة السورية لتحقيق المزيد من النجاحات السياسية والاقتصادية.

في السياق، أوضح الخبير القانوني محمد صبرا، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الفرق بين اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية “كبير”، لأنّ الأمر متعلق بتحديد طبيعة الدولة وشكل النظام الدستوري فيها، بين أن تكون بسيطة كالدولة المركزية أو مركّبة كتلك التي تعتمد نظام اللامركزية. وتابع: اللامركزية السياسية تعتمد على مبدأ توزيع الوظيفة السياسية، وتوزيع الوظائف الثلاث الرئيسية (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، بين الحكومة الاتحادية في العاصمة وبين الوحدات السياسية في الولايات التي تحتفظ بدستورها الخاص وتشريعاتها وبرلمانها وحكومتها، وتكون مشرفة على كل مجالات الحياة، باستثناء إقامة علاقات مع الدول وإبرام اتفاقيات، لأنها لا تمتلك الشخصية القانونية وفق القانون الدولي، أو أن يكون لديها جيش خاص بها.

النموذج العراقي

وبيّن صبرا أن اللامركزية الإدارية “تعتمد مبدأ توزيع الوظيفة الإدارية المتمثلة في الخدمات والتعليم والصحة والزراعة… بين الحكومة المركزية والهيئات الإدارية في المحافظات”، مضيفاً: في النشأة التاريخية، سياق تأسيس الدولة الفيدرالية يأتي من الخاص إلى العام، أي أن تتفق عدة مناطق على خلق دولة ذات شخصية معنوية في القانون الدولي، تعبر عن مصالح الوحدات الإدارية في هذه المناطق. كما أوضح أنه “لم يسبق لدولة مركزية أن تمت تجزئتها إلى دولة فيدرالية باستثناء التجربة العراقية، التي ما تزال تتأرجح ما بين النجاح والفشل”. واعتبر صبرا أن لا مشكلة في شكل النظام السياسي سواء كان مركزياً أو لا مركزياً، مضيفاً: لكن المشكلة في الدوافع وراء تبنّي هذا النظام أو ذاك. وعندما يكون الدافع حماية مصالح الشعب على أساس جغرافي، فهو مختلف عندما يكون على أساس تمايز ديني أو عرقي. في هذه الحالة دخلنا في منظومة تناقض فكرة النظام الفيدرالي بحد ذاته.

وأوضح صبرا أن فكرة النظام الفيدرالي تقوم على مبدأ التنمية السياسية لأقاليم معينة. وبرأيه، فإن الوضع الإداري الذي كان سائداً في سورية “ليس سيئاً إذا تم تطوير قوانين الإدارة المحلية التي كانت مجحفة بحق السلطات المحلية”، مضيفاً: سورية مقسمة إدارياً إلى محافظات، وقانون الإدارة المحلية سواء القانون النافذ حالياً، وهو القرار 107 أو القانون الذي سبقه، يعطي كل محافظة استقلالاً إدارياً في العديد من المجالات، وكان مجلس المحافظة منتخباً وهو بمثابة برلمان مصغر يختار مجلساً تنفيذياً، ويصدر مجموعة من اللوائح تتعلق بالرسوم والضرائب وتنظيم أوجه الحياة.

وأشار إلى أن الإشكالية التي كانت موجودة تتمثل في تعيين المحافظ من قبل الإدارة المركزية “ما يسمح له بالتغوّل الإداري على حساب مجلس المحافظة”. وأوضح أن هناك “تطوراً هائلاً في قوانين الإدارة المحلية في الدول الأوروبية، ويتم تطبيق مبدأ الديمقراطية التشاركية، بما يمنح للمواطنين القدرة على إدارة شؤون حياتهم بعيداً عن هيمنة المركز”. لكنه أوضح أنه “للأسف لا يتم الحديث عن مبدأ الديمقراطية التشاركية في النقاش السياسي السوري، الذي ينحصر في اللامركزية السياسية والإدارية والذي يأخذ طابع نزاع ديني أو عرقي. أعتقد أن أساس هذا النقاش معيب، لأنه سيقود إلى نتائج معيبة في المستقبل، لذا يجب العودة إلى نقاش الديمقراطية التي تقوم على إشراك المواطنين في إدارة شؤونهم.

——————————-

نحو عقد اجتماعي جديد: اللامركزية مدخلٌ لوحدة سوريا وتنميتها وعدالتها/ فيصل يوسف

منذ الاستقلال، عاشت سوريا تحت نظم حكم اتسمت بالمركزية الصارمة، إلا أن هذه المركزية بلغت ذروتها بعد استيلاء حزب البعث على السلطة، وتحديدا في ظل نظام الأسد الأب والابن، حيث تكرّست سلطة مطلقة في يد المركز، وتحوّلت الدولة إلى بنية أمنية مغلقة، سيطر فيها الحزب الحاكم على مؤسسات الدولة والمجتمع، وأُقصيت المكونات القومية والسياسية، وضُيّقت الحريات، وتمّ إضعاف الحياة السياسية والنقابية لصالح هيمنة السلطة المركزية.

لقد أدى هذا النظام المتصلب إلى نتائج كارثية، فالمركزية الشديدة لم تكن فقط أداةً لضبط الدولة، بل كانت وسيلةً لتهميش المناطق، وتكريس التفاوت التنموي، ومنع مشاركة المجتمعات المحلية في إدارة شؤونها، ما فاقم الشعور بالظلم والاغتراب لدى قطاعات واسعة من الشعب السوري. وعندما انفجرت الثورة عام 2011، لم يكن ذلك ضد نظام سياسي فقط، بل ضد نموذج حكم كرّس الاستبداد لعقود. وقد دفع الشعب السوري ـ بمختلف مكوناته ـ ضريبة باهظة في الأرواح والدمار، وما زالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم.

أحد أبرز الدروس المستخلصة من التجربة السورية، أن النظام المركزي المتسلط ليس ضمانة للوحدة، بل هو سبب في الانفجار والانقسام، وعلى النقيض، فإن تبني نظام لامركزي ديمقراطي، يوزع السلطات والصلاحيات بين المركز والمناطق، هو السبيل الواقعي لبناء دولة وطنية قوية تتسع لجميع أبنائها. وفي خِضَمِّ الحوارات الوطنية والدولية حول مستقبل سوريا، تبرز أصوات ما تزال ترفض أي طرح للامركزية، وتُصوِّرها كتهديد لوحدة البلاد، وهذا خطأ فادح، فالدول المستقرة التي نجحت في إدارة تنوعها القومي والديني والثقافي، اعتمدت صيغا متعددة من اللامركزية، مكنت مواطنيها من المشاركة في القرار، وحققت توازنا تنمويا بين المركز والأطراف. هذه النماذج لم تؤدِّ إلى الانفصال، بل عززت التماسك الوطني. في المقابل، فإن الإصرار على إعادة إنتاج المركزية القديمة في سوريا، تحت مبررات السيادة والوحدة، لا يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج جذور الأزمة. من هنا، فإن المطالبة باللامركزية ليست بدعة، ولا مؤامرة خارجية، بل هي استحقاق وطني تمليه معاناة السوريين وتجربتهم القاسية. ونحن، من موقعنا كمكون أصيل من النسيج الوطني السوري، وكشعب كردي عانى طويلاً من نتائج المركزية الصارمة والتهميش والإقصاء، ومورست بحقه سياسات تمييزية استهدفت وجوده القومي، نؤكد أن من حقنا الطبيعي والمشروع أن نطرح رؤيتنا حول شكل وهوية الدولة السورية المستقبلية، تماما كما هو حق لجميع المكونات الوطنية الأخرى. إننا لا نطالب بامتيازات، بل نطالب بالاعتراف المتبادل، وبأن تُبنى الدولة الجديدة كونها متعددة القوميات والأديان، على قاعدة المواطنة المتساوية والعدالة التوزيعية، لا على إعادة إنتاج مركزية تسلطية أثبتت فشلها.

إن النظام اللامركزي الموسع، الذي ننادي به، يقوم على منح صلاحيات حقيقية، إدارية ومالية وتشريعية، للمجالس المحلية المنتخبة، وإعادة النظر في التقسيمات الإدارية التي وُضعت سابقا لخدمة الضبط الأمني لا لخدمة التنمية، كذلك، فإن هذا النموذج يجب أن يُقرّ بحقوق المكونات القومية والثقافية، وفي مقدمتها حق الشعب الكردي، باعتباره ثاني مكون من حيث عدد السكان، ويكفل تمثيله العادل ومشاركته الفعلية في إدارة شؤون البلاد. أما محاولات تصوير اللامركزية على أنها مشروع للتقسيم، فهي تتجاهل حقائق الواقع، فالتجربة العراقية ـ رغم خصوصياتها ـ أثبتت أن الفيدرالية التي أُقرّت هناك لم تكن تفكيكاً للدولة، بل استجابة لمظلومية تاريخية، وتعبيرا عن نضال طويل من أجل الشراكة. وفي سوريا، فإن الاعتراف بالقضية الكردية بوصفها قضية وطنية، لا يمكن تأجيلها أو اختزالها، هو جزء أساسي من مشروع المصالحة الوطنية وإعادة بناء الدولة.

هذه المصالحة لا تخص الكرد وحدهم، بل تشمل جميع السوريين الذين عانوا التهميش في حلب، ودير الزور، ودرعا، والسويداء، وحمص، وكل مناطق الوطن. إنها تتطلب عقدا اجتماعيا جديدا يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويضمن المشاركة الفعلية في القرار، ويكرّس حقوق المواطنة المتساوية.

ولا يمكن تحقيق الاستقرار دون خطوات ملموسة، منها:

1 ـ إنشاء هيئات مستقلة للحقيقة والإنصاف، توثق الانتهاكات وتضع أسس العدالة الانتقالية.

2 ـ تأسيس صناديق تنموية للمناطق المحرومة لمعالجة التفاوتات الاقتصادية.

3 ـ انتخاب مجالس محلية بصلاحيات واسعة تشريعيا وتنفيذيا.

4 ـ وضع نظام ضريبي عادل يضمن التوزيع المنصف للثروات الوطنية.

5 ـ إدراج ضمانات دستورية تحول دون عودة الاستبداد بأي صيغة كانت.

إن بناء سوريا الجديدة يتطلب ثقافة سياسية جديدة، تقوم على التعددية والعدالة والشراكة، وتقطع مع منطق الإقصاء والغلبة. الدولة التي نطمح إليها هي دولة لكل أبنائها، بمختلف انتماءاتهم، وتُبنى على أساس المشاركة لا الهيمنة. فاللامركزية الموسعة، عندما تُصاغ بوصفها أداةً للوحدة الوطنية والتنمية المتوازنة، تصبح مدخلا ضروريا لبناء سوريا ديمقراطية مستقرة، تحترم تنوعها وتستوعب آمال شعبها، الذي دفع أثمانا باهظة من أجل الحرية والكرامة والعدالة.

المنسق العام لحركة الإصلاح الكردي – سوريا

القدس العربي

———————————

تفاصيل تفاهمات الحكومة السورية و”قسد” في اجتماع دمشق/ حسام رستم

01 يونيو 2025

أعلن العميد زياد العايش عضو اللجنة المختصة المكلفة من الحكومة السورية بإتمام الاتفاق مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، عن التوصل إلى تفاهمات تنفيذية خلال اجتماع رسمي عُقد اليوم الأحد في دمشق. ونقلت الوكالة السورية للأنباء (سانا) عن العايش قوله إن الاجتماع الذي جمع اللجنة مع وفد من “قسد” تناول عدداً من الملفات الحيوية، أبرزها تشكيل لجانٍ فرعية تخصّصية لمتابعة تنفيذ اتفاق العاشر من مارس/آذار الفائت، المُوقَّع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” الجنرال مظلوم عبدي.

وأضاف أن الطرفين توافقا على معالجة القضايا العالقة في ملف الامتحانات والمراكز الامتحانية، بما يضمن حقوق الطلبة وسلامة العملية التربوية، إلى جانب بحث آليات تسهيل عودة المهجّرين إلى مناطقهم، وإزالة المعوقات التي تحول دون ذلك. كما اتفق الجانبان على إعادة تفعيل اتفاق حيَّي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، بما يسهم في تعزيز الاستقرار والسلم الأهلي. وأكد العايش أن الجانبين جدّدا التزامهما بالحوار البنّاء والتعاون المستمر في سبيل الحفاظ على وحدة سورية وسيادتها، وتحقيق تطلعات السوريين في الأمن والاستقرار، مضيفاً أن الطرفين اتفقا على عقد لقاء قريب لمتابعة تنفيذ ما جرى التفاهم عليه.

ونصّ الاتفاق الموقع بين الشرع وعبدي في آذار/ مارس الفائت على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافّة في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي، كما نصّ على “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفتنة بين مكونات المجتمع السوري كافة”، و”ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وجميع مؤسسات الدولة، بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية”.

وشُكلت بالفعل لجان متخصّصة للتفاوض في كل الملفات لتمهيد الطريق أمام استعادة الدولة السورية السيطرة على الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه “قسد”، ووضع حد لمحاولات حثيثة لفرض واقع يفتح الباب أمام مشروعات لتقسيم البلاد.

وتسيطر قوات “قسد”، المدعومة من التحالف الدولي، على الجزء الأكبر من محافظتَي الرقة والحسكة وعلى أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات. وتتحكم بهذه المناطق الغنية بالثروات، في إطار سعيها للضغط على الحكومة السورية لفرض اللامركزية في البلاد، وهو ما ترفضه دمشق تماماً، وترى أنه خطوة في اتجاه تشظّي البلاد على أسس عرقية وطائفية.

—————————

أيديولوجيات في الحسكة تتراشق المناهج الدراسية/ شفان إبراهيم

03 يونيو 2025

تعمّق الانقسام التعليمي في محافظة الحسكة، وأصبح يُشكل تهديداً مباشراً لمستقبل عشرات الآلاف من الطلاب؛ بعد أن استغلت الإدارة الذاتية سقوط النظام السوري، وفرضت سيطرتها على المدارس التي كانت سابقاً خاضعة لسيطرة النظام السابق من حيث الإدارة والتمويل والقرار التعليمي والسياسي، وكانت تقع ضمن نطاق سيطرتها التعليمية، وبالتالي نشأت أزمة تربوية جديدة.

وجد الطلاب وأولياء أمورهم أنفسهم أمام الاختيار ما بين مناهج وشهادات وامتحانات غير معترف بها، ومشكوك في بنيتها المعرفية، وأدلجتها، ومنهاج حكومي سوري بات من الصعب الوصول إليه، والاضطرار لتحمّل مخاطر وتكلف مصاريف كبيرة للوصول إلى امتحانات الشهادتين في عموم المحافظات السورية.

ووفقاً لمصدر من مديرية التربية والتعليم في الحسكة، “رفضت وزارة التربية والتعليم السورية أي شراكة إشرافية مع الإدارة، وعدم وجود أي منافذ لتسجيل الطلاب في الحسكة، ليواجه الطلاب وأهاليهم واقعاً قاسياً يُهدد مستقبلهم العلمي، ويزيد من حدة الانقسام الأسري والهويّاتي في مجتمع متنوّع عرقياً ودينياً”، المصدر أضاف: “حالياً، الطلاب في الحسكة منقسمون على واقعهم التربوي والتعليمي، فمنهم من ينتمي لمدارس تتبع الإدارة الذاتية بمناهج لن تفتح له أبواب الجامعات، ولا تعترف وزارة التربية السورية بها، ومنهم من تحمل كل شيء من فقر واقع التعليم وبؤسه لدى النظام طمعاً في الاعتراف بالشهادة وإتمام التعليم والتحصيل العلمي، ولكن بالنهاية مُنع وحُرم من التقدم للامتحانات في بلدته ومدينته”.

“ما بين قرار سياسي هنا ورفض هناك، أخشى أن يضيع عامٌ كامل من عمري، مع ما يقارب 30 ألف طالب في الحسكة مهددّين بخسارة عامهم الدراسي، وربما مستقبلهم بالكامل. بعضهم فكّر بالهجرة، وآخرون يحلمون بأن يأتي “قرار من فوق” ينصفهم” وفقاً للطالبة كاترين.

المشهد التعليمي قبل سقوط النظام

طبقت جهتان مختلفتان منهاجين مختلفين للمراحل التعليمية: الابتدائية والإعدادية والثانوية. وتوزعت البنية الإدارية والجغرافية للتعليم في الحسكة على قسمين متداخلين:

1. المدارس في الأحياء والقرى الكردية والعربية الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، وتطبق مناهج أصدرتها الإدارة الذاتية، وقد طبعت بثلاث لغات: الكردية والعربية والسريانية. يدرس أبناء كل قومية لغتهم الأم في سنوات الدراسة الثلاث الأولى، وبدءاً من الصف الرابع، تُدخَل لغة محلية أخرى إلى جانب اللغات الأجنبية، لكن ذلك لم يطبق على الطلاب السريان، مع أعداد قليلة نسبياً للطلبة من المكون العربي الملتحقين بمناهج الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى “وجود إشارات لنظريات زعيم حزب العمّال الكردستاني عبد الله أوجلان وأقواله، ما عدّه كثيرون أدلجة سياسية مباشرة”. قالت مصادر عديدة في الإدارة الذاتية إنه جرى تخفيفها خلال السنتين الفائتتين.

2- القرى العربية الخاضعة لسلطة دمشق والواقعة جنوب المدينة، والمربعات الأمنية في الحسكة والقامشلي ومدرسة أخرى في حي الوحدة المتنازع عليه بين الطرفين، كانت تطب~ق مناهج النظام السوري السابق، ولا وجود لغير اللغة العربية مع التشديد على تدريس مواد التربية القومية، الوطنية، المغذية سيطرةَ حزب البعث على مفاصل الدولة، ودروس التاريخ التي لا تحتوي على أيّة إشارات ولو بسيطة إلى المكوّنات السورية الثقافية التاريخية.

وسيطرت الإدارة الذاتية على 115 مدرسة في القامشلي وريفها كانت تابعة لوزارة التربية والتعليم السورية، في حين كان النظام يسيطر على 125مدرسة، ولم تتمكّن الإدارة الذاتية من فرض مناهجها على عشر مدارس كنسية، وأغلقت 30 مدرسة خاصة، اضطرت لنقل مقارها إلى المربعات الأمنية. والمفارقة هي أن الأغلبية العظمى من أبناء موظفي الإدارة الذاتية وقياداتها مسجلة في مدارس الحكومة السورية لمختلف المراحل التعليمية. وتقول الإدارة الذاتية إن لديها 2300 كادر إداري وتعليمي، ولدى الحكومة السورية 2800، ويتراوح متوسط رواتب العاملين الشهرية في هيئة تربية وتعليم الإدارة الذاتية ما بين 85 -100 دولار، ومتوسط رواتب مدرسي الحكومة السورية ما بين 20 و30 دولاراً شهرياً في أحسن الأحوال. ووفقاً للمرشدة الاجتماعية ميادة عليكو فإن “الاختلاف في المناهج والمدارس واللغة والكادر والأيديولوجيا الحزبية خلق تمايزاً اجتماعياً. فـالطلاب الفقراء المسحوقون الذين لا يتمكنون من التسجيل في المدارس الخاصة مضطرون إلى التسجيل في مدارس الإدارة الذاتية أو ترك الدارسة، بينما الأغنياء يلتحقون بالمدارس والمعاهد الخاصة الأكثر أماناً للطلاب ومستقبلهم، وأبناء الطوائف المسيحية يلتحقون بمدارس الكنيسة، ما خلق فجوة بين الطلاب من مختلف المكونات”. وتقدر إحصائيات خاصة للإدارة الذاتية عدد الطلاب المسجلين في مدارسها في القامشلي بـ15 ألفاً و900، ويتراوح عدد طلاب الشعبة الصفية الواحدة بين 20 و30 حدّاً أقصى، ووفقاً لإحصائيات مقدّمة من مديرية التربية بالحسكة، فإن لديها 32 ألف طالب بمعدل وسطي بين 70 و80 طالباً في الصف الواحد، وثمّة فئة ثالثة تتلقّى خدمات تعليم رسمية، بطريقة غير رسمية، عبر الدورات الخصوصية في المنازل أو المعاهد الخاصة، وهم ممن لا يمكن إحصاؤهم بدقة نتيجة غياب البيانات الرسمية، إلى جانب المسجلين رسمياً لدى مدارس الطرفين.

لكن المشكلة الأساسية في صعوبة الإحصاء الدقيق لعدد المتسرّبين والمسجلين. وبمتابعة الوضع الميداني، تُلاحَظ كثافة كبيرة جداً لعدد الأطفال والشباب المراهقين في عمر الدراسة وهم يعملون في المنطقة الصناعية وغيرها من الأماكن. ولدى السؤال عن وضعهم التعليمي، قالت ستة مصادر: “نحن مسجلون في مدارس الدولة، كُنا نلتزم بالدوام فقط أيام الامتحانات، وأحياناً أيام المذاكرات، وكنا ننجح بغض النظر عن فحوى ومحتوى الورقة الامتحانية، وقسم منا مُسجل لدى الإدارة الذاتية أيضاً، وأحياناً نحصل على دورات خصوصية في المنزل أو متابعة من الأهالي”. توجه معد التحقيق إلى المجمع التربوي في القامشلي الذي أشار مصدر ضمنه إلى “اتفاق شفهي غير مكتوب بين الجميع، مديرية التربية بالحسكة، مدراء المدارس، المجمع التربوي، يجرى استقبالهم من دون دوام وفق مبلغ متفق عليه، وبالنهاية، يُرفَّعون للعام الذي يلي من دون تلقّي أيّ معلومات أو دروس”، مضيفاً: “لذلك لا تُمكن معرفة العدد الحقيقي للمتسربين تعليمياً”.

منع امتحانات الشهادتين

مع سقوط النظام السوري، وضعت الإدارة الذاتية يدها على ما تبقّى من المدارس، وأغلقتها ومنعت الصفوف الانتقالية من تقديم الامتحانات، ورغم إعادة فتح بعضها في بداية الفصل الثاني، أُعيد إغلاقها، ليستمر مسلسل فتح المداس وإغلاقها حوالي الشهر، حتى سُمح للصفوف الانتقالية بالدوم في المدارس. ومع غياب أيّ اتفاق على السماح لهم بتقديم الامتحانات، وبل جرت مصادرة أغلب الاختام الخاصة بالإدارات في أغلب المدارس. وبالرغم من النجاح النسبي لمسار تطبيق اتفاق الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي (10 مارس/ آذار) من خلال تطبيق اتفاقات خاصة بخصوص وقف إطلاق النار في “سد تشرين”، وانسحاب “قسد” من حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، إلا أن هذا الأمر لم ينطبق على التعليم.

تواصلنا مع المكتب الإعلامي لوزير التربية ومنسقّي التغطية الإعلامية لأعمال الحكومة ومكتب تنسيق وزارة الإعلام، ووسطاء ضمن وزارة التربية السورية، لكن من دون الحصول على أيّ إجابات. ووفقاً لمصدرين داخل مديرية التربية في الحسكة أكّدا أن وزارة التربية مصرة ولن تتنازل عن “الإشراف على الامتحانات لطلاب الشهادتين، بما فيها موضوع حماية الامتحانات التي تحتاج إلى إجراءات نزيهة تحقق تكافؤ الفرص للجميع، وضمان عدم تدخل أيَّ جهة في العمل الامتحاني، ولا يزال الحوار مستمرّاً للتوصل إلى صيغة تضمن احتواء الموضوع وتغليب مصلحة الطالب، لكن لا نتائج واضحة بعد”، ووفقاً للمصدرين، “الطلاب والمدرسون والمناهج والامتحانات تابعون لوزارة التربية السورية، ولم يكن لهم أيَّ علاقة بمدارس الإدارة الذاتية أبداً، وخلال السنوات السابقة، في عهد النظام البائد، جرت الامتحانات بشكل طبيعي، وكان لطلاب محافظة الحسكة مراكز وتحصيل علمي متقدم على مستوى سورية، بأي حق تطلب الإدارة الذاتية الإشراف على الامتحانات ومراقبتها وتصحيح الأوراق الامتحانية، وربط مدارسها وجامعاتها بمدارس وجامعات الدولة، وفقاً لمبدأ استغلال الظرف، علماً أن عملية الدمج تحتاج لنقاشات طويلة وإجراءات وتدخلات في المنهاج، يُمكن البدء بها فوراً، ولا تحتاج سوى إلى تفاهمات وضمانات ثقة، لكن ليس على حساب مستقبل ومصلحة الطالب والامتحانات، وبالرغم من تكرار اللقاءات بين وفد هيئة التربية للإدارة الذاتية مع وزارة التربية السورية برعاية منظمات دولية، لكن لا نتائج واضحة. وحالياً ووفق تنسيق بيننا مع الوزارة، جرى تمديد تسجيل طلاب الشهادة وبمقدورهم اختيار أيَّ محافظة للتسجيل فيها، في حال لم تُجرى الامتحانات في الحسكة”، واختتم المصدران حديثهما: “خلال أيام قليلة قادمة، إن لم يُتوصَّل إلى حل، فإن مستقبلاً أسود ينتظر المنطقة، ويكون الطالب قد تعرض للحيف والظلم وفقد أبسط حقوقه، وفي ما يخص طلاب المرحلة الانتقالية، يُمكن إيجاد دورات فاقد تعليمي بإشراف وزارة التربية والمنظمات الدولية، وهو أمر يحتاج لبعض التنسيق، لكن ليس بمستوى صعوبة وضع امتحانات الشهادتين”.

حاولنا التواصل مع أكثر من مصدر قيادي في هيئة التربية والتعليم للإدارة الذاتية من دون جواب. في حين أكدت مصادر خاصة أن منظمة يونسكو سعت إلى إجراء تقارب بين الطرفين وتنظيم آليات لإجراء الامتحانات، لكن الشروط المسبقة منعت التوصل إلى تسوية، واتفق الطرفان على استمرار اللقاءات، ثم لم يُسمح بعد بتسجيل الطلاب في الحسكة.

تواصلنا مع عدة مدرّسين لدى الإدارة الذاتية والحكومة السورية بشأن قرار حرمان الطلاب من الامتحانات وتداعيات القرار. حيث قالت المدرسة شاهيناز محمد، مدرسة لدى الحكومة السورية من أهالي القامشلي، إن “حرمان الطلاب من الامتحانات قرار غير تربوي بالدرجة الأولى، خاصة أنه صادر من جهات تدعي التربية والتعليم، لماذا يُزج بالتعليم والطلاب في الصراعات السياسية، يبدو أن من يضع يده على أيّ مؤسسة تتحول إلى ملكية خاصة به”، وتضيف: “لو توفرت الإرادة السياسية السليمة والنية الصافية، لكانت الأمور سهلة، خصوصاً امتحانات الشهادة الإعدادية التي تحولت إلى مرحلة انتقالية، ويمكن تدوين الأسئلة في الحسكة سرّاً، وتقديم الطلاب للامتحانات، وأن يقوم طاقم التربية في الحسكة بالإشراف على الامتحانات والتصحيح وإصدار النتائج التي تتشابه مع أي صف انتقالي آخر، لكن الإدارة الذاتية ترفض حتّى هذا الحل، في حين أن المشكلة الأساسية هي في امتحانات المرحلة الثانوية التي تعتبر مصيرية للانتقال إلى التعليم العالي”.

وقال مُدرّس تابع للإدارة الذاتية: “حتى لو اتفقت دمشق والإدارة الذاتية على إرسال أسئلة الامتحانات من دمشق توزيع الأدوار للمراقبة والتصحيح وإصدار النتائج، فإن الأهالي لن يقبلوا، القضية تعود لغياب الاعتراف الرسمي بجامعات ومدارس الإدارة الذاتية، ذهنية الأهالي والطلاب لا تتقبّل التحاقهم بمدارسنا، ولا تتدخّل الإدارة الذاتية في الامتحانات خوفاً على مصير مستقبلهم”، مضيفاً: “الأفضل تحسين وضع الجامعات التابعة للإدارة الذاتية، والاعتراف بها، ما سيوفر على الطلاب والأهالي الكثير من المصاريف، إضافة إلى الحد من الكثير من المشاكل والنزاعات والخلافات بين الأطراف”، في حين تعود شهناز للحديث قائلة: “كل ما يُشاع من الإدارة الذاتية حديث فارغ، الهدف هو السيطرة على العقول، واستغلال الأعداد الكبيرة للطلاب في مشاريعهم السياسية، وزرع الأدلجة في عقولهم، ولو بقوا جاهلين فلا مشكلة لديهم” مختتمة حديثها: “لا يوجد لنا وصول أو نفاذ أو تواصل بوصفنا موجّهين ومدرسين مع دمشق، ولا أحد يملك أي جواب أو حل، القضية هي سياسية بحتة والجميع يسعى للحصول على مواقعه والطالب يدفع الضريبة”، وهو ما أكّده المُدرس لدى الإدارة الذاتية: “نسأل، لا نحصل على جواب، لا يُمكننا حلّ أيّ شيء، ليس في يدنا أيّ قرار أو إمكانية التدخل باعتبارنا قيمة مضافة إيجابية”.

ماذا قال الطلاب والأهالي؟

في غرفته الخاصة بالدراسة، يضع أراز يوسف جدول عمله وبرنامجه الدراسي اليومي ويتحدث والقلق والخوف باديان بوضوح على وجهه: “ما مصيرنا؟ لا أعلم، كُنت استعد منذ سنتين عبر الدورات الخصوصية، حرمت نفسي من كل شيء في سبيل الحصول على معدل ممتاز لأكون متفوّقاً في التحصيل العلمي، يخولني تسجيل كلية الطب البشري، لكن هذا القرار شكل صاعقة بالنسبة ليّ، أغلب الأوقات أفكر في المكان الذي سأقدم فيه الامتحانات أكثر من الدراسة، أشعر بشيء غريب لا يُمكن وصفه، كل الحكومات في العالم يجب أن تكون في خدمة التعليم والطلاب، وليس أن تكون ضدهم”، يُضيف: “السفر وتقديم الامتحانات خارج المحافظة صعب ومكلف جداً”. وأراز كغيره من الطلاب، تنحصر اهتماماته حالياً بالتعليم والشهادة الجامعية، لكنه يقول: “أحزن كثيراً حين لا أجد لغتي الأم، الكردية، موجودة في المناهج، أو غياب الحديث عن الهويّة والتاريخ الكردي، أتمنّى من الحكومة الجديدة أخذ هذه القضايا بعين الاعتبار ضمن مناهجها”، مختتماً: “قراري واضح ولن أتراجع عنه، لو غاب التوفيق من الله عني، سأسافر وأهاجر من هذه البلاد ولن أندم عليها، فقرار الإدارة الذاتية بمثابة المقصلة بالنسبة لنا”.

ويقول ملاذ الخضر، من أهالي جل آغا في ريف المالكية: “ابنتي تُفكّر طوال اليوم بمصيرها وأين ستقدّم الامتحانات أكثر مما تدرس، مضطر لإرسالها مع والدتها إلى حلب للتقديم، فأنا مشغولٌ بمتابعة أمور أرضي الزراعية ومن الصعب السفر، يبدو أن لا خيار أمامنا سوى هذا الخيار، سأبقى أقول إن الإدارة الذاتية هي المسؤولة الأولى والأساسية عن كل ما حصل لنا، أمرهم عجيب، الطالب والتعليم خط أحمر، حتى أعضاء مناصري الإدارة الذاتية ناقمون عليها بسبب هذا القرار”، ووفقاً لفاطمة عزم الموظّفة لدى الإدارة الذاتية: “سيتقدّم ولدي لامتحانات الشهادة الإعدادية وابنتي للثانوية العامة الفرع الأدبي، مناهج الإدارة غير معترف بها، وأنا محتارة جداً من أين سنؤمن ثمن مصاريف الامتحانات، التي نحتاج لما يزيد عن ألف دولار، علماً أن راتبي مع زوجي لا يصل إلى 250 دولاراً شهرياً، أيام صعبة وسوداء تنتظرنا، عدا الآثار النفسية والسلوكية وتغيير جو الامتحان على أبنائنا”.

آثار نفسية واجتماعية

عادة ما يعاني طلاب الشهادات من توتّرات وخوف من رهبة الامتحانات، لكن للمحرومين من تقديم الامتحان في مناطقهم مخاوف أخرى لم تكن موجودة سابقاً. … قالت المرشدة النفسية، لافا هسام، من مدينة ديرك المالكية: ” توصف الحالة النفسية للطلاب المحرومين من تقديم امتحانات الشهادتين بأنها حالة من التوتر الحاد، والإحباط، والقلق الوجودي. هؤلاء الطلاب يمرّون بما يُعرف في علم النفس بالـ”صدمة التعليمية”، حيث يُجبر الطالب على مواجهة واقع يتناقض مع جهوده الطويلة وتطلعاته المستقبلية، ما يولد شعوراً بالعجز وفقدان السيطرة. في كثير من الحالات، نلاحظ أعراضاً نفسية مثل اضطرابات النوم، انخفاض في الدافعية، ومؤشرات على بداية اكتئاب أو قلق مزمن”، ووفقاً لها، فإن التأثيرات ستكون “بعيدة المدى وقد تكون عميقة، فالشعور باللاجدوى يمكن أن يؤدي إلى عزوف بعض الطلاب عن متابعة تحصيلهم العلمي. وحرمانهم من فرصة الاعتراف الرسمي بجهودهم التعليمية قد يؤدي إلى اهتزاز ثقتهم بالمنظومات التعليمية والسياسية، فيُضعف الانتماء المجتمعي ويزيد من احتمالية الانخراط في سلوكيات سلبية أو البحث عن بدائل غير رسمية للتعليم، بعضها قد يكون محفوفاً بالمخاطر، كانخراط الطلاب في سلوكيات عنيفة أو مؤذية وتسبّب أضراراً على المدى البعيد”. وتلفت لافا إلى خطورة الوضع على الإناث أكثر من الذكور، وتؤكّد وجود “تفاوتات ملحوظة في الاستجابة النفسية حسب الجنس والخلفية الاجتماعية. الإناث غالباً ما يُظهرن أعراضاً داخلية مثل القلق والاكتئاب بشكل أكبر، نظراً إلى الضغوط الاجتماعية المضاعفة، بما في ذلك نظرة المجتمع إلى “فشل” الفتاة في الدراسة. أما الذكور، فقد يعبرون عن الضغط النفسي بشكل خارجي، من خلال الغضب أو اللامبالاة أو الانسحاب من الأُطر التعليمية”.

جوانب مخفية

وأرجعت عدّة مصادر متقاطعة أسباب رفض الإدارة الذاتية إجراء الامتحانات لطلاب الشهادتين إلى أن “الإدارة الذاتية تطالب بالاعتراف بجميع الشهادات الصادرة عن مدارسها وجامعاتها، وبما يلزم ذلك من إتمام الدراسات العليا والتوظيف والعمل على تلك الشهادات، واعتبارها شهادات سورية أصيلة، بالإضافة للاعتراف بالمناهج التعليمية والدخول في حوارات للدمج والعمل المشترك، وثالث الأسباب أن أبناء قيادات كامل المنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية والإدارية منقسمون بين تربية وجامعات الإدارة الذاتية ومثيلاتها لدى النظام السوري سابقاً وحالياً، وهو ما أحدث فجوات تعليمية ووظيفية ومستقبلية بين الطرفين ضمن الفريق الواحد، أحدهم فقد المستقبل مع مناهج الإدارة والآخر حصل على ما يُريد عبر مناهج وشهادات النظام السوري. وهو ما دفع لخيار إما تتساوى فرصهم في التعليم أو يتساوون في الوضع القانوني والتربوي”.

وإذاً..

في ظل تزايد عدد الطلاب المحرومين من التقدّّم للامتحانات، وغياب أي بوادر للتنسيق بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، يبقى جيلٌ كاملٌ معلقاً بين الهويّة والاعتراف. ومع كل عام دراسي جديد، تتعمّق الفجوة وتزداد المخاوف من أن يتحول الانقسام التعليمي إلى قطيعة دائمة بين مكونات المجتمع في الحسكة. فهل من أفق لحل يحفظ حق الطالب في التعليم، بعيداً عن التجاذبات السياسية؟

العربي الجديد

———————————–

 غياب التفاهم بين قسد والحكومة يجبر آلاف الطلاب على السفر لتقديم الامتحانات/ حسن القصاب

20

أعلنت وزارة التربية والتعليم في الحكومة الانتقاليّة السورية مواعيد بدء امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية للعام الدراسي الحالي 2025، بعد أن تم تأجيلها بسبب فترات الانقطاع والتشتت التي أعقبت سقوط النظام البائد.

وتبدأ امتحانات الشهادة الإعدادية في الرابع عشر من حزيران الحالي وتنتهي في الثاني من تموز، في حين تبدأ امتحانات الشهادة الثانوية (البكالوريا) بفرعيها العلميّ والأدبيّ في الخامس من تموز وتنتهي في السابع والعشرين من الشهر ذاته.

وكما هو معمول به سيتقدم الطلاب في كل محافظة وفقا للمراكز الامتحانية الموجودة في مدنهم وبلداتهم وقراهم من دون حاجتهم لقطع مسافات شاسعة وتحمل مشقات السفر.

إلا أن منطقة الجزيرة السورية الواقعة تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ستعيش واقعا امتحانياً مختلفاً عن باقي سوريا، فبعد أن كان من المخطط افتتاح مراكز امتحانية ضمن هذه المنطقة الجغرافية وفق ما نشرت المعرفات الرسمية للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، إلا إن هذا لم يكتب له النجاح لاستحالة وصول الطرفين (قسد والحكومة السورية) لتوافق بهذا الخصوص. مما أدخل الطلاب وأهاليهم في دوامة جديدة، تضطرهم إلى سفر أبنائهم خارج مناطق سيطرة قسد حتى يتسنى لهم تقديم الامتحانات وتحملهم أيضاً ما يترتب على ذلك من عناء ونفقات.

وكنتيجة لما سبق سيتم افتتاح المراكز الامتحانية الخاصة بأبناء محافظة الرقة في بلدة معدان (70 كم شرقي مدينة الرقة) ومجموعة من القرى المجاورة لها (السويدة – الجابر – الخميسية – العجم – مغلة صغيرة – مغلة كبيرة – العطشانة – الدعمة – الحمدانية – البوحمد) التي تُدار سياسياً وعسكريّاً من قبل الحكومة الانتقاليّة السورية.

عدد المتقدمين زاد الضعف عن العام الماضي

وفي حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا أفاد مدير تربية الرقة الأستاذ محمد العجاوي أن عدد الطلبة المتقدمين لامتحان الشهادة الثانوية (البكالوريا) بفرعيها العلمي و الأدبي قد بلغ 14240 (ذكور + إناث) ، في حين سيتقدم 11398 طالب وطالبة لامتحان الشهادة الإعدادية (التاسع).

وأضاف العجاوي أن عدد المتقدمين لامتحان البكالوريا قد زاد بمعدل الضعف عن العام السابق (2024) إذ بلغ عدد المتقدمين آنذاك قرابة 7 آلاف، و ذلك بسبب إلغاء امتحان السبر الذي كان بمنزلة شرط القبول للتقدم لامتحانات الشهادتين (الإعدادية والثانوية).

كما أنه و بسبب قلة عدد المدارس وزيادة أعداد الطلبة المتقدمين،  سيتقدم طلاب الشهادة الثانوية بفرعيها (علمي – أدبي) سوياً ضمن نفس المركز الامتحاني وذلك لعدم وجود مراكز امتحانية كافية.

نقص في المقاعد

وعن توفر الإمكانات لإنجاح العملية الامتحانية؛ أشار العجاوي إلى وجود أزمة نقص بالمقاعد الدراسية تبلغ 6 آلاف مقعد مشيراً لتأمين 3000 مقعد من مديرية تربية دير الزور يتم نقلها حالياً للمراكز الامتحانيّة بالتعاون مع العديد من الفعاليّات والتجمعات المدنيّة في معدان في ظل عدم كفاية الجهود الأهليّة لإنجاز هذه المهمة، في حين تكفلت اليونسيف عن طريق إحدى المنظمات العاملة في المنطقة بتأمين 2000 مقعد. أما العدد المتبقي والمقدر بألف مقعد سيكون هناك محاولات لتأمينها عبر ورشة تصليح بإشراف مديرية تربية الرقة إلا هذه العملية تحتاج أيضاً لتوفير دعم مناسب لها لضمان تأمين المقاعد قبل بدء العملية الامتحانية المقررة بعد أسبوعين. فضلاً عن وجود احتياجات أخرى كتوفير سيارات لنقل الأسئلة من دائرة الامتحانات للمراكز الامتحانية الموزعة على 37 مدرسة، وقرطاسية ومراوح وستائر واقية من أشعة الشمس للمراكز الامتحانية.

وعن إمكانية توفير التيار الكهربائي للمراكز الامتحانية خلال فترة تقديم الطلاب، أوضح المهندس مدير كهرباء الرقة عبد المحسن الصالح، في حديث لموقع تلفزيون سوريا أنه سيتم تغيير خطة تقنين الكهرباء المتبعة حالياً في معدان وقراها بحيث يتم تزويد المراكز الامتحانية بالكهرباء اللازمة لضمان سير العمليّة التعليميّة بأتم وجه.

مبادرات لإنجاح العملية الامتحانية

من جانبه، المدير التنفيذي لجمعية نبراس الأستاذ موسى الكدرو أشار في تصريح صحفي لموقع تلفزيون سوريا أن الجمعية بادرت لتقديم بعض الخدمات التي شملت مياه شرب نظيفة للمراكز الامتحانية ونقل العديد من المقاعد مؤكداً على ضرورة تضافر الجهود الأهليّة والحكومية لإنجاح العملية التعليمية مضيفاً أن الوضع الامتحاني خلال هذا العام هو وضع استثنائي جداً لاسيما وأن الدعم المقدم للعملية الامتحانية يعتبر قليلا إذا ما قورن بالأعوام الماضية.

إلا أن التحدي الأكبر من وجهة نظر الأهالي والمعلمين يكمن في تكاليف نقل الطلاب والطالبات من أماكن سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) إلى المراكز الامتحانية الواقعة في أماكن سيطرة الحكومة الانتقالية، الذين تقدر نسبتهم بـ 90% من عموم الطلاب المتقدمين، لاسيما وأن بعضهم سيتوجب عليه قطع مسافة تتجاوز 100 كم للوصول إلى المركز الامتحاني في ظروف الحرارة العالية، عدا عن الكلفة المالية التي تصل حتى 150 ألف ليرة سورية في اليوم الواحد والذي يعتبر مبلغاً باهظاً يثقل كاهل الأهالي في ظل غياب أي توضيح أو دور لوزارة التربية والتعليم في هذه القضية، إضافة إلى مخاوف من حصول حوادث سير بسبب التزاحم أو حدوث حالات إغماء للطلاب بسبب الحر الشديد أو وقوع اشتباكات عسكرية بين الطرفين تؤدي لقطع الطريق وحرمان الطلاب من التقدم للامتحانات.

أحد أولياء الأمور والذي رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية قال في حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا: “كنا نتأمل أن تطوى هذه الصفحة من المشقة إلى غير عودة، إلا أن الأطراف السياسية لم تنجح في تحييد العملية الامتحانية عن الصراع، وهذا ما سيدفع ثمنه أبناؤنا” مضيفاً أن غياب وجود مراكز استضافة للطلاب هذا العام سيزيد من معاناة الطلاب وأهاليهم.

وكانت المراكز الامتحانية سابقاً تؤمن المبيت والإطعام وبعض الخدمات التعليمية للطلاب بالإضافة لبدل مالي للطلاب خلال فترة الامتحانات.

————————–

واشنطن خارج التعقيدات السورية/ مازن بلال

26/05/2025

ما طرحه السفير الأمريكي في تركيا، توم باراك، عن سوريا يشكل الحلقة المفرغة الجديدة في سياسة واشنطن تجاه المنطقة، فبعد تعيينه مبعوثاً أمريكياً إلى سوريا ولقائه رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في تركيا؛ ظهرت تصريحاته لتكشف أن المقاربات التي قدمها تحمل “أحلاماً” لا تصورات سياسية، وعلى الرغم من أن تقسيم المنطقة يشكل وتراً حساساً للسوريين من “سايكس-بيكو”، لكن السفير الأمريكي شطب الحقبة السياسية ونتائج الحروب وحتى نفوذ تركيا الحالي في المنطقة.

التصريحات التي ساقها تلامس اليوم السياسات التركية، فمسألة “سايكس-بيكو” هي ترميز لمرحلة الضعف التركي، ولانحسار الدور العثماني في المشرق، والعودة إليها اليوم يعبر تعبيراً واضحاً عن توجه لإعادة ذلك الدور وبآليات جديدة، فتعقيدات المنطقة لم تبدأ بالصراع الفرنسي-البريطاني على المنطقة إنما بتحول الميزان الدولي منذ الثورة الصناعية الذي جعل الدولة العثمانية تتحول تحولاً بطيئاً نحو الانكفاء.

عملياً فإن الانفتاح الأمريكي على دمشق تم بوساطة الرياض، لكنه يتأسس في أنقرة بوصفها دولة محورية في النظام الإقليمي، والمسألة السورية بكامل أوراقها أصبحت وبإرادة أمريكية ضمن مهام الخارجية التركية، وهذا الأمر كان واضحاً في زيارة الرئيس الشرع تركيا ولقائه “باراك” بدلاً من أن يبدأ المبعوث الأمريكي مهمته بزيارة دمشق، فنحن أمام عاملين أساسيين:

الأول أن تركيا لا تملك فقط “سماحاً” أمريكياً بالتحرك في سوريا؛ بل أصبحت “البوابة الإقليمية” للمسألة السورية، وهو أمر كان متوقعاً ولكنه اليوم يُؤسس من جديد بجهد دبلوماسي ترعاه واشنطن.

من الصعب فهم الدور التركي الحالي من دون مسألة “التهدئة” السورية-“الإسرائيلية”، فمهام أنقرة لا تتعلق بترتيب البيت السوري بالداخل؛ بل بالمساعدة في بناء “دولة محايدة” أيضاً، وبصرف النظر عن نجاحها أو فشلها في هذا الموضوع، لكن العلاقات الأمنية والعسكرية كافة تؤشر على أن أنقرة تعمل لإيجاد “منظومة” تعاون ثلاثية مع سوريا و”إسرائيل” لاستيعاب ثمانية عقود من الصراع.

العامل الثاني يرتبط بالسوريين الأكراد، فالمشروع السياسي السوري المطروح المرتبط بالفيدرالية لم يفقد موقعه، لكنه أصبح في مساحة دور أنقرة المركزي لا دمشق، وأي حلول لشمال سوريا الشرقي باتت مرتبطة بعلاقة تركيا مع التشكيلات الكردية التركية.

سيختلف وضع السوريين الأكراد عن الحالة السياسية في إقليم كردستان العراق، فمن الصعب إيجاد معادلة سياسية شبيهة لما حدث في العراق في ظل الدور التركي الحالي، أو حتى في مساحة العمل الكردي في سوريا نتيجة حساسية أنقرة تجاه التشكيلات الموجودة في الجزيرة السورية، وهي أوجدت حزاماً أمنياً ضيقاً عند حدودها مع سوريا؛ يشكل مشروعاً للحد من أي حالة لا تتوافق مع دورها الإقليمي.

المبعوث الأمريكي إلى سوريا وفي منصة “إكس” كشف بطريقة غير مباشرة عن اهتمام أمريكي هامشي لأبعد الحدود بالشأن السوري، فتركيا، لا العرب الذين سعوا إلى رفع العقوبات عن سوريا، هي من ستتولى ترتيب الأمن الإقليمي من البوابة السورية، وهي أيضاً ستتحرك بنفوذها لتحريك مسارات السلام والتطبيع مع “إسرائيل”.

——————————–

واشنطن تبدأ تقليص وجودها العسكري في سورية

03 يونيو 2025

قال المبعوث الأميركي إلى سورية، توم باراك، إن الولايات المتحدة بدأت تقليص وجودها العسكري في سورية، وتهدف إلى إغلاق كل قواعدها في هذا البلد باستثناء واحدة. وأوضح المبعوث في مقابلة مع محطة “إن تي في” التلفزيونية التركية، مساء الاثنين، أن “هناك تقليصاً في حضورنا العسكري في عملية العزم الصلب”، مضيفاً “انتقلنا من ثماني قواعد إلى خمس فثلاث. وسنبقي على الأرجح على قاعدة واحدة”. لكن المبعوث الأميركي اعترف أن سورية لا تزال تواجه تحديات أمنية كبيرة تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع.

وفي إبريل/ نيسان، أعلن البنتاغون عزمه خفض عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في سورية إلى أقل من ألف جندي تقريباً في الأشهر المقبلة.

ودخلت القوات الأميركية إلى سورية في عام 2015 بموجب تفويضات استخدام القوة العسكرية لعامَي 2001 و2002، التي أُصدرت حينها لمحاربة تنظيم القاعدة في أفغانستان، وغزو العراق لإطاحةِ نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وقد رأى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أنه بإمكانه استخدام تلك التفويضات لمحاربة “داعش” أيضاً، مع توسّع نشاط التنظيم وسيطرته في عام 2014 على مناطق واسعة في العراق وسورية، وتبنيه هجمات عسكرية في أوروبا عام 2015، إذ شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها آلاف الضربات الجوية على مواقع للتنظيم في سورية، ودعمت عمليات قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ضده.

وفي عام 2018، قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى سحب القوات الأميركية من سورية، وقد أمر بالفعل بسحب الجزء الأكبر من الوجود العسكري الأميركي بسورية مبقياً على نحو 400 جندي فحسب، لكنْ بناءً على نصائح حلفاء في المنطقة، وقادة ميدانيين ووزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، زاد العدد لاحقاً، حتّى وصل في صيف عام 2024، وفق بيانات معهد بحوث الكونغرس، إلى نحو 900 جندي، بتمويل مقداره 156 مليون دولار، قبل أن يكشف البنتاغون عن أن الوجود العسكري الأميركي بسورية بلغ ألفَي جندي أميركي بالفعل نهاية العام الماضي، نتيجة التوترات التي سادت المنطقة بعد عملية طوفان الأقصى في غزة.

(فرانس برس، العربي الجديد)

——————————

سورية: تبادل أسرى بين دمشق و”قسد” في حلب على هامش تفاهمات جديدة

محمد كركص

02 يونيو 2025

جرت عملية تبادل أسرى، اليوم الاثنين، بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في حي العوارض بمدينة حلب شمالي سورية، وذلك ضمن تفاهمات مبرمة بين الطرفين. وأكدت مصادر مطّلعة لـ”العربي الجديد”، أن عدد الأسرى الذين سلّمتهم حكومة دمشق لـ”قسد” بلغ 160 أسيراً، في حين سلّمت الأخيرة للحكومة السورية 280 أسيراً. ولفتت المصادر إلى أن هذه العملية كانت مؤجّلة سابقاً، لكنها أُنجزت اليوم على هامش التفاهمات التي خرج بها اجتماع دمشق يوم أمس، والذي جمع وفدي النظام السوري والإدارة الذاتية.

ويقدَّر عدد الموقوفين بين الطرفين بنحو 466 شخصاً، غالبيتهم من عناصر “قسد” وكوادر الإدارة الذاتية، إلى جانب 176 عنصراً من فصائل تابعة لوزارة الدفاع في حكومة دمشق ومدنيين. وكانت أول عملية تبادل بين الطرفين قد جرت في الثالث من إبريل/نيسان الماضي، حين أفرجت “قسد” عن 97 شخصاً، بينهم مدنيون ويافعون، بينما أطلقت حكومة دمشق سراح 164 شخصاً من عناصر “قسد” وكوادر الإدارة الذاتية.

وتأتي هذه التطورات في ظل تفاهم جديد توصّل إليه الطرفان مطلع إبريل/نيسان الماضي، يتعلق بحيّي الشيخ مقصود والأشرفية ذات الغالبية الكردية في مدينة حلب، وينصّ على تعزيز السلم الأهلي والتعايش، وتنظيم الوضع الأمني والإداري في الحيَّين.

ويشمل الاتفاق أيضاً بنوداً تتعلق بإعادة دمج الحيَّين إدارياً بمدينة حلب، وضمان حماية السكان عبر قوات الأمن الداخلي، التابعة لوزارة الداخلية، مع انسحاب قوات “قسد” إلى شرق الفرات، وإنشاء مراكز أمنية، وضمان حرية التنقّل، وعدم ملاحقة الأشخاص المطلوبين سابقاً، ما لم يكونوا متورّطين في جرائم قتل. كما ينص الاتفاق على تبادل جميع الأسرى، وتبييض السجون من الجانبين في محافظة حلب، ضمن خطوات تهدف لإنهاء الملفات العالقة بين الطرفين.

—————————–

مؤشرات على لقاءات مباشرة بين تركيا و«قسد» برعاية أميركية/ سعيد عبد الرازق

بعد تصريحات عبدي… وتحركات حزب كردي في إطار مبادرة أوجلان

3 يونيو 2025 م

تجمَّعت مؤشرات على احتمال عقد لقاءات مباشرة بين مسؤولين أتراك وممثلين لـ«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)». وقالت الرئيسة المشارِكة لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الممثل للأكراد في البرلمان التركي، تولاي حاتم أوغوللاري: «نعتقد أن زيارات مسؤولين من تركيا لشمال وشرق سوريا، وزيارات مسؤولي الإدارات القادمة من هناك إلى أنقرة، ستُسهم بشكل كبير في تقدم عملية السلام الداخلي في تركيا بخطوات أكثر فاعلية».

وأضافت أوغوللاري، التي شاركت في مؤتمر للأحزاب والجماعات الكردية في القامشلي، في 26 أبريل (نيسان) الماضي: «هذا (التبادل للزيارات) ليس فقط من أجل سلام الأتراك والأكراد أو السلام الداخلي في تركيا؛ فبالخطوات التي ستتخذها، ستُقدِّم تركيا مساهمةً كبيرةً في سلام المنطقة».

وتابعت أوغوللاري، التي كانت تتحدث أمام اجتماع المجموعة البرلمانية لحزبها في البرلمان التركي، الثلاثاء، حول العملية اللاحقة على قرار حزب «العمال الكردستاني» حل نفسه استجابةً لنداء زعيمه السجين عبد الله أوجلان: «نكرِّر دعوتنا مرة أخرى، فلنبنِ السلام معاً، فلنبنِ السلام الداخلي ونعززه معاً، وفي الوقت نفسه نرسي السلام الإقليمي معاً، ونبني تركيا ديمقراطية معاً».

ولعب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» الدور الأساسي في الاتصالات بين أوجلان والحكومة والأحزاب التركية، وكذلك الأحزاب الكردية في شمال العراق وفي سوريا؛ لتنفيذ نداء أوجلان بحل حزب «العمال الكردستاني»، والجماعات المرتبطة به وإلقاء أسلحتها.

محادثات مباشرة

في الوقت ذاته، كشفت تسريبات صحافية، الثلاثاء، عن محادثات مباشرة بين تركيا و«قسد»، التي تقودها «وحدات حماية الشعب الكردية»، بتسهيل من الولايات المتحدة، تضمَّنت مناقشة الانسحاب الأميركي من سوريا، وملف تسليم السجون والمعسكرات التي تضم مقاتلي «داعش» وعائلاتهم إلى الحكومة السورية، وكيفية دمج «قسد» في الجيش السوري الجديد.

وبحسب التسريبات، فإن المباحثات شارك فيها مسؤولون من المستوى المتوسط من تركيا و«قسد».

وفي مقابلة تلفزيونية، الجمعة، كشف قائد «قسد»، مظلوم عبدي، عن وجود اتصال مباشر بين «قسد» وتركيا، قائلاً إنه لا يعارض لقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وذكر أن عملية دمج قوات «قسد» في المؤسسة العسكرية السورية، تنفيذاً للاتفاق مع حكومة دمشق، قد تستغرق سنوات، وأن «الاتفاق يجب أن يكون في إطار سياسي شامل يقرُّ باللامركزية السياسية وحقوق مكونات شمال وشرق سوريا».

ونقل موقع «المونيتور» الأميركي، السبت، عن مصادر لم يحددها بالاسم، أن المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى سوريا وسفيرها في أنقرة، توم برّاك، أجرى اتصالاً هاتفياً مع عبدي، خلال وجوده في دمشق، الخميس، حيث قام برفع العلم الأميركي على مقر إقامة سفير الولايات المتحدة المغلق منذ أكثر من 13 عاماً، وأكد له أن الولايات المتحدة ستواصل دعمه في الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، وشجعه على مواصلة محادثات خفض التصعيد بين «قسد» وتركيا، التي تتوسط فيها أميركا، كما أكد ضرورة تنفيذ اتفاق الدمج المُوقَّع مع دمشق.

لكن مصادر بوزارة الخارجية التركية نفت وجود أي خطط أو استعداد لعقد لقاءات بين مسؤوليها وقائد «قسد»، مظلوم عبدي، الذي تحدَّث عن وجود قنوات للاتصال المباشر مع أنقرة، لافتة إلى أن ما جاء من «مزاعم» في تقرير لموقع «المونيتور» الإخباري الأميركي، حول هذا الموضوع «غير صحيح». وكان الموقع قد ذكر أن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أو رئيس المخابرات إبراهيم كالين، سيلتقي عبدي.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قد اتهم «قسد» في تصريحات، الخميس، باستخدام «تكتيكات للمماطلة» رغم الاتفاق مع الحكومة السورية الجديدة على اندماجها في الجيش السوري.

وجدَّد إردوغان موقف تركيا الداعي إلى الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، مشدِّداً على ضرورة تنفيذ الاتفاق بين «قسد»، ودمشق في الإطار الزمني المتفق عليه والمخطط له.

رعاية أميركية

يذكر أنه عُقدت لقاءات بين مسؤولين أتراك وممثلين لـ«قسد» برعاية أميركية، مارس (آذار) الماضي، أسفرت عن وقف لإطلاق النار في محاور «سد تشرين» في شرق حلب.

وتعدّ تركيا «قسد» التي تقودها «وحدات حماية الشعب الكردية»، المدعومة أميركياً، أنها «تنظيم إرهابي» يُشكِّل امتداداً لحزب «العمال الكردستاني» في سوريا، وتطالب بوقف الدعم الأميركي لها، وحلها، واندماجها في الجيش السوري، وخروج عناصرها الأجانب من سوريا.

ورغم مرور نحو 3 أشهر على الاتفاق المُوقَّع بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وعبدي، في دمشق خلال مارس الماضي، بشأن حل «قسد» نفسها، والاندماج في الجيش السوري، وتسليم المناطق التي تسيطر عليها في شمال شرقي سوريا، فإنه لا يبدو أن «قسد» تتخذ خطوات لتنفيذ الاتفاق، ولا تزال تتحدث عن الحكم الذاتي في شمال شرقي سوريا.

وتضغط تركيا من أجل تنفيذ الاتفاق بين «قسد» ودمشق، وحل «وحدات حماية الشعب الكردية»، ووقف الدعم الأميركي لها في إطار التحالف ضد تنظيم «داعش»، عبر دعم حكومة دمشق في مهمة مكافحة التنظيم وحراسة السجون والمعسكرات التي تؤوي عناصره وعائلاتهم، وتشكيل تحالف إقليمي يتولى هذه المهمة بعد انسحاب القوات الأميركية، وحل قوات «قسد».

وفي هذا الإطار، كشفت مصادر بوزارة الدفاع التركية، الخميس، عن إنشاء مركز عمليات مشترك بين تركيا وسوريا والأردن، في دمشق؛ لبدء العمل الإقليمي ضد «داعش».

———————————

مبعوث ترمب إلى سوريا: سياسة واشنطن تجاه دمشق ستتغير بعد فشل النهج القديم/ إيلي يوسف

البنتاغون: سنبقى جاهزين لمواصلة ملاحقة فلول «داعش»

3 يونيو 2025 م

قال المبعوث الأميركي الجديد إلى سوريا إن الولايات المتحدة ستقلص وجودها العسكري في سوريا إلى قاعدة واحدة بدلاً من ثمانٍ، وإن سياسة واشنطن تجاه دمشق ستتغير؛ «لأن ما انتهجته لم ينجح» على مدى القرن الماضي.

وينشر الجيش الأميركي نحو ألفي جندي في سوريا، معظمهم في الشمال الشرقي. وأدلى توماس براك، الذي عينه الرئيس دونالد ترمب مبعوثاً خاصاً، الشهر الماضي، بعد فترة وجيزة من رفع العقوبات الأميركية على سوريا بشكل غير متوقع، بهذه التصريحات في مقابلة مع قناة «إن تي في» التركية، مساء الاثنين.

في ردها على أسئلة «الشرق الأوسط» حول انسحاب القوات الأميركية من سوريا، الذي أعلن عنه على لسان توماس برّاك، أحالت المتحدثة باسم البنتاغون، باتريسيا كروزبيرغر، الأسئلة المتعلقة بهذه المسألة إلى إعلان توحيد القوات في أبريل (نيسان) الماضي، الذي جاء في بيان المتحدث باسم البنتاغون، شون بارنيل، أن «الولايات المتحدة ستدمج قواتها في سوريا ضمن قوة المهام المشتركة، عملية (العزم الصلب)، في مواقع مختارة في البلاد، مما يُقلص الوجود الأميركي في سوريا إلى أقل من 1000 جندي».

وقال بارنيل آنذاك: «مع حدوث هذا التوحيد، وتماشياً مع التزام الرئيس ترمب بالسلام من خلال القوة، ستظل القيادة المركزية الأميركية مستعدة لمواصلة الضربات ضد فلول (داعش) في سوريا».

ومع ذلك لم يشر البنتاغون إلى مستقبل القواعد العسكرية التي ستتسلمها قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وما إذا كانت ستبقى تحت سيطرة تلك القوات أم أنها ستسلمها لاحقاً إلى الجيش السوري، في ظل العملية السياسية الجارية بين الأكراد والحكومة السورية، وعن موقف تركيا ومستقبل علاقتها مع الإدارة الذاتية القائمة في شمال شرقي سوريا.

وانسحب المئات من القوات الأميركية من سوريا، وفقاً لمسؤولين أميركيين أوضحوا أن ما يقدر بنحو 500 جندي قد تم سحبهم في الأسابيع الأخيرة، وتم إغلاق العديد من القواعد الأميركية أو تسليمها إلى قوات سوريا الديمقراطية.

وأفادت محطة «فوكس نيوز»، الاثنين، بإغلاق قاعدة «القرية الخضراء»، بينما جرى تسليم قاعدة «الفرات» إلى قوات سوريا الديمقراطية، في حين جرى إغلاق قاعدة ثالثة. كما تم نشر عدد من القوات في أماكن أخرى، وأن القواعد تم إغلاقها أو تسليمها خلال الشهر الماضي.

وكان السفير الأميركي في تركيا، توماس برّاك، مبعوث الرئيس ترمب إلى سوريا، قد أعلن عن العديد من المواقف، خلال الساعات الماضية، من بينها السحب التدريجي للقوات الأميركية من كل القواعد في سوريا، وموافقة واشنطن على ضم المقاتلين الأجانب إلى صفوف الجيش السوري.

تقليص لأسباب عسكرية

وقال برّاك، في مقابلة مع قناة «إن تي في» التركية، في وقت متأخر من يوم الاثنين: «إن تقليص مشاركتنا في عملية (العزم الصلب) يحدث على أساس عسكري»، وأضاف: «لقد انتقلنا من ثماني قواعد إلى خمس قواعد ثم إلى ثلاث قواعد. وسننتقل في النهاية إلى قاعدة واحدة». لكنه اعترف بأن سوريا لا تزال تواجه تحديات أمنية كبيرة تحت قيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.

وتحتفظ واشنطن بقوات في سوريا منذ سنوات، بوصفها جزءاً من الجهود الدولية لمحاربة تنظيم «داعش» الذي استولى على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق المجاور قبل أكثر من عقد؛ لكنه مُني بهزائم في البلدَيْن لاحقاً.

وحافظت الولايات المتحدة على شراكة مع قوات سوريا الديمقراطية، لعدة سنوات، معتبرةً إياها حاسمة في الحرب ضد «داعش». وعلى الرغم من تحفظات إدارة ترمب بشأن التعامل مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، فقد رفعت العقوبات المفروضة على سوريا، ممهدة الطريق أمام الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لدخول السوق السورية والمساعدة في بدء مسار التعافي.

وقدمت واشنطن للحكومة السورية قائمة شروط في وقت سابق من هذا العام، تشمل طرد المقاتلين الأجانب من البلاد، بالإضافة إلى إبعادهم من المواقع العسكرية أو الحكومية الرسمية، ومنع إيران ووكلائها من إعادة ترسيخ موطئ قدم لهم، وغيرها. غير أن واشنطن أعلنت، الاثنين، بشكل مفاجئ عن موافقتها على خطة وضعتها دمشق لدمج المقاتلين الأجانب في الجيش، في تغيير كلي لموقفها السابق.

هذا وأفادت قناة «تلفزيون سوريا»، اليوم الثلاثاء، بأن الرئيس أحمد الشرع سيزور الولايات المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. ونقلت القناة عن مصادر لم تسمِّها القول إن زيارة الشرع المرتقبة للولايات المتحدة في سبتمبر تتضمن إلقاء كلمة في الأمم المتحدة، مشيرةً إلى أنها ستكون الأولى لرئيس سوري منذ 60 عاماً.

———————————

حكومة الشرع هدف “داعش” الجديد في سوريا/ صبحي فرنجية

“المجلة” تنشر شهادات ومقابلات لعناصر خرجوا من سجون “قسد”

آخر تحديث 03 يونيو 2025

مضى أكثر من ست سنوات على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب هزيمة تنظيم “داعش” بنسبة 100 في المئة” على حد قوله يوم 22 مارس/آذار 2019، إلا أن قوات التحالف الدولي ما زالت موجودة في سوريا حتى يومنا هذا، تحارب خلايا التنظيم، إضافة إلى جهود إقليمية وسورية كبيرة في الوقت الراهن لمواجهة خطر التنظيم الذي اعتقد العالم أنه انتهى في مارس 2019.

خلايا تنظيم “داعش” خلال السنوات التي تلت الإعلان الأميركي أعادت بناء نفسها، وإمكانياتها، وطورت وسائل تواصل بينها وبين قادة وعناصر التنظيم الموجودين في سجون “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، السجون التي تحتوي على قنبلة موقوتة، قد تصل نيرانها أبعد من الجغرافيا السورية.

اطلعت “المجلة” على 18 محضرا لمقابلات مع عناصر من “داعش” أمضوا سنوات طوال في سجون “قسد”. وقد أجريت هذه المقابلات لأغراض بحثية، حيث تكشف هذه المقابلات الكثير من التفاصيل حول ظروف السجون وكيف أثرت على عقلية التنظيم من خلال تقوية رغبته في الاستمرار، كما كشفت المقابلات عن استفادة قادة وعناصر “داعش” في السجون من الوقت لإجراء محاكمات فكرية لظروف نشأة التنظيم وأفوله، إضافة إلى قيامهم باستغلال فساد حراس وقضاة تابعين لـ”قسد” في السجون، ليتمكنوا من استعادة تواصلهم مع العالم الخارجي وخلايا التنظيم وقادته في البادية السورية ومناطق “قسد”، هذا التواصل كان له دور كبير في تنسيق الهجوم الشرس الذي شنّه التنظيم على سجن الصناعة في الحسكة عام 2022 الذي يحتوي على آلاف المقاتلين والقادة الذين حاربوا بين صفوف “داعش”.

وتكشف المقابلات والمعلومات التي حصلت “المجلة” على نصوصها عن إجماع شبه كامل لدى خلايا تنظيم “داعش” على أن الدولة السورية الجديدة هي هدف التنظيم القادم وأن “قتالها واجب”، وسط نقاشات معمّقة تمت بين عناصر وقادة التنظيم في سجون “قسد” من جهة، وبينهم وبين الخلايا خارج السجون من جهة أخرى، وذلك من أجل وضع خطط إضعاف الدولة السورية الجديدة، وتشتيت قدراتها، وشيطنتها لخلق فرص تجنيد عناصر جدد، خصوصا أولئك الغاضبين من توجهات الدولة السورية نحو الانفتاح مع الدول العربية والغربية، فضلا عن وضع خطط لمحاولة اختراق صفوف الحكومة السورية.

غرف مكتظة وظروف قاسية تزيد التطرف

كثرت السجون في منطقة شرق الفرات السورية منذ بدء المعركة الشرسة التي شنها التحالف الدولي بالتعاون مع “قسد” ضد “داعش” في سوريا عام 2016، وذلك عندما قال المتحدث باسم التحالف الدولي ستيف وارين في شهر أبريل/نيسان من العام نفسه خلال تصريحات صحافية إن المرحلة الثانية من الحملة الدولية ضد تنظيم “داعش” قد بدأت بالفعل. وأضاف: “المرحلة الثانية من الحرب على (داعش)، ستمكّن شركاءنا من تفكيك العدو، وتشتيت قواته وعزل مراكز جذبه وتحرير الأراضي التي يسيطر عليها”.

بعض السجون اكتظت بالمساجين فتم افتتاح سجون أخرى لتخفيف الضغط، وبحسب إحصائيات غير رسمية فإن “قسد” اليوم تُدير نحو 26 سجنا فيها 12 ألف سجين، الآلاف منهم تم اعتقالهم أثناء المعارك ضد تنظيم “داعش” وهم من جنسيات سورية، وعربية، وأجنبية.

وبحسب العناصر الذين تمت مقابلتهم، فإن الأوضاع كارثية في السجون كسجن الصناعة وسط الحكسة وسجن الرقة وسجن الكم الصيني في مدينة الشدادي، وأعداد السجناء في الغرفة الواحدة أكبر من سعتها، إضافة إلى نقص في إمكانيات النظافة والطعام، وحالات تعذيب في السجون جعلت الحديث الأبرز بين السجناء عن كيفية الانتقام من السلطات التي تُدير السجون فور خروجهم من السجن. كما أتاحت حالة الاكتظاظ هذه الفرصة أمام السجناء لإعادة ترتيب أفكارهم الخاصة بمستقبل التنظيم، خصوصا في ظل غياب أي برنامج داخل السجون لمحاربة الفكر المتشدد لهؤلاء العناصر، وإعادة تأهيلهم تمهيدا لخروجهم إلى العالم من جديد.

سالم (اسم مستعار)، 35 عاما، تم اعتقاله في عام 2018، يقول إن مرحلة التحقيق معه كانت في حقل التنك النفطي، ثم تم نقله إلى سجن الصور، لينتهي به المطاف في سجن الصناعة عام 2019، وبحسب سالم فإن “المهجع” الذي كان فيه مع نحو 140 سجينا لا يتسع لأكثر من 50 شخصا. ويتابع: “أثناء التحقيق كانوا يمارسون علينا كل أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، والصعق الكهربائي، والسجن الانفرادي عبارة عن قبر داخل قبر”. سالم فقد من وزنه الكثير، فقد دخل السجن بوزن 105 كيلوغرامات، ليصل بعد سنوات إلى نحو 60 كيلوغراما، على حد تعبيره.

لؤي (اسم مستعار)، 28 عاما، تم اعتقاله عام 2018، هو الآخر انتهى به المطاف في سجن الصناعة لاحقا، يصف السلطات المحلية في شرق الفرات بأنها “ملحدة”، وعدّ الوضع في السجن بأنه كارثي، وأن كثيرا من السجناء الذين تم إيداعهم في الغرف المنفردة كادوا يصابون بالجنون، حتى إن بعضهم كان يواجه صعوبة في النوم لأيام طويلة. كما يقول رافع (اسم مستعار)، 41 عاما، والذي تم وضعه في السجن نفسه، إن التحقيق كان يجري باللغة الكردية بوجود مترجم، وإن “أي كلمة تخرج من السجين عن سياق التحقيق كانت نتيجتها الضرب المبرح بالعصا الغليظة”.

أما أحمد (اسم مستعار)، 38 عاما، فاعتقل عام 2020، ليُصار إلى وضعه في سجن الكم الصيني، فيقول بلغة وصفية إن “لحظة دخولك السجن هذا تقطع علاقتك تماما مع العالم النظيف والظروف الإنسانية، النظافة كلمة غريبة جدا هناك، يمكن أن تُمضي شهورا طويلة قبل أن تصل إلى صنبور المياه للاستحمام، والتهوية هناك كلمة غائبة عن قاموس السجن، فالهواء يحمل معه روائح أجساد الناس المتسخة ممزوجة بروائح القذارة الموجودة في السجن”.

في سجن الرقة، لم يكن الوضع أفضل من سجني الصناعة والكم الصيني، فبحسب أبو محمد (اسم مستعار)، 27 عاما، فإن الغرفة التي كان يوجد فيها بسجن الرقة كانت تحتوي على 40 سجينا، وأن غالبيتهم كانت اتهامات اعتقالهم هي “نشر الفكر المتطرف عبر الإنترنت، التجنيد لصالح التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي”. أبو محمد يقول إن أحد المساجين في الغرفة نفسها وجد ميتا في أحد الأيام، نتيجة نقص العلاج والرعاية الطبية هناك، وذلك بعد معاناة امتدت لأيام مع آلام حادة في الصدر. يضيف أبو محمد أن بعض المساجين الذين عانوا من “الجرب” كانوا “يحكّون” أجسادهم بشدة نتيجة الألم “ما سبّب نزيفا في جلود البعض، دون وجود علاج كافٍ، إضافة إلى الانتشار السريع للأمراض الجلدية بين المساجين بسبب الاكتظاظ والتصاق السجناء ببعضهم في الغرفة الواحدة”.

جميع من تمت مقابلتهم تحدّثوا عن الأوضاع السيئة للسجون، حتى إن بعضهم تحدّث عما سموه “انتهاكات للقيم الإنسانية في التعامل”، وأن “التعذيب، والعزل، والإهانة، والمعاملة السيئة كانت الحديث الأبرز بين السجناء” الذين كانوا في الوقت نفسه يخططون للانتقام- في اللحظة المناسبة- من كل شخص عرفوه ضمن السجن، و”كان طرفا في تعذيبهم وإهانتهم”، كما كان السجناء يبذلون جهدهم  لنقل معلومات عن أوضاع السجون إلى عناصر التنظيم خارج السجن عبر طرق تواصل تتم من خلال استغلال وجود قادة وعناصر مسؤولين عن حماية السجن تقاضوا المال مقابل إدخال هواتف ورسائل إلى المساجين.

تجدر الإشارة إلى أن تنظيم “داعش” استخدم عبر سنوات سيطرته على المناطق في سوريا والعراق على العنف العلني بحجة “الترهيب”، فهو الذي نفّذ إعدامات ميدانية جماعية في دير الزور والرقة، إضافة إلى قطع الرؤوس أمام الناس في الساحات العامة، ونشر فيديوهات مُعدّة بشكل احترافي يعرض فيها التنظيم طرق إعداماته من قطع الرؤوس، والذبح، وتفجير المعتقلين، والحرق، والإغراق، إضافة إلى فيديوهات تُظهر أطفالا يقومون بتنفيذ عمليات الإعدام. مشاهد كثيرة يصعب إحصاؤها، صدمت العالم، وقادت إلى تشكيل تحالف دولي وتحالفات سورية لمواجهة التنظيم من قبل جميع القوى المسلحة في سوريا.

فساد يُتيح الفرص للتنسيق والتواصل

لم يكن دخول السجن بالنسبة لكثير من عناصر “داعش” نهاية الحكاية، بل كانت مرحلة مؤقتة على حد تصوّرهم، فهم وبعد فترة وجيزة استغلّوا وجود حراس وسجانين وقادة من “قسد” توّاقين للحصول على المال، فقام عناصر التنظيم بتحويل هؤلاء إلى نقطة ارتكاز لهم لتحقيق عدة مكاسب منها حسن المعاملة في السجن والحصول على طعام جيد وأماكن جيدة والاستحمام الدوري، ومن المكاسب أيضا الوصول إلى خارج السجون عبر رشوة بعض القضاة، أو الحصول على هواتف للتواصل مع خلايا “داعش” الموجودة خارج السجن سواء في منطقة سيطرة “قسد” أو في البادية السورية جنوب دير الزور، عملية التنسيق مع هؤلاء الحراس والسجّانين كانت تتم من خلال عناصر التنظيم داخل السجن وخارجه.

وبحسب ما قاله المساجين الذين تمت مقابلتهم، يتم إدخال هواتف محمولة مزوّدة بخطوط جاهزة “عن طريق الحراس المتعاونين مع التنظيم والذين تتم رشوتهم من قبل عناصر التنظيم في الخارج”، وأحيانا تصل تكلفة تهريب الهاتف المحمول مع الخط للسجين إلى 3 آلاف دولار أميركي، يُضاف إليها دفعات دورية على سبيل شحن بطارية الجهاز أو شحن الخط كلما انتهت الباقة الخاصة به. الدفع مقابل هذه الخدمات كان يتم عبر خلايا التنظيم النشطة في الخارج من خلال طريقة تواصل خاصة بين الأطراف الثلاثة.

الهواتف يتم تهريبها إلى القياديين في التنظيم في المهاجع، وهؤلاء يكونون صلة الوصل بين الخلايا التابعة للتنظيم خارج السجن، وبقية العناصر الموجودين داخله والذين ما زالوا يوالون التنظيم وينتسبون إليه، وبحسب كثير ممن تمت مقابلتهم فإن عملية التواصل كانت موجودة بين قادة التنظيم داخل وخارج السجن فيما يخص تنسيق عمليات “داعش” خارج السجن، وعمليات تهريب الأجهزة ورشوة حراس السجن، أو عمليات تهريب عائلات عناصر التنظيم من مخيم الهول، إضافة إلى عمليات الرشوة الخاصة ببعض القضاة لإخراج قادة وعناصر للتنظيم من السجن من خلال تخفيف التهم الموجهة إليهم، أو من أجل استصدار قرارات إفراج مزورة حيث يتولى حراس متعاونون مع الخلايا- مقابل المال- مهمة إخراج العناصر من داخل السجن. وبحسب بعضهم فإن هناك عمليات تنسيق تتم حول قرارات اغتيال أشخاص خانوا التنظيم أو يعملون لصالح “قسد” داخل السجن أو خارجه، إضافة إلى ذلك يتم استخدام هذه الهواتف لأغراض التواصل بين المساجين وخلايا التنظيم المتبقية في مخيم الهول.

عمليات التواصل هذه أبقت التنظيم على الحد الأدنى من التنسيق، سواء لعمليات التهريب أو الهجمات أو  إيصال معلومات عن الاستراتيجيات التي يتخذها التنظيم خارج السجن، وقد تكون الهجمات التي نفذها تنظيم “داعش” لكسر حصون سجن الصناعة هي إحدى ثمار هذا التنسيق بين الخلايا الموجودة داخل السجن وخارجه، حيث كانت الهجمات منظمة بين الخلايا، فحدثت تحركات متزامنة داخل السجن وخارجه في آن واحد.

سجن الصناعة كثمرة تواصل

مساء يوم 20 يناير/كانون الثاني عام 2022، شن تنظيم “داعش” هجمة شرسة على سجن الصناعة الواقع في حيّ غويران بالحسكة، والذي يحتوي على نحو 5 آلاف مقاتل من تنظيم “داعش” من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية. الهجوم بدأ بين الساعة السادسة والسابعة مساء عبر إرسال التنظيم لعربتين مفخختين الأولى توجهت نحو الباب الرئيس للسجن، والثانية على خط متوازٍ يبعد عن البوابة قرابة 200 متر، وبعد انفجار العربتين فورا، شنت مجموعات “انغماسية” هجمات لدخول السجن أدت إلى انهيار سريع لكل البنية الأمنية التي وضعتها “قسد”، ودخل عناصر التنظيم إلى السجن لكسر الجدر الموصلة إلى المهاجع. في هذه الأثناء كان عناصر التنظيم داخل السجن يشنون حملات هجوم على حرس السجن، ويقتلون كل من كانت أسماؤهم على قائمة الاغتيال والذين كانوا جزءا من منظومة التحقيق أو التعذيب، فضلا عن أن الهجمات الداخلية لم تستثنِ أي أحد من العاملين في السجن. حتى صباح 21 يناير/كانون الثاني 2022، كان تنظيم “داعش” قد سيطر على السجن كاملا تقريبا وقتل كل العاملين في السجن والحرس، وبدأت عملية تهريب السجناء بعد السيطرة على مستودع أسلحة كان في السجن. ويقول سالم إن “بعض المساجين الذين عرفوا جلاديهم أثناء أحداث سجن الصناعة انتقموا منهم وقتلوهم وقطعوا رؤوسهم”.

قوات التحالف و”قسد” استطاعت السيطرة على السجن مرة أخرى بعد سبعة أيام من العمليات العسكرية هناك، والتي أدت إلى اعتقال نحو 3500 مقاتل من التنظيم الذين كانوا داخل السجن، دون معرفة كثير من المعلومات عن مصير نحو أكثر من ألف سجين سواء كانوا قُتلوا أم فرّوا. هذا الهجوم المنسق والمنظّم أثبت أن التنظيم ما زالت لديه القدرة على التنسيق وتنفيذ عمليات نوعية. فاتخذ التحالف و”قسد” إجراءات مشددة داخل السجن، ووضعوا كاميرات مراقبة، وبحسب كثير من المساجين فقد تم تقليل كميات الطعام على المساجين. الإجراءات الأمنية لم تكن توازي قدرة التنظيم على التأقلم، فحتى بعد تشديد القبضة الأمنية على المساجين بعد هجمات سجن الصناعة فإن عناصر التنظيم استطاعوا مجددا إدخال الهواتف المحمولة واستئناف التواصل مع الخلايا الخارجية، ومع بعض الخلايا في المخيمات التي تديرها “قسد” مثل مخيم الهول.

ويشير مزاج بعض العناصر الذين تمت مقابلتهم إلى وجود دفعة عاطفية إيجابية قوية بعد هجمات سجن الصناعة، كما أن “أحداث سجن الصناعة كانت نقطة تحول بالنسبة لمقاتلي التنظيم الموجودين في السجن، فقد أثبتت أن السجن لا يعني النهاية”، كما أن الهجمات التي نفذتها خلايا التنظيم في سوريا فتحت الباب للمساجين من أجل إجراء مراجعات دقيقة ومفصلة لمراحل نشأة التنظيم، وقوته، وأفول سيطرته على المناطق في سوريا والعراق، هذه المراجعات التي سمحت ظروف السجن بها- حيث إن الغرف مكتظة بالمساجين- وصلت إلى مراحل رسم استراتيجيات لمستقبل التنظيم وطرق إعادة إحيائه بالاستفادة من أخطاء الماضي.

مراجعات فكرية ورسم معالم  استراتيجية جديدة

ساعات طويلة يُمضيها العناصر مع القادة الموجودين بينهم، يتحدثون خلالها عن الدين والدولة وتنظيمهم الذي سيطر على مساحات واسعة دون أن يتمكن من الحفاظ عليها لفترة طويلة، يدرسون استراتيجيتهم القديمة بإيجابياتها وأخطائها، بمن كان معهم ومن خانهم، و”الاختلافات بين القادة التي أدت إلى إضعاف قوة التنظيم وانهيار قدرته الجغرافية”. هذه المراجعات لم تكن تتم داخل السجن وتنتهي فحسب، بل كانت مخرجاتها تسير عبر الهواتف والرسائل إلى الخلايا خارج السجن، ليُصار إلى تمحيصها ومحاكمتها، وتتحول في نهاية المطاف إلى نقطة ارتكاز تعتمد عليها الخلايا في عملياتها أو سكونها.

يقول لؤي إن المساجين في سجن الصناعة “يتبادلون الأفكار، يخططون للمستقبل، يؤكدون بينهم أن الحرب لم تنتهِ وأن دولة الخلافة ستعود”، ويشير إلى أن بعض النقاشات تتم حول الظروف الممكنة التي ستساعد التنظيم لإعادة قوته، كفائدة الفوضى، وآليات التجنيد بالاعتماد على استراتيجيات جديدة، وطرق استغلال الثغرات الأمنية والخلافات بين القوى الموجودة في سوريا.

كما يقول أبو محمد، إنه في سجن الرقة كانت النقاشات أحيانا حادّة، حيث أسمع أصواتهم وهم يتهمون بعضهم البعض بالضلال أو الخطأ أو الخروج عن المنهج، ومن بين النقاشات التي سمعها أبو محمد أن مجموعة من العناصر كانوا يطالبون بتغيير جذري للتكتيك القديم الذي استخدمه التنظيم، واعتماد تكتيكات جديدة مثل التحول قليلا إلى المرونة والتكيف مع الظروف المتغيرة، لكن دون أن يكون هناك تغيير في الثوابت القائمة على إقامة دولة الخلافة من جديد.

ويمكن تلخيص طبيعة تلك النقاشات ومخرجاتها- بحسب ما ذكره الأشخاص الذين تمت مقابلتهم- في النقاط التالية:

حدثت نقاشات حول الأخطاء التي ارتكبها قادة التنظيم باعتقادهم أن القوة والقتل والترهيب تكفي للسيطرة على الأرض، وبحسب النقاشات فإن ذلك لم يكن صحيحا واستدلوا باستنتاجهم بمساعدة المدنيين لأي قوة حاربت التنظيم، مما يعني أنهم لم يستطيعوا كسب الناس، كما أن من الأخطاء المتصلة بالقوة والترهيب هي الخطاب المتشدد جدا، والذي لم يفهمه الناس، ما أدى إلى عزل التنظيم لنفسه عن القاعدة الشعبية.

من خلاصات النقاشات التحول من فكر الدولة- مؤقتا- إلى فكر الخلايا السرية، وذلك من خلال إعادة الهيكلة التنظيمية للتنظيم، واعتماد مبدأ اللامركزية للخلايا، حيث يتم إرسال الاستراتيجية والأهداف للخلايا من قبل القيادات، ويُترك أمر التنفيذ لقادة الخلايا. وبذلك يصعب على القوى متابعة الخلايا واستهدافها بشكل كامل.

ضرورة التركيز في الوقت الحالي على ما يطلقون عليه اسم “الدفاع الجهادي”، بمعنى القيام بالعمليات الخاطفة والصغيرة، وعدم الدخول في معارك كبرى تؤدى إلى خسائر فادحة تُضعف خلايا التنظيم أكثر، وبحسب النقاشات التي تمت بينهم فإن هذه الاستراتيجية في الوقت الراهن تخدم التنظيم من عدة نواحٍ: خسائر أقل، خلق فوضى وثغرات أمنية تساعد الخلايا على التحرك أكثر، والحصول على فرصة أكبر لتجنيد مقاتلين جدد في التنظيم.

أهمية تشكيل شبكات سريّة تتمحور أعمالها على توفير الدعم المالي واللوجستي للخلايا، دون أن يكون لدى هذه الشبكات علم بأي تفاصيل عن طبيعة العمليات أو مكان الخلايا، بحيث يكونون بمعزل عن التنظيم وعملياته لكنهم يخدمون مصالحه المالية في الوقت ذاته.

بعض النقاشات أيضا تمحورت حول كيفية تشتيت الجهود الدولية، وذلك من خلال التواصل مع قادة التنظيم وقادة المجموعات المسلحة التي تشبه توجه التنظيم خارج إطار الجغرافيا السورية، والتنسيق معهم لتنفيذ عمليات في تلك المناطق تستهدف المصالح الدولية، لتخفيف الضغط على التنظيم في سوريا.

درست النقاشات أيضا ضرورة استخدام الإعلام كوسيلة من أجل نشر أفكار جديدة عن التنظيم-تكون أقل تشددا في المرحلة الأولى- تمهيدا لتجنيد الشباب، ويرون أن الإعلام يمكن أن يكون حجر أساس في “تكوين قاعدة صلبة من الأنصار المؤمنين بالمنهج، ويكونون رأس حربة في المستقبل لتنفيذ العمليات أو استقطاب الشباب”.

كل هذه النقاشات ونتائجها ترى طريقها إلى خارج السجن، ولعلّ أحوال التنظيم اليوم واستراتيجياته الجديدة يمكن رؤيتها من نافذة هذه النقاشات، فالتنظيم بعد سقوط النظام السوري لم يقم بعمليات واسعة، بل ما زال معتمدا على مبدأ الخلايا والهجمات السريعة والصغيرة في منطقة “قسد” ومناطق الدولة السورية، بالإضافة إلى استغلال حالة التأرجح الأمني في سوريا لنقل خلاياه والعناصر من مناطق متفرقة نحو مناطق “قسد”، والبادية السورية، وحمص، ومناطق تُحسب جغرافيا على محافظات الساحل السوري.

وبحسب المعلومات فإن تنظيم “داعش” يعمل اليوم على التجنيد، واستغلال غضب بعض الفصائل من الدولة السورية الجديدة وتوجهاتها من خلال تكثيف التواصل مع الغاضبين وتهيئة الأرضية المناسبة لتجنيدهم أو التنسيق معهم في شنّ عمليات ضد مؤسسات الدولة السورية وموظفيها، كما أن التنظيم من المرجح أن يقوم باستغلال الغاضبين وتحويلهم إلى “جواسيس” داخل أجهزة الحكومة، فضلا عن قيامه بتشجيع عناصره للانضمام إلى الأمن العام والجيش عن طريق أبواب الانتساب التي فتحتها الدولة السورية.

الحكومة السورية هدف التنظيم

جميع العناصر تمت مقابلتهم بعد سقوط النظام- خلال شهر فبراير/شباط الماضي- من بينهم 10 عناصر خرجوا في وقت سابق من السجون. الجميع قالوا إن “الدولة السورية بقيادة أحمد الشرع” هي دولة “علمانية” وأن قتالها “أمر حتمي”، ويقول سالم إن “الجولاني وجماعته منذ أن خرجوا عن عباءة الدين نحو حبّ السلطة قبل سنوات تحولوا إلى مشركين، وعناصر الجولاني هم مرتدون وعملاء”، ويضيف أن التنظيم يرى الشرع “عبارة عن عميل للغرب تم وضعه في دمشق”.

لؤي يقول أيضا إن عناصر التنظيم داخل السجن وخارجه يُجمعون على أن الدولة السورية الجديدة هي هدف للتنظيم، ويرون أن الشرع ودولته “يتعاونون مع الفصائل العلمانية والدول العربية والغربية وتركيا”، أما رافع فيرى أن قادة الدولة السورية الجديدة “يُظهرون موالاتهم للطواغيت ويناصرونهم على المسلمين، وهذا كفر صريح”.

وبحسب الذين تمت مقابلتهم، فإن كثيرا من النقاشات التي تمت في السجن ومع خلايا التنظيم في الخارج كانت حول آليات إضعاف الدولة السورية الجديدة وشيطنتها وقادتها، بحيث يمكن استغلال حالة الضعف وتعزيزها من أجل خلق فرص ملائمة لاستهداف الدولة السورية ورموزها، وفي خارج السجن تدرس الخلايا إمكانية إعادة التموضع بين المدنيين في مناطق لم يكن فيها التنظيم سابقا وذلك للتحضر من أجل شن هجمات خاطفة وسريعة ضد الدولة، إضافة إلى محاولة تجنيد عناصر جدد أو نشر الرعب من الدولة في نفوس بعض الفصائل الأجنبية التي كانت موجودة في مناطق “هيئة تحرير الشام” سابقا من خلال إقناعهم بأن الدولة السورية ستستهدفهم قريبا وتنهي وجودهم في سوريا، ما يجعلهم يبحثون عن حليف لضمان سلامتهم.

“داعش”… خطر تتحضر له الدولة السورية

لأول مرة منذ سقوط النظام، تبنى “داعش” يوم الخميس الماضي 29 مايو/أيار، هجوما ضد الحكومة السورية عبر معرفاته، وبحسب ما نشر التنظيم فقد “انفجرت عبوة ناسفة زرعها جنود (دولة الخلافة) مسبقا على آلية لميليشيا جيش سوريا الحرّة بمنطقة تلول الصفا”. وأضاف البيان أن “الهجوم أدى لمقتل عنصر وإصابة 3 آخرين”.

الهجوم الذي شنّه “داعش” جاء بعد أيام من عمليتين نفذتهما الحكومة السورية في حلب وريف دمشق ضد خلايا “داعش”، أسفرت عن اعتقال عدد من عناصر التنظيم ومقتل آخرين، فضلا عن مصادرة أسلحة وعبوات ناسفة كان التنظيم ينوي استخدامها في هجماته ضد الحكومة السورية والسوريين.

يقول محافظ دير الزور غسان السيد في حديثه مع “المجلة” إن خطر الميليشيات الإيرانية وخطر تنظيم “داعش” من أبرز المخاطر التي تواجهها المحافظة، مؤكدا أن خطر “داعش” قائم في محافظة دير الزور والبادية، وهو خطر حقيقي، موضحا أن هناك عمليات تهريب تتم من مناطق “قسد” نحو محافظة دير الزور، والبادية، وأن لدى الدولة السورية معلومات حول نشاط التنظيم وتعمل على مواجهته بكل السبل الممكنة.

كما تحدّثت “المجلة” مع عدد من قادة الأمن العام في الحكومة السورية حول خطر “داعش” القادم، والجهود المبذولة لمواجهة هذا الخطر، الجميع أكدوا أن جهودا كبيرة يتم بذلها لمراقبة نشاط “داعش” وخلاياه وسبل تجفيف قدراتهم العسكرية والرقمية، إضافة إلى أن الدولة السورية أرسلت الكثير من التعزيزات إلى مناطق وجود الخلايا كبادية دير الزور وتدمر ومنطقة الحماد وغيرها من المناطق المفتوحة على الصحراء السورية. هذه التعزيزات تضمنت أيضا إرسال عناصر على الحدود السورية العراقية لمنع التهريب الذي يمكن أن تقوم به خلايا “داعش”.

لا شك أن الدولة السورية وحدها لن تكون قادرة على مواجهة خطر “داعش” بسرعة، خصوصا في ظل وجود توترات وعدم استقرار أمني بين الحكومة وبعض القوى العسكرية سواء في جنوب البلاد أو في شرقها. يُضاف إلى ذلك خطر جدّي آخر يتمثل في بقايا النظام السابق، وبعض العناصر السابقين ضمن الميليشيات الإيرانية والذين ما زالوا على تواصل مع الميليشيات التابعة لإيران سواء في لبنان أو العراق. عدم قدرة الحكومة على وضع كامل إمكانياتها لمواجهة التنظيم في الوقت الحالي يفتح الأبواب أمام فرص تعاون إقليمي ودولي مع الحكومة السورية وتنسيق مشترك من أجل دعم الجهود السورية والدولية للقضاء على “داعش” ، وهو أمر لن ترفضه دمشق التي أبدت استعدادا له من خلال الاعتماد على معلومات من قبل الجانب الأميركي في شهر يناير/كانون الثاني من العام الجاري، حيث نشرت صحيفة “واشنطن بوست” في الشهر نفسه تقريرا ذكرت فيه أن المخابرات الأميركية زوّدت دمشق بمعلومات عن مخطط لتنظيم “داعش” من أجل استهداف مزار السيدة زينب بريف دمشق.

ويمكن قراءة تصريحات المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، من دمشق يوم 29 مايو الماضي، في سياق التحالف المشترك الممكن بين واشنطن ودمشق لمحاربة تنظيم “داعش”، حيث قال باراك إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعتزم إعلان سوريا دولة غير راعية للإرهاب قريبا، موضحا أن الإدارة الأميركية تهدف إلى تمكين الحكومة في دمشق، وأن الجيش الأميركي أنجز ببراعة 99 في المئة من مهمته ضد تنظيم “داعش” في سوريا.

المجلة

——————————-

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى