الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعالتدخل الاسرائيلي السافر في سورياالشرع و المقاتلين الأجانب و داعشالعدالة الانتقاليةالعقوبات الأميركية على سورياتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةعن أشتباكات صحنايا وجرمانالقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 05 حزيران 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:

سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

————————–

 شرق أوسط جديد قيد التشكّل/ حسان الأسود

2025.06.04

اختزلت كلمات السفير الأميركي توم برّاك، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سوريا قبل أيامٍ عدّة، جزءًا كبيرًا من معالم المشهد الدولي الجديد والمتحرّك.

وضعت تلك السطور تصوّرًا عامًا ليس فقط لما تفكّر به الإدارة الأميركية الجديدة، بل لما يبدو أنّه ملامح النظام العالمي الجديد المتخلّق من رحم الصراعات، قديمها وحاضرها وجديدها الذي ما زال في طور التحضير. تطرّق السفير إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تمّت عملية إعادة تقسيم العالم بين الدول المنتصرة فيها. إثر تلك الحرب انهارت ثلاث إمبراطوريات كبرى، النمساوية المجرية، الروسية، والعثمانية، وتشكّلت دول جديدة. كان حلمُ العرب أن يعترف الحلفاء لهم بدولة مستقلة، وهذا كان جوهر محادثات حسين – مكماهون، والتي أثمرت عن دخول العرب الحرب إلى جانبهم في مواجهة الإمبراطورية العثمانية. لكنّ الذي حصل أنّه، وحسب قول السفير توم برّاك، “قبل قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط، وانتدابات، وحدودًا مرسومة، وحكمًا أجنبيًا. قسّم سايكس وبيكو سوريا والمنطقة الأوسع لتحقيق مكاسب إمبريالية، لا لتحقيق السلام. كلف هذا الخطأ أجيالًا. ولن نكرره.” فكيف سيكون مصير المنطقة الآن؟

يعالج السفير ذاتُه الأمر من وجهة نظر الإدارة الأميركية، فيقول: “لقد ولّى عصر التدخل الغربي. المستقبل للحلول الإقليمية وللشراكات، وللدبلوماسية القائمة على الاحترام. وكما أكد الرئيس ترامب في خطابه في 13 مايو/أيار بالرياض: (ولّت أيام التدخل الغربي التي كان يسافر فيها المتدخلون إلى الشرق الأوسط لإلقاء محاضرات عن كيفية العيش، وكيفية إدارة شؤونكم الخاصة)”. هكذا عبّر برّاك عن شكل التنافس الجديد، فسيكون للإقليم، الذي هو هنا الشرق الأوسط، كلمة في تحديد مصيره، وستكون الشراكة لا السيطرة بالقوّة الغاشمة هي الوسيلة، وسكون احترام الخصوصية في صميم هذه الشراكة. بعبارة واضحة إننا، نحن الأميركيين، لن نحاضر عليكم في المستقبل بحقوق الإنسان ولا بالديمقراطية أو غيرها. هذا اعتراف صريح بانعدام تأثير هذه الأدوات ما دامت مجرد وسائل لابتزاز الأنظمة. إنّه قرار مباشر بالذهاب إلى تلك الأنظمة والحكومات للاتفاق معها على حصصٍ واضحة ونِسَبٍ محددة وآلياتٍ فعالة للاستفادة المشتركة، وليس للنهب المنظّم والسيطرة بأدوات التدخل العسكري المباشر كما حصل خلال القرن الماضي.

كانت السياسة الأميركية قبل تسلّم إدارة ترامب متأرجحة وغير واضحة فيما يخصّ المنطقة العربية والشرق الأوسط عمومًا، فقرار إدارة أوباما التركيز على الصين، وتحديد الاستراتيجية الأميركية بالابتعاد نحو المحيط الهادئ لاحتواء العملاق القادم من الشرق، تغيّرت مع تسلّم ترامب ولايته الثانية. حاول خلال فترة رئاسته الأولى تفكيك بعض بنى الدولة العميقة التي ترسم الاستراتيجيات الكبرى، وانقطعت محاولته بفوز بايدن. الآن، وبعد أن تغيّر هو ذاته وأصبح أكثر نضجًا وقوّة، عاد ليتابع توجيه الاستراتيجية الجديدة. فيما يخصّ سوريا، كانت السياسة الأميركية تركّز على احتواء إيران، وكان الحذر من التورط في صراعٍ معقدٍ بينها وبين إسرائيل باديًا. بينما تركز واشنطن حاليًا على الملف النووي الإيراني وعلى مكافحة الإرهاب. ورغم أنها لن تتخلى عن حماية إسرائيل، لكنها لن تنظر للمنطقة بعيون الأخيرة، بل بعيون المصالح الأميركية المقدّمة على كل شيء الآن. من هنا خلت جولة ترامب من زيارة تل أبيب، فهذه التي تعوّدت أن تأخذ، ليس لها بند في جدول أعمال الرئيس القادم بطريقة تفكير مختلفة. ومن هنا هذه الحماسة في رفع العقوبات وتلك المرونة في إعطاء التسهيلات للإدارة السورية الجديدة. يرى كثيرون أنّ هذا جاء ثمرة ضغوط عربية متواصلة، وهم محقون في ذلك، لكنّ اللوحة الكبيرة تشير إلى تغيّر عالمي في مطارح التنافس وفي أدواته، كما تشير أيضًا إلى انزياحات في أولويات الحلفاء وتغيير في مصفوفات المصالح.

يُكمل السفير دورة التغيير، فيعود لأسباب الخراب الأولى، فهو بالأصل ابن هذه المنطقة، وإليها تنتمي عائلته. ليست الأعوام المئة التي تفصلنا عن حلم العرب بدولة تجمعهم بالفترة الزمنية الكبيرة، ففي عمر الشعوب هي شيء بسيط، والذاكرة لا تزال رطبة بالمرارة والمآسي التي سببتها تلك الخرائط المرسومة بفوّهات المدافع وعلى أشلاء أهل المنطقة وعلى حساب أحلامهم وحقوقهم. “ولدت مأساة سوريا في رحم الانقسام. يجب أن تأتي ولادتها الجديدة من خلال الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها. يبدأ ذلك بالحقيقة والمساءلة، والعمل مع المنطقة، لا حولها.” هكذا يحدد أساسيات جديدة للعمل المشترك، وإن صحّ وسارت الأمور وفق هذا النهج، فإنّ نقاط الارتكاز الثلاثة التي حددها تحتاج إلى تعريف بسيط لندرك أين سنضع أقامنا وأين ستكون رؤوسنا.

إن كانت الإجابات عمياء، فإنّ الأسئلة مُبصرة، فما هي الكرامة التي ستؤسس لمستقبل المنطقة وشعوبها، وهل ستشمل الفلسطينيين أيضًا إضافة لأشقائهم السوريين واللبنانيين، وهل سيفرض ترامب على إسرائيل القبول بمبدأ الدولة الفلسطينية فرضًا، وهل سيتم الانتقال إلى موجبات الدولة الحديثة التي لا تعيش مع الميليشيات، وهل ستكون الكرامة في البطون الشبعى فقط أم ستصل إلى العقول النيّرة، وهل

سيكون للمواطنين حقّ الاعتقاد والكلام كما سيكون لهم حق الأكل والشرب؟ مئات الأسئلة التي يمكن طرحها حول هذا الركن، الكرامة. أما الوحدة فهي السيف الذي قطع مشاريع التقسيم الإسرائيلية، وبنى جدارًا قويًا في وجه النزعات الانفصالية، لكنّ ذلك يحتاج لتحصين داخلي أيضًا، وهذه مهمة الدول وقياداتها ونخبها، بل هي مهمة كل فرد فيها. من لبنان إلى سوريا فالعراق وفلسطين والأردن ومصر… كلها دول بحاجة لإعادة ضبط إعداداتها، فالحداثة لا تكون فقط في الأجهزة العسكرية والأمنية، بل أيضًا في جوهر العلاقة بين المواطنين، وبينهم وبين دولتهم. التعاقدية التي قامت عليها الدولة في أوروبا لم تنتقل مع هياكل الدول إلينا، بل بقينا على إرث الرعية والراعي. هذا بالذات ما يجب تغييره حتى نحصّن الركن الثاني، أي الوحدة. أما الشعب الذي سيتم الاستثمار به، فهو الحصان الفتيّ الذي راهن عليه السفير، أو الذي يدعو الأنظمة الشريكة للمراهنة عليه. ويضع لذلك منطلقًا بسيطًا، لكنّه عميق وفعّال إلى أبعد الحدود، فالحقيقة هي ضالّة الناس، ولأجلها قامت الثورات، وبالمساءلة تُختتم حقبة غياب الحقيقة، وتبدأ حقبة جديدة، فيها يكون الإنسان هو الجوهر والغاية.

يختم السفير توم بالقول، “نحن نقف إلى جانب تركيا والخليج وأوروبا، هذه المرة ليس بالجنود والمحاضرات، أو الحدود الوهمية، بل جنبًا إلى جنب مع الشعب السوري نفسه. مع سقوط نظام الأسد أصبح الباب مفتوحًا للسلام، ومن خلال رفع العقوبات فإننا نمكن الشعب السوري من فتح هذا الباب أخيرا واكتشاف الطريق إلى الرخاء والأمن المتجددين.”، فهل يعيد التاريخ سيرة الرئيس وودرو ويلسون الذي كان ضدّ الإمبريالية التي قسّمت سوريا الكبرى وقضت على حلم العرب بدولة موحدة قوية في المشرق، وهل يكون ترامب هو المخلّص باعتباره الرجل الذي سيقفل حقبة ويبدأ أخرى، وهل استوت الظروف لهذا كلّه؟ لا أحد يعرف، وترامب لا يعمل وكيلًا لأحلامنا ومتعهدًا لرعاية مصالحنا، ونحن من يتوجب علينا القيام بمهامنا لنسير مع هذا العالم المتغير ولنصنع شرقنا الأوسط الجديد.

تلفزيون سوريا

————————–

سورية ليست مجرّد عقار/ علي العائد

04 يونيو 2025

إعادة الإعمار، والتطوير العقاري، والتحوّل الحضري، مصطلحات عابرة للسياسة، والاقتصاد، والتنمية البشرية، بمندرجاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومتداخلة في ما بينها أحياناً، لكنها جميعها تندرج تحت الاصطلاح الأشمل “التنمية البشرية”؛ فإذا كان اصطلاح إعادة الإعمار يستخدم في الفترات التالية للكوارث، ومنها الحروب، يبقى مصطلح التطوير العقاري وتجديد الأبنية، لأسباب اقتصادية وتجارية، يخصّ أصحابها، وينعكس ذلك على الاقتصاد الوطني، بينما يشمل التحوّل الحضري كل ما سبق، سواء تلا ذلك حرباً ما، أو كان لمواجهة كوارث محتملة، كالزلازل، بإعادة بناء الأبنية القديمة تحسّباً من حدوث زلزال عالي الشدة لا تقاومه الأبنية المفتقدة للعناصر الهندسية المطلوبة في مثل هذه الحالة.

كانت سورية، حتى ما قبل عام الثورة (2011)، في حاجة لإعادة إعمار، وتطوير عقاري، وتحتاج الآن إلى التحول الحضري العاجل، فالنظام الأسدي هدم البلاد بقوة تفوق أي شدّة للزلازل على مقياس ريختر.

مدرسيّاً، نبني المصنع أولاً، أم نبني الطريق إليه؟ من شدّة تزاحم الأولويات في سورية، تبدو الإجابة عن هذا السؤال مستحيلة، فالبلاد في حاجة لكل شيء، وكل عرض سيجد له طلباً، من الطعام والشراب، إلى الألبسة، إلى الخدمات الطبية والدواء، وقبل كل شيء أهم بندين، الأمن والتعليم.

من وجهة نظر غير بعيدة عن الحقيقة، وبشيء من الإيمان بنظرية المؤامرة، كان لا بد من التدمير لتصبح تكلفة إعادة الإعمار مجال تسابق بين عشرات الدول، ومئات الشركات. وما يقال هنا يشبه ما يقال عن تجار السلاح الذين يشعلون حرباً لتصبح بضاعتهم مطلوبة بشدة… كان التدمير الممنهج الذي مارسه النظام الأسدي، في النتيجة، بالوكالة عن شركات التطوير العقاري، وعن الشركات المنتجة لكل ما يتعلق بالكهرباء، من أجهزة وكابلات، وأبراج، ومحولات، وعن المموّلين الذين يربحون في كل الأحوال، فهم يقرضونك المال لكي تشتري منتجاتهم، من إسمنت وحديد للبناء، إلى مفروشات، وإكسسوارات،… إلخ. حتى إن النظام الأسدي في حساباته المستندة إلى القضاء على الثورة كان يِعِد الدول الداعمة وشركاتها بمنحها عقود إعادة الإعمار مكافأة لها على مواقفها الداعمة له خلال 15 عاماً من الحرب المدمّرة، ولا سيما روسيا، وإيران، والصين.

الآن، وقد اقترب موعد رفع العقوبات المفروضة على سورية، والشركات استعدّت بملفاتها للحصاد، يبدو تطوير مرفأي طرطوس واللاذقية وإعادة تشغيلهما، أو بناء برج ترامب، أو إنشاء مشروع مترو في دمشق، مجرّد لقمة صغيرة في أفواه شركات كبيرة، خصوصاً بالقياس إلى حجم البنية التحتية المتهالكة في سورية، جرّاء الحرب، وجرّاء حكم المافيا الأسدية طوال 55 عاماً، إذ مانعت المافيا الأسدية قيام أي مشروع عصري في سورية إلا بالمشاركة مع النظام وأزلامه، ممن اشترطوا على المستثمرين أخذ حصة في أي استثمار من دون أي مقابل (!)…، فعطّلوا إنشاء مترو دمشق منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كما ساهموا في إحجام المستثمرين السوريين وغير السوريين عن الدخول في دورة الاقتصاد السوري الذي كان دائماً أحوج ما يكون لكل أنواع الاستثمار.

وإذا كتن هذا حال النظام المخلوع، فإن حال النظام الحالي لم تُعرف بعد، وإن كانت النيات تشير إلى نظافة الكف، لكن هذه وحدها لا تكفي لبناء بلد حاله حال سورية. الخشية هنا من أن تُمنح المناقصات استنسابيّاً، أو بشبهة تفتقد إلى الشفافية، وبالانحياز لشركاتٍ من دول معينة بناء على اعتبارات يغلب فيها السياسي المعيار الاقتصادي.

سورية التي في حاجة إلى كل شيء، وبشكل عاجل وإسعافي، في حاجة أيضاً إلى الأبراج التجارية، مع مراعاة الخشية على المدن القديمة، وخصوصاً دمشق، باختيار مناطق بعيدة نسبيّاً عن أسوار دمشق القديمة، ففي المدينة القديمة، ومحيطها القريب، أينما حفرت ستجد طبقة من مدن أقدم مما يظهر لنا اليوم من المدينة… الأبراج مشاريع تجارية عصرية ومهمة، بدءاً من كونها قاطرة تنمية تمتصّ عشرات آلاف فرص العمل من قطاعات مختلفة في مرحلة التأسيس والبناء. ثم إنها تحرض خدمات تابعة تستفيد منها قطاعات كثيرة في كل مراحل البناء والتشغيل. ولاحقاً، عند بدء التشغيل، وبالنظر إلى التوقّعات من حجم هذه الأبراج وارتفاعها، ونوعية الخدمات التي تقدّمها، ستوفر آلاف فرص العمل بشكل مباشر، أو غير مباشر، هذا عدا عن المكاتب التجارية لشركات إقليمية وعالمية ستستغل شهرة هذه الأبراج للترويج لعملها في سورية، وفي الإقليم، لتعزيز مكانتها التجارية، وعقد سلسلة صفقات تُولد سلاسل من صفقات تساهم في تشبيك الاقتصاد السوري مع اقتصاد الدول المحيطة، ومع الاقتصاد العالمي، بالضرورة.

في هذه المرحلة، تبدو الفرصة السورية مقترنةً بالرشد الاقتصادي، وبالشفافية، وبالتشريعات المناسبة للبلاد، وللمستثمر الوطني، أو الأجنبي، مغرية تماماً للمستثمرين، فحجم استيراد مواد البناء بالنسبة للمستثمر سيمكّنه من الحصول على أسعار تفضيلية مع استدامة شبكة التوريد إلى المورّد. كما أن انخفاض تكلفة اليد العاملة مقارنة مع الجوار، والإقليم، والعالم، ستعيد اليد العاملة المهاجرة إلى سورية، وقد تحتاج البلاد إلى استقدام كل أنواع اليد العاملة الماهرة من دول أخرى، نظراً إلى تنوّع مشاريع البناء التي تحتاجها البلاد، ولحجم (واستدامة) هذه العملية من البناء التي ستستغرق سنوات طويلة من العمل المتواصل. سيولّد هذا الإغراء للمستثمر سلسلة من الاستثمارات التابعة، فالآلات الثقيلة ستدشّن مراحل التأسيس، وستستهلك ملايين الأطنان من الطاقة، والأبنية ستستهلك مئات ملايين الأطنان من الحديد والإسمنت والخشب والمعادن والزجاج؛ وكم من مستفيد في سلسلة متوالية من العمليات بعضها إلى أجل، وبعضها مستمرٌّ إلى أجل طويل. بالطبع، المستفيد الأكبر والأول هو مستحدث المشروع، ومن ثم الدولة، وما بينهما سوريون كثيرون ممن عملوا، أو ساعدوا، أو استفادوا من هذه المشاريع بشكل مباشر، وغير مباشر، وممن ستنعكس عليهم أموال الضرائب لتحسين الخدمات البلدية، وتوفير جودة أعلى في التعليم، والصحة، وغيرها.

عصب تحويل كل تلك الآمال إلى واقع هو المال، ممثلاً في البنوك، والخاصة منها تحديداً. وتستعدّ هذه البنوك لطي صفحة طويلة من الصبر، إذ حولت شركات تحويل الأموال، وشركات الصرافة، إلى ما يشبه البنوك، بالالتفاف على العقوبات المفروضة على البنوك، كون تلك الشركات لا تحتاج نظام سويفت، فاشتغلت بـ”الأسود”، حسب التعبير الدارج، واستفادت وأفادت النظام الأسدي، خصوصاً أن تجارته واقتصاده أكثر سواداً بالاعتماد على تجارة الكبتاغون.

الاقتصاد السوري، ممثلاً في المصرف المركزي، سيشجع البنوك على القيام بدورها خدمة للمستثمرين القادمين، فور رفع العقوبات. كما أن الدول المانحة، والداعمة للنظام السوري الجديد، ستمنح، على الأغلب، سورية شروطاً ائتمانية متساهلة، خاصة إذا تلقى الاقتصاد السوري جرعة مالية كبيرة على شكل ودائع من دول خليجية، فمن شأن وديعة بحجم عشرة مليارات دولار، مثلاً، أن تشكل مصدر ثقة للمستثمرين، والمقرضين، والمورّدين، ما يُسهم في استدامة تدفق الأموال، واستدامة عمل مشاريع البنية التحتية، ومن ثم إعادة الإعمار.

قد تجد سورية كفرصة عقارية عملاقة تفسيرها الأكثر مباشرة في المثالين التاليين: لبنان منذ بدايات الحرب اللبنانية يفتقد إلى الكهرباء. والشائع أن اللبناني يدفع فاتورة “كهربة الدولة”، وفاتورة الاشتراك في المولدات الخاصة التي يملكها أقطاب الطوائف من السياسيين اللبنانيين. وخلال خمسين سنة، لم تستطع الدولة اللبنانية إزاحة عبء الفاتورتين عن المواطن اللبناني لأسباب تتعلق بنفوذ أصحاب تلك المولدات. المثال الثاني انتشار استعمال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في سورية، خلال السنوات الماضية، بتكلفة تصل إلى ألفي دولار للاستعمال المنزلي، وبأضعاف هذا المبلغ للاستعمال الصناعي. في المثالين، سنجد أن الفرصة كبيرة في الاستثمار في القطاعين في سورية ولبنان. ولو أن الدولة اللبنانية صاحبة قرارها لجرى حل مشكلة الكهرباء فيها منذ عقود. أما في سورية، فالمشكلة في طور الحل، لكن بعد أن دفع السوريون، بالمفرق، مبلغاً يقرب من خمسة مليارات دولار، كأفراد، لتأمين الكهرباء في منازلهم. هذا بافتراض أن نصف عدد البيوت السورية اعتمدت هذه الطريقة. بالطبع، قد يزيد المبلغ أو ينقص، لكنه، في كل الأحوال، يكفي لإنشاء ما لا يقل عن ست محطات عملاقة لتوليد الكهرباء، وحل مشكلة الكهرباء جذرياً.

وهنا أيضاً فرصة سانحة، لكن للدولة والأفراد معاً هذه المرّة، فأجهزة توليد الكهرباء للمنازل من الطاقة الشمسية شركات صغيرة جدّاً، ولكن مجموع هذه الشركات إن جرى ربطه بشبكة توزيع الكهرباء، وهذا متاحٌ باشتراطات تقنية، سيحول المنازل إلى محطات كهرباء، بحيث يبيع المواطن الكهرباء للدولة، فتزداد القدرة الكهربائية في محطات التوزيع، ليستفيد منها النصف الآخر من السوريين الأشد فقراً، بينما تكون الدولة قد حصلت على كهرباء رخيصة، من دون أن تستثمر أي أموال تُذكر في الحصول على طاقة إضافية.

من هنا، سورية تحت الشمس هذه المرّة، بسكانها، وعقاراتها الآدمية، وبشمسها التي قد تكون فرصةً اقتصادية لكل السوريين.

العربي الجديد،

—————————

جولة بَحثيّة في سوريا الجديدة / مصعب الحمادي

2025.06.04

لا شك أن الملايين من السوريين الذين ما زالوا يعيشون خارج البلاد يتطلعون للعودة إلى الوطن وإن من باب الزيارة فقط في هذه المرحلة. ولا شك أن لدى الغالبية منهم مخاوف وتساؤلات بخصوص الأوضاع هنا مع كثرة الأحاديث – سواء الصادقة منها أم المزيّفة – عن ترهّل الدولة الجديدة وكثرة الحوادث الأمنية على امتداد البلاد.

في هذا المقال أريد أن أشارك مع السوريين في الخارج تجربتي في جولتي الثانية في ربوع بلدنا بعد عودتي من فرنسا قبل شهرين من الآن.

في جولتي الأولى التي قمت بها فور وصولي للبلاد زرت درعا والسويداء وحماه وإدلب وحلب. كنت وحدي وكان الهدف هو السياحة ليس إلا. ومع أني كنت مصدوماً وقتها بكثرة الحواجز واختلاف بذلات وهيئات المقاتلين الموجودين عليها حسب كل منطقة إلا أني لم أتعرض لأي حادث أو موقف وكانت الرحلة مبعثاً للسعادة والرضا الكامل لديّ.

أما رحلتي الثانية التي أنا بصدد الحديث عنها فقد تمّت لغايةٍ عمليّة وبهدف “الشغل.” فقد اصطحبتُ السيد روي غتمان، وهو الصديق والأستاذ الذي شجعني في بداياتي في الصحافة الأميركية، في جولةٍ بحثيّة في ربوع سوريا الجديدة شملت دمشق وإدلب وحلب وتضمنت لقاء مسؤولين حكوميين وفاعلين اجتماعيين وأناساً عاديين من مختلف المشارب.

السيد غتمان يعمل حالياً رئيساً لمجلس بالتيمور للشؤون الخارجية وهو كاتب وصحفي مخضرم دخل في العقد الثامن من عمره لكنه يمتلك همةً عالية جعلتني أشعر بالإرهاق أحياناً وأنا أحاول مجاراة نشاطه من مكانٍ إلى آخر ومن لقاءٍ إلى لقاء.

كان الهدف الأساسي من الجولة الإجابة على مجموعةٍ من الأسئلة العريضة بخصوص الثورة السورية وتجربة السوريين الناجحة في إدلب وكيف لهذه الروح الجديدة التي تتدفق في البلاد اليوم أن تصنع فرقاً وتضع سوريا في مصاف الدول المزدهرة في المنطقة.

قبل أن يبدأ صديقي روي زيارته حاول موظفوه في مجلس بالتيمور ثنيه عن القيام بالزيارة حرصاً على سلامته، فسوريا في نظرهم بلدٌ خطِر. وعندما كنا نركب في باص شركة الأمراء من حلب متوجهين إلى دمشق وصلته رسالة من أحد أصدقائه الأميركيّين تقول، “هل أنت مجنون؟ تسافر داخل سوريا بالباص؟”

تلقى روي رسالة الباص ضاحكاً بل هازئاً أيضاً. فالرحلة السورية برمّتها لم تكن آمنة فحسب بل رائعة ومثيرة أيضاً.

بدأت الجولة من دمشق وكانت الوجهة التالية إدلب. سافرنا عبر كراج البولمان في حرستا. ركبنا باص شركة الأهلية ووصلنا مدينة إدلب نحو الثامنة مساءً. بعد تناول شعيبيات إدلب في محل حلويات قرب برج الساعة عدنا للمبيت في الفندق الوحيد في المدينة. في اليوم التالي استقلّينا سيارة أجرة وسافرنا للشمال أكثر حتى الحدود التركية حيث أمضينا ليلتين في قرية “سرجبلة” الجبلية الرائعة قرب معبر باب الهوى مع تركيا. كانت الإقامة في منزل خاص يعود لأحد أقربائي. أمضينا يومين بين المهجّرين قسريّاً. طفنا على الآثار البيزنطية الساحرة في القرية مشياً على الأقدام وتعرفنا على مخيمين للنازحين هناك: المخيم الكويتي والمخيم القطري. وفي أثناء وجودنا في المنطقة زرنا قيادة المنطقة الشمالية في قوات الشرطة وتفاجأنا أن الشرطة هناك ليس لديهم عمل تقريباً. فالجرائم نادرة وإن حصل وأن وقعت عملية سرقة مثلاً يتم إلقاء القبض على الجاني في أقل من أربعٍ وعشرين ساعة. في مدينة سرمدا زرنا اثنين من المولات الخمسة الضخمة التي تم إنشاؤها في السنين الثلاث الماضية، ثم مضينا لتناول الغداء في مطعمٍ فاخر في قرية حزّانو أكلنا فيه ألذّ وجبة طعام في سوريا لم نجد لها مثيلاً أبداً لا سيّما في حلب التي بدت مطاعمها مُتعبة وبعيدة عن الإتقان رغم شهرة المدينة بمطبخها العريق وأكلاتها التاريخية.

باختصار كانت إدلب في حالةٍ سليمة أمنياً وخدمياً أكثر من أي مدينةٍ أخرى في سوريا، بما في ذلك دمشق. كما أن الروح المعنوية ومستوى التفاؤل والثقة بالنفس أعلى بكثير في إدلب مما هي عليه في باقي أنحاء سوريا. وعندما زرنا مبنى المحافظة في دمشق والتقينا الموظفين الجدد هناك وجدنا دماءً جديدة تجري فيها تسوقها مسرعةً إلى التطور والحداثة أساسها الكفاءات العلمية العالية التي أتت من إدلب سواء كان أصحاب الكفاءات من قرى إدلب أم من المهجّرين الدمشقيين الذين عاشوا بحرّيةٍ وكرامة في إدلب لسنين عديدة ثم عادوا إلى دمشق بخبراتهم الجديدة وطموحاتهم العالية لأجل إلحاق دمشق بالتقدم الحاصل بالشمال في أسرع وقتٍ ممكن.

أخبرَنا أحد المسؤولين القادمين من إدلب للعمل في المحافظة أنه صُدم ببطء شبكة الإنترنت في دمشق ورثاثة أجهزة الكمبيوتر وباقي التجهيزات التي اعتمد عليها موظفو المحافظة في عهد النظام البائد وشرح لنا خطط الحكومة الجديدة للنهوض بالوضع وتطوير التجهيزات والمعدات في أسرع وقتٍ ممكن.

إذا كانت هناك من ملاحظةٍ سلبية يمكن تسجيلها فهي انطواء الفئة الحاكمة على نفسها قليلاً وعدم انفتاحها بشكلٍ كافٍ بعد على باقي مكونات الشعب السوري. فهيئة تحرير الشام التي قادت معركة التحرير تفضّل الثقة على الكفاءة، والانسجام على المشاركة، وهو ما لا أرى فيه أي مبرّرٍ واقعي فحُكّام دمشق اليوم انبثقوا عن ثورةٍ شعبية قدمت مئات آلاف الشهداء واستمرّت أربع عشرة سنة.

أمرٌ آخر يستوجب اهتمام الدولة الجديدة هو بقايا من فساد النظام السابق يلمسُها المرءُ بين الفلول من الموظفين في الدوائر الحكومية والفنادق والمطاعم والمنشآت السياحية الخاصة ممن ما يزالون يحملون في تصرفاتهم جراثيم الرشوة والاحتيال وسوء الأدب أحياناً.

وفي المُجمل فإن ما أريد إخباره للسوريين في الخارج بعد هذه الجولة الجديدة هو أن الأوضاع في سوريا مستقرة، درجة الأمان عالية، والبلد بصدد تحقيق طفرة في النمو والتطور. وفي مقابل بضعة حوادث هنا وهناك تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي بشيءٍ من المبالغة، فإن هناك ملايين السوريين يمارسون حياتهم اليومية بأمنٍ وثقة وعزيمةٍ وتفاؤل. سوريا عادت ولم يبق إلا أن يعود باقي أبنائها إليها كي ينضمّوا إلى مهرجانٍ كبير عنوانه الحرية والكرامة والإعمار والتطور.

—————————–

شبكات تهريب المخدرات تغيّر طرقاتها وتحالفاتها على الحدود السورية/ ضياء الصحناوي

03 يونيو 2025

تصاعدت وتيرة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية أخيراً، في مشهد يعكس تحولاً خطيراً في آليات عمل شبكات تهريب المخدرات. فقبل أيام، اشتبكت قوات الأمن العام السورية مع مهربين في قرية أمبيا بريف دمشق الغربي، ما أسفر عن مقتل الضابط المسؤول عن أمن منطقة قطنا جميل مومنة (أبو الوليد)، ودفع الأجهزة الأمنية إلى محاصرة بلدات المشتبه بهم واعتقال العشرات.

وكانت السلطات الأردنية أعلنت، في 24 مايو/أيار الماضي، إحباط محاولتي تهريب عبر معبري نصيب وجابر على الحدود السورية ضبطت خلالهما 200 ألف حبة كبتاغون، إلى جانب إسقاط بالونات موجهة محملة بالمخدرات في البادية الشرقية. وأكد مصدر عسكري أردني لوسائل الإعلام وقتها أن هذه الحوادث تأتي ضمن “تصاعد غير مسبوق” لأنشطة التهريب. وقد دفع هذا الأمر بالأردن إلى شن ضربات جوية استهدفت مواقع مشتبها بها داخل الأراضي السورية، كان آخرها قصف منزل في قرية الشعاب في السويداء.

تحول جذري بطرق التهريب

وكشف عضو بارز في فصيل مسلح في السويداء عن تحوّل جذري في طرق التهريب، قائلاً، لـ”العربي الجديد”، إن المواد المخدرة “لا تزال تأتي بشكل أساسي من لبنان والعراق وإيران، لكن المسارات انتقلت من درعا والسويداء إلى البادية الشرقية الوعرة”. وأشار إلى أن جماعات بعضها متحالف مع بقايا تنظيم داعش سيطرت على عمليات النقل عبر نقاط كانت تُدار سابقاً من خلال بعض وحدات الجيش السوري المنحل، ما يعقّد المكافحة الأمنية لها.

وفي قرية الشعاب الواقعة في البادية الشرقية للسويداء، والتي كانت مركز انطلاق المهربين في فترة النظام المخلوع، أكد أهالي المنطقة أن العصابات “تخلّت عن القرية” لتحوّلها إلى هدف عسكري للضربات الأردنية. وقال أحد سكان بلدة ملح المجاورة إن “مسارات التهريب الآن في عمق البادية تبدأ من سد الزلف ووادي الحماد اللذين أصبحا معبراً رئيسياً”. في المقابل، شهدت البادية الشرقية لمحافظة السويداء وريف دمشق عمليات تمشيط قامت بها دوريات للأمن العام، على الرغم من خطورة المنطقة والكمائن والألغام، حيث وصلت الدوريات إلى قرية الشعاب، وقامت بعمليات تفتيش ومداهمات لم تسفر عن شيء، وهو ما يعزز روايات أهالي القرية بأنهم تخلصوا منذ زمن من العصابات التي كانت متحالفة مع النظام السابق بتهريب المخدرات.

تكثيف الحملات على الحدود السورية مع العراق

وكانت القوات الأمنية كثفت حملاتها منذ فبراير/شباط الماضي الماضي، والتي شملت مناطق في ريف دمشق، كجرمانا، والمعضمية، والقصير في ريف حمص، ومناطق عفرين وإعزاز في الشمال السوري، ودير الزور والبوكمال على الحدود السورية الشرقية مع العراق. وكان آخر هذه الحملات في 29 مايو الماضي في بلدات جاسم وابطح والشيخ مسكين بمحافظة درعا وبالقرب من الحدود الأردنية.

ورأى الناشط عاطف المفلح أن نتائج الحملات الأمنية محدودة، موضحاً، لـ”العربي الجديد”، أن “نفس الشبكات التي عملت تحت حماية النظام السابق ما زالت نشطة، لكنها استبدلت حزب الله بتحالفات مع داعش”، مشيراً إلى أن هجوم تل أصفر في مايو الماضي، ضد وحدة من الجيش في البادية السورية دليل على تعاون المهربين مع التنظيم. وتُعقّد التحالفات الهجينة المعادلة، كما شرح أيسر (اسم مستعار لموظف سابق في الأمن الجنائي)، موضحاً أن “شبكات التهريب تجمع مليشيات كانت تابعة لإيران وعشائر بدوية وعناصر داعش”، مشيراً إلى أنه “لا انتماءات هنا إلا للمال”. وحذر من أن المواجهة تتطلب ضرب مصادر التمويل على الحدود السورية مع لبنان والعراق أولاً، ثم نزع سلاح الجماعات في البوادي.

جذور عميقة للأزمة

وتعود جذور الظاهرة إلى تحول سورية لأكبر مصنع عالمي للكبتاغون خلال الحرب على مدى 14 عاماً، حيث استغلت شبكات مدعومة من إيران ونظام بشار الأسد المخلوع، الحدود السورية مع الأردن والتي تمتد على مسافة 375 كيلومتراً لتهريب المخدرات. وأكد محمد البكار، من منطقة اللجاة في درعا التي كانت معقلاً لحزب الله، في حديث لـ”العربي الجديد” أن “الحملات الأمنية وحدها لن تقضي على شبكات تغذّيها عائلات كاملة اعتادت التهريب بما هو مصدر رزق وحيد”. ولم يعد تهريب المخدرات مجرد جريمة عابرة للحدود، بل تحوّل إلى نظام معقّد يعيد تشكيل تحالفات المنطقة. فقرية مثل الشعاب، التي دمّرتها الضربات الجوية، تختزل التناقض بين الروايات الرسمية والواقع الميداني. وفي الوقت الذي تسعى فيه الأجهزة الأمنية السورية لقطع الطرق الوعرة في بادية السويداء، كشفت الأزمة وجود عوامل جيوسياسية واقتصادية، تتطلب حلولاً أمنية صارمة وبرامج تنموية شاملة لمواجهة شبكات تتجاوز حدود الانتماءات، حيث تبقى التحديات، وعلى رأسها الفقر وتردي الوضع الأمني في سورية، من أبرز الدوافع للتعاون مع المهربين.

———————————-

سوريا ولبنان بين “تلازم المسارين” و”الانفصال”/ عريب الرنتاوي

4/6/2025

تعود نشأة مصطلح “تلازم المسارين”، السوري واللبناني، إلى مرحلة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان واحتلال عاصمته، وإخراج مقاتلي منظمة التحرير وقيادتها من بيروت، وبالتحديد بعد إبرام هذا البلد اتفاقًا مع إسرائيل عُرِف باسم: “اتفاق 17 أيار-1983″، وهو الاتفاق الذي سيَسقط قبل أن تتم المصادقة عليه، إثر “انتفاضة شعبية مسلحة”.

لعبت حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي دورًا حاسمًا في إطلاق تلك الانتفاضة، وبدعم كامل من سوريا وفصائل فلسطينية مقربة منها، وكان بنتيجتها، إلغاء كثيرٍ من مفاعيل وتداعيات حرب 1982 على المقاومة الفلسطينية ولبنان، ومن مظاهرها عودة النفوذ السوري المهيمن على لبنان، بعد سلسلة من الضربات المؤلمة التي تلقاها في تلك الحرب، وتنامي نفوذ “أمل” و”الحركة الوطنية”، وتمهيد الطريق لصعود حزب الله كلاعب رئيس على الساحة اللبنانية، سيتخطاها لاحقًا، إلى مساحات إقليمية أوسع نطاقًا، لا سيما بعد نجاحه في طرد الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، دون قيد أو شرط، في الخامس والعشرين من مايو/ أيار عام 2000.

يومها، تركزت السردية السورية على أن لبنان محظور عليه إنجاز سلام أو تطبيع مع إسرائيل، قبل سوريا أو من دونها، وأن المسارين السوري واللبناني، متلازمان، لا يسبق أحدهما الآخر، ولا يتخلف عنه، الأمر الذي أثار انقسامًا عموديًا بين اللبنانيين، حيث عارضته قوى وازنة، مسيحية بالأساس، مدعومة ببعض الزعامات التقليدية من سنيّة وشيعية، سيتراجع دورها وتأثيرها، إثر تخفف لبنان من تداعيات الغزو الإسرائيلي، ونشوء ظاهرة المقاومة الإسلامية (الشيعية أساسًا)، وبدء صعود “الحريرية السياسية” على حساب البيوتات السنيّة التقليدية.. وأيدته قوى وازنة أيضًا، ضمّت “الثنائي الشيعي” والتقدمي الاشتراكي، وبقايا الحركة الوطنية اللبنانية، مدعومة بنفوذ إيراني متعاظم في البلدين “المتلازمين”.

وسيطفو مصطلح “التلازم” هذا، على السجالات السياسية اللبنانية مع انطلاق عملية السلام في مدريد، وسيحتدم الجدل حول مدى “صلاحيته” للحالة اللبنانية، مع “انفضاض الجمع العربي”، ونشوء ما عُرف بـ”سباق المسارات” التي انتهت بتوقيع الفلسطينيين اتفاقَ أوسلو والأردنيين معاهدةَ وادي عربة مع إسرائيل، في حين جاءت “لحظة” في مسار التفاوض العربي – الإسرائيلي، كادت فيها دمشق، أن تسبق الجميع إلى المحطة النهائية لقطار التفاوض، وقد عبّر عنها وزير خارجيتها في ذلك الوقت: فاروق الشرع، بقوله: “كل مين يقلّع شوكه بإيدو”، وفقًا لرواية رئيس الوزراء الأردني الراحل، فايز الطراونة.

مقولة “تلازم المسارين”، وهي سورية المنشأ والمصب، لم تمنع دمشق، من تجريب حظوظها في الوصول إلى اتفاق مع إسرائيل، وخاضت القيادة السورية، تحت حكم الأسدين: الأب والابن، صولات وجولات من التفاوض غير المباشر، تارة برعاية أميركية وأخرى تركية، حالت ظروف طارئة وتعقيدات اللحظة الأخيرة، وسوء التقديرات والحسابات، دون تتويجها بإبرام اتفاق أو معاهدة سلام، الأمر الذي أوحى لكثيرٍ من اللبنانيين، بأن حكاية “التلازم” ليست في واقع الحال، سوى تعبير ملتبس عن رغبة دمشق، في احتجاز المسار التفاوضي اللبناني، لتعزيز موقعها ودورها الإقليميين، وفي أقل تقدير، لتدعيم موقعها التفاوضي مع الجانب الأميركي – الإسرائيلي.

اليوم، يعود الجدل حول تلازم المسارين أو انفصالهما، للاحتدام من جديد في لبنان وحوله، مدفوعًا بالتطورات العاصفة التي تلت “الطوفان”، ولا سيما بعد أن أبدت الإدارة السورية الجديدة، رغبتها في التفاوض واسترجاع التهدئة مع إسرائيل، لا سيما على خطوط التماس الساخنة في الجنوب، والتي عمدت حكومة نتنياهو إلى توسيعها وتعريضها، باحتلالها قمم جبال الشيخ ومساقط المياه في حوض اليرموك، واستئنافها سياسة العربدة واستباحة الأرض والسماء السوريتَين على أوسع نطاق، من دون أن تستبعد – الإدارة السورية – خيار السلام النهائي مع إسرائيل والالتحاق بالقاطرة الأبراهامية في محطة من محطاتها اللاحقة، ومع عودة الحديث من خارج السياق، عن “العدو المشترك”، في إشارة إلى إيران، ونقول خارج السياق، لأن حديثًا كهذا، لم يعد ذا صلة، بعد تطبيع العلاقات على ضفتَي الخليج بين العرب والإيرانيين.

يربط لبنانيون كثر، ومعظمهم من الخصوم التاريخيين لنظام “الأسدين”، انفتاح العرب والمجتمع الدولي على سوريا ونظامها الجديد، وانتعاش آمال السوريين بقرب التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، بالإشارات التي لا تتوقف القيادة السورية الجديدة عن إرسالها لكل من يعنيهم الأمر، بما في ذلك تل أبيب، ورسائل “حسن النيَة” المتمثلة في إغلاق مكاتب ومعسكرات فلسطينية، وإخراج قيادات فلسطينية من سوريا، والإفراج عن جثامين لجنود إسرائيليين وأرشيف ومتعلقات الجاسوس الأشهر: إيلي كوهين، والتي اتسعت كذلك لتشتمل على إغلاق مكاتب “بوليساريو” بحضور رسمي مغربي.

لسان حال هؤلاء يقول: إن كان الأمر جيدًا لسوريا، فلماذا لا يكون جيدًا للبنان كذلك.. وإذا كانت دمشق، ترى في وقف العربدة الإسرائيلية وإكراهات إعادة الإعمار ورفع العقوبات الدولية، مبررًا لسياساتها الانفتاحية، فإن لبنان بدوره، يدفع أفدح الأثمان للعربدة والاستباحة الإسرائيليتين، وهو بمسيس الحاجة للتعافي وإعادة الإعمار، كما أنه يعاني من عقوبات ومصاعب التصنيف في “المنطقة الرمادية”، ودولته كما الدولة السورية، هشّة، وبحاجة لمن يمنع انهيارها قبل فوات الأوان.

وتذهب مقاربات هذا الفريق، أبعد من ذلك، إذ لا تكفّ أركانه عن إجراء المقارنات بين أداء الرئيس الانتقالي لسوريا، بأداء الفريق الرئاسي (ترويكا الرئاسات اللبنانية)، حيث الأول من وجهة نظر هذا الفريق، يبدي حسمًا وشجاعة في اتخاذ المواقف والتدابير، فيما سلوك الثاني يتسم بالتردد والمراوحة، بما يهدد فرص لبنان، وينقل الاهتمام والرعاية الدوليين، إلى دمشق، بدلًا عن بيروت.. لكأننا أمام “سباق بين المسارين”: السوري واللبناني، وليس “تلازمهما” فقط، ودائمًا باتجاه طي صفحة الصراع وفتح صفحة سلام مع إسرائيل.

يسخر هذا الفريق، من واحدة من “مسلمات” السياسة اللبنانية، التي استقرت في السنوات الأربعين الفائتة، ومفادها أن لبنان هو آخر دولة عربية تُوقع سلامًا وتُجري تطبيعًا مع إسرائيل.. يرى هذا الفريق، أن هذه الفرضية، باتت من الماضي، وأن البيئة الإقليمية بتوازناتها الجديدة، والعالم من حول لبنان، يدفعانه لمراجعتها، ومن على القاعدة إيَاها: “كل مين يقلع شوكه بإيدو”.. هذه الفرضية لم يعد أحد من اللاعبين الدوليين، يأخذ بها كذلك، بدلالة التأكيد الأميركي المتكرر، على أن لبنان وسوريا مرشحان للانضمام إلى الاتفاقات الأبراهامية، قبل غيرهما.

إذن، خصوم الأمس لنظرية تلازم المسارين، باتوا اليوم من أشد أنصار هذه الفرضية، بعضهم الأكثر حماسةـ لا يكتفون بالدعوة لتلازم مساري السلام والتطبيع، بل يستحثان الرئاسات اللبنانية، على استباق سوريا، ما دام أن “نافذة الفرج”، ستُفتح ما إن تغلق صفحة الصراع وتفتح صفحة السلام والتطبيع مع عدو ما زال يحتل مساحات كبيرة من لبنان، وينتهك حركة أرضه وشعبه وأجوائه.

في المقابل، أشد المتحمسين سابقًا لنظرية “تلازم المسارين”، هم من أشد خصومها هذه الأيام، وفي مقدم هؤلاء حزب الله وحلفاؤه من لبنانيين وفلسطينيين.. لا يكفّ هذا الفريق عن شيطنة النظرية وأصحابها، تارة لأسباب منطقية ومعروفة، تتصل بالعدوات والثارات القديمة والجديدة مع كيان الاحتلال، وأطوارًا لأسباب تتعلق بالعداء الكامن للعهد السوري الجديد، وأنصاره في لبنان، وبعض الذين لا يرون في جديد سوريا، سوى مقاربتها لملف العلاقة مع الاحتلال.

الانقسام اللبناني المحلي القديم يتجدد، ولكن الأطراف تتخذ مواقع وخنادق مختلفة، يتبادلون الأدوار، وكل منهما، يحشد ما يراه مناسبًا من الحجج والذرائع للبرهنة على صحة مواقفه.. والأمر ذاته، ينطبق على اللاعبين الإقليميين والدوليين، من كان منهم ضد تلازم المسارين زمن الأسدين، يعود اليوم للحديث عن سوريا ولبنان كرزمة واحدة، فالجدل في واشنطن على سبيل المثال، دار ويدور، حول ما إذا كان من الحكمة، تلزيم المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس ملف سوريا إلى جانب لبنان، أو أن من الأفضل تلزيم توماس باراك الموفد الأميركي إلى سوريا، وسفير واشنطن في أنقرة، الملف اللبناني كذلك.. أم أن الحاجة تقتضي توزيع الأحمال الثقيلة على اثنين من الموفدين بدلًا من واحد.

وتشفّ “التسريبات” اللبنانية، المعلنة والمضمرة، أن ثمة توجهًا عند بعض عواصم القرار العربية، لتلزيم سوريا ملف لبنان، ولكن في سياق متجدد، تمليه قواعد المرحلة الجديدة التي بدأت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتكرست في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، مثل هذه السجالات، تعيد إلى الأذهان، لا فكرة التلازم فحسب، وإنما عهد “الوصاية” كذلك.. أما المواقف حيال هذه “التسريبات، فتكاد تتوزع بالكيفية نفسها: فريق حزب الله يقف بالضد من هذا التوجه، وفريق القوات اللبنانية وصحبه، يقف مؤيدًا له، وإن بأقدار متفاوتة من الحذر النابع من المرجعية العقدية للنظام السوري الجديد.

خلاصة القول؛ أن لبنان الذي قضى نصف قرن من “الوصاية” و”التلازم”، يبدو أنه سيجد نفسه، طائعًا أم مرغمًا، تحت ظلال هذه الثنائية: “الوصاية” و”التلازم”، وربما لردح طويل من الزمن.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

مدير مركز القدس للدراسات السياسية

الجزيرة

———————————-

كيف يقضي السوري ليلة كاملة أمام الشاشة بحثا عن موعد جواز سفر.. وتنتهي بلا شيء؟

خالد حمزة

2025.06.04

ما يزال استخراج جواز السفر بالنسبة للسوريين المقيمين في الخارج مهمة شاقة تتجاوز إطارها الطبيعي كإجراء إداري روتيني، فمنذ اعتماد نظام حجز المواعيد الإلكتروني عبر المنصة الرقمية

، بات الوصول إلى موعد متاح لتجديد الجواز تحديا متكررا يواجهه الآلاف شهريًا، في ظل تعقيدات تقنية وغموض تنظيمي يحيط بآلية الحجز ومواعيد فتح الخدمة.

رغم وضوح الهدف—طلب خدمة رسمية مدفوعة بالدولار الأميركي—يواجه المواطن السوري عراقيل تقنية وتنظيمية تبدأ من آلية الحجز الغامضة، ولا تنتهي عند أداء الموقع الإلكتروني المتعثر، مرورا بمواعيد غير معلنة بدقة، واكتظاظ “رقمي” لا يتناسب مع طبيعة الخدمة.

فلماذا يعجز كثيرون عن تأمين موعد رسمي رغم محاولات تستمر لساعات وأيام؟ ولماذا تُحصر المواعيد بشهر واحد من دون إتاحة الحجز للأشهر التالية؟ وما الذي يبرر ظهور وسطاء وسماسرة قادرين على تأمين مواعيد مقابل مبالغ مالية، في وقت تعجز فيه المنصة الرسمية عن تلبية الطلبات؟

هنا يمكن دمج التجربة الفردية وعكسها كحالة عامة لما يواجهه آلاف السوريين المغتربين ممن يسعون لتجديد جوازات سفرهم عبر القنوات الرسمية، لا يتعلق الأمر فقط بمشكلة تقنية عابرة، بل بنمط متكرر من الانتظار غير المجدي، والانقطاع المتواصل في الخدمة، والتعامل مع منصّة تبدو وكأنها عاجزة عن أداء “وظيفة أساسية” يفترض أن تكون في صلب العمل القنصلي.

فمن خلال متابعة شخصية لمحاولة حجز موعد لدى القنصلية السورية في إسطنبول، تتضح مجموعة من الممارسات والإشكالات التي تعيد طرح أسئلة ملحّة حول فعالية النظام المعتمد، وشفافيته، ومدى ارتباطه بسماسرة المواعيد الذين باتوا يقدمون “حلولا” بديلة مقابل الدفع النقدي.

فيما يلي، أستعرض تجربة شخصية امتدت على مدار أسبوع كامل، حاولت خلالها بشكل متواصل حجز موعد لتجديد جواز السفر عبر المركز القنصلي الإلكتروني وهي المنصة الوحيدة المعتمدة لحجز دور لتسيير العديد من المعاملات القنصلية وعلى رأسها استخراج جواز السفر. وخلال هذه المحاولات، تواصلت مع الرقم الرسمي للمركز القنصلي بحثا عن إجابات بشأن عدم تمكني من حجز دور خلال الأيام الخمسة الأولى من المحاولات، فجاء الرد  “سريعا” برسالة تحوي رابطا  (رابط فقط من دون أي إشارة أو توضيح حول ماهيته) واكتشفت بالضغط عليه أن يحيل إلى منشور على صفحة في “فيسبوك”.

المنشور كان تنويها رسميا على صفحة “مركز خدمة المواطن الإلكتروني” في “فيسبوك” بتاريخ 23 أيار، أعلن فيه عن إيقاف مؤقت لخدمات موقع المكتب القنصلي الإلكتروني لمدة يومين بسبب “أعمال الترقية والتطوير”. وقد تم تعليق الخدمات بدءا من منتصف ليل يوم 23 أيار وحتى مساء السبت 24 أيار.

وجاء في الإعلان: “نحيطكم علماً بإيقاف خدمات موقع المكتب القنصلي الإلكتروني بدءاً من يوم 23/5/2025 الساعة الثانية عشرة ليلاً ولغاية يوم السبت 24/5/2025، بسبب أعمال الترقية والتطوير”.

ليلة كاملة من المحاولات.. وانتهت بفشل

ومع دخول مساء السبت (26 أيار 2025)، عدت لمحاولة الحجز على المنصة معتقدا أن مشكلات ربما الحجز ربما حُلّت، لكن المنصة كانت على حالها رغم انتهاء فترة “الصيانة” وعند الساعة 23.30 تقريبا لاحظت منشورا في مجموعة غير رسمية على “فيسبوك” تحمل اسم القنصلية السورية في إسطنبول، يفيد بأن المواعيد لشهر حزيران قد فُتحت (ولم يمض على نشر المنشور أكثر من 10 دقائق).

كان واضحا فعلا حصول تغيّر ملموس في استجابة المنصة عبر أداء بطيء إلى حد التعطّل، وصفحات تحتاج وقتا طويلاً للتحميل، وأحيانا لا تفتح إطلاقا، حتى عندما كانت الصفحة تفتح، كانت بعض الحقول الضرورية معطّلة، أو لا تظهر بشكل كامل.

استمرت محاولة حجز دور لاستخراج جواز السفر طوال الليل، بالتزامن مع متابعة التحديثات على مجموعة “فيسبوك”، ولاحظت أن غالبية المعلقين يعانون من المشكلة ذاتها؛ لا أحد قادر على الوصول إلى موعد.

جرّبت التبديل بين المتصفحات—من ” جوجل كروم” إلى المتصفح الأساسي للجهاز فربما تكون تجربة التصفح أفضل، كما تحققت من الاتصال بالإنترنت وكانت السرعة تتجاوز 200 ميغابت في الثانية، وجرّبت أيضا من هاتفي المحمول وفي كل مرة، كانت النتيجة واحدة: صفحات بطيئة، خانات غير مفعلة، ونظام لا يستجيب.

استمرت المحاولات حتى قرابة الساعة الخامسة صباحا وفي ذلك الوقت، بدا الموقع وكأنه عاد إلى وضعه الطبيعي: الصفحات أصبحت تفتح بسلاسة، وواجهة المستخدم أصبحت أسرع، لكن المفاجأة كانت أن جميع المواعيد قد اختفت—تم الحجز بالكامل. لم يكن هناك أي موعد متاح، حتى للحجز في الأشهر التالية.

دخلت مجددا إلى المجموعة، ووجدت أن غالبية المشاركين يؤكدون أنهم لم يتمكنوا من حجز أي موعد.

الغريب في النظام أنه لا يسمح بالحجز المسبق لأشهر تالية، ولا يحدد وقتا رسميا لفتح المواعيد، بل يُترك الأمر لاجتهاد المستخدمين الذين باتوا “يعسكرون” على الموقع في الأيام الأخيرة من كل شهر، خوفا من تفويت الفرصة. هذا الغياب الكامل للتوضيح أو الجدولة، يدفع السوريين إلى حالة من الترقب المستمر والتوتر في الأيام الأخيرة من كل شهر.

كيف تفاعل السوريون مع أداء المنصة؟

في منشور مركز خدمة المواطن الإلكتروني الذي أعلن عن توقف المنصة ليومي الجمعة والسبت بسبب “أعمال الترقية والتطوير”، حصل على مجموعة واسعة من التعليقات الغاضبة وأحيانا المحبطة والتي تكشف حجم الفجوة بين ما يعلن رسميا وما يعيشه السوري في الخارج.

بعض المستخدمين تساءلوا بشكل مباشر عن نتائج هذا التحديث التقني، فقال أحدهم: “أين التحديث؟ لا مواعيد ولا تغيير، وكأن شيئا لم يحدث”. في حين علّق آخر: “المنصة تشتغل طول اليوم وما في مواعيد، ولما تفتح، يا بتفشل تسجيل الدخول، يا بتطلعلك رسالة خطأ”، وهذا ما حصل فعلا خلال ساعات الضغط.

أحد المعلقين اتهم المنصة مباشرة بـ”النصب والاحتيال”، مشيرا إلى أن الحجز بات حكرا على السماسرة، ومطالبا بمحاسبة المسؤولين عن ذلك. وعلّق آخر: “ليش ما بتحطوا موعد وتاريخ محدد لفتح المواعيد؟ بدنا نضل 24 ساعة صاحيين؟”.

ولم تخلُ التعليقات من دعوات لإصلاح شامل، كما قال أحدهم: “نتمنى إعادة برمجة البوابة، وفصل المرتشين من السفارات، ومراقبة من يحتكرون المواعيد”.

أمّا فئة أخرى، فبدت أقرب إلى اليأس، معتبرة أن الحل الوحيد أصبح عبر “شراء” موعد، أو ببساطة، “عدم المحاولة من الأساس”، كما عبّر أحدهم باختصار: “نباعت المواعيد كلها، خلص الواحد لا يتعذّب”.

تواصلت التعليقات من المستخدمين، لكن النبرة لم تتغير كثيرا، بل ازدادت حدة في بعض الأحيان. فقد أشار البعض إلى أن الموقع “عاد للعمل ظاهريا”، لكنه عمليا لم يقدّم أي فائدة، إذ بمجرد اختيار خدمة إصدار جواز السفر تظهر رسالة: “لا يوجد موعد متاح للخدمة المختارة”. كما قال يوسف الراوي في تعليقه على منشور المنصة.

وعلّق حذيفة حافظ بغضب على سرعة نفاد المواعيد قائلاً: “لاقوا حل لمنصة تفتح ربع ساعة وتنتهي فيها كل المواعيد. إيمتى بدكن تشوفوا الشعب بشر؟”.

التعليقات لم تخلُ من مطالب مباشرة بإصلاح عميق في البنية الإدارية، إذ أعاد أحد المستخدمين نشر دعوة واضحة إلى “إعادة برمجة بوابة الحجز”، وفصل من وصفهم بـ”أزلام النظام البائد”، وتنظيف السفارات من “المرتشين والفاسدين”.

خدمة دولارية بنتائج مخيبة

فهل من المنطقي أن يتطلب حجز موعد لجواز سفر مدفوع بالدولار—بمبالغ تصل إلى 800 دولار للإصدار السريع، و300 دولار للإصدار العادي—سهرا طوال الليل، وتجريب عشرات المحاولات التقنية؟ ولماذا ينجح من يدفع للسماسرة في ما يعجز عنه النظام الرسمي؟

ما يزيد من حدة هذه المفارقة أن خدمة استخراج جواز السفر ليست مجانية أو مدعومة، بل تُعد من أكثر الخدمات الحكومية كلفةً على الإطلاق بالنسبة للسوريين في الخارج. فالدولة تقدم هذه الخدمة لقاء رسوم مرتفعة تدفع بالدولار الأميركي، حيث يبلغ رسم الجواز المستعجل 800 دولار، في حين يصل رسم الجواز العادي إلى 300 دولار، تدفع أيضا بالعملة “الصعبة”.

ولا بد من الإشارة إلى أنّ هذه الأرقام تعد من الأعلى عالميا مقارنة برسوم الجوازات في دول أخرى، حتى تلك التي تتمتع بأنظمة أكثر كفاءة وخدمات أكثر تنظيما.

ومع ذلك، ورغم التكلفة العالية، لا تقابل هذه الخدمة بمستوى مقبول من الجودة أو التنظيم أو الشفافية، الأمر الذي يثير تساؤلات جوهرية حول مبررات هذا التفاوت، وأين تذهب الموارد المحصّلة، ولماذا لا يستثمر جزء منها على الأقل في تطوير نظام إلكتروني فعّال يلبي احتياجات المواطنين بحدها الأدنى.

أسئلة مشروعة؟

في ضوء ما سبق، تبرز سلسلة من الأسئلة المشروعة التي لا تجد حتى الآن إجابة رسمية واضحة، رغم تكرار الشكاوى وتفاقم المعاناة. فهل ما نشهده هو ببساطة عجز تقني عن تطوير منصة إلكترونية تدار بكفاءة، أم أن هناك خللًا أعمق مرتبطا بسوء الإدارة أو ربما بتواطؤ يسمح باستمرار وجود سماسرة يتقاضون مبالغ مقابل مواعيد يفترض أن تكون مجانية على المنصة؟

وإذا كانت الدولة تتقاضى رسوما مرتفعة جدا لقاء إصدار الجواز—800 دولار للجواز المستعجل و300 دولار للجواز العادي—فما المبرر لعجز المنصة عن تلبية الطلب، ولماذا لا يستثمر جزء من هذه الموارد في تحسين البنية التحتية الرقمية؟

ما الذي يفسّر أن مواعيد الحجز تظهر بشكل غير منتظم، وتختفي خلال ساعات، في حين تظل متاحة عبر وسطاء مجهولين طول الشهر؟ وكيف تترك هذه الثغرات قائمة من دون محاسبة، رغم معرفتها الواسعة بين السوريين؟

هل من المقبول أن يقضي مواطن ليلة كاملة، من الحادية عشرة مساء وحتى السابعة صباحا، في محاولة لحجز موعد تنتهي بإعلان فشله؟

وإذا قرر هذا المواطن التوجه مباشرة إلى السفارة من دون موعد، فهل من المنطقي ألّا يقدَّم له أي نوع من الخدمة؟

الأمر لا يقتصر على قنصلية واحدة أو دولة واحدة، بل يمتد ليشمل معظم البعثات الدبلوماسية السورية حول العالم فالمنصة تقدم الخدم لجميع البعثات المعتمدة، فهل القضية معقدة فعلا إلى هذا الحد، أم هناك جهات ربما تستفيد من هذه الفوضى؟

تعيينات جديدة تفتح الأمل مجددا

وفي ضوء التعيينات الجديدة التي طالت إدارات أساسية في وزارة الخارجية السورية—ومنها الإدارة القنصلية، وإدارة شؤون المغتربين، وإدارة نظم المعلومات والتحول الرقمي—تُطرح تساؤلات مشروعة حول ما إذا كان هذا التغيير الإداري سيمهد لتحسين فعلي في جودة الخدمات المقدمة للسوريين في الخارج، وعلى رأسها خدمات إصدار الجوازات.

وقد عُيِّن محمد يعقوب العمر مديرًا للإدارة القنصلية، ومحمد عبد السلام مديرا لإدارة شؤون المغتربين، بينما تولّى عزو المحمد إدارة نظم المعلومات والتحول الرقمي، وهي الإدارات الثلاث الأكثر صلة بملف المنصة القنصلية وحجز المواعيد، الذي يشكل مصدر معاناة يومية للسوريين المغتربين.

فهل ستكون هذه التعيينات إيذانا بمرحلة أكثر تنظيما وشفافية؟ أم أن الإشكالات ستبقى قائمة كما هي، بانتظار إرادة حقيقية لمعالجة الخلل في العلاقة بين الدولة ومواطنيها في الخارج؟

تلفزيون سوريا

————————————–

 المجلس الأطلسي: رغم التحديات.. سوريا بعد سقوط الأسد أمام فرصة تاريخية للاستقرار

ربى خدام الجامع

2025.06.03

في تقرير صدر عن “المجلس الأطلسي” (The Atlantic Council)، تناول المركز الأميركي تطورات المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، مسلطًا الضوء على الفرص الاستراتيجية التي أفرزها هذا التحول الدراماتيكي، وكذلك على التحديات البنيوية والسياسية التي تعترض المرحلة الانتقالية في البلاد.

ويقدّم التقرير قراءة للواقع السوري الجديد، ويستعرض مواقف اللاعبين الإقليميين والدوليين، وخاصة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، من السلطة الجديدة في دمشق.

ويشير المجلس الأطلسي إلى أن المجتمع الدولي يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما الانخراط المشروط مع السلطات الانتقالية من أجل ضمان الاستقرار وإعادة الإعمار، أو التمسك بسياسات العزل التي قد تعيد إشعال دوامة النزاع والانهيار الاقتصادي.

يعرض موقع تلفزيون سوريا هذه المادة في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية المركز الأميركي، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الملف السوري عالميا، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته أو للمصطلحات الواردة فيه.

وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:

طوال ردح طويل من الخمسين سنة الماضية، بقيت سوريا جرحاً مفتوحاً في قلب الشرق الأوسط، وهذا ما أثار حالة من انعدام الاستقرار، وغذى النزاعات، وساعد القائمين على ذلك البلد في قمع شعبهم بكل وحشية. وخلال الحرب السورية التي امتدت لأربعة عشر عاماً تقريباً، توسعت ارتداداتها المتتالية التي عملت على زعزعة الاستقرار فوصلت إلى دول الجوار كما أثرت على العالم بأسره. وعليه، فإن العبارة القديمة القائلة: “ما يحدث في سوريا لن يبق في سوريا” تلخص تماماً الأزمة التي بقيت مستعصية خلال فترة طويلة من السنوات العشر الماضية.

تغير كل ذلك في الثامن من كانون الأول 2024، وذلك عندما فر بشار الأسد من قصره بدمشق وسارع إلى طلب اللجوء في روسيا بخلاف كل التوقعات، إذ بعد هجوم مباغت وسريع، أسقط تحالف لجماعات المعارضة المسلحة نظام الأسد كمن يسقط بيتاً من ورق، لأن الأمر لم يستغرق أكثر من أحد عشر يوماً. وفجأة، أضحى المجتمع الدولي أمام فرصة استراتيجية تاريخية بوسعه أن يستغلها ليعيد رسم قلب الشرق الأوسط فيجعل من تلك البقعة المنطقة الأكثر استقراراً والأعلى اندماجاً والأشد إيجابية في المنطقة.

بيد أن العملية الانتقالية التي تجري في سوريا حالياً غاية في الهشاشة، إذ تعترضها تحديات جسيمة، كما أنها تضع المجتمع الدولي أمام معضلة أخرى، إذ منذ اليوم الأول للعملية الانتقالية، هيمنت عليها هيئة تحرير الشام، وسيطرت على قيادتها، وهي فرع سابق من فروع تنظيم القاعدة، وقد انبثقت بالأصل عن الحركة التي سبقت تنظيم الدولة الإسلامية، ألا وهي تنظيم الدولة في العراق والشام. وكل هذا الإرث التاريخي يعتبر سبباً وجيهاً للتريث فيما يتصل بالتعامل مع السلطات الانتقالية في سوريا.

عقد من التغيير

غير أن الهيئة اليوم هي حصيلة عقد من التغيير، إذ بعد أن انشقت عن تنظيم الدولة في العراق والشام في عام 2013، حاربت ذلك التنظيم الإرهابي، كما فكت ارتباطها بتنظيم القاعدة في عام 2016، وسارعت لتسهيل دخول آلاف العساكر إلى مناطقها عبر تركيا وهي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، ووافقت كما التزمت بهدنة لوقف إطلاق النار امتدت لسنوات، جرى التوقيع عليها بوساطة تركية وروسية، كما شكلت “حكومة الإنقاذ” التي تتسم بأنها حكومة تكنوقراط في شمال غربي سوريا، حيث عملت هذه الحكومة على توفير مستوى أعلى من الخدمات مقارنة ببقية مناطق سوريا، كما شنت الهيئة حملات قوية ضد تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، وبدأت بالتعامل مع المجتمع الدولي خلف الأبواب الموصدة. وخلال فترة الإصلاحات التي بدأت بعد عام 2016، تغيرت عقيدة هيئة تحرير الشام من نواح يراها كثيرون غير مسبوقة في تاريخ الحركة الجهادية، إذ لم تنصرف عن الجهاد العالمي فحسب، بل انقلبت ضده، وذلك بعد أن اعتنقت “الثورة” وعلمها الأخضر.

وعلى الرغم من ترؤس الهيئة وزعيمها، أحمد الشرع، لدمشق، فإن معظم دول المجتمع الدولي سارعت للتعامل معها، إذ ارتأت بأن التواصل والتعامل مع تلك القيادة يقدم فرصة أكبر لتحديد شكل نتائج العملية الانتقالية الهشة مقارنة بتلك التي تقدمها سياسة العزل. في بداية الأمر، خفف كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وسويسرا معظم العقوبات المرتبطة بالاقتصاد السوري، على أمل إنعاش البلد بعد طول سبات. ومن جانبها، قدمت إدارة بايدن التي كانت ولايتها منتهية وقتئذ “رخصة عامة” مدتها ستة أشهر وذلك في شهر كانون الثاني من العام 2025، وهذا ما أسقط وبشكل مؤقت بعض الإجراءات التقييدية المفروضة على سوريا، إلا أن كل ذلك لم يؤثر على مسألة تسهيل الصفقات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا.

فرصة تاريخية تكتنفها عقوبات وتحديات

بعد سنوات من النزاع الاستثنائي، انهار الاقتصاد السوري وأصبحت الأزمة الإنسانية في البلد أسوأ من أي وقت مضى، إذ أضحى 90% من أبناء وبنات الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر، كما أصبح 70% منهم يعيشون على المساعدات، وخسرت الليرة السورية 99% من قيمتها، وتدمرت 50% من البنى التحتية الأساسية في البلد، وهبط مستوى توفر الوقود إلى الصفر تقريباً. وبصرف النظر عمن يقود العملية الانتقالية بسوريا، فإن احتمال نجاح البلد بتجاوز تلك الظروف الكارثية مستحيل من دون تخفيف العقوبات. أما دول المنطقة، وخاصة السعودية وتركيا وقطر، فعلى استعداد لإغراق سوريا بالاستثمارات والنفط والكهرباء والأموال، إلا أن ذلك لن يتحقق ما دامت العقوبات الأميركية تمنع تلك الدول من الإقدام على ذلك.

إن استغلال الفرصة التاريخية التي خلقها سقوط الأسد يتطلب التخلي عن المقاربات التكتيكية قصيرة الأمد، وتبني رؤية طويلة الأمد تركز على استقرار سوريا والمنطقة. إذ في الثامن من كانون الأول الماضي، كانت السلطات الانتقالية بدمشق تقتصر على هيئة تحرير الشام فحسب، وبعد مرور ثلاثة أشهر على ذلك، تغيرت بعض الأمور، إذ أقيم مؤتمر للحوار الوطني، وتشكلت لجان موسعة لصياغة الإعلان الدستوري، كما تشكلت حكومة انتقالية زادت وبشكل كبير من تمثيل الشعب السوري ومن حكم التكنوقراط داخل الوزارات السورية، واعتبر ذلك توسعاً مهماً في تمثيل الشعب ضمن الحكومة، إذ لم تحتفظ هيئة تحرير الشام سوى بأربع وزارات من أصل ثلاث وعشرين وزارة. كما أن أكثر من نصف أعضاء الحكومة الجديدة متعلمون ولديهم خبرة عمل احترافية داخل أوروبا أو الولايات المتحدة. وهذا عموماً يعتبر تحولاً نحو حكومة تكنوقراط حقيقية.

ومع ذلك ما تزال جوانب حالة انعدام الاستقرار موجودة، إذ ما برحت الانقسامات السياسية-الاجتماعية والطائفية المتجذرة في المجتمع السوري تشكل مصدر قلق بالغ، غير أن العنف الذي وصل إلى ذروته في السابع والثامن من آذار 2025، لم يستمر طويلاً. إذ كلفت لجنة تحقيق عينتها الحكومة بالكشف عن المسؤولين عن ارتكاب الجرائم. وفي تلك الأثناء، بقيت قضايا بنيوية مثل نزع السلاح وتسريح العسكر وإعادة الاندماج، والمقاتلين الأجانب، والتحديات التي يمثلها تنظيم الدولة والمقاومة العلوية المسلحة موجودة، ولكن في نهاية المطاف، ما تزال العملية الانتقالية الهشة تمثل الأمل بنشر الاستقرار بصورة تدريجية.

مسار جديد لتعافي سوريا

وهنا أصبحت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أمام خيارين: إما أن تتعامل مع القائمين على العملية الانتقالية في سوريا وأن تدعمها بشكل مشروط وذلك على أمل أن تستمر بترسيخ سيطرتها وتوسيع تمثيل الشعب في حكومتها، أو النأي عنها وعزلها لصالح بدائل أخرى، وكلا الخيارين محفوفٌ بالمخاطر، غير أن الخيار الثاني كفيل بخلق حالة انعدام استقرار شديدة، في حين يهدف الخيار الأول لتجنب هذا السيناريو. ولهذا يعتبر إعلان الرئيس ترمب من السعودية في أيار 2025 عن رغبته بإنهاء كامل العقوبات المفروضة على سوريا دليلاً على عودة الحسابات الاستراتيجية إلى واجهة صناعة السياسة الأميركية المعنية بسوريا. ومما يؤكد هذا التحول التصريحات التي ظهرت بعد ذلك على لسان وزير الخارجية ماركو روبيو أمام الكونغرس، وذلك عندما ذكر بأنه في حال عدم رفع الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا، فمن المحتمل لهذا البلد أن ينهار وأن يعود إلى مرحلة النزاع، والعامل المهم هنا هو الوقت، ولكن ما مدى سرعة إصدار الإعفاءات التنفيذية وتأثير ذلك على رفع العقوبات والقيود المفروضة بحكم الأمر الواقع على الاقتصاد السوري؟ إن قرار الاتحاد الأوروبي الذي صدر في 20 من أيار الماضي والقاضي برفع كامل العقوبات يشير إلى أن الأمور يجب أن تتم بسرعة. وإذا عاد الدبلوماسيون الأميركيون إلى دمشق، فيمكن لسوريا وبكل ثقة أن توضع على مسار جديد للتعافي.

وفي هذه الأثناء، واصلت القيادة الوسطى الأميركية لعب دورها المهم في تسهيل المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ودمشق، وفي الضغط على قسد لقبول الاتفاقية الإطارية التي وقعت في 11 آذار بينهما، إذ شملت عمليات التواصل التي قامت بها القيادة الوسطى، والتي بدأت في أواسط كانون الأول 2024، لقاءات مع الشرع، وتخصيص خط للتواصل مع وزارتي الدفاع والداخلية اللتين تم من خلالهما التخطيط لعمليات محاربة تنظيم الدولة وتنسيقها إلى جانب عمليات خفض النزاع. فمنذ كانون الثاني 2025، أحبطت الحكومة المؤقتة ما لا يقل عن ثماني عمليات لتنظيم الدولة ويعود الفضل في ذلك للمعلومات الاستخباراتية التي زودتها بها الولايات المتحدة. كما أن الزيادة الكبيرة في غارات المسيرات الأميركية التي استهدفت عناصر تنظيم القاعدة في شمال غربي سوريا خلال شهر شباط من عام 2025 كانت نتيجة لتبادل معلومات استخباراتية بين الطرفين بصورة مؤكدة.

وبما أن الولايات المتحدة عزمت على تقليص استثماراتها العسكرية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، وأصبح حلف شمال الأطلسي مشغولاً بما يقلقه داخل أوروبا، فإن مسألة نشر الاستقرار في واحدة من ساحات النزاع الأشد ضراوة وزعزعة للاستقرار في التاريخ الحديث باتت من البديهيات. وعلى الرغم من المخاطر والأمور الكثيرة التي ماتزال مجهولة، فإن إبداء الاهتمام باستراتيجية تخص سوريا وتركز على تشكيل حكومة مركزية مستقرة تتمتع بالقدرات والإمكانيات ومندمجة ضمن محيطها وقادرة على حل مشكلاتها بنفسها ينبغي أن يكون الخيار الأوحد المطروح على الطاولة اليوم، وهذا ما اختارته أوروبا ولهذا لابد للشرق الأوسط وللولايات المتحدة أن يلحقا بها، إذ في حال انضمام إدارة ترمب لهذا المسار القائم على المشاركة والتعاون بلا أدنى تردد، فإن فرص سوريا في رسم مسار للاستقرار لابد أن ترتفع بشكل كبير.

المصدر: The Atlantic Council

تلفزيون سوريا

——————–

لماذا يبقى الناس في زواجٍ تعيس؟ معالِجة نفسية تشرح الأسباب

بيروت: كريستين حبيب

4 يونيو 2025 م

«ما عُدنا نتفق على الأفكار والمبادئ والسلوكيات ذاتها… ذهبَت اهتمامات كلٍّ منا في اتجاهٍ مختلف… ثم صار العراك مشهداً يومياً يدور أمام عيون ولدَينا»، هكذا تختصر ليديا في حديثها مع «الشرق الأوسط» التحوّلات التي طرأت على زواجها عبر السنوات. ولكن رغم المعاناة، كان الطريق بين قرار الانفصال وتنفيذه طويلاً وشائكاً، نظراً لأسبابٍ عدة، في طليعتها معاندة الزوج، والتحديات المادية.

«من أجل الأولاد»

تختصر المعالِجة النفسية الدكتورة ريف رومانوس الأسباب التي تدفع الناس للبقاء في زيجات تعيسة في كلمة واحدة، هي «الخوف». ولهذا الخوف أوجهٌ عدّة، أبرزها الأولاد؛ إذ يخشى الأهل من أن يخطئوا بحقّ أبنائهم ومن أن يعرّضوهم لصدمة نفسية في حال الانفصال.

توضح ريف رومانوس لـ«الشرق الأوسط» أنّ «هذا الخوف طبيعي، ولكن يجب أن يتذكر الأهل دائماً أن الأولاد بحاجة إلى رؤية والدَين مرتاحَين وسعيدَين بعضهما مع بعض، لا أن يشهدوا على علاقة غير صحية».

من المؤكّد أن الطلاق يترك آثاراً على الأولاد، ولكن في المقابل لا مناعة تقيهم الترددات السلبية لزواجٍ سامّ وتعيس. وتضيف ريف رومانوس في هذا السياق: «أن تخسر نفسك من أجل أولادك ليس أمراً سيفرحهم. من الأفضل أن يروك سعيداً بمفردك على أن يروك تعيساً في الزواج».

المال ثم المال

تشير الإحصائيات إلى أن أولئك الذين لديهم كثير من الأموال والأملاك يخسرونها في حال الطلاق، هم أكثر عرضة للبقاء متزوّجين، بغضّ النظر عن مستوى رضاهم عن العلاقة الزوجية.

فحتى وإن حصل الانفصال بأقل الأضرار المعنوية الممكنة، لا يمرّ من دون خسائر مادية. أولاً، الطلاق إجراءٌ مكلف لا تقلّ مصاريفه القانونية عن 10 آلاف دولار في حدّها الأدنى، تُضاف إليها لاحقاً النفقة المخصصة للأولاد. وكلما كان الانفصال صِدامياً بين الشريكَين، كان الثمن باهظاً أكثر. ويشمل ذلك تنازل أحد الزوجَين عن كثير من مدّخراته وحقوقه المادية من أجل الحفاظ على حق الوصاية على الأولاد، أو لمجرّد موافقة الشريك على إتمام الطلاق.

توضح ريف رومانوس أن الخسائر المادية والخوف من فقدان الاستقرار قد يلعبان دوراً محورياً في ردع المرء عن الطلاق: «لكن عندما يشعر الشخص بأنه خسر هويته وما عاد يجد نفسه في هذا الزواج، لا يبقى العنصر المادي رادعاً».

رعبُ مغادرة دائرة الأمان

«هل سأتأقلم على العيش وحدي؟»، «هل سأعثر على شريك جديد؟»، «أليس من الأفضل أن أبقى هنا؛ حيث اعتدتُ على كل شيء؟»… هذه بعض التساؤلات التي تؤرق الشريك التعيس في زواجه. فبطبيعته يخشى الإنسان من المجهول، ويفضّل البقاء ضمن دائرة المألوف، حتى وإن كان هذا المألوف مؤلماً ومتعباً.

الزواج -على تعاسته في بعض الأحيان- هو أشبَه بمنطقة الأمان التي يصعب الخروج منها خشية مما سيَليها.

وقد أشار بحثٌ أجرته «الجمعية الأميركية للطب النفسي» إلى أن الخوف من الوحدة ومن فقدان الأمان، هو في طليعة الأسباب التي تجعل الناس يبقون في زيجاتهم التعيسة. وأضاف البحث أن «تَجاهُل المشكلات التي تشوب العلاقة، أسهل من الجرأة على التغيير ومواجهة المجهول الذي قد يحمله المستقبل».

وتحذّر الجمعية من إخفاء المشاعر الحقيقية حيال الشريك والزواج، تحت قناعٍ من السعادة المزيّفة؛ لأن تَجاهل مواجهة تلك المشاعر يُبقي المرء عالقاً في دوّامة من التعاسة.

«كلام الناس»

رغم أنه خرج من دائرة المحرّمات منذ سنوات، فإن البعض ما زال ينظر إلى الطلاق على أنه فشلٌ وهزيمة. وفق ريف رومانوس فإنّ معظم مَن هم غير سعداء في زيجاتهم يترددون في اتخاذ قرار الانفصال، خشيةً من أحكام الناس عليهم، ومن مواجهة الأهل والأصدقاء بالموضوع.

يبدو البقاء خلف جدران البيت الجميل الذي بنياه معاً، والحفاظ على مظاهر حياتهما التي يظنها الآخرون مثالية، أسهل من الإقرار بأنّ الزواج تحوّل إلى معاناة. بذلك، يتفادى الأزواج خجل الظهور كفاشلين في عيون أهلهم والمجتمع.

ندوب الطفولة

يحمل الشريك إلى زواجه كل ما نشأ عليه خلال الطفولة. غالباً ما يصمت عمّا يضايقه، كالتعنيف أو المعاملة السيئة أو الخيانة؛ لأنه تربّى على أنّ الشكوى والتعبير عن المشاعر نوعٌ من الضعف. يُخفي حزنه واستياءه مقابل إرضاء الآخر، والحصول على سلامٍ وسكينة ظاهريين ومؤقتَين.

في هذه الشرنقة من السلوكيات النفسية غير الصحية، يصبح من الصعب التحرر مما يكبّله. ينعكس الخجل والشعور بالذنب اللذَين تكيّف معهما طفلاً على علاقته بالشريك، فيحمّل نفسه المسؤولية قائلاً: «يجب أن أبذل مجهوداً أكبر في العلاقة»، أو: «ليس الأمر بهذا السوء»، حتى وإن كان صوته الداخلي يصرخ بعكس ذلك.

وقد بيّنت دراسة نُشرت عام 2018 في «Journal of Personality and Social Psychology» (مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي)، أنه غالباً ما يبقى الناس في زيجات تعيسة إرضاءً لشريكهم، غير آخذين في الاعتبار مصلحتهم الشخصية.

على أملٍ مؤجّل

غالباً ما يؤجّل الأزواج الخروج من دائرة التعاسة على أمل أن تترمم العلاقة أو أن يتبدّل سلوك الشريك. وفق الدكتورة ريف رومانوس، فإنّ هذا الأمل المؤجّل يخبّئ في طيّاته استسلاماً: «غضّ الطرف عن بعض المساوئ أمر جيّد، ولكن إذا انسحب على كل جوانب العلاقة فهذا يعني الاستسلام لحياة غير سعيدة لمجرّد البقاء معاً»، كما تقول المعالجة النفسية.

أمام زواجٍ مسدود الأفق، يمكن اللجوء إلى معالج نفسي أو مستشار زواج أو رجل دين، لأخذ المشورة ومحاولة إصلاح ما تصدّع، ولكن «عامل الوقت ومرور السنوات يلعب ضد ترميم زواجٍ متهالك؛ خصوصاً إذا كان التواصل صعباً والقيَم والاهتمامات مختلفة بين الزوجَين»، وفق ريف رومانوس.

أما كيف نعرف أنّ الأمل بالعلاقة الزوجية قد فُقد تماماً، وأنّ فترة الحِداد عليها قد انتهت، فعندما نحدّث أنفسنا قائلين: «لا رغبة لدي في العودة إلى المنزل»، أو: «لا أمانع في أن يجد شريكي الحالي شخصاً يحبه ويعيد بناء حياته معه».

—————————–

عن الإمساك بالعصا من الوسط في سوريا/ موفق نيربية

تتعرّض النخب السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا منذ الثامن من ديسمبر الماضي إلى سؤال متكرّر دائماً: «إلى أين تتّجه البلاد؟ هل تنجح الجماعة التي قادت حركة سقوط النظام الأخيرة في تجربة الحكم؟ هل يمكن تحقيق الاستقرار والأمان، عدا عن الشروع بتأسيس دولة تعددية/ ديمقراطية/ تحفظ حقوق الإنسان والمواطن وحرّياته الأساسية؟ هل نشارك في هذه العملية؟».

وفي الحقيقة، هنالك فارق بين المتسائلين، كلٍّ حسب « بيئته الحاضنة»- اقرأ: طائفته وقوميّته وفكره – وحسب رغبته التي ملّت الانتظار الطويل أيضاً، وتريد التعلّق بأيّة قشّة متاحة. يُقال إن استطلاع رأي أعطى الرئيس الشرع ثقة 85% من شعبه، وحتى لو حذفنا منها شيئاً، فإن ذلك ظاهرة وأمر واقع، وتعبير عن عاطفة جارفة أحياناً لا يستطيع أحد الاعتراض عليها أو إهمالها في حساباته وأفكاره وبرامجه.

بالنسبة لي شخصيّاً، كنت أتّهَم أحياناً بالوسطية، وتدوير الزوايا، وضعف مستوى الراديكالية لديّ، وأحيانا «بالإمساك بالعصا من منتصفها». ولطالما غضبت من تلك» التهمة»، أو ابتسمت كمن أُمسِك متلبّساً في أحيان أخرى. وسأفعل ذلك مرة أخرى في هذا المقال، لأنّي أشعر بالطمأنينة لهذا الخيار أكثر من أية مرة سابقة.

من أهمّ معاني ونتائج هذا الموقف قبول مبدأ المساومة والتسوية والتوفيق، وتعزيز العلاقة مع مجموعات مختلفة، وإغضاب غيرها بالطبع. يجري ذلك من دون إساءة لأحد أو تقليل لاحترام رأيه واختلافه. كذلك يؤدّي هذا الموقف إلى تجنّب التصعيد والانجراف معه بعيداً.

قد تؤدي هذه الاستراتيجية إلى تحقيق بعض الاستقرار في البيئات السياسية المتوترة، ما يُقلل من احتمال تطوّر الصراعات بشكلٍ لا يمكن عَكسُه بعد ذلك. لكنّه يخاطر بخسارة بعض الصداقات أيضاً، بسبب الشعور بالخيانة أو التهميش؛ أو ينتج عنه تأخير الاستجابة للأزمات على الأقل. في الوقت نفسه، تكون هذه الاستراتيجية فعّالة في بناء التحالفات، وصياغة البرامج التي توحّد بين المختلفين نسبياً على أهداف مشتركة، دائمة أو مؤقّتة. وباختصار: تساعد هذه العقلية على المناورة السياسية، مع القدرة على التنقّل بين الأطراف المختلفة، فتكسب شيئاً من دون أن تخسر غيره.. ونأتي الآن إلى موضوعنا السوري:

هنالك طرف -غالب- يميل إلى الثقة المفرطة بالسلطة الجديدة، ممّا يدفع إلى قبول ادّعاءاتها دون تفحّصها بعناية، أو دون التشكيك بها على طريقتنا منذ القدم مع قرارات أيّ حكومة، ومن ثمّ الامتناع عن البحث عن حلول بديلة أو تعطيله. ذلك النوع من الثقة يعرّض أصحابه لإمكانية التلاعب بهم وبعواطفهم ومواقفهم، إذ يغيب احتمال التدقيق في قرارات وسياسات الحكومة، ذلك يُضعف الضوابط والتوازنات ومبدأ المحاسبة الضروري، وقد يؤدّي لتراجع الحوكمة أو انهيارها، أو منع قيامها أيضاً، قد يساعد ذلك الخيار البعضَ أحياناً على الدفاع المرتجل والشفوي عن توجّهات ما كان ليقبل بها في ظروف أخرى، إنه لا يرى حتى تلك المحاولات التي ستؤدّي إلى تقويض استقلاليّته وجودة حياته، حتى عمّا هي عليه في وقت الحدث. ربّما يؤدّي مثل ذلك الموقف «الداعم»، إلى تآكل «يقظة» المواطنين، وتعرّضهم لاحتيال يتجاوز الضوابط المتعارف عليها، فيتسامحون بجرأة مضاعفة مع إساءة استخدام السلطة. يمكن أيضاً أن يساعد على إضعاف المؤسسات القائمة نفسها، أو مشاريع قيامها، لتسود مكانها الشكلانية والفراغ والعبث. أيّ موقف داعم ينبغي أن ينطلق إذن من التفكير النقدي الحر، ويحاول تحييد المصالح العابرة ما استطاع، لأنّ غياب ذلك النوع من التفكير والتدقيق، سوف ينتج عنه اكتساب صاحب القرار للجرأة أكثر على الفساد وتكراره، حتى يصبح في البنية والعقل ويبدأ بالتمدّد إلى خارجه، مع تعقيد احتمال محاسبة المسؤولين ومساءلتهم عن أفعالهم وقراراتهم. فمعالجة المخالفات والانتهاكات وإصلاحها مستحيلة، من دون مبدأ المساءلة والشفافية، وكذلك حريّة التفكير وانفتاحه خارج المصالح المباشرة، التي لا تعدو أن تكون شفوية أحياناً ومجرّد ارتجال، أو انعكاس لمسار الخلافات والانتماءات ما قبل المدنية.

ولعلّ الأكثر خطورة هو شعور المواطنين بالرضا والإدمان على تلك الثقة والاستسلام لها، مما يُضعف رغبتهم في المشاركة في العملية السياسية أو محاسبة ممثليهم فيها، هذا بدوره يُضعف القوة العامة للمؤسسات الديمقراطية – بتسميته ذاتها أو بوظيفتها- ويُصعّب معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة.

في المقابل، هنالك مساوئ للنقد الزائد للسلطة، الذي قد يساعد على بروز عديد من المشاكل، وعلى، ربّما، عدم الاستقرار والفساد أيضاً، وحتّى إلى شيء من التدهور الاقتصادي. إن أيّ إضعاف للحكومة خارج المنطق والمصلحة الوطنية سوف يُضعف قدرتها على تنفيذ ما تعهّدت به، في كلّ المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعملياً أو حالياً يضعف قدرتها على تحقيق التعافي في أقرب وقت ممكن، أو على تهيئة البنية التحتية لاستقبال برامج إعادة البناء. وليس هذا في مصلحة، وربما ليس في برنامج الناقد الشرس في نقده.

بشكل غير مباشر يؤدّي النقد المفرط إلى نتائج تشبه ما تفعله الثقة والدعم الزائدان، خصوصاً حين يزداد ضعف الحكومة وتصبح عرضة لانتشار الفساد بشكل أسهل، أو حين تهتزّ الثقة بالمؤسّسات والقائمين عليها، فيغلب عليهم التردّد وعدم الثقة، ممّا يقود إلى إضعاف تلك المؤسسات. هنا يشبه المفعول ما كان تؤدّي إليه الطهرانية والثوريّة الزائدة سابقاً، من برامج سيّئة و»نضال» سيّئ أيضاً.

تحتاج سوريا حالياً إلى خطوات إسعافية، تستفيد من المردود الأعلى من رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية، لتضمّد جراح الاقتصاد، ضمن منظور معيشيّ كحدّ أدنى في البداية، حتى يستطيع الشعب الاستيقاظ من حالته البائسة، ويعطي بعض وقته للفاعلية السياسية الضرورية، كشرط مسبق لتأسيس سوريا المقبلة. لا يمكن العمل والإنتاج على الإطلاق والأنفاس متلاحقة متقطّعة كما هو الحال.

لقد تحقّقت ثلاث إيجابيات كادت تكون مستحيلة:

فقد رحل النظام الأبدي، ليس الذي صدّق نفسه وعائلته وحسب بأنّه باق إلى الأبد بكلّ سخافة وتفاهة تلك الفكرة، بل إن الشعب المعنيّ ذاته اختلف عمّا كان عليه، بعد أن طحنته عاديات الدهر والأسد أربعة وخمسين عاماً، وأوصلته براغماتية الداعمين وأطماعهم إلى عمق اليأس، بدلاً من برّ الأمان الذي وعدوا به.

انطلق الحدث الخارق من إدلب، التي سادت فيها هيئة تحرير الشام وخلقت «نظامها وحكومتها»، هي المصنّفة إرهابية من قبل أمريكا وأوروبا وآخرين، بما في ذلك مجلس الأمن نفسه، ثمّ قاده من لم يكن ليصدّق عديد الناس في الداخل والخارج أنه يمكن أن ينفّذ تلك المهمة المستحيلة: إسقاط الاستبداد وتحرير دمشق منه، أو البدء بذلك، ذلك كان المستحيل الثاني. ومع «التصنيف» وضغط التاريخ واستمرار مظاهر بعض التطرّف حتّى الآن، لم نكن نحسب أن رفع العقوبات سيكون بهذه السرعة وهذا العمق: ليعود أمل السوريين بالخروج من الجبّ العميق، وبعودة البصر إلى وعيهم السياسي. حتى ما يتعلّق بالعدوّ التاريخي الذي استطاع الأسد تمويه مفعوله السلبي باتفاقية فصل القوات، واجهتها السلطة الجديدة وأحرجت إسرائيل – والولايات المتحدة – بالمرونة التي أظهرتها، وتجاوزت الحرج الذي يمثّله مثل ذلك الموقف أمام» المتطرّفين» الآخرين. ساعد ذلك على تحقيق المستحيل الثالث، وعلى تجاوز الشعب السوريّ لتلك العقدة، من دون تخلّ عن الأرض والمبدأ رسمياً وحتّى الآن.

لذلك كلّه، لا بد من وجود من يمسك العصا من منتصفها، ويدعو إلى التوافق والتسويات وتبريد الخواطر المريرة، وهو موقف آني ومؤقّت حتماً. ولو كان الوضع منتظماً من الناحية السياسية، أو لو انتظم، لكان عدد المعارضين أكثر من الآن بكثير، ولكن: لا تريد الأغلبية العظمى منهم أن تغامر بتطوير موقف مناقض جذرياً للسلطة في الوقت الحرج الراهن. الإمساك بالعصا من وسطها يتعارض مع أيّ استخدام عنيف لها، وهو مجرّد أداة للمحافظة على التوازن عند السير على حبل رفيع… تمتدّ تحته الهاويةُ السحيقة!

كاتب سوري

القدس العربي

———————————–

حسابات الخليج في “احتضان” التغيير السوري/ مروان قبلان

04 يونيو 2025

رغم مشاعر الشك والتردّد التي طبعت المواقف الخليجية المبكّرة من التغيير “الصادم” الذي شهدته دمشق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فإن الأمر لم يستغرق، بعد ذلك، وقتاً طويلاً حتى استوعبت السياسات الخليجية عمق التحول الذي أحدثه سقوط الأسد في المنطقة والعالم. ومن الواضح أن التوجهات الأيديولوجية للحكم السوري الجديد، الذي تنحدر أغلب فصائله، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، من خلفيات إسلامية، سلفية تحديداً، كانت العامل الرئيس وراء التوجس الخليجي الأولي من الزلزال السياسي السوري. ومن الواضح أيضاً أن دول الخليج العربية، التي أخذ يتراجع دورها في الصراع السوري منذ عام 2018، وقطع بعضها صلاته بجماعات المعارضة التي كانت تدعمها سابقاً، تزامناً مع بدء انفتاحها على نظام الأسد، لم تكن على دراية بعمق التحولات التي طرأت على هيئة تحرير الشام، والجماعات المرتبطة بها، ليس بسبب مراجعات فكرية، كما حصل مع جماعات إسلامية أخرى، بل بسبب اضطرارها للتعامل مع الواقع المعيش، بعد أن صارت سلطة حكمٍ في إدلب، مسؤولة عن تدبير حياة أكثر من أربعة ملايين نسمة. ولم تكن دول الخليج على اطّلاع أيضاً، كما يبدو، على الاتصالات والمناقشات التي كانت تجري بين قيادات في الهيئة وبعض الحكومات الغربية، في إطار ما يسمى بالمسار الثاني، حيث لعبت مراكز أبحاث وشخصيات أكاديمية غربية بارزة دوراً في نقل الرسائل بين الطرفين. وقد ازداد الحماس الخليجي للنظام الجديد في دمشق بالتأكيد بفعل الانفتاح الغربي عليه، والذي برز جلياً في الأيام الأولى لسقوط الأسد، في زيارات قامت بها إلى دمشق وفود دبلوماسية رفيعة من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وكذلك بعد سلسلة الرسائل والتطمينات التي مررها النظام الجديد بأن توجهاته الأيديولوجية لن تتجاوز سياساته الداخلية إلى علاقاته الدولية. شجّع هذا كله تبلور توجّه قوي لدى أكثرية دول الخليج العربية بوجود فرصة مهمّة برزت نتيجة التغيير في دمشق، وأنه يمكن الاستفادة منها لإعادة تشكيل المنطقة، بما يخدم مصالحها وتوجهاتها السياسية.

بالنسبة لدول الخليج، ليست سورية تفصيلاً، أو هامشاً إقليميّاً، بل تحتل، منذ استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، مكان القلب في حساباتها الاستراتيجية (نتحدث هنا خصوصاً عن السعودية)، وعلاقات القوة والتنافس مع قوى المنطقة الرئيسة. خلال عهد الملكين سعود وفيصل والرئيس جمال عبد الناصر، كانت سورية مركز الصراع السعودي – المصري، كما كانت مركز الصراع السعودي – الهاشمي بجناحيه العراقي والأردني. ولم تكن السعودية لهذا السبب بعيدة عن أكثر الانقلابات العسكرية التي شهدتها سورية بين 1949 – 1963، كما كان كذلك الهاشميون والمصريون.

بعد قطيعة خلال عهد اليساري الشعبوي صلاح جديد (1966- 1970) عادت سورية جزءاً مهماً من توازنات القوى التي دعمتها السعودية لمواجهة “البعث” العراقي الذي أخذ موقفاً متشدّداً من دول الخليج العربية، وسعى إلى إسقاط حكوماتها، ومثَّل انفتاح حافظ الأسد على السعودية في عهد فيصل، وعلى إيران في عهد الشاه، دليلاً على ذلك. لكن الوضع تغيّر بعد ثورة الخميني، إذ صارت إيران مصدر الخطر على دول الخليج، بدلاً من “البعث” العراقي. ورغم أن حافظ الأسد ساند إيران التي كان هدفها المعلن تصدير الثورة، وإسقاط نظم الخليج المحافظة، فإن الملك فهد استمر، حتى عام 1984، في ارسال حصّة سورية من المساعدات العربية (750 مليون دولار سنوياً) التي أقرّتها قمّة بغداد (1978) لدول الطوق، بعد خروج مصر من الصف العربي، بفعل اتفاقية كامب ديفيد، خشية أن يدفعها قطعُها كلياً إلى الحضن الإيراني.

بسقوط نظام الأسد، تبرُز اليوم أمام دول الخليج فرصة جديدة لإعادة التوازن الإقليمي الذي انهار بفعل الغزو الأميركي العراق، ثم ثورات الربيع العربي التي استغلتها إيران، لبسط نفوذها على امتداد المشرق العربي. تركن السعودية حاليّاً إلى أن سورية الجديدة ستأخذ دور العراق التقليدي في صد النفوذ الإيراني، وفي موازنة العراق أيضاً، كما درجت على ذلك تاريخيّاً. هنا يبدو أن الأمل في انتزاع العراق من النفوذ الإيراني بات ضعيفاً (بدليل مستوى التمثيل الخليجي في قمّة بغداد أخيراً)، في حين يقلل تحوّل سورية إلى دولة حليفة من تكلفة الاعتماد على مصر التي باتت فاتورة دعمها مرهقة، وعوائدها غير مجدية، كما يمنع سيطرة تركية كاملة في دمشق.

العربي الجديد

—————————————–

الصلاة في الجامع الأموي.. لحظة تعيد سوريا للعرب/ رامي الخليفة العلي

نشر في: 04 يونيو ,2025

زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى سوريا لم تكن زيارة دبلوماسية عادية، بل كانت لحظة تاريخية فارقة ترسم ملامح مستقبل المنطقة العربية وتُعيد ترتيب الأوراق وتوثق الروابط التي حاول البعض طيلة سنواتٍ عجاف قطعها. الصورة التي وقف فيها الأمير فيصل بن فرحان مُصليًا في رحاب جامع بني أمية الكبير بدمشق تختصر الكثير من الكلام، فهي لحظة لا يمكن وصفها إلا بأنها لحظة عودة الروح السورية إلى الجسد العربي، تلك الروح التي كادت تتمزق بفعل سنوات الفتنة والضياع والاختطاف. لقد حملت صلاة الوزير السعودي في المسجد الأموي رمزية عميقة، فهي تؤكد أن دمشق، هذه المدينة التاريخية التي عاشت عبر القرون حاضرة للعروبة والإسلام، لا تزال القلب النابض الذي لا يمكن أن يغيب، وأن عروبة سوريا لا يمكن أن تتبدل مهما حاول مختطفوها فرض هويات دخيلة أو غريبة. سنوات الاختطاف لم تستطع أن تُغير وجه سوريا، رغم الآلام والجراح، ورغم كل المحاولات اليائسة لتشويه الهوية العربية والإسلامية الأصيلة التي ظلت شامخة في وجه الرياح العاتية. هذه الصلاة المباركة في رحاب الأموي، تُعلن عودة سوريا الحقيقية إلى حضنها العربي الطبيعي، وتُعلن عودة العرب إلى سوريا. إنها رسالة واضحة من المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز تؤكد فيها أنها لن تترك سوريا وحيدةً، وأنها حاضرة بقوة لمد الجسور وإعادة الوصل وإصلاح ما انقطع. هذه الخطوة ذات رمزية بالغة تؤكد من جديد على الدور السعودي المتعاظم والفاعل في رسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط؛ خريطة تقوم على الوئام والتعاون والسلام، بعيدًا عن الصراعات والتدخلات الأجنبية التي أثبتت فشلها مرارًا وتكرارًا. أمام هذا المشهد التاريخي، لا بد من توجيه رسالة ضمنية إلى أولئك الذين هم ما زالوا خارج القطار السعودي المتجه بسرعة فائقة نحو المستقبل. هؤلاء الذين يُصرّون على محاولة الركوب في عربات قديمة متهالكة، لا تحمل سوى شعارات طنانة بلا مضمون، وتعيش على أوهام الماضي دون أن تنظر إلى مستقبل المنطقة، وإلى متغيرات الواقع الجديد. إن زمن الشعارات الفارغة قد ولى، وزمن الأوهام قد انتهى، فاليوم هو زمن العمل الجاد وزمن التعاون العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية بكل اقتدار وحكمة. زيارة الأمير فيصل بن فرحان والصلاة في المسجد الأموي لم تكن حدثًا عابرًا، بل هي إعلانٌ قوي وواضح عن نهاية حقبة مظلمة كانت فيها سوريا مختطفة ومغيبة عن دورها الطبيعي والتاريخي في قلب الأمة العربية. اليوم، تُشرق الشمس من جديد على دمشق، مُعلنةً أن لا هوية إلا الهوية العربية، ولا تاريخ إلا التاريخ العربي، وأن المملكة حاضرة إلى جانبها لمساعدتها في اجتياز هذه المرحلة الانتقالية بكل قوة وصلابة. وأخيرًا، وكما قال الرئيس السوري أحمد الشرع في وصيته للحجاج السوريين وهم يتوجهون نحو الأراضي المقدسة: «كونوا رسل سوريا إلى السعودية، وأظهروا للشعب السعودي أننا شعب واحد في دولتين». هذه الوصية الحكيمة تؤكد أن ما يجمع الشعبين السعودي والسوري يعكس عمق الأخوة والترابط بينهما، وأن المستقبل يحمل في طياته أملًا كبيرًا وتعاوناً يعيد للعرب مكانتهم وقوتهم في وجه كل التحديات.

* نقلا عن ” عكاظ”

————————–

بيلدكس: آمال كبيرة للمشاركين في المعرض الدولي للبناء/ محي الدين عمّورة

740 شركة محلية وأجنبية تتطلّع لحجز مكانها في السوق السورية

04-06-2025

        أقيمت فعاليات الدورة الـ22 من المعرض الدولي للبناء (بيلدكس) في مدينة ‏المعارض في دمشق، في الفترة من 27 ولغاية 31 أيار(مايو) 2025، برعاية وزارتَي الاقتصاد ‏والصناعة، والأشغال العامة والإسكان. وشارك في المعرض 740 شركة محلية وأجنبية، توزّعت بين 490 شركة محلية، و250 شركة عربية ودولية في ‏مجالات مواد البناء والتشييد، والإكساء، والطاقات البديلة، وتقنيات المياه، ‏والمفروشات، وشركات التطوير العقاري، والمكاتب الهندسية، والشحن، ‏والمصارف، وأنظمة الأمن والسلامة. ولفت المدير العام للمجموعة العربية للمعارض، علاء هلال، إلى وجود أكثر من 200 شركة جديدة لم يسبق لها المشاركة من قبل.

        وتأتي أهمية هذه الدورة لكونها الأولى بعد سقوط نظام الأسد، وكذلك لأنها جاءت بعد رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا، وهو ما شجع الكثير من الدول والشركات العربية والأجنبية على المشاركة، خاصةً مع اقتراب مرحلة إعادة الإعمار. كما أن المعرض يأتي بعد توقيع الحكومة السورية الانتقالية مع تحالف شركات دولية اتفاقيةً ومذكرةَ تفاهم بقيمة 7 مليار دولار أميركي في قطاع الطاقة.

        تجولنا في بعض الأجنحة والتقينا عدداً من المشاركين، ومنهم السيد كريستيان ماركي، المدير التنفيذي لشركة MECTILES & CERAMIC TECHNOLOGY لتقنيات الصناعة والسيراميك، والذي قال للجمهورية.نت: «هذه زيارتي الثالثة إلى سوريا خلال ثلاثة أشهر. شاهدتُ خلالها تطوراً سريعاً وتغييراً إيجابياً جداً. الناس هنا إيجابيون، والشركات بدأت بإعادة بناء المعامل القديمة والمهدمة. في بيلديكس الكثير من الزوار، ولكن لسوء الحظ ليس هناك الكثير من الزائرين من أوروبا. ربما في السنة القادمة أو النسخة القادمة».

        ويقول ماركي عن خصوصية المعرض هذا العام: «في الأسابيع الأخيرة أصدرت الحكومة السورية عدداً من القوانين لإعطاء التسهيلات اللازمة للقادمين من الخارج. تحتاج سوريا إلى كل شيء، لكن الشيء الأهم هو إعادة الإنتاج المحلي لمختلف المواد والمنتجات الغذائية والفعاليات الاقتصادية، وهذا يحتاج إلى وقت. أيضاً يحتاج السوريون إلى شقق سكنية وأبنية ومشاريع، ليس فقط في دمشق وحدها ولكن في كل المحافظات. هناك الكثير من الدمار وأعداد الذين يحتاجون إلى أماكن للسكن كبيرة».

        لدى دخولنا المعرض، استقبلنا صلاح الدين السباعي، ممثل شركة سالم بالحمر التجارية وشركة بافكو المحدودة القادم من السعودية، والذي وصف المشاركة بالجيدة والإقبال بالكبير: «نبحث عن موزعين في سوريا أو أن نكون موجودين نحن فيها للتصنيع أو للتجارة. المشاركة جداً مفيدة لأنها تُعرّف الناس على الأصناف الموجودة عند المُنتِجين. قُدمت لنا العديد من العروض من تجار في دمشق ومختلف المحافظات للتوزيع، وحتى الحسكة والرقة ودرعا والسويداء. لم نكن يوماً إلا متفائلين بالقادم، ونحن واثقون بقدرة الشعب السوري على إعادة بناء وطنه ونسعى لأن نكون شركاء حقيقين في هذا البناء»، وتشارك في معرض بيلدكس هذا العام 20 شركة قادمة من السعودية.

        المشاركة الأكبر كانت للشركات التركية، ويمثّلها في معرض بيلدكس 112 شركة، بين شركات قادمة من تركيا أو عبر وكلاء سوريين، ومنهم شركة الصباح وكلاء شركة AKFIX التركية، وقد تحدّث إلينا حسن إبراهيم عن هذه المشاركة بقوله: «هذه المشاركة الأولى لنا في معرض بيلدكس. في السنة الماضية كان المعرض عبارة عن جناحين، لكن هذه السنة المعرض أكبر بكثير، وهناك تنوع كبير في العروض وإقبال ممتاز. هناك الكثير من الأشخاص الذين تغربوا خارج سوريا نحو 12 أو 13 عاماً، عانوا ما عانوه في الغربة لكنهم تعلموا الكثير من الأشياء واكتسبوا خبرة كبيرة، وهم الآن يرغبون بالعودة إلى سوريا للعمل».

        وتابعنا جولتنا في بيلدكس لنلتقي حمزة أبو رشيد، المدير التنفيذي في مؤسسة آرت فيلد للدهانات والصناعات الكيميائية، وهي مؤسسة لبنانية سورية. يقول أبو رشيد: «نحن في سوريا منذ عام 2021، ولكن نعمل في لبنان منذ 2009. هذه المشاركة الأولى لنا في بيلدكس. لم نكن نشارك سابقاً لأن المشاركة في أي معرض أو أي نشاط اقتصادي كانت تفتح علينا عيون الأجهزة الأمنية، وخاصةً فرع الخطيب والمالية. لم نكن نشارك، ولكن كان لنا اطلاع على الدورات السابقة. هذه الدورة مختلفة كلياً من ناحية المشاركة ومن ناحية الإقبال. شاهدنا زواراً من خارج سوريا، وهذا يساعد في إعادة إعمار البلد مستقبلاً، خاصةً بعد توقيع اتفاقية الطاقة».

        ومن الشركات المحلية استوقفتنا شركة سيدار بن لصناعة الأبواب والمطابخ لصاحبها محمد شيخ مصطفى، الذي قال لنا: «الشركة الأم في مدينة منبج، وقريباً سنكون في دمشق وحلب والساحل. كنا نشارك في معارض إسطنبول، وقبل شهرين شاركنا في معرض في حلب، لكن تبقى لأرضِ معرض دمشق الدولي خصوصية. تفاجأ الزوار من الأصناف الموجود لدينا من أبواب ومطابخ. نتيجة الإقبال والزوار من دمشق وريفها ودرعا والسويداء والقنيطرة وحمص وحماة هنا في المعرض، كانت هناك مطالبات من الجميع بأن يكون لدينا فروع في المحافظات».

        وأضاف شيخ مصطفى: «للأسف الكثير من أهالي دمشق ليس لديهم معرفة بموادنا، لأن المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام البائد كانت عبارة عن سجن كبير». وشارك في المعرض كذلك شركات من الصين وقطر ومصر وحتى المكسيك عبر الشركات أو الوكلاء في سوريا. وبالعودة للدورات السابقة نجد أنها كانت تقام كنوع من الدعاية دون وجود أثر اقتصادي، حتى أن حلفاء النظام كانت مشاركاتهم خجولة. في الدورة الأخيرة عام 2024، لم يتحدّث النظام عن مشاركة دول أو شركات، ولكنه اكتفى بالقول إن أكثر من 380 علامة تجارية محلية ودولية شاركت في المعرض، ولم يُقَم المعرض لوحده، بل رافقه معرض تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (هايتك) بدورته العاشرة ومعرض سورية الصناعي الدولي بدورته الثامنة. واقتصر حضور حلفاء النظام على السفير الإيراني في حفل الختام. وفي عام 2023 أيضاً، تحدث النظام عن مشاركة علامات تجارية عددها 320، وحضر حفل الافتتاح القائم بأعمال سفارة الإمارات في دمشق، وسفير البرازيل في دمشق والممثل التجاري في روسيا الاتحادية. واضطر النظام لإقامة معرض نحت لأحد الفنانين التشكيليين ضمن معرض بيلدكس ليملأ المزيد من الفراغات، والذي أكد أن مشاركته في ذلك العام كانت المشاركة السادسة على التوالي. قبلها بعام، أُقيم معرض بيلدكس أيضاً، وفي تلك الدورة تحدث النظام عن مشاركة 265 شركة محلية وعربية وأجنبية، قبل أن يتدارك ذلك في المعارض اللاحقة ويحوّل المشاركة إلى علامات تجارية دون الحديث عن دول وشركات، وتحدث عن 150 جناحاً، علماً أن العروض اقتصرت على جناحين فقط، مما اضطره للاستعانة بمشاريع هندسية لطلاب الجامعات.

        عام 2021 أقيم المعرض بمشاركة حوالي 215 شركة، وفي تلك الدورة أيضاً تزامن المعرض مع الدورة الثانية لمعرض التدفئة والتكييف والمياه ومعرض المفروشات والديكور والتجهيزات المنزلية، وشاركت فيه روسيا وإيران، واللافت أن بعض الشركات الروسية كان اختصاصها بعيداً عن جوهر المعرض، مثل شركةٍ تعمل في مجال حماية الوثائق والشهادات وشركة لحماية المعلومات. في حين شاركت إيران بـ27 شركة تعمل في مجالات الطاقة والبناء والبنى التحتية والكهرباء ومواد البناء وتلك العازلة للحرائق، إذ كانت إيران تحاول الاستحواذ على الحصة الأكبر من عملية إعادة الإعمار المأمولة. وقد حاول النظام في إحدى الدورات إقحام اسم قطر كدولة مشاركة، لكن سرعان ما خرج مصدرٌ مسؤول في المجموعة العربية للمعارض لنفي الخبر، مؤكداً أن الشركة التي يتم الحديث عن كونها قطرية ومشاركة في معرض بيلديكس، إنما هي شركة جزائرية قطرية تحمل اسم «الجزائرية القطرية للصلب»، أي أن دولة الجزائر هي المشاركة في المعرض. وما يزيد الطين بلة أنّ الشركات المحلية التي كانت تشارك لم تنجُ من الضرائب والأتاوات التي كان يفرضها النظام بسبب مشاركتها في المعرض.

موقع الجمهورية

——————————–

سوق الإنتاج التلفزيوني في سوريا، نهاية للفوضى أم مزيدٌ منها؟/ علاء الدين العالم

كيف تتشكل ملامح ظروف إنتاج فنية جديدة في سوريا

04-06-2025

        بينما كان يُعلَنُ عن انطلاق (X ART) كشركة سورية جديدة للإنتاج الفني، وفي وقتٍ كان المتابعون يسألون عن ماهية الشركة وأصولها وبرنامج عملها،  كان مجلس الإدارة المُعيَّن في نقابة الفنانين يقيل النقيب مازن الناطور، الذي رفض قرار إقالته واعتبره غير شرعي. وفي اليوم ذاته الذي عُرضت فيه لافتات كفرنبل في ساحة الحجاز بالشام، وهي اللافتات التي شكلت واحدة من أميز التمظهرات الفنية في الثورة السورية، كان هناك هرج ومرج في نقابة الفنانين السوريين، وكان النقيب يُقيل مجلس إدارة النقابة، النقابة ذاتها التي يُفترَض أنها المسؤولة الأولى اليوم عن تنظيم وترتيب فعاليات فنية وأفعال ثقافية في المدن السورية، وتحديداً في العلاقة مع عنصر فني أساسي وفعّال في التراجيديا السورية كلافتات كفرنبل. إذن، النقابة في واد، والفعل الفني والمؤسسات الفنية في وادٍ آخر. لكن هل النقابة ضرورية للفنانين والعمل الفني إلى هذا الحد اليوم؟ ومن، وكيف، سيُنَظَّمُ العمل الفني والمؤسساتي في الحقل الفني السوري بعد السقوط؟

        عن نقابة لكل الفنون

        منذ توغل البعث في السلطة، لم تكن نقابة الفنانين السوريين نقابة لكل الفنانين، ولا لكل الفنون. ودون الدخول في أنطولوجيا لعمل النقابة منذ تأسيسها نهاية الستينيات إلى اليوم، يكفي ذكر حادثة الراحل رفيق سبيعي منتصف الثمانينات، عندما فاز في الانتخابات بمنصب النقيب، لكن التوجه الحزبي البعثي التفَّ حول الانتخاب و(عُيِّنَ) المخرج الإذاعي الحزبي سهيل كنعان لوضع النقابة -كأي نقابة في سوريا- تحت الوصاية الحزبية البعثية. بعد سقوط الأسد، وبعد المطالبة بتفعيل العمل النقابي، وبعد تَوافُد عدد كبير من الفنانين السوريين إلى سوريا، تفائل البعض بإعادة تشكيل النقابة كمظلة مؤسساتية رابطة للفنانين السوريين، وإعادة تكوينها وتفعيل دورها في حماية حقوق الفنانين وتنشيط عملهم وتسهيله وتنظيمه. إلا أن الأشهر الستة الماضية، لم تقدم إلا نموذجاً متخبطاً للعمل النقابي، وفوضى مؤسساتية عارمة اجتاحت النقابة. فلا انتخابات ولا اجتماعات ولا مؤتمرات تأسيسية، ولا محاولات جادة لإعادة هيكلة النقابة وتفعيل دورها الحقيقي. على العكس، بقيت المُماحكات الفردية، وابتعدت النقابة أكثر عن العمل المؤسساتي، وانفضَّ الفنانون عنها بدلاً من التوجه إليها.

        قبل كل ذلك، ليس هناك تعريفٌ واضحٌ للفن والفنان في النقابة، ولا أسئلة أو محاولات لإعادة التعريف اليوم. من هو الفنان الذي تعترف به نقابة الفنانين؟ وعلى أي أُسس، وهل هذه الأسس ثابتة لا تتغير ولا تتطور مع تطور الفنون؟ وهل التعريفات الموجودة في أدبيات النقابة منذ السبعينيات ما زالت صالحة الآن؟ هل هناك محاولات لإعادة تعريفها، وهل ذلك ممكن في كل هذا الهرج الحاصل في النقابة؟ وما هو الفن الذي تغطيه النقابة؟ وما الذي تعنيه بالفن. الغناء والتمثيل والموسيقى فحسب؟ هل الفنون الأخرى غير مشمولة؟ هل يحتوي دستور النقابة على أي تعريف للفن البصري والفيجوال آرت مثلاً؟ كل هذه الأسئلة مُبهمة في عمل النقابة وفي أدبياتها. لذلك، النقابة ليست بحاجة إلى تغيير على مستوى إداري فقط، وكأنَّ بنيتها صحية وإدارتها هي الخَرِبَة، بل إن نقابة الفنانين السوريين بحاجة إلى تغيير جذري في بنيتها، لا إلى تغيير سطحي يطال القشرة فقط. اصطلاحُ الفن ذاته ملتبس في هذه النقابة، وهي النقابة الفنية الحكومية الوحيدة في العالم ربما، التي يقتصر فيها مفهوم الفن على التمثيل والغناء!

        «وضعُ مقترح لقانون جديد للنقابة، يضمن استقلالها السياسي ودورها كمنظمة مهنية مطلبية بالتعاون مع قانونيين وخبراء آخرين حسب الحاجة، وبالتشاور مع نقابات أخرى ممّا يُسهِّلُ التعاون بين النقابات المختلفة مستقبلاً». ربما يكون الكلام السابق هو الأهم في بيان أطلقه بعض الفنانين منذ أيام تحت عنوان خارطة طريق لإعادة هيكلة نقابة الفنانين، وهو ليس البيان الأول من نوعه، فكثيرة هي البيانات التي دعت إلى تغيير هيكلية النقابة، وكلها بقيت حبراً على ورق. المطلوب اليوم قبل أي شيء، هو إعادة كتابة قانون جديد للنقابة، ووضع معايير جديدة للانتساب والقبول، ووضع تعريفات معاصرة للفن والفنان، وقبل كل ذلك، وضع شبكة مؤسساتية تحمي الفنان وتساهم في خلق بيئات تشغيل له وتسعى إلى التشبيك مع المؤسسات الفنية والشركات المنتجة، بحيث تكون النقابة هي المرجع القانوني بين الفنان وبين الجهة أو المؤسسة التي يعمل معها. وطبعاً للوصول إلى ذلك، أو إلى أول الطريق على الأقل، فيجب أن تكون النقابة مستقلة تماماً عن أي جهة سلطوية أو (ثورية) تتحكّمُ بها وبقراراتها، وألّا تخضع إلى أي تبعية سياسية أو أمنية كما كان الحال على زمن المخلوع.

        أسئلة كثيرة وأجوبة معلقة

        إن وجود نقابة فنية مستقلة وشفافة سيُتيح  تنظيم العمل الفني بكل أجزائه وتفاصيله بشكل أفضل، ولأنّ هذا العمل مُتشعّب وله أنواع متنوعة، ولأنه لا مجال هنا لمقاربة تعريف الفن، المفهوم الأكثر ميوعة، فسوف نقف عند جانب واحد من جوانب عمل النقابة الفنية، وهو العمل التلفزيوني، ونحاول استطلاع تجارب العمل المؤسساتي لهذا النوع من الفنون؛ كيف انتظمَ سابقاً؟ وما هي إشارات حضوره الجديد بعد السقوط؟ وكيف ستتعامل النقابة مع سوق العمل الفني السوري؟ وما هو شكل الشراكات الجديد بين شركات الإنتاج الخاصة، ونقابة الفنانين؟

        بعد رفع العقوبات المؤقت، سيتاح المجال لدخول شركات إنتاج عربية وأجنبية، وظهور شركات إنتاج محلية جديدة (دراما إكس مثلاً)، وإعادة تدوير شركات إنتاج قديمة، وعودة بعض شركات الإنتاج السورية إلى الداخل. نعم لن تكون الأمور بهذه السرعة، وقد يحتاج الأمر إلى سنوات عدة، ويُفترَضُ أن تكون هذه السنوات هي المجال الزمني الذي ستتطور فيه النقابة وتصبح على قدر التعامل مع انفتاح السوق الإنتاجي إن حصل. فالقوانين الناظمة لعمل هذه الشراكات، وحدود الأجور الدنيا والتأمينات والبحث في أصول هذه الشركات، وغيرها من تفاصيل العمل، يجب أن تكون «بمرجعية» النقابة، بمعنى أن تعمل النقابة كوسيط قانوني ومَرجِعٍ بين الفنانين من جهة والشركات من جهة أخرى. أما أن تستمر النقابة بأسلوبها البيروقراطي وصراعاتها الدونكيشوتية، فإن ذلك يعني فوضى في الإنتاج وفي عمل الشركات وعقودها واستثماراتها.

        تجارب مُلهِمة لمرحلة جديدة

        يدور أبرز الأحاديث في وسط الإنتاج التلفزيوني السوري اليوم عن عودة قناة MBC بمشروع خاص بسوريا، كأن تطلق قناة MBC سوريا، أو تُفعِّلَ الإنتاج التلفزيوني السوري وتزيد من عدد المسلسلات المُنتَجة. ورغم أن كل ذلك ما زال مجرد إشاعات وتكهنات ظهرت مع الحماسة لرفع العقوبات والدور السعودي الإيجابي فيها، دون أن يظهر في أي تصريح من الشبكة إلى الآن، إلا أنّ هذه الأخبار تطرح سؤالا كبيراً: هل هناك بيئة نقابية ومهنية ناظمة في سوريا تستقبل عملاً ضخماً بمثابة العمل المباشر مع شبكة ترفيهية هي الأضخم والأكثر احترافية عربياً؟ وهل ستتمكن MBC أو غيرها من العمل في خضمّ فوضى الإنتاج التلفزيوني السوري؟

        وعلى ذكر MBC وعلاقتها مع سوريا، هناك تجربتان يمكن الرجوع إليهما عند الحديث عن محاولات تنظيم العمل التلفزيوني السوري، وضبط العلاقة بين الفنان/العامل والشركة المُشغِّلة. الأولى هي تجربة الممثلة السورية لورا أبو أسعد في دبلجة الأعمال التركية إلى العامية السورية. فمشروع الدبلجة الذي أطلقته لورا بالشراكة مع شركة سما للمُنتِج الراحل أديب خير، وبإنتاج وعرض MBC، تمكَّنَ خلال سنوات من تشكيل بيئة عمل تخضع لضوابط وقوانين ناظمة، تُحدَّدُ فيها الحدود الدنيا للأجور لكل العاملين، ما ساهم في خلق بيئة عمل فنية احترافية إلى حد ما في مجال الدوبلاج.

        أما التجربة الاحترافية الأحدث، فكانت تجربة عمل المُنتِجة السورية سارة دبوس، التي شكلت مع MBC أيضاً، وبرفقة فريقها الإنتاجي، بيئة عمل احترافية عبر بوابة الأعمال المُعرَّبة. إذ شكلت هذه الأعمال مساحة عمل وتشغيل للفنانين السوريين (ممثلين، كتاب، مدربين ممثلين، مهندسي ديكور…إلخ) ضمن ظرف إنتاجي احترافي وجدَ فيه الفنان السوري نفسه، المُمثِّلُ على وجه الخصوص، في شروط عمل منصفة ومضبوطة وعملية. وتمكنت دبوس عبر أعمال مختلفة وخلال سنوات، من وضع الممثل السوري واللبناني في ظرف العمل التلفزيوني التركي الاحترافي الخاضع للقوانين النقابية الضابطة في تركيا، وبذلك عرفَ الفنانون العمل في بيئة فيها حقوق وواجبات، وصناعة وإنتاج، بدلاً من العمل في بيئة لا حقوق فيها لهم ولا واجبات واضحة ولا عقود ناظمة تحميها النقابات والجمعيات الفنية.

        في عهد الأسد، لم ينتظم عمل شركات الإنتاج الخاصة بشروط نقابية واضحة، وكانت الفوضى هي الوسيط بين الفنان والشركة التي يعمل لها، وكانت شركات الإنتاج الخاصة (وكان لبعضها مشروع فني فعلاً) تجد نفسها تتعامل مع أفرع الأمن والضباط أكثر من تَعامُلها مع النقابات وغرف الصناعة والوزارات. ولم يتم خلال عقود إنشاء أي اتحاد للممثلين أو لكتاب السيناريو أو للمُنتِجين كما هو الحال في الإنتاج الاحترافي (الحالة النقابية المصرية مثلاً). لذلك نحن اليوم أمام لحظة صفرية، فإما إنتاج فني مُنتظَم بقوانين وحقوق ومؤسسات، وإما دورة جديدة من الفوضى المؤسساتية والنقابية.

موقع الجمهورية

—————————

مرايا الرغبات: الانحيازات الثقافوية عند قراءة المشهد السوري/ وائل مرزا

في نقد مقال «سوريا كدولة على حافة الدولة» لمالك الحافظ

03-06-2025

        في كل محاولةٍ جادة لفهم ظاهرة اجتماعية-سياسية، يقف الباحث أمام مرآة مزدوجة: مرآة عقله النقدي، ومرآة رغبته الإنسانية المجبولة بالأماني والمخاوف. هنا، تكمن الإشكالية القديمة-الجديدة: كيف ينفكُّ الباحث عن تحيّزاته الثقافوية والإيديولوجية، تلك التي تتسلل خفية إلى طريقته في قراءة الظاهرة نفسها؟

        ففي العلوم الاجتماعية، ليست الظواهر موضوعاتٍ جامدةً نَرصُدها من وراء زجاج المختبر. بل إنها كائناتٌ حية، متغيرة، تتفاعل مع من يُراقبها، بقدر ما يُراقبها هو. ومن هنا، تصبح مهمة الباحث أكثر من مجرد جمع بيانات أو نظم سرديات: إنها مقاومة مستمرة لمغريات التفسير المُسبَق، ولإغواءات «النتائج الجاهزة» التي تلوح له في أفق رؤيته.

        ويبلغ هذا التحدي ذروته حين يلامس الباحث ظاهرةً شديدة التعقيد والتشظي، كما هي الحال في سوريا اليوم. فالواقع السوري الراهن، بكل تحولاته الميدانية، السياسية والاجتماعية والثقافية، يفرض ضغطاً نفسياً مُقدَّرَاً على الباحث، يحفّزه، ربما من حيث لا يدري، على إسقاط رغباته ورؤاه المسبقة على ما يدرسه، بدلاً من أن يترك للوقائع حقها في التعبير عن ذاتها.

        إن ما يجعل هذه المهمة شاقة حقاً، هو ذلك التوتر الأبدي بين ما يريد الباحث أن يكون عليه الواقع، وما هو كائنٌ في الحقيقة. هنا، يصير الجهد المطلوب لفكفكة التحيُّزات جهداً نفسياً (جوّانياً) قبل أن يكون فكرياً. إنه جهدٌ لمقاومة الحاجة الفطرية لتسويغ قناعاته أو تهدئة قلقه الوجودي. جهدٌ يتطلب من الباحث شجاعة الاعتراف بأن «الموضوعية» ليست وضعيةً صلبةً نهائية، وإنما هي، لدى كل باحثٍ جدّي، معركةٌ يومية مع الهوى الشخصي، وصرامة أخلاقية تحمي الباحث من أن يصبح أسيراً لرغباته.

        وبالعودة إلى الحالة السورية، يظهر هذا التحدي بوضوحٍ مضاعف: إذ لا يملك الباحث السوري، أو المَعني بسوريا، ترفَ الحياد الميتافيزيقي. فهنا، تختلط السياسة بالذاكرة، والحاضر بالمستقبل، والانحيازات الثقافية-الإيديولوجية بالخوف والأمل. وكلما ارتفعت حرارة هذا الواقع الملتهب، تعاظمَ الخطر: خطر أن يتحوّل البحث من أداة كشف وتفسير، إلى مجرد أداة تبرير وتأويل ذاتي.

        لهذا، تأتي ضرورة النقد الصارم، الذي لا يكتفي بتفكيك الظاهرة المدروسة، لأن الحقيقة، في النهاية، ليست فقط ما نكتبه في أوراقنا، بل ما نجرؤ على اكتشافه داخل ذواتنا من تحيّزاتٍ لا تنتهي.

        إن النص المنشور في موقع الجمهورية.نت، للكاتب مالك الحافظ، بعنوانين أساسي وفرعي هما «سوريا كدولة على حافة الدولة» ثم «المرحلة الانتقالية بوصفها نظاماً، والهشاشة بوصفها أداةً للحكم» يقدّم، دون شكّ، قراءة أدبية – تحليلية ثرية تنبض بالحيوية والتشبيك المعرفي، مُستعينةً بأدبيات فكرية متنوعة تمتد من باومان إلى فوكو وأغامبن. إلا أن النص، رغم عمقه الرمزي، يعاني من تخمةٍ ثقافوية-إيديولوجية، تكاد تحجب عنه الدقة المنهجية والموضوعية اللازمة لدراسة «الدولة» كمفهوم في العلوم الاجتماعية والسياسية المعاصرة. وسنستعرضُ أدناه، بشيءٍ من الاختصار، مداخل الحجب المذكور.

        أولاً: الانحيازات الثقافوية المُسبَقة

        ينطلق النص من افتراضٍ مُسبَق بأن النمط السلطوي الجديد في سوريا هو بالضرورة إعادة إنتاج لعقليةٍ سلفية-دعوية، دون أن يأخذ في اعتباره حقيقة أن بناء الدولة الحديثة، حتى في ظروف الفوضى، لا يُختزَل في المرجعيات الدينية أو الرمزية وحدها. وهذا الميلُ الثقافوي يتجاوز حقيقة أن الدولة الحديثة، في تعريفها الوظيفي، لا تُقَاس فقط بمنظومات الرمزية/الشرعية، بل كذلك (وربما أساساً) بقدرتها على:

        – احتكار العنف المشروع.

        – تقديم الخدمات الأساسية.

        – إدارة الموارد.

        – تنظيم العلاقة بين المجتمع والدولة وفق عقد اجتماعي واضح.

        وهذا يُفضي بالنص إلى تصوير الدولة السورية الحالية وكأنها كيانٌ طافح بالهشاشة فقط، دون فحص أدواتها الواقعية (الإدارية، الاقتصادية، الأمنية) التي يُمكن، شئنا أم أبينا، أن تساهم في بناء مسار دولة.

        ثانياً: الانحياز الإيديولوجي بشأن الرمزية الدينية

        يُعالجُ النص، بوفرةٍ رمزية، السلطة الجديدة من منظور سلفي-جهادي. ولكن، لأن النص يوحي بهمٍّ يشغل الكاتب، مُتمثِّلاً في الربط بين السلطة وذلك المنظور، فإنه لا ينتبه، وبالتالي، لا يُقدّم أي قراءة جدية للوقائع المؤسسية الناشئة فعلياً في سوريا:

        –  فلا تحليل للإدارات المحلية الجديدة، ولا لنشوء هيئات حكم محلية ناشئة رغم كل مظاهر الهشاشة.

        – ولا مناقشة لبُعد الاقتصاد السياسي: العلاقة بين الدولة والسوق، القطاع الإنتاجي، سوق العمل، إدارة الموارد الطبيعية، الاستثمارات، مبادرات الإعمار.. وغيرها كثيرٌ يجري العمل عليها، وهي عناصر أساسية لفهم قدرة الدولة (أو حتى شبه الدولة) على التشكل.

        – ولا اعتبار للمتغيرات الإقليمية والدولية (من علاقات دمشق-الرياض الجديدة، إلى شراكات تركيا-الخليج…) التي أعادت صياغة البيئة السياسية والاقتصادية في سوريا خلال العام الماضي.

        ثالثاً: غياب الموضوعية في ربط الديناميكيات المحلية بالعالمية

        يُبالغُ النص في اعتبار الهشاشة حالةً «مقصودة» ومَنهجيةً دائمة، وكأنها خيارٌ استراتيجي واعٍ ومُستدام لأصحاب مشروع بناء الدولة في سوريا. من هنا، فإن مناقشة ما نَزعمهُ عن غياب الموضوعية، في هذه النقطة بالذات، يحتاج مزيداً من الشرح.

        إذ تُبيِّنُ الأدبيات المتنوعة في علم الاجتماع السياسي، من ماكس فيبر وتشارلز تيلي إلى فرانسيس فوكوياما، أن الهشاشة الظاهرة للدولة ليست بالضرورة قَدَرَاً أبدياً أو سِمةً جوهرية. بل هي، في كثير من الأحيان، انعكاسٌ لظروف تاريخية-اجتماعية صعبة تسبقُ أو ترافق ولادة الدولة، مثل انهيار النظام القديم، أو تفتُّت البنية الاجتماعية-الاقتصادية، أو التدخلات الخارجية الكثيفة التي تُربك بناء المؤسسات. وفي هذا الإطار، تصبح الهشاشة بمثابة أثر مرحلي لحالة انتقالية لم تكتمل بعد، أكثر منها دليلاً على فشلٍ بنيوي دائم.

        ويُذكّرنا علماء، مثل جويل ميغدال وجيمس سكوت بأن «القُدرة المؤسسية» للدولة يمكن أن تنمو تدريجياً حتى في سياق الفوضى والهشاشة، شرطَ أن تمتلك القيادةُ زمامَ المبادرة، وأن تُدرك الضرورات الواقعية لإعادة إنتاج الشرعية والسيادة. ذلك أن الدولة، في نهاية المطاف، هي كيانٌ قابل للتكيُّف، وتتمتع بمرونةٍ كامنة في بنيتها، ما يجعلها قادرةً على تحويل «الفجوات» الظاهرة إلى منصات للنمو وإعادة التأسيس.

        وفي هذه اللحظة الدقيقة، يصبح التفاعل الجدلي بين النظرية والواقع شرطاً أساسياً لتجاوز الهشاشة: فالتطور الفكري السريع لقيادة الدولة، حين يقترنُ بالتعلم المستمر من التجارب الناجحة، سواء الإقليمية منها أو العالمية، يوفر لها القدرة على بناء رؤيةٍ إصلاحية مرنة تستجيب للتحديات الداخلية والخارجية. وكما أظهرت دراسات بناء الدولة الحديثة في جنوب شرق آسيا (مثل سنغافورة وماليزيا بعد الاستقلال) وأجزاء من أوروبا الشرقية بعد الشيوعية، فإن الانفتاح على الخبرات والنصائح والاستشارات الخارجية يمكن أن يُسرِّعَ بناء المؤسسات القادرة، ما دامت القيادة تحتفظ بقدرتها على تكييف هذه الخبرات وفق سياقها المحلي.

        ما من شكٍ في أن أحد أخطر العوائق أمام تجاوز الهشاشة هو الجمود الإيديولوجي، أو الرغبة في استنساخ نماذج خارجية دون تكييفها مع البنية المحلية. فهنا بالذات، يُصبح تكييف النظريات مع معطيات الواقع الملموس، من خلال التفاعل المستمر مع المجتمع المحلي، والوعي بالتعقيدات الثقافية التاريخية، شرطاً أساسياً لنجاح أي عملية بناء للدولة. فالتجارب التاريخية تؤكد أن الدول القادرة على تجاوز هشاشتها، حتى بعد مراحل الانقسام العميقة، هي تلك التي دمجت التجريب الميداني مع التفكير الاستراتيجي، واستخدمت المرحلية والتدرُّج بشكلٍ مدروس، وامتلكت شجاعة الاعتراف بالأخطاء وتصحيحها في سياقٍ من ذلك الإصلاح التدريجي.

        من كل ما سبق، تتضح لنا حقيقةٌ جوهرية: إن الهشاشة الظاهرة للدولة ليست بالضرورة نهايةً، بل قد تكون، حين تُدار بحكمة ومرونة فكرية، نقطة انطلاق لتأسيس دولة أكثر رسوخاً وشرعية. فالمفتاح يكمن في امتلاك القيادة القدرة على الابتكار والتعلم، والاستفادة من التجارب الناجحة القريبة والبعيدة، وممارسة نقدٍ ذاتي متواصل يضمن التوازن بين تطلعات النظرية وحقائق الواقع.

        رابعاً: غياب مفهوم الدولة بوصفها كياناً موضوعياً مستقلاً

        تغيبُ، في النص الذي ننقده، الدولةُ كمؤسَّسة، ويُختزَل كل شيء في «السلطة» و«الخطاب»! وبالتالي، نكون محكومين بعملية إلغاء مُسبَقة، يمارسها الباحث على القراء ربما بغير قصد، حيث:

        – لا ذكر لنشوء طبقات بيروقراطية جديدة، أو محاولات بناء شبكات إدارية، مدنية-مهنية، ولو جزئياً.

        – لا نقاش عن «التعاقد الاجتماعي» كمفهوم أساسي لشرعية الدولة المعاصرة.

        – لا تحليل للبُعد الاقتصادي أو الاجتماعي كشرطٍ لوجود الدولة.

        وهذا يضع النص في تناقض مع أدبيات ماكس فيبر وفوكوياما حول ضرورة الشرعية البيروقراطية/القانونية كأساس لمشروعية الدولة (إلى جانب الشرعية الرمزية).

        خامساً: النظرة الأُحادية للتاريخ والدولة

        ينطلق النص من فرضية «السلطة الجديدة = استبدال إيديولوجي» لا أكثر، ويُهمل سيناريوهات أخرى ممكنة، يطول الحديث في شرحها، لكننا نُوردها بشكلٍ سريع للإحاطة، مثل:

        – تَحوُّلُ الهياكل الهشَّة إلى أساس لنشوء دولةٍ بِسِماتٍ جديدة (كما حدث جزئياً في البلقان بعد اتفاقية دايتون).

        –  تَشكُّلُ تسويات محلية-إقليمية، تُعيد بناء مركز قرار وطني تدريجياً.

        – دور العامل الإقليمي والدولي فيما يمكن اعتباره عملية (فرض)، غير مباشرة، لإصلاحات إدارية/سياسية على «السلطة الانتقالية»، وبشكلٍ يستفيد من نجاح تجارب أخرى، أو ربما فشلها، كما هو الحال مع التجربة العراقية.

        سادساً: جمود المنهجية وتحجيمها لاحتمالات المستقبل

        ثمة ضرورةٌ لأن يدرك أي باحث، وهو يخوض غمار الظاهرة السورية الراهنة، أنه يتعامل مع كيانٍ حي، لا يقتصر على كونه مُتحرِّكاً فحسب، بل إن حركته تتصف بسرعةٍ غير مسبوقة في سياق المنطقة والعالم، وهو أمرٌ أضحى محل إجماعٍ ثقافي وسياسي واسع. فالحركة هنا ليست مجرد انتقال آني من مشهد إلى آخر، بل إنها أقربُ لأن تكون اندفاعاً متسارعاً يحفل بما هو غير مألوف وغير مُتوقَّع، خصوصاً في علاقته بخطوات الأمس القريب، سواء من حيث المفاهيم الثقافية أو الممارسات المؤسسية. وهذا الاندفاع التاريخي يفتح، من الناحية العلمية، احتمالاتٍ لنشوء مفاجآت نوعية قد تنسف جذرياً الرؤية التحليلية التي صاغها الباحث في ورقته، بل ربما تضع كامل الإطار النظري الذي يتكئ عليه قيد المراجعة القاسية.

        ومع ذلك، لا يترك النص المطروح أيَّ فسحةٍ منهجية أو علمية لهذه الإمكانية الطبيعية، التي يُعَدُّ أخذُها بعين الاعتبار في مناهج البحث ضرورةً لا ترفاً. بل يُصِرُّ، منذ بدايته وحتى نهايته، على أسر الظاهرة السورية ودولتها المأمولة ضمن ثنائيةٍ حادة: فإما العودة، عملياً، لعقلية وممارسات وواقع نظامَي الأسد، بأسماء ومصطلحات جديدة، أو تجميدُ تلك الظاهرة في فراغٍ عقائدي باهت يجمع بين الحنين السلفي والضياع العبثي في مظاهر الحداثة. بهذه الرؤية الأُحادية، يُغلق النص على نفسه باب التطورات المستقبلية، فلا يعترف بإمكانية ولادة دولة جديدة من داخل هذا المخاض المتسارع، ولا يمنح القارئ فرصة لاستيعاب ما قد يحمله الغد من مفاجآت، بقدر ما يكتفي بترديد مخاوفه المسبقة بلغة متماسكة، لكنها منغلقة على نفسها.

        بتلخيصٍ واختصار. نحن أمام نص غني لغوياً، لكنه يُظهر انحيازاً ثقافوياً واضحاً يعوقه عن تقديم تحليل متكامل وموضوعي لعملية بناء الدولة السورية في زمن التحولات الدولية الكبرى. نصٌّ يَفترِضُ مُسبَقاً أن السلطة الجديدة في سوريا محكومةٌ فقط بنمطٍ دينيٍ-دعوي، دون أن يأخذ في اعتباره العناصر الاقتصادية والإدارية والاجتماعية الأساسية في بناء الدولة المعاصرة. ويختزل الدولة في «السلطة الرمزية» و«الهشاشة» دون أي نقاش جاد لمقومات الدولة الحديثة: السيادة، احتكار العنف المشروع، تقديم الخدمات، العقد الاجتماعي. ويتجاهل تماماً البُعد الاقتصادي والاجتماعي (الإنتاج، الموارد، الإعمار، الاستثمار…) كشرط موضوعي لبناء الدولة. ولا يُعطي مجالاً لتحليلٍ موضوعي يتعلق بتأثير المتغيرات الإقليمية والدولية أو تسويات ما بعد الحرب. ويُغلق نفسه على باب التطورات المستقبلية، فلا يعترف بإمكانية ولادة دولة جديدة من داخل هذا المَخاض المتسارع، ولا يمنح القارئ فرصة لاستيعاب ما قد يحمله الغد من مفاجآت. وهكذا، نجد أنفسنا إزاء نصٍ يفتقد ما يُسمى التَعدُّدَ المنهجي (Methodological Pluralism)، الذي يجعل التحليل السياسي موضوعياً وواقعياً.

        كل ذلك، يجعل النص، رغم ثرائه اللغوي، أقرب إلى مقالٍ تأمليٍ أدبي منه إلى تحليل علمي منهجي يقرأ الظاهرة السورية بكامل أبعادها السياسية والاجتماعية، والاقتصادية. ثم إن النص، وكل نصٍّ مثله، يذكرنا في النهاية بأن الباحث في الشأن السوري اليوم، لا يحتاج فقط إلى أدوات تحليل حديثة، بل إلى جهدٍ مضاعف من النقد الذاتي، كي لا تتحول «أدواته» إلى مرايا لرغباته، بدلاً من أن تكون نوافذ تُطلُّ على الواقع كما هو. لأن الحقيقة، في النهاية، ليست ما نتمناه، بل ما نملك العدّة الكافية لاكتشافه… كما هو.

موقع الجمهورية

—————————–

ملف الخصخصة في سوريا.. بين زيادة الكفاءة ومحاذير الآثار الجانبية/ سامر سيف الدين

4 يونيو 2025

تقول الحكاية: عندما زار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مدينة حلب إبان الوحدة بين سوريا ومصر، يرافقه الرئيس اليوغسلافي الراحل المارشال تيتو، استضافته عائلة من أغنياء حلب، يومها قُدمت الكبة الحلبية بأصنافها الكثيرة المحشوة باللحم والصنوبر والمكسرات في صحون من الذهب مع معالق من ذهب (حسب الروايات المنقولة وغير المكتوبة). نظر تيتو إلى عبد الناصر وقال له: “لن تدوم في هذا البلد طويلًا”، قاصدًا كيف يتفق التأميم الذي أتيت به مع أسلوب الملكية الخاصة القائمة في حلب وسوريا؟!

واليوم وبعد عقود من سيطرة القطاع العام ونظام الاقتصاد شبه الاشتراكي، ما هي فرصة إعادة الخصصة إلى سوريا، وما هي المؤسسات التي يسمح بخصخصتها أو لا، وما إيجابيات وسلبيات هذه الخصخصة لمؤسسات الدولة وما رأي الشعب في ذلك؟

متى بدأت خصخصة مؤسسات الدولة السورية؟

اتسمت عملية تحويل مؤسسات الدولة السورية إلى القطاع الخاص (الخصخصة) بالتقطع، وتأثرت بالسياق السياسي والاقتصادي والصراع في سوريا.

الوحدة بين سوريا ومصر ( 1958-1961): شهدت الوحدة بين سوريا ومصر بدايات عملية التأميم في سوريا ومصر، حيث حول عبد الناصر ملكية القطاعات الأساسية وأغلب الصناعات إلى ملكية الدولة، إضافة إلى قانون الإصلاح الزراعي الذي قضى على الملكيات الكبيرة للأراضي في سوريا. ولكن حكومة الانفصال عام 1961 أعادت الملكية الخاصة لسابق عهدها، فكان للاقتصاد السوري قطاع خاص كبير، لا سيما في قطاعي التجارة والزراعة. كانت مؤسسات الدولة محدودة، ولم تكن الخصخصة محورًا رئيسيًا للسياسات.

التأميم البعثي (1963-2000): بعد تولي حزب البعث السلطة عام 1963، تبنت سوريا نموذجًا اشتراكيًا، مؤمِمًا صناعات رئيسية (مثل النفط، والخدمات المصرفية، والتصنيع). وهيمنت مؤسسات الدولة على الاقتصاد، وكانت الخصخصة محدودة.

في عهد بشار الأسد (منذ عام 2000)، بدأت سوريا تحريرًا اقتصاديًا حذرًا لمواجهة الركود وجذب الاستثمارات. وكان ذلك بمثابة بداية جهود خصخصة محدودة: وهدفت سياسة “اقتصاد السوق الاجتماعي” التي تم انتهاجها في الفترة (2005- 2010) إلى الحد من سيطرة الدولة وتشجيع مشاركة القطاع الخاص. ومن الأمثلة على ذلك:

الخصخصة الجزئية للقطاع المصرفي (على سبيل المثال، سُمح للبنوك الخاصة بالعمل بعد عام 2004).

فتح قطاع الاتصالات أمام الشركات الخاصة (مثل سيريتل، المملوكة لرجل الأعمال المرتبط بالنظام رامي مخلوف).

كما تم خصخصة بعض الشركات المملوكة للدولة، مثل مصانع الإسمنت والسكر، وإن كانت في كثير من الأحيان تُمنح لمحسوبين على النظام.

التشريعات: سهلت قوانين مثل قانون الاستثمار رقم 10 (1991، المُعدل عام 2007) والمرسوم رقم 8 (2007) الاستثمار الخاص في القطاعات التي تُهيمن عليها الدولة. وكانت هذه الجهود محدودة، إذ فضل النظام الولاء على الكفاءة، وظلت مؤسسات الدولة هي المهيمنة.

مرحلة ما بعد الثورة في سوريا (2011-2025):

دمرت الحرب التي تلت الثورة السورية (2011 حتى الآن) مؤسسات الدولة والاقتصاد، مما أوقف الخصخصة المنهجية. ومع ذلك، حدثت خصخصة مرتجلة في سياقات محددة:

المناطق الخاضعة لسيطرة النظام: أصدرت حكومة الأسد قوانين مثل المرسوم رقم 66 (2012) لإعادة التطوير الحضري (مثل مشروع مدينة ماروتا)، مما نقل فعليًا ملكية الأراضي العامة إلى مطورين من القطاع الخاص مرتبطين بالنظام.

الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا: سمحت الإدارة الذاتية، التي تسيطر على أجزاء من شمال شرق سوريا، بمشاركة محدودة للقطاع الخاص في الاقتصادات المحلية (مثل تجارة النفط)، وإن لم تسمح بخصخصة رسمية لمؤسسات الدولة.

مناطق المعارضة: في مناطق مثل إدلب، قامت جماعات معارضة مثل هيئة تحرير الشام بخصخصة بعض الخدمات (مثل الكهرباء والمياه) لشركات محلية أو منظمات غير حكومية بسبب انهيار البنية التحتية للدولة.

وفي حوار مع د. نضال الشعار وزير الاقتصاد والتجارة في الحكومة الانتقالية السورية، نشر مؤخرًا في “ألترا سوريا”، وضح الشعار رأي الحكومة الحالية بموضوع الخصخصة قائلًا: “الحديث عن الخصخصة غالبًا ما يُفهم بشكل خاطئ. نحن لا نبيع ممتلكات الشعب السوري، بل نُعيد تنظيم إدارتها بما يحقق المنفعة العامة. الأصول ستبقى ملكًا للدولة، لكننا نحرص على إدارتها بكفاءة وبطريقة منهجية مدروسة تضمن استفادة جميع شرائح المجتمع”.

إيجابيات الخصخصة

يرى العديد من خبراء الاقتصاد وداعمي عملية الخصخصة في سوريا أن الخصخصة إذا طُبقت بفعالية، فإنها ستعود بفوائد على الاقتصاد السوري وحوكمته، لعدة أسباب منها:

الكفاءة الاقتصادية: يمكن لإدارة القطاع الخاص أن تُحسن كفاءة المؤسسات الحكومية ذات الأداء الضعيف (مثل الكهرباء والنقل). على سبيل المثال، عانى قطاع الكهرباء في سوريا قبل الحرب من سوء إدارة مزمن وانقطاعات متكررة، وهو ما يمكن للاستثمار الخاص معالجته.

ويمكن للمنافسة أن تُحفز الابتكار وتُخفض التكاليف.

توليد الإيرادات: يمكن أن يُوفر بيع أصول الدولة أموالًا لإعادة الإعمار، وهو أمر بالغ الأهمية بالنظر إلى تكلفة إعادة إعمار سوريا المُقدرة بـ ٤٠٠ مليار دولار (وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة). كما يمكن للصناعات المُخصخصة أن تجذب الاستثمار الأجنبي، مما يُخفف العبء على ميزانيات الدولة.

الحد من الفساد: من الناحية النظرية، يمكن للخصخصة أن تُقلل من احتكارات الدولة والفساد البيروقراطي من خلال نقل السيطرة إلى كيانات خاصة تنافسية.

تحسين الخدمات: يمكن أن تقوم الإدارة الخاصة لخدمات، مثل الرعاية الصحية والتعليم، بتحسين الجودة وإمكانية الوصول إليها، ولا سيما في المناطق التي مزقتها الحرب حيث انهارت مؤسسات الدولة. فعلى سبيل المثال، تفوقت المستشفيات الخاصة في دمشق على المستشفيات العامة في بعض الحالات.

خلق فرص العمل: يمكن لقطاع خاص نابض بالحياة أن يخلق فرص عمل، مما يُعالج معدل البطالة المرتفع في سوريا (الذي قدرته منظمة العمل الدولية بنسبة 50% في عام 2023 ومن المؤكد أنه قد زاد بعد ذلك).

سلبيات خصخصة مؤسسات الدولة السورية

وفي مقابل المشجعين للخصخصة هناك الكثيرون، ممن تم استبيان آرائهم عن المسألة، قالوا إن الخصخصة تنطوي في السياق السوري الهش على مخاطر كبيرة، لا سيما في ظل ضعف المؤسسات، وترسخ المحسوبية، وأن لها الكثير من المساوئ منها:

رأسمالية المحسوبية: غالبًا ما استفاد الموالون للنظام السابق أو أمراء الحرب من الخصخصة، كما يتضح في مشاريع مثل “ماروتا سيتي”، حيث نُقلت ملكية الأراضي العامة إلى مطورين مرتبطين بالنظام. وهذا يُفاقم عدم المساواة وانعدام الثقة العامة. وبدون عمليات مناقصات شفافة، قد تُرسخ الخصخصة الفساد بدلًا من الحد منه.

خسارة الأصول الاستراتيجية: قد تُضعف خصخصة قطاعات رئيسية مثل النفط والغاز والزراعة سيطرة الدولة على الموارد الحيوية. على سبيل المثال، تم تخصيص حقول النفط السورية في الشمال الشرقي (الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا) جزئيًا من خلال صفقات محلية، مما قلل من الإيرادات الوطنية وعدمها أحيانًا.

التفاوت الاجتماعي: قد تؤدي الخصخصة إلى زيادة تكاليف الخدمات الأساسية (مثل الرعاية الصحية والمياه)، مما يجعلها بعيدة المنال بالنسبة لسكان سوريا الفقراء (يعيش 90% منهم تحت خط الفقر، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة لعام 2025).

وقد تُهمل الشركات الخاصة الهادفة إلى الربح المناطق الريفية والمهمشة (مثل دير الزور والسويداء)، مما يُفاقم التفاوتات الإقليمية.

فقدان الوظائف: تُوظف مؤسسات الدولة حوالي مليون سوري ( وجزء كبير من هؤلاء يمكن تصنيفهم تحت مسمى البطالة المقنعة). وقد تؤدي الخصخصة إلى تسريح العمال، حيث تُعطي الشركات الخاصة الأولوية للكفاءة على الرعاية الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، أدت خصخصة المصانع الحكومية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى خفض الوظائف في القطاع الصناعي بحلب. كذلك أدى تحويل تبعية مؤسسات تعبئة المياه المعدنية، دريكيش ويقين، من مؤسسة معامل الدفاع إلى وزارة الصناعة إلى حرمان هذه المؤسسة من إيرادات ضخمة، بالإضافة لتسريح الكثير من العمال بحجة عدم الحاجة وعدم الكفاءة.

التأثير الخارجي: قد يُهيمن المستثمرون الأجانب على القطاعات المخصخصة، مما يُقوض السيادة السورية. ويُجسد انخراط روسيا في عقود الفوسفات والغاز (مثل صفقات ستروي ترانس غاز) والتي وقعت اتفاقياتها في زمن نظام بشار الأسد مثال على هذا الأثر.

غياب الإطار التنظيمي: تفتقر سوريا إلى نظام قانوني قوي لتنظيم الكيانات الخاصة، مما يُعرضها لخطر الاحتكارات أو الاستغلال. ويُصعب ضعف القضاء (الذي أفسدته عقود من سيطرة حزب البعث) إنفاذ العقود أو حماية المصالح العامة.

رد الفعل الشعبي: قد يُقاوم السوريون، المُعتادون على الخدمات التي تُقدمها الدولة (رغم عدم كفاءتها أحيانًا)، الخصخصة.

القطاعات الأكثر تأثرًا بالخصخصة

تعتبر الخصخصة خطوة استراتيجية تهدف إلى تحسين الأداء الاقتصادي في سوريا، خاصة بعد سنوات من الصراع والفساد. هناك عدة قطاعات رئيسية من المتوقع أن تتأثر بشكل كبير بعملية الخصخصة، وهي تشمل:

1. القطاع الصناعي

المؤسسات العامة: تشمل المؤسسات العامة للصناعات الهندسية، الكيميائية، الغذائية، والإسمنت. هذه المؤسسات تعاني من خسائر كبيرة بسبب الفساد وسوء الإدارة، مما يجعلها مرشحة رئيسية للخصخصة. ويُعتقد أن إدخال القطاع الخاص في إدارة هذه المؤسسات يمكن أن يحسن الكفاءة ويزيد من الإنتاجية، حيث أثبتت التجارب العالمية أن القطاع الخاص غالبًا ما يكون أكثر قدرة على إدارة المؤسسات الصناعية بشكل فعال.

2. قطاع النقل والمواصلات

الموانئ والمطارات: تخطط الحكومة السورية الجديدة لخصخصة الموانئ والمطارات كجزء من جهودها لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة. هذا القطاع يعاني من تدهور كبير بسبب سنوات من الإهمال. ومن المتوقع أن تؤدي الخصخصة إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة في هذا القطاع، مما يسهم في تسريع حركة التجارة والنقل داخل البلاد.

3. قطاع الطاقة

تشمل الخطط الحكومية خصخصة شركات الطاقة التي تعاني من ضعف الأداء. ويعتبر هذا القطاع حيويًا لاقتصاد البلاد، حيث أن تحسين كفاءة إنتاج الطاقة يمكن أن يسهم في استقرار الاقتصاد. إن الخصخصة في هذا القطاع قد تساعد في جذب الاستثمارات اللازمة لتحديث البنية التحتية للطاقة، مما يساهم في تحسين الإمدادات وتقليل الانقطاعات. وفي هذا السياق تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة السورية ومجموعة من شركات رائدة في مجال الطاقة العالمية لدعم قطاع الطاقة بقيمة 7 مليار دولار، لإنشاء 4 محطات إنتاجية بسعة توليد إجمالية تقدر بنحو 4 آلاف ميغاوات.

4. القطاع الزراعي

تحسين الإنتاجية: يمكن أن تشمل الخصخصة أيضًا بعض جوانب القطاع الزراعي، حيث أن إدخال تقنيات جديدة وإدارة أكثر كفاءة يمكن أن يحسن الإنتاجية ويعزز الأمن الغذائي في البلاد.

5. قطاع الخدمات العامة

إدارة المرافق العامة: تشمل الخطط خصخصة بعض خدمات المرافق العامة مثل المياه والصرف الصحي. هذه الخدمات تعاني من نقص التمويل والإدارة، مما يجعلها مرشحة للخصخصة لتحسين الكفاءة وجودة الخدمات.

نظرة واقعية للخصخصة

تتأثر عدة قطاعات رئيسية بخصخصة مؤسسات الدولة في سوريا، بما في ذلك الصناعة، النقل، الطاقة، الزراعة، والخدمات العامة. يتطلب نجاح هذه العملية تخطيطًا دقيقًا وإطارًا قانونيًا مناسبًا لضمان تحقيق الفوائد الاقتصادية دون تفاقم المشكلات الاجتماعية أو الاقتصادية.

وتعتبر حماية حقوق العمال خلال عملية خصخصة مؤسسات الدولة في سوريا أمرًا بالغ الأهمية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية. ولابد من وضع إطار قانوني واضح وتشريعات تحمي حقوق العمال. كذلك يجب أن تتضمن سياسات الخصخصة برامج تدريبية وإعادة تأهيل للعمال المتأثرين، مما يساعدهم على الانتقال إلى وظائف جديدة أو تحسين مهاراتهم لتلبية احتياجات سوق العمل.

ويجب أن تتم عمليات الخصخصة وفق معايير واضحة وشفافة، مما يقلل من فرص الفساد والمحسوبية. يجب أن تكون هناك آليات رقابية صارمة لضمان عدم استغلال العملية لتحقيق مكاسب شخصية على حساب العمال.

بالإضافة لكل ما سبق يجب أن تُحافظ الحكومة على القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم تحت إدارتها، لضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسية لكل السكان دون تراجع، مع تحسين تدريجي في مستوى هذه الخدمات.

الترا سوريا

————————————–

بين الفن والرقابة الاجتماعية.. الحريات الشخصية في دمشق تحت اختبار المرحلة الانتقالية

4 يونيو 2025

مع عودة الحياة الثقافية والاجتماعية تدريجيًا إلى دمشق بعد تغيير السلطة، تشهد المدينة انفتاحًا نسبيًا في الحريات، يقابله حذر شعبي من تضييق اجتماعي. وبين أغانٍ تُؤدى في الحانات والمطاعم، وبين شكاوى من سلوكيات فردية متشددة، تبرز ملامح نقاش مفتوح حول شكل المجتمع السوري بعد مرحلة الأسد، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.

تشير الوكالة الفرنسية في مقدمة تقريرها إلى أنه مع وصول الحكومة الجديدة ذات التوجّه الإسلامي إلى دمشق، توقفت عشتار عن الغناء في الأماكن العامة. لكنها بعد ستة أشهر، عادت إلى تقديم أغنيات باللغة الأجنبية أمام جمهور صفّق لها بحرارة، رغم حالة الحذر السائدة بعد تكرار حصول إشكالات.

ولفتت الوكالة الفرنسية إلى أنه منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، تحوّلت المقاهي والمطاعم والحانات في العاصمة إلى مساحات لنقاش مفتوح حول الحريات السياسية والفردية وقضايا كانت تعدّ من المحرمات، مثل ملفات المفقودين وسجون الأسد.

لا نرغب بحصول تفرقة

وداخل قصر النعسان المبني على الطراز الدمشقي القديم في باب شرقي، تقول عشتار (26 عامًا)، وسط إشادة الحاضرين بصوتها، إن “حانات ومطاعم أغلقت وواجهت أخرى مشاكل في الترخيص”، مضيفة “لكن الحمد لله أننا عدنا اليوم للعمل من جديد”.

ولفتت الوكالة الفرنسية إلى أنه رغم أن السلطة لم تفرض رسميا قيودًا على الحريات والسلوك الاجتماعي، لكن بعض الإجراءات وانتهاكات غالبًا ما تُصنّف “فردية”، تثير “قلقًا وخشية من فرض قيود على الحريات الشخصية”.

وأوضحت خريجة الهندسة عشتار، التي تستخدم اسمها الفني، للوكالة الفرنسية أن “التغيير (في السلطة) أوقف بشكل عام جميع أنشطتنا”، لافتةً إلى أنهم أصبحوا يخضون “الغناء بحرية في أي مكان”.

وقد أثار اعتداء مقاتلين من مجموعة تابعة للسلطة على روّاد ملهى ليلي، الشهر الماضي، فضلًا عن مقتل سيدة بعد أيام بهجوم مسلحين مجهولين على ملهى آخر، المخاوف في المجتمع السوري، فيما أعلنت الحكومة السورية توقيف المتورطين في الهجوم الأول، وفقًا للتقرير ذاته.

وأعادت الوكالة الفرنسية التذكير بأن المجتمع الدولي حثّ الحكومة الجديدة على احترام الحريات، بالإضافة إلى حماية الأقليات وإشراك كافة المكونات والنساء في إدارة المرحلة الانتقالية، في الوقت الذي تحاول الحكومة الجديدة، مدفوعة بالانتقادات، أن تقدّم نموذج حكم يتسم بالانفتاح والمرونة. تقول عشتار التي تهوى المزج بين أنماط موسيقية مختلفة “لا نرغب بحصول تفرقة، وأن ينقسم المجتمع بين نصفين، واحد يريد (التنوع) وآخر يحاربه”.

من جانبها، أبدت الموظفة المتقاعدة ريما شاشاتي تفاؤلها بالمرحلة المقبلة، معربةً عن اعتقادها بأن “التصرفات السلبية التي تحصل تكون فردية بشكل عام”، مؤكدةً ضرورة أن “نجتمع معا ونحبّ بعضنا البعض”، مشيرةً إلى أنه “يليق بنا الفرح بعد حرب” دامت نحو 14 عامًا، وأودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص، وأكثر من سبعة ملايين لاجئ ونازح في دول الشتات.

اعتاد النظام السابق إغلاق الحانات

وذكّرت الوكالة الفرنسية بأنه بين الحين والآخر، توثّق مقاطع فيديو يتم تداولها شبانا يطلقون هتافات دينية أو يطالبون بإقفال حانات تقدّم الكحول في أحياء دمشق القديمة. كما ينفّذ عناصر أمن مداهمات تباعًا، يغلقون خلالها حانات لعدم حيازتها رخصة لتقديم الكحول، رغم أنها مفتوحة منذ سنوات.

ويوضح مالك حانة قديمة للوكالة الفرنسية، دون الكشف عن هويته، أنه “اعتاد النظام السابق إغلاق حانات لا تملك ترخيصًا، ليُعاد فتحها بعد دفع غرامات أو رشاوى”، لكنه أضاف “اليوم، يبدو أنها تُغلق نهائيًا”.

وأشارت الوكالة الفرنسية إلى أنه على غرار حانات ومطاعم تمتلك ترخيصًا، تستقبل حانته الزبائن حتى ساعات متأخرة ليلًا، فيما تمر دوريات أمن أمامها من دون إشكالات.

ونقلت الوكالة الفرنسية عن شاب، تحفّظ عن ذكر اسمه، أن عنصر أمن سأله عن عبوة ويسكي لاحظ وجودها في سيارته لدى عودته متأخرًا من زفاف صديقه، حيثُ حاول مصادرتها بحجة أن تناولها “ممنوع”، لكن بعد أخذ ورد، سمح له بإكمال طريقه.

ووفقًا للوكالة الفرنسية، يتم التداول على الإنترنت حسابات صور ومقاطع فيديو، تهاجم فتيات بثياب البحر أو حفلات راقصة، وتتحدث أخرى عن “تنقيب” طالبات جامعيات، بينما تجول في الشوارع سيارات تحضّ على الالتزام بتعاليم الإسلام والصلاة، الأمر الذي يثير انقسامًا عريضًا بين مؤيد ومنتقد بشدة.

وبحسب ما نقلت الوكالة الفرنسية عن مراسليها، تم تداول منشورات عن فصل بين الجنسين في وسائل النقل العام، لكنها أشارت إلى أن مراسليها لم يلحظوا أي فصل في محطة رئيسية للحافلات. لكن راكبة قالت إن سائق الحافلة طلب منها قبل أيام الابتعاد عن مقعد صديقها في حال أوقفت نقطة أمنية الحافلة في طريقها إلى شمال البلاد.

دمشق للجميع

يشير عبد الرحمن اللحام (29 عاما) للوكالة الفرنسية إلى أنه خلال زيارته لمعرض يستحضر لافتات رفعها متظاهرون خلال الاحتجاجات التي اندلعت ضد نظام الأسد في 2011، اعترض شابًا بزي عسكري على ارتدائه سروالًا قصيرًا، بينما كان يطلب منه عدم التدخين في المعرض.

يقول اللحام: “سألني: هل تعلم أن لباسك ممنوع وحرام”، مما أدى إلى سجال بينهما تدخّل عدد من الحاضرين لإنهائه. وبحسب الوكالة الفرنسية، فإنه في أنشطة رياضية عدة سواء محترفة أم في مساحات عامة، يندر رؤية فتيات يرتدين سراويل قصيرة.

وكانت قد أُعيد افتتاح المسابح في دمشق، حيثُ أبقى بعضها الحال على ما هو عليه لناحية حرية اللباس والاختلاط، بينما لم يحسم بعضها الآخر قراره. وبحسب التقرير ذاته، منع فندق معروف الزبائن غير النزلاء من ارتياد مسابحه، بينما أحجم فندق آخر عن تقديم الكحول في مطاعمه، لكنه ما زال متوفرًا عبر خدمة الغرف، وفقًا لتأكيد النزلاء.

وفي هذا الوقت، يؤكد كثيرون أنهم فرحون بسوريا الجديدة، مثل مجد النعسان (33 عاما) الذي عاد إلى دمشق مطلع العام بعد عشر سنوات في النمسا. ويقول النعسان، الذي ينظم حفلات موسيقية وفنية، للوكالة الفرنسية “ثمة قلق، لكنه لا يتعلق بالحكومة فقط، بل بكوننا ما زلنا على طريق استتباب الأمن”، وأضاف “ثمة قلق في دمشق، لكن هناك أيضًا إرادة حياة”.

واختتمت الوكالة الفرنسية تقريرها بالإشارة إلى أنه خلال توقيع كتاب في مقهى دمشقي شهير، يقول السياسي سابق، والمعارض البارز الذي سجن خلال حقبة الأسد لسنوات، محمد مأمون الحمصي: “مهما صدرت آراء قد نختلف عليها، لكن في النهاية ستنتصر دمشق”، مؤكدًا أن “دمشق أثبتت أنه لا يمكن اختطافها”، وأضاف “دمشق للجميع”.

الترا سوريا

——————————

شركات ضباط الأسد ضرورة الكشف والمحاسبة وإعادة توجيه الموارد

الثلاثاء, 20 أيار 2025

ملفات التحميل

 PDF copy

تمهيد

بعد سقوط نظام الأسد، أصبحت الفرصة متاحة لتنفيذ عمليات تحقق أمنية دقيقة وشاملة تستهدف كافة الشركات التجارية، وذلك بالاعتماد على الوثائق الرسمية الصادرة عن وزارات الدولة، وتهدف هذه العمليات إلى الكشف عن أي شركات ترتبط بضباط نظام الأسد وغيرهم من منتهكي حقوق الإنسان، سواء كانت مسجلة بأسمائهم أو بأسماء ذويهم، إضافة إلى تتبع أصول هذه الشركات وتدفقاتها المالية، ومن ثم تجميد أصولها كخطوة ضرورية إلى حين البت في وضعها النهائي واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، بما يضمن حماية الموارد وإعادة توجيهها لخدمة المصلحة العامة([1]).

لطالما أحاطت الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد ضباطها بسرية مشدّدة، إلا أن هذه السرية بدأت بالتلاشي مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، نتيجة الانشقاقات والتسريبات التي كشفت كثيراً من الوثائق والمعلومات. وقد مكّنت هذه المعطيات من تتبّع شبكات النظام الرسمية وغير الرسمية، وفهم طبيعة العلاقات بين ضباطه داخل المؤسسات وخارجها.

 قبل سقوط النظام، تم جمع كمّ كبير من البيانات الموثوقة([2])، لا سيّما عن الضباط الخاضعين للعقوبات، وتبيّن أن عدداً كبيراً منهم يمتلكون شركات تنشط في مجالات متعددة، إمّا بشكل مباشر أو عبر أقاربهم، على الرغم من أن قانون الخدمة العسكرية السابق، الذي ينظم المسائل المتعلقة بخدمة العسكريين المتطوعين، يحظر عليهم بالذات أو بالواساطة، ممارسة أي نشاط تجاري. وهو ما يشير إلى أن بعض هذه الشركات قد تكون أُنشئت بتكليف رسمي، في إطار استغلال منظّم للسلطة لتحقيق مكاسب شخصية أو لخدمة النظام ذاته([3]).

تهدف هذه الورقة إلى وضع آلية للتعامل مع الأنشطة التجارية المرتبطة بضباط نظام الأسد وأفراد عائلاتهم، من خلال تحليل دوافع تأسيس هذه الأنشطة والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، إلى جانب تقديم تصور للإجراءات المستقبلية الواجب اتخاذها، بما في ذلك تجميد الأصول وإعادة توجيه الموارد نحو أولويات التنمية الوطنية. كما تتضمن الورقة نماذج توثيقية لعدد من الأنشطة التجارية التي ينخرط فيها أفراد من عائلات ضباط منتهكي حقوق الإنسان.

اللافت أن تأسيس هذه الشركات لم يكن مجرد استجابة لضائقة اقتصادية عابرة، بل جاء مدفوعاً بجملة من العوامل التي هدفت إلى تحقيق مصالح شخصية للضباط، وتأمين موارد مالية بديلة لدعم النظام في ظل تراجع موارده الرسمية والضغط عليه بسبب العقوبات. كما مثّلت هذه الشركات جزءاً من استراتيجية أوسع لضمان استمرارية السلطة، عبر الالتفاف على العقوبات وتحصين شبكات النفوذ الاقتصادي والأمني للنظام.

الأهداف الاقتصادية والاستراتيجية لتأسيس الشركات

لم تكن الشركات المرتبطة بضباط النظام مجرّد أدوات اقتصادية تقليدية، بل أدّت أدواراً متعدّدة جمعت بين تحقيق الربح، وتأمين الحماية، وخدمة المصالح الأمنية للنظام. ويتضح ذلك من خلال مجموعة من الأهداف، لعل أبرزها:

تبييض الأموال

لم يعد خافياً على أحد حجم الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها نظام الأسد عبر ضبّاطه وعناصره، ولم تقتصر هذه الانتهاكات على القتل والتعذيب الممنهج، بل امتدت لتشمل الابتزاز المالي وفرض الإتاوات، بما في ذلك ابتزاز ذوي المعتقلين. وقد شكّلت هذه الممارسات أحد أبرز مصادر التمويل لضبّاط النظام وعناصره على مدى عقود، وتشير التقديرات إلى أن الأموال الناتجة عن الابتزاز والإتاوات بلغت نحو مليار دولار على الأقل خلال الفترة ما بين 2011 و2020([4]).

وقد ساهمت هذه الشركات التجارية في تبييض الأموال بغطاء قانوني لصالح ضباط النظام، سواء كانت تلك الأموال ناتجة عن الابتزاز، أو عن عمليات الرشوة والفساد الإداري والمالي، و”تعفيش” المدن أو كما يسمى تعهد المناطق بعد تهجير أهلها منها. وشمل ذلك أيضاً الأموال القادمة من أنشطة التهريب داخل الحدود وخارجها، بالإضافة إلى تجارة المخدرات عموماً والكبتاغون خصوصاً، التي أصبحت من أبرز مصادر التمويل غير المشروع لنظام الأسد البائد.

الاحتكار وإقصاء المنافسين

ساهمت تلك الشركات في تعزيز الحالة الاحتكارية للصفقات والمناقصات المرتبطة بمؤسسات الدولة، حيث لعبت السطوة الأمنية دوراً محورياً في إرساء تلك الصفقات على الشركات المملوكة للضباط أو واجهاتهم التجارية. وقد تم ذلك من خلال إقصاء الشركات المنافسة الأخرى، مما أتاح لتلك الشركات جني أرباح هائلة على حساب موارد الدولة، وبصورة قانونية لا غبار عليها من الناحية الشكلية. كما أن غياب الشفافية المالية، سواء في الشركات أو في أجهزة الدولة، ساهم في صعوبة الوصول إلى بيانات دقيقة حول الصفقات المنفذة، مما حدّ من القدرة على تتبّعها أو مساءلة المتورطين فيها.

أبعاد أمنية للتخفي

إن لتأسيس بعض هذه الشركات أبعاداً أمنية تهدف إلى التخفي والعمل لصالح النظام. فقد كانت بعض الصفقات مع مؤسسات الدولة -ولا سيما الأمنية- تتطلب وجود شركات تلعب دور الواجهة، مع الحفاظ على مستوى عالٍ من الموثوقية الظاهرية لتلك الكيانات. وبهذا الشكل، لا يظهر الارتباط المباشر بين هذه الشركات والمؤسسات الأمنية، مما ساعدها على تفادي فرض العقوبات الغربية، مستفيدة من غياب المعرفة الدقيقة بهذا الارتباط لدى عدد من الدول.

فعلى سبيل المثال (انظر الملحق)، قامت كل من “سحر محمود” و”آية حسن” بتأسيس شركة باسم “شامكودرز”، تُعنى بتطوير البرمجيات واستيراد التقنيات([5])، وتعود ملكية الشركة فعلياً إلى زوجة وابنة اللواء “كمال حسن”، رئيس شعبة المخابرات العسكرية، الخاضع للعقوبات الأمريكية منذ سنوات. وقد استغل القائمون على الشركة هذه الهيكلية للالتفاف على الرقابة الدولية، ومواصلة أنشطتهم التجارية بعيداً عن الأضواء.

التمدد نحو المؤسسات الدولية والالتفاف على العقوبات

لم تقتصر أنشطة شركات الضباط على السوق المحلية، بل وسّعت نطاقها لتشمل التغلغل في المؤسسات الدولية والالتفاف على أنظمة العقوبات، من خلال واجهات تجارية وشبكات اقتصادية معقّدة يصعب تتبّعها. وقد عملت على:

التعاقد مع المنظمات الدولية

استفاد عدد كبير من هذه الشركات من عقود مشتريات الأمم المتحدة، حيث قامت بعض الوكالات الأممية بشراء مستلزمات أو دفع مقابل خدمات مقدّمة من قبل هذه الشركات، رغم معرفتها المسبقة بارتباطها بضباط أمنيين. وعلى مدار سنوات([6])، مارس هؤلاء الضباط ضغوطاً مبطّنة على وكالات وموظفي الأمم المتحدة، وصلت في بعض الحالات إلى التهديد المباشر، أو استغلال فساد بعض الموظفين، أو استثمار علاقاتهم الشخصية مع الضباط. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، ابنة اللواء “حسام لوقا”، مدير إدارة المخابرات العامة في عهد نظام الأسد، والتي كانت تعمل موظفة لدى الأمم المتحدة في سورية ([7])، ما يعكس نمطاً واضحاً من النفوذ الأمني داخل المؤسسات الدولية.

كذلك، وبحسب قواعد بيانات مشتريات الأمم المتحدة، فقد تعاقدت المنظمة مع شركات مرتبطة بضباط من الأجهزة الأمنية برتب عالية (انظر الملحق)، مثل شركة “الدرجة الأولى” المملوكة لــ”نزهت المملوك”، الابن الأصغر للواء “علي المملوك”، المستشار الأمني لبشار الأسد ورئيس مكتب الأمن الوطني سابقاً. كما تضمنت العقود شركات مملوكة لابن العميد “خليل زغيبي”، الضابط في شعبة المخابرات العسكرية.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الأمم المتحدة لا تفصح دوماً عن أسماء جميع الشركات التي تتعاقد معها في سورية، حيث تُسجّل بعضها تحت تصنيف “موردون مجهولون”، وتشير الإحصائيات إلى أن هذه الفئة تمثل نحو 18.5% من إجمالي المشتريات([8])، ما يشكل ثغرة خطيرة في الشفافية ويزيد من احتمالية ارتباط هذه الشركات بموردين متهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

الاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار وتفادي العقوبات

يُعد التهرّب من العقوبات الغربية السبب الأهم وراء تأسيس هذه الشركات، إذ كان الضباط يلجؤون إلى إنشاء شركات بأسماء أقارب أو أصدقاء لتعمل كواجهات تجارية، مما يصعّب ملاحقتهم قانونياً. هذا التكتيك زاد من تعقيد مهام الإدارة الجديدة والجهات الدولية التي كانت تسعى إلى فرض العقوبات عليهم، نظراً لصعوبة تتبّع التغييرات التي تطرأ على هذه الشركات أو إثبات ارتباطها بضباط معاقَبين أو بأفراد من عائلاتهم.

ولا تقتصر عمليات الإثراء غير المشروع على الشركات المسجّلة رسمياً باسم الضباط أو ذويهم، بل تشمل أيضاً شبكات من الواجهات التجارية التي تُدار تحت سطوة هؤلاء الضباط. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الأعمال التجارية التي أدارها رجل الأعمال “خضر علي طاهر” (المعروف باسم “أبو علي خضر”) لصالح ماهر وأسماء الأسد، والتي تمتد حتى بشار الأسد ومستشاره “يسار إبراهيم”، حيث يمتلك الأخير شبكة واسعة من الشركات التي تعمل على عدة مستويات متداخلة، بمساعدة أحد واجهاته التجارية المدعو “علي نجيب إبراهيم”([9]).لقد شكّلت هذه الشبكات الاقتصادية وسيلة رئيسية للنظام للالتفاف على العقوبات الدولية، ما أتاح للضباط والمسؤولين الاستمرار في تحقيق مكاسب مالية هائلة بطرق ملتوية وغير مشروعة. وقد سمحت هذه الاستراتيجية للنظام بتوسيع نطاق نفوذه الاقتصادي، وتأمين موارد مالية إضافية لدعم أركانه، مع تقليل تأثير العقوبات بفضل استخدام واجهات تجارية وشبكات معقّدة يصعب تتبّعها.

وفي حال لم يتم الكشف عن هذه الأنشطة التجارية، فإن هذه الشركات قد تسعى مستقبلاً إلى الاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار في سورية، مستندة إلى صعوبة ربطها المباشر بضباط الأمن، الأمر الذي قد يتيح لها تحقيق أرباح ضخمة تعود بالنفع على مالكيها، الذين ساهموا في تدمير البلاد وبنيتها التحتية من خلال دعمهم للحل الأمني والعسكري منذ عام 2011.

آلية الكشف عن شركات وشبكات الضباط

في سياق التحولات السياسية التي تلت سقوط نظام الأسد، تبرز التحقيقات الاقتصادية والأمنية كأداة ضرورية لتفكيك البنية المالية المرتبطة بالضباط والشخصيات النافذة في النظام. لا تهدف هذه التحقيقات إلى المساءلة القانونية فقط، بل تسعى أيضاً إلى حماية الموارد العامة ومنع استمرار شبكات النهب والاستغلال الاقتصادي.

تنطلق هذه الآلية بتجميع بيانات الضباط من قواعد البيانات الرسمية، خاصة تلك المتوفرة في وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية، حيث تُمثل هذه الجهات المصدر الأولي لأسماء الضباط وصفاتهم الوظيفية.

تنتقل العملية في المرحلة التالية إلى مقارنة هذه البيانات مع سجلات القيود المدنية (النفوس)، بهدف التعرف على الأفراد المرتبطين بالضباط من عائلاتهم، بما يشمل الأبناء والزوجات والإخوة. ويساعد ذلك في بناء قاعدة بيانات موحّدة تربط بين الضباط وأقاربهم، وتكون صالحة لاستخدامها في البحث عن الشركات التي يملكونها أو يتشاركون فيها بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

بعد ذلك، تجري مطابقة الأسماء المستخرجة مع بيانات الشركات المسجلة في وزارة الاقتصاد (مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك) باعتبارها الجهة المسؤولة عن ترخيص الشركات بمطابقة هذه الأسماء مع قواعد البيانات الخاصة بها، ثم تقوم وزارة العدل باستخراج كافة الوكالات القانونية المتطابقة مع قاعدة البيانات. ويؤدي هذا التقاطع إلى كشف الشركات التي تعود ملكيتها للضباط أو عائلاتهم، والتي غالباً ما تمثل واجهات. وبمجرد حصر هذه الشركات، تُرسل قوائم مفصّلة بها إلى مصرف سورية المركزي، ليقوم بدوره بتجميد الحسابات المصرفية والأصول المرتبطة بها، كإجراء احترازي لحين انتهاء التحقق من نشاطاتها.

تشترك وزارتا المالية والاقتصاد في هذه العملية من خلال مراجعة النشاط المالي والضريبي للشركات المعنية، والتحقّق من وجود أي مخالفات أو ارتباطات مشبوهة. وفي حال ثبت ارتباط هذه الشركات بضباط من منتهكي حقوق الإنسان أو بأفراد من عائلاتهم، أو وجود وكالات قانونية تخوّلهم إدارة أو بيع الأصول، تُفعّل الإجراءات القانونية اللازمة لمصادرة هذه الأصول، وفق الآليات المعتمدة من قبل الدولة.

يتطلب هذا العمل منظومة مؤسسية تتبنّى الآلية المقترحة، وتعمل بتكامل بين وزارات ومؤسسات الدولة المعنية، اعتماداً على البيانات المتوفرة في قواعدها الرسمية، بهدف إنشاء قاعدة بيانات موحّدة للشركات المسجّلة بأسماء الضباط، ومنتهكي حقوق الإنسان، وأفراد عائلاتهم. كما تقتضي هذه العملية توفير دعم تقني وتحليلي من مراكز بحثية متخصصة تملك خبرة في تتبّع شبكات المصالح والواجهات التجارية. وتبرز هنا أهمية التنسيق مع الهيئات الدولية لتسهيل الوصول إلى الأصول المحتجزة خارج البلاد، والتعامل مع الشركات العابرة للحدود التي تُستخدم للالتفاف على العقوبات. وتكمن أهمية هذه المنهجية في تعزيز مبادئ العدالة الانتقالية من خلال تفكيك جزء البنية الاقتصادية للمنظومة القمعية وضمان عدم إعادة إنتاجها في المستقبل.

الإجراءات المستقبلية لتحديد مصير شركات ضباط النظام

تتطلّب معالجة الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بضباط ومسؤولي النظام السابق نهجاً استراتيجياً شاملاً يهدف إلى تفكيك الشبكات التي ساهمت في استدامة النظام. فلا يمكن اعتبار الأنشطة التجارية المسجّلة بأسماء ذوي الضباط أو الشركات المرتبطة بهم، كيانات منفصلة عن بنية النظام، أو اعتبارها أنشطة “غير ذات صلة”، إذ إن هذه الأنشطة كانت تجري ضمن سياقات سياسية واقتصادية هدفت إلى تعزيز سيطرة النظام وتأمين موارده.

وبناءً على ذلك، وبعد التعرّف على هذه الشركات في المرحلة الأولى، يمكن الشروع في اتخاذ عدد من الإجراءات، من أبرزها:

تجميد الأصول والتحقيق في الشبكات الاقتصادية

تُعدّ الخطوة الأولى لمعالجة الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بضباط النظام هي تجميد الأصول المشبوهة المرتبطة بهم وبأفراد عائلاتهم. ويمكن تنفيذ هذه الخطوة بالتعاون والتنسيق مع الجهات الدولية، مثل الأمم المتحدة والمؤسسات المالية العالمية، لضمان شمول الأصول الموجودة داخل سورية وخارجها. ويُوصى بإنشاء وحدة قانونية واقتصادية متخصصة داخل الحكومة لإدارة هذا الملف وتجميد الأصول بفعالية.

مراجعة العقود والمشاريع السابقة

إن مراجعة العقود والمشاريع التي استفادت منها هذه الشركات -لا سيما المشاريع المرتبطة بالدولة أو بالمنظمات الدولية- أولوية لضمان وقف تمويل هذه الشبكات أو استفادتها من مشاريع التعافي وإعادة الإعمار في المرحلة المقبلة. ويُقترح أن تضطلع اللجنة المذكورة أعلاه بمهمة مراجعة العقود الحكومية والدولية المبرمة بعد عام 2011.

إدارة الأصول المجمدة

 يفترض وضع خطة لإدارة الأصول المجمّدة بطريقة شفافة وعادلة، بما يضمن توظيفها في خدمة التنمية الوطنية. وتشمل الخيارات المتاحة: مصادرة الأصول وتحويل ملكيتها إلى الدولة لاستخدامها في مشاريع التنمية، أو إعادة الهيكلة من خلال تحويل الأصول إلى مشاريع إنتاجية تخدم المجتمع تحت إشراف الدولة، أو إعادة التوزيع وذلك عبر توجيه العائدات من بيع الأصول لدعم الخدمات العامة مثل التعليم والصحة، أو استخدامها في برامج جبر الضرر ضمن مسار العدالة الانتقالية.

التعاون الدولي

ينبغي على الحكومة التنسيق مع وكالات الأمم المتحدة والدول الداعمة للانتقال السياسي في سورية، لضمان شمول الأصول الموجودة خارج البلاد وتحديدها بدقة. وقد يشمل هذا التنسيق طلب المساعدة التقنية والقانونية لتتبّع الأصول المخفية وتجميدها. كما يُستحسن توسيع نطاق الجهود ليشمل التعاون مع المؤسسات المالية الدولية لتعقّب التدفقات المالية المرتبطة بالنظام السابق، وضمان عدم استخدامها في أي أنشطة مشبوهة.

نتائج ختامية

ينبغي أن تُدرج هذه الإجراءات ضمن إطار العدالة الانتقالية، التي تهدف إلى تحقيق العدالة ومنع إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب، مع التركيز على تفكيك شبكات الفساد والاستغلال التي شكّلت إحدى ركائز النظام السابق. إذ يوفر المسار الانتقالي الغطاء القانوني والأخلاقي للتعامل مع هذه الشركات والمستفيدين منها، سواء عبر التحقيقات القضائية، أو من خلال آليات استرداد الأموال المنهوبة، أو من خلال سياسات اقتصادية تمنع إعادة إنتاج النفوذ المالي المرتبط بمنظومة القمع.

كما أن دمج هذه الجهود في مسار العدالة الانتقالية يضمن تحقيق الشفافية والمساءلة، مع صون حقوق جميع الأطراف ضمن الأطر القانونية العادلة. ويكمن الهدف النهائي لهذه العملية في ما هو أبعد من المحاسبة؛ إذ يشمل أيضاً حماية الموارد العامة وإعادة توجيهها نحو التنمية الوطنية، من خلال اعتماد منهجيات دقيقة قائمة على تحليل البيانات وتحقيقات شاملة، تتيح الكشف عن الشركات المرتبطة بالضباط والمسؤولين من منتهكي حقوق الإنسان في سورية.

ملحق:

وفيما يلي جدول يحتوي على نماذج الشركات المرتبطة بضباط الصف الأول في الأجهزة الأمنية والجيش وأفراد عائلاتهم:

نموذج عن إحدى الشركات المملوكة للواء غيث ديب وزوجته رانيا بولاد، وهي “شركة السنديان” ، تأسست كمعمل ورق بنهاية عام 2005. في ذلك الوقت، كانت قيمة الدولار حوالي 50 ليرة سورية، أي أن قيمة الشركة تتجاوز مليون دولار حين تأسيسها، في حين أن الراتب الشهري لغيث ديب وكان بحينها برتبة مقدم، لا يتجاوز 200 دولار بأحسن الأحوال.

([1]) “سورية تأمر بتجميد الحسابات المصرفية المرتبطة بنظام الأسد”، الجزيرة نت، تاريخ النشر: 23/01/2025، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4hvv9Xg

([2]) برنامج سياسة العقوبات على سورية The Syria Sanctions Policy Program (SSPP) خلال عامي (2023 – 2024): هو مبادرة للمنتدى السوري كان هدفها تحسين فعالية العقوبات الغربية على نظام الأسد. تم تنفيذه بالتعاون -بين مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية ومركز عمران للدراسات الاستراتيجية. رابط إلكتروني: https://bit.ly/42pam3o

([3]) “المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003، قانون الخدمة العسكرية”، مجلس الشعب، تاريخ النشر:21/04/2003، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3GyL0Cq

([4]) “الاحتيال والابتزاز المالي لأهالي المعتقلين والمختفين قسراً”، رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، تاريخ النشر: 16/11/2021، رابط إلكتروني: https://bit.ly/40NGufH

([5]) “شركة شام كودرز المحدودة المسؤولية، Shamcoders”، الجريدة الرسمية: العدد 24، الجزء 2 الصادر بتاريخ 22 حزيران/يونيو 2023. Syria Report، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3PS8317

([6]) “عقود مشتريات الأمم المتحدة في سورية: هل هي لـ مجموعة من الفاسدين”، مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية والبرنامج السوري للتطوير القانوني،

تاريخ النشر: تشرين الثاني/نوفمبر 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4hroi0Q

([7]) ديانا رحيمة؛ “كيف يبتزّ النظام السوري الأممَ المتحدة لتوظيف أقارب مسؤوليه في مكاتبها؟”، العربي الجديد، تاريخ النشر: 10/03/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4hxclXO

([8]) “عقود مشتريات الأمم المتحدة في سورية: هل هي لـ مجموعة من الفاسدين”، مرجع سابق.

([9]) “حرفة سورية.. نظام الأسد يستخدم الشركات الوهمية للالتفاف على العقوبات”، تلفزيون سوريا، تاريخ النشر: 22/03/2022، رابط إلكتروني:

عمران

—————————

200 مليار دولار استثمارات سعودية محتملة في إعادة إعمار سورية/ نور ملحم

31 مايو 2025

تشهد العلاقات التجارية بين السعودية وسورية مرحلة جديدة من الانفتاح، مع تزايد الحديث عن فرص استثمارية واعدة قد تعيد ترتيب المشهد الاقتصادي بين البلدين، وبينما تستعد الرياض لضخ استثمارات ضخمة في السوق السورية، تشير التقارير إلى أن دمشق تسعى لتعزيز التبادل التجاري والاستفادة من التكامل الاقتصادي الإقليمي، خاصة في ظل التقديرات التي تشير إلى الحاجة إلى 700 مليار دولار لإعادة الإعمار. وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع زيارة رسمية يجريها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق اليوم، على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى، يضم كبار المسؤولين في القطاعات المالية والاستثمارية، بهدف بحث فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين، ودعم جهود إعادة الإعمار في سورية.

السعودية تتصدر المشهد

كشف الخبير الاقتصادي أيمن جمعة عن تطورات جديدة في العلاقات الاقتصادية بين السعودية وسورية، مشيراً إلى أن دمشق كانت وجهة واعدة للاستثمارات السعودية قبل عام 2011، نظراً لموقعها الاستراتيجي، وتوافر الأيدي العاملة بأسعار تنافسية، فضلاً عن قربها من الأسواق العالمية. وأكد جمعة في حديث خاص لـ “العربي الجديد” أن السعودية تستعد لضخ استثمارات ضخمة في سورية قد تصل إلى 100 مليار دولار، وذلك ضمن رؤية ولي العهد محمد بن سلمان، التي تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين سورية والأردن، وربط المنطقة بالبحر الأبيض المتوسط عبر محور استراتيجي يسهم في تأمين خطوط ترانزيت تربط المملكة بالعالم.

وفيما يتعلق بمستقبل الاستثمارات الخليجية في سورية، أوضح أن السعودية تتصدر المشهد الاستثماري نظرًا للعلاقات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي تجمعها بسورية، ما يمنحها الأفضلية في مشاريع إعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية التي تضررت خلال سنوات الحرب. وأضاف أن حجم الاستثمارات المحتمل في سورية قد يصل إلى 200 مليار دولار، مع استحواذ السعودية على الحصة الأكبر، كونها الدولة التي قادت جهود رفع العقوبات عن سورية، ما يعزز الروابط الاقتصادية بين البلدين، ويضع دمشق تحت مظلة الاستثمارات السعودية، وفق تعبيره. وأشار جمعة إلى أن هناك رغبة واضحة لدى قطاع الأعمال السوري في دخول السوق السعودية، والاستثمار بمختلف القطاعات الاقتصادية، مما يستدعي تكثيف زيارات الوفود التجارية، وعقد المنتديات الاقتصادية لضمان شراكة مستدامة بين الطرفين.

سورية توقع مذكرة تفاهم كبرى مع شركات دولية في مجال الطاقة بحضور الرئيس أحمد الشرع، دمشق، 29 مايو 2025 (العربي الجديد)

التبادل التجاري بين الرياض ودمشق

شهدت العلاقات التجارية بين السعودية وسورية تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، حيث انخفضت المبادلات التجارية مع المملكة والإمارات بنسبة 80% بين عامي 2010 و2020، وفقًا لبيانات رسمية. ففي عام 2010، بلغت قيمة التجارة بين سورية من جهة والسعودية من جهة أخرى نحو 1.724 مليار دولار، في حين لم تتجاوز 675 مليون دولار عام 2020. وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية والتي حصل عليها “العربي الجديد”، كانت السعودية من بين أهم 20 دولة استوردت منتجات سورية في عام 2019، حيث تجاوزت قيمة المستوردات السورية إلى 13 دولة عربية نحو 344.8 مليون يورو، مع تصدر السعودية للقائمة بواقع 74.5 مليون يورو، وهو ما يمثل زيادة قدرها 19 مليون يورو مقارنة بعام 2018، وذلك إثر إعادة تشغيل معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن، ما سهّل حركة السلع الزراعية والصناعية إلى الأسواق الخليجية.

وفي عام 2020، بلغت قيمة الصادرات السورية إلى السعودية نحو 140 مليار ليرة سورية، مقابل مستوردات بلغت 370 مليون ليرة سورية. ومع تحسن الظروف الاقتصادية في عام 2024، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 320 مليون دولار، بفائض تجاري لصالح سورية بلغ 36 مليون دولار. وبلغت الصادرات السعودية إلى سورية 1.206 تريليون ليرة سورية، حيث تصدرت اللدائن ومصنوعاتها القائمة بنحو 865.006 مليار ليرة، تلتها منتجات البن والشاي والبهارات بـ 148.989 مليار ليرة، ثم الخزف بـ 75.535 مليار ليرة، والفواكه بـ 60.541 مليار ليرة، ثم المنتجات الكيماوية غير العضوية بـ 30.150 مليار ليرة.

أما الصادرات السورية إلى السعودية، فجاءت محضرات الفواكه والخضار في الصدارة بقيمة 415.108 مليار ليرة، تلتها الفواكه بـ 284.920 مليار ليرة، ثم الشحوم والزيوت الحيوانية أو النباتية بـ 241.200 مليار ليرة، والبن والشاي والبهارات بـ 197.784 مليار ليرة، فيما بلغت صادرات الألبان والبيض ومنتجات حيوانية للأكل نحو 76.038 مليار ليرة.

فرص وتحديات

وبحسب هيئة الاستثمار السورية، لا تزال السعودية تحتل مرتبة متقدمة في الاستثمارات العربية داخل سورية، وتشمل قطاعات متعددة مثل البناء، الصحة، الصناعات الكيميائية والطبية، الغذاء، الزراعة والنقل. وبلغ حجم الاستثمارات السعودية في سورية قبل عام 2011 نحو 2.8 مليار دولار، وكان من أبرز الشركات المستثمرة مجموعة بن لادن، المهيدب، والنويصر، إضافة إلى مشاريع مشتركة بين الحكومتين، أبرزها الشركة السعودية-السورية للاستثمار التي ركزت على الصناعات الغذائية، التحويلية، والمفروشات.

إلا أن هذه الاستثمارات واجهت تحديات كبيرة بعد 2011، مما أدى إلى تراجع النشاط الاستثماري بشكل ملحوظ، وتوقف العديد من المشاريع أو تباطؤ تنفيذها، في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد. ومع تحسن الأوضاع مؤخرًا، تشير التوقعات إلى إمكانية استئناف التدفق الاستثماري السعودي، خاصة في مشاريع إعادة الإعمار، في إطار رؤية اقتصادية جديدة قد تعيد ترتيب المشهد التجاري بين الرياض ودمشق.

بوابة إعادة الإعمار

بدوره، بدوره أكد الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب اسمندر أن السعودية يمكن أن تكون بوابة رئيسية لعودة الإدارة السورية الجديدة إلى المشهد العربي والدولي، مشددًا على أن المستثمرين السعوديين يمتلكون فرصًا واعدة في قطاع النفط والغاز السوري، الذي يعتبر أحد أكثر القطاعات تضررًا بفعل الحرب، حيث تعرض 90% من بنيته للتعطيل، مع انسحاب الشركات الأجنبية المشغلة له. وأشار اسمندر في حديث خاص لـ ” العربي الجديد” إلى أن حجم الدمار الواسع الذي شهدته سورية يجعل جميع القطاعات الاقتصادية، من الصناعة والزراعة والخدمات إلى النقل والسياحة، بحاجة ماسة إلى استثمارات ضخمة، معتبرًا أن التكلفة التقديرية لإعادة إعمار البلاد تصل إلى 700 مليار دولار، ما يفتح المجال أمام المستثمرين للدخول بقوة في مشاريع إعادة بناء الاقتصاد السوري.

وفي سياق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، شدد اسمندر على أهمية تعزيز التبادل التجاري بين سورية والسعودية، معتبرًا أن توسيع حركة التجارة سيسهم في إعادة تنشيط الاقتصاد السوري، وخلق فرص استثمارية جديدة للشركات والمستثمرين الخليجيين. وأضاف أن زيادة الصادرات السورية إلى المملكة، لا سيما في القطاعات الزراعية والصناعية، ستساعد في تنويع مصادر الدخل وتحقيق انتعاش اقتصادي، مشيرًا إلى أن المملكة العربية السعودية تمثل بوابة رئيسية للأسواق الإقليمية، ما يجعلها شريكًا اقتصاديًا استراتيجيًا لسورية خلال المرحلة المقبلة.

وأوضح أن الأسواق الخارجة من الحروب غالبًا ما تمثل فرصة ذهبية للمستثمرين، حيث تكون المنافسة في مراحلها الأولى منخفضة، ما يمنح المستثمرين الأوائل إمكانية تحقيق مكاسب كبيرة، داعيًا رجال الأعمال إلى اغتنام الفرصة والمساهمة في إعادة إعمار سورية، حتى تستعيد مكانتها الاقتصادية في المنطقة والعالم.

العربي الجديد

——————————–

التحول السوري الهش يحمل ملامح شرق أوسط مستقر ولكن بدعم أمريكا والغرب

إبراهيم درويش

نشر موقع مركز المجلس الأطلسي في واشنطن تحليلاً لتشارلس ليستر، رئيس المبادرة السورية في معهد الشرق الأوسط، قال فيه إن التحول السوري الهش يحمل بصيص أمل نحو شرق أوسط أكثر استقراراً.

وأوضح ليستر أن سوريا، وعلى مدى ما يقرب من نصف قرن، كانت جرحاً مفتوحاً في قلب الشرق الأوسط، ومصدراً دائماً لعدم الاستقرار، تغذي الصراعات وتقمع شعبها بوحشية. وزادت الحرب الأهلية، التي استمرت قرابة أربعة عشر عاماً، من تداعيات عدم الاستقرار على الدول المجاورة والعالم بأسره. وقد جسدت المقولة الشهيرة: “ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا” واقع الحال خلال العقد الماضي، في ظل أزمة بدت عصية على الحل.

إلا أن كل ذلك تغيّر في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، عندما فرّ بشار الأسد من قصره في دمشق متوجهاً على نحو مفاجئ إلى منفاه في روسيا. وفي هجوم مفاجئ وسريع، تمكن تحالف من جماعات المعارضة المسلحة من الإطاحة بالنظام، الذي انهار كبيت من ورق خلال عشرة أيام فقط. وهكذا، أُتيحت للمجتمع الدولي فرصة تاريخية واستراتيجية لإعادة تشكيل قلب الشرق الأوسط، ليغدو أكثر استقراراً وتكاملاً وبناءً.

وأشار ليستر إلى أن المرحلة الانتقالية في سوريا لا تزال هشة للغاية، وتواجه تحديات جسيمة، وتمثل في الوقت ذاته معضلة حقيقية للمجتمع الدولي. فمنذ اللحظة الأولى، قادت عملية التحول هيئة تحرير الشام، التي كانت في السابق فرعاً لتنظيم القاعدة، ونشأت من رحم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، ما أثار مخاوف حول التعامل مع السلطات الانتقالية.

لكن هيئة تحرير الشام اليوم تختلف تماماً عما كانت عليه قبل عقد من الزمن. فمنذ انفصالها عن تنظيم الدولة عام 2013، أعلنت فك ارتباطها الرسمي بالقاعدة في 2016، وسمحت بدخول آلاف من القوات التركية (العضو في حلف الناتو)، ووافقت على اتفاق وقف إطلاق نار رعته تركيا وروسيا. كما أنشأت “حكومة إنقاذ وطني” في شمال غرب سوريا، وقدمت خدمات أفضل مما هو متاح في بقية مناطق البلاد. وشنّت حملة ضد عناصر القاعدة وتنظيم الدولة، وبدأت اتصالات مع المجتمع الدولي، وإن كانت من خلف الأبواب المغلقة.

شهدت أيديولوجية الهيئة تحوّلاً جذرياً منذ انفصالها عن القاعدة، مبتعدةً عن خطاب “الجهاد العالمي” بل ومناهِضة له، ومتبنيةً شعار “الثورة الشعبية ضد نظام الأسد”. هذا التحول هو ما دفع معظم الدول إلى التواصل مع الحكومة الجديدة بقيادة الهيئة والرئيس أحمد الشرع، بناءً على قناعة بأن الانخراط والتفاعل أكثر فاعلية من العزل في توجيه نتائج مرحلة انتقالية هشة.

في هذا السياق، خفف الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وسويسرا العديد من العقوبات الاقتصادية، على أمل تحفيز إعادة الإعمار. أما إدارة بايدن المنتهية ولايتها، فقد أصدرت في كانون الثاني/يناير 2025 “ترخيصاً عاماً” مؤقتاً لمدة ستة أشهر، رفعت فيه بعض القيود، لكنه لم يُحدث تأثيراً ملموساً في تسهيل التعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا.

ومع ذلك، يبقى الوضع الاقتصادي كارثياً: يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويعتمد 70% منهم على المساعدات، فيما فقدت الليرة السورية 99% من قيمتها، ودُمرت نصف البنية التحتية، وانخفضت إمدادات الوقود إلى شبه الصفر. وعليه، فإن تجاوز هذه الظروف شبه مستحيل من دون رفع العقوبات، حتى ولو جزئياً.

تستعد دول مثل السعودية وتركيا وقطر لتقديم دعم مالي واستثماري في مجالات النفط والكهرباء، لكنها عاجزة عن ذلك في ظل القيود الأمريكية. ويرى ليستر أن الاستفادة من اللحظة التاريخية التي شهدت سقوط الأسد، تتطلب التخلّي عن السياسات قصيرة الأمد، وتبنّي رؤية طويلة المدى تركز على الاستقرار السوري والإقليمي.

فبينما انحصرت السلطة الانتقالية في 8 كانون الأول/ديسمبر في يد هيئة تحرير الشام، تغير المشهد بعد ثلاثة أشهر، حيث عُقد حوار وطني ومؤتمر تأسيسي شُكلت على إثره لجان لصياغة إعلان دستوري، وأُعلنت حكومة انتقالية موسّعة. لم تضم الحكومة سوى أربعة وزراء من الهيئة من أصل 23، فيما كان أكثر من نصف الوزراء من ذوي التعليم العالي والخبرة المهنية في أوروبا والولايات المتحدة، في خطوة نحو حكومة تكنوقراطية حقيقية.

لكن رغم هذا التقدّم، لا تزال التوترات الاجتماعية والطائفية والسياسية قائمة، وقد ظهرت في تصاعد العنف خلال يومي 7 و8 آذار/مارس 2025، وإن لم يدم طويلاً. وشُكلت لجنة تحقيق حكومية لتحديد المسؤولين عن أعمال العنف. كما بقيت تحديات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، والمقاتلين الأجانب، وتنظيم الدولة، والمقاومة المسلحة العلوية قائمة. ومع ذلك، يبقى هذا التحول الهش أفضل أمل لتحقيق استقرار تدريجي.

ويواجه الغرب خيارين: إما دعم العملية الانتقالية في سوريا بشروط واضحة على أمل تعزيز الاستقرار والتوسع في التمثيل، أو الانسحاب ومخاطرة بعودة الفوضى. لا يخلو أي من الخيارين من المخاطر، لكن الانخراط يقدم فرصة حقيقية لتجنّب الأسوأ.

يرى الكاتب أن إعلان الرئيس دونالد ترامب، خلال زيارته إلى السعودية في أيار/مايو 2025، عن رفع جميع العقوبات عن سوريا، يشير إلى عودة الاستراتيجيا إلى صدارة السياسة الأمريكية. وأكد وزير الخارجية ماركو روبيو أمام الكونغرس لاحقاً أن الفشل في رفع العقوبات سيعيد سوريا إلى دوامة الحرب الأهلية. ويكمن العامل الحاسم الآن في مدى سرعة إصدار الإعفاءات التنفيذية التي ترفع فعلياً القيود الاقتصادية.

وقد أعطى قرار الاتحاد الأوروبي في 20 أيار/مايو برفع كل العقوبات دفعة قوية لهذا المسار. وإذا عاد الدبلوماسيون الأمريكيون إلى دمشق، قد تبدأ سوريا فعلاً بالتعافي.

في الأثناء، واصلت القيادة المركزية الأمريكية دورها في تسهيل المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق، وضغطت لإبرام اتفاق في آذار/مارس. كما جرت منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر 2024 لقاءات بين القيادة المركزية والرئيس الشرع، إضافة إلى تنسيق أمني مع وزارتي الداخلية والدفاع لمكافحة تنظيم الدولة.

ومنذ كانون الثاني/يناير 2025، أحبطت الحكومة الانتقالية ثماني محاولات لتنظيم الدولة، وتعاونت مع الضربات الأمريكية بالطائرات المسيّرة التي استهدفت قيادات للقاعدة في شمال غرب سوريا.

في ظل اتجاه الولايات المتحدة لتقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط، وانشغال الناتو بالمخاوف الأوروبية، تبدو فرصة تحقيق استقرار في إحدى أكثر ساحات الصراع اضطراباً في التاريخ الحديث أمراً بديهياً. وعلى الرغم من حجم المخاطر، فإن الأولوية يجب أن تكون لتشكيل حكومة مركزية مستقرة، مندمجة في محيطها الإقليمي، وقادرة على حل أزماتها بشكل جماعي.

هذا هو الخيار الوحيد الواقعي المطروح. وهو الطريق الذي بدأت تسلكه أوروبا ودول المنطقة، ويجب على الولايات المتحدة أن تلتحق به. فإذا ما التزمت إدارة ترامب بهذا المسار، فإن احتمالات استقرار سوريا سترتفع بشكل كبير.

——————————

بين قوى إقليمية ودولية أين تتجه البوصلة السورية؟/ رياض معسعس

05 حزيران 2025

رفع العلم الأمريكي من قبل المبعوث الأمريكي لسوريا توماس باراك في مبنى إقامة السفير له دلالة كبيرة وسريعة لتطبيع العلاقات الأمريكية مع الإدارة السورية الجديدة بعد 14 سنة من القطيعة مع نظام الأسد المخلوع، فهي نقطة تحول كبرى بعد لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس أحمد الشرع برعاية سعودية، ومباركة تركية، وتحفظ مكتوم من قبل إسرائيل وإيران. لكن هذا التحول المفاجئ في موقف الإدارة الأمريكية لم يأت بطيبة الرئيس ترامب، أو بإرضاء رغبة الأمير محمد بن سلمان الذي أغدق عليه بكرم، ولا بجهد تركي وتمهيد الطريق أمام الرئيس أحمد الشرع الذي كان بالأمس مطلوبا من الإدارة الأمريكية، وبجائزة 10 ملايين دولار لمن يلقي القبض عليه، بل هي نتيجة لمجموعة عوامل اجتمعت في ظروف مواتية زمانا ومكانا. فسقوط نظام الإجرام الأسدي كان ضرورة ملحة لأسباب متعددة.

فمن ناحية كان من الضروري التخلص من الهيمنة الإيرانية وميليشياتها الطائفية في سوريا وعلى رأسها «حزب الله» التي تهدد دولة الاحتلال من ناحية، وإضعاف موقف إيران في معالجة ملفها النووي في حال أي عملية تفاوضية لاحقة من ناحية أخرى، خاصة وأن إسرائيل كانت وعلى مدى عدة سنوات تقوم بقصف مواقعها في سوريا، في محاولة لقطع خط الإمدادات لحزب الله عبر سوريا، وقد تضررت مطارات وموانئ سوريا التي كانت تستقبل الشحنات الإيرانية الموجهة لحزب الله، وقد كشفت الأحداث بعد عملية طوفان الأقصى أن حزب الله كان مخترقا وبنك معلوماته السرية كانت مكشوفة لإسرائيل عبر وسائل مختلفة وخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتجنيد أكثر من عنصر من عناصره الذي كان يزود الموساد بكثير من المعلومات وقد تم إلقاء القبض على أحدهم واعترف بذلك.

وبإسقاط نظام الأسد تسقط الحلقة الوسطى في محور طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت، وهذه الضربة القاسية لطهران أرغمتها مع كل ميليشياتها على الرحيل من سوريا وأن تترك وراءها خسائر كبيرة تقدر بأكثر من 50 مليار دولار لن تسترد منها دولارا واحدا لأنها تعرف أن دمشق ستطالبها بفدية دماء السوريين الذين كانوا ضحية لهجمات هذه الميليشيات، وعلى رأسها حزب الله الذي سيطر على مناطق عديدة في وادي بردى والقلمون والقصير، ولم تفتح إيران إلى اليوم أي قنوات تواصل مع الإدارة الجديدة حتى أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال: «لسنا في عجلة من أمرنا للتواصل مع دمشق».

العامل الثاني الذي لا يقل أهمية بالنسبة لواشنطن وهو الملف الروسي ووجود قواعده ونفوذه في سوريا (قاعدة حميميم، والقاعدة البحرية في طرطوس) وخاصة أن موسكو دخلت في حرب مدمرة مع أوكرانيا والتي تعتبر بالنسبة للغرب ولأوروبا بشكل خاص مصدر تهديد مستمر وتعمل جاهدة في دعم أوكرانيا في وجه الغزو الروسي، ففي حال سقوط النظام الأسدي سيضع موسكو في موقف جديد مع الإدارة الجديدة، يمكن أن يهدد استمرارية تواجده العسكري في سوريا، وهذا ما دفع روسيا توجيه دعوة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لزيارة موسكو، وبعد محادثات حثيثة مع الإدارة الجديدة التي طالبت بتسليم بشار الأسد اللاجئ في روسيا، واستعادة الأموال المنهوبة، رفضت موسكو تسليم الأسد لكنها انفتحت على تزويد سوريا بالقمح والنفط واستعادة بعض الأموال، وتسعى للحفاظ على شعرة معاوية مع الإدارة الجديدة التي كانت تقصفها بالأمس في مناطق سيطرتها في إدلب، وقتلت الآلاف من السوريين أيضا.

لم تقم الأنظمة السورية المتعاقبة منذ الاستقلال بأي اتصال مباشر مع تل أبيب لغاية العام 1965 حيث كان تعتبر أي سوري يتواصل مع العدو الصهيوني، أو يزور إسرائيل خائنا وتطبق عليه قوانين الخيانة العظمى، حيث أثيرت بعض الشكوك حول بعض المصادر التي تشير أن حافظ الأسد عندما كان قائدا للقوات الجوية قام بزيارة إلى بريطانيا بحجة إجراء فحوصات طبية وهناك تم لقاء بينه وبين وفد إسرائيلي، وكانت فضيحة الجاسوس ايلي كوهين قد هزت سوريا في نفس هذه الفترة، وجاء البلاغ رقم 66 في بداية حرب النكسة في 1967 والذي طلب فيه الأسد الذي أصبح وزيرا للدفاع بانسحاب الجيش السوري من الجولان بحجة أن الجيش الإسرائيلي قد وصل إلى مدينة القنيطرة وهو لم يصل بشهادة مئات الضباط (ومنهم والدي الذي كان في القنيطرة) وبهذا الانسحاب تمكنت إسرائيل من احتلال مرتفعات الجولان بالكامل التي كان يعتبر حصنا طبيعيا منيعا، فعادت الشكوك لتكون أكثر واقعية خاصة بعد اتفاق فصل القوات التي حازت فيه إسرائيل على معظم أراضي الجولان، وانتشر شعار بين السوريين وخاصة بعد الثورة يتهمون الأسد بالخيانة: «باع الجولان ابن الحرام»، وقد أظهر الأسد بعد تطبيع مصر علاقاتها مع إسرائيل بأنه حامي القضية الفلسطينية بتشكيل جبهة مناهضة للتطبيع وتجميد عضوية مصر في الجامعة العربية رغم أنه قام بحرب لا هوادة فيها ضد الفلسطينيين ومنظمة التحرير في لبنان انتهت بطرد المقاومة من لبنان في العام 1982، وحسب الرئيس المصري الراحل حسني مبارك فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين عرض على الأسد الانسحاب من كامل الجولان مقابل التطبيع مع تل أبيب لكنه رفض العرض، ومع الوريث بشار الأسد لم يتغير الوضع كثيرا لكن كان هناك أحاديث كثيرة تشير إلى محادثات تحت الطاولة بين النظام وإسرائيل.

هذا الوضع تفاقم مع قيام الثورة السورية بعد أن استنجد الأسد بإيران وميليشياتها، وروسيا التي أهداها قاعدة حميميم مقابل ضرب الشعب السوري الثائر، لكن تواجد إيران وميليشياتها في سوريا لم يرق لإسرائيل الذي رأت فيه تهديدا لها فقامت بمئات الغارات الجوية على القواعد الإيرانية دون أي رد من الجانب السوري رغم الأضرار الجسيمة التي تعرضت لها منشآت سورية متعددة، وبدأ الشك يخامر القيادات الإيرانية بتعاون مخابراتي سوري إسرائيلي بتسريب المعلومات عن أماكن تواجد الإيرانيين واجتماعاتهم التي كانت تستهدف لحظة بلحظة، ورفض الأسد إجراء أي تحقيق طلبته إيران وخاصة بعد استهداف قنصليتها في دمشق. وطرح تساؤل كبير بعد سقوط النظام الأسدي وفي يوم الاحتفال بالنصر بقصف إسرائيل للمربع الأمني المجاور لساحة الأمويين، حيث كانت الاحتفالات، والذي يضم كل ملفات المخابرات المركزية السورية بما فيها ملفات العلاقات السورية الإسرائيلية. ثم توالى القصف لكل مراكز الجيش السوري وقواعد الطيران والموانئ، ورغم أن الرئيس السوري أحمد الشرع قد صرح أكثر من مرة بأنه لا يرغب في فتح جبهات قتال مع أحد، ولا يريد أن يقوم بعمليات انتقام من أي جهة كانت إلا أن إسرائيل حاولت بحجة حماية الدروز التدخل في سوريا وقامت باحتلال عدة مناطق في الجولان ضاربة عرض الحائط اتفاق فصل القوات 1974 وكانت تمني النفس بالتحريض على حرب أهلية تنتهي بتقسيم سوريا حسب تصريحات أكثر من مسؤول إسرائيلي. وقد كشفت مصادر مطلعة لوكالة رويترز مؤخرا، عن إجراء سوريا ودولة الاحتلال الإسرائيلي اتصالات مباشرة وجها لوجه ربما بوساطة إماراتية بعد زيارة الشرع لأبو ظبي ولقائه بالرئيس محمد بن زايد، وأشارت الوكالة إلى أن الاتصالات المباشرة تمثل تطورا كبيرا في العلاقات بين الجانبين وتمهد لاتفاق عدم الاعتداء حسب ما نصح به الموفد الأمريكي لسوريا، ورغم أن الإدارة الجديدة سلمت مقتنيات الجاسوس إيلي كوهين لإسرائيل كعربون حسن نية لم يثنها عن استمرارية اعتداءاتها وقصف المواقع العسكرية السورية بحجة وجود أسلحة تهدد أمنها القومي.

قامت تركيا ومنذ بداية الثورة وبعد استقبالها ملايين اللاجئين السوريين، باستقطاب بعض الفصائل السورية المسلحة، ومنها هيئة تحرير الشام، وقد عملت حثيثا مع فصائل مسلحة لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية، وفي الوقت نفسه العمل مع هيئة تحرير الشام لإسقاط النظام الأسدي رغم أنها كانت توحي بأنها تبحث عن تطبيع علاقاتها معه حسب رغبة موسكو وطهران، وقامت بالتخطيط والدعم معها لبدء عملية تحرير سوريا التي بدأت بمدينة حلب وانتهت بدمشق في بيوم النصر في 8 ديسمبر 2024. وصرح ترامب أنه ترك لتركيا حرية تطوير علاقاتها بالإدارة السورية الجديدة.

وهكذا نرى أن بوصلة سوريا الجديدة تتجه شمالا نحو تركيا وغربا نحو أوروبا وأمريكا، وجنوبا نحو المملكة العربية السعودية، وكل الزيارات المتعاقبة للمسؤولين في هذه الدول الثلاث تؤكد ذلك، بعد أن كانت في عهد الأسد تتجه إلى موسكو وطهران بشكل أساسي، وبذلك تدخل سوريا في انقلاب جذري في علاقاتها الإقليمية والدولية.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

سوريا تتجه غرباً ولبنان يتعامل مع الشرع بعقلية الماضي

الخميس 2025/06/05

يبقى أثر مقارنة الإيقاع اللبناني الذي يوصف بـ”البطيء” بالإيقاع السوري “السريع” قائماً في أي مقاربة دولية أو إقليمية للوضع على الساحة اللبنانية. رسائل دولية كثيرة لا تزال ترد إلى لبنان حول تأخره عن سلوك المسار المفروض دولياً. تبقى التوازنات اللبنانية مختلفة جذرياً عن الوقائع السورية، لذلك تلجأ السلطة في لبنان إلى مقاربة أكثر هدوءاً في ملف سلاح حزب الله، وحتى السلاح الفلسطيني تجنباً لوصول البلاد إلى لحظة الصدام أو الانقسام. في سوريا قرار واحد، يتخذه الرئيس أحمد الشرع ويمضي باتجاهه انطلاقاً من مفاوضاته ولقاءاته الخارجية. أما في لبنان فجهات متعددة وسلطات تارة تلتقي فيما بينها وتارة تفترق.

يشير الانفتاح الدولي والإقليمي الكبير والسريع على سوريا إلى تعاط مختلف مع التطورات الجارية هناك، لاسيما أن القوى الدولية تنظر إلى هذا التحول بأنه استراتيجي ونوعي، وأنها المرة الأولى التي تنحو فيها سوريا في اتجاه الغرب، وذلك لا ينفصل عن حجم التقارب الأميركي السعودي التركي الذي يمكنه أن يعكس تغييراً كبيراً في موازين القوى على مستوى المنطقة. وذلك يظهر من خلال الاندفاعة الإقليمية والدولية لضخ الكثير من المساعدات والاستثمارات في سوريا، بينما لبنان لا يزال غائباً عن ذلك، وقد سمع نصائح كثيرة بضرورة اتخاذ الخطوات نفسها التي اتخذها أحمد الشرع.

الشرع ليس الجولاني

منذ لحظة انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة كان لبنان ينظر إلى نفسه باعتباره أولوية إقليمية ودولية، وانتظر اللبنانيون تدفق المساعدات والاستثمارات. بقيت النظرة الفوقية التي يلقيها اللبنانيون على السوريين هي المستحكمة، وقد ازدادت مع عدم التعاطي بواقعية مع التحولات التي حصلت، إذ بقي اللبنانيون يتعاطون مع أحمد الشرع بوصفه أبو محمد الجولاني، وبما كان عليه سابقاً. هذا التعاطي أدى إلى انزعاج سوري على الرغم من الزيارات المتتالية التي حصلت من قبل المسؤولين اللبنانيين، لاسيما زيارة رئيس الحكومة نواف سلام، أو زيارة الوفود العسكرية إلى دمشق لمتابعة البحث في كل الملفات الأمنية وضبط الحدود.

لكن لبنان كان قد تأخر عن مواكبة الشرع، بينما تنامت وجهة نظر لبنانية تتخوف من التغيير الذي حصل في سوريا، وصدرت مواقف في البداية تشير إلى الخوف الجدي من تجدد الإشتباكات بين الطرفين، انطلاقاً من نظرة التعاطي مع دمشق وكأنها تحت حكم “جبهة النصرة” أو “هيئة تحرير الشام” علماً أن دول العالم كلها قد غيّرت نظرتها تجاه ما يجري في سوريا ومن يجلس في قصر الشعب.

معالجة الأزمات

لا تزال العلاقة السورية اللبنانية بحاجة إلى معالجة سريعة لكل الملفات وإعادة وضع الأمور على سكتها الصحيحة بناء على التفاهم والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، خصوصاً أن لبنان يمكنه أن يتحول إلى قاعدة أساسية في عملية إعادة الإعمار في سوريا كما هو الحال بالنسبة إلى الأردن أو إلى تركيا. لكن الخوف اللبناني بداية، أو معارضة التغيير الذي حصل في سوريا، والذي يشبه إلى حدّ بعيد المقاربة العراقية نفسها، نظرت إليها دمشق بنوع من السلبية، وهي تتمسك بذلك انطلاقاً من وجود مطالب عديدة قدمتها السلطات السورية للبنانيين لمعالجتها ولكن حتى الآن لم يتم تحقيق أي تقدّم.

أبدى لبنان استعداداً للتعاون والتقارب وتحسين العلاقات، لكنه ينتظر زيارة كان قد اتفق على أن يجريها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على رأس وفد وزاري وأمني للبحث في كل الملفات العالقة بين البلدين، والعمل على معالجتها بما فيها ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية التي يصر السوريون على معالجتها سريعاً. يفترض أن تحصل الزيارة بعد عيد الأضحى، وفي أواخر شهر حزيران.

لبنان والعراق واستحضار العبرة

في موازاة التحضير لهذه الزيارة، سجلت جملة مشاهد لا بد من التوقف عندها. أولها أنه بالتزامن مع زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى العراق، كان الرئيس السوري أحمد الشرع يحط في الكويت. للصورتين رمزية لا يمكن المرور عليها بشكل عابر، بالنظر إلى الكثير من المحطات التاريخية وفي ظل الأوضاع والتطورات التي تمر بها المنطقة. تاريخياً كان لبنان ينظر إلى العراق وتطوراته ليقرأ انعكاسات المشهد على ساحته الداخلية. منذ الخمسينيات هناك ترابط مباشر وغير مباشر في تطورات الأحداث بين البلدين، وتحديداً منذ حلف بغداد الذي جنح لبنان نحوه بينما كانت سوريا في مواجهته. حتى الآن لم يجر أحمد الشرع زيارة إلى العراق، ولم يجر جوزاف عون زيارة إلى سوريا.

لو لم تحصل زيارة عون إلى الكويت قبل أسابيع، لكانت الصورة احتوت أبعاداً كثيرة في ظل سرعة التطورات الحاصلة على مستوى المنطقة. هنا أيضاً، لا يمكن المرور بشكل عابر على التحول الكبير الذي قرر حافظ الأسد سلوكه في حرب الخليج الثانية والالتحاق بالتحالف الدولي إلى جانب الكويت ضد العراق. وبعدها كان الثمن أن يتم إيكال الملف اللبناني إلى نظام الأسد. اليوم يحط الشرع في الكويت، وسط انطلاق سوريا بسرعة صاروخية للتقارب مع الغرب ومع الدول العربية بينما لبنان لا يزال متعثراً وغارقاً في صراعات داخلية حول مسألة حصر السلاح بيد الدولة وآلياتها، وحول إنجاز الإصلاحات السياسية والمالية والاقتصادية.

قبيل زيارة الشرع إلى الكويت، كان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في سوريا في زيارة تحمل الكثير من الأبعاد ومن الإفادة للشعب السوري لا سيما في ظل الدعم الخليجي والأميركي والاستعداد للدخول في استثمارات تطال مجالات عديدة على مستوى النفط، الكهرباء، الزراعة، الصناعة، التجارة والسياحة. كل ذلك بينما لبنان لا يزال ينتظر ولم يحصل على أي مساعدة جدية حتى الآن خصوصاً أن كل الملفات تبدو مرتبطة بإنهاء ملف سلاح حزب الله.

بدا لبنان يتقارب أكثر مع العراق، وشهد زيارة هادئة جداً لوزير الخارجية الإيراني تحدث فيها عن تعزيز العلاقات على قاعدة الاحترام المتبادل. علماً أن عراقجي وصل إلى بيروت آتياً من مصر، التي تسعى طهران إلى تعزيز العلاقات معها واستعادة العلاقات الديبلوماسية، علماً أن القاهرة لا تزال لديها تحفظات على “الشرع”، خصوصاً أنه بالتزامن مع زيارة بن فرحان إلى دمشق فتح القضاء المصري المجال أمام دعاوى قضائية على المسؤولين السوريين لمسؤوليتهم عن مجازر طائفية. أمام كل هذا المشهد، يبقى لبنان بحاجة إلى تطوير وتحسين العلاقة مع سوريا جدياً، وأمام مواكبة كل التحديات المفروضة خارجياً وداخلياً.

————————————

لماذا لا تتراجع أسعار السلع في سوريا رغم ارتفاع الليرة؟/ شام السبسبي

5/6/2025

دمشق– تشكو المواطنة شادية مطر من ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات في الأسواق السورية رغم ارتفاع سعر الليرة مقابل الدولار والعملات الرئيسية الأخرى، قائلة: “لم تعد خرجية (مصروف) الـ200 دولار التي يرسلها لي ابني من العراق تكفيني لمنتصف الشهر.. لا بد من إيجاد حل لارتفاع الأسعار لأن الأمر أصبح لا يُطاق”.

وتضيف المدرِّسة المتقاعدة (56 عاما) في حديث لـ(الجزيرة نت): “ما يزال إيجار شقتي مليون ليرة (110 دولارات) بالرغم من أن قيمة الدولار قد انخفضت إلى نحو النصف مقارنة بقيمته في  كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إذ كان إيجار شقتي حينها يعادل 75 دولارا فقط، أما الآن فتخطى الـ100 دولار وأنا لا طاقة لي بذلك. وهناك أيضا مواد غذائية كثيرة لم تنخفض أسعارها بصورة متناسبة مع ارتفاع سعر صرف الليرة”.

وشهد الاقتصاد السوري تحولات كبرى منذ سقوط نظام بشار الأسد المخلوع في 8  ديسمبر/كانون الأول الماضي، وارتفعت الليرة بصورة ملحوظة أمام العملات الأجنبية لا سيما بعد صدور القرار الرسمي برفع العقوبات الأميركية ولاحقا الأوروبية عن سوريا الشهر الماضي.

وسجل سعر صرف الدولار في السوق الموازية، في أحدث تعاملات 9250 ليرة مقابل الدولار، مقارنة بـ16 ألف ليرة في مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

غير أن أسعار بعض السلع والخدمات الأساسية في سوريا ما تزال مرتفعة مقارنة بتحسن سعر صرف الليرة، مما يشكل عبئا مضافا على السوريين، ولا سيما موظفي القطاع العام، وأولئك الذين يعتمدون في مصروفاتهم والتزاماتهم على الحوالات الخارجية التي يرسلها إليهم أبناؤهم وأقاربهم المهاجرون.

أسعار مرتفعة

وتبرز السلع الغذائية المنتجة محليا من أجبان وألبان ومعلبات ومنتجات للأطفال كأقل السلع تأثرا بالتحسن الذي يشهده سعر صرف الليرة مؤخرا، إذ تحافظ بعض هذه السلع على أسعارها التي كانت عليها قبل نحو شهر عندما كان سعر صرف الدولار يعادل 12 ألف ليرة. وتليها بضائع مصنعة محليا مثل الألبسة، والأدوات الكهربائية والصحية، والأدوية، وخدمات عديدة مثل المطاعم والفنادق والعيادات الطبية، بحسب ما رصدته الجزيرة نت في جولة لها في دمشق وريفها.

وأوضح مدير دائرة الإعلام في وزارة الاقتصاد والصناعة السورية، حسن الأحمد، أن التحسن في سعر صرف الليرة من الطبيعي أن يواكبه انخفاض تدريجي في الأسعار.

وقال في تصريح لـ(الجزيرة نت): “رأينا بالفعل تراجعا في أسعار بعض السلع والخدمات، خصوصا في القطاعات التي تعتمد على مدخلات محلية وتخضع للمنافسة الفعلية”.

لكن المسؤول الحكومي استدرك قائلا إن هذا التراجع لا يشمل جميع القطاعات، فما تزال الأسعار مرتفعة في قطاعات على رأسها الصناعات الغذائية وخدمات المطاعم وقطاع الألبسة، مرجعا ذلك إلى جملة من العوامل، أبرزها اختلال العرض والطلب، وارتفاع تكاليف التشغيل، وتفاوت جودة الخدمات المقدمة.

وقال: “السوق لا يستجيب فورا وبشكل متساوٍ في جميع المجالات”.

وحول دور الحكومة في ضبط الأسعار، أوضح الأحمد أن الدولة بتوجهها نحو اقتصاد السوق الحر التنافسي، فإن وزارة الاقتصاد والصناعة لا تتدخل في فرض الأسعار، بل تركز على ضمان بيئة سوق عادلة وشفافة، إذ تُحدد الأسعار بناء على التكلفة والجودة وحجم الطلب، لا على قرارات إدارية.

وأكّد أن دور الوزارة “يقتصر على ضبط الإطار العام للسوق، ومنع الاحتكار والمغالاة، وتشجيع المنافسة وزيادة العرض، حتى تصبح الأسعار أكثر توازنا واستقرارا بشكل طبيعي، وضمن منطق السوق”.

مضاربات

ويجمع خبراء اقتصاديون على أن التحسن الأخير في سعر صرف الليرة السورية لا يستند بالمجمل إلى عوامل اقتصادية موضوعية، بل يعود بدرجة كبيرة إلى المضاربات في السوق الموازية والعوامل النفسية التي تحرك سلوك المتعاملين.

ويرى الخبير الاقتصادي السوري حازم عوض أن ما يتحكم بسعر صرف الليرة في السوق الموازية هو قوى العرض والطلب والمضاربات، وهو ما يفسر انخفاض سعر الصرف فيها (9200 ليرة للدولار) عنه في المصرف المركزي (11 ألف ليرة للدولار).

وأشار إلى أن السوق الموازية لا تحكمها عوامل اقتصادية واضحة، بل عوامل أخرى نفسية متعلقة بالخوف أو الراحة، فمتى ما نُشرَ خبر عن وجود استثمارات ضخمة دخلت إلى سوريا، أو عن رفع للعقوبات، يسود الخوف ويبيع المتعاملون أو التجار مدخراتهم من الدولار، فترتفع قيمة الليرة لكنها تعود إلى سعرها شبه الحقيقي بعد فترة وجيزة.

ويوضح الخبير، في تعليق لـ(الجزيرة نت) أن بعض السلع المرتبطة بالدولار بصورة مباشرة قد تسجل انخفاضا جزئيا في أسعارها مع تحسن سعر صرف الليرة، لكن هذا الانخفاض لا يكون مكافئا لتحسن سعر الصرف تماما، لأن التاجر يتعامل مع واقع سوق غير مستقر، ويفضل الاحتفاظ بـ”هامش أمان” في التسعير، مما يدفعه إلى عدم خفض الأسعار بالوتيرة المتوقعة، في حين أن بعض السلع المنتجة محليا قد لا يتأثر سعرها إطلاقا بتذبذب سعر الصرف لأنها غير مستوردة وتخضع لشروط إنتاج مختلفة.

ويشير الخبير الاقتصادي أدهم القضيماتي في تعليق لـ(الجزيرة نت) إلى مجموعة من العوامل التي تلعب دورا في ارتفاع أو انخفاض أسعار السلع والخدمات في سوريا، أبرزها:

    غياب اقتصاد حقيقي يقوم على أسس اقتصادية متينة: المؤسسات الاقتصادية في البلاد تعاني من إنهاك شديد منذ عهد النظام السابق، وهو ما يحدّ من قدرتها على إدارة الاقتصاد، رغم وجود جهد ملحوظ تبذله الحكومة السورية لمحاولة تمكين هذه المؤسسات من أداء دورها.

    تقلّب أسعار الصرف: وهي تنتج بمعظمها عن المضاربات في السوق الموازية، تلقي بظلالها على أسعار السلع والخدمات، إذ تُسعَّر معظم المواد وفق هذه التغيرات غير المستقرة.

    غياب الإنتاج المحلي الكافي: خاصة في السلع الغذائية الأساسية، مما يحول دون تحقيق الاكتفاء الذاتي ويجعل الأسواق المحلية مرتهنة للأسعار العالمية.

    استيراد أغلب السلع من الخارج مما يجعلها أكثر عرضة لتأثيرات التقلبات الخارجية، لا سيما في ظل غياب ثبات حقيقي في سعر الصرف.

المصدر: الجزيرة

————————————

إيران وسوريا… “طلاق استراتيجي” ورهان على الفوضى/ صبحي فرنجية

04 يونيو 2025

شكل سقوط نظام الأسد ضربة قاسية للمشروع الإيراني الذي عملت على تحقيقه سنوات طويلة بهدف وصل إيران بالبحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، وما يزيد فداحة الخسارة الإيرانية هو تحول العجلة السورية في مرحلة ما بعد الأسد إلى المظلة العربية في مواجهة المشروع الإيراني، الأمر الذي لم يكن ليحصل لو أن الأسد ما زال في كرسيه بدمشق. فالرئيس السوري أحمد الشرع منذ وصوله إلى دمشق في الثامن من ديسمبر/كانون الأول وفي أول كلمة له في الجامع الأموي بعد هروب الأسد أكد أن العدو الحقيقي هو إيران والكبتاغون، في رسالة مباشرة إلى أن سوريا تتجه نحو المظلة العربية، وجاهزة للتعاون مع “المحور العربي” والدول الغربية لإرساء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

خطوات فعلية اتخذتها الحكومة السورية منذ هروب الأسد، وتفكيك مكثف لمعامل الكبتاغون في دمشق، والجنوب السوري، وشرق سوريا، إضافة إلى عمليات متتالية على الحدود السورية اللبنانية والسورية العراقية لمنع التهريب، والعمل على إنهاء نفوذ ما تبقى من بقايا الميليشيات الإيرانية في سوريا. كما عملت الحكومة السورية على فتح أبوابها للتنسيق مع الأردن ودول الخليج العربي لمحاربة تجارة المخدرات وتعميق التنسيق مع سوريا. بشار الأسد وخلال سنوات حكمه جعل سوريا منصة إيرانية لتهديد الأمن العربي والإقليمي، وحولها لاستثمار جيوسياسي إيراني يُحقق مكاسب لطهران على مستوى أوراق التفاوض الإقليمي والدولي. ورغم المحاولات العربية لاستعادة سوريا إلى مكانتها العربية زمن النظام، إلا أن الأسد استخدم هذه المحاولات كعامل سياسي يبقيه بالقرب من الدول العربية دون أن يُقدم شيئا يُذكر على مستوى تحسين العلاقات معها.

لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع مؤخرا، يوم 14 مايو/أيار، يُشكل ضربة جديدة في قلب مستقبل المشروع الإيراني، سيما أن إيران باتت تدرك اليوم أن سوريا حسمت أمورها من الناحية السياسية والاستراتيجية، وأن الأرض التي كانت تعدها طهران امتدادا لنفوذها باتت تشكل عقبة أمام مشروعها وطموحاتها الجيوسياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، وأن مشروع إيران- الذي بذلت عليه أثمانا باهظة خلال السنوات الماضية- بوصل طهران بالمتوسط بات في عداد الموتى.

الرئيس الشرع ذهب أبعد من ذلك في تصعيد موقفه ضد إيران وتقاربه مع الإدارة الأميركية، حيث قال في لقاء له مع صحيفة “جويش جورنال الأميركية، نُشر يوم 28 مايو، أنه والرئيس ترمب تعرضا “لهجوم من العدو نفسه”، وأضاف للصحيفة أنه “إذا كانت هناك إمكانية لتوافق يُسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، والأمن للولايات المتحدة وحلفائها، فأنا مستعد لإجراء هذا الحوار. إنه الرجل الوحيد القادر على إصلاح هذه المنطقة، وجمع شملنا، خطوة بخطوة”.

وعن موقفه مع إسرائيل قال: “الحقيقة هي أن لدينا أعداء مشتركين، ويمكننا أن نلعب دورا رئيسا في الأمن الإقليمي”، وهو قد يكون إشارة واضحة إلى إيران وميليشياتها.

لم يمضِ أسبوع على تصريحات الشرع، حتى انطلق صاروخان من الأراضي السورية تُجاه الأراضي الإسرائيلية يوم الثلاثاء 3 حزيران/يونيو، وبحسب الجيش الإسرائيلي فإنه “تم رصد مقذوفين يعبران من سوريا إلى إسرائيل قبل أن يسقطا في مناطق غير مأهولة”. وزير الدفاع الإسرائيلي حمّل الرئيس الشرع المسؤولية المباشرة عن أي تهديد أو قصف يطال إسرائيل وقال إن “ردا شاملا سيتم قريبا”.

مجموعتان تبنّتا الهجوم، الأولى هي “كتائب الشهيد محمد الضيف” غير معروفة العدد أو التموضع الجغرافي كونها حملت اسم قائد هيئة أركان  “كتائب القسام” محمد الضيف الذي أعلنت إسرائيل عن مقتله شهر آب/أغسطس الماضي، في حين أعلنت  “كتائب القسام” عن مقتله مطلع العام الجاري، أما المجموعة الثانية التي تبنّت الهجوم فهي “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس”، والتي تم الإعلان عن تشكيلها في شهر آذار/مارس الماضي واحتفت بالإعلان غالبية القنوات والصفحات التابعة للميليشيات الإيرانية، إضافة لشبكات إخبارية إيرانية من بينها “مهر للأبناء” ووكالة فارس.

سنوات من النفوذ تلاشت في أيام قليلة

منذ بداية الثورة السورية عام 2011، بدأت إيران بالتحول في استراتيجيتها من مرحلة الوصول السياسي إلى النفوذ العسكري، حيث عملت على تجنيد خلايا مسلحة لها في سوريا، ومع مرور الوقت تحولت هذه الخلايا إلى ميليشيات محلية وأجنبية نافذة فاقت قدرتها قوة جيش النظام، خصوصا في محافظة دير الزور الحدودية مع العراق، والمناطق الحدودية مع لبنان. وذهبت إيران أبعد من ذلك، حيثُ اعتمدت سياسة عسكرية في سوريا تفوق صلاحياتها وزارة الدفاع السورية، متمثلة بأن أي عنصر محلي ينتمي للميليشيات الإيرانية تُحسب من فترة خدمته من الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش، فضلا عن راتب شهري ينافس رواتب وزارة الدفاع التابعة للنظام، ما جعل كثيرا من الشباب الذين كانوا يعانون الفقر يلجأون إلى تلك الميليشيات، فهي مكسب مادي من جهة، ونفوذ عسكري من جهة أخرى، فهم لا يتم توقيفهم على الحواجز ولا تتم محاسبتهم من قبل سلطة جيش النظام.

وبحسب عدة مقاتلين سابقين في الميليشيات الإيرانية فإن جيش النظام كان يعاني من ضعف كبير في مناطق نفوذ الميليشيات الإيرانية، فالمربع الأمني في كل من دير الزور والبوكمال كانا مناطق محرمة حتى على جنود جيش النظام، وكانت بعض قرارات وزارة الدفاع التابعة للنظام غير نافذة في دير الزور، لأن الكلمة العليا هي لقادة الميليشيات الإيرانية. ومع اشتداد الغارات التي استهدفت مواقع الميليشيات الإيرانية ومخازن السلاح في سوريا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بدأ قادة الميليشيات الإيرانية إعطاء أوامر بالتدقيق على كل عنصر يتبع للنظام ومنعهم من التصوير أو استخدام الهواتف في مناطق انتشار الميليشيات الإيرانية، وذلك وسط مخاوف بين صفوف الميليشيات الإيرانية من أن جنود النظام أو بعض المحليين هم من يُعطون المعلومات “لجهات خارجية”.

هذا النفوذ الكبير، الذي فاق في بعض أحيانه قوة وزارة الدفاع السورية، تلاشى في زمن قياسي مع بدء عملية ردع العدوان نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ إن انهيار صفوف جيش النظام الدراماتيكي أمام قوات ردع العدوان التي دخلت حلب ثم حماة، جعل الميليشيات الإيرانية في مواجهة مباشرة وغير مجدية أمام فصائل المعارضة، خصوصا وأن كثيرا من العناصر المحليين التابعين للميليشيات الإيرانية تركوا سلاحهم وفروا من مواقعهم على غرار ما فعله عناصر جيش النظام، خسارات متتالية ومتسارعة على جبهات عدة (ريف حماة، وحمص، ودرعا، وريف دمشق) دفعت الميليشيات الإيرانية إلى اتخاذ قرارات عدة، أبرزها إنهاء عقود المقاتلين المحليين من خلال رسالة أرسلت لهم على تطبيق “تلغرام” والتي كانت صدمة كبيرة للمقاتلين الذين شعروا حينها أنهم تُركوا للموت، ما دفعهم إلى إلقاء سلاحهم والفرار من أماكن إقامتهم، كما قامت الميليشيات الإيرانية بنقل السلاح الثقيل والطائرات المسيرة عبر ميليشياتها الأجنبية  إلى العراق ومحاولة تهريب ما أمكن من السلاح القريب من الحدود اللبنانية إلى لبنان، إضافة إلى تهريب العناصر الأجانب وعائلاتهم وعناصر محليين يكنون الولاء للمشروع الإيراني إلى العراق. ويقول عدد من المدنيين في محافظة دير الزور ودرعا إن تلاشي قوة النفوذ العسكري الإيراني في سوريا كان أشبه بالخيال، حيث إنهم ظنوا في مرحلة ما أن إيران احتلت سوريا بالكامل، وأن قرارها أقوى من القصر الجمهوري في دمشق، إلا أن هذه القوة تلاشت هي والقصر الجمهوري في أقل من 15 يوما.

هل هي نهاية القصة؟

الخسارة الكبيرة التي تكبدتها إيران بسقوط نظام الأسد وانهيار مشروعها العسكري في سوريا، واستحالة تحقيق تحالف أو اتفاقيات استراتيجية مع الحكومة السورية الجديدة، عوامل ترسم حدود التدخلات الإيرانية في سوريا، ولعل دورها اليوم سيكون عرقلة جهود إرساء الاستقرار في سوريا، لأن طهران لن تكسب من الاستقرار واكتمال خطوات عودة سوريا إلى المظلة العربية، وانفتاح الحكومة السورية على الغرب. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “المجلة” فإن الميليشيات التابعة لإيران والتي غادرت سوريا ما زالت تحاول تأسيس قنوات تواصل مع بعض العناصر الموجودين في الأراضي السورية، وتحاول مد يد التعاون مع فلول النظام السوري الموجودين في سوريا وإقناعهم بأن المعركة لم تنتهِ وإنما اتخذت شكلا آخر، إضافة إلى استخدام الإعلام كوسيلة لشيطنة الحكومة السورية وتحالفاتها الجديدة.

مصادر ميدانية في دير الزور قالت لـ”المجلة” إن عمليات التهريب بين سوريا والعراق مستمرة- وإن كانت بدرجة قليلة جدا- وأن هذه العمليات تتضمن تهريب المخدرات لبعض التجار الذين تربطهم علاقة وثيقة بالميليشيات التابعة لإيران، ويرون أن إمداد الميليشيات الإيرانية لهؤلاء التجار بالمخدرات هي في سبيل الحفاظ على وسيلة تواصل معهم ليتم استخدامهم في مراحل لاحقة لخدمة مشروع زعزعة الاستقرار في سوريا. كما تتضمن عمليات التهريب عناصر كانوا مع الميليشيات الإيرانية ممن يرون أنه لا أمل لهم في التسويات وأن المجتمعات التي ينتمون إليها لن تغفر لهم جرائمهم وهو ما يهدد حياتهم بالخطر.

ويقول مصدر في الأمن العام إن الحكومة السورية تدرك أنه رغم الخسارة الكبيرة التي مُني بها المشروع الإيراني في سوريا، فإن خطر الميليشيات الإيرانية لم ينتهِ، ولذلك تقوم الحكومة السورية بعدة خطوات لمواجهة هذا الخطر، من خلال محاولة تأمين الحدود السورية-العراقية ومنع التهريب، إضافة إلى حملات المداهمة التي تتم في عدة مناطق سورية لاعتقال عناصر الميليشيات الإيرانية الذين لم يقوموا بتسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم لأن هؤلاء يشكلون خطرا على السلم السوري وجهود ترسيخ الأمن.

ويضيف المصدر أن الميليشيات الإيرانية قامت بحفر أنفاق طويلة وكبيرة في محافظة دير الزور، موضحا أن هذه الأنفاق كانت تصل أماكن إقامة بعض القادة بالمراكز العسكرية التي كانوا فيها، وأنفاق أخرى تصل طرفي الحدود السورية-العراقية كانت تستخدم لتهريب السلاح والأفراد. ويؤكد المصدر أن عملية تفكيك هذه الأنفاق ليست سهلة، كون أن هذه الشبكة غير معروفة بشكل كامل للدولة السورية من جهة، ولأن هدم هذه الشبكة يحتاج لوقت، كون أن هناك خطورة في أن تكون الأنفاق مُلغمة ومُعدة للانفجار.

واعتقلت السلطات السورية نهاية مايو المُهرب الأشهر في دير الزور (حسين العلي) وذك في منطقة الهري القريبة من الحدود السورية-العراقية. حسين العلي وأبناؤه كانوا يُديرون أكبر عمليات التهريب بين جانبي الحدود، حتى إن أهالي المنطقة أطلقوا على المنطقة التي يستخدمها العلي وأبناؤه اسم “معبر حسين العلي”، و”المعبر العسكري”.

معلومات “المجلة” تقول إن الدولة السورية عثرت في المنطقة على نفق يصل بين جانبي الحدود كانت تستخدمه شبكة حسين العلي في عمليات التهريب، ومخازن سلاح كبيرة. فيما استطاع ابن حسين العلي (محمد) الفرار نحو الأراضي العراقية.

ماكينة إيران الإعلامية في مواجهة التغير السوري

تمتلك الميليشيات الإيرانية المئات من صفحات وقنوات التواصل الاجتماعي، هذه القنوات والصفحات يتم استخدامها بعد سقوط النظام في محاولة لزعزعة جهود توحيد الصف السوري، ونشر الطائفية، وتحريض السوريين ضد بعضهم البعض، وضد الدولة السورية. كما تم الإعلان في شهر مارس/آذار الماضي عن تشكيل “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس” والذي احتفت فيه غالبية القنوات والصفحات التابعة للميليشيات الإيرانية، إضافة لشبكات إخبارية إيرانية.

الماكينة الإعلامية التابعة لإيران تبذل كل جهد ممكن، بما فيه نشر أخبار كاذبة وفيديوهات قديمة لانتهاكات قام بها نظام الأسد على أنها انتهاكات جديدة من قبل الحكومة السورية. محاولة شيطنة الدولة السورية تتبعها إيران في محاولة لخلق بيئة طاردة للدولة السورية، وتعزيز الخوف لدى بعض الأشخاص الذين يرون أن وجود الدولة السورية اليوم هو خطر عليهم، خصوصا أولئك الذين ارتكبوا جرائم بحق السوريين زمن النظام.

كما أن “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس” نشطت بشكل ملحوظ مع تواتر الأنباء عن لقاء الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مستخدمة دعاية إعلامية تنتمي لـ”محور المقاومة” الذي تبناه النظام الأسد عبر سنوات، وهي أن واشنطن تريد السيطرة على سوريا ودفعها للسلام مع إسرائيل.

ونشرت “الجبهة” عبر قناتها في “تلغرام” يوم 11 مايو بيانا قالت فيه: “نرفضُ وندينُ بأشد العبارات أي مُباحثات سرية أو علنية تجريها حكومةٌ تدعي الشرعية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي الغاصب”، ونشرت في اليوم التالي تسجيلا صوتيا لما أسمته “القائد العام لجبهة المقاومة الإسلامية في سوريا” يقول فيه إنه “لا طريق للقدس إلا من بوابة الشام” وهي الدعاية التي استخدمها كل من “حزب الله” اللبناني والميليشيات الإيرانية لتبرير تدخلهم في سوريا.

ونشرت القناة ذاتها بيانا صادرا عن “الإدارة السياسية” لـ”الجبهة”، يوم 15 مايو، بعد يوم واحد من لقاء الشرع مع الرئيس ترمب، جاء فيه أن “الجبهة” تدين “الصفقة المشبوهة التي تروج لها الإدارة الأميركية وحلفاؤها والتي تهدف إلى رفع جزئي للعقوبات الظالمة على شعبنا السوري المحاصر مقابل التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني”، وأضاف البيان أن “الجبهة ستبقى صامدة على عهدها حاملة إيمانها وسلاحها”.

ونشطت كثير من الصفحات والقنوات خلال الآونة الأخيرة في مواجهة عودة سوريا نحو المظلة العربية والانفتاح على الغرب، ونشر دعاية قَولبَة لهذا التوجه السوري على أنه خطوات نحو السلام مع إسرائيل، ما يعكس استشعار طهران للخطر من هذا التوجه، ومحاولة ماكينتها الوقوف في وجه هذا التغيير السوري الذي لن يخدم مصالحها وسيُضعف نفوذها في المنطقة.

وبحسب ما علمت “المجلة” فإن الحكومة السورية تعمل على تفعيل “استراتيجية لمواجهة حملات التضليل التي تقوم بها الصفحات والوسائل الإعلامية غير الراضية عن التغيير التاريخي في سوريا”، و”قطع” الطريق على “الدعاية المضللة حول سوريا” من خلال خطوات- بدأت بها بالفعل- لتسهيل عمليات تواصل وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية مع المؤسسات السورية للحصول على “المعلومات الموثقة، لمنع محاولات التضليل والتجييش الذي يخدم أعداء الاستقرار في سوريا”.

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قال في كلمته خلال القمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد يوم 17 مايو إن “سوريا دفعت أثمانا باهظة نتيجة سياسات النظام البائد”، ومؤكدا أن “سوريا كانت وستبقى جزءا من قلب الأمة، واليوم تمد يدها إليكم من منطلق الشراكة والمسؤولية لبناء مستقبل يليق بتاريخنا ويحقق طموحات شعوبنا”. وأشار إلى أن سوريا أيضا  “تواجه أطرافا لا يعنيها أمن السوريين ولا مستقبلهم، بل تعمل على توظيف المأساة السورية لخدمة مشاريعها الخاصة”، كما “تواجه تحديات عدة تتمثل ببقايا تنظيم (داعش)، التي تحاول قوى خارجية استخدامها كأداة للابتزاز السياسي والضغط الأمني، إضافة إلى ما يُحاك في الخفاء لتفكيك المجتمع السوري وزرع الفتنة، عبر دعم تشكيلات انفصالية، لجر البلاد إلى صراع أهلي طويل الأمد”.

ومن غير المتوقع أن تتوقف طهران وأن تستسلم لخسارة مشروع عملت عليه خلال عقود، ودفعت مئات ملايين الدولارات لتحقيقه، ومما لا شك فيه أن توجه سوريا للتحالف الفعلي مع المحو العربي-الغربي لأول مرة منذ وصول الأسد إلى الحكم يشكل عامل قلق جديا في طهران، ويهدد كل أوراقها الإقليمية السياسية، سيما إذا ما امتدت هذه الخسارات إلى العراق واليمن.

وفي السياق ذاته، علمت “المجلة” من مصدر غربي أن واشنطن ربما لن تفكر بمغادرة قاعدة التنف في المدى المنظور والمتوسط، على اعتبار أن هذه القاعدة تشكل حجر أساس في تنفيذ مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، من خلال تحجيم الدور الإيراني وحماية الحلفاء.

المجلة

———————————

 الرياض ـ أنقرة في سوريا الجديدة.. تنسيق لتثبيت الاستقرار أم مشروع شراكة إقليمية؟/ مالك الحافظ

2025.06.05

شكّل سقوط نظام بشار الأسد نهاية عام 2024، لحظة فاصلة في المشهد الجيوسياسي للمنطقة، أنهت مرحلة من الصراع والانقسامات الإقليمية، وفتحت الباب أمام سلسلة من التحولات، لم تكن لتتحقق لولا الانهيار المتزامن في بنية التحالف الثلاثي الذي كان يُمسك بخيوط المشهد، نظام الأسد، وحليفه الإيراني، والداعم الروسي المنكفئ في مشهدية الملف السوري خلال الفترة التي تلت سقوط الأسد.

خروج إيران الكامل من سوريا لم يُنهِ المخاوف منها؛ بل ربما أعاد صياغتها على شكل قلق من إمكانية العودة عبر أدوات ناعمة، أما تراجع موسكو، فخلق فراغاً في التوازنات الكبرى، استدعى تدخلات مركبة إقليمية ودولية لملئه، في مقدمتها التنسيق السعودي–التركي الجديد.

تنظر الرياض إلى لحظة ما بعد نظام الأسد بوصفها فرصة لإعادة تشكيل الهوية السياسية لسوريا، من خلال ضمان حضور عربي سيادي داخل البنية الانتقالية، ما يجعلها أكثر حساسية لأي محاولات اختراق خارجي، حتى وإن كانت تحت عناوين غير أمنية.

في المقابل، تتعامل أنقرة مع المشهد كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة تعريف دورها في المشرق العربي، بعد سنوات من التوتر، محاولةً الانتقال من لاعب ميداني إلى شريك سياسي في الهندسة الإقليمية، بما يرسّخ وزنها من دون استفزاز الجوار العربي.

الرياض وأنقرة.. رؤية مختلفة وأهداف مشتركة؟

مع دخول سوريا مرحلة السلطة الانتقالية، وجدت الرياض وأنقرة نفسيهما أمام فرصة نادرة لتثبيت توازنات جديدة في سوريا، تراعي كل من تثبيت الاستقرار ومنع الفوضى، وحماية المجال العربي من أي عودة إيرانية ناعمة، وضبط الإيقاع الإسرائيلي داخل الملف السوري، دون التصعيد.

وقد يعكس هذا التقارب شكلاً من أشكال التحكم في مخرجات الفراغ الجيوسياسي، وهي حالة تحدث عندما تسقط سلطة مركزية من دون وجود بنية بديلة واضحة، فتسعى القوى الإقليمية الكبرى إلى ملء هذا الفراغ بآليات “ضبط مُدار” وليس عبر الهيمنة المباشرة.

في حين تختلف دوافع الطرفين، فالسعودية تتحرك برؤية استراتيجية عربية تعتبر أن أمن سوريا الجديد جزء من أمن المشرق العربي، وتسعى إلى إعادة دمج سوريا ضمن الفضاء العربي على أسس سياسية جديدة، بدون أي هيمنة إقليمية غير عربية.

في حين تَعتَبر تركيا أنها قد نجحت في ضمان غياب مشروع أي كيان كردي مسلح على حدودها، وترى أن مرحلة ما بعد الأسد تتيح لها ضمان نفوذ سياسي–اقتصادي مشروع، وتوسيع دورها ضمن توازنات شرعية لا ترتكز على الفصائل بل على التفاهمات.

تشير دراسة حديثة أصدرها مركز كارنيغي، في شهر نيسان/أبريل الماضي إلى أن المملكة العربية السعودية باتت تنظر إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد بوصفها ساحة مركزية لحماية أمنها القومي. فمع تصاعد النفوذين التركي والإسرائيلي، وتبدّد الحضور الإيراني، وجدت الرياض نفسها أمام تحديات تتجاوز التوازنات الإقليمية التقليدية، ما دفعها إلى تعديل استراتيجيتها نحو سوريا بما يتجاوز الدعم الدبلوماسي أو المالي. وتحرص السعودية على منع تكرار سيناريوهات الهيمنة غير العربية، من خلال دعم قيادة سورية جديدة قادرة على توحيد البلاد ومأسسة السلطة، بما يعيد الاعتبار للهوية العربية السيادية لسوريا ويمنع تحويلها إلى ساحة تنازع إقليمي دائم.

في حين لا يمكن اختزال التنسيق السعودي–التركي في سوريا الجديدة على الملفات الأمنية أو السياسية فحسب، إنما يبدو أنه يمتد إلى سؤال الهوية السورية نفسها؛ ذلك السؤال الذي طالما ظلَّ رهينة لتجاذبات إيديولوجية وعسكرية وأمنية. في هذا السياق، لا تبدو مساعي البلدين محصورة في مجرد تثبيت توازنات إقليمية، إنما تتجه أيضاً إلى إعادة تشكيل سردية الدولة السورية الحديثة بوصفها كياناً مستقلاً، لا ذراعاً لتحالف إقليمي.

فالسعودية، من خلال دعمها لبنية سيادية جديدة، تسعى لإعادة إدماج سوريا ضمن الهوية العربية الجامعة، ولكن على أسس سياسية مدنية، تتجاوز منطق البعث القومي المؤدلج، وتقطع مع ماضٍ تم فيه اختزال “العروبة” في خطاب سلطوي إقصائي. في المقابل، تتعامل تركيا مع هذه المسألة بحذر، مدفوعة بهاجس الهوية الثقافية–الأمنية، وتعمل على الموازنة بين احتواء أي نزعة كردية مسلحة وضمان عدم إنتاج هوية سورية معادية لتركيا.

هذا الرهان على الهوية يمكن قراءته ضمن ما تسميه أدبيات ما بعد الصراع بـ”إعادة سرد الدولة”، أي أن الهوية الوطنية لا تُبنى فقط من خلال السيطرة على الجغرافيا، وإنما تبنى أيضاً من خلال إنتاج سردية جديدة تتجاوز الانقسامات الطائفية والقومية، وتُعيد تعريف معنى أن تكون سوريا ضمن المشهد الإقليمي من خلال الاستقلال السيادي التعددي.

العامل الاقتصادي.. محرك صامت خلف التنسيق السياسي؟

شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية تطوراً استراتيجياً ملحوظاً منذ عام 2023، حيث برز البُعد الاقتصادي بوصفه أحد المحركات الأساسية لتعميق التفاهم بين البلدين في حقل المصالح المشتركة. وقد تجلّى هذا المسار بوضوح من خلال اجتماعات مجلس التنسيق السعودي التركي المشترك، الذي بات يشكّل منصة محورية لتعزيز الشراكة الثنائية على مختلف المستويات.

في هذا السياق، جاءت زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى العاصمة الرياض، ولقاؤه بنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان منتصف شهر أيار/مايو الماضي، لتؤكد هذا التوجّه. وناقش الجانبان خلال الزيارة سبل توسيع التعاون بين البلدين في مجالات متعددة، إلى جانب تبادل وجهات النظر حيال تطورات الأوضاع في المنطقة، وفي مقدّمتها الملف السوري.

وشهدت المباحثات تأكيداً على أهمية تعزيز الانخراط الدولي مع الإدارة الجديدة في سوريا، في ضوء المستجدات السياسية التي تشهدها البلاد. كما عبّر الوزير فيدان عن تقدير بلاده للمواقف السعودية الداعمة لهذا الانخراط، مشدداً على أهمية التفاهم التركي السعودي في هذا السياق الإقليمي الحساس.

وتُستكمل هذه الدينامية عبر الخطوة المشتركة التي اتخذها الوزيران في إسطنبول، خلال زيارة وزير الخارجية السعودي لتركيا في تموز/يوليو 2024، حيث جرى توقيع بروتوكول معدل لمحضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي. ويهدف هذا البروتوكول إلى توسيع إطار التعاون الثنائي ودفع العلاقات نحو آفاق أكثر اتساعاً وشمولاً، بما يتناسب مع التحولات السياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة.

يحتل البعد الاقتصادي حيّزاً محورياً في التقارب السعودي–التركي داخل الملف السوري، لا سيما في ظل التحولات الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد الإقليمي بعد الحرب، وعودة مشاريع الربط التجاري والطاقة إلى الواجهة. فالسعودية التي تقود رؤية طموحة للتحول الاقتصادي في إطار “رؤية 2030″، قد تسعى إلى توسيع ممرات التجارة عبر سوريا، بما يُسهم في فتح منفذ بري شمالي–غربي يصل الخليج بالبحر المتوسط.

أما تركيا، فترى في سوريا اليوم امتداداً لممر لوجستي يمكن من خلاله إحياء مشروع الربط البري–النفطي بين العراق وسوريا وتركيا، وهو ما قد يُشكّل بديلاً أكثر استقراراً عن مسارات الطاقة غير الآمنة في العراق أو الخليج.

هذا الجانب من التنسيق وإن لم يُعلن عنه بشكل رسمي، لكنه يمكن استقراؤه من خلال تصاعد اللقاءات الاقتصادية، ومحاولات الدفع بمشاريع إعادة الإعمار، كبوابة لإعادة إدماج سوريا في سلاسل الإنتاج والتجارة الإقليمية. كما يتقاطع هذا التوجه مع مفهوم “الجغرافيا الاقتصادية المدارة”، حيث لا تكون السيطرة على الأرض هدفاً عسكرياً بحتاً، وإنما كمنصة لإعادة ترتيب تدفقات الطاقة ورؤوس الأموال.

إن هذه الدينامية، في حال نضجت، قد تمثّل تحوّلاً جذرياً في استخدام الجغرافيا السورية، من ساحة للصراع، إلى عقدة اتصال اقتصادي إقليمي تعيد تموضعها في بنية الشرق الأوسط المتحول.

التقاطع الحاصل بين الرياض وأنقرة في الملف السوري يمكن أن يُقرأ كمؤشر على نضوج في سلوك الدولتين تجاه إدارة الفوضى الإقليمية، عبر تجاوز مرحلة المحاور الصلبة والدخول في شبكات توازن مرنة تسمح بتموضع متعدد المستويات داخل الملف السوري.

الجامع بين الطرفين هنا هو مبدأ “اللا غالب” و”اللا عودة” لأي مشروع إقليمي توسعي، وهذا يفسر مستوى الانفتاح غير المسبوق في آليات التنسيق بين الطرفين.

ويمثل هذا النمط من التعاون نموذجاً لما يُعرف في الأدبيات السياسية بـ”التحالفات التكيفية”، وهي تلك التي لا تُبنى على وحدة الرؤية الاستراتيجية بل على مرونة أدوات التنفيذ والتقاء جزئي في الأهداف المرحلية.

كما يمكن تحليل سلوك الطرفين ضمن إطار نظرية الدور في العلاقات الدولية، حيث تعيد كل دولة صياغة “دورها الإقليمي المتوقع” بما يتناسب مع متغيرات البيئة الأمنية، ومستوى قبولها من الفواعل المختلفة.

وهنا تجدر الإشارة إلى تقرير تحليلي نشره موقع قناة “الجزيرة” مطلع كانون الثاني/يناير الماضي اعتبر أن العلاقات التركية–السعودية في الملف السوري دخلت مرحلة تنسيق متقدّمة بعد سقوط نظام الأسد، حيث بدأت الدولتان بالتحرك المشترك لملء الفراغ الإقليمي، مع اعتماد مقاربة غير صدامية تقوم على تقاسم الأدوار لا التنافس. وتُظهر المؤشرات أن الرياض وأنقرة تتعاونان في إعادة بناء البنية التحتية داخل سوريا، وتنفيذ مشاريع استراتيجية مثل الربط البري، وإعادة تشغيل خطوط النقل، في إطار رؤية أوسع لتثبيت الاستقرار، وموازنة النفوذ الإسرائيلي ومنع عودة المشاريع الإقليمية التوسعية. هذا التنسيق، وإن لم يُعلن عنه كتحالف رسمي، يعكس تحولاً في موازين القوى الإقليمية، تسعى فيه تركيا والسعودية إلى إعادة هندسة المشهد السوري وفق مصالحهما المشتركة.

إسرائيل بعد إيران.. كيف تنظر الرياض وأنقرة إلى التموضع الإسرائيلي الميداني في سوريا الجديدة؟

مع الانسحاب الكامل لإيران من سوريا عقب سقوط نظام الأسد، لم تنتهِ مصادر القلق الإقليمي، فقد دخلت إسرائيل إلى واجهة المعادلة بقوة أكبر، من خلال تكثيف غاراتها الجوية جنوب سوريا، وتوسيع تمركزها الميداني وتجاوزها مناطق اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، وهو ما بدا أنه محاولة واقعية لترسيخ منطقة عازلة على الحدود الشمالية لها، تُعيد إلى الأذهان تجربة جنوبي لبنان في الثمانينات.

هذه التحركات أعادت طرح سؤال أساسي لدى الفاعلين الإقليميين، لا سيما السعودية وتركيا؛ هل ما يجري هو مجرد فراغ تملؤه إسرائيل مرحليًا؟ أم مشروع جيوسياسي طويل الأمد؟

السعودية، المنخرطة بعمق في دعم مسار السلطة الانتقالية الجديدة، تنظر إلى هذا التموضع الإسرائيلي كمصدر تهديد بنيوي لفكرة السيادة السورية، حتى لو لم يكن التهديد عسكرياً مباشراً.

وتعتقد الرياض أن تثبيت أي شكل من أشكال النفوذ الإسرائيلي في الجنوب سيخلق سابقة تُغري فاعلين آخرين بتقليد النموذج ذاته، سواء على أسس عرقية أو طائفية أو أمنية، ما يُضعف بنية الدولة الانتقالية في مهدها.

لكن في الوقت نفسه، لا تتجه الرياض نحو المواجهة أو التصعيد، بل تعتمد على أدوات الضغط السياسي والدبلوماسي، وتسعى لإعادة بناء مؤسسة أمنية سورية جديدة قادرة على الإمساك بالجنوب بغطاء دولي، من دون أن تتحوّل سوريا إلى ساحة مواجهة مع إسرائيل في هذه المرحلة الحساسة.

وفي مطلع شهر نيسان/أبريل الماضي أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة واستنكارها الشديدين استمرار الغارات الإسرائيلية، التي تستهدف مناطق مختلفة في سوريا.

وجددت المملكة آنذاك رفضها القاطع لمحاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلية تهديد أمن واستقرار سوريا والمنطقة من خلال انتهاكاتها للقوانين الدولية، كما شددت على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي وخاصةً الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بدورهم، والوقوف بشكل جاد وحازم أمام هذه الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في سوريا والمنطقة، وتفعيل آليات المحاسبة الدولية عليها.

هذه الرؤية يمكن فهمها ضمن إطار نظرية توازن القوى الإقليمي، حيث لا تسعى السعودية إلى تفوق عربي صِرف، بل إلى احتواء النفوذ غير العربي عبر أدوات ناعمة ومتعددة المستويات، بما يرسّخ السيادة دون تفجير التوازنات.

تركيا، على خلاف الصورة النمطية، لا تتبنى موقفاً عدائياً مباشراً تجاه التموضع الإسرائيلي، بل كانت جزءاً من مباحثات جرت في العاصمة الأذربيجانية باكو خلال آذار/مارس، لبحث آليات التنسيق الأمني في الجنوب السوري. ناقش الطرفان حدود التفاهم الممكن على عمليات المراقبة والتنسيق، مقابل عدم خلق “أمر واقع سياسي دائم”.

للمرة الثالثة، عقدت في مطلع أيار/مايو في باكو، محادثات بين تركيا وإسرائيل حول سوريا، بوساطة أذربيجان التي تتمتع بعلاقات جيدة مع تل أبيب.

وفي إطار تلك المباحثات، تقدمت إسرائيل بمطلبين رئيسيين، وفق ما أوردته تقارير؛ ألا تكون هناك قوة عسكرية تهدد أمنها بالقرب من الحدود، وألا تكون هناك أسلحة استراتيجية في سوريا تهددها أيضاً.

ومنذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، وسقوط نظام الأسد، شنت إسرائيل عشرات الغارات مستهدفة قواعد عسكرية جوية وبحرية وبرية للجيش، كما توغلت قواتها إلى المنطقة العازلة وتوسعت في مرتفعات الجولان المحتلة وجبل الشيخ، ومناطق أخرى في الجنوب السوري.

وفي حين لا تعتبر أنقرة الوجود الإسرائيلي تهديداً استراتيجياً مباشراً لمصالحها، إلا أنها تتحفّظ بشدة على أي تموضع طويل الأمد يُضعف قدرة الدولة السورية الجديدة على فرض سيادتها.

يمكن قراءة هذا الموقف ضمن إطار نظرية الأمن المركب، حيث تدير أنقرة مخاوفها من خلال أدوات مزدوجة؛ الانخراط الجزئي، والرقابة السياسية، كما يتقاطع هذا التوجه مع مقاربة “البراغماتية الوقائية” التي تتبعها تركيا منذ 2022 في ملفات إقليمية عدّة، والتي تقوم على تقليل المخاطر بدلاً من مواجهتها المباشرة.

وفي أواخر أيار/مايو الفائت قال مصدر إسرائيلي رسمي لصحيفة “إسرائيل هيوم”، إن إسرائيل وتركيا توصلتا إلى تفاهمات بشأن تنسيق أنشطتهما العسكرية في سوريا بهدف منع الاحتكاك بين القوات من الجانبين.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن تل أبيب تمسكت بموقفها بأن جنوبي سوريا سيبقى منزوع السلاح. وتتهم إسرائيل تركيا بالسعي لتعزيز وجودها العسكري في سوريا وإنشاء قواعد هناك، محذرة من عواقب هذه الخطوات.

وقال نتنياهو إنه قد يطلب وساطة أميركية إذا تفاقم النزاع مع تركيا في الأراضي السورية، في حين يواصل الطيران الإسرائيلي ضرباته ضد أهداف عسكرية في سوريا تأكيدا لرفض تل أبيب أي وجود مسلح في جنوبي البلاد.

ما يجمع الطرفين السعودي-التركي، رغم هذا التباين النسبي، هو إدراكهما أن الاستقرار في سوريا الجديدة لا يمكن أن يتحقق إذا فُرضت وقائع أمنية بقرار منفرد من أي طرف خارجي، وأن دورهما الإقليمي لا يكتمل إلا عبر دعم سيادة الدولة السورية الجديدة كمسار طويل الأمد.

يتقاطع هذا الموقف مع مفاهيم مثل “السيادة المُدارة” و”الترتيبات الأمنية العابرة للحدود”، حيث لا يعود معيار النفوذ محصوراً بالقوة، إنما بقدرة الدولة على بناء نموذج سيادي يقبل بالمداخل الإقليمية من دون أن يتحوّل إلى أداة لها.

التنسيق أم تقاسم النفوذ؟ الميدان كأداة دبلوماسية

أكثر ما يميز المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد هو أن الجغرافيا لم تعد تعبّر عن القوة العسكرية فقط، وإنما عن القدرة على إدارة الاستقرار. هنا يظهر سؤال مهم؛ هل تتجه الرياض وأنقرة نحو تقاسم أدوار مشروع لإعادة بناء سوريا، أم أن ما يجري هو تنسيق اضطراري لمنع الانفجار؟

المؤشرات تدل على التالي؛ وجود تفاهمات مشتركة داخل السلطة الانتقالية بدفع سعودي–تركي مشترك، وكذلك تعاون في ملفات إعادة الإعمار والبنى التحتية.

كل هذه العوامل تشير إلى بداية مشروع شراكة – ليس تحالفاً أيديولوجياً، وإنما تحالف توازنات دقيقة.

يمكن النظر إلى التجربة السعودية–التركية داخل سوريا كجزء من تطور أوسع يُسمّى في أدبيات العلاقات الدولية بـالنموذج الإقليمي غير القطبي، حيث لا توجد قوة مهيمنة واحدة، بل ترتيبات ناعمة بين عدة فاعلين، كل منهم يحتفظ بجزء من التأثير، من دون محاولة فرض الهيمنة على البقية. هذا ما يجعل المشهد السوري الجديد مختبراً لشكل النظام الإقليمي القادم.

لقد أصبح التقارب السعودي–التركي أداة إقليمية لإدارة ما بعد الحرب، وتجريب نموذج شراكة في دولة كانت ساحة لصراع عالمي وإقليمي طويل.

سوريا الجديدة تُبنى اليوم، على أنقاض نظام التحالفات التقليدية في المنطقة. وهنا يظهر التنسيق السعودي–التركي كمؤشر على صعود سياسة إقليمية قائمة على تقاطع المصالح بدلاً من صدام الأيديولوجيات.

تلفزيون سوريا

———————————-

 “المطلوبون أصبحوا السلطة في سوريا”وقوانين الأسد ما تزال تحكم السوريين/ وفاء عبيدو

2025.06.05

رغم التحوّل السياسي الجذري الذي شهدته سوريا عقب سقوط نظام الأسد وتسلم السلطة من قبل المعارضة التي كانت على قوائم المطلوبين للنظام المخلوع، إلا أن القوانين والأحكام التي شرّعها النظام البائد لا تزل نافذة في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجهاز القضائي الذي لم يطرأ عليه بعد أي تغيير بنيوي أو إصلاح جوهري.

إذ يطرح هذا الواقع تساؤلات قانونية وأخلاقية منها، هل تبقى القوانين التي وُضعت في ظل نظام فاسد افتقر إلى الشرعية والنزاهة، ملزمة بالتطبيق؟ وهل يمكن أن تُطبَّق هذه القوانين نفسها على ضحايا ذلك النظام، بعد زواله؟

فعلى مدار عقود شُرّعت القوانين في سوريا لخدمة السلطة لا المجتمع، وتم تفريغها من مضامينها الحقوقية لتحويلها إلى أدوات قانونية للقمع والإقصاء وتصفية الخصوم السياسيين، وفي ظل هذا القضاء التابع للأجهزة الأمنية، جرى تجريم آلاف المواطنين استناداً إلى تهم فضفاضة واتهامات غير مثبتة.

ورغم سقوط النظام، لا تزل آلاف القضايا المعلّقة مفتوحة وتُستخدم القوانين ذاتها لملاحقة الأفراد، خاصة المنشقين والمغتربين عن بلدٍ عاش لعقود تحت قبضة قانونية خاضعة للاستبداد، واستمرار تطبيق هذه القوانين من دون مراجعة يجعل من القضاء وسيلة لاستمرار الظلم عوضًا عن أن يكون أداة لتحقيق العدالة.

ثم إن غياب الإصلاح القانوني بعد التحوّل السياسي يعكس هشاشة المرحلة الانتقالية، ويثير قلقاً حقيقياً حول استقلالية القضاء وقدرته على بناء دولة قانون قائمة على مبادئ العدالة والمساواة، فالإبقاء على قوانين النظام السابق من دون مراجعة جذرية لا يهدد فقط ثقة الناس بالمؤسسات، بل يقوّض أيضاً فرص تحقيق العدالة المنشودة، ويفتح الباب أمام إعادة إنتاج القمع تحت غطاء قانوني جديد.

حين تبقى أدوات القمع نافذة  في سوريا

لم يكن في نية علي الأحمد الذي غادر سوريا قبل أكثر من عشرة أعوام أن يعود إليها،  وكان قد انشق عن قوات النظام في عام 2012، ثم اتجه إلى تركيا حيث أعاد بناء حياته هناك وحصل لاحقًا على الجنسية التركية، وبعد سقوط النظام ومع انفتاح أفق التغيير في بلاده عاد في زيارة لم تتجاوز ستة أيام، وفق ما أوضحه لموقع تلفزيون سوريا.

لم يتوقع علي أن يُستقبل كمتهم لا كمواطن كان له موقف رافض للظلم من نظام مستبد، إذ أبلغه أحد الضباط منذ لحظة وصوله إلى مطار دمشق، بأنه مطلوب لأكثر من 15 جهة أمنية بعضها جنائي، حاول علي تسوية وضعه القانوني، لكنه سرعان ما اصطدم بجهاز قضائي لم يتغير، وإجراءات لا تعترف بزمان أو مكان، حَسَبَ وصفه.

أوكل علي محامية لمتابعة قضيته كون مدة إجازته قصيرة، مبينًا أن شخصاً يُدعى (م.الأحمد)، انتحل هويته خلال فترة غيابه، واستخدم بطاقته مزورة باسمه لتنفيذ عمليات نصب وبيع ممتلكات منها ممتلكات لعائلته، مبينًا أنه تعرض للتهديد من قبل محمود عدة مرات.

اقرأ أيضاً

وزير العدل يبحث مع نائبة المبعوث الأممي إلى سوريا سبل التعاون في تطوير المنظومة القضائية – سانا

وزير العدل ونائبة المبعوث الأممي يبحثان دعم القضاء وإصلاح التشريعات

وبالرغم من توفر الوثائق التي تثبت وجوده خارج البلاد طوال تلك الفترة، إلا أن المحكمة رفضت الاعتراف بها، وطَلبت حضوره الشخصي للتحقيق، مشككًة باحتمالية دخوله إلى سوريا مسبقًا بطرق أخرى، تَبَعاً لما ذكره علي.

وقال “خرجت من البلاد منشقاً، وعدت زائراً، فوجدت نفسي مجرماً، القوانين ذاتها والعقلية ذاتها حتى بعد سقوط النظام، ما زال عليك أن تثبت أنك بريء من تهم لم ترتكبها”.

غادر علي البلاد مجددًا بعد حصوله على إذن سفر لمرة واحدة فقط، لكنه يعلم أن عودته مجددًا قد تكون محفوفة بالمخاطر ما لم تُطوَ قضيته بشكل نهائي، موضحًا أن ما يؤلمه على حد قوله “ليس الاتهام بل أن يظل القانون في البلد أداة تهديد لا أداة عدالة، حتى بعد التغيير”.

وناشد الأحمد الجهات المعنية بالنظر في قضيته والقضايا المتشابهة، قائلًا “لا تكونوا مثلهم لا تكرروا ظلمهم لنا، فجرح المواطنين كبير ويحتاج لعلاج في أن يشفى الوطن من فساد أدوات النظام التي ما زالت في السلطة”.

“المطلوبون أصبحوا السلطة في سوريا”

يتشابه رواد في ذات القضية ولكن بتفاصيل مختلفة فعلى الرغم من مرور أكثر من عقد على انشقاقه عن وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا”، لا يزال الصحفي رواد عجمية يواجه تداعيات قراره المهني والأخلاقي الذي اتخذه في بداية الثورة السورية، كونه غادر الوكالة من دون تقديم استقالة رسمية، في ظل بيئة سياسية وأمنية كانت تحظر مثل هذه الخطوة، مما جعل اسمه مسجلاً كموظف “منشق” داخل سجلاتها.

فوجئ عجمية بطلب السلطات منه استصدار “براءة ذمة” من جهة عمله السابقة وتسوية وضعه القانوني، خلال زيارته القصيرة إلى سوريا وهو قادم من النرويج حيث يقيم منذ سنوات، وقال لموقع تلفزيون سوريا “طلبوا مني في المعبر براءة ذمة كأنني متهم، بالرغْم أن معظمهم كانوا مطلوبين سابقاً للنظام المخلوع واليوم أصبحوا هم السلطة!، القوانين يجب أن تُعاد صياغتها لتصبّ في مصلحة من ساهموا في إسقاط النظام لا لمعاقبتهم”.

ملفات عالقة بين التغيير السياسي والإداري

مع التغيير السياسي في سوريا، أُثيرت تساؤلات حول مصير المنشقين عن مؤسسات الدولة، خصوصًا من رفضوا الانخراط في أدوات القمع الإعلامي والإداري، ورغم التحول الحاصل لا تزال ملفات قانونية وإدارية سابقة قائمة من دون مراجعة، في ظل غياب آليات واضحة لمعالجة هذه الحالات.

وتابع رواد أن مصدرا مطلعا في وكالة “سانا” أكد له أن العفو الذي أصدره النظام السابق لم يشمله، ما يجعل مراجعة الوكالة للحصول على براءة ذمة، خطوة ضرورية ثم التوجه إلى مديرية شؤون العاملين لإتمام إجراءات رفع منع السفر المفروض عليه.

ويرى أن المسألة ليست مجرد إجراء روتيني، بل تحمل أبعاداً أخلاقية ومبدئية، قائلًا “من غير المقبول أخلاقياً أن أدخل إلى مقر وكالة غادرته لإنه جزءٌ من نظام مجرم، فأعود له اليوم كمتهم عوضًا عن تكريم، كم هو معيب هذا الأمر”، وأضاف ” ذكرياتي هناك سيئة وأكره حتى الاقتراب من المكان”.

كما يطالب السلطات الجديدة بإعادة النظر في أوضاع الصحفيين المنشقين، بمنحهم معالجة قانونية عادلة واعترافاً معنوياً بدورهم في فضح آلة القمع الإعلامي للنظام، متابعًا “لا نطالب بامتيازات، بل بالإنصاف والاعتراف حتى ولو عبر رموز بسيطة كإصدار قوائم بأسمائنا أو بيانات رسمية تقدّر دورنا”.

ويختم رواد حديثه بلفت النظر إلى أن ملف الصحفيين الذين وقفوا إلى جانب الثورة خلال سنوات النزاع يحتاج إلى مراجعة عاجلة، باعتباره جزءاً أساسياً من مسار العدالة الانتقالية وتأكيد الحقوق الإنسانية والمهنية.

ومن الجدير بالذكر أن وزير الداخلية السوري أفاد بأن (ثمانية ملايين ومئتين وعشرين ألف) مواطن كان مطلوباً أو ممنوعاً من السفر على زمن النظام البائد وأن الوزارة تعمل حالياً على حل المشكلة، حيث حُذف خمسة ملايين ومئتا ألف اسم كان مطلوباً لأسباب تتعلق بخدمة العلم، والباقي نحو ثلاثة ملايين يجري العمل على حلّ مشكلتهم من بينهم مليون ومائة وثلاثون ألف موظف.

وأشار إلى أن النظام البائد قام بإجراءات كيدية بتعميم أسماء معارضيه وإرسالها إلى شرطة الإنتربول الدولي، وقد سلّم لبنان لائحة باسم مليوني مواطن سوري مطلوبين له.

ملاحقات معلّقة تُقيّد الواقع الجديد

رغم انتهاء حكم النظام السابق، إلا أن تبعاته ما تزال تثقل حياة كثيرين، فملفات الملاحقة والاتهامات غير المثبتة لا تزل قائمة اتجاه العديد من ضحايا الاعتقال والملاحقات، إذ يعيشون في فراغ قانوني خاصة مع استمرار التهم والإجراءات، لتُبقي أصحابها في دائرة الشك والحرمان حتى بعد تغيّر السلطة.

تروي رهام تفاصيل اعتقالها الذي جرى قبل سنوات، وتصفه بأنه بداية لمسار طويل من التهميش والملاحقة، وقالت “تم توقيفي من قبل مجموعة تابعة لحزب الله، من دون مذكرة أو توضيح وبقيت محتجزة لديهم عدة أشهر ثم نُقلت إلى أحد الأفرع الأمنية التابعة للنظام لم يكن واضحاً لي ما المطلوب تحديداً، لكن الأسئلة كانت تدور حول إخوتي وأقاربي المطلوبين للأمن، أكثر من كونها تحقيقاً معي شخصياً”.

مع نهاية فترة التحقيق، وُجهت إليها تهم عدة منها “الإرهاب وحيازة مواد مخدرة”، وهو ما تنفيه تماماً، وأضافت “لم يكن لدي أي شيء من هذا القبيل وهذه التهم وعندما قلت للمحقق هذا الكلام، كانت الإجابة: أثبتي العكس”، واصفًة ما حدث أنه لم يكن محاولة لتطبيق القانون بل وسيلة ضغط أو تصفية حسابات.

كما أوضحت لموقع تلفزيون سوريا أن الإفراج عنها لم يتم عبر القضاء، بل تم بوساطة أحد المتنفذين مقابل مبلغ مالي كبير وبعد مغادرتها البلاد بطريقة غير شرعية، اكتشفت رهام أن منزلها قد تم بيعه بورقة مزورة، من دون أن تكون جزءاً من أي إجراء قانوني أو حتى على علم به ولم تستطع فعل شيء.

وحين عادت بعد سقوط النظام، كانت تتوقع أن تعود كمواطنة عادية، فإذا بها تُفاجأ بأن اسمها لا يزال على قوائم المطلوبين، بالتهمة نفسها التي نُسبت إليها منذ سنوات.

وقالت “مافي شي تغير صح بشار سقط، لكن نظامه وإجراءاته وقضاته قائمة، القوانين التي استُخدمت لتبرير الظلم ما زالت تُستخدم، ما معنى السقوط إن بقيت نفس الملفات مفتوحة ونفس التهم معلقة”.

بين الإرث الاستثنائي والإصلاح المؤسسي

مع بدء المرحلة الانتقالية في سوريا بعد سقوط النظام، برزت تساؤلات عدّة حول الإطار القانوني الذي يحكم البلاد، وكيفية التعامل مع تركة ثقيلة من القوانين الاستثنائية والأحكام القضائية الجائرة التي طالما استخدمت كأداة قمع ضد المعارضين.

في هذا السياق، أوضح المحامي عارف الشعال لموقع تلفزيون سوريا، أن اعتماد الإعلان الدستوري على مبدأ استمرار العمل بالقوانين النافذة قبل سقوط النظام، باستثناء القوانين الاستثنائية، يُعد خطوة طبيعية ومتوافقة مع فقه القانون الدستوري، إذ إن الثورات غالباً ما تُسقط الدساتير والقوانين المرتبطة بها، خاصة تلك التي تتعارض مع مبادئها.

لضمان استقلالهم.. وزارة العدل تصدر تعميما لحماية القضاة والمحامين وتعزيز حصانتهم

وأشار إلى أن النظام القانوني السوري يضمن، نظرياً الحقوق والحريات، لا سيما في ضوء القوانين الصادرة في الخمسينيات كقانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، إلا أن العقبات الحقيقية التي تواجه المنشقين والمعارضين تتمثل في الأحكام الصادرة عن المحاكم الاستثنائية والإجراءات الإدارية التي اتخذها النظام السابق، مثل مصادرة الأموال والحجز الاحتياطي ومنع السفر.

كما أوضح الشعال أن الإدارة الجديدة اتخذت خطوات لتخفيف القيود الأمنية، حيث تم تعليق تنفيذ النشرات الشرطية في المنافذ الحدودية، ورفع حظر السفر عن أكثر من خمسة ملايين مواطن كانت قد فُرضت عليهم قيود مرتبطة بمخالفات خدمة العلم.

مشيرًا إلى صدور المرسوم الجمهوري رقم 16 لعام 2025، الذي ألغى قرارات الحجز الاحتياطي على أموال المنشقين والمعارضين للنظام السابق، في خطوة أنهت عملياً مفاعيل المرسوم التشريعي رقم 63 لعام 2012، الذي كان يتيح للأجهزة الأمنية الطلب من وزارة المالية الحجز على أموال أي شخص من دون مسوغ قضائي.

وأضاف الشعال أن معالجة الأموال المصادرة بموجب أحكام المحاكم الاستثنائية (الإرهاب والميدانية) لا تزل مسألة معقدة، وتتطلب قانوناً خاصاً لإلغائها، وهو أمر مرتبط بتشكيل مجلس تشريعي يصدره وهو ما نفتقده حتى الآن.

وفيما يخص وضع القضاء، يرى الشعال أن القضاة يمارسون حالياً عملهم باستقلالية على المستوى الفردي، من دون تدخل مباشر من وزير العدل أو الأجهزة الأمنية، خلافاً لما كان سائداً سابقاً إلا أن الاستقلال المؤسسي لا يزال منقوصاً بسبب استمرار تبعية مجلس القضاء الأعلى للسلطة التنفيذية.

ويرى أن تحقيق عدالة انتقالية حقيقية وإعادة بناء منظومة قضائية قائمة على الشفافية والمحاسبة والحقوق، يبقى مرهوناً بتشكيل مجلس تشريعي يمتلك صلاحية إصدار القوانين اللازمة. وأشار إلى أن غياب سياسة أو خِطَّة معلنة لإصلاح القضاء لدى وزارة العدل أو مجلس القضاء الأعلى يمثل إشكالية حقيقية يجب تلافيها من قبلهم بأسرع وقت ممكن، بحسب تعبيره.

كما لفت الشعال إلى وجود تغييرات بنيوية في القضاء، بعضها مخالف للقوانين النافذة، كاستحداث منصب “رئيس العدلية” وتعيين قضاة لا يحملون شهادات في الحقوق في مواقع قضائية حساسة.

واختتم قائلًا “أن المنظومة القانونية الحالية قادرة إلى حد مقبول على التعامل مع المرحلة، لكنها تحتاج إلى إصلاحات محددة، وأن تحقيق عدالة انتقالية حقيقية ما زال مرتبطاً بوجود سلطة تشريعية قادرة على سن القوانين اللازمة لذلك”.

الشبكة السورية: لا عدالة من دون تشريع

أوصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بإنشاء هيئة عدالة انتقالية في سوريا عبر قانون يصدر عن مجلس تشريعي، لا من خلال مرسوم تنفيذي، محذّرة من مخاطر تقويض استقلالية الهيئة في حال تأسيسها بقرار تنفيذي، كما أظهرت تجارب دولية في أوغندا والمغرب وبيرو.

وأكدت الشبكة، في تقريرها أن نجاح العدالة الانتقالية يتطلب هيئة مستقلة مالياً وإدارياً، محصنة من التدخل السياسي، ومتكاملة مع القضاء المستقل، مشيرة إلى أن غياب استقلال القضاء يُضعف المساءلة ويشوّه مسار العدالة.

وشدد التقرير على أهمية تشكيل المجلس التشريعي ضمن الإعلان الدستوري المرتقب، لما له من دور في ترسيخ الشرعية وتعزيز الشمولية وسيادة القانون، إضافة إلى ضمان التنوع العرقي والديني والسياسي داخل الهيئة بما يعكس المجتمع السوري.

كما دعت الشبكة إلى آليات شفافة في اختيار أعضاء الهيئة، من خلال لجنة توصية تضم خبراء وممثلين عن القضاء والمجتمع المدني والضحايا، بعيداً عن التعيينات السياسية، مع التأكيد على ضرورة التعاون الحكومي الإلزامي لضمان الوصول إلى المعلومات والسجلات الرسمية.

واختتم التقرير بجملة توصيات أبرزها: إعداد قانون تأسيسي شامل، تخصيص ميزانية مستقلة، تنفيذ برامج توعية، ودمج مسار العدالة الانتقالية ضمن إصلاحات الأمن والقضاء لمنع تكرار الانتهاكات وبناء مستقبل أكثر عدالة.

تلفزيون سوريا

——————————–

 ماذا يعني أن تتوجه سوريا نحو الغرب من دون معوقات؟/ مصطفى إبراهيم المصطفى

2025.06.05

يقول علماء النفس: إن الناس ميالون إلى الإمساك ببندقياتهم لدعم اعتقاداتهم السابقة. ولعل من خاض تجربة محاولة تغيير المعتقدات السياسية للسوريين مع بداية الثورة لمس هذا الجانب؛ يقول أحد السوريين الذين خاضوا هذه التجربة: كنت أنشر بداية كمقدمة وتمهيد: إن كل ما تعلمناه في عهد النظام السوري موضع شك؛ فتأتيني مئات الإعجابات والتعليقات المؤيدة، ولكنني عندما ألجأ إلى الخوض في التفاصيل؛ كأن أقول: أميركا ليست بالقبح الذي تتصورونه، أو أن دول الخليج ليست كما نتصور؛ ينقلب المؤيدون ذاتهم إلى موبخين متشنجين يلجأ الكثيرون منهم لإلغاء الصداقة.

ويعقب: يبدو أن أصدقائي في البداية يوافقون على مبدأ التشكيك بداية من خلال قراءتهم للفكرة على أنها مجرد شتيمة للنظام وحسب، أما عندما اكتشفوا أن في التفاصيل مسا لمعتقداتهم السابقة تحولوا لمدافعين أشاوس. المهم في الأمر؛ أن هذا السوري وأمثاله أخذتهم المفاجأة بالسرعة الهائلة التي بدأت فيها أفكار أغلب السوريين ومعتقداتهم تتزعزع؛ مفسحة المجال لأفكار أخرى في طور التبلور لتطغى عليها وتتجاهلها بعد أن سقط النظام الذي أنتجها وغرسها.

الثورة السورية حطمت الأفكار والمعتقدات

تحدث العلماء عن صعوبة تغيير أفكار الناس ومعتقداتهم، وربطوا ذلك بأسباب لها علاقة بالشخصية والثقافة والخبرة ومقاومة التغيير والخوف من المجهول وعدم الرغبة بالإخلال بالوضع الراهن، وهكذا.. إلا أن “غوستاف لوبون” الذي يعتقد أيضا بصعوبة تغيير الأفكار والمعتقدات؛ رأى أن ذلك ممكنا بعد الثورات العنيفة، وفقط بعد أن تكون تلك المعتقدات قد فقدت تقريبا كل هيمنتها على النفوس.

وربما في هذا إجابة عن تساؤلات بعض السوريين عن السرعة التي لفظ فيها السوريون الأفكار والمعتقدات التي زرعها نظام البعث في عقولهم ونفوسهم، فالثورة السورية لم تكن عنيفة وحسب، وإنما تنوعت أحداثها وامتدت لفترة كافية لتجعل تلك المعتقدات تفقد هيمنتها، ولعل النهاية الدراماتيكية لنظام البعث، والسلوك الدولي والإقليمي الذي جاء متناقضا تماما مع الكثير من الأفكار التي يعتنقها أغلب السوريين أحدثت هزة عنيفة في الوجدان السوري، فالكل تهافت لمساعدتهم، ولا أحد سعى لتقسيم بلدهم، ولم يكتشفوا مؤامرة على الإسلام والمسلمين.

التوجه غربا من دون اعتراض

تتجه الحكومة السورية الجديدة نحو الغرب من دون اعتراض يذكر، باستثناء بعض الأصوات النشاز التي لم تتحرر من سطوة الخطاب الشعبوي الذي طرق الرؤوس لما يزيد عن نصف قرن، إلا أن أطروحات هؤلاء أصبحت محط سخرية أغلبية السوريين، وكأن السوريين – بين عشية وضحاها – اكتشفوا أن تطور البلدان وازدهارها عمرانيا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا؛ لا يأتي إلا من خلال التوجه غربا وفتح البلاد للاستثمارات والخبرات الأجنبية ونبذ العداوات مع المحيط.

لا أحد يعلم إن كان السوريون قد اكتشفوا فيما اكتشفوه أن كل ما كان يقال لهم عن نهب الثروات الذي يتم عن طريق الشركات المتعددة الجنسية والمستثمرين لم يكن سوى خدعة تسوقها الأنظمة المستبدة لتبرير سياساتها المكرسة للفقر.

لا أحد يعلم إن كان السوريون قد اكتشفوا أن العائق الحقيقي بينهم وبين التقدم هو نظام يخشى أن القوانين والإجراءات التي تخلق البيئة المناسبة للاستثمار قد تضعف سلطته على البلاد وتفسد أخلاق المواطن الذي قد تدفعه البحبوحة إلى أن يصبح صعب القياد.

التوجه غربا سندا للشعب وليس للحاكم

إذاِ، تخلى السوريون عن معتقداتهم السياسية التي تقف عائقا في وجه تقدمهم، والتي تكرس استبداد الحاكم، تخلوا عن تلك القناعات التي غرسها ورعاها نظام الاستبداد خدمة لخطه السياسي الذي ينتهجه وخدمة لاستبداده الذي يتمنى له أن يدوم، وإلا فماذا تعني معاداة الشعوب للغرب؟ صحيح أن الغرب يتعامل مع أنظمة مستبدة وأنظمة دكتاتورية كأمر واقع لا مفر منه، إلا أنه لم يسبق لنا أن سمعنا أن الدول الغربية قد ساندت مستبدا في مواجهة شعبه عندما يثور الشعب. يذكر التاريخ أن أميركا تخلت عن أهم حلفائها عندما انتفض الشعب، فقد جرب الرئيس الأميركي “جيمي كارتر” أن يدعم نظام الشاه في مواجهة الثورة الإيرانية لكنه قوبل بانتقاد واسع داخل أميركا مما اضطره لرفع الغطاء الأميركي عنه ليسقط بعد أيام، وتكرر نفس الحدث مع الرئيس المصري حسني مبارك، وقد جرب الرئيس “باراك أوباما” أن يدعمه لكنه لم يصمد سوى يوما أو يومين ليعود ويعلن تخليه عن حليف أميركا تحت الضغط مرة أخرى، وكانت النتيجة أن سقط نظام حسني مبارك بعد أيام.

كرامة المواطن ليست كرامة الحاكم

وعلى مستوى آخر؛ لطالما روج النظام السوري البائد أن كرامة المواطن تتحقق من خلال سياسة المقاومة والممانعة التي ينتهجها، أما الفقر والعوز وتردي الأوضاع المعيشية وتخلف البلاد عن ركب الحضارة فكلها تضحيات يجب أن يقدمها المواطن في سبيل العزة والكرامة المتمثلة بموقف سياسي. حقا إنها مفارقة عجيبة؛ أليس من العجب أن يتخلى المواطن عن كرامته الحقيقية في مقابل كرامة متوهمة يسوقها الحاكم لأغراض الاستبداد والديمومة. واقعيا؛ تبدو المعادلة أشد قسوة من ذلك، فالانفتاح على الآخر يكون – غالبا – على حساب الحاكم وفي مصلحة الشعب، فالمساعدات أيا كان نوعها تفرض على الحاكم بعض الاستحقاقات، ربما هي في بعض الأحيان تمس كرامته أو سلطته، لكنها بالعموم في مصلحة الشعب، وهذا يشبه تماما ما يفعله رب الأسرة في حياته اليومية؛ يحترم رؤساءه، ويتقرب من هذا، ويقدم الإطراء لذاك، وإلى ما شابه ذلك من سلوك يهدف في النهاية إلى النجاح في الحياة ليقدم لأبنائه من الرزق ما يحفظون به كرامتهم. إن البحبوحة المادية هي الشطر الأكبر من الكرامة في نهاية الأمر.

يقول “غوستاف لوبون”: إن الانقلابات التاريخية ليست هي تلك التي تدهشنا بضخامتها وعنفها. ذلك أن المتغيرات الوحيدة المهمة (أي تلك التي ينتج عنها تجدد الحضارات) هي تلك التي تصيب الآراء العامة والتصورات والعقائد. وأما الأحداث الضخمة المأثورة التي تتناقلها كتب التاريخ فهي ليست إلا الآثار المرئية للمتغيرات اللامرئية التي تصيب عواطف البشر. وهكذا، إن صحت ملاحظتنا حول تغيير السوريين لآرائهم العامة وتصوراتهم وعقائدهم السياسية، فسوريا تتجه نحو معترك الحضارة من جديد.

تلفزيون سوريا

—————————–

 الخصخصة في سوريا.. فرصة للتنمية أم فخ للحكومة؟/ عبد الناصر الجاسم

2025.06.05

في عالم اليوم، حيث تتسارع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، تبرز الخصخصة كأداة مثيرة للجدل، خاصة في الدول التي تعاني من آثار الصراعات والنزاعات. في سوريا، حيث لا تزال آثار الحرب قائمة، يطرح السؤال: هل يمكن أن تكون الخصخصة أداة فعالة للتنمية، أم أنها ستؤدي إلى تفاقم الفساد وزيادة الفجوات الاجتماعية؟

مفهوم الخصخصة وأهدافها

الخصخصة، بمفهومها العام، تعني نقل ملكية وإدارة الأصول والخدمات من القطاع العام إلى القطاع الخاص، تهدف هذه العملية إلى تحسين الكفاءة الاقتصادية وزيادة الإنتاجية من خلال إدخال مبادئ السوق والمنافسة في تقديم الخدمات وإنتاج السلع. كما تسعى الخصخصة إلى تحسين الأداء المالي من خلال تحويل الأصول وزيادة الإيرادات الحكومية، مما يخفف من الأعباء المالية والإدارية على الحكومة.

لكن الخصخصة ليست حلاً سحريًا لمشكلات القطاع العام ولا يمكن فصلها عن سياقها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فقد بدأت هذه الفكرة في القرن التاسع عشر، حيث تمت خصخصة بعض الخدمات العامة في أوروبا، وبالتحديد في قطاع النقل السككي. ومع مرور الوقت أصبحت الخصخصة جزءًا من السياسات الاقتصادية التي اتبعتها بعض الحكومات في السبعينات والثمانينات، مثل حكومتي بريطانيا وأميركا، للحد من دور الدولة في الاقتصاد وزيادة دور القطاع الخاص.

الخصخصة في سياق ما بعد الصراع

في الدول التي عانت من النزاعات، مثل سوريا، يعتبر نهج الخصخصة مثيرًا للجدل ويعتمد نجاح هذا النهج على السياق السياسي والاجتماعي ومدى الاستقرار بعد النزاع. في هذا السياق، يطرح السوريون سؤالًا مشروعًا: هل أعلنت الحكومة السورية رؤيتها حول تبني هذا النهج بعد دراسة وتقييم الموقف، وتوصلت إلى أنه هو أداة التنمية المناسبة لواقع سوريا في مرحلة ما بعد الصراع؟

إن مفهوم الخصخصة لا يقتصر على بيع أصول القطاع العام الخاسر، بل له أبعاد متعددة تسهم في رسم دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المجتمع. ومن المهم أن نفهم أن مفهوم الربح والخسارة لدى الدول والحكومات يختلف عن مفهوم الربح لدى الشركات والأفراد، فالربح للدولة قد يكون اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا قبل أن يكون ربحًا محاسبيًا وكذلك الكلفة لدى الدول والحكومات قد تكون اجتماعية وقد تكون سياسية وقد تكون اقتصادية.

المخاوف والتحديات

لكي تكون الخصخصة فعالة في سوريا، يجب على الحكومة أن تأخذ في الاعتبار المخاوف والمخاطر المحتملة، و من بين هذه المخاوف:

1 – سيطرة النخب السياسية والاقتصادية: قد تؤدي عمليات الخصخصة إلى تعزيز سيطرة النخب على الموارد، مما يزيد من الفساد ويقربنا من التفريط بالمال العام. وهذا ليس اتهامًا للحكومة، بل هو دعوة للتنبيه والنصح.

2 – ضعف البنية التنظيمية: تعاني سوريا من ضعف في البنية التنظيمية المؤسسية، ووجود شبكات فساد موروثة وهذه العوامل قد تعيق جهود الحكومة في تحقيق الحوكمة الرشيدة.

3 – فقدان السيطرة على القطاعات الحيوية: قد يؤدي نقل الأصول العامة إلى القطاع الخاص إلى فقدان السيطرة على مخرجات القطاعات الحيوية مثل المياه والكهرباء والتعليم والصحة، مما يؤثر سلبًا على حياة المواطنين ولاسيما الفقراء منهم وهم الغالبية العظمى.

4 – إعادة توزيع الثروة بشكل غير عادل: قد تؤدي الخصخصة إلى زيادة التفاوت الطبقي في المجتمع، حيث يمكن أن تستفيد بعض الفئات من عمليات الخصخصة على حساب الآخرين.

5 – عجز النظم المالية والإدارية: قد تواجه الحكومة صعوبات في استيعاب عمليات التحول من الناحية القانونية والتشريعية، مما يعيق تنفيذ برامج الخصخصة بشكل فعال.

دروس من التجارب السابقة

تظهر تجارب دول أخرى عانت من صراعات أن الخصخصة ليست أداة محايدة وتحتاج إلى مؤسسات قوية وشفافة تتسم بالحوكمة الرشيدة، كما تتطلب نظم حماية مجتمعية للفئات الضعيفة والهشة. في هذا السياق، يجب أن تكون هناك آليات لضمان الشفافية والمساءلة في عمليات الخصخصة، وذلك من خلال وضع إطار قانوني واضح وإنشاء آليات للإفصاح وإشراك للمجتمع المدني، واستخدام تقنيات المعلومات وتعزيز ثقافة الشفافية.

في الختام، يمكن القول إن تسليط الضوء على هذه المخاوف والهواجس التي يشعر بها المواطنون السوريون هو شكل من أشكال الدعم بالرأي والخبرة لصناع القرار الحكومي ويجب أن تركز الحكومة على التخطيط الشامل وفق رؤية متكاملة لكافة القطاعات، مع التأكيد على الشفافية والتوازن الاجتماعي.

إن الخصخصة قد تكون فرصة للتنمية في سوريا، ولكنها تحتاج إلى دراسة دقيقة وتخطيط شامل لضمان عدم تفاقم الفساد وزيادة الفجوات الاجتماعية، يجب أن تكون الخصخصة جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة بناء الدولة والمجتمع، مع التركيز على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح الحكومة السورية في تبني نهج الخصخصة بشكل يحقق الفائدة للجميع، أم ستظل هذه العملية مجرد وسيلة لنقل المشكلة للأمام ومزيداً من الأعباء التي سيتحملها المجتمع؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب وعيًا جماعيًا ومشاركة فعالة من جميع فئات المجتمع.

تلفزيون سوريا

————————-

 واقع الفصائل الفلسطينية في سوريا الجديدة.. الوهم والحقيقة/ ماجد عزام

2025.06.05

أثير لغط بالفترة الماضية حول واقع الفصائل الفلسطينية في سوريا الجديدة إثر الأنباء عن خروج بعض مسؤولي الفصائل منها علما إن الأمر يتعلق بمغادرة ثلاثة مسؤولين لفصائل صغيرة دمشق بعد مصادرة أسلحتها ومقارها ومعسكراتها من قبل القيادة في سوريا الجديدة، بينما نتحدث بالحقيقة عن فصائل غادرت مربع المقاومة منذ زمن طويل.

وتمكن تسميتها بالفلسطينية مجازاً أو اسماً فقط مع تبعيتها الكاملة لنظام بشار الأسد الساقط وحتى لإيران ومحورها المسمى، مجازاً أيضاً محور المقاومة، وهو اسم حركي محض للتغطية على جوهره الطائفي والاستعماري بسوريا والعالم العربي.

إذن، أثارت أنباء مغادرة ثلاثة مسؤولين فلسطينيين هم القيادي بالجبهة الشعبية القيادة العامة وعضو مكتبها السياسي ومسؤولها العسكري خالد جبريل ومسؤول حركة فتح الانتفاضة المنشقة عن حركة فتح الأصل- زياد الصغير، ومسؤول الجناح المنشق عن جبهة النضال الشعبي خالد عبد المجيد لغطاً مع اتهامات للقيادة في سوريا الجديدة بالتضييق على النشاط المقاوم للفصائل والعمل الفلسطيني بشكل عام.

لتفكيك المشهد حتى نفهمه بشكل صحيح، ولا يتم التعميم على الحالة الفلسطينية برمتها وتعاطي سوريا الجديدة معها وفيما يخص القيادة العامة مثلاً فقد تباهت دوماً أنها جزء من نظام آل الأسد، ومن الطبيعي أن ينطبق عليها ما ينطبق عليه، مع العلم أن النظام منح قياداتها الجنسية السورية منذ زمن طويل وفي ثمانينيات القرن الماضي باعتبارها مكوناً فيه،  وعوضاً عن ذلك فقد غادرت القيادة العامة مربع المقاومة منذ سنوات بل عقود طويلة ووصلت إلى حد استجداء وتبني وحتى شراء العمليات الفدائية بالداخل بالمعنى الدقيق للمصطلح لادعاء مواصلة نشاطها المقاوم.

وعليه لم يكن مفاجئاً أن تنحاز وللدقة تتصرف كأحد أجهزة النظام في مواجهة الثورة مع نصب حواجز “موت” نيابة عنه على مداخل مخيم اليرموك، وتشكيل مجموعات عسكرية لمساندته والقتال إلى جانبه، ومن هنا فمن المنطقي أن يكون حكمها كالنظام لجهة مصادرة مكاتبها وأموالها ومعسكراتها التي استخدمت ضد السوريين والفلسطينيين على حد سواء.

بالسياق يجب التذكير بحقيقة إن القيادة العامة كانت بمثابة الذراع الفلسطيني للنظام لا الصاعقة، التي كانت مجرد اسم حركي باعتبارها الجناح الفلسطيني لحزب البعث البائد، ولكن مع تراجع مكانته خاصة زمن حكم بشار الأسد تحولت الجبهة فعلياً إلى الذراع الفلسطيني السياسي والأمني والإعلامي للنظام وتبنت وروجت روايته المشيطنة والمعادية للثورة وعمل مسؤولو الجبهة كناطقين شبه رسميين للنظام.

 إلى ذلك لا يمكن تجاوز صمت الجبهة عن تسليم النظام-2019- جثة الأسير الإسرائيلي زخاريا بوميل إلى حكومة بنيامين نتنياهو بوساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونبش جنود النظام بأوامر روسية مقابر الشهداء بمخيم اليرموك بحثاً عن جثث بقية الأسرى كما تدمير المخيم نفسه وقصفه بطائرات ميغ 23 وتهجير أهله بكل ما يعني ذلك للرواية والذاكرة والهوية الجامعة تجاه عاصمة الشتات الفلسطيني.

إقليمياً وكبرهان على انتفاء صفة المقاومة عن القيادة العامة استخدم النظام وحلفاؤه معسكراتها في لبنان للابتزاز والهيمنة على البلد ومصادرة سيادته وقراره المستقل.

بعد اعتزال المقاومة وحتى السياسة بمعنى ما انكبت الجبهة على الأعمال التجارية في سوريا وتلقت معاملة تفضيلية كذراع للنظام، مع تسهيلات في الجمارك والضرائب على حساب الشعب السوري ودمائه وعرقه بمعنى إنّ كل مؤسساتها تندرج ضمن مؤسسات النظام المصادرة ونقطة على السطر.

أما فيما يخص فتح الانتفاضة فيبدو المشهد أوضح حيث انتهت تنظيمياً منذ سنوات بل عقود طويلة. واتخذ

مؤسسها ومديرها “أبو خالد العملة” في سنواته الأخيرة وبعدما وعى انتهاء التنظيم منحى فكريا بحتا وتصرف وكأنه حارس القومية العربية بالساحة الفلسطينية.

رغم نزق “العملة” واعتداده بنفسي إلا أنه تماهى أمنياً في أيامه وأمتاره الأخيرة مع النظام، وانحاز إلى جانبه ضد الثورة وقبل ذلك كان ذراعه لتمرير مخطط مجموعة فتح الإسلام بلبنان وبإمكاني التأكيد وفق معلومات موثوقة من مصادر مطلعة بالتنظيم فقد عمل أبو خالد على الملف مع مسؤول الاستخبارات العسكرية بالنظام آصف شوكت، الذي التقاه ثلاث مرات خلال أسابيع فقط – مطلع العام 2006- وقام  بعدها باحتضان  قائد المجموعة شاكر العبسي إثر خروجه من سجون النظام بتهمة الاتصال والتنسيق مع  تنظيم القاعدة، وتسهيل سفره إلى  معسكرات فتح الانتفاضة في لبنان -البقاع ثم بيروت ومخيم نهر البارد بطرابلس، حيث جرى افتعال معركة مع الجيش اللبناني أدت إلى تدمير المخيم وتهجير أهله.

قبل ذلك كان نظام الأسد قد تجاهل ولعقود تنظيم فتح الانتفاضة مع بقائه جسداً بلا روح إثر فشل الانشقاق

على الرئيس ياسر عرفات وحركة فتح ومنظمة التحرير في سياق حرب النظام على المنظمة والقرار الوطني الفلسطيني المستقل.

تبدو الصورة أسهل فيما يخص خالد عبد المجيد زعيم الجناح المنشق عن جبهة النضال الشعبي الذي تشكل  ضمن حرب النظام ضد الرئيس عرفات وحركة فتح باعتبارها العمود الفقري لمنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبإرادته أو رغماً عنه تحول الجزء المنشق كله إلى ذراع أمني للنظام قبل الثورة وبعدها وتبنى روايته فلسطينياً وعربياً.

إذن وبناء على المعطيات والحقائق السابقة يمكن الاستنتاج بسهولة أننا لا نتحدث بالتأكيد عن فصائل مقاومة

بينما كانت فلسطينية حركياً بالشكل أو الاسم فقط بعدما تماهت مع النظام الساقط وروايته بل قاتلت إلى جانبه وحتماً لا مكان لها في سوريا الجديدة أما ملف اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم العادلة وحقوقهم وشؤونهم وشجونهم فمغاير تماماً ومع انتصار الثورة السورية الذى جاء متزامناً مع النكبة الفلسطينية الجديدة 2024

يبدو المشهد شبيهاً تماماً بنظيره بعد النكبة الأولى 1948 والفصائل والطبقة السياسية باتت كلها عبئا على القضية الفلسطينية واللاجئين كما سيرورة قيامة سوريا الجديدة ونحتاج بالتأكيد إلى أطر وقيادات ووجوه شابة جديدة وهو ما سيكون محل بحث في مقالاتنا القادمة إن شاء الله.

—————————

كيف تبني سوريا اقتصادها من الداخل/ رشا سيروب

5 حزيران 2025

الحقيقة التي يجب أن ندركها في سوريا، والتي علمتنا إياها تجارب الدول، هي أن الاعتماد الكلي على المساعدات الخارجية أو الاستثمارات الأجنبية وحدها لن يكون كافيًا لإحداث النهضة الاقتصادية المنشودة.

بعد ستة أشهر من طي صفحة الحرب في سوريا، يفرض سؤال نفسه بقوة حول مستقبل البلد: كيف يمكن لسوريا أن تعيد بناء اقتصادها المنهك من دون أن تصبح رهينة للمساعدات الخارجية والوعود الإقليمية والدولية المتقلبة والمتنازعة؟ تلك الوعود التي قد تأتي أو لا تأتي، وغالبًا ما تكون مشروطة بما لا يتوافق مع الأولويات الوطنية لسوريا.

سوريا، كغيرها من الدول التي خرجت من أتون الحرب، عانت من تدمير واسع النطاق للبنية التحتية، ونزوح الملايين، وتراجع هائل في الإنتاجية، وشلل شبه تام في حركة التجارة والاستثمار. التحديات ضخمة، والمسؤولية جسيمة، لكن اليأس ليس خيارًا أمام دولة تبحث عن استعادة عافيتها.

دروس من رماد التاريخ

الحقيقة التي يجب أن ندركها، والتي علمتنا إياها تجارب الدول، هي أن الاعتماد الكلي على المساعدات الخارجية أو الاستثمارات الأجنبية وحدها لن يكون كافيًا لإحداث النهضة الاقتصادية المنشودة. هذه المساعدات، وإن كانت ضرورية في بعض الأحيان لسد فجوات حرجة، غالبًا ما تكون مصحوبة بشروط قد تقوّض السيادة الاقتصادية للدول وتوجهاتها التنموية.

لقد قدم التاريخ دروسًا واضحة: أصبحت ألمانيا “معجزة اقتصادية” بعد الحرب العالمية الثانية. لم تنهض عبر الإصلاح النقدي فحسب، بل عبر رؤية قوامها “اقتصاد السوق الاجتماعي” الذي جمع بين الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة لضمان العدالة الاجتماعية. وشقّت فيتنام طريقها نحو النمو المستدام عبر الإصلاح الزراعي واستقطاب الكفاءات المهاجرة و”التعافي الذاتي”.

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن سوريا تحتاج ما بين 250 و400 مليار دولار لإعادة الإعمار. هذا الرقم الضخم يدفع البعض إلى التطلع إلى المساعدات الخارجية كحل سحري ووحيد، والرهان على رفع العقوبات والاستثمار الأجنبي كطوق نجاة. لكن تجربة العراق بعد عام 2003 تفرض عليها الحذر من هذا النهج. فمليارات الدولارات المخصصة لإعادة الإعمار تبخّرت بسبب الفساد الممنهج، وأصبحت المشاريع الكبرى واجهات لعمليات نهب منظمة، فتراكمت ثروات حفنة من السياسيين ورجال الأعمال على حساب التنمية الاقتصادية الشاملة، وتحوّل الاقتصاد العراقي إلى نظام ريعي جديد ذهبت غالبية عوائده للإنفاق على الرواتب الحكومية وتمويل الواردات، مع تجاهل القطاعات الإنتاجية.

هل يستسلم صانعو القرار في سوريا لإغراءات الوعود الإقليمية والدولية والمساعدات الخارجية غير المضمونة (علمًا أن نسبة تنفيذ التعهدات الخاصة بالمساعدات الإنسانية للنصف الأول من هذا العام بلغت 10% فقط)، أم يبدؤون بتنفيذ ما ورد في الإعلان الدستوري لجهة “تحقيق أهداف الاقتصاد الوطني في مجال العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الشاملة وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة للمواطنين”؟

الانتظار لرفع عقوبات “قانون قيصر” بشكل كلي ودائم، والذي يتطلب موافقة الكونغرس، والترقب الحذر للحصول على الاستثمارات الأجنبية التي ستبقى حبيسة التردّد السياسي والأمني لـ180 يومًا قادمة، ليس استراتيجية للنهوض.

آليات التعافي الذاتي: بناء الاقتصاد من الداخل

ما تحتاجه سوريا خلال الأشهر الستة المقبلة، هو البدء بخطوات عملية نحو بناء “اقتصاد تنموي قائم على العدالة الاجتماعية” بمعزل عن تقلبات المزاج والظروف الخارجية. يمكن لسوريا أن تبدأ بالتعافي الذاتي عبر تفعيل أربع آليات أساسية:

أولًا، إعادة الإعمار الذكي: بدلًا من حصر التركيز على البنى التحتية الكبرى التي تحتاج وقتًا طويلًا لتظهر نتائجها، يجب أن يتركّز الاستثمار في القطاعات التي تحقّق عائدًا اقتصاديًا ملموسًا وانعكاسًا اجتماعيًا سريعًا، وهنا يمكن العمل على إعادة إحياء القطاعات المنتجة الأسرع انتعاشًا، والتي تحمل القدرة على توليد فرص العمل.

القطاع الزراعي يمكن أن يكون محور التعافي الأولي، وذلك لدوره الحيوي في تحقيق الأمن الغذائي والتغذية وتقليل فاتورة الاستيراد. ووفقًا لخطة منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، يتطلب إحياء هذا القطاع استثمارًا فوريًا بقيمة 286 مليون دولار لإعادة تأهيل شبكات الري وتوفير البذور المحسنة، مما قد يرفع الإنتاجية بنسبة 40% خلال ثلاث سنوات.

كما أن السياحة تُعد من القطاعات الواعدة مع توقع زيارة مئات الآلاف من المغتربين السوريين في الصيف، مما سيوفر القطع الأجنبي ويخلق فرص عمل، خصوصًا في المناطق الساحلية والريفية الجبلية التي تعاني من الفقر والبطالة المرتفعة. وهذا من شأنه أن يساعد في تهيئة البيئة المناسبة لتعزيز السلم الأهلي وتحقيق التماسك المجتمعي.

أما قطاع البناء، فله أهمية قصوى في تحقيق العودة الآمنة للنازحين داخليًا والمهجرين في الخارج ويسرّعها، وعلى خلق طلب متزايد على الأيدي العاملة.

ثانيًا، التكيّف مع العقوبات والصناعة المحلية: برغم إعلان الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات والإعفاء المؤقت من بعض العقوبات الأميركية، فإننا لا نتوقع أن نتلمّس آثار ذلك خلال الأيام الـ180 المقبلة. والاستثمارات، إن جاءت، غالبًا ما تكون مشروطة. لذا، يجب أن تكون الأشهر الستة القادمة فرصة لبناء اقتصاد أكثر مرونة وقائم على الذات، فلا يمكن انتظار رحمة المجتمع الدولي وضمان عدم تدخله.

هنا تبرز أهمية الصناعات المحلية، خصوصًا الصغيرة والمتوسطة، التي يجب أن تحظى بأولوية قصوى. هذه الصناعات هي قاطرة النمو الحقيقية في المدى المنظور، فهي الأكثر قدرة على استيعاب الأيدي العاملة وتلبية احتياجات السوق المحلي، وستشكل بديلًا للمستوردات التي تستنزف العملة الأجنبية.

ثالثًا، تحويل الدمار إلى مَورد: تحتوي أنقاض المدن السورية على ملايين الأطنان من الحديد والخرسانة القابلة لإعادة التدوير. لقد أظهرت دراسات جامعة شيفيلد البريطانية أن الخرسانة المُعاد تدويرها من أنقاض المباني المدمرة في سوريا يمكن أن تحل محل 50% من المواد الخام لصنع الخرسانة الجديدة، مما يخفض تكلفة البناء بنسبة 40%. هذا الركام لا يوفّر مواد بناء رخيصة فحسب، بل يسرّع عودة النازحين والمهجّرين ويخلق آلاف فرص العمل خصوصًا في قطاع الجمع والفرز. إنها فرصة لتحويل “الرماد إلى ذهب”.

رابعًا، العقول المهاجرة كرافعة تنموية: العقول السورية في الخارج تمثل رصيدًا استراتيجيًا يمكن استقطابه عبر حوافز متنوعة وضمانات قانونية ودولية. إن عودة هذه الكفاءات ستكون بمثابة “شريان حياة”، ليس فقط عبر نقل المعرفة والخبرات، بل من خلال رأس المال. تشير التقديرات إلى وجود عشرات المليارات من الدولارات المدخرة للمغتربين في المصارف الخارجية. يمكن اجتذاب جزء من هذه الأموال عبر إصدار سندات تنموية بعائد مقبول مع ضمانات دولية.

عقد اجتماعي جديد: الثقة هي الأساس

لكن كل هذه الآليات تبقى حبرًا على ورق من دون وقف النزيف الاقتصادي الذي يتطلب توفير الأمن والأمان. فالعقوبات ليست العائق الوحيد، ولن يخاطر المستثمرون بأموالهم في بيئة ينتشر فيها العنف وتغيب فيها الحوكمة والشفافية.

إن إعادة بناء الاقتصاد السوري ليست مجرد ضخ أموال، بل هي مشروع وطني جامع يقوم على تأسيس عقد اجتماعي جديد يضمن العدالة والفرص للجميع، ويعيد الثقة بين المواطن والدولة. من دون هذه الثقة، ستبقى وعود المستقبل مجرد آمال. وكما قال جوزيف ستيغليتز، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، “الاقتصاد القوي لا يُبنى فقط بالإسمنت والحديد، بل بالثقة، والعدالة، والفرص المتكافئة للجميع”.

هذا المشروع الوطني الجامع هو قرار سياسي يتعلق برؤية القيادة الجديدة لمستقبل البلاد، التي تحتاج أن تدرك أن الوقت ليس حليفًا، والقرار يجب أن يُتخذ الآن قبل فوات الأوان. النجاح لن يأتي عبر معجزة خارجية، بل عبر مزيج من الحوكمة الرشيدة، والابتكار في استخدام الموارد الداخلية، واستعادة الثقة المجتمعية. التجارب التاريخية تُظهر أن الدول التي أعادت بناء اقتصاداتها اعتمادًا على رؤية وطنية شاملة وشراكة مجتمعية حقيقية هي التي نجحت في تحويل الدمار إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل. السوريون اليوم أمام اختبار حقيقي لقدرتهم على تحويل التحديات إلى فرص، مستفيدين من دروس الماضي لبناء اقتصاد ينتمي إليهم أولًا وأخيرًا.

السؤال الآن: هل ستغتنم القيادة السورية هذه الفرصة وتتخذ الخطوات الجريئة اللازمة لكسر حلقة الانتظار وبناء اقتصاد صامد من الداخل؟

أوان

—————————-

========================

العدالة الانتقالية تحديث 05 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

العدالة الانتقالية في سوريا

—————————–

 النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني/ فضل عبد الغني

2025.06.04

يُجسّد دور المدعين العامين في المجتمعات الديمقراطية الحديثة مفارقة تقع في صميم الحوكمة الدستورية وسيادة القانون. يتمتع هؤلاء المدعون بسلطة تقديرية واسعة في تحديد من يُحال إلى القضاء بتهم جنائية، إلا أنهم ملزمون في الوقت ذاته بالتوفيق بين متطلبات المساءلة السياسية والاستقلال المهني.

ويعكس هذا التوتر تحديات أعمق في النظرية الديمقراطية بشأن كيفية تنظيم مؤسسات تستجيب للإرادة العامة مع بقائها محصّنة ضد التدخلات السياسية. تُظهر الدراسات الحديثة أن استقلال الادعاء العام يُعزّز من مساءلة السلطة التنفيذية من خلال تمكين ملاحقة الموظفين العموميين في قضايا الفساد وسوء استخدام السلطة، بينما تضمن آليات المساءلة خضوع المدعين العامين أنفسهم للمحاسبة أمام المؤسسات الديمقراطية. ومع ذلك، لا يزال تحقيق التوازن المثالي بين هذين البُعدين من أكثر التحديات تعقيدًا التي تواجه أنظمة العدالة الجنائية عالميًا، حيث تختلف المقاربات بحسب التقاليد الدستورية والسياقات السياسية والتاريخ المؤسسي لكل دولة.

الإطار المفاهيمي: استقلال النيابة العامة والمساءلة

يشمل مفهوم استقلال النيابة العامة أبعادًا هيكلية ووظيفية تُميّزه عن استقلال السلطة القضائية، مع الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة شبه القضائية للعمل الذي تقوم به النيابة. ويُقصد باستقلال النيابة العامة ألا يُتوقع من المدعين العامين أن تترتب على أدائهم المهني عواقب سلبية، مثل العزل أو النقل أو خفض الأجور. ويركّز هذا المفهوم على العلاقة بين المدعين العامين والسلطات الحكومية، لا سيما السلطة التنفيذية التي كثيرًا ما تمارس سلطتها الإدارية على أجهزة الادعاء.

ويتجلّى هذا الاستقلال في قدرة المدعين العامين على اتخاذ قراراتهم بحرية، دون تدخل أو تأثير من السلطة التنفيذية أو موظفين عموميين، خصوصًا في القضايا التي تطول هؤلاء الأشخاص، مثل الفساد، واستغلال السلطة، وانتهاكات حقوق الإنسان. ويمتد نطاق الاستقلال ليشمل المهام الأساسية للنيابة العامة، بما في ذلك قرار تحريك الدعوى، وإجراء التحقيقات، وتقرير الاستمرار في الملاحقة القضائية أو سحب التهم.

وفي المقابل، فإن المساءلة تشير إلى وجود آليات تكفل استخدام هذه السلطة التقديرية بشكل مسؤول، وفقًا للمعايير القانونية والمهنية. وتشمل المساءلة كلاً من الضوابط البيروقراطية الداخلية وآليات الرقابة الخارجية المصممة لمنع الانحرافات في ممارسة سلطة الادعاء، مع الحفاظ على ثقة الجمهور في عدالة النظام الجنائي.

ولا ينبغي فهم العلاقة بين الاستقلال والمساءلة على أنها تعارضية، بل تكاملية. إذ إن الاستقلال من دون مساءلة قد يؤدي إلى انحرافات في أداء النيابة العامة، ويُقوّض ثقة المواطنين في حيادها، في حين أن المساءلة من دون استقلال تُفضي إلى إمكانية التلاعب السياسي بالإجراءات الجنائية. ولهذا، يتعين على أنظمة الادعاء الفعّالة أن تُقيم ترتيبات مؤسسية تضمن تحصين المدعين العامين من التدخلات السياسية، مع بقائهم في الوقت ذاته خاضعين للمساءلة المهنية والديمقراطية بشأن سلوكهم وأدائهم الوظيفي.

الأطر الدستورية وآليات التعيين

الأنظمة الرئاسية والنماذج التنفيذية التشريعية

تميل الأنظمة الرئاسية عادةً إلى تركيز سلطة تعيين المدعين العامين في يد السلطة التنفيذية، مع إدماج آليات رقابة تشريعية لضمان المساءلة الديمقراطية. ففي الولايات المتحدة، يُجسّد النظام الفيدرالي هذا التوجه من خلال ما يُعرف ببند التعيينات، حيث يُرشّح الرئيس المدعي العام، إلا أن تعيينه لا يُستكمل إلا بعد موافقة مجلس الشيوخ. وتخدم هذه الآلية التشاركية غرضين رئيسيين: ضمان إسناد المناصب العليا لأشخاص ذوي كفاءة، وتوفير رقابة ديمقراطية على قرارات التعيين التي تتخذها السلطة التنفيذية.

تشمل هذه العملية مراجعة دقيقة من خلال جلسات استماع تعقدها اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، حيث يُقيّم الأعضاء مؤهلات المرشحين، وتوجهاتهم القانونية، ومواقفهم السياسية. ويُبرز هذا النموذج الأميركي كيفية تحقيق التوازن في الأنظمة الرئاسية بين كفاءة الأداء التنفيذي والضوابط المؤسسية.

ويشغل النائب العام في الولايات المتحدة موقعين حيويين في آنٍ واحد: وزير العدل، ورئيس أجهزة إنفاذ القانون، ما يُضفي على هذا المنصب وزنًا دستوريًا كبيرًا. وتُنتج هذه المسؤولية المزدوجة توترات مستمرة بين واجب المساءلة السياسية أمام السلطة التنفيذية، وضرورة الحفاظ على استقلال القرار داخل جهاز النيابة العامة. ويُظهر هذا الوضع التحدي الدائم في تأمين استقلال النيابة العامة ضمن بنى تخضع، بطبيعتها، للمساءلة السياسية.

الأنظمة البرلمانية وسلطة رئيس الوزراء

في المقابل، تنتهج الأنظمة البرلمانية مسارات مختلفة في تعيين المدعين العامين، تعكس طبيعة هياكلها الدستورية واندماج السلطتين التنفيذية والتشريعية. فالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، تعتمد نظام التعيين التنفيذي المباشر، حيث يُعين رئيس الوزراء المدعي العام لإنجلترا وويلز دون الحاجة إلى تصويت أو مصادقة من البرلمان. ويُجسد هذا الإجراء مبدأً برلمانيًا راسخًا مفاده أن الحكومة، بعد نيلها ثقة البرلمان، تملك صلاحية تعيين كبار المسؤولين التنفيذيين.

غير أن هذا النموذج يطرح توترات واضحة بين الأدوار السياسية والقانونية للمدعي العام، الذي يُضطلع في آنٍ واحد بمهام وزير في الحكومة ومستشار قانوني أول لها. ويمكن أن يؤدي هذا التداخل إلى تضارب في المصالح، لا سيما حين يضطر المدعي العام لاتخاذ قرارات تمس زملاءه السياسيين أو تتعلق بسياسات الحكومة ذاتها.

ويعتمد النظام البريطاني إلى حدّ كبير على الأعراف الدستورية والمهنية القانونية، بدلاً من آليات رقابية مؤسسية صارمة، لضمان استقلال النيابة العامة. وتُبرز قضايا مثل رفع دعاوى ازدراء ضد شخصيات سياسية رفيعة التحديات المترتبة على هذا الترتيب، لا سيما ما يتعلق بإمكانية وجود تعارض فعلي أو مُتصوّر في المصالح، بما يُهدد مبدأ الحياد وتحقيق العدالة.

التوتر الأساسي: الاستقلال مقابل الرقابة السياسية

يعكس التوتر القائم بين استقلال النيابة العامة والمساءلة السياسية إشكالية دستورية عميقة تتصل بمبدأ فصل السلطات وبُنى الحوكمة الديمقراطية. ففي عدد كبير من الأنظمة القضائية، تعمل النيابات العامة ضمن إطار السلطة التنفيذية أو ترتبط بها ارتباطًا وثيقًا، ما يُنتج تضاربًا بنيويًا بين وظيفتها في تطبيق القانون وضرورة تحصينها من النفوذ السياسي. ويبرز هذا التوتر بشكل خاص عندما تكون النيابة العامة معنية بالتحقيق مع مسؤولين حكوميين يمارسون سلطة إدارية مباشرة على عملها، أو حتى بملاحقتهم قضائيًا.

في هذا السياق، تُعد الضمانات الدستورية لاستقلال النيابة العامة أدوات حيوية للحماية من التدخلات السياسية في سير العدالة الجنائية. فعلى سبيل المثال، ينص القانون الأساسي في هونغ كونغ على أن وزارة العدل “تتولى إدارة الملاحقات الجنائية دون أي تدخل”، مما يُكرّس استقلال النيابة العامة كمبدأ دستوري وليس مجرد إجراء تنظيمي. وقد أكدت محكمة الاستئناف في هونغ كونغ على هذا الاستقلال باعتباره “ركيزة أساسية لسيادة القانون”، مشددة على أن اتخاذ قرارات الملاحقة أو إيقافها يجب أن يبقى ضمن صلاحيات الادعاء العام حصريًا، بمعزل عن الضغوط السياسية.

تُصبح الحاجة إلى حماية استقلال النيابة العامة أكثر إلحاحًا في القضايا ذات البعد السياسي الحساس أو التي تطول مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى. ففي مثل هذه القضايا، لا بد أن يستند المدعون العامون في قراراتهم إلى معايير الجدارة القانونية والأدلة المتاحة فقط، دون اعتبار للعواقب السياسية أو الضغوط الحكومية. ويضع هذا الدور المدعين العامين في موقع فريد ضمن الهياكل السياسية، حيث يُطلب منهم خدمة الصالح العام دون أن يخضعوا لأجندات السلطة التي تُحدد هذا الصالح عادةً.

ومع ذلك، فإن آليات المساءلة السياسية تظل جزءًا أساسيًا من النظام الديمقراطي، ولا يمكن فصلها كليًا عن عمل النيابة العامة. فالمدعون العامون يتصرفون بسلطة واسعة ويُشرفون على موارد عامة كبيرة، ما يفرض الحاجة إلى وجود رقابة ديمقراطية تضمن الاستخدام الرشيد والمسؤول لهذه السلطة. ويتمثل التحدي هنا في تصميم آليات مساءلة تُحافظ على استقلال النيابة العامة، مع ضمان خضوعها للمحاسبة، بما يُعزز ثقة الجمهور في المؤسسات العدلية.

نماذج تنظيم النيابة العامة والمساءلة

تبنّت الأنظمة القضائية حول العالم نماذج متنوعة لتحقيق توازن فعّال بين استقلال النيابة العامة والمساءلة، تعكس اختلافاتها في التقاليد الدستورية، والثقافات السياسية، والسياقات التاريخية. وتنقسم هذه النماذج عمومًا إلى فئتين رئيسيتين: نماذج المساءلة الانتخابية، ونماذج المساءلة البيروقراطية، مع اتجاه متزايد نحو المزج بين النموذجين.

يرتكز نموذج المساءلة الانتخابية، على مبدأ الرقابة الديمقراطية المباشرة، سواء من خلال انتخاب النواب العامين مباشرة من قبل المواطنين أو تعيينهم من قبل مسؤولين مُنتخبين. ويهدف هذا النموذج إلى ضمان استجابة النيابة العامة لأولويات الجمهور وقيمه، مع إتاحة ضوابط خارجية على سلطتها التقديرية من خلال دورات انتخابية منتظمة. ويؤكد أنصار هذا النموذج أن المساءلة الانتخابية تُبقي النواب العامين على تواصل مباشر مع المجتمع، في حين يرى معارضوه أنها قد تؤدي إلى تغليب اعتبارات شعبوية أو سياسية على قرارات الاتهام، بما يُقوّض استقلالية النيابة.

في المقابل، تعتمد غالبية الأنظمة الأوروبية، وغيرها من الدول، على نماذج مساءلة بيروقراطية داخلية. وتتصف هذه الأنظمة بوجود أجهزة ادعاء مركزية، ذات هياكل هرمية واضحة، وتعليمات مكتوبة تُنظّم قرارات الملاحقة، بالإضافة إلى آليات مراجعة دورية داخلية. ويلتحق المدعون العامون في هذه النماذج بجهاز بيروقراطي مهني، ويُنفذون السياسات من خلال رقابة داخلية منظمة، بدلًا من المساءلة العامة عبر صناديق الاقتراع.

يمنح النموذج البيروقراطي الأولوية للخبرة القانونية والانضباط المهني وتوحيد تطبيق المعايير القانونية، ويُوفّر حماية من الضغوط السياسية المباشرة. إلا أن هذا النموذج لا يخلو من الإشكاليات، إذ قد تُستغل السلطة الهرمية من قِبل جهات سياسية نافذة للتأثير على

السياسات المؤسسية أو قرارات كبار المسؤولين. وتُحدَّد فعالية هذا النموذج إلى حد كبير بمدى استقلال كبار مسؤولي النيابة وقوة أنظمة الحوكمة الداخلية.

وتشير الاتجاهات الراهنة إلى تقارب بين النموذجين، باعتماد أدوات بيروقراطية داخلية أكثر صرامة، إلى جانب تعزيز الرقابة العامة والشفافية. ويعكس هذا التقارب وعيًا متزايدًا بأن أيًا من النموذجين، منفردًا، لا يُقدّم حلاً كافيًا للتعقيدات المؤسسية المرتبطة بحوكمة النيابة العامة في السياقات الديمقراطية المعاصرة.

الأدلة التجريبية على الاستقلال والمساءلة الحكومية

تُبرز الأبحاث التجريبية الحديثة وجود أدلة قوية على أن استقلال النيابة العامة يُسهم بشكل كبير في تعزيز مساءلة الحكومة، من خلال زيادة احتمالية ملاحقة المسؤولين الحكوميين المتورطين في سلوكيات جنائية. وتُظهر بيانات مشروع العدالة العالمي وجود ارتباط إيجابي وثيق بين استقلالية النيابة العامة ونجاحها في مقاضاة المسؤولين الفاسدين، حيث بلغ معامل الارتباط بين الاستقلال والمساءلة 0.893، مما يُشير إلى علاقة متينة بين العاملين.

ويُبيّن التحليل أن هذا الاستقلال يُؤثر على وجه التحديد في قدرة المدعين العامين على التعامل مع مختلف فئات الموظفين العموميين، ويُعزّز استعدادهم لمتابعة القضايا ضد شخصيات مرتبطة سياسيًا، قد تكون بمنأى عن الملاحقة القضائية في ظروف أخرى. وتدعم هذه النتائج الطرح النظري الذي يرى في استقلال النيابة العامة آلية حيوية لضمان خضوع الجميع للقانون، دون استثناء بسبب المنصب أو النفوذ.

مع ذلك، تكشف البيانات أن استقلال النيابة العامة لا يكون فعّالًا إلا إذا اقترن بمستوى كافٍ من المساءلة. فالمدعون العامون الذين يتمتعون باستقلال مطلق دون رقابة مناسبة قد يصبحون عرضة للفساد أو الممارسات غير المهنية، ما يُقوّض قدرتهم على محاسبة المسؤولين الحكوميين على نحو فعال. وتُبرز هذه النتيجة الحاجة الماسة إلى بناء ترتيبات مؤسسية تُوازن بين الاستقلال والرقابة، لضمان نزاهة جهاز النيابة وتعزيز ثقته أمام المجتمع.

وتحمل هذه النتائج دلالات مهمة لصانعي السياسات في مجالات إصلاح المؤسسات والعدالة الجنائية. فهي تُظهر أن تعزيز استقلال النيابة العامة يُمكن أن يُحقق مكاسب كبيرة على صعيد مساءلة الدولة وسيادة القانون، لكن هذه المكاسب تبقى رهينة بتوافر آليات مساءلة مؤسسية فعّالة تضمن النزاهة وتُعزز ثقة المواطنين.

ويتعين أن تُراعي إصلاحات النيابة العامة المستقبلية في سوريا التحديات المستجدة، مثل الاستقطاب السياسي، ونفوذ السلطة التنفيذية، والتطورات التكنولوجية، والقيود المالية، مع البناء على الخبرات الدولية الناجحة في مجالات الشفافية، والمجالس المهنية، وبرامج التدريب والتطوير المؤسسي، وتوازن السلطات، وسيادة القانون في العالم المعاصر.

تلفزيون سوريا

————————–

 جدّات بلازا دي مايو.. تجربة الأرجنتين في إعادة أبناء المعتقلين إلى عائلاتهم/ يمان زباد

2025.06.04

في فترة نظام الأسد الأب والابن؛ لم يكن أسلوب الاعتقال والاختفاء القسري مرتبطاً فقط بمعاقبة المعارضين السياسيين لذلك النظام، أو حتى كأداة ردع للشعب في حال حاول الخروج من النهج الذي صنعته “الدولة المتوحشة” في تأطير المجتمع، بل كانت فلسفة الاعتقال هي للحصول على رهائن بغض النظر عن مشاركتهم في معارضة الأسد، حيث تعتمد الدول الاستبدادية عادة على معاقبة المناهضين لها بشكل مباشر، والتضييق على عائلاتهم، في حين اعتمد الأسد على العقوبة الجماعية لكل عائلة المعارض أو الناشط، وصنع ديناميات لهذا الاعتقال بشكل مؤسسي وممنهج، من لحظة وصول التقارير عن المعارضين حتى لحظة إخفائهم مع عائلاتهم، وعامل هؤلاء المعتقلين كرهائن عنده لا يقبل إدخالهم في أي مفاوضات لإطلاق سراحهم، أو حتى الإعلان عن مصيرهم أو أين دُفن الذين سلَّم لعائلاتهم بياناً أنهم قُتلوا تحت التعذيب.

وبعد سقوط الأسد بقي ملف المعتقلين الشهداء جُرحاً مفتوحاً أمام الدولة الناشئة والمجتمع المدني الذي يحاول النهوض بنفسه، وزاد من عُمقه تراكم تقارير عن تغيير نظام الأسد لأسماء أبناء المعتقلين وتوزيعهم في دور أيتام مختلفة، بُغية التعتيم على هوياتهم وطمس أصولهم، وإبقاء ذويهم في حالة من الشتات بحثاً عن أي معلومات قد توصلهم لأبناء أقاربهم الشهداء، وهُنا تَعود الذاكرة إلى مطابقة ما فعله الأسد مع ما فعله الجنرال “خورخي فيديلا” في الأرجنتين عبر قتل المعتقلين وإخفاء وتغيير هوية أبنائهم، وعما فعله المجتمع المدني الأرجنتيني في محاولة منه لمعرفة مصير هؤلاء الأبناء.

“جدات بلازا دي مايو” في وجه قاتل أبنائهم

كان سلوك الجنرال الأرجنتيني بعد انقلابه عام 1976 هو الاعتقال الواسع للمعارضين من النقابات والأساتذة الجامعيين والناشطين، وكان الاعتقال يشمل كل عائلاتهم بمن فيهم الأطفال، وكان يحرص على إخفاء أماكن الاعتقال وحتى أماكن دفن المقتولين من المعتقلين بشكل واضح، كما اعتمد “خورخي” على نشر تفاصيل التعذيب والاعتقال وحتى آليات التخلص من المعتقلين عبر (رحلات الموت) عن طريق إلقائهم أحياءً في المحيطات أو إخفاء جثثهم بنفس الطريقة، حيث اعتمد خورخي على ملف المعتقلين كأداة أساسية لمواجهة الحراك ضده، بالإضافة لتغيير هويات أطفال المعتقلين ووضعهم على لوائح التبني وفي دور الأيتام بأسماء جديدة وأصول مزيفة، ومع ازدياد حالات اعتقال الأطفال مع ذويهم، بدأ الحراك المدني في الأرجنتين يتبلور عبر مظاهرات سريعة لأمهات المعتقلين كل خميس من كل أسبوع تتم في ساحة “مايو” في وسط العاصمة الأرجنتينية “بوينس أيرس” مرتديات أوشحة بيضاء ويحملن صور أبنائهم وأحفادهم المفقودين.

استطاعت أمهات المعتقلين تدريجياً من تنظيم أنفسهن وإنشاء أرشيف لأبنائهن وأحفادهن المعتقلين، وذلك بالتزامن مع حملات مناصرة قاموا بها عالمياً لتسليط الضوء على سلوك الجنرال الأرجنتيني اتجاه الإخفاء القسري للأطفال، واستطاعوا لاحقاً أن يُنشئوا أرشيفاً اعتمدوا عليه في حراكهم الموسع بعد تنحي “خورخي” واعتقاله، حيث بدأت الجدات خطوتهم التالية بالبحث عن أحفادهن الذين غيَّر المستبد أسماءهم، وذلك عبر:

1- ابتكار قاعدة بيانات للحمض النووي عبر تأسيس “البنك الوطني للبيانات الجينية” وذلك بدعم أميركي بهدف الحصول على عينات من عائلات المفقودين.

2- أطلقوا حملة موجهة للأهالي الذي تبنوا أطفالاً في فترة حكم “خورخي” من أجل أخذ عينات من الأطفال ومطابقتها مع بيانات البنك الوطني.

3- قاموا بتنظم بيانات كل دور الأيتام في البلاد ومتابعة تسجيلاتهم ضمن فترة حكم “خورخي” وأخذ عينات جينية من الأطفال فيه ومطابقتها مع بيانات البنك الوطني.

4- إطلاق حملات تشجيع مستمر ((حتى الآن)) للأشخاص الذي يشكون بأصولهم وذلك لدفعهم من أجل تقديم عينة جينية خاصة بهم للبنك الوطني، تحت عنوان : ((إذا كنت تشك في هويتك، نحن نساعدك))

5- دفع الدولة الأرجنتينية لإصدار قانوني بتجريم التبني خارج إطار الدولة مع عقوبات مشددة.

أفضى حراك “الجدات” إلى العثور على أكثر من 120 طفلا من أبناء المعتقلين الذين قتلهم “خورخي”، وتوارث المجتمع المدني في الأرجنتين مشروع “الجدات” واستمر البنك الوطني للبيانات الجينية حتى الآن، وما زال الأفراد في الأرجنتين يقدمون حمضهم النووي للتأكد من عائلاتهم، وكان أخر المكتشفين لعائلاتهم هو “الحفيد 139” الذي عثر على عائلاته بعد 40 عاما في كانون الثاني 2025.

نحو معرفة مصير أبناء المعتقلين الذي قتلهم الأسد

فتح سقوط الأسد الباب على الآليات التي اتبعها بالتعامل مع أبناء المعتقلين، حيث كان هناك توثيق حقوقي تراكمي عن آليات الاعتقال وأساليب التعذيب وأيضاً طُرق التخلص من جثث المعتقلين من قبل المجتمع المدني السوري، ولكن كان ملف أبناء المعتقلين ضبابياً قبل هروب الأسد، ولكن تصدر الأحداث بعد انتشار إثباتات تؤكد تغيير الأسد لأصولهم واللعب بأسمائهم، مما يوجب على الدولة والمجتمع المدني الناشئ اتخاذ خطوات سريعة لمعرفة مصير هؤلاء الأطفال، فعلى صعيد الحكومة والمجتمع المدني يتوجب:

1- إصدار أوامر بمنع مغادرة العاملين والإداريين في دور الأيتام بين عامي 2011-2025 القطر.

2- تأسيس مكتب حقوقي ضمن اللجنة الوطنية للمفقودين للتحقيق مع هؤلاء العاملين والإداريين، ومتابعة أرشيف كل دور الأيتام في سورية.

3- إنشاء البنك الوطني للجينات، وذلك بدعم من المجتمع المدني المحلي والدولي.

4- تشجيع الشباب الذين خرجوا من دور الأيتام على تقديم بياناتهم الجينية لمطابقتها مع بيانات البنك المُنشأ.

5- أن تُعيد روابط المعتقلين تنظيم نفسها، بعد أن تحول عملها من حقوقي يُطالب الأسد بالكشف عن مصير أبنائهم، لعمل حقوقي وحراك محلي وطني لحث الدولة على إصدار قوانين لترميز الضحايا وتسريع ملف العدالة الانتقالية.

وبسبب تسارع الأحداث في سوريا سياسياً وأمنياً نحو الاستقرار، يتوجب أن تكون مثل هذه الخطوات سريعة، في ظل بقاء ملف المعتقلين مجهولاً، حتى على صعيد أماكن دفن جثثهم أو أين اختفى آلاف الأطفال الذي اعتقلهم الأسد مع عائلاتهم.

خِتاماً؛ لا تهدف خطوات العدالة الانتقالية، أو معرفة مصير المعتقلين والوصول إلى إطفالهم التي تغيرت هوياتهم فقط لإعادة هؤلاء الأطفال إلى عائلاتهم المتبقية، بل أيضاً من أجل ترميز الضحايا، وذلك عبر قوانين لاحقة مبنية الإعلان الدستوري الذي نص على تجريم إنكار جرائم الأسد.

تلفزيون سوريا

——————————

فرنسا تبدي دعمها لـ”هيئة العدالة الانتقالية” في سوريا

التقى رئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، عبد الباسط عبد اللطيف، القائم بأعمال السفارة الفرنسية في سوريا، جان باتيست فافر، لبحث سبل دعم فرنسا للهيئة.

وقالت الهيئة في بيان اليوم، الأربعاء 4 من حزيران، إن اللقاء استعرض الاحتياجات التي يتطلبها مسار العدالة الانتقالية بسوريا وسبل دعمها وبحث آليات التعاون الممكنة لتعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق المساءلة والمصالحة.

وبحسب الهيئة، “يعكس هذا اللقاء ترحيب الهيئة بدعم مبادرات العدالة الانتقالية والعمل نحو تحقيق استقرار دائم في سوريا”.

بدوره، قال القائم بأعمال السفارة الفرنسية في سوريا، جان باتيست فافر، على حسابه بمنصة “إكس”، إنه التقى رئيس الهيئة عبد الباسط عبد اللطيف، ومستشارة وزير الخارجية السوري للعدالة الانتقالية زهرة برازي.

ووفقًا لفافر، فقد درات نقاشات حول إنشاء الهيئة وأهدافها، وتحديات العدالة الانتقالية في سوريا.

وأشار إلى أن العدالة الانتقالية هي عنصر أساسي للانتقال السياسي السلمي وإعادة بناء النسيج الاجتماعي، بما يلبي تطلعات المجتمع السوري.

وتقف فرنسا، بحسب فافر،  إلى جانب سوريا في مكافحة الإفلات من العقاب من خلال التعاون مع هيئة العدالة الانتقالية، وفيما يتصل بالآليات القانونية الدولية.

خارطة طريق

في كلمة مصورة نشرها حساب “هيئة العدالة الانتقالية” الرسمي على “فيسبوك”، في 23 من أيار الماضي، قال رئيس الهيئة عبد الباسط عبد اللطيف، إن “الهيئة ستعتمد خارطة طريق عملية واضحة المراحل، مبنية على أسس واقعية تراعي السياق السوري وخصوصيته، إلى جانب خطة وطنية للتوعية بمفهوم العدالة الانتقالية، ومنصة إلكترونية لتلقي الشكاوى، وآليات للتواصل مع المجتمع، كما ستصدر تقارير دورية ذات مصداقية توثّق ما تم إنجازه”.

ستعمل الهيئة خلال المهلة المحددة بـ30 يومًا على “تشكيل فريق عمل يتضمن ممثلين عن الضحايا، وخبراء قانونيين وحقوقيين، واختصاصيين في الأدلة الجنائية والبحث الجنائي، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، كما ستستعين بمجلس استشاري يمثل الضحايا، يرافق عمل الهيئة في جميع مراحله، ووضع نظامها الداخلي”.

وأعلن عبد اللطيف التزام الهيئة بالعمل لتنفيذ مهامها، تحقيقًا لتطلعات الشعب السوري بجميع مكوناته، وذلك عبر ما يلي:

    كشف الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد.

    مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات بالتنسيق مع الجهات المعنية.

    جبر الضرر الذي لحق بالضحايا.

    ترسيخ مبادئ عدم التكرار، وتعزيز المصالحة الوطنية.

وتحمل “هيئة العدالة الانتقالية” اليوم “أمانة كبيرة”، بحسب عبد اللطيف، تتمثل بـ”مساءلة ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وإنصاف الضحايا وذويهم، ومعالجة آثار الانتهاكات الممنهجة بطرق تُسهم في ترسيخ العدالة، ومنع تكرار ما حدث، وتأسيس مصالحة وطنية متينة، قائمة على سيادة القانون، وتعزيز ثقة السوريين بمنظومة العدالة، وصولًا إلى سلام دائم ونهضة وطنية شاملة”.

وأكد رئيس هيئة العدالة الانتقالية أن العدالة في سوريا “لن تكون انتقامية”، بل قائمة على كشف الحقيقة، والمساءلة، والمحاسبة، ومنع الإفلات من العقاب، وترسيخ سيادة القانون.

——————————–

هذا ما يقوله “مسار كمبوديا للعدالة” للسوريين/ رستم محمود

حين تحاكم الدولة ماضيها: دروس كمبوديا لسوريا القادمة

2025-05-31

في خريف العام 2022، وبعد 45 عاماً من ارتكابهم لواحدة من أفظع المجازر على مرّ التاريخ بحق الشعب الكمبودي، وحينما كانت المحكمة الكمبودية/الدولية المشتركة تُصدر حكمها على “خيو سامفان”، ثالث وآخر قيادي من جماعة “الخمير الحُمر” الكمبودية “، كان الأخير كان يُطلق شعارات وطنية مُدوية “مهما كان قراركم، سأموت وأنا أتذكر معاناة شعبي الكمبودي دائماً، سأموت وأنا أرى نفسي وحيداً أمامكم، سأُحاسب رمزياً لا على أعمالي الشخصية، بل على دوري الوطني”. بعدها قدم استئنافاً مطولاً للمحكمة، مؤلفاً من 1800 معطى، تقوم كل واحدة منها على التشكيك بأصل المحكمة، وتعتبرها مناهضة للوطنية الكمبودية.

من أصل مئات الآلاف من المرتكبين المعروفين تماماً، عبر عمليات قتل منظم نفذته جماعة “الخمير الحمر” بحق قرابة مليوني مواطن كمبودي، وفقط خلال أربعة أعوام فحسب (1975-1977) من حكمهم الديكتاتوري، ورغم سقوط نظامهم سريعاً، وبقاء ملايين الجثث والمستندات كبينات دامغة على المقترفين، ورغم المساندة الدولية شبه المفتوحة للنظام القضائي الكمبودي، لم يتمكن هذا الأخير خلال ربع قرن كامل (1998-2022) إلا من إدانة ثلاثة قياديين من النُخبة الحاكمة فحسب!، ما اعتبره الحقوقيون على مستوى العالم درساً في إغلاق صفحة الماضي الدامي والأليم، مع إدانته.

حدث ذلك لثلاث أسباب مركبة ومتداخلة فيما بينها، تتوخى بمجموعها مستقبل كمبوديا لا ماضيها. وهو ما حولها إلى نموذج عالمي رائد، ومرجعاً لكل الدول التي شهدت أنظمة فظيعة مثل الذي كان في كمبوديا.

فرئيس الوزراء “هون سين” الذي قاد مرحلة تحديث البلاد منذ العام 1998، وكان ضابطاً في زمن حُكم “الخمير الحُمر”، وأنشق فيما بعد، حذر من الملاحقات التي قد تطال الأشخاص من غير أعضاء النُخب العليا الحاكمة، لأن ذلك “سيفتح جروحاً لن تندمل” في المجتمع الكمبودي، وهدف المحاكمة رمزي أولاً، ورسالة لكل الحكام المستقبليين، وفقط كذلك. كان “هون سين” قائد حركة التحرر الكمبودية ضد النظام القمعي، ورائد مرحلة التحول نحو الديمقراطية في أواسط التسعينات، بعد “اتفاقية باريس بشأن كمبوديا”، لكنه أولاً كان الشخص الذي قال يومياً “فقدت في حرب عيني، لا أريد لأحدٍ أن يفقد رمشه”.

كذلك لأن المحاكمة أرادت أن تكون بمثابة مؤسسة حديثة تماماً، على العكس تماماً من النظام الهمجي الذي تقصدت محاكمته. فالمباحثات والقوانين والاتفاقيات التي خاضتها الحكومة الكمبودية مع الأمم المتحدة طالت خمس سنوات كاملة، والمضامين الداخلية للمحكمة كانت حريصة على تأمين أعلى درجات الحيادية بين المدعين والمدافعين عن المتهمين، فيما حرصت القوانين الناظمة لها لأن تكون الإدانة، فيما لو حدثت، شديدة الرصانة. فعلى العكس تماماً مما فعله المجرمون من جماعة “الخمير الحُمر”، أرادت المحاكمة القول إن “حياة الإنسان ثمينة للغاية”، فإدانة ثلاث مرتكبين فحسب من أصل مئات الآلاف من المرتكبين، كلفت الخزينة العامة 300 مليون دولار.

أخيراً، فأن المحكمة كانت بمثابة إجراء واحتفاء بـ”نهاية عصر”. فرغم انهيار نظام “الخمير الحُمر” عام 1979، إلا أن إجراءات المحاكمة لم تبدأ إلا عام 1998، أي بعد نهاية الحرب الباردة تماماً، ومعها كل التمردات وأشكال الصراخ الإيديولوجي والمظلومية الوطنية التي بقيت الجماعة اليسارية تزعق بها طوال عقود، وصار المجتمع الكمبودي بكل مستوياته واعياً لفداحة الانقسام بشأنها. صار ذلك حقيقية حتى بالنسبة لأكثر مؤيدي الجماعة المتطرفة، بسبب عقدي الانفتاح السياسية والسلام الاجتماعي الذي كان (1979-1998). فعبارات مثل التي نطق بها المجرم المدان “خيو سامفان” حول الوطنية والوطن، وحيث أدانته المحكمة بقتل 22 ألف شخص في مخيم واحد بدم بارد، لم يعد لها أي معنى في السردية الكلية للشعب الكمبودي.

يقول كل ذلك أشياء كثيرة للسوريين.

يقول مثلاً إن العدالة الانتقالية ومحاكمة عصر الجناة الأسديين والبعثيين لا تتم بإجراءات شديدة العبث والسلطة، مثل التي تجري. وإن تحقيق العدالة ليس تحقيقاً جنائياً ضد الجناة أولاً، بل ممارسة رمزية وروحية لصالح الأجيال الأحدث. وإن مثل هذه المشاريع الكبرى يجب أن تنفذها الدولة، بكل عتادها المؤسساتي وثقلها العقلي ووعيها بمصالح شعبها، لا مجرد تيار سياسي يسعى لتجيير المحاكمات لصالحها. وإن هذه القضية ذات بُعد إنساني، قائمة على الشراكة والتكامل مع المجتمع الدولي والمؤسسات العالمية. وإن الجناة سيبقون يمرغون ألسنتهم في العبارات الوطنية والخطابات الشعبوية، وإن مهمة المحاكمة أن تُثبت عدم جدارة وقيمة ومعنى تلك الأقاويل. والأهم، إن هذا المسار لا بُد أن تسبقه مسيرة وعي كبرى من قِبل النُخب السياسية والثقافية والمجتمعية، ليقولوا لمجموع الجُناة، أياً كانوا وعلى أية دفة من الصراع كانوا من قبل، يقولوا إن عصركم أنتهى تماماً، بدلالة كل تفصيل من هذه المحاكمة.

 كم هي بعيدة عن كل ذلك، تلك البلاد التي تُسمى سوريا، بلادنا.

+963

———————————-

رغيد الططري الذي أمضى أطول مدة في السجون السورية يريد العدالة لا الانتقام

05 حزيران 2025

دمشق: اعتُقل رغيد الططري، السجين السياسي الذي أمضى أطول مدة في الاعتقال في سوريا، حين كان يبلغ من العمر 26 عاماً، وبقي خلف القضبان 43 عاماً، إلى حين سقوط حكم عائلة الأسد، وهو أمر لم يكن ليخطر في باله حتى في المنام.

يوم أطاح تحالف فصائل معارضة ببشار الأسد، الذي فرّ إلى موسكو في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، خرج الططري، الذي كان طياراً سابقاً في سلاح الجو ومحكوماً بالمؤبد، من السجن، على غرار نحو 60 ألف معتقل كشفوا فظاعات ممارسات السلطات مع المعتقلين. بينما لا يزال عشرات آلاف غيرهم في عداد المفقودين.

ويقول الططري، الذي يبلغ من العمر اليوم 70 عاماً، وقد غزا الشيب شعره وشاربيه: “لقد رأيت الموت” تحت التعذيب.

لكن الرجل يؤكد أن ما يريده من سجّانيه ليس الانتقام، بل العدالة. ويضيف: “كلّ شخص يجب أن يُحاسب على جرائمه (…). لا نريد أن يُسجن أحد إلا إذا ثبتت عليه جرائم موثوقة”.

ويكمل: “لسنا ضد المحاسبة، نحن ضد الظلم… لا نريد أن يُسجن أحد ظلماً”.

في شقته الصغيرة في دمشق، يُقلّب الططري صوراً له عندما كان شاباً بزيّ الطيّار، قبل اعتقاله في العام 1981.

بعد توقيفه، أُدين في محكمة ميدانية بتهمة “التخابر مع دول أجنبية” وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وهي تهم يؤكد الططري أنها مختلقة.

وخلال سنوات اعتقاله، نُقل من سجن إلى آخر في عهد حافظ الأسد، ثم ابنه بشار، الذي خلفه في العام 2000.

كان الططري بين الضباط المناهضين لدخول الجيش السوري إلى لبنان في العام 1976، بهدف وقف تقدم الفصائل الفلسطينية واليسارية اللبنانية، ويعتبر أن “الجيش السوري تدخّل في شؤون بلد آخر (…)، وقمع الشعب اللبناني، وهو ما رفضناه”.

وناهض كذلك القمع الدموي لـ “الإخوان المسلمين” الذين قادوا انتفاضة مسلحة في مدينة حماة مطلع الثمانينات. ويقول: “كُثر منّا كانوا رافضين إشراك الجيش في عمليات سياسية داخل البلد كما خارجه”.

بعد انشقاق اثنين من زملائه الطيارين وهروبهما إلى الأردن في العام 1980، بدأت الاعتقالات في أوساط الجيش، فهرب هو أيضاً إلى مصر ثم الأردن، لكنه عاد بعدما بدأت قوات الأمن بمضايقة عائلته، ليُعتقل.

 نتمنى الموت

وفقاً لتقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان، عاش أكثر من مليوني سوري تجربة السجن تحت حكم عائلة الأسد، نصفهم بعد انطلاق الاحتجاجات السلمية في العام 2011، التي قمعتها السلطات بعنف وشكّلت شرارة اندلاع النزاع في البلاد.

ولقي أكثر من 200 ألف شخص حتفهم في السجون، بينهم من أُعدم، بينما قضى آخرون تحت التعذيب، بحسب المرصد.

ويقول الشريك المؤسس لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، دياب سرية، لوكالة فرانس برس: “رغيد الططري هو السجين السياسي الأقدم في سوريا والشرق الأوسط”.

ومرّ الططري بسجن صيدنايا، الذي شكّل رمزاً لأسوأ انتهاكات حكم حزب البعث، واصطلحت منظمات حقوقية على تسميته بـ”المسلخ البشري”.

لكن بالنسبة لأقدم سجين في سوريا، فإن أسوأ تجربة له كانت في سجن تدمر، الواقع في وسط الصحراء، حيث بقي 15 عاماً.

يروي الططري: “تدمر لم يكن سجناً، كان معتقلاً (…) خارجاً عن أي انضباط وأي قوانين وأي إنسانية (…). كان يمكن لشرطي إذا استاء من سجين أن يقتله”.

ويضيف: “كل ما قيل عن التعذيب في تدمر… لا مبالغة فيه، بل هو قليل”.

ويتابع: “لم نكن نخاف من التعذيب، كنا نتمنى الموت، لا مشكلة. المشكلة كانت أن ينهار الشخص ويقول كلاماً يناقض المبادئ التي يؤمن بها”، مضيفاً أنه كان يرفض ترداد عبارة “حافظ الأسد ربّك” التي كانوا يطلبون منه قولها.

في سجن تدمر، قُتل مئات السجناء، معظمهم من الإسلاميين، رمياً بالرصاص، وذلك عقب محاولة اغتيال فاشلة لحافظ الأسد في عام 1980.

ويروي الططري أنه في تدمر “يفقد المرء المشاعر، لا تعود هناك قدرة على التفاعل”. هناك، كان مقطوعاً عن العالم تماماً، وعلم بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1993 من سجين آخر أُدخل مستشفى السجن.

بعد العام 2011، تغيّرت حياة الططري حين تمكّن من الانتقال إلى سجن السويداء مقابل مبلغ مالي. هناك، تمكّن من حيازة هاتف جوّال خبّأه في حفرة داخل زنزانته.

ويقول: “الهاتف الجوّال يخرجك من السجن”. لكن حين اكتشفت السلطات هاتفه، عاقبته بنقله إلى سجن طرطوس على الساحل السوري، الذي خرج منه قبل ستة أشهر.

 أحلام اليقظة

عند اعتقاله، كانت زوجة رغيد الططري حاملاً. واعتُبر الططري في عداد المفقودين لسنوات طويلة. عندما كان في تدمر،

اعتقدت عائلته أنه مات، إلى أن حصلت على دليل أنه حيّ في العام 1997، بعد دفع رشى. حينها، التقى الططري بابنه، الذي كان يبلغ من العمر 16 عاماً، للمرة الأولى.

ويقول: “كنت خائفاً من هذا اللقاء”، مضيفاً أن الزيارة كانت مراقبة “ومن خلف الحديد (…) أنهيت اللقاء بعد 15 دقيقة”.

بعد 43 عاماً في السجن، فقد الططري عدداً كبيراً من أفراد عائلته. إذ فارقت زوجته الحياة، وانتقل ابنه للعيش في الخارج، بعدما تلقّى تهديدات مع بداية الاحتجاجات الشعبية في العام 2011.

في سجنه، كان الططري يرسم ليهرب من الواقع. ويقول: “كنت أخرج من السجن بتفكيري”، وعبر “أحلام اليقظة”، مضيفاً: “أن ينقلب النظام بين ليلة وضحاها كان أمراً أكبر من أحلام اليقظة التي راودتني (…). لم يكن يتوقع أحد أن يحصل الأمر بهذه السرعة”.

القدس العربي

————————————

 “المطلوبون أصبحوا السلطة في سوريا”وقوانين الأسد ما تزال تحكم السوريين/ وفاء عبيدو

2025.06.05

رغم التحوّل السياسي الجذري الذي شهدته سوريا عقب سقوط نظام الأسد وتسلم السلطة من قبل المعارضة التي كانت على قوائم المطلوبين للنظام المخلوع، إلا أن القوانين والأحكام التي شرّعها النظام البائد لا تزل نافذة في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجهاز القضائي الذي لم يطرأ عليه بعد أي تغيير بنيوي أو إصلاح جوهري.

إذ يطرح هذا الواقع تساؤلات قانونية وأخلاقية منها، هل تبقى القوانين التي وُضعت في ظل نظام فاسد افتقر إلى الشرعية والنزاهة، ملزمة بالتطبيق؟ وهل يمكن أن تُطبَّق هذه القوانين نفسها على ضحايا ذلك النظام، بعد زواله؟

فعلى مدار عقود شُرّعت القوانين في سوريا لخدمة السلطة لا المجتمع، وتم تفريغها من مضامينها الحقوقية لتحويلها إلى أدوات قانونية للقمع والإقصاء وتصفية الخصوم السياسيين، وفي ظل هذا القضاء التابع للأجهزة الأمنية، جرى تجريم آلاف المواطنين استناداً إلى تهم فضفاضة واتهامات غير مثبتة.

ورغم سقوط النظام، لا تزل آلاف القضايا المعلّقة مفتوحة وتُستخدم القوانين ذاتها لملاحقة الأفراد، خاصة المنشقين والمغتربين عن بلدٍ عاش لعقود تحت قبضة قانونية خاضعة للاستبداد، واستمرار تطبيق هذه القوانين من دون مراجعة يجعل من القضاء وسيلة لاستمرار الظلم عوضًا عن أن يكون أداة لتحقيق العدالة.

ثم إن غياب الإصلاح القانوني بعد التحوّل السياسي يعكس هشاشة المرحلة الانتقالية، ويثير قلقاً حقيقياً حول استقلالية القضاء وقدرته على بناء دولة قانون قائمة على مبادئ العدالة والمساواة، فالإبقاء على قوانين النظام السابق من دون مراجعة جذرية لا يهدد فقط ثقة الناس بالمؤسسات، بل يقوّض أيضاً فرص تحقيق العدالة المنشودة، ويفتح الباب أمام إعادة إنتاج القمع تحت غطاء قانوني جديد.

حين تبقى أدوات القمع نافذة  في سوريا

لم يكن في نية علي الأحمد الذي غادر سوريا قبل أكثر من عشرة أعوام أن يعود إليها،  وكان قد انشق عن قوات النظام في عام 2012، ثم اتجه إلى تركيا حيث أعاد بناء حياته هناك وحصل لاحقًا على الجنسية التركية، وبعد سقوط النظام ومع انفتاح أفق التغيير في بلاده عاد في زيارة لم تتجاوز ستة أيام، وفق ما أوضحه لموقع تلفزيون سوريا.

لم يتوقع علي أن يُستقبل كمتهم لا كمواطن كان له موقف رافض للظلم من نظام مستبد، إذ أبلغه أحد الضباط منذ لحظة وصوله إلى مطار دمشق، بأنه مطلوب لأكثر من 15 جهة أمنية بعضها جنائي، حاول علي تسوية وضعه القانوني، لكنه سرعان ما اصطدم بجهاز قضائي لم يتغير، وإجراءات لا تعترف بزمان أو مكان، حَسَبَ وصفه.

أوكل علي محامية لمتابعة قضيته كون مدة إجازته قصيرة، مبينًا أن شخصاً يُدعى (م.الأحمد)، انتحل هويته خلال فترة غيابه، واستخدم بطاقته مزورة باسمه لتنفيذ عمليات نصب وبيع ممتلكات منها ممتلكات لعائلته، مبينًا أنه تعرض للتهديد من قبل محمود عدة مرات.

اقرأ أيضاً

وزير العدل يبحث مع نائبة المبعوث الأممي إلى سوريا سبل التعاون في تطوير المنظومة القضائية – سانا

وزير العدل ونائبة المبعوث الأممي يبحثان دعم القضاء وإصلاح التشريعات

وبالرغم من توفر الوثائق التي تثبت وجوده خارج البلاد طوال تلك الفترة، إلا أن المحكمة رفضت الاعتراف بها، وطَلبت حضوره الشخصي للتحقيق، مشككًة باحتمالية دخوله إلى سوريا مسبقًا بطرق أخرى، تَبَعاً لما ذكره علي.

وقال “خرجت من البلاد منشقاً، وعدت زائراً، فوجدت نفسي مجرماً، القوانين ذاتها والعقلية ذاتها حتى بعد سقوط النظام، ما زال عليك أن تثبت أنك بريء من تهم لم ترتكبها”.

غادر علي البلاد مجددًا بعد حصوله على إذن سفر لمرة واحدة فقط، لكنه يعلم أن عودته مجددًا قد تكون محفوفة بالمخاطر ما لم تُطوَ قضيته بشكل نهائي، موضحًا أن ما يؤلمه على حد قوله “ليس الاتهام بل أن يظل القانون في البلد أداة تهديد لا أداة عدالة، حتى بعد التغيير”.

وناشد الأحمد الجهات المعنية بالنظر في قضيته والقضايا المتشابهة، قائلًا “لا تكونوا مثلهم لا تكرروا ظلمهم لنا، فجرح المواطنين كبير ويحتاج لعلاج في أن يشفى الوطن من فساد أدوات النظام التي ما زالت في السلطة”.

“المطلوبون أصبحوا السلطة في سوريا”

يتشابه رواد في ذات القضية ولكن بتفاصيل مختلفة فعلى الرغم من مرور أكثر من عقد على انشقاقه عن وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا”، لا يزال الصحفي رواد عجمية يواجه تداعيات قراره المهني والأخلاقي الذي اتخذه في بداية الثورة السورية، كونه غادر الوكالة من دون تقديم استقالة رسمية، في ظل بيئة سياسية وأمنية كانت تحظر مثل هذه الخطوة، مما جعل اسمه مسجلاً كموظف “منشق” داخل سجلاتها.

فوجئ عجمية بطلب السلطات منه استصدار “براءة ذمة” من جهة عمله السابقة وتسوية وضعه القانوني، خلال زيارته القصيرة إلى سوريا وهو قادم من النرويج حيث يقيم منذ سنوات، وقال لموقع تلفزيون سوريا “طلبوا مني في المعبر براءة ذمة كأنني متهم، بالرغْم أن معظمهم كانوا مطلوبين سابقاً للنظام المخلوع واليوم أصبحوا هم السلطة!، القوانين يجب أن تُعاد صياغتها لتصبّ في مصلحة من ساهموا في إسقاط النظام لا لمعاقبتهم”.

ملفات عالقة بين التغيير السياسي والإداري

مع التغيير السياسي في سوريا، أُثيرت تساؤلات حول مصير المنشقين عن مؤسسات الدولة، خصوصًا من رفضوا الانخراط في أدوات القمع الإعلامي والإداري، ورغم التحول الحاصل لا تزال ملفات قانونية وإدارية سابقة قائمة من دون مراجعة، في ظل غياب آليات واضحة لمعالجة هذه الحالات.

وتابع رواد أن مصدرا مطلعا في وكالة “سانا” أكد له أن العفو الذي أصدره النظام السابق لم يشمله، ما يجعل مراجعة الوكالة للحصول على براءة ذمة، خطوة ضرورية ثم التوجه إلى مديرية شؤون العاملين لإتمام إجراءات رفع منع السفر المفروض عليه.

ويرى أن المسألة ليست مجرد إجراء روتيني، بل تحمل أبعاداً أخلاقية ومبدئية، قائلًا “من غير المقبول أخلاقياً أن أدخل إلى مقر وكالة غادرته لإنه جزءٌ من نظام مجرم، فأعود له اليوم كمتهم عوضًا عن تكريم، كم هو معيب هذا الأمر”، وأضاف ” ذكرياتي هناك سيئة وأكره حتى الاقتراب من المكان”.

كما يطالب السلطات الجديدة بإعادة النظر في أوضاع الصحفيين المنشقين، بمنحهم معالجة قانونية عادلة واعترافاً معنوياً بدورهم في فضح آلة القمع الإعلامي للنظام، متابعًا “لا نطالب بامتيازات، بل بالإنصاف والاعتراف حتى ولو عبر رموز بسيطة كإصدار قوائم بأسمائنا أو بيانات رسمية تقدّر دورنا”.

ويختم رواد حديثه بلفت النظر إلى أن ملف الصحفيين الذين وقفوا إلى جانب الثورة خلال سنوات النزاع يحتاج إلى مراجعة عاجلة، باعتباره جزءاً أساسياً من مسار العدالة الانتقالية وتأكيد الحقوق الإنسانية والمهنية.

ومن الجدير بالذكر أن وزير الداخلية السوري أفاد بأن (ثمانية ملايين ومئتين وعشرين ألف) مواطن كان مطلوباً أو ممنوعاً من السفر على زمن النظام البائد وأن الوزارة تعمل حالياً على حل المشكلة، حيث حُذف خمسة ملايين ومئتا ألف اسم كان مطلوباً لأسباب تتعلق بخدمة العلم، والباقي نحو ثلاثة ملايين يجري العمل على حلّ مشكلتهم من بينهم مليون ومائة وثلاثون ألف موظف.

وأشار إلى أن النظام البائد قام بإجراءات كيدية بتعميم أسماء معارضيه وإرسالها إلى شرطة الإنتربول الدولي، وقد سلّم لبنان لائحة باسم مليوني مواطن سوري مطلوبين له.

ملاحقات معلّقة تُقيّد الواقع الجديد

رغم انتهاء حكم النظام السابق، إلا أن تبعاته ما تزال تثقل حياة كثيرين، فملفات الملاحقة والاتهامات غير المثبتة لا تزل قائمة اتجاه العديد من ضحايا الاعتقال والملاحقات، إذ يعيشون في فراغ قانوني خاصة مع استمرار التهم والإجراءات، لتُبقي أصحابها في دائرة الشك والحرمان حتى بعد تغيّر السلطة.

تروي رهام تفاصيل اعتقالها الذي جرى قبل سنوات، وتصفه بأنه بداية لمسار طويل من التهميش والملاحقة، وقالت “تم توقيفي من قبل مجموعة تابعة لحزب الله، من دون مذكرة أو توضيح وبقيت محتجزة لديهم عدة أشهر ثم نُقلت إلى أحد الأفرع الأمنية التابعة للنظام لم يكن واضحاً لي ما المطلوب تحديداً، لكن الأسئلة كانت تدور حول إخوتي وأقاربي المطلوبين للأمن، أكثر من كونها تحقيقاً معي شخصياً”.

مع نهاية فترة التحقيق، وُجهت إليها تهم عدة منها “الإرهاب وحيازة مواد مخدرة”، وهو ما تنفيه تماماً، وأضافت “لم يكن لدي أي شيء من هذا القبيل وهذه التهم وعندما قلت للمحقق هذا الكلام، كانت الإجابة: أثبتي العكس”، واصفًة ما حدث أنه لم يكن محاولة لتطبيق القانون بل وسيلة ضغط أو تصفية حسابات.

كما أوضحت لموقع تلفزيون سوريا أن الإفراج عنها لم يتم عبر القضاء، بل تم بوساطة أحد المتنفذين مقابل مبلغ مالي كبير وبعد مغادرتها البلاد بطريقة غير شرعية، اكتشفت رهام أن منزلها قد تم بيعه بورقة مزورة، من دون أن تكون جزءاً من أي إجراء قانوني أو حتى على علم به ولم تستطع فعل شيء.

وحين عادت بعد سقوط النظام، كانت تتوقع أن تعود كمواطنة عادية، فإذا بها تُفاجأ بأن اسمها لا يزال على قوائم المطلوبين، بالتهمة نفسها التي نُسبت إليها منذ سنوات.

وقالت “مافي شي تغير صح بشار سقط، لكن نظامه وإجراءاته وقضاته قائمة، القوانين التي استُخدمت لتبرير الظلم ما زالت تُستخدم، ما معنى السقوط إن بقيت نفس الملفات مفتوحة ونفس التهم معلقة”.

بين الإرث الاستثنائي والإصلاح المؤسسي

مع بدء المرحلة الانتقالية في سوريا بعد سقوط النظام، برزت تساؤلات عدّة حول الإطار القانوني الذي يحكم البلاد، وكيفية التعامل مع تركة ثقيلة من القوانين الاستثنائية والأحكام القضائية الجائرة التي طالما استخدمت كأداة قمع ضد المعارضين.

في هذا السياق، أوضح المحامي عارف الشعال لموقع تلفزيون سوريا، أن اعتماد الإعلان الدستوري على مبدأ استمرار العمل بالقوانين النافذة قبل سقوط النظام، باستثناء القوانين الاستثنائية، يُعد خطوة طبيعية ومتوافقة مع فقه القانون الدستوري، إذ إن الثورات غالباً ما تُسقط الدساتير والقوانين المرتبطة بها، خاصة تلك التي تتعارض مع مبادئها.

لضمان استقلالهم.. وزارة العدل تصدر تعميما لحماية القضاة والمحامين وتعزيز حصانتهم

وأشار إلى أن النظام القانوني السوري يضمن، نظرياً الحقوق والحريات، لا سيما في ضوء القوانين الصادرة في الخمسينيات كقانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، إلا أن العقبات الحقيقية التي تواجه المنشقين والمعارضين تتمثل في الأحكام الصادرة عن المحاكم الاستثنائية والإجراءات الإدارية التي اتخذها النظام السابق، مثل مصادرة الأموال والحجز الاحتياطي ومنع السفر.

كما أوضح الشعال أن الإدارة الجديدة اتخذت خطوات لتخفيف القيود الأمنية، حيث تم تعليق تنفيذ النشرات الشرطية في المنافذ الحدودية، ورفع حظر السفر عن أكثر من خمسة ملايين مواطن كانت قد فُرضت عليهم قيود مرتبطة بمخالفات خدمة العلم.

مشيرًا إلى صدور المرسوم الجمهوري رقم 16 لعام 2025، الذي ألغى قرارات الحجز الاحتياطي على أموال المنشقين والمعارضين للنظام السابق، في خطوة أنهت عملياً مفاعيل المرسوم التشريعي رقم 63 لعام 2012، الذي كان يتيح للأجهزة الأمنية الطلب من وزارة المالية الحجز على أموال أي شخص من دون مسوغ قضائي.

وأضاف الشعال أن معالجة الأموال المصادرة بموجب أحكام المحاكم الاستثنائية (الإرهاب والميدانية) لا تزل مسألة معقدة، وتتطلب قانوناً خاصاً لإلغائها، وهو أمر مرتبط بتشكيل مجلس تشريعي يصدره وهو ما نفتقده حتى الآن.

وفيما يخص وضع القضاء، يرى الشعال أن القضاة يمارسون حالياً عملهم باستقلالية على المستوى الفردي، من دون تدخل مباشر من وزير العدل أو الأجهزة الأمنية، خلافاً لما كان سائداً سابقاً إلا أن الاستقلال المؤسسي لا يزال منقوصاً بسبب استمرار تبعية مجلس القضاء الأعلى للسلطة التنفيذية.

ويرى أن تحقيق عدالة انتقالية حقيقية وإعادة بناء منظومة قضائية قائمة على الشفافية والمحاسبة والحقوق، يبقى مرهوناً بتشكيل مجلس تشريعي يمتلك صلاحية إصدار القوانين اللازمة. وأشار إلى أن غياب سياسة أو خِطَّة معلنة لإصلاح القضاء لدى وزارة العدل أو مجلس القضاء الأعلى يمثل إشكالية حقيقية يجب تلافيها من قبلهم بأسرع وقت ممكن، بحسب تعبيره.

كما لفت الشعال إلى وجود تغييرات بنيوية في القضاء، بعضها مخالف للقوانين النافذة، كاستحداث منصب “رئيس العدلية” وتعيين قضاة لا يحملون شهادات في الحقوق في مواقع قضائية حساسة.

واختتم قائلًا “أن المنظومة القانونية الحالية قادرة إلى حد مقبول على التعامل مع المرحلة، لكنها تحتاج إلى إصلاحات محددة، وأن تحقيق عدالة انتقالية حقيقية ما زال مرتبطاً بوجود سلطة تشريعية قادرة على سن القوانين اللازمة لذلك”.

الشبكة السورية: لا عدالة من دون تشريع

أوصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بإنشاء هيئة عدالة انتقالية في سوريا عبر قانون يصدر عن مجلس تشريعي، لا من خلال مرسوم تنفيذي، محذّرة من مخاطر تقويض استقلالية الهيئة في حال تأسيسها بقرار تنفيذي، كما أظهرت تجارب دولية في أوغندا والمغرب وبيرو.

وأكدت الشبكة، في تقريرها أن نجاح العدالة الانتقالية يتطلب هيئة مستقلة مالياً وإدارياً، محصنة من التدخل السياسي، ومتكاملة مع القضاء المستقل، مشيرة إلى أن غياب استقلال القضاء يُضعف المساءلة ويشوّه مسار العدالة.

وشدد التقرير على أهمية تشكيل المجلس التشريعي ضمن الإعلان الدستوري المرتقب، لما له من دور في ترسيخ الشرعية وتعزيز الشمولية وسيادة القانون، إضافة إلى ضمان التنوع العرقي والديني والسياسي داخل الهيئة بما يعكس المجتمع السوري.

كما دعت الشبكة إلى آليات شفافة في اختيار أعضاء الهيئة، من خلال لجنة توصية تضم خبراء وممثلين عن القضاء والمجتمع المدني والضحايا، بعيداً عن التعيينات السياسية، مع التأكيد على ضرورة التعاون الحكومي الإلزامي لضمان الوصول إلى المعلومات والسجلات الرسمية.

واختتم التقرير بجملة توصيات أبرزها: إعداد قانون تأسيسي شامل، تخصيص ميزانية مستقلة، تنفيذ برامج توعية، ودمج مسار العدالة الانتقالية ضمن إصلاحات الأمن والقضاء لمنع تكرار الانتهاكات وبناء مستقبل أكثر عدالة.

تلفزيون سوريا

———————————-

=======================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 05 حزيران 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا

——————————

 هل ما زالت إسرائيل تنظر إلى رفع العقوبات عن سوريا كتهديد؟/ محمود سمير الرنتيسي

2025.06.05

اعتبر كثيرون في دولة الاحتلال الإسرائيلي قرار الرئيس ترامب رفع جميع العقوبات الأميركية عن سوريا، خلال حديثه في منتدى الاستثمار السعودي–الأميركي في أثناء جولته الخليجية الأخيرة، اعترافًا صريحًا بالوضع الجديد في سوريا، حيث أرفق ذلك بتأكيده أن إدارته قد اتخذت الخطوات الأولى لتطبيع العلاقات مع دمشق. وتُعدّ هذه التطورات، بالنسبة لصنّاع القرار في دولة الاحتلال، أمرًا يضع تحديات خطيرة على إسرائيل على المدى القصير والطويل.

وذكرت بعض التقارير الإعلامية أن حتى بعض أعضاء إدارة ترامب تفاجت بإعلانه رفض العقوبات، إذ لم تصدر سابقًا مذكرات أو توجيهات للتحضير لرفع العقوبات عن سوريا. وسارع كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة إلى النظر في كيفية تنفيذ هذا القرار. وفي الواقع، فإن رفع العقوبات، تاريخيًا، يُعد عملية معقدة نادرًا ما تتم بشكل مباشر وسريع، نظرًا لما تتطلبه من تنسيق بين مؤسسات ووزارات، بل وأحيانًا بين دول، خاصة حين يتعلق الأمر بأنظمة اقتصادية ومصرفية. ولعل هذا ما فاجأ دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما فاجأ عددًا من مسؤولي الإدارة الأمريكية الداعمين لإسرائيل، والذين لم يكونوا راضين عن هذا القرار.

مع أن مبررات دولة الاحتلال الإسرائيلي السابقة لتأييد العقوبات على سوريا قد سقطت تباعًا، والتي كانت تتمثل في تعزيز المحور الإيراني ونقل الأسلحة إلى حزب الله عبر الأراضي السورية، إلا أن إسرائيل استمرت في معارضة رفع العقوبات، حتى بعد سقوط النظام وعدم بقاء أي وجود إيراني في سوريا. ففي عام 2023، طالبت دولة الاحتلال واشنطن بعدم رفع العقوبات عن النظام من دون ضمانات بانسحاب إيران من سوريا، أما اليوم، فلم يعد هذا الشرط مطروحًا، ولم يعد هناك نقل أسلحة، ومع ذلك لم يتغير موقفها.

في البداية، تعتبر إسرائيل أن قرار ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يمهّد الطريق نحو الاستقرار، ما يقطع عليها القدرة على العبث بملف الأقليات في سوريا، خاصة أنها روّجت سابقًا لفكرة أن الحكم الجديد في سوريا يهدد الأقليات، وعلى رأسهم الدروز، وقدمت نفسها كحامٍ لهم في المنطقة. إلا أن سلوك الحكومة السورية في التعامل مع الدروز كمكون وطني، أولًا، ثم الرضا الدولي والإقليمي عن هذا النهج، أغلق الباب أمام الرواية الإسرائيلية المشوهة والساعية للتدخل في الشأن الداخلي السوري.

الأمر الآخر الذي تخشاه إسرائيل هو إمكانية تعرضها في المستقبل لضغوط في ملفات متعددة، ومنها ملف الجولان المحتل، إذ تخشى أن تعود الضغوط الأميركية بشأن التخلي عن الهضبة التي ضمتها في عام 1981، والتي اعترف ترامب في ولايته الأولى بسيادة إسرائيل عليها. وقد بذلت إسرائيل جهودًا كبيرة منذ عام 2011 لدفع واشنطن نحو هذا الاعتراف.

وتحاول إسرائيل حاليًا رفع عدد سكان المستوطنات في الجولان، بعد أن فشلت طوال العقود الماضية، وتحديدًا منذ عام 1982، في تجاوز عدد 25 ألف مستوطن. وقد أُعدّت مؤخرًا مجموعة من الخطط الهادفة إلى ذلك، وشُكّلت لجنة برلمانية من عدة أحزاب لتطوير المنطقة، ووضعت خططًا لتحفيز 10 آلاف مستوطن سنويًا على الانتقال إلى الجولان، مع وعود بتوفير بنية تحتية وفرص عمل واسعة.

لكن كما شهد العالم بأسره، فإن أحداث 7 أكتوبر 2023 أحدثت تغييرًا جذريًا في مفهوم الأمن لدى المستوطنين الإسرائيليين، الذين أصبحوا أقل اطمئنانًا للخطط الحكومية، وأكثر خوفًا من الاستيطان في المناطق الحدودية. وحتى الآن، لم يعودوا إلى الحدود مع لبنان أو غزة. بل إن بعض الجهات الإسرائيلية باتت تعتبر الاستيطان مجرد حزام أمني متقدم لحماية مدن العمق، ما يعني التضحية بهذا المكون في أي صراع محتمل مستقبلي، وهو ما يُضعف الحافز لدى المستوطنين للانتقال إلى المناطق الحدودية، مهما كانت الإغراءات.

وفي السياق ذاته، فإن الشيطنة والهجمات الإعلامية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية ضد الحكومة السورية الجديدة، والتعبئة السلبية المستمرة منذ سقوط نظام بشار الأسد، لا تؤدي إلا إلى تخويف المستوطنين من الاستقرار في الجولان.

لكن، من جهة أخرى، توجد مجموعات متطرفة جدًا في دولة الاحتلال، يمثلها كل من بن غفير وسموتريتش، وهي على استعداد تام لحث أنصارها على الانتقال إلى هذه المناطق، انطلاقًا من منطلقات أيديولوجية عدوانية وتوسعية تتجاوز حدود الجولان.

ومع ذلك، حتى بعض الليبراليين والمؤيدين لاتفاقيات أبراهام في إسرائيل يرون أن رفع العقوبات عن سوريا، وإن حمل سيناريو تطبيع محتمل، إلا أن هذا التطبيع من وجهة نظرهم سيأتي بكلفة كبيرة، ليس أقلها النقاش حول سيادة إسرائيل على الجولان.

على أي حال، ينظر هؤلاء جميعًا إلى استقرار سوريا كتحدٍ وتهديد، كما ينظرون إلى فوضى سوريا أيضًا كتحدٍ وتهديد. وبما أن سوريا اليوم أقرب إلى الاستقرار، بسواعد أبنائها وبرؤية جديدة تسعى للخلاص من الظلم وتتطلع إلى آفاق الحرية والبناء والعدالة، فإن هذه العوامل مجتمعة تُعدّ تهديدًا في نظر إسرائيل، التي ترى الجولان أرضًا أبدية لها وتتطلع إلى ما هو أكثر من ذلك.

وربما قدّم بيان البيت الأبيض بعض الشروط المعلنة لتخفيف العقوبات، من بينها التوقيع على اتفاقية أبراهام للتطبيع مع إسرائيل، وترحيل عناصر من الحركات الفلسطينية المسلحة، في مقابل تأكيد الرئيس السوري على التزامه باتفاقية فك الاشتباك مع إسرائيل الموقعة عام 1974، مع مرونة سياسية تسمح بعملية تعافٍ اقتصادي.

وفي كل الأحوال، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية لم تقم يومًا على الترحيب بسوريا موحدة ومستقرة، بل كانت دائمًا قائمة على السعي لإبقائها مجزأة ومفككة، ولا توجد حتى اللحظة مؤشرات على تغيّر هذه العقلية الإسرائيلية تجاه سوريا.

تلفزيون سوريا

————————

السويداء على صفيح الصراعات/ عمر الشيخ

05 يونيو 2025

تبرز محافظة السويداء السورية واحدةً من بين المحافظات التي بقيت في هامش الاصطفافات العسكرية الكُبرى، وتبدو مختبراً حسّاساً لمعنى الدولة ما بعد السقوط. في اللحظة التي انهار فيها النظام المركزي، لم تظهر في السويداء إرادة موحّدة للحكم. طفت في السطح زعامات متنازعة على المرجعية والشرعية، ليس باسم الطائفة الدرزية فقط، بل باسم معاني “الحماية” و”الخصوصية” و”الكرامة”، وهي مفرداتٌ تتّكئ على تاريخ حافل بالمظلومية، ولكنّها اليوم تُستَخدم أحياناً لترسيخ فوضى السلاح وتطييف المجال العام.

يحاول الشيخ حكمت الهجري استعادة موقع “المرجعية العليا” لطائفة الموحّدين الدروز، مُتبنّياً خطاباً يراوح بين العزلة السياسية والمطالبة بالحماية الدولية، في مشهدٍ يذكّر بتجارب الطوائف في مراحل ما قبل الدولة. لكنّه يُواجِه، في المقابل، تآكلاً فعلياً في الحضور الشعبي، كما أظهر فشلاً في تعبئة الشارع في السويداء خلال مايو/ أيار الماضي، حين تجاهل الأهالي دعواته إلى النزول إلى ساحة الكرامة رفضاً لمخرجات اجتماع وجهاء المدينة. ويكشف هذا التراجع أن طموح الهجري إلى قيادة سياسية لا يستند إلى بنية تنظيمية أو قاعدة صلبة، بل إلى استثمار رمزي بدأ يخفُت في سياق يطلب فيه الناس حلولاً ملموسة لا بيانات دينية.

في الجهة الأخرى، تقف مرجعيات دينية أخرى، مثل الشيخَين يوسف جربوع وحمود الحناوي، على أرضية أكثر واقعية، فالرجلان يفضّلان الانخراط المشروط في الدولة الجديدة بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع، مع تأكيد الحفاظ على الخصوصية الثقافية والإدارية للسويداء، لا رفض الدولة برمّتها. لكن هذه البراغماتية لا تكفي وحدها ما لم تتحوّل مشروعاً سياسياً واضحاً، متحرّراً من عبء الحسابات العائلية أو التنازلات الميدانية. وبين المرجعيات الدينية، تنشط فصائل مسلّحة تنقسم هي الأخرى بين من يسعى إلى التعاون مع الدولة الجديدة، مثل حركة رجال الكرامة بقيادة ليث البلعوس، و”أحرار جبل العرب” بقيادة الشيخ عبد الباقي، وأخرى ترى في كلّ تقارب مع دمشق خيانةً، وتدفع باتجاه الحكم الذاتي، بل حتى التقاطع مع قوى خارجية مثل قاعدة التنف وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

تتكشف هشاشة المشهد أكثر عندما ننظر إلى وظائف الدولة في السويداء. فالمؤسّسات التي كان يُفترض أن تكون بوصلات الانتقال (الداخلية والمحافظة والقضاء المحلّي) تبدو اليوم مجرّد أطر شكلية. ليست استقالة المحافظ مصطفى بكّور بعد الاعتداء عليه من عناصر محسوبة على فصائل رافضة للحكومة مجرّد حادثة اعتداء، بل مؤشّر صارخ على غياب سلطة الدولة. فحين يُهان ممثّل السلطة في وضح النهار، ولا يُعاقب الجناة، فذلك إعلانٌ ضمنيٌّ لانهيار مفهوم الدولة، لا في الشعارات فقط، بل في الشارع والسلوك والأمن.

تمثّل محاولة الشرع فرض الانضباط في السويداء، بتعيين العميد أحمد هيثم الدالاتي، مغامرةً مزدوجةً، فهو يُقدَّم “رجلاً قوياً” من خارج منظومة المحاصصة العائلية والطائفية، ما يمنحه صورة إصلاحية في نظر بعض الأوساط. لكنّ افتقاره إلى الجذور الاجتماعية داخل المحافظة يجعله عرضةً لهجمات التخوين من التيّار المتشدّد المحيط بحكمت الهجري. وتزيد التسريبات عن لقائه مع وفد أمني إسرائيلي (رغم نفيه المتأخّر) من تعقيد موقعه، إذ بات بقاؤه مرهوناً بقدرته على فرض نتائجَ ملموسة ميدانياً، لا بمجرّد إثبات الولاء السياسي. لكن الأخطر من كل ذلك هو ما يمكن تسميته بـ”انفصال الوعي السياسي عن الواقع الاجتماعي”. فغالبية سكّان السويداء، المنهكين اقتصادياً والمنقسمين اجتماعياً، لا يرون أنفسهم ممثّلين لا في خطابات المرجعيات الدينية ولا في سلوك الفصائل المسلّحة. يشعر المواطن العادي بأنه محاصر بين “زعامات تتنازع فوق رؤوسهم” من دون أن تقدّم أي أفق فعلي لحلّ الأزمات المتفاقمة: البطالة، الهجرة، الانهيار التعليمي، تفشي الجريمة المنظمة.

في ظلّ ذلك، يصير المشهد في السويداء أقرب إلى فسيفساء من المصالح المتقاطعة: مشايخ بلا قاعدة صلبة، فصائل بلا رؤية موحّدة، وشباب مهاجرون أو معطّلون بلا تمثيل. أمّا الدولة، فهي حاضرة فقط عبر قوات أمنية غريبة عن المكان، لا تملك القدرة على الاندماج في نسيجه، ولا تلقَى إلا الرفض أو الحذر. وما من ضمانة حقيقية اليوم ألا تتحوّل السويداء بؤرةً أخرى لتجربة “الإدارة الذاتية” المفروضة بحكم الأمر الواقع، كما حدث في مناطق أخرى من البلاد.

يتنامى الخطر مع تآكل أدوات الدولة، وتنامي منطق البدائل اللاشرعية: الفصائل بدل الجيش، المشايخ بدل المؤسّسات، وجهاء العائلات بدل البلديات. وهذا ما جعل فتح قنوات التواصل الأمنية غير المباشرة مع إسرائيل أمراً مطروحاً، بل مقبولاً من بعض أركان السلطة السورية الجديدة، لا بوصفه خياراً سياسياً، بل باعتباره إجراءً وظيفياً اضطرارياً في ظلّ عجز الدولة عن فرض سيادتها على الفصائل المسلّحة التي ترفض الانضواء تحت وزارة الدفاع. ففي محافظة باتت مؤسّساتها محاصَرة من مرجعيات دينية متنازعة وفصائل تمتلك السلاح وشرعية الأرض، صار الاتصال مع الخارج (حتى مع الخصم التاريخي) خياراً تفرضه الضرورة الأمنية لا الرغبة السياسية.

وهنا لا بدّ من تفكيك هذا “الاضطرار”. فحين يجد الشرع نفسه مضطراً إلى توسيط طرف ثالث ربّما (إسرائيل) للحدّ من الانفجار في الجنوب، فذلك يعكس إخفاقاً داخلياً وقطيعة بين الدولة الانتقالية وقواعدها المفترضة في مجتمعات الأطراف. وهو أمر ينذر بتحوّل خطير: من سلطة مركزية عاجزة إلى مراكز نفوذ محلّية تتفاوض كلّ منها على شروط وجودها، سواء مع دمشق أو مع الخارج. وبهذا المعنى، فإن نموذج السويداء يجب عدم قراءته قضيةً درزيةً فحسب، بل مؤشّراً أولياً لما قد تشهده مناطق أخرى من البلاد: تصدّع السلطة المركزية، صعود الهُويَّات الفرعية، عسكرة المجال العام، عودة شبكات التهريب أداة تمويل للحكم المحلّي. وهو ما يعيد إنتاج عناصر الفوضى التي طالما غذّت الحرب السورية منذ 2011.

المفارقة أن القوى التي تتذرع بـ”الخصوصية الدينية” أو “الحماية من التهميش” لرفض الانخراط في مؤسّسات الدولة الجديدة، هي ذاتها التي تمارس التهميش الميداني ضدّ أي مشروع للدمج الوطني. فكيف يمكن بناء نظام جديد بينما فصائل مسلّحة تضع شروط بقائها فوق القانون؟ كيف يمكن لحكومة الشرع أن تتحدّث عن وحدة سورية بينما فصائل في الأرض ترفض تسليم سلاحها، وترى نفسها ممثلاً شرعياً لطائفة أو منطقة من دون غيرها؟

هذا هو جوهر التحدّي في السويداء، ليس في حجم الخطر الأمني القائم، بل في الرسائل السياسية التي يرسلها هذا الخطر إلى كامل الجغرافيا السورية. فإمّا أن تُحل عقدة الزعامة والصلاحيات في الجنوب عبر صيغة اندماج تدريجية، وإما أننا سنجد أنفسنا أمام خريطة موازية لسورية لا يحكمها دستور ولا سلطة، بل خرائط نفوذ تتحدّث باسم الدين والخصوصية والسلاح.

العربي الجديد

—————————–

تركيا وليس إسرائيل.. تحوّل استراتيجي في مقاربة واشنطن للملف السوري/ علي أسمر

2025.06.05

تشير المعطيات السياسية الأخيرة إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، بصدد إعادة رسم أولوياتها في الملف السوري، مع ميلٍ واضح نحو تعزيز دور تركيا كفاعل رئيسي في مستقبل سوريا الجديدة، على حساب الدور الإسرائيلي التقليدي، الذي ظل متقدماً لسنوات في هذا الملف من زاوية أمنية بحتة.

ويُعزز هذا التوجّه القرار الأميركي بتعيين السفير لدى أنقرة، توم باراك، مبعوثًا خاصًا إلى سوريا، في مؤشر واضح على اعتماد واشنطن على أنقرة في صياغة معادلة الاستقرار في سوريا ما بعد سقوط النظام السابق.

تحول محسوب في هندسة التوازنات

لم تعد سوريا، بعد سقوط النظام السابق وتشكيل الحكومة السورية الجديدة، ساحة صراع مفتوحة كما في السابق، بل بات الملف السوري اليوم في مرحلة جديدة تتطلب ترتيب أولويات واضحة وبناء شراكات فاعلة لإعادة بناء الدولة السورية.

في هذا السياق، ترى الإدارة الأميركية أن تركيا، بحكم موقعها الجغرافي وارتباطها الوثيق بالمجتمع السوري، وبقدرتها على التأثير داخل الأراضي السورية، هي الشريك الإقليمي الأكثر قدرة على لعب هذا الدور، في مقابل تراجع الدور الإسرائيلي الذي ظل لفترة طويلة يركّز على البُعد الأمني.

ومن هنا جاء اختيار واشنطن لأنقرة كشريك رئيسي في هذه المرحلة الدقيقة، وهو اختيار مدفوع بحسابات استراتيجية تتجاوز المصالح الآنية إلى رؤية بعيدة المدى لسوريا الجديدة.

من وجود طارئ إلى حضور استراتيجي

من المهم فهم التحوّل في المقاربة التركية نفسها تجاه الملف السوري. ففي بدايات التدخل التركي، كان الوجود العسكري في سوريا مدفوعًا بدوافع طارئة تتعلق بحماية الحدود، ومنع تمدد الميليشيات الانفصالية، ودرء تهديدات أمنية مباشرة.

لكن مع التطورات الأخيرة وسقوط النظام السابق، بات صانع القرار التركي ينظر إلى هذا الوجود بعين استراتيجية أوسع. هناك توجه تركي واضح اليوم لتحويل هذا الوجود العسكري إلى حضور طويل الأمد، يقوم على تأسيس قواعد عسكرية دائمة في مواقع مختارة، ليس لغرض الهيمنة، بل لضمان الاستقرار ومنع عودة الفوضى.

أنقرة تدرك أن استقرار سوريا لا يخدم فقط المصالح التركية، بل يُشكّل أيضًا عنصر توازن في وجه محاولات بعض الأطراف، وعلى رأسها إسرائيل، لإبقاء سوريا ساحة مفتوحة للتجاذبات الأمنية.

ضغط متزايد على “قسد”

وفي خطوة متكاملة مع هذا التوجّه، كشفت مصادر دبلوماسية مطّلعة أن واشنطن أبلغت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بما وُصف بأنه “مهلة أخيرة” للانضمام إلى “الجيش السوري الوطني”، في إطار مسار إعادة بناء مؤسسات الدولة.

تعكس هذه الخطوة رغبة أميركية واضحة في إنهاء حالة الانقسام العسكري، وإعادة توحيد البنية الأمنية والعسكرية لسوريا الجديدة، بما يحول دون استمرار الكيانات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة.

وتتماهى هذه الرؤية مع الموقف التركي، الذي طالما دعا إلى إنهاء مظاهر التفلت المسلح في شمالي وشرقي سوريا، ودمج القوى المحلية في الجيش الوطني السوري الموحّد.

تباين متزايد مع إسرائيل

في المقابل، بدأت ملامح تباين متزايد بين واشنطن وتل أبيب في مقاربة الملف السوري تظهر بشكل جليّ. فعلى الرغم من استمرار الدعم الأميركي العام لأمن إسرائيل، فإن المقاربة الأميركية الجديدة باتت تُعطي الأولوية لبناء شراكة استراتيجية مع تركيا في سوريا.

ويعود ذلك إلى إدراك الإدارة الأميركية أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، لم تُقدّم حتى اليوم تصورًا متكاملاً لبناء سوريا الجديدة، واقتصرت تحركاتها على منع التموضع الإيراني، من دون الانخراط في مشروع سياسي فعّال يُسهم في استقرار البلاد.

أما تركيا، فقد أثبتت امتلاكها أدوات التأثير السياسي والمجتمعي القادرة على الدفع نحو حلّ مستدام، وهو ما جعلها تحظى بثقة واشنطن في هذه المرحلة المفصلية.

سوريا الجديدة: مشروع بناء دولة لا مناطق نفوذ

الملف السوري، وفق الرؤية الأميركية الحالية، لم يعد مجرّد ملف “إدارة مناطق نفوذ”، بل أصبح مشروع “بناء دولة”. ومن هنا جاء الضغط على “قسد” للالتحاق بمؤسسات الدولة، إلى جانب التشجيع الأميركي على تمكين الحكومة السورية الجديدة من بسط سلطتها على كامل الأراضي السورية.

وفي هذا السياق، يبرز الدور التركي كعامل دعم رئيسي لهذا المسار، سواء من خلال التنسيق مع المعارضة السورية لإعادة إدماجها في الدولة، أو من خلال ضبط الحدود وتأمين الاستقرار في المناطق الشمالية، إلى جانب إنشاء قواعد عسكرية تركية مدروسة تهدف إلى دعم جهود الاستقرار الإقليمي.

هذه القواعد لا تُوجَّه ضد طرف بعينه، لكنها تعبّر عن توجه تركي واضح لخلق بيئة آمنة، تمنع الانفلات الأمني، وتضع حدودًا لأي محاولات لإجهاض مسار إعادة بناء الدولة، بما في ذلك المحاولات الإسرائيلية لإبقاء سوريا مسرحًا للفوضى المستمرة.

مرحلة جديدة في المقاربة الدولية

يمكن القول إننا أمام مرحلة جديدة بالكامل في مقاربة المجتمع الدولي للملف السوري. وفي هذه المرحلة، برزت تركيا كلاعب رئيسي موثوق به من قِبل واشنطن، في حين بدأ الدور الإسرائيلي يفقد بريقه تدريجيًا.

وفي ظل “المهلة الأخيرة” التي وضعتها واشنطن لـ”قسد”، والتوجه التركي نحو تحويل وجوده إلى شراكة استراتيجية تسهم في استقرار سوريا، يبدو أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد شكل سوريا القادمة.

——————————–

عقبات أمام حُلم إسرائيل بتقسيم سوريا/ رمضان بورصة

5/6/2025

منذ بداية الحرب الأهلية السورية وحتى سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، قصفت إسرائيل بشكل متكرر المواقع العسكرية الإيرانية في الأراضي السورية، والمركبات التي تنقل الأسلحة إلى حزب الله، والمقرات التابعة للمليشيات الموالية لإيران، والمواقع العسكرية التابعة للدولة السورية بالصواريخ.

بعد سقوط نظام بشار الأسد، فضلت إسرائيل، بالإضافة إلى قصف الأهداف التي حددتها في الأراضي السورية، كما كانت تفعل سابقًا، احتلالَ المناطق منزوعة السلاح والجنود، بموجب “اتفاقية فض الاشتباك” الموقعة بين سوريا وإسرائيل عام 1974، وإنشاءَ قواعد عسكرية في هذه المناطق.

يمكن اعتبار إنشاء نقاط عسكرية في الأراضي السورية بعدًا جديدًا للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد سوريا؛ بذريعة “الأمن القومي”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن احتلال إسرائيل جبلَ الشيخ، وتهديدَ بعض المسؤولين الإسرائيليين، مثل وزير الدفاع كاتس، الحكومةَ السورية، يكشفان أن إسرائيل ليس لديها نية لتحقيق الأمن في المنطقة، بل تسعى إلى احتلال المزيد من الأراضي من خلال استغلال الفراغ الإداري في سوريا.

يمكن اعتبار الغارات الجوية الإسرائيلية الشاملة لتدمير القدرات العسكرية السورية بالكامل، والتحركات البرية العسكرية لاحتلال أراضيها، بالإضافة إلى الحوار الذي أجرته مع الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، والتصريحات التي أدلت بها للطائفة العلوية التي تعيش في منطقة الساحل السوري، خطوات اتخذتها حكومة نتنياهو لتقسيم سوريا.

في المقابل، نرى أن أحمد الشرع وإدارته يتوخون الحذر الشديد في خطواتهم العسكرية والسياسية، وفي التصريحات التي يدلون بها بشأن أفعال إسرائيل، وذلك لحماية سيادة بلادهم، وتجنب الدخول في حرب جديدة مع إسرائيل.

صرح الرئيس السوري أحمد الشرع في العديد من المناسبات بأن سوريا لن تتحول إلى منطقة تؤثر سلبًا على أمن أي دولة، بما في ذلك إسرائيل، وأن حزب الله وإيران لم يعودا موجودَين في سوريا، وبالتالي لا يوجد مبرر لإسرائيل لشن غارات جوية على سوريا.

حُلم إسرائيل

طورت إسرائيل خطة تسمى “ممر داود” لإعادة تشكيل شرق البحر الأبيض المتوسط. إذا تم تفعيل ممر داود، فستصل إسرائيل إلى جنوب سوريا عبر مرتفعات الجولان، وإلى شرق الفرات عبر دير الزور، وبالتالي إلى الحدود التركية. لذا، سيكون لديها عدد كبير من السكان بفضل التحالفات التي أقامتها على مساحة جغرافية واسعة. لم يكن ممر داود خطة ظهرت بعد سقوط نظام البعث. لطالما طورت إسرائيل علاقات مع الجماعات الانفصالية في المنطقة لتفعيل هذا الممر. لكن خطة ممر داود الإسرائيلية ليست مقبولة على الإطلاق لكل من تركيا، والإدارة السورية.

من أجل تفعيل ممر داود، تعِد إسرائيل بحماية الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، وتقيم اتصالات مع كبار الشخصيات الدرزية الذين يرحبون بالحماية الإسرائيلية، بل وتستضيفهم في تل أبيب.

اتخذت إدارة أحمد الشرع العديد من الخطوات التي تظهر الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وعدم السماح بالحركات الانفصالية.

أعلنت تركيا موقفها بوضوح بتصريحات كل من الرئيس أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان. أوضحت تركيا مرارًا وتكرارًا أنها تعتبر تشكيل هيكل اتحادي في شرق سوريا تهديدًا لأمنها القومي. وفي هذا السياق، نفذت العديد من العمليات العسكرية في الأراضي السورية في السنوات الماضية.

هناك نقطة أخرى هي أن تركيا تعتبر تفعيل ممر داود بمثابة مجاورة لإسرائيل. لا تريد تركيا على الإطلاق إنشاء هيكل يمكن لإسرائيل أن تتحرك فيه بحرية على حدودها. في الواقع، هذا وضع متبادل؛ فكما أنها لا تريد وجود إسرائيل أو هيكل يتعاون مع إسرائيل على حدودها، فإن إسرائيل لا تريد وجود تركيا في جنوب سوريا.

لذلك، فإن إصرار الإدارة السورية على سياسة الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، ورؤية تركيا لممر داود على أنه تهديد لمصالحها الوطنية، يؤثران سلبًا على تحقيق حُلم إسرائيل.

من ناحية أخرى، على الرغم من وعود إسرائيل بالحماية والمساعدة، فإن جزءًا فقط من المجتمع الدرزي يرحب بالانفصال والحماية الإسرائيلية.

يحلم الدروز الذين يعيشون في الوحدات السكنية القريبة من مرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل والمجتمع الدرزي الذي يدعم حكمت الهجري بالانفصال. وأعلن قادة آخرون في المجتمع الدرزي أن الدروز جزء من المجتمع السوري، وأن السويداء أرض سورية، وأنهم لا يريدون الحماية الإسرائيلية، وأنهم يرغبون في إقامة علاقات جيدة مع دمشق. وفي هذا السياق، عُقدت العديد من الاجتماعات الناجحة بين الحكومة السورية والمجتمع الدرزي.

تعتقد إسرائيل والمجتمع الدرزي أنه يمكن إعادة تأسيس الدولة الدرزية التي تأسست خلال فترة الاحتلال الفرنسي. لكن التطورات في سوريا والمنطقة تؤثر سلبًا على تأسيس دولة درزية. وبالمثل، فإن إعادة تأسيس الدولة العلوية التي تأسست خلال فترة الاحتلال الفرنسي أمر مستحيل. وعندما ننظر إلى التاريخ، نرى أنه حتى أثناء استمرار الاحتلال الفرنسي لسوريا، لم تنجُ الدولة العلوية والدولة الدرزية، بل أصبحتا جزءًا من الدولة السورية.

مفتاح حل المشاكل: الشرعية

بعد الإطاحة بنظام البعث، كان أول من دعم حكومة تصريف الأعمال السورية، بقيادة أحمد الشرع، هي تركيا، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والأردن.

زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان دمشق في 22 ديسمبر/ كانون الأول، والتقى أحمد الشرع. كما زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، العاصمة السورية دمشق في أوائل فبراير/ شباط. بعد يوم واحد من زيارة أمير قطر، قام الرئيس السوري أحمد الشرع بأول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية، وبعد أيام قليلة زار تركيا.

إن اعتراف دول المنطقة- وعلى رأسها قطر، وتركيا- بالإدارة السورية الجديدة، وإجراء المحادثات، وإعادة تفعيل سفاراتها في دمشق، مهدت الطريق لدول غربية لإقامة علاقات مع الإدارة السورية. زار كبار المسؤولين من العديد من الدول الغربية- بمن في ذلك وزيرا خارجية ألمانيا وفرنسا- دمشق والتقوا بأحمد الشرع ومسؤولين آخرين. وبالمثل، أتيحت لوزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني الفرصة لشرح رؤية الحكومة السورية الجديدة لقضايا مثل؛ التنمية والأمن والعلاقات الدولية؛ في زياراته إلى دول المنطقة والدول الغربية.

تكللت جهود قطر وتركيا، على وجه الخصوص، لاكتساب الشرعية، والاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، بلقاء الرئيس الأميركي ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض خلال زيارته للخليج، وبرفع العقوبات المفروضة على سوريا.

إن مفتاح “الاعتراف والشرعية” الذي لم يُمنح لحكومة طالبان في أفغانستان، مُنح للحكومة السورية الجديدة بجهود قطر، وتركيا. اعتُبر اعتراف الدول بالحكومة السورية، وزيارة المسؤولين دمشق، وإعادة تفعيل البعثات الدبلوماسية- أي باختصار قبول الدول الحكومة السورية الجديدة وإقرارها بها كإدارة شرعية- بمثابة “مفتاح”. فالاعتراف والشرعية يلعبان دورًا رئيسيًا في حل العديد من المشاكل.

في الواقع، إن اعتراف دول المنطقة والدول الغربية بالإدارة السورية الجديدة، ورفع العقوبات الأميركية، ولقاء ترامب مع أحمد الشرع ، دفعت إسرائيل إلى إعادة النظر في خططها لسوريا.

يبدو أن إسرائيل قد جمدت الهجمات الرامية إلى تدمير القدرات العسكرية السورية، والأنشطة الرامية إلى تقسيم سوريا من خلال المجتمع الدرزي.

وعلى الرغم من أن الإدارة السورية لم تؤكد ذلك رسميًا بعد، إلا أن الصحافة الإسرائيلية زعمت أن بعض الاجتماعات عُقدت بين إسرائيل وسوريا بمشاركة تركيا. وزعمت الصحافة الإسرائيلية أن الاجتماعات عُقدت في باكو، عاصمة أذربيجان.

إن تخفيف إسرائيل هجماتها على سوريا وتفضيلها طريق الحوار مع الإدارة الجديدة، يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالشرعية التي اكتسبتها إدارة أحمد الشرع.

مقترحات

هناك دعامتان أساسيتان لمسألة الشرعية؛ أولاهما الشرعية التي يحققها دعم الشعب، والأخرى هي الشرعية التي يحققها دعم المجتمع الدولي. لقد حققت الحكومة السورية حاليًا دعمًا من الشعب ودعمًا من المجتمع الدولي. وهذا إنجاز ومكسب مهم لسوريا الجديدة.

إن دعم الشعب السوري للإدارة الجديدة ليس أبديًا. لذلك، فإن دعم الشعب يتعلق بوفاء الإدارة السورية بالوعود التي قطعتها بشأن مستقبل سوريا. إذا لم تفِ الحكومة بوعودها، فإن الشعب سيقلل من دعمه. لذلك، يجب على الإدارة السورية اتباع سياسة حازمة في الوفاء بوعودها، وتجنب تقديم الأعذار.

يجب على الإدارة السورية تجنب الوقوع في خطأ تفضيل الدعم الذي يقدمه الشعب، على الدعم الذي يقدمه المجتمع الدولي. يجب على الإدارة دائمًا إعطاء الأولوية لدعم الشعب. بسبب الدعم القوي المقدم للإدارة السورية، ستضطر إسرائيل إلى التخلي عن سياستها الرامية إلى فصل المجتمع الدرزي عن سوريا.

يمكن للإدارة السورية تحويل هذا التطور إلى فرصة لتنفيذ سياسات تكسب دعم المجتمع الدرزي وتمنع الانقسام. إن ربط القوات شبه العسكرية الدرزية في المنطقة بوزارة الدفاع، والسماح للقوات شبه العسكرية الدرزية التابعة لوزارة الدفاع بلعب دور معين في الحفاظ على أمن منطقة السويداء، يمكن أن يساهم ذلك في تحقيق الاستقرار في المنطقة.

قد تطلب إسرائيل تحديث اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. يمكن تحديث هذه الاتفاقية بالطبع حسب الحاجة. لكن من المهم ألا توافق الإدارة السورية على أي مادة في تحديث الاتفاقية تضفي الشرعية على وجود إسرائيل في الأراضي السورية. فمن الملاحظ أن إسرائيل ستطلب تحديث الاتفاقية في الفترة المقبلة.

يتم إعادة تشكيل الجيش السوري من خلال انضمام الجماعات المسلحة السورية المعارضة إلى الجيش السوري بالتنسيق مع وزارة الدفاع.

أعلنت وزارة الدفاع السورية الأسبوع الماضي عن قرارات حاسمة بشأن إنشاء جيش محترف. تتضمن القرارات العديد من المواد مثل: تدريب المنتسبين إلى الجيش في الكليات العسكرية. إن تخلي الجيش السوري عن مظهره كتشكيل شبه عسكري مسلح أمر مهم جدًا لتحقيق أمن سوريا ووحدتها. يجب تحويل الجيش السوري، الذي لا يزال يعطي صورة تنظيم شبه عسكري، إلى جيش محترف بسرعة. ربما يجب اتخاذ أسرع الخطوات في سوريا فيما يتعلق بإنشاء جيش محترف.

أقامت إسرائيل علاقات مع بعض القرى السنية في درعا والقنيطرة خلال الحرب الأهلية السورية. تقوم الإدارة السورية بدمج الهياكل المسلحة المعارضة في المنطقة في الجيش السوري من خلال ضمهم إلى الفرقة 40 التي ستعمل في المنطقة الحدودية.

من ناحية أخرى، يواصل الجنود الإسرائيليون دورياتهم العسكرية في المنطقة والحفاظ على علاقاتهم مع العناصر المحلية التي أقاموها منذ عام 2011. من المحتمل أن تتعارض هذه الأنشطة الإسرائيلية مع جهود الإدارة السورية لتأمين الحدود. لذلك، يجب على الإدارة السورية أن تعمل على توفير إمكانات عودة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) إلى المنطقة، والقيام بواجبها الناشئ عن الاتفاقية، كضرورة لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. سيكون وجود قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في المنطقة مهمًا أيضًا لتوثيق انتهاكات إسرائيل.

ستقدم إسرائيل والولايات المتحدة عرضًا للتعاون الاستخباراتي بشأن الجماعات الفلسطينية في الأراضي السورية. في سياق أهمية تحقيق الأمن في عملية تطبيع سوريا، يجب اعتبار إخراج الجماعات الفلسطينية من سوريا كافيًا. إن ظهور صورة للتعاون مع إسرائيل أو الولايات المتحدة ضد الجماعات الفلسطينية، سيزيد من الانتقادات الموجهة إلى الإدارة السورية ويقلل من الدعم الشعبي.

قد يتم طرح خطة عاموس هوكستين، وهي: “نقل الغاز الإسرائيلي إلى سوريا عبر خط أنابيب الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن”، مرة أخرى على جدول الأعمال من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. إن اقتراح عاموس هوكستين هذا جزء من حرب ممرات الطاقة والممرات التجارية.

من المعروف أن خط أنابيب الغاز الطبيعي التركي كان من المقرر أن يمر عبر الأراضي السورية. كما أن نقل الغاز الطبيعي الأذربيجاني عبر تركيا إلى سوريا هو أيضًا أحد الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال. لذلك، من المهم أن تتخذ الإدارة السورية خطوات حذرة في القضايا الإستراتيجية، مثل: الطاقة، وإجراء مشاورات مع حلفائها الإقليميين.

قد تمارس إسرائيل والولايات المتحدة ضغوطًا على الإدارة السورية؛ لإعلان أن مزارع شبعا المحتلة من قبل إسرائيل كانت تحت السيادة السورية قبل عام 1967.

وبهذه الطريقة، تهدف إسرائيل إلى تعزيز أطروحتها بأنها لم تحتلّ أراضي لبنان. يجب على الإدارة السورية ألا تتخذ خطوات تخلق مشاكل طويلة الأمد مع دول وشعوب المنطقة، ويجب ألا تستجيب بشكل إيجابي للطلبات الواردة في هذا الاتجاه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

صحفي وباحث تركي

الجزيرة

—————————-

 بعد هدوء هش.. هل يربك الاعتداء الإسرائيلي السعي لـتفاهمات جنوبي سوريا؟

2025.06.04

شهد الجنوب السوري تصعيداً مفاجئاً بعد سقوط صاروخين في الجولان المحتل، تبعه قصف إسرائيلي على مواقع في درعا وريف دمشق. وبينما حمّل وزير الدفاع الإسرائيلي الإدارة السورية الجديدة مسؤولية الهجوم، نفت الخارجية السورية صلتها بالحادثة، محذرة من محاولات لزعزعة الاستقرار. التصعيد الأخير تزامن مع محادثات غير معلنة بين دمشق وتل أبيب تهدف إلى خفض التوتر، وسط وساطة أميركية ورسائل متباينة بشأن مستقبل العلاقة بين الجانبين.

وسقط صاروخان من نوع “غراد” في الجولان السوري المحتل، حيث رد جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف عدة مواقع في ريف درعا الغربي، شملت سحم الجولان، طريق نافعة، جزيرة معربة، تل المال وتل المحص، وتل الشعار في ريف القنيطرة، إضافة إلى كناكر وسعسع بريف دمشق.

وهدد وزير دفاع الاحتلال يسرائيل كاتس بالرد الحازم على الهجوم، وحمّل الإدارة السورية الجديدة مسؤولية ما وصفه بـ”الاعتداء”. وأعلنت مجموعة تطلق على نفسها “كتائب الشهيد محمد الضيف” مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، قبل أن تعلن مجموعة أخرى باسم “أولي البأس” صلتها بالعملية.

زعزعة الاستقرار بعد هدوء قصير

من جهتها نددت وزارة الخارجية السورية بالقصف الإسرائيلي، وقالت إن أطرافاً تحاول زعزعة الاستقرار في المنطقة لتحقيق مصالحها الخاصة.

وأكدت الوزارة أن سوريا لم تشكل ولن تشكل تهديداً لأي طرف، وشددت على أولوية بسط سلطة الدولة وإنهاء وجود السلاح خارج مؤسساتها. ودعت المجتمع الدولي إلى التدخل لوقف هذه الاعتداءات.

وجاء في بيان للمكتب الإعلامي للخارجية “لم يتم حتى اللحظة التثبت من صحة الأنباء المتداولة عن قصف باتجاه الجانب الإسرائيلي”، في إشارة إلى مقذوفين كانت إسرائيل أعلنت أنهما أطلقا من جنوبي سوريا وعبرا إلى أراضيها وسقطا في منطقة غير مأهولة.

وتابع البيان “نؤكد أن سوريا لم ولن تشكل تهديداً لأي طرف في المنطقة”، وذلك بعدما حمّل وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الرئيس السوري أحمد الشرع “مسؤولية مباشرة” عن إطلاق المقذوفين.

جاء هذا التصعيد بعد أقل من أسبوع على قصف إسرائيلي استهدف مواقع في ريفي طرطوس واللاذقية، ما يعكس تصاعد الانخراط الإسرائيلي في التطورات الميدانية داخل سوريا.

ولم يصدر حتى الآن أي موقف أميركي رسمي بشأن الهجمات الأخيرة، وسط انفتاح واشنطن على علاقة جديدة مع الحكومة السورية.

في سياق آخر، قالت مصادر مطلعة إن الرئيس السوري أحمد الشرع سيزور الولايات المتحدة في أيلول المقبل، وسيلقي كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن المتوقع أن تشمل كلمته الاعتداءات الإسرائيلية وتوغل جيش الاحتلال جنوبي البلاد.

محادثات لخفض التوتر

وأجرت سوريا وإسرائيل في الآونة الأخيرة محادثات مباشرة لتخفيف حدة التوتر، وهو تطور لافت في العلاقات بين طرفين في نزاع منذ عقود.

وأكد مصدران سوريان، ومصدران غربيان، إلى جانب مصدر استخباري إقليمي، أن المحادثات بين الجانبين لا تقتصر على الاجتماعات المباشرة، بل تشمل أيضاً تواصلاً غير معلن عبر وسطاء منذ سقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد في كانون الأول الماضي.

وبحسب وكالة رويترز، عقدت سوريا وإسرائيل في الأسابيع الأخيرة لقاءات وجهاً لوجه بهدف تهدئة التوترات الأمنية ومنع التصعيد في المنطقة العازلة بين الجانبين، نقلا عن خمسة مصادر مطلعة.

وكشفت هذه الاتصالات عن تحوّل مهم في طبيعة العلاقة بين الطرفين، خاصة في ظل دعم الولايات المتحدة للحكومة الجديدة في دمشق وتشجيعها على التواصل مع إسرائيل، حيث شهدت المنطقة تقلصاً لوتيرة القصف الإسرائيلي.

وتعليقاً على الاعتداءات الأخيرة، قال عضو مجلس النواب الأميركي جو ويلسون إن على الحكومة السورية الجديدة أن تضمن حرية تحرك وزارة الدفاع في جميع أرجاء البلاد، حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وأضاف ويلسون، في تغريدة نشرها على منصة “إكس” اليوم الأربعاء، أن المسؤولين السوريين أكدوا بوضوح أن سوريا لن تُشكّل تهديداً لإسرائيل، إلا أن تقييد وصول القوات الأمنية إلى بعض المناطق قد يُستغل من قبل أطراف معادية.

ونهاية الشهر الماضي، أكد مصدر أمني إسرائيلي عدم وجود نية لدى حكومة نتنياهو للتدخل في شؤون سوريا الداخلية، مشيراً إلى أن تل أبيب تراقب الحدود السورية مع لبنان والعراق.

وفي تصريحات لقناة “العربية”، قال المصدر الإسرائيلي إنه لا نية لدى إسرائيل للتدخل في شؤون سوريا الداخلية، أو السعي لدعم أي جهة ضد أخرى في سوريا والتدخل للقتال إلى جانبها.

وزعم المصدر الإسرائيلي أن إسرائيل تولي اهتماماً للدروز في المنطقة التي تسيطر عليها، مضيفاً أن عدم استقرار الوضع في سوريا، دفع إسرائيل لاتخاذ قرار بالبقاء في المناطق التي وصلت إليها وتمركزت بها.

وأشار المصدر الأمني الإسرائيلي إلى أن جيش الاحتلال سينسحب من سوريا بعد استقرار الأوضاع فيها.

منطقة “عازلة” جنوبي سوريا

وبنت إسرائيل تسع قواعد لتنفيذ عمليات متقدمة في مناطق مختلفة من الريف الفاصل بين جبل الشيخ والحدود الأردنية.

وتنتشر هناك عربات الهمفي المزودة بمدفع رشاش والتي تحمل علم لواء جولاني الذي يظهر على الجبهات، إلى جانب عدد من ناقلات الجنود المصفحة الثقيلة، والتي تجوب الطرقات وهي تثير خلفها غمامة من الغبار في حين يراقب الحرس الحدود من قمم الجبال. وفق صحيفة التليغراف.

أما الجنود فقد زودوا بالسلاح الكامل وجميعهم يرتدي دروعاً تغطي كامل الجسد في كل الأوقات.

وبحسب ما قاله أحد المسؤولين العسكريين الإسرائيليين من الفرقة 210، فإن المستوطنات هنا “مشرذمة، ومريبة”، ولهذا يصل التوتر إلى أعلى مستوياته عند المرتفعات.

——————————–

صواريخ من سوريا على الجولان.. هل صنعت تل أبيب الحدث وتريد الاستثمار فيه؟

صواريخ الجنوب: رسائل إيرانية مبطنة على طاولة التفاوض النووي

مع كل خطوة تبدو وكأنها تمضي باتجاه استئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، يعود التصعيد إلى الواجهة من جديد، كما لو أن هناك من يحرص على إبقاء فتيل النزاع مشتعلاً. وفي أحدث فصول هذا التصعيد، جاء الحديث عن سقوط صواريخ من طراز “غراد” على الجولان السوري المحتل، زعمت تل أبيب أنها أُطلقت من جنوب سوريا، وتحديدًا من محافظة درعا.

ورغم النفي الرسمي من دمشق لوقوع أي هجوم من هذا النوع أو ارتباطها به، سارعت إسرائيل إلى الرد العسكري، في خطوة فُهمت على نطاق واسع بأنها تأتي ضمن محاولات لفرض شروط معينة على طاولة التفاوض، أو ربما لنسف المسار التفاوضي برمّته.

يعتقد مراقبون أن هذه الحادثة جاءت كذريعة جاهزة لإسرائيل لإعادة خلط الأوراق في الجنوب السوري، وربما لإعادة رسم خارطة النفوذ هناك. ولا يُستبعد أن يكون طرف ثالث قد تعمّد خلق هذا التوتر عبر إطلاق صواريخ بدائية تفتح الباب أمام تدخل إسرائيلي أوسع، خصوصاً في ظل الحديث المتكرر عن أطراف إقليمية تتضرر من أي تقارب سوري-إسرائيلي محتمل.

في هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية من التصعيد، وسط إشارات إلى مشروع إسرائيلي يسعى إلى إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري، تحت ذرائع تتعلق بحماية الأقليات وضمان الأمن الحدودي. وفي المقابل، فإن أي مؤشرات سورية على الانفتاح أو تقديم بوادر حسن نية تقابلها إسرائيل بتصعيد عسكري، في ما يبدو أنه رفض لأي توازن تفاوضي لا تكون فيه صاحبة القرار.

إسرائيل تبدو منزعجة من خطوات التقارب الأمريكي السوري والانفتاح الكبير الذي يبديه الرئيس ترامب تجاه رئيس المرحلة الإنتقالية في سوريا أحمد الشرع وتشعر في مكان ما بأنها ليست في صورة ما يحصل بالكامل وأن واشنطن وإن كانت تراعي مصالح تل أبيب في هذا التقارب فإنها لا تمنحها الصلاحية المطلقة في صياغة تفاهماته وبنوده ولهذا فإنها تريد خلط الأوراق من جديد عبر خلق ذرائع ميدانية في الجنوب السوري تصل من خلالها إلى فرض شروطها على دمشق بعيدا عن الضغوط الأمريكية التي ترغب في إعطاء الرئيس الشرع فرصة حقيقية لإبداء حسن نواياه في العلاقة مع الغرب ومع إسرائيل.

من جهة أخرى، تشير بعض التحليلات إلى أن المشهد لا يمكن فصله عن التوترات الإقليمية الكبرى، خصوصًا ما يتعلق بالوجود الإيراني ودوره في سوريا. فهناك من يرى أن توقيت إطلاق الصواريخ، وتبني جماعات تحمل أسماء مرتبطة بمحاور إقليمية معينة، قد يكون جزءًا من لعبة أوسع تهدف إلى استدراج رد إسرائيلي، ومن ثم إعادة خلط الأوراق على الأرض بطريقة تؤثر على التوازنات الداخلية والإقليمية في آنٍ معًا.

الساحة السورية قد تعطي إيران زخما جديدا للتفاوض مع واشنطن في ظل منع إسرائيل الجيش السوري الجديد من ضبط الأوضاع الأمنية في الجنوب وخلق حالة الفوضى هناك نتيجة إضعافه على خلفية الضربات الإسرائيلية المتكررة على مواقعه.

كما تذهب بعض الآراء إلى اعتبار ما حدث جزءًا من عملية شدّ الحبال بين القوى الفاعلة على الساحة السورية، سواء تلك المتحالفة مع واشنطن أو تل أبيب أو القوى التي تسعى لتثبيت نفوذها عبر مواجهات غير مباشرة، سواء في الجنوب السوري أو عبر جبهات أخرى متصلة، كاليمن أو لبنان.

في المحصلة، يبدو أن إسرائيل تجد في كل حادثة مماثلة فرصة جديدة لإعادة تفعيل استراتيجيتها في الجنوب السوري، مدفوعة برغبة مستمرة في تقويض أي محاولة لإرساء الاستقرار على حدودها الشمالية، وبتوجس دائم من تحول سوريا إلى ساحة توازن إقليمي جديد قد لا تكون تل أبيب فيه صاحبة اليد العليا.

—————————-

 معاريف.. سياسة إسرائيل إزاء الشرع: “اقترب.. لكن بحذر

النظام الجديد في دمشق يبذل جهوداً مكثفة لتبديد الخوف الذي يبعثه ولتثبيت شرعية حكمه. وقد تتوجت هذه الجهود بنجاح عظيم مع قرار الرئيس ترامب، في أثناء زيارته إلى السعودية لرفع العقوبات عن سوريا. يدور الحديث هنا عن “ختم الحلال” الأهم الذي كان يمكن للزعيم السوري أحمد الشرع أن يأمل به.

 ثمة لاعبان أديا دوراً مركزياً في الخطوة هما ولي العهد السعودي والرئيس التركي. عملية رفع العقوبات تتطلب عملاً كثيراً في واشنطن. وحسب تقارير مختلفة، نشأت خلافات في أوساط محافل في الإدارة في موضوع رفع العقوبات وربطها بسلوك الشرع في كل ما يتعلق بالتزاماته تجاه الرئيس ترامب. مهما يكن من أمر، يعد هذا إنجازاً للنظام الجديد في دمشق.

 وثمة هدف آخر ومهم للمغازلة كما يراه الشرع، وهو إسرائيل. منذ انهيار نظام الأسد، يحرص الشرع على إطلاق إشارات تبين أنه غير معني بالمواجهة مع إسرائيل، وأنه متمسك باتفاقات فصل القوات في 1974، بل ألمح بأنه قد يرغب في الانضمام إلى اتفاقات إبراهيم. كل هذا يضاف إلى خطوات في الميدان تعد بإلغاء نفوذ ووجود إيران في سوريا، وتنقل رسالة لمنظمات فلسطينية من جبهة الرفض لوقف أعمالها من دمشق، وتعرض سلوكاً مختلفاً وجديداً تجاه لبنان والحكم الجديد في بيروت.

وثمة خطوة ذات رمزية وأهمية جماهيري وسياسية لا بأس بها، مثل إعادة وثائق إيلي كوهن إلى إسرائيل. يشدد الإعلام العربي على وصفها بمبادرة سورية وبادرة حسن نية، تستهدف الإشارة إلى واشنطن و”القدس” عن نوايا النظام الجديد الإيجابية. مصدر سوري اقتبسته صحيفة “الشرق الأوسط” روى عن مروحية إسرائيلية هبطت في السويداء في 2/5 لتلقي الوثائق.

وثمة تقرير واسع في مجلة “المجلة” استعرض قضية إيلي كوهن، بما في ذلك أسماء شخصيات سورية كان كوهن على اتصال بها. فقد قيل إنه بذل جهداً للعثور على جثة كوهن. ويذكر في هذا الشأن اسم ضابط الاستخبارات السوري سعيد أبو جاويش، الذي كان ضمن الفريق الذي ألقى القبض على كوهن، كأنه كفيل بمعرفة مكان دفنه. ربما تكون الجثة انتقلت بين عدة مواقع.

وثمة مقال مشوق آخر نشره موقع الأخبار اللبناني “درج” كتبه البروفيسور جيفري كرم، المحاضر في دائرة العلوم السياسية في الجامعة الأمريكي في بيروت. ويعنى المقال بالشكل الذي تصمم فيه أجهزة الاستخبارات الذاكرة العامة حين تسمح بنشر مادة سرية. ويتناول فيه الجانب السوري، ولكن أساساً الجانب الإسرائيلي- الموساد. بزعم الخبير، الرسالة المرافقة -إسرائيلياً- لخطوة بناء الثقة من جانب الشرع تتعلق بتعزيز أو ترميم صورة الاستخبارات الإسرائيلية التي فشلت في 7 أكتوبر، وفي موضوع قدرة الاستخبارات على اختراق كل مكان، بما في ذلك دوائر الحكم في سوريا في حينه.

أحد الأسئلة التي تلقى إبرازاً الآن هو: هل سيرغب الشرع، والأهم هل سيكون بوسعه الانضمام إلى اتفاقات إبراهيم أو التوصل إلى أي اتفاق مع إسرائيل في هذا الوقت؟ كما هو معروف، فإن سيطرته على الدولة ليست كاملة، وثمة تساؤل حول قدرته على طرد المقاتلين الأجانب، مثلما وعد ترامب. كما أن هناك غموضاً لا يزال سائداً لشكل النظام الذي ينوي إقامته، بما في ذلك الشكل التي تندرج فيه الجماعات العرقية المختلفة في الحكم، في إطار نظام فيدرالي أو غيره.

الاستنتاج العاقل في هذه الساعة يستوجب من إسرائيل أن تتابع “إشارات السلام” القادمة من الشرع بكل حذر، والانخراط بشكل بناء في سياسة الساحة الدولية الساعية لمنحه ائتماناً سياسياً واقتصادياً. علينا أن نكون حذرين لضمان المصالح الأمنية، وعدم التصرف باستفزاز وتسيد حيال التطورات الدراماتيكية ونافذة الفرص التاريخية التي ربما فتحت أمامنا.

ميخائيل هراري

 معاريف 4/6/2025

القدس العربي

—————————–

ما رأي أردوغان لو اختار الشرع تطبيع علاقاته مع إسرائيل؟

ثمة مؤشرات تدل على حوار هادئ يجري بين ضباط جيش إسرائيليين ونظرائهم من دمشق. الفكرة، مثلما هي الرعاية، ولدتا في أبو ظبي، الوسيطة التاريخية. المحادثات معدة، في المرحلة الأولى، لمعالجة مواضيع أمنية، والتطبيع الاقتصادي لم يعد كلمة نكراء. لكن حالياً، لا يتحدثون عن تعاون زراعي أو تجاري.

هناك أسباب كثيرة للاشتباه بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. لا أحد يعتزم شطب أو تجاهل ماضيه في منظمات الجهاد وأعمال الإرهاب التي كان مشاركاً فيها حتى الاستيلاء على الحكم في سوريا. بالتأكيد، هناك مكان للشكوك. ومع ذلك، يبدو، في هذه اللحظة على الأقل، أن الرئيس السوري تخلى عن لقبه السري، الجولاني، وهو يخوض صراعات غير بسيطة على مستقبل سوريا.

الصاروخان اللذان أطلقا من أراضي سوريا نحو هضبة الجولان أمس، وهجمات إسرائيل في جنوب سوريا رداً على ذلك، عززت التساؤلات حول مدى حوكمة وسيطرة الرئيس السوري الجديد. إضافة إلى ذلك، تلقينا دليلين مبهرين للعيون. إعادة وثائق إيلي كوهن التي ما كانت لتصل إلى إسرائيل لولا التعليمات المباشرة من الشرع. إضافة إلى ذلك، هناك مقابلة مع الصحيفة اليهودية “جويش جورنال”، التي فاجأ فيها بالتصريح الذي جاء فيه “سنتعاون مع إسرائيل”، فيما شطب من قاموسه “الكيان الصهيوني” – لأن لنا أعداء مشتركين. ما كان يحتاج لأن يذكر اسم العدو المشترك بعد أن طرد “المستشارين” و”الخبراء” الإيرانيين من أراضي سوريا. كما أضاف الشرع جملة مشوقة عن تطلعه لإقامة واقع إقليمي من التعاون مع “الدول المجاورة”. صحيح أنه لم يذكر اسم إسرائيل، لكنه شدد لاحقاً على أن “في المستقبل، سنكون مستعدين لإجراء حوار علني مع إسرائيل”.

والآن، نتمنى له أن يبقى في الحكم وألا يغتاله معارضوه داخل سوريا وأولئك الذين يصرون على التسلل إلى الدولة. حين تقوم دول العالم العربي ضدنا، نجدنا ملزمين برؤية نية طيبة ستؤدي إلى توسيع دوائر الحوار والتعاون المستقبلي. توجد أذن مصغية في القصر الرئاسي في دمشق.

يجب الإيضاح: الشرع غير معني بتدفق إسرائيلي في قلب دمشق أو أن يقفز مواطنو سوريا للتجول في عكا. الشرع يوضح، من خلال مبعوثيه، بأنه معني، وفقط عندما يحين الوقت (حسب الصياغة السورية) بأصحاب جوازات السفر الأجنبية فقط، وليس الإسرائيلية، وببضائع ومنتجات تستبدل فيها شارة الإنتاج الإسرائيلية. هكذا جرى التصدير الإسرائيلي إلى لبنان عبر قبرص طوال عشرات السنين.

 محظور تفويت قطار دمشق. إذا ما نجحت الخطوة، فستثير اهتماماً عظيماً في كل واحدة من دول العالم العربي. مصر والأردن تتابعان الآن. ولبنان يستعد، وثمة اهتمام كبير يلوح من قصور ولي العهد السعودي. صحيح أن بن سلمان ابتعد عن إسرائيل، لكن العدو الإيراني المشترك يشغل باله. إيران كانت ولا تزال العدو رقم 1 للسعودية مثلما هي لإسرائيل ولسوريا، منذ سقوط بشار الأسد.

الرئيس أردوغان لن يتنازل بسهولة. لكن الشرع بدأ بإبداء مؤشرات استقلال. هو مبهر وذكي جداً. إذا كانت الخطوة تجاه إسرائيل ستصمد، وإذا أبقت إسرائيل على موقف في الظل، فسيختار الشرع من اللحظة ليمتشق أوراق التطبيع.

سمدار بيري

 يديعوت أحرونوت 4/6/2025

القدس العربي

———————–

 رئيس الشاباك يتجول قرب دمشق: سيطرة إسرائيلية طويلة الأمد؟

الأربعاء 2025/06/04

كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية، أن رئيش جهاز الشاباك الجديد ديفيد زيني، دخل بشكل سرّي إلى عمق الأراضي السورية، برفقة قوات خاصة من جيش الاحتلال، وصولاً إلى مناطق تقع في محيط العاصمة دمشق، ولا تُصنّف ضمن المناطق التي يعترف الاحتلال باحتلالها رسمياً.

ومن المنتظر أن تنشر الصحيفة نهاية الأسبوع، تقريراً موسّعاً يتضمن توثيقاً لمرافقة طاقمها للوحدات الخاصة العاملة على ما وصفته بـ”الحدود الجديدة بحكم الأمر الواقع”، وتحديداً في منطقة تبعد نحو 20 كيلومتراً فقط عن دمشق.

عين الدولة

ونقلت الصحيفة عن جنود الاحتلال المشاركين في هذه المهام السرّية، أن بعض العمليات التي جرت هناك تُكشف للمرة الأولى. وتُبرز التقارير الميدانية وصف الاحتلال لمنطقة جبل الشيخ بأنها “عين الدولة”، رغم اعترافه بأن ما يسيطر عليه فعلياً لا يمثل سوى جزء محدود من سلسلة جبلية شاسعة كانت تخضع للسيادة السورية على مدار عقود.

كما تؤكد الصحيفة أن الدوائر الأمنية والعسكرية في كيان الاحتلال، تتعامل مع الوجود العسكري في هذه المنطقة بوصفه “ضرورة استراتيجية”، رغم التصريحات الرسمية التي تصفه بـ”المؤقت”. لكن وتيرة التحركات على الأرض، بحسب التقرير، تشير إلى مشروع متكامل لترسيخ السيطرة عبر البنى التحتية والانتشار العسكري المكثف.

ونقلت الصحيفة عن قائد الوحدة المشاركة قوله: “نحن نصنع التاريخ هنا. قبل أشهر فقط، كان الوجود العسكري على بُعد 20 كيلومتراً من دمشق يبدو مستحيلاً. هذه المنطقة حيوية لأمن إسرائيل، ومركباتنا كانت في صلب عملية السيطرة على الجبل. في كل مرة أدخلها، أشعر بهيبة الإنجاز”.

تأتي هذه التحركات في ظل تصاعد التوتر على الجبهة الشمالية، وتنامي مؤشرات الانفجار الإقليمي، وسط تساؤلات جدية حول طبيعة الدور الذي سيلعبه زيني على رأس جهاز الشاباك، خاصة في ظل ميله نحو العمل الميداني وتبنيه عقيدة أمنية هجومية تتقاطع مع توجهات حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة.

جولة ميدانية

في السياق نفسه، أجرى المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، جولة ميدانية في مرتفعات الجولان السوري المحتل، برفقة مسؤولين إسرائيليين، اليوم الأربعاء، وذلك في إطار زيارته الرسمية إلى إسرائيل، التي تهدف إلى مناقشة تطورات الملف السوري والوضع الإقليمي، بحسب وسائل إعلام عبرية.

وذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن باراك اطّلع على الأوضاع الأمنية في الجولان، وزار عدة مواقع استراتيجية برفقة وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ووزير الشؤون الاجتماعية رون درمر، إلى جانب عدد من القادة العسكريين.

ونقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية، أن هذه الزيارة “تأتي ضمن جهود التنسيق الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتهدف إلى تقييم ما تصفه تل أبيب بالتهديدات المتصاعدة من سوريا الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع”.

———————————-

قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف ريف درعا جنوبي سورية

عبدالله البشير

03 يونيو 2025

استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي بعدد من قذائف المدفعية، اليوم الثلاثاء، مواقع بين قريتي كويا ومعربة في ريف محافظة درعا جنوبي سورية، وفق ما نقل “تجمع أحرار حوران”. وأوضح الحقوقي عاصم الزعبي، عضو التجمع المختص بمتابعة أخبار الجنوب السوري، لـ”العربي الجديد”، أن جيش الاحتلال نفذ قصفا استفزازيا، كما رجح، على الأراضي الزراعية بين القريتين التابعتين لناحية الشجرة في ريف درعا الغربي. ولفت الزعبي إلى أن “المنطقة لم تشهد أي تحركات عسكرية قد يستخدمها الجيش كذريعة لتبرير القصف أو الاستهداف الذي حصل في المنطقة اليوم، كردة فعل”، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال أجرت عملية تفتيش للمنازل أمس في قرية معربة.

وأوضح التجمع أن قوات إسرائيلية توغلت أمس برا في الحي الغربي من قرية معربة في ريف درعا الغربي، بالتزامن مع تحليق طيران الاستطلاع الإسرائيلي في المنطقة. وذكر التجمع أن القوة انسحبت بعد فترة قصيرة من توغلها إلى الطريق الواصل بين قريتي معرية وعابدين، حيث توجد سيارات لقوات الاحتلال، ولا تزال هناك.

وفي سياق آخر، شهدت مدينة إزرع في ريف محافظة درعا انتشارا أمنيا على خلفية مقتل محمد حسن الفرج جراء إطلاق نار عليه إثر خلاف عشائري، أمس الاثنين، جرى خلاله وفق ما نشر التجمع القبض على الجاني ومصادرة أسلحة وذخائر.

وفي الخصوص، أكد الحقوقي الزعبي أن محافظة درعا تشهد عمليات اغتيال متكررة في عموم مدنها وبلداتها، موضحا أن عمليات الاغتيال ترجع إلى خلافات عشائرية أو خلافات فصائلية سابقة، أو السببين معا، وأضاف أن العمليات مستمرة منذ أشهر، وهناك ضرورة للتدخل ووضع حد لسيل الدماء. وتابع الزعبي أن الحكومة السورية مطالبة في الوقت الحالي بالتدخل المباشر وإيجاد حلول لوقف عمليات الاغتيال دون النظر لخلفيتها، فهذه العمليات سقط على إثرها الكثير من القتلى، وهي لا تزال مستمرة وعدد ضحاياها آخذ بالازدياد.

ووثق التجمع مقتل 109 أشخاص، ما بين نهاية شهر يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار الفائتين، بالإضافة إلى أكثر من 15 حالة اختفاء قسري، مشيرا أيضا في تقرير له إلى أن القصف الإسرائيلي أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة أكثر من 30 شخصًا بجروح متفاوتة، بينهم أطفال، خلال تلك المدة.

—————————–

سورية تشكك بإطلاق صواريخ نحو إسرائيل من أراضيها.. والاحتلال يغير على محيط درعا

04 يونيو 2025

شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية على مناطق بجنوب سورية، فيما قالت وزارة الخارجية السورية، مساء الثلاثاء، إنه لم يتم التثبت من صحة أنباء عن حصول قصف باتجاه إسرائيل، بعد ادعاء وسائل إعلام عبرية إطلاق صاروخين من مدينة درعا، جنوبي سورية، باتجاه هضبة الجولان السورية المحتلة، وسقوطهما في منطقة مفتوحة. وأكدت مصادر “العربي الجديد” في إزرع بريف درعا، جنوبي سورية، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي شن غارات متقطعة استهدفت ثكنة للنظام المخلوع في محيط إزرع وتل المال، مع تحليق مستمر للطيران المسيّر في أجواء المنطقة.

من جانبه، قال جيش الاحتلال في بيان إن طائراته الحربية “قصفت أسلحة تعود للنظام السوري في منطقة جنوب سورية”، وزعم ضمن بيانه أن “النظام السوري مسؤول عن الوضع الراهن في سورية، وسيواصل تحمل التبعات إذا تواصلت الأنشطة العدائية من أراضيه”.

وقال المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية السورية، وفق ما نقلته وكالة “سانا”، إنه “لم يتم حتى اللحظة التثبت من صحة الأنباء المتداولة عن قصف باتجاه الجانب الإسرائيلي”، موضحاً أن “هناك أطرافا عديدة (لم تحددها) تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة لتحقيق مصالحها الخاصة”. وأضاف المكتب أن “سورية لم ولن تشكل تهديدا لأي طرف في المنطقة”، واعتبر أن “الأولوية القصوى في الجنوب السوري تكمن في بسط سلطة الدولة وإنهاء وجود السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار لجميع المواطنين”.

وعقب إطلاق الصواريخ، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي بقذائف المدفعية الثقيلة مواقع في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، جنوبي سورية، مساء الثلاثاء. وتبنت جماعة تطلق على نفسها اسم “كتائب الشهيد محمد الضيف” العملية، حيث قالت في بيان مقتضب نشرته عبر صفحتها على تليغرام، إنها قصفت “قوات العدو الصهيوني المتموضعة في منطقة الجولان المحتل بصاروخي غراد، وذلك في تمام الساعة 9:20 من مساء يوم الثلاثاء”.

وأدانت وزارة الخارجية السورية بشدة القصف الإسرائيلي الذي استهدف قرى وبلدات في محافظة درعا، ما أدى إلى “وقوع خسائر بشرية ومادية جسيمة”، دون ذكر تفاصيلها، ولفتت إلى أن “هذا التصعيد يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية، ويزيد من حالة التوتر في المنطقة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التهدئة والحلول السلمية”، ودعت الوزارة المجتمع الدولي إلى “تحمل مسؤولياته في وقف هذه الاعتداءات، وإلى دعم الجهود الرامية إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى سورية والمنطقة”.

————————

 جو ويلسون: وزارة الدفاع يجب أن تتحرك بحرية في كل أرجاء سوريا

2025.06.04

قال عضو مجلس النواب الأميركي جو ويلسون إن على الحكومة السورية الجديدة أن تضمن حرية تحرك وزارة الدفاع في جميع أرجاء البلاد، حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وأضاف ويلسون، في تغريدة نشرها على منصة “إكس” اليوم الأربعاء، أن المسؤولين السوريين أكدوا بوضوح أن سوريا لن تُشكّل تهديداً لإسرائيل، إلا أن تقييد وصول القوات الأمنية إلى بعض المناطق قد يُستغل من قبل أطراف معادية.

وكان ويلسون قد أعرب سابقاً عن امتنانه للرئيس دونالد ترامب ووزيري الخارجية والخزانة على قرار رفع العقوبات عن سوريا، معتبراً أن الوقت قد حان لبدء عملية إعادة الإعمار بقيادة أميركية.

وأضاف: “نأمل أن ترفع وزارة التجارة أيضاً قيود التصدير، ويجب أن تتولى البنية التحتية والاتصالات الأميركية مهمة إعادة إعمار سوريا، وليس الصين”.

الوجود الأميركي في سوريا

كشف مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة سحبت 500 جندي أميركي من سوريا، وأغلقت قاعدتين على الأقل، وسلمت قاعدة ثالثة لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، خلال الأسابيع القليلة الماضية.

والإثنين، كشف السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن توجه الولايات المتحدة لتقليص عدد قواعدها العسكرية في سوريا.

وأوضح باراك أنه “من 8 قواعد، سينتهي الأمر بقاعدة واحدة فقط”، في إشارة إلى رغبة الولايات المتحدة في تقليل انتشارها العسكري في سوريا.

القصف الإسرائيلي مستمر

وجدد الاحتلال الإسرائيلي قصفه الجوي على مناطق عدة في الجنوب السوري، فجر الأربعاء، وذلك بعد ساعات قليلة من استهدافه بالمدفعية ريف محافظة درعا.

وقال مراسل تلفزيون سوريا إن غارات جوية إسرائيلية استهدفت منطقة تل المحص والمال والفوج 172 في ريف درعا، وتل الشعار في ريف محافظة القنيطرة.

ودانت وزارة الخارجية والمغتربين السورية القصف الإسرائيلي، في حين أكدت عدم تثبّتها من صحة الأنباء المتداولة بشأن القصف باتجاه الجانب الإسرائيلي.

وشدد المكتب على أن سوريا لم ولن تُشكّل تهديداً لأي طرف في المنطقة، مشيراً إلى أن الأولوية القصوى في الجنوب السوري تتمثل في بسط سلطة الدولة، وإنهاء وجود السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار لجميع المواطنين.

————————-

 الخارجية تدين القصف الإسرائيلي وتؤكد: سوريا لن تشكل تهديداً لأي طرف في المنطقة

2025.06.04

دانت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، الأربعاء، قصف الاحتلال الإسرائيلي على الجنوب السوري، في حين أكدت عدم تثبّتها من صحة الأنباء المتداولة بشأن القصف باتجاه الجانب الإسرائيلي.

وأكد المكتب الإعلامي في الخارجية السورية لـ”الإخبارية السورية” أن هناك أطرافاً عديدة قد تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة لتحقيق مصالحها الخاصة.

وشدد المكتب على أن سوريا لم ولن تُشكّل تهديداً لأي طرف في المنطقة، مشيراً إلى أن الأولوية القصوى في الجنوب السوري تتمثل في بسط سلطة الدولة، وإنهاء وجود السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار لجميع المواطنين.

واعتبرت الخارجية السورية أن القصف الذي استهدف قرى وبلدات في محافظة درعا، وتسبب في وقوع خسائر بشرية ومادية جسيمة، يُعد انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية، ومن شأنه أن يزيد من حالة التوتر في المنطقة، في وقتٍ تتطلب فيه الظروف الراهنة التهدئة والحلول السلمية.

ودعت الوزارة المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته في وقف هذه الاعتداءات، ودعم الجهود الرامية إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا والمنطقة.

ماذا حدث في الجنوب السوري؟

وشهدت منطقة الجولان السوري المحتل مساء الثلاثاء، 3 حزيران/يونيو 2025، توتراً أمنياً واسعاً، عقب سقوط صاروخين من نوع غراد أُطلقا من محافظة درعا جنوبي سوريا، ما دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي للرد بقصف مدفعي استهدفت عدة مواقع في ريف درعا الغربي.

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فقد دوت صفارات الإنذار في موقعين بالجولان المحتل قرابة الساعة التاسعة والنصف مساءً، أعقبها سماع دوي انفجارات. وأكدت المصادر أن الجيش الإسرائيلي رد على “مصادر النيران القادمة من سوريا”، مشيرة إلى أن طائرات حربية إسرائيلية خرقت حاجز الصوت في الأجواء السورية، بينما حلقت طائرات مسيرة في سماء المنطقة.

تصعيد مفاجئ في الجنوب السوري.. قصف إسرائيلي بعد إطلاق صواريخ من درعا

وبحسب مراسلي تلفزيون سوريا، استهدف القصف المدفعي الإسرائيلي كلاً من منطقة سحم الجولان ومحيط سد سحم وطريق نافعة في ريف درعا الغربي، بالإضافة إلى جزيرة معرية في منطقة حوض اليرموك، وسط تحليق مكثف للطيران الحربي والمسير التابع للاحتلال في سماء المنطقة.

إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي زعمت أن الصواريخ أُطلقت من منطقة تسيل شمال غربي درعا، بينما أعلنت مجموعة تطلق على نفسها اسم كتائب الشهيد محمد الضيف تبنيها عملية إطلاق صاروخي غراد نحو الجولان المحتل.

وفي أول رد فعل سياسي، حمّل وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي، الرئيس السوري، مسؤولية ما وصفه بـ”الاعتداء”، مؤكداً أن “إسرائيل سترد بكل حزم في أقرب وقت ممكن”، وأن النظام السوري مسؤول “مباشر” عن أي تهديد ينطلق من أراضيه.

——————————–

اسم جديد في ساحة الصراع مع إسرائيل

من هي كتائب “محمد الضيف” التي أعلنت عملها المسلح ضد إسرائيل من الجولان؟

إظهرت كتائب “محمد الضيف” للمرة الأولى في ساحة العمل العسكري ضد إسرائيل مؤخرا، وتحديدا في الجولان السوري المحتل، حيث تبنت عمليات قصف ضد القوات الإسرائيلية هناك.

وأطلق هذا الفصيل المسلح الفلسطيني على نفسه اسم “كتائب الشهيد محمد الضيف” نسبة إلى القائد العسكري الفلسطيني محمد الضيف، الذي كان القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، حتى مقتله في يناير 2025.

وأصدرت كتائب “محمد الضيف” بيانا تأسيسيا، وجاء فيه: “من قلب فلسطين المحتلة نعلن عن تأسيس كتائب الشهيد محمد الضيف وفاء للدماء الطاهرة وامتدادا لطريق المقاومة المستمر”.

وأضاف البيان: “نحن جيل ولد تحت القصف وشب على صوت البنادق ولن يقبل بالعيش في ذل أو خنوع، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا”.

وفي رسالة إلى إسرائيل، تابع البيان: “سنكون سيفا مسلطا على رقابكم أينما كنتم ستجدوننا هناك، نقاتلكم بكل ما نملك..”.

ووفق البيان، فإن “كتائب الشهيد محمد الضيف ليست حزبا ولا تنظيما، بل فعل ثوري مقاوم حر، ينبض في كل شارع ومخيم وزقاق، ويحمل صدى كل صرخة من تحت الركام من غزة إلى الضفة، من القدس إلى الداخل المحتل”.

وختم بيان الفصيل الجديد بالقول: “إلى كل أراضينا السليبة، صوتنا واحد: لا صمت بعد اليوم.. والميدان لنا”.

وقتل القائد العام لكتائب عز الدين القسام، محمد الضيف، في 30 يناير 2025 خلال معارك “طوفان الأقصى” في قطاع غزة، بحسب إعلان رسمي صادر عن كتائب القسام.

إلى جانب الضيف، قتل 6 من كبار قادة الحركة بينهم نائبه مروان عيسى وقائد ركن الأسلحة غازي أبو طماعة وقائد لواء خان يونس رافع سلامة، وذلك أثناء قيادتهم للمعارك أو في اشتباكات مباشرة مع الجيش الإسرائيلي.

محمد الضيف، المولود عام 1965 في غزة، كان من أبرز قادة المقاومة الفلسطينية وقيادة كتائب القسام منذ 2002 بعد اغتيال سلفه صلاح شحادة. تعرض لمحاولات اغتيال إسرائيلية متعددة فاشلة، منها غارة في 2014 أدت إلى مقتل زوجته وطفله الرضيع، كما استهدفت إسرائيل منزله وعائلته مرات عدة. في يوليو 2024، أعلنت إسرائيل استهدافه في غارة على منطقة مواصي رفح، وأكدت لاحقا مقتله، لكن حماس نفت ذلك آنذاك.

وكان الضيف معروفا بدوره في تطوير قدرات كتائب القسام العسكرية، بما في ذلك الصواريخ والأنفاق.

————————————————-

من يقف وراء قصف الجولان المحتل؟ المنصات تتساءل

وتبنت مجموعة مسلحة تسمي نفسها “كتائب الشهيد محمد الضيف” مسؤولية القصف، ونشرت مقطع فيديو للحظة سقوط صاروخين على الجولان المحتل.

وقالت هذه المجموعة المسلحة -في بيان على تليغرام- إنها أطلقت صاروخي غراد عيار 122 مليمترا يصل مداهما إلى 40 كيلومترا تقريبا.

بدوره، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه رصد صاروخين اجتازا الحدود من الجنوب السوري وسقطا في منطقة مفتوحة، ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية صورة من موقع سقوط أحدهما.

وردّ جيش الاحتلال بالمدفعية والغارات الجوية على مناطق في الجنوب السوري، ووصفها بأنها “مواقع أسلحة تابعة للنظام السوري”.

آراء وتكهنات

من جانبه، رصد برنامج “شبكات” -في حلقته بتاريخ (2025/6/4) جانبا من التعليقات الكثيرة على مواقع التواصل بشأن التطورات الأخيرة في الجنوب السوري.

ومن بين تلك التعليقات، قال المعتصم بالله الشحود في تغريدته “يبدو أن الدروز يريدون جر إسرائيل إلى احتلال درعا ليكون هناك ربط جغرافي بين الجولان والسويداء”.

وأعربت أمل الصافي عن قناعتها بأن إطلاق الصواريخ باتجاه الجولان المحتل “ما هو إلا سيناريو إسرائيلي لزيادة مستوى التصعيد، وخلق الحجج لبقاء القوات الإسرائيلية في الجنوب السوري”.

بدوره، وصف أحمد منفذي قصف الجولان بأنهم “أخطر من إسرائيل، وعليه يجب استئصالهم”، مضيفا “عدو الداخل أولا وأمر ملحّ”.

وفي السياق ذاته، قال صابر جلود إنهم “اختراع إسرائيلي أو إيراني، ولا علاقة لهم بحركة حماس”، مستدركا “وإن ثبت أنهم كانوا كذلك فهذا يجعلهم أدوات ضمن أجندة إسرائيلية”.

في المقابل، رحب هاشم إسحاق بظهور المجموعة المسلحة الجديدة قائلا “إن كانت كتائب الشهيد محمد الضيف صادقة في وجهتها، فكل سلاح يرفع بوجه الصهاينة مرحب به”.

وكذلك، رفض كمال ما يحاول البعض تسويقه بعدم إعطاء الذريعة لإسرائيل لقصف سوريا، إذ قال “شو فرقت؟ ما هما بيدمروا ويقصفوا ويزعزعوا الأمن منذ 80 سنة، ما خلوا شيئا إلا وبيعملوه في الشرق الأوسط”.

أما محمد فطالب السلطات السورية بوضع خيار المواجهة في الحسبان، إذ قال “عليها التعاون مع تركيا والسيطرة على قسد (قوات سوريا الديمقراطية)”، مضيفا أن “على سوريا الاهتمام بصنع تحالفات، خصوصا مع غزة واليمن”.

يشار إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس حمّل الرئيس السوري أحمد الشرع المسؤولية المباشرة عن كل تهديد وإطلاق نار باتجاه إسرائيل.

في المقابل، نددت وزارة الخارجية السورية بالقصف الإسرائيلي على محافظة درعا، والذي سبب خسائر بشرية ومادية.

وأضافت الوزارة في بيان “لم نتثبت من صحة أنباء عن قصف باتجاه الجانب الإسرائيلي”، مؤكدة أن “سوريا لم ولن تشكل تهديدا لأي طرف في المنطقة”.

المصدر: الجزيرة

——————————-

 مسؤول سوري: ميليشيا مرتبطة بإيران لديها مصلحة في التصعيد مع إسرائيل

القصف جاء بعدما قال الجيش الإسرائيلي إن مقذوفين أطلقا من سوريا باتجاه إسرائيل

04 يونيو ,2025

قال مسؤول سوري لوكالة رويترز للأنباء، اليوم الأربعاء، إن ميليشيا مرتبطة بإيران من عهد الأسد تنشط بالقنيطرة لديها مصلحة في التصعيد مع إسرائيل وتعمل على تقويض جهود الاستقرار في البلاد.

يأتي ذلك فيما ذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، أن وزارة الخارجية السورية نددت بشدة بالقصف الإسرائيلي الذي استهدف محافظة درعا، قائلة إنه تسبب في “وقوع خسائر بشرية ومادية جسيمة”.

وجاء القصف بعدما قال الجيش الإسرائيلي إن مقذوفين أطلقا من سوريا باتجاه إسرائيل، وهو هجوم وصفته وزارة الخارجية السورية بأنه أنباء “لم يتم حتى اللحظة التثبت” من صحتها.

وذكر المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية “نؤكد أن سوريا لم ولن تشكل تهديدا لأي طرف في المنطقة، وأن الأولوية القصوى في الجنوب السوري تكمن في بسط سلطة الدولة، وإنهاء وجود السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار لجميع المواطنين”.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قد قال في وقت سابق الأربعاء: “نعتبر الرئيس السوري أحمد الشرع مسؤولا بشكل مباشر عن كل تهديد وإطلاق نار باتجاه إسرائيل. الرد الكامل سيأتي في أقرب وقت ممكن”.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بأنه قصف جنوب سوريا الثلاثاء بعدما أعلن أن مقذوفين أطلقا من البلد المذكور في اتجاه إسرائيل سقطا في مناطق غير مأهولة من دون أن يسفرا عن أضرار.

وذكر الجيش في بيان أنه “قبل وقت قصير، قصفت مدفعية الجيش الإسرائيلي جنوب سوريا بعد إطلاق مقذوفين في اتجاه إسرائيل”.

ووفق الجيش فإنه “إثر إطلاق صفارات الإنذار في حاسبين ورمات ماغشيميم في الساعة 21:36، تم رصد مقذوفين يعبران من سوريا إلى الأراضي الإسرائيلية قبل أن يسقطا في مناطق غير مأهولة”.

وتقع حاسبين ورمات ماغشيميم في جنوب هضبة الجولان التي احتلتها اسرائيل في 1967 وأعلنت ضمها في 1981.

ونقل الإعلام الإسرائيلي أن واقعة الثلاثاء هي الأولى التي تحصل منذ سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر الفائت.

وإثر سقوط الأسد، سيطرت القوات الإسرائيلية على المنطقة المنزوعة السلاح في هضبة الجولان، وشنت مئات الغارات الجوية على أهداف عسكرية في سوريا.

ووفق إسرائيل فإن الغرض من هذه العمليات العسكرية هو الحؤول دون حصول السلطات السورية الجديدة على أسلحة متطورة.

وفي بيان يوم الأحد، قال الجيش الإسرائيلي إن قواته تواصل “العمليات الدفاعية في جنوب سوريا” بهدف “تفكيك البنية التحتية الإرهابية وحماية سكان مرتفعات الجولان”.

——————————–

===========================

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 05 حزيران 2025

متابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

————————–

تركيا وليس إسرائيل.. تحوّل استراتيجي في مقاربة واشنطن للملف السوري/ علي أسمر

2025.06.05

تشير المعطيات السياسية الأخيرة إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، بصدد إعادة رسم أولوياتها في الملف السوري، مع ميلٍ واضح نحو تعزيز دور تركيا كفاعل رئيسي في مستقبل سوريا الجديدة، على حساب الدور الإسرائيلي التقليدي، الذي ظل متقدماً لسنوات في هذا الملف من زاوية أمنية بحتة.

ويُعزز هذا التوجّه القرار الأميركي بتعيين السفير لدى أنقرة، توم باراك، مبعوثًا خاصًا إلى سوريا، في مؤشر واضح على اعتماد واشنطن على أنقرة في صياغة معادلة الاستقرار في سوريا ما بعد سقوط النظام السابق.

تحول محسوب في هندسة التوازنات

لم تعد سوريا، بعد سقوط النظام السابق وتشكيل الحكومة السورية الجديدة، ساحة صراع مفتوحة كما في السابق، بل بات الملف السوري اليوم في مرحلة جديدة تتطلب ترتيب أولويات واضحة وبناء شراكات فاعلة لإعادة بناء الدولة السورية.

في هذا السياق، ترى الإدارة الأميركية أن تركيا، بحكم موقعها الجغرافي وارتباطها الوثيق بالمجتمع السوري، وبقدرتها على التأثير داخل الأراضي السورية، هي الشريك الإقليمي الأكثر قدرة على لعب هذا الدور، في مقابل تراجع الدور الإسرائيلي الذي ظل لفترة طويلة يركّز على البُعد الأمني.

ومن هنا جاء اختيار واشنطن لأنقرة كشريك رئيسي في هذه المرحلة الدقيقة، وهو اختيار مدفوع بحسابات استراتيجية تتجاوز المصالح الآنية إلى رؤية بعيدة المدى لسوريا الجديدة.

من وجود طارئ إلى حضور استراتيجي

من المهم فهم التحوّل في المقاربة التركية نفسها تجاه الملف السوري. ففي بدايات التدخل التركي، كان الوجود العسكري في سوريا مدفوعًا بدوافع طارئة تتعلق بحماية الحدود، ومنع تمدد الميليشيات الانفصالية، ودرء تهديدات أمنية مباشرة.

لكن مع التطورات الأخيرة وسقوط النظام السابق، بات صانع القرار التركي ينظر إلى هذا الوجود بعين استراتيجية أوسع. هناك توجه تركي واضح اليوم لتحويل هذا الوجود العسكري إلى حضور طويل الأمد، يقوم على تأسيس قواعد عسكرية دائمة في مواقع مختارة، ليس لغرض الهيمنة، بل لضمان الاستقرار ومنع عودة الفوضى.

أنقرة تدرك أن استقرار سوريا لا يخدم فقط المصالح التركية، بل يُشكّل أيضًا عنصر توازن في وجه محاولات بعض الأطراف، وعلى رأسها إسرائيل، لإبقاء سوريا ساحة مفتوحة للتجاذبات الأمنية.

ضغط متزايد على “قسد”

وفي خطوة متكاملة مع هذا التوجّه، كشفت مصادر دبلوماسية مطّلعة أن واشنطن أبلغت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بما وُصف بأنه “مهلة أخيرة” للانضمام إلى “الجيش السوري الوطني”، في إطار مسار إعادة بناء مؤسسات الدولة.

تعكس هذه الخطوة رغبة أميركية واضحة في إنهاء حالة الانقسام العسكري، وإعادة توحيد البنية الأمنية والعسكرية لسوريا الجديدة، بما يحول دون استمرار الكيانات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة.

وتتماهى هذه الرؤية مع الموقف التركي، الذي طالما دعا إلى إنهاء مظاهر التفلت المسلح في شمالي وشرقي سوريا، ودمج القوى المحلية في الجيش الوطني السوري الموحّد.

تباين متزايد مع إسرائيل

في المقابل، بدأت ملامح تباين متزايد بين واشنطن وتل أبيب في مقاربة الملف السوري تظهر بشكل جليّ. فعلى الرغم من استمرار الدعم الأميركي العام لأمن إسرائيل، فإن المقاربة الأميركية الجديدة باتت تُعطي الأولوية لبناء شراكة استراتيجية مع تركيا في سوريا.

ويعود ذلك إلى إدراك الإدارة الأميركية أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، لم تُقدّم حتى اليوم تصورًا متكاملاً لبناء سوريا الجديدة، واقتصرت تحركاتها على منع التموضع الإيراني، من دون الانخراط في مشروع سياسي فعّال يُسهم في استقرار البلاد.

أما تركيا، فقد أثبتت امتلاكها أدوات التأثير السياسي والمجتمعي القادرة على الدفع نحو حلّ مستدام، وهو ما جعلها تحظى بثقة واشنطن في هذه المرحلة المفصلية.

سوريا الجديدة: مشروع بناء دولة لا مناطق نفوذ

الملف السوري، وفق الرؤية الأميركية الحالية، لم يعد مجرّد ملف “إدارة مناطق نفوذ”، بل أصبح مشروع “بناء دولة”. ومن هنا جاء الضغط على “قسد” للالتحاق بمؤسسات الدولة، إلى جانب التشجيع الأميركي على تمكين الحكومة السورية الجديدة من بسط سلطتها على كامل الأراضي السورية.

وفي هذا السياق، يبرز الدور التركي كعامل دعم رئيسي لهذا المسار، سواء من خلال التنسيق مع المعارضة السورية لإعادة إدماجها في الدولة، أو من خلال ضبط الحدود وتأمين الاستقرار في المناطق الشمالية، إلى جانب إنشاء قواعد عسكرية تركية مدروسة تهدف إلى دعم جهود الاستقرار الإقليمي.

هذه القواعد لا تُوجَّه ضد طرف بعينه، لكنها تعبّر عن توجه تركي واضح لخلق بيئة آمنة، تمنع الانفلات الأمني، وتضع حدودًا لأي محاولات لإجهاض مسار إعادة بناء الدولة، بما في ذلك المحاولات الإسرائيلية لإبقاء سوريا مسرحًا للفوضى المستمرة.

مرحلة جديدة في المقاربة الدولية

يمكن القول إننا أمام مرحلة جديدة بالكامل في مقاربة المجتمع الدولي للملف السوري. وفي هذه المرحلة، برزت تركيا كلاعب رئيسي موثوق به من قِبل واشنطن، في حين بدأ الدور الإسرائيلي يفقد بريقه تدريجيًا.

وفي ظل “المهلة الأخيرة” التي وضعتها واشنطن لـ”قسد”، والتوجه التركي نحو تحويل وجوده إلى شراكة استراتيجية تسهم في استقرار سوريا، يبدو أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد شكل سوريا القادمة.

——————————–

 فيدان: نقترب من حلّ ملف قسد وإعادة إعمار سوريا تتقدّم بخطى ثابتة

2025.06.04

أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن ملف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) يقترب من الحلّ عبر مسار سياسي وأمني متكامل، مشدداً على أن جهود إعادة الإعمار في سوريا تسير بخطى ثابتة، في ظل رفع العقوبات الدولية وتزايد التنسيق الإقليمي.

وقال فيدان إن سوريا، بعد نظام الأسد، تواجه “دماراً كاملاً وانقطاعاً عن العالم”، لافتاً إلى أن إعادة تأهيلها تتطلب “جهداً مهنياً ومنسقاً ومتعدّد الأطراف” على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، بحسب وكالة “الأناضول”.

وأضاف أن أنقرة شاركت في اجتماعات عديدة بشأن هذا الملف، بالتوازي مع لقاءات مع دول المنطقة والعالم.

ولفت إلى أن النشاط الدبلوماسي الذي يقوده الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يلعب دوراً محورياً في هذه العملية، مشيراً إلى أن رفع العقوبات بدأ يُثمر من خلال تحسّن في النظام المصرفي، وفتح مجالات للاستثمار وتطوير الخدمات الأساسية.

اقرأ أيضاً

543

ديلي صباح: الشركات التركية تترقب فرصاً استثمارية كبرى في سوريا بعد رفع العقوبات

كما تحدث عن إجراء مناقصة طاقة ضخمة مؤخراً، شاركت فيها شركات من تركيا وسوريا وقطر والولايات المتحدة، مما يعكس – بحسب تعبيره – بداية مرحلة جديدة من الانتعاش الاقتصادي.

وأضاف: “نتوقع في المرحلة المقبلة التركيز على إعادة الإعمار، وإنعاش البنية التحتية، وتأمين الخدمات الأساسية، مما سيسمح بعودة السوريين إلى بلادهم. وكلما عاد المزيد، انتعش الاقتصاد أكثر، ونأمل أن نعيش إلى جانب سوريا طبيعية يعود فيها الاستقرار”.

ملف “قسد”

وفي تعليقه على الاتفاق الموقّع في 10 آذار بين “قسد” والحكومة السورية، قال فيدان: “من الناحية الظاهرية، لم يحدث شيء كبير منذ الاتفاق، لكن خلف الكواليس تجري تطورات كثيرة”.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة ودمشق وأنقرة أصبحت أكثر تنسيقاً من ذي قبل، معتبراً أن تقارب الرؤى بين الأطراف الثلاثة قد يمهّد لحلّ سلس من دون أزمات، مضيفاً: “نأمل أن نجد طريقاً لتجاوز هذا البلاء بسلاسة، ونحن نسير في هذا الاتجاه”.

تنسيق إقليمي ضد “داعش”

وتحدث وزير الخارجية التركي عن انطلاق آلية إقليمية بين تركيا والعراق وسوريا والأردن ولبنان لمكافحة تنظيم داعش، مؤكداً: “بدأنا باتخاذ خطوات ملموسة”.

وأوضح أن لقاءات جرت في أنقرة بين وزيري خارجية الأردن وسوريا، وتم الاتفاق على تفعيل خلية الاستخبارات والعمليات، إلى جانب تشكيل فرق أمنية من الدول الثلاث، معتبراً ذلك تطوراً مهماً لأمن المنطقة.

وأشار فيدان إلى أن هناك أكثر من 40 ألف شخص في مخيمات تحت سيطرة “قسد”، ويتم التنسيق حالياً مع دمشق وبغداد لإخلائها، مع وجود مقترح أميركي مؤقت بأن تتولى الأمم المتحدة إدارة تلك المخيمات ريثما تُعاد السيطرة السورية عليها.

الموقف من القوات الأميركية

وفي ما يتعلّق بالوجود الأميركي في سوريا، أوضح فيدان أن “المشكلة لم تكن في وجود القوات الأميركية بحد ذاته، بل في دعمها لحزب العمال الكردستاني”، وأضاف: “نريد أن يتوقف هذا الدعم، فوقف التعاون مع هذه المجموعات هو أمر مهم جداً بالنسبة لتركيا”.

وأمس كشف مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة سحبت 500 جندي أميركي من سوريا، وأغلقت قاعدتين على الأقل، وسلمت قاعدة ثالثة لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، خلال الأسابيع القليلة الماضية.

والإثنين، كشف السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن توجه الولايات المتحدة لتقليص عدد قواعدها العسكرية في سوريا.

وأوضح باراك أنه “من 8 قواعد، سينتهي الأمر بقاعدة واحدة فقط”، في إشارة إلى رغبة الولايات المتحدة في تقليل انتشارها العسكري في سوريا.

——————————–

القضية الكردية: اختبار دمشق الأصعب في إعادة بناء الدولة السورية/ سلام حسن و عبد الله البشير

03 يونيو 2025

تبقى القضية الكردية بمثابة التحدي الأصعب في طريق استعادة السلطة المركزية في دمشق نفوذها على كامل الأراضي السورية، وظهرت بوادر مرونة من قبل دمشق تجاه هذا الملف الحساس من خلال اتفاق مباشر جرى في مارس/ آذار الماضي ما بين الرئيس السوري أحمد الشرع، مع قائد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، تضمن خريطة طريق لدمج المؤسسات العسكرية والمدنية في مناطق شمال شرق البلاد ضمن هيكلية الدولة المركزية قبل نهاية العام الجاري.

ولا يزال الطريق أمام هذه المفاوضات مليئًا بالعقبات، إذ تسيطر “قسد” وذراعها السياسية والإدارية المتمثلة في “الإدارة الذاتية” على نحو 33% من مساحة البلاد، تشمل كامل محافظة الحسكة والرقة مع أجزاء كبيرة من ريفها، وأجزاء من ريف دير الزور، بالإضافة إلى مناطق واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي. وعلى الرغم من أن القوات الكردية تمثل عماد هذه السيطرة، إلا أن شرعية تمثيل هذه الإدارة محل خلاف داخلي بين القوى الكردية السورية، رغم المؤتمر الذي وحّد رؤيتها السياسية في سورية، كما لا تعترف الحكومة السورية في دمشق بها وتعدها سلطة أمر واقع جاءت نتيجة تحالفها مع قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، خاصة في ظل غياب أي انتخابات حرة ونزيهة، شأنها شأن بقية المناطق السورية.

ورغم توقيع وثيقة وحدة الصف الكردي في مؤتمر القامشلي بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي يقود “قسد” ومجلس سورية الديمقراطية (مسد)، فإن الخلافات الفكرية والسياسية لا تزال قائمة، لا سيما فيما يتعلق برؤية كل طرف لمستقبل سورية وشكل الدولة والدستور، إذ يطالب المجلس الوطني الكردي بفيدرالية تضمن “حقوقًا كردية ما فوق دستورية”، ويرى نفسه معنيًا فقط بالمناطق ذات الغالبية الكردية، ما يصفه بـ”كردستان سورية”، من دون السعي لأي نفوذ في المناطق العربية مثل دير الزور والرقة، وهو ما يجعله أقرب في رؤيته إلى ما تسعى إليه الحكومة في دمشق.

في المقابل، تُصر “قسد” على الاحتفاظ بهيكليتها العسكرية ككتلة موحدة تحت إشراف وزارة الدفاع السورية ضمن منظومة مركزية، مع الحفاظ على استقلالية مؤسساتها الإدارية، خاصة تلك المعنية بإدارة الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والمعابر الحدودية. وترفض “قسد” ضم قوات “بيشمركة روج” التابعة للمجلس الوطني الكردي بشكل كتلة واحدة إلى مؤسساتها، رغم أن هذه القوات تضم حوالي سبعة آلاف مقاتل تلقوا تدريبات على أيدي التحالف الدولي، ولهم سجل قتالي في مواجهة تنظيم “داعش”، ويتمركزون حاليًا في إقليم كردستان العراق.

ما بين التنافس وانعدام الثقة

يرى الكاتب والمفكر السوري عمار ديوب أن انعدام الثقة هو السمة الأبرز للعلاقة بين “قسد” والحكومة السورية، إذ يقول لـ”العربي الجديد”: “لا تثق قسد بالحكومة السورية، كما أن الحكومة لا تملك ثقة حقيقية بها، وكل طرف يتعامل مع الآخر كتهديد مستتر”. ويضيف: “تحاول قسد تقديم نفسها كياناً سياسياً متماسكاً في مواجهة هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على الشمال الغربي، لتُظهر نفسها طرفاً قابلاً للشراكة، ويمتلك مؤسسات ومشروعًا وطنيًا، لا مجرد سلطة أمر واقع عسكرية”. لكن ديوب يلفت إلى أن هذه المقارنة ليست دقيقة من وجهة نظره، موضحًا: “الهيئة لا تتقبل وجود أي كيان آخر على قدم المساواة، لا كردي ولا عربي، بل تتعامل مع الجميع على أنهم أفراد بلا أي تمثيل حقيقي، ما يجعل مشروعها مختلفًا تمامًا عن مشروع قسد”.

ويتابع ديوب: “تحاول الإدارة الذاتية وقسد كسب شرعية خارجية عبر إبراز دورها المحوري في التحالف الدولي ضد داعش، خاصة أن السلطة في دمشق لم تحظَ بشرعية دولية مكتملة حتى الآن، فيما تبقى هيئة تحرير الشام مدرجة على لوائح الإرهاب”. ويشير إلى أن “قسد قد تبقى لاعبًا محوريًا في سورية بفعل الدعم الدولي، وقد تتمكن من فرض شروطها حتى على القيادة المدنية الجديدة في الشمال ممثلة بأحمد الشرع”. ويضيف: “الإدارة الذاتية، وقسد، وهيئة تحرير الشام، جميعها لا تؤمن بأن الانتخابات الحرة، سواء بلدية أو برلمانية، هي المسار الحقيقي نحو انتقال ديمقراطي”.

اللامركزية أسّاس الخلاف

أما الكاتب والمحلل السياسي الكردي عبد الحليم سليمان، المقيم في مناطق الإدارة الذاتية، فيقول لـ”العربي الجديد”: “الإشكالية الرئيسية تتمحور حول بنية الدولة، فبينما ترى قسد أن سورية يجب أن تكون دولة لا مركزية تسمح بوجود قوى حماية محلية مرتبطة بوزارة الدفاع، تُصر الحكومة السورية على الإبقاء على مركزية القرار وتوحيد كافة القوات تحت سلطة العاصمة”. ويشير سليمان إلى أن “هناك اتفاقًا مبدئيًا بين قسد وعدد من الأحزاب الكردية على مبدأ اللامركزية، ولكن الخلافات تكمن في التفاصيل، كطبيعة النظام السياسي المنشود، فبعض الأحزاب تميل إلى نموذج فدرالي برلماني، فيما تتجنب قسد الخوض في هذه التفاصيل وتعتبرها من اختصاص القوى السياسية لا العسكرية”.

وفي سياق متصل، يوضح سليمان أن “مسألة قبول التعددية لا تزال نقطة خلافية بين قسد ودمشق”، متسائلًا: “هل ستعترف سورية الجديدة بالتنوع القومي والإثني والديني، أم ستبقى دولة بطابع أحادي كما كانت؟”. ويضيف: “خلال السنوات الماضية، دار جدل واسع حول شكل الدولة وتوزيع السلطات، خاصة في مؤتمرات مثل مؤتمر الحوار الوطني والإعلان الدستوري، وهذه مسائل لا تزال دون حسم”. ويختم سليمان بالقول: “قسد لم تنشأ كقوة تمثل الأكراد فقط، بل كوّنت نفسها كقوة دفاعية لجميع مكونات المنطقة في خضم أحداث الثورة السورية، وهي تتبنى حلًا ديمقراطيًا يتقاطع مع رؤية معظم الأحزاب الكردية، بما فيها المجلس الوطني الكردي، الذي يطالب بحل عادل ومشاركة حقيقية للكرد ضمن دولة ديمقراطية تشاركية”.

وفي السياق، يرى رئيس حزب الوسط الكوردي، أحد أحزاب المجلس الوطني الكردي، شلال كدو، أن الخلافات بين المجلس والإدارة الذاتية تراجعت بعد مؤتمر 26 إبريل/ نيسان، الذي أسهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الكردية. ويقول لـ”العربي الجديد”: “في السابق، كان المجلس الوطني الكردي يطالب بفدرالية واضحة، في حين أن حزب الاتحاد الديمقراطي كان يتبنى خطابًا فضفاضًا وطوباويًا دون وضوح في ما يتعلق بالقضية السورية”.

ويضيف كدو: “لكن المؤتمر الأخير أسّس لرؤية موحدة نسبيًا، حيث جرى تبني وثيقة سياسية نالت موافقة إقليمية ودولية، وأصبحت مرجعية لجميع الأطراف. خرق هذه الوثيقة من أي طرف سيكون خرقًا للتفاهمات العامة التي بُنيت عليها”. ويختم كدو بتأكيد أن “القضية الكردية اليوم تحظى بتفاهم سياسي غير مسبوق بين الفاعلين الكرد، ضمن رؤية تطالب بحل عادل وشراكة فعلية في القرار السياسي السوري، من خلال دولة لا مركزية ديمقراطية تضمن تمثيل الجميع على أساس المساواة والحقوق”.

—————————–

خبز السوريين: سطوة الجفاف والهبات الخارجيّة ومناقصات الحكومة الجديدة!

مصعب الياسين – صحافي سوري

04.06.2025

لم تكن أراضي ريف إدلب الجنوبي الوحيدة التي أصابها الجفاف هذا العام، إذ حالها كحال الحقول في محافظات حماة، وإدلب، وحلب، وحمص، والرقة، وغيرها من المحافظات السورية، التي لم يعد أصحابها يأملون بموسم سخي، أو حتى موسم يعوّض لهم ما خسروه على الزراعة لهذا العام.

يفرك عبد القادر الراشد بيديه المتعبتين بعضًا من سنابل القمح من حقله في ريف إدلب الجنوبي للاطمئنان على نتاج المحصول، لكن هذا العام لا يقع في يدي الراشد إلا بعض الحبات العطشى، التي لم ترتوِ على مدار العام بماء السماء.

أثناء تجوّله بين سنابل القمح بالقرب من بلدة الهبيط جنوب إدلب، يقول المزارع الراشد لـ”درج”: “حال محصول القمح هذا العام بالنسبة لي كالطفل الرضيع الجائع وثديا أمه فارغان من الحليب، وهذا ما حصل معنا في هذا الموسم، حيث كنا نرى حقولنا عطشى ولم تحصل على كميات أمطار كافية، ولا نملك حيلة لريّها، بخاصة بعد سرقة ميليشيات النظام السابق تجهيزات آبار المياه وردمها وغياب الكهرباء عن المنطقة، عوامل ساهمت جميعها في تدهور المحصول هذا العام، الذي لا أتوقع أن تصل إنتاجيته إلى 10 في المئة مقارنة بالسنوات الماضية”.

لم تكن أراضي ريف إدلب الجنوبي الوحيدة التي أصابها الجفاف هذا العام، إذ حالها كحال الحقول في محافظات حماة، وإدلب، وحلب، وحمص، والرقة، وغيرها من المحافظات السورية، التي لم يعد أصحابها يأملون بموسم سخي، أو حتى موسم يعوّض لهم ما خسروه على الزراعة لهذا العام.

وفي بلدة كفرنبودة شمال غربي محافظة حماة، وجد المزارع حسين أبو محمد نفسه مضطرًا إلى ترك حقله المزروع بالقمح للأغنام، بعد تدهور حال النباتات بسبب انحباس الأمطار، وعجزه عن ريّ أرضه بسبب افتقاره الى الأموال اللازمة لذلك، لا سيما أنه عاد حديثًا إلى أرضه بعد موجة نزوح طويلة في المخيمات.

يقول حسين: “يومًا بعد آخر، كانت نباتات القمح تتراجع خضرتها حتى وصلت إلى اللون الأصفر في منتصف شهر نيسان/ أبريل، وبدت السنابل الفارغة أصلًا من الحب تتساقط على الأرض، وبالرغم من مكابرتي لأكثر من شهرين على حال حقل القمح، وحزني المتواصل عليه، لم أجد حلًا غير تأجير الحقل لرعاة الأغنام، علّي أستطيع شراء خبز لعائلتي التي كانت تنتظر محصول القمح لترميم منزلنا المدمّر بفعل براميل نظام الأسد البائد”.

الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر في سوريا

حذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) من أن الجفاف الحاد الذي تتعرض له سوريا في عام 2025 قد يؤدي إلى فشل ما يصل إلى 75 في المئة من محصول القمح المحلي، ما يهدد الأمن الغذائي لملايين السكان.

وقال توني إيتل، ممثل الفاو في سوريا، في تصريح نقلته وكالة “رويترز”، إن المنظمة تتوقع عجزاً غذائياً يُقدّر بـ2,7 مليون طن من القمح هذا العام، وهو ما يعادل الكمية اللازمة لإطعام نحو 16,3 مليون شخص لمدة عام كامل.

توقعات الفاو سبقها تصريحات وُصفت بـ”المخيفة” من الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب بخروج آلاف الهكتارات من المساحة المزروعة بالقمح في مجال إشراف الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب والبالغة 52541 هكتاراً، بسبب انحباس الأمطار خلال الموسم الزراعي الحالي فيما تعتبر منطقة سهل الغاب من السلل الزراعية الاستراتيجية في سوريا.

لم يكن انحباس الأمطار السبب الوحيد في تدهور محصول القمح، وإن كان هو الأكبر، بحسب الأستاذ عبد العزيز القاسم، المدير العام لهيئة تطوير الغاب.

وفي حديثه لـ”درج”، قال القاسم إن خروج سد أفاميا عن الخدمة بسبب سرقة قوات النظام السابق وميليشياته معداته وتجهيزاته، أدى إلى تدهور المخزون المائي في المنطقة، إضافة إلى ارتفاع أسعار تجهيزات الريّ من الآبار، وارتفاع أسعار الديزل، وتخريب قنوات الري وعدم صيانتها منذ فترة طويلة. هذه الأسباب اجتمعت هذا العام على محصول القمح، وأدت إلى تدهوره في المنطقة.

لا أرض ولا دار

عادت عائلة هزاع الهواري إلى سراقب بعد نزوح قسري عن أرضها لسنوات طويلة، والأمل يحدوها بزراعة الأرض حتى تتمكن الأسرة من ترميم منزلها من نتاج محصول القمح. ومنذ الأيام الأولى لتحرير المنطقة، وصل الهواري إلى أرضه، وعمل على تهيئتها وحراثتها وزراعتها بالقمح في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024.

يقول الهواري إن منزله مدمّر بنسبة 60 في المئة، ويضيف: “مع عودتي وعائلتي إلى المنطقة، أمضينا كل فصل الشتاء والبرد في غرفة تفتقر إلى الشبابيك والأبواب، استعَضْنا عنها ببعض البطانيات، وننتظر بفارغ الصبر محصول القمح حتى نشتري تجهيزات ومواد بناء للمنزل، لكن مع تأخر الأمطار وعجزنا عن ريّ القمح، تراجع المحصول بشكل مخيف أمام أعيننا، ولم نستفد منه بليرة واحدة، لا سيما أن مساحة حقلي تفوق الـ100 دونم”.

يضيف الهواري: “اضطررت إلى بيع 20 دونمًا من أرضي حتى نشتري الطعام والشراب وبعض أساسيات المعيشة. أما ترميم المنزل فلم يعد الهدف الرئيسي لنا، ولا أعلم إن كنت سأضطر إلى بيع المزيد من الأرض حتى العام المقبل لنبقى على قيد الحياة ولا نجوع فقط”.

موسم كارثي والحكومة تتحرك

بحسب الناشط في أبحاث المناخ والبيئة، المهندس أنس رحمون، فإن محصول القمح المزروع بعلًا يحتاج إلى كمية هطول مطري تزيد عن 235 ملم سنويًا، وكلما زاد الهطول زاد الإنتاج. أما الواقع الحالي، فيُظهر أن غالبية المناطق البعلية في سوريا لم تتجاوز كمية الهطولات المطرية فيها 250 ملم، وبالتالي خرجت مساحات القمح من الخدمة، وكان الموسم كارثيًا.

وبحسب مسؤول في وزارة الزراعة السورية، فإن توقعات الإنتاج للعام الحالي لا تغطي سوى 19 في المئة من احتياج السوريين من الخبز. وقد دفع التدهور الكبير في موسم القمح والجفاف المتفاقم في المنطقة الحكومة السورية إلى قبول شحنات من القمح العراقي لتغطية عجز إنتاج الخبز.

وفي حديث خاص لـ”درج”، قال مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في محافظة إدلب، الأستاذ ضياء العلي، إن منحة القمح المقدمة من العراق ساهمت في زيادة وزن ربطة الخبز في المحافظة، في حين تبلغ الكمية الإجمالية من التبرع العراقي 220 ألف طن تصل تباعًا إلى سوريا، وتُوزّع على المحافظات ليصار إلى توزيعها على المطاحن، ومن ثم المخابز.

وبالتوازي مع المنحة العراقية، قدّمت دولة قطر 734 طنًا من القمح إلى محافظة حمص، لسدّ حاجة المخابز في المحافظة، بحسب تصريحات مسؤولين لوسائل إعلام رسمية.

وقد كانت سوريا، حتى عام 2011، دولة مكتفية ذاتيًّا بل ومصدّرة للقمح، إذ بلغت المساحات المزروعة بالقمح عام 2007 نحو 1.7 مليون هكتار، بمعدل إنتاجي يزيد عن 4 ملايين طن.

خطوات حكومية تجاه القمح

منذ سقوط النظام اختلفت الأنباء عن القمح في سوريا، إذ وصلت شحنة روسية استثنائية لمرة واحدة، في حين أعلنت وزارة الزراعة أن تكلفة شراء القمح من المزارعين خلال عام 2025 بلغت نحو 1.2 تريليون ليرة سورية. وأضاف مدير عام المؤسسة العامة للحبوب في سوريا، حسن العثمان، أن التقديرات المتوقعة لمحصول القمح لهذا العام تبلغ أكثر من 750 ألف طن.

 مقارنة مع عام 2024 استوردت الحكومة كميات من القمح بلغت 1.400 مليون طن لسدّ الفجوة بين الإنتاج المحلي والحاجة الفعلية للاستهلاك، صرح حينها المدير العام لمؤسسة الحبوب السورية، سامي هليل: “لدى الحكومة كميات تكفي حتى حزيران/ يونيو 2024، والذي يبدأ معه موسم شراء المحصول المحليّ”.

النقص يتضح في  الحاجة للاستيراد التي نتلمسها في  طرح مناقصة دولية طلبت فيها الحكومة السورية الجديدة شراء 100 ألف طن، سبقتها أخرى بالكميّة ذاتها، في ما وصف بـ “أول عملية شراء كبرى في مناقصة دولية منذ وصول الإدارة الجديدة”. لكنْ يبدو أن هناك تكتيك آخر قد تتبناه الحكومة، إذ أشارت نشرة the syria report، على لسان مصدر من وزارة الزراعة، أن الوزارة أخذت بالاعتبار التخلي عن دعم زراعة القمح، والسبب حسب المصدر “أن القمح يستهلك المياه بشكل كثيف”، الكلام ذاته الذي نقلته رويترز، إذ أشار مصدر إلى “الحد من المزروعات التي تحتاج إلى الكثير من المياه”.

وأضاف جهاد يازجي، الصحافي والخبير الاقتصادي: “من المحتمل أن الحكومة لن تصرّح علنًا عن توقفها عن دعم القمح. بدلاً من ذلك، سيُباع المازوت بأسعار السوق (وقد بدأ ذلك فعلاً في 8 كانون الأول/ ديسمبر)؛ ومن المحتمل أيضًا أن تعرض الحكومة شراء المحصول بأسعار أقل من السوق؛ كما ستتوقف عن تمويل البنية التحتية وعن تقديم القروض”.

من جهتها، أعلنت الحكومة السورية، عبر وزارة الزراعة، عن تسعيرة القمح الذي ستشتريه من المزارعين للعام الحالي، إذ بلغ سعر الطن الواحد 420 دولارًا أميركيًا. وقال حسن عثمان، المدير العام لمؤسسة الحبوب، في تصريح لوسائل إعلام محلية: “إن المؤسسة بانتظار الموافقة الرسمية على التعرفة التي قدمتها للجهات الوصائية”، مشيرًا إلى أنها “قدمت اقتراحًا بخصوص تسعيرة القمح لهذا الموسم، والمقدرة بنحو 420 دولارًا للطن الواحد”.

التسعيرة المطروحة من الحكومة وصفها مزارعون بأنها مرضية ومشجعة على زراعة القمح خلال المواسم المقبلة، مطالبين في الوقت نفسه بإيجاد آلية لدعم ري القمح حتى لا يكون المزارع ضحية للجفاف وانحباس الأمطار، لا سيما في المناطق التي يمر بها نهر العاصي، الذي يُعد موردًا مائيًا مهمًا.

أبلغت الجمعيات الفلاحية في 4/6/2025 مزارعي سهل الغاب عن البدء بتسليم منحة مالية لدعم زراعة القمح على مجرى نهر العاصي حيث كانت الدفعة الأولى تقدر بحوالي 100 دولار أمريكي وهي دفعة أولى من عدة دفعات

الجدير بالذكر أن محصول القمح هذا العام في منطقة سهل الغاب لم يمر بسلام، إذ أدّت الحرائق التي اندلعت في المساحات الزراعية إلى تلف 184 دونمًا، بينها 145 دونمًا مزروعة بالقمح، وتوزعت هذه الحرائق في الحقول التابعة لأقسام السقيلبية، الزيارة، عين الكروم، وشطحة.

درج

—————————–

تركيا لإنهاء مشكلة دمج «قسد» بالتعاون مع دمشق وواشنطن

استبعدت سحب قواتها وتواصل المحادثات مع إسرائيل لتجنب الصدام في سوريا

أنقرة: سعيد عبد الرازق

4 يونيو 2025 م

أكدت تركيا أنها تعمل مع الحكومة السورية والولايات المتحدة على حل مشكلة تنفيذ اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الجيش السوري الجديد، لافتة إلى أنه ليس لديها خطط الآن لسحب قواتها من شمال سوريا.

وبينما تواترت تقارير عن لقاءات مباشرة بين تركيا و«قسد» بوساطة أميركية، لبحث تنفيذ الاتفاق مع دمشق على الاندماج في الجيش السوري، ونقل السيطرة على سجون ومخيمات عناصر تنظيم «داعش» وعائلاتهم إلى الحكومة السورية، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن بلاده تأمل في أن تجد طريقة لتنفيذ الاتفاق الموقع بين دمشق و«قسد»، في مارس (آذار) الماضي، بالتعاون مع الحكومة السورية والولايات المتحدة.

ولمح فيدان إلى مماطلة «قسد» في تنفيذ الاتفاق، وهو ما أشار إليه أيضاً الرئيس رجب طيب إردوغان الأسبوع الماضي، قائلاً: «حتى الآن، بعد الاتفاقية التي أبرموها في مارس، لم يحدث الكثير عملياً بمعنى آخر كل شيء واضح، لكن هناك الكثير خلف الكواليس».

وأضاف فيدان، في مقابلة تلفزيونية، ليل الثلاثاء – الأربعاء: «مع تعزيز وحدة وجهات النظر بين دمشق وأنقرة وواشنطن سنجد سبيلاً للتغلب على (هذا البلاء) دون أي مشاكل، نحن نسير نحو ذلك».

التنسيق ضد «داعش»

وعن آلية التنسيق الخماسية بين «تركيا والعراق وسوريا والأردن ولبنان» لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، التي اتفق على تشكيلها خلال اجتماع في عمان في مارس الماضي، قال فيدان إن وزيري الخارجية الأردني والسوري، أيمن الصفدي وأسعد الشيباني، زارا أنقرة الشهر الماضي، وتم اتخاذ قرار «جوهري» بأن «الهيئات العسكرية والاستخبارية ستشكل خلية المخابرات والعمليات».

وأضاف أنه تم تشكيل فرق من الأردن وسوريا وتركيا لمكافحة التنظيم، عادا إياها خطوة مهمة على صعيد الأمن الإقليمي. وشدد على ضرورة انتزاع ورقة مكافحة «داعش» من يد «وحدات حماية الشعب الكردية» (أكبر مكونات «قسد» والحليفة لأميركا في الحرب على «داعش») لمنعها من ابتزاز المجتمع الدولي.

اجتماع لوزراء خارجية تركيا والأردن وسوريا في أنقرة الشهر الماضي لبحث التنسيق ضد «داعش» (الخارجية التركية)

اجتماع لوزراء خارجية تركيا والأردن وسوريا في أنقرة الشهر الماضي لبحث التنسيق ضد «داعش» (الخارجية التركية)

وأوضح فيدان أن هذا يتطلب عملاً مكثفاً، مشيراً إلى أن هناك مسألتين في موضوع «داعش» هما: المخيمات التي يعيش فيها عائلات وأطفال أعضاء التنظيم الإرهابي، والسجون التي تسيطر عليها «قسد» في شمال شرقي سوريا، وأنهم يعملون على هاتين المسألتين.

وقال إن هناك أكثر من 40 ألف شخص في المخيمات، وإنهم يعملون على إخلائها مع الإدارتين العراقية والسورية، والموضوع مطروح من جانب الأمم المتحدة على جدول الأعمال، ولدى الأميركيين اقتراح يتعلق بإدارة المخيمات من قبلهم حتى إخلائها.

وأضاف فيدان: «هناك مسألة عودة المناطق التي تقع فيها هذه المخيمات إلى الإدارة السورية، وهناك دراسات جارية بشأن السجون، المهم الآن هو أنه إذا تم تشكيل فرق متخصصة بهذا الموضوع، تتكون من 3 إلى 4 دول، وإذا تم العمل على هذا الموضوع باستمرار وتوافرت الإرادة، فإننا سنصل إلى هدف محدد».

وعبر عن أمله في الوصول إلى نقطة ما من خلال العمل المنسق بين الأطراف، لا سيما الولايات المتحدة وسوريا وتركيا والعراق.

وعن آخر مستجدات انسحاب القوات الأميركية من سوريا، قال فيدان إن «مشكلتنا الرئيسية لم تكن متعلقة بالوجود الأميركي، فالولايات المتحدة موجودة في أماكن عديدة بالمنطقة، مشكلتنا الرئيسية كانت تعاون واشنطن مع (وحدات حماية الشعب الكردية – قسد) والدعم المقدم لها، نريد أن ينتهي هذا الدعم، كان من المهم لنا إنهاء هذا التعاون».

تعاون عسكري

في سياق متصل، قال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، إن تركيا تدرب وتُقدّم المشورة للقوات المسلحة السورية، وتُساعد في تحسين دفاعاتها، نافياً أن يكون لدى تركيا خطط فورية لسحب أو نقل قواتها المتمركزة في شمال سوريا.

وأكد غولر أن الأولوية العامة لتركيا في سوريا هي الحفاظ على سلامة أراضيها ووحدتها، والقضاء على الإرهاب، وأنها تدعم دمشق في هذه الجهود، مضيفاً: «بدأنا بتقديم خدمات التدريب والاستشارات العسكرية، مع اتخاذ خطوات لتعزيز القدرة الدفاعية لسوريا».

وتابع أنه من السابق لأوانه مناقشة إمكانية انسحاب أو نقل أكثر من 20 ألف جندي تركي في سوريا.

وأكدت تركيا مراراً أنها لا تفكر حالياً في مسألة الانسحاب، وأنها قد تعيد انتشار قواتها في سوريا، وذلك في ضوء مخاوف من عدم التزام «قسد» بتنفيذ الاتفاق مع دمشق، وعدم حل «وحدات حماية الشعب الكردية» وإخراج عناصرها الأجنبية من سوريا، وهو ما تعتبره مصدر تهديد أمنياً على حدودها الجنوبية.

وقال غولر إنه «لا يمكن إعادة تقييم هذا إلا عندما تحقق سوريا السلام والاستقرار، وعندما يزول خطر الإرهاب في المنطقة تماماً، وعندما يُضمن أمن حدودنا بالكامل، وعندما تتم العودة الكريمة للأشخاص الذين اضطروا إلى الفرار».

ووعدت تركيا بالمساعدة في إعادة إعمار سوريا المجاورة وتسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين من الحرب الأهلية، ولعبت دوراً بارزاً الشهر الماضي في رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا.

محادثات مع إسرائيل

لكن نفوذ تركيا الذي اتسع في ظل الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، أثار مخاوف إسرائيل، وهدد باندلاع مواجهة، أو ما هو أسوأ، بينهما في سوريا.

وفي هذا الصدد، قال غولر، في رده على أسئلة لوكالة «رويترز»، إن تركيا وإسرائيل تواصلان محادثات خفض التصعيد لتجنب وقوع حوادث عسكرية في البلاد؛ في إشارة إلى محادثات تتوسط فيها أذربيجان، التي استضافت منذ مارس الماضي وحتى الآن 3 جولات منها.

ووصف غولر المحادثات بأنها «اجتماعات على المستوى الفني لإنشاء آلية لفض النزاع لمنع الأحداث غير المرغوب فيها» أو الصراع المباشر، بالإضافة إلى «هيكل للتواصل والتنسيق».

وقال: «تستمر جهودنا لتشكيل هذا الخط وتشغيله بالكامل. ومع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن آلية فض النزاع ليست تطبيعاً».

الشرق الأوسط

———————–

البوصلة الكردية… صمّام الأمان السوري/ مها حسن

04 يونيو 2025

تكاد سورية اليوم تخرج كالعنقاء من وسط الدمار والخراب، محاولةً أن تصبح دولةً لديها مؤسّسات ونظام سياسي وعسكري ومواطنون آمنون. في هذه اللحظة السورية المعلّقة بين الركام والمجهول، وبين قوى الأمر الواقع والارتباطات الإقليمية والدولية، تظلّ البوصلة الكردية واحدة من القِبلات القليلة التي لم تنكسر، بل إنها اليوم، وسط هذا الغرق الجماعي، تشير إلى برٍّ محتمل، نحو وطن لم يولد بعد.

ليست البوصلة الكردية ناطقةً باسم مكوّن واحد، بل هي مشروع متكامل يعكس حرصاً على التنوّع، ورفضاً للعنجهية والانغلاق، فالتلوّن الكردي (سياسياً وإثنياً، ونسوياً) لم يكن أبداً أداة تمزيق، بل كان درعاً صلبةً لصيانة ما تبقّى من فسيفساء سورية المهدّدة بالتشظّي. منذ بدايات الثورة السورية، لم ينخرط الكرد في نزعات الثأر ولا الشعارات الانتقامية، بل سلكوا طريقاً ثالثاً، صعباً ودموياً أحياناً، لكنّه ثبت أنه الأكثر عقلانية على المدى البعيد. ومن هذا المنظور، أيّ رفض للكرد أو استبعاد لهم من المشهد السياسي، لن يكون مجرّد إقصاء، بل خيانة لمعنى الوطن المشترك. رفض البوصلة الكردية يقود المركب السوري نحو الغرق لا محالة. ولأننا نعيش في مناخٍ من التطبيع مع قوىً كانت حتى الأمس القريب تُصنّف إرهابيةً، فمن المشروع أن نُعيد التفكير في المعايير. تغاضى الغرب (على سبيل المثال) عن الماضي الجهادي لأبو محمد الجولاني، وفتح خطوطاً سياسية معه للتخلّص من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كما سبق وصنع الغرب أسامة بن لادن، الذي تحوّل أكبر خصم له، ها هو اليوم يختار الجولاني، الخبير بالبنية الجهادية والقتالية للتنظيمات التي تهدّد الغرب، لكنّه يتمتّع بعقلية حيوية واقعية، قادرة على التحوّل مشروعاً سياسياً، فيضع الغرب، مجدّداً، ثقته فيه، ويستدعي الشرع بوصفه الشخص القادر على “تنظيف” الساحة من المقاتلين المتشدّدين. لكن، هل يستطيع الشرع وحده القيام بهذه المهمة الصعبة؟… الإجابة بسيطة: يحتاج الشرع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي.

سورية اليوم أمام معضلة مستعصية؛ وجود آلاف المقاتلين الأجانب، إرهابيين أو تابعين لقوى إقليمية، موزّعين بين سجون “قسد” في الشرق ومواقع النظام والمليشيات في الغرب. وحده التعاون الحقيقي بين الطرفَين يمكن أن يؤدّي إلى حلّ جذري يُنهي الوجود غير السوري، ويُمهّد لقيام جيش وطني قوي غير عقائدي. وهنا، لا بد أن نتوقّف عند خطوةٍ محوريةٍ تغيّر مسار تفكير “قسد” وسلوكها، وهي قرار حزب العمّال الكردستاني حلّ نفسه، الأمر الذي لاقى ترحيباً من مظلوم عبدي، وأبدى استعداده وفتحه للحوار مع تركيا. وهذه ليست مجرّد أخبار هامشية، بل تحوّلات استراتيجية تحمل طموحاً إلى تجاوز العسكرة نحو السياسة، وتجاوز الحرب نحو السلام. إنها رغبة في إغلاق الجبهات لا فتحها، لبناء سورية من دون قتال، بسلاح لا يُشهَر إلا للدفاع عن السيادة. وفي خضم هذا المشهد السوري المتداخل، تبرز “البوصلة الكردية”، ليس حالةً محلّيةً معزولةً، بل مشروعاً سياسياً وأخلاقياً ناضجاً، يشكّل ركيزةً ممكنةً لإعادة بناء الوطن، فما الذي تحمله هذه البوصلة من ملامح؟ وما الذي يجعلها صمّام أمان حقيقي وسط انهيارات المعنى والانتماء؟

لا بدّ، أولاً، من احترام التنوّع بوصفه أساساً للوطن، لا تهديداً له، فالتجربة الكردية قامت، منذ بدايتها، على فكرة الاعتراف بالآخر، العربي والسرياني والآشوري والمسلم والمسيحي، جزءاً من النسيج المشترك. هذا التنوع الذي يتسم به المشهد الكردي، وتجربة الإدارة الذاتية، تؤمّن حمايةً تلقائيةً وإحساساً بالأمان للأقلّيات في سورية، وتمنعها من اللجوء إلى قوىً خارجيةٍ تحقّق لها الأمان. على سبيل المثال، جاء توقيع الاتفاق بين الشرع وعبدي في مارس/ آذار الماضي مترافقاً مع مجازر الساحل، التي أظهرت النظام في دمشق يبدو غير قادر على ضبط انتهاكات عناصر لا تأتمر بإمرته، وكان ذلك التوقيع بمثابة ورقة أمان لعلويّي الساحل الذين ناشدوا جيش “قسد” للتدخل. وبغضّ النظر عن استجابة المقاتلين الكرد، فإن وجود هذه القوى العسكرية والسياسية، الخالية تماماً من أيّ احتمالات عدائية تجاه الأقلّيات، فهي بذاتها تشكّل جزءاً من المكوّن الأقلّوي السوري ضمن المفهوم العام. لهذا يشكّل وجودها الرسمي (والاعتراف بها) بوصلةَ أمان لباقي المكوّنات السورية. وثانياً، ينبغي رفض عسكرة المجتمع، رغم قوة التشكيلات العسكرية، فالقوة هنا ليست أداة هيمنة، بل حماية، ولم تُستخدم لبناء إمارة أو فرض وصاية. حين تندمج القوى العسكرية للطرفَين، فهذا يعني إنهاء العسكرة القومية أو العرقية، وتنتصر مجدّداً فكرة الجيش السوري الواحد، البعيد عن الأدلجة الدينية أو الطائفية أو الإثنية. وهناك (ثالثاً) تمكين النساء في أدوار غير مسبوقة. إن وحدات حماية المرأة، ليست رمزاً للكفاح المسلّح فقط، بل هي إعادة تشكيل لصورة المرأة السورية المقاتلة القائدة المتكلمة باسم نفسها، إنها صورة تنسف نماذج الدعوات المتطرّفة التي جعلت من جسد المرأة أداةَ خوف أو عار، وتطرح بديلاً نسوياً شجاعاً يعيد تعريف الحرّية والكرامة.

رابعاً، خبرة ميدانية سياسية وعسكرية لا يمكن الاستهانة بها، فالكُرد لم يقاتلوا دفاعاً عن أرضهم فحسب، بل قاتلوا عن العالم كلّه حين هزموا “داعش”. وهناك (خامساً) رؤية لسورية خالية من المقاتلين الأجانب من الطرفَين، واستعادة الهُويَّة الوطنية المستقلّة. وأخيراً نموذج إداري مدني يقدّم مقترحاً جادّاً لسورية المستقبل، لامركزية علمانية تُبنى من الأسفل إلى الأعلى. ناهيك عن إعادة العلاقة مع تركيا على أسسٍ جديدة، خصوصاً بعد الحوار أخيراً مع مظلوم عبدي عبر محطّة شمس الفضائية، الذي أبدى فيه استعداده للتحاور مع تركيا، وكذلك على التخلّي عن اللباس العسكري والعودة إلى العمل السياسي في حال لم تعد هناك تهديدات تطاول المنطقة.

يمكننا أن نكون أمام حقبة متغيّرة تنقل سورية من الحرب الداخلية وتحميها من حروب أهلية محتملة عبر الترحيب والانفتاح على التجربة الكردية، بشقّيها السياسي والعسكري، والاستفادة منها لحماية سورية. وحده اعتراف دمشق بهذه البوصلة، وتحويلها جزءاً من قلب الدولة السورية، قد يمنع انهيار المركب، أمّا مواصلة الإنكار والتجاهل، فستقودنا إلى القاع الذي بدأنا نلمسه جميعاً.

العربي الجديد

———————————

========================

لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 05 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

ملف رفع العقوبات عن سوريا

————————–

 شرق أوسط جديد قيد التشكّل/ حسان الأسود

2025.06.04

اختزلت كلمات السفير الأميركي توم برّاك، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سوريا قبل أيامٍ عدّة، جزءًا كبيرًا من معالم المشهد الدولي الجديد والمتحرّك.

وضعت تلك السطور تصوّرًا عامًا ليس فقط لما تفكّر به الإدارة الأميركية الجديدة، بل لما يبدو أنّه ملامح النظام العالمي الجديد المتخلّق من رحم الصراعات، قديمها وحاضرها وجديدها الذي ما زال في طور التحضير. تطرّق السفير إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تمّت عملية إعادة تقسيم العالم بين الدول المنتصرة فيها. إثر تلك الحرب انهارت ثلاث إمبراطوريات كبرى، النمساوية المجرية، الروسية، والعثمانية، وتشكّلت دول جديدة. كان حلمُ العرب أن يعترف الحلفاء لهم بدولة مستقلة، وهذا كان جوهر محادثات حسين – مكماهون، والتي أثمرت عن دخول العرب الحرب إلى جانبهم في مواجهة الإمبراطورية العثمانية. لكنّ الذي حصل أنّه، وحسب قول السفير توم برّاك، “قبل قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط، وانتدابات، وحدودًا مرسومة، وحكمًا أجنبيًا. قسّم سايكس وبيكو سوريا والمنطقة الأوسع لتحقيق مكاسب إمبريالية، لا لتحقيق السلام. كلف هذا الخطأ أجيالًا. ولن نكرره.” فكيف سيكون مصير المنطقة الآن؟

يعالج السفير ذاتُه الأمر من وجهة نظر الإدارة الأميركية، فيقول: “لقد ولّى عصر التدخل الغربي. المستقبل للحلول الإقليمية وللشراكات، وللدبلوماسية القائمة على الاحترام. وكما أكد الرئيس ترامب في خطابه في 13 مايو/أيار بالرياض: (ولّت أيام التدخل الغربي التي كان يسافر فيها المتدخلون إلى الشرق الأوسط لإلقاء محاضرات عن كيفية العيش، وكيفية إدارة شؤونكم الخاصة)”. هكذا عبّر برّاك عن شكل التنافس الجديد، فسيكون للإقليم، الذي هو هنا الشرق الأوسط، كلمة في تحديد مصيره، وستكون الشراكة لا السيطرة بالقوّة الغاشمة هي الوسيلة، وسكون احترام الخصوصية في صميم هذه الشراكة. بعبارة واضحة إننا، نحن الأميركيين، لن نحاضر عليكم في المستقبل بحقوق الإنسان ولا بالديمقراطية أو غيرها. هذا اعتراف صريح بانعدام تأثير هذه الأدوات ما دامت مجرد وسائل لابتزاز الأنظمة. إنّه قرار مباشر بالذهاب إلى تلك الأنظمة والحكومات للاتفاق معها على حصصٍ واضحة ونِسَبٍ محددة وآلياتٍ فعالة للاستفادة المشتركة، وليس للنهب المنظّم والسيطرة بأدوات التدخل العسكري المباشر كما حصل خلال القرن الماضي.

كانت السياسة الأميركية قبل تسلّم إدارة ترامب متأرجحة وغير واضحة فيما يخصّ المنطقة العربية والشرق الأوسط عمومًا، فقرار إدارة أوباما التركيز على الصين، وتحديد الاستراتيجية الأميركية بالابتعاد نحو المحيط الهادئ لاحتواء العملاق القادم من الشرق، تغيّرت مع تسلّم ترامب ولايته الثانية. حاول خلال فترة رئاسته الأولى تفكيك بعض بنى الدولة العميقة التي ترسم الاستراتيجيات الكبرى، وانقطعت محاولته بفوز بايدن. الآن، وبعد أن تغيّر هو ذاته وأصبح أكثر نضجًا وقوّة، عاد ليتابع توجيه الاستراتيجية الجديدة. فيما يخصّ سوريا، كانت السياسة الأميركية تركّز على احتواء إيران، وكان الحذر من التورط في صراعٍ معقدٍ بينها وبين إسرائيل باديًا. بينما تركز واشنطن حاليًا على الملف النووي الإيراني وعلى مكافحة الإرهاب. ورغم أنها لن تتخلى عن حماية إسرائيل، لكنها لن تنظر للمنطقة بعيون الأخيرة، بل بعيون المصالح الأميركية المقدّمة على كل شيء الآن. من هنا خلت جولة ترامب من زيارة تل أبيب، فهذه التي تعوّدت أن تأخذ، ليس لها بند في جدول أعمال الرئيس القادم بطريقة تفكير مختلفة. ومن هنا هذه الحماسة في رفع العقوبات وتلك المرونة في إعطاء التسهيلات للإدارة السورية الجديدة. يرى كثيرون أنّ هذا جاء ثمرة ضغوط عربية متواصلة، وهم محقون في ذلك، لكنّ اللوحة الكبيرة تشير إلى تغيّر عالمي في مطارح التنافس وفي أدواته، كما تشير أيضًا إلى انزياحات في أولويات الحلفاء وتغيير في مصفوفات المصالح.

يُكمل السفير دورة التغيير، فيعود لأسباب الخراب الأولى، فهو بالأصل ابن هذه المنطقة، وإليها تنتمي عائلته. ليست الأعوام المئة التي تفصلنا عن حلم العرب بدولة تجمعهم بالفترة الزمنية الكبيرة، ففي عمر الشعوب هي شيء بسيط، والذاكرة لا تزال رطبة بالمرارة والمآسي التي سببتها تلك الخرائط المرسومة بفوّهات المدافع وعلى أشلاء أهل المنطقة وعلى حساب أحلامهم وحقوقهم. “ولدت مأساة سوريا في رحم الانقسام. يجب أن تأتي ولادتها الجديدة من خلال الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها. يبدأ ذلك بالحقيقة والمساءلة، والعمل مع المنطقة، لا حولها.” هكذا يحدد أساسيات جديدة للعمل المشترك، وإن صحّ وسارت الأمور وفق هذا النهج، فإنّ نقاط الارتكاز الثلاثة التي حددها تحتاج إلى تعريف بسيط لندرك أين سنضع أقامنا وأين ستكون رؤوسنا.

إن كانت الإجابات عمياء، فإنّ الأسئلة مُبصرة، فما هي الكرامة التي ستؤسس لمستقبل المنطقة وشعوبها، وهل ستشمل الفلسطينيين أيضًا إضافة لأشقائهم السوريين واللبنانيين، وهل سيفرض ترامب على إسرائيل القبول بمبدأ الدولة الفلسطينية فرضًا، وهل سيتم الانتقال إلى موجبات الدولة الحديثة التي لا تعيش مع الميليشيات، وهل ستكون الكرامة في البطون الشبعى فقط أم ستصل إلى العقول النيّرة، وهل

سيكون للمواطنين حقّ الاعتقاد والكلام كما سيكون لهم حق الأكل والشرب؟ مئات الأسئلة التي يمكن طرحها حول هذا الركن، الكرامة. أما الوحدة فهي السيف الذي قطع مشاريع التقسيم الإسرائيلية، وبنى جدارًا قويًا في وجه النزعات الانفصالية، لكنّ ذلك يحتاج لتحصين داخلي أيضًا، وهذه مهمة الدول وقياداتها ونخبها، بل هي مهمة كل فرد فيها. من لبنان إلى سوريا فالعراق وفلسطين والأردن ومصر… كلها دول بحاجة لإعادة ضبط إعداداتها، فالحداثة لا تكون فقط في الأجهزة العسكرية والأمنية، بل أيضًا في جوهر العلاقة بين المواطنين، وبينهم وبين دولتهم. التعاقدية التي قامت عليها الدولة في أوروبا لم تنتقل مع هياكل الدول إلينا، بل بقينا على إرث الرعية والراعي. هذا بالذات ما يجب تغييره حتى نحصّن الركن الثاني، أي الوحدة. أما الشعب الذي سيتم الاستثمار به، فهو الحصان الفتيّ الذي راهن عليه السفير، أو الذي يدعو الأنظمة الشريكة للمراهنة عليه. ويضع لذلك منطلقًا بسيطًا، لكنّه عميق وفعّال إلى أبعد الحدود، فالحقيقة هي ضالّة الناس، ولأجلها قامت الثورات، وبالمساءلة تُختتم حقبة غياب الحقيقة، وتبدأ حقبة جديدة، فيها يكون الإنسان هو الجوهر والغاية.

يختم السفير توم بالقول، “نحن نقف إلى جانب تركيا والخليج وأوروبا، هذه المرة ليس بالجنود والمحاضرات، أو الحدود الوهمية، بل جنبًا إلى جنب مع الشعب السوري نفسه. مع سقوط نظام الأسد أصبح الباب مفتوحًا للسلام، ومن خلال رفع العقوبات فإننا نمكن الشعب السوري من فتح هذا الباب أخيرا واكتشاف الطريق إلى الرخاء والأمن المتجددين.”، فهل يعيد التاريخ سيرة الرئيس وودرو ويلسون الذي كان ضدّ الإمبريالية التي قسّمت سوريا الكبرى وقضت على حلم العرب بدولة موحدة قوية في المشرق، وهل يكون ترامب هو المخلّص باعتباره الرجل الذي سيقفل حقبة ويبدأ أخرى، وهل استوت الظروف لهذا كلّه؟ لا أحد يعرف، وترامب لا يعمل وكيلًا لأحلامنا ومتعهدًا لرعاية مصالحنا، ونحن من يتوجب علينا القيام بمهامنا لنسير مع هذا العالم المتغير ولنصنع شرقنا الأوسط الجديد.

تلفزيون سوريا

————————–

بين اعتراف الخارج وشرعية الداخل: اختبار أحمد الشرع في زمن التخفيف المشروط/ وائل السواح

الاحتواء المشروط: هل تشتري واشنطن رئيساً لسوريا بثمن مؤجل؟

2025-06-02

كان الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان يردد قولا مأثورا مفاده أنْ “ليس هناك وليمة من دون ثمن.” يعود أصل هذا القول إلى حقبة ذهبية في التاريخ الأمريكي، حين انتشرت بدعة “الغداء المجاني” في الحانات، لكن الخدعة كانت واضحة: من يقبل بالمجاني يرغَم على شراء الشراب. فكانت العبرة: المظهر المجانيّ سراب، والحساب الآجل حتمي.

ولعل في هذا القول ما ينطبق على سوريا والكيمياء الجديدة الناشئة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الانتقالي في سوريا أحمد الشرع. ففي تحوّلٍ لافت عن سياسةٍ أميركيةٍ استمرت على مدى عقد ونيف من الزمان في عزل النظام السوري، أطلق الرئيس دونالد ترمب نهجا جديدا تجاه دمشق يقوم على “الاحتواء المشروط” بدلا من العزل التام أو تغيير النظام. تجسّد هذا التحول في اللقاء العلني مع الرئيس أحمد الشرع وإصدار “الترخيص العام رقم 25،” وتعليق مؤقت لعقوبات قانون قيصر. سوى أن هذا التحول يثير سؤالا كبيرا: هل ستعزز رعاية الولايات المتحدة للشرع موقعه، أم تجعل منه رهينة لرضا الخارج وتضعف شرعيته الداخلية؟

ما الذي دفع واشنطن إلى تغيير بوصلتها في سوريا؟

ثمة جواب بسيط وهو أن دونالد ترمب، كما اعتاد العالم، رئيس يصعب التنبؤ بسلوكه، ولا أحد يستطيع الجزم بنيّاته الحقيقية. غير أن ثمة تفسيرا آخر أكثر عمقا وتعقيدا، يرى أن التحوّل في السياسة الأميركية تجاه سوريا يرتكز على ثلاث دعائم استراتيجية واضحة.

أولًا، تسعى واشنطن إلى كبح النفوذ الإيراني في سوريا دون الانجرار إلى حرب جديدة، وذلك من خلال دعم بديل أكثر اعتدالا في دمشق يمكنه موازنة المعادلة الإقليمية.

ثانيا، يوفر تخفيف العقوبات المشروط لواشنطن فرصة للعودة إلى الساحة السورية دون تدخل عسكري أو كلفة مادية باهظة، ما يمنحها نفوذا بأقل الأثمان.

أما ثالثا، فهو التماهي مع تقاطع المصالح الخليجية والإسرائيلية، حيث يدرك ترمب أن إسرائيل وعددا من دول الخليج ينظرون إلى أحمد الشرع بوصفه شريكا أكثر واقعية وبراغماتية من بشار الأسد، خاصة بعد إشاراته المتكررة إلى انفتاح مدروس على مسار التطبيع.

تخفيف العقوبات… فرصة أم قيد؟

بداية، لا بدّ من الانتباه بدقة إلى بعض التفاصيل المهمة، فالشيطان، كما يعلم بعضنا يكمن في التفاصيل. لذلك، من المهم أن نذكّر أنفسنا بأن الترخيص العام رقم 25 ليس رفعا كاملا للعقوبات، كما يحاول البعض تسويقه في دمشق وواشنطن، بل تعليقا مؤقتا، مشروطا بمراقبة دقيقة للامتثال والتقدم في ملفات سياسية وإنسانية محددة. وبينما يعطي هذا الطابع المشروط للرئيس الشرع نافذة للتحرك، فإنه يسلّط في الوقت عينه عليه الضوء ويضعه تحت المجهر في الأشهر الستة القادمة، ويقيده بمعايير أميركية صارمة.

وببعض التفصيل، الترخيص العام رقم 25 – من الناحية القانونية – هو مجرد تعليق لبعض القيود التي فُرضت بموجب أوامر تنفيذية رئاسية، وهو بالتأكيد لا يشمل العقوبات التي سنّها الكونغرس الأميركي، مثل قانون قيصر أو تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب. وبالتالي، فإن صلاحية هذا الترخيص محدودة زمنيا وسياسيا، ويمكن إلغاؤه بسهولة إذا اعتبرت واشنطن أن الحكومة السورية الجديدة، برئاسة الشرع، لم تلتزم بما هو متوقع منها.

ثم لنمضِ خطوة أخرى: لا يجب أن نفهم هذه الشروط باعتبارها آلية ضغط فقط، بل أيضا كوسيلة اختبار مستمرة لقدرة الشرع على السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها، وتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وضبط الملفات الأمنية والإنسانية، وخصوصا تلك المتعلقة بالمساعدات والمساءلة وحماية المجتمعات السورية. وبكلمات أخرى، يمكن للتخفيف الانتقائي للعقوبات أن يمنح الرئيس هامشا معينا من المرونة، ولكنه يحمّله في المقابل مسؤولية كبيرة أمام الرأي العام المحلي والدولي، وقد يصل الأمر إلى حد استخدام هذا الهامش كأداة للتأثير عليه وإضعافه داخليا إذا ما تعثّر أو تأخر.

وربما لا يمكن فهم الطابع المشروط لهذا الانفتاح الأميركي دون التوقف عند ما عبّر عنه نائب الرئيس جي دي فانس في كلمته الأخيرة، حين لم يكتف بانتقاد مغامرات بناء الديمقراطية في منطقتنا عموما، بل ألمح صراحة إلى أن الديمقراطية قد لا تكون أصلا مناسبة لها. وهو طرح لا يعبّر فقط عن تشاؤم سياسي، بل يُنذر بتأسيس خطاب إقصائي، يرى في شعوب المنطقة جماعات غير مؤهلة للحكم الذاتي، وكأن الحرية ترف لا يستحقه الجميع. هذا التوجه، إن لم يُقاوم، قد يحوّل “الاحتواء المشروط” إلى إدارة استعمارية ناعمة تتوارى خلف لغة الواقعية.

سياسة قديمة: العصا والجزرة

تُجسد مواقف الدول الغربية تجاه النظام السوري الجديد حالة مركبة ودقيقة تجمع بين الإغراء والانضباط، أو ما يمكن تسميته بـ “الدبلوماسية المقيّدة بالشروط.” ففي حين تبدي قوى أوروبية كفرنسا والمملكة المتحدة استعدادا أوليا لإعادة النظر في العلاقات الاقتصادية مع سوريا، بما في ذلك اتفاقيات التجارة والتعاون، يمكن أن نرى أن ذلك لا يأتي مجانا، بل هو مرتبط صراحة بتحقيق تقدّم واضح في ملفات جوهرية، مثل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.

هذا النهج لا يُعد قطيعة مع السياسة السابقة، بل هو امتداد لمنطق “الضغط عبر الانخراط،” وهي استراتيجية تعتمدها بعض الحكومات الغربية عندما تكون مصالحها متشابكة، ولكنها تتردّد في منح الشرعية الكاملة. فالانخراط هنا ليس تعبيرا عن ثقة سياسية، بل أداة ضغط مرنة، تقيس بها العواصم الغربية مدى التزام الرئيس الشرع والحكومة السورية الجديدة بتعهداتهما على الأرض.

ويكشف هذا الموقف عن حذر غربي عميق من الرهان غير المشروط على المرحلة الانتقالية السورية. فالدعم السياسي أو الاقتصادي – وإن تمّ التبشير به – لا يزال مشروطا بضمانات موثوقة تتيح للعواصم الغربية تبرير انخراطها أمام الرأي العام المحلي، وطمأنة الحلفاء بأن انفتاحها على دمشق لا يعني تجاهلا لمبادئ العدالة والشفافية.

وتبرز ههنا إشكالية جوهرية: فهل تسهم هذه الرعاية المشروطة في تقوية الشرع من خلال منحه شرعية مؤسساتية وفرصة لإعادة بناء سوريا بدعم دولي؟ أم أنها تقيّده وتضعه في موقف المتلقي المشروط دائما، بما يفقده الزخم الوطني والاستقلالية في اتخاذ القرار؟ في كلتا الحالتين، فإن الترخيص رقم 25 يشكّل مرحلة انتقالية دقيقة، يخضع فيها المسار السوري برمّته لاختبار مزدوج: اختبار الالتزام المحلي، واختبار القبول الدولي.

 هل الرعاية الأميركية للشرع دعم أم عبء؟

تبدو الرعاية التي يحظى بها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع من الولايات المتحدة للوهلة الأولى دفعة قوية تعزز موقعه وتمنحه شرعية دولية ناشئة. فلقاؤه العلني مع ترمب، والتدرج الملحوظ في الاعتراف الغربي به، يضعانه في موقع رئيس يحظى بقبول دولي، ولو جزئي، بوصفه بديلا واقعيا عن الأسد. كما أن التعليق الجزئي للعقوبات يشكّل رافعة اقتصادية مؤقتة، تمكّنه من تحريك عجلة الخدمات الأساسية وفتح الباب أمام عودة رؤوس الأموال السورية المهاجرة، ما يمنح حكومته نافذة للتنفّس غالبا ما كانت الحكومات السابقة تفتقدها. في الداخل، تلقى هذه الرعاية صدى إيجابًا في أوساط مدنية لطالما عارضت النظام السابق، حيث تُقرأ بوصفها إشارة إلى نضج سياسي وقدرة تفاوضية متزنة لدى الشرع.

لكن هذه الرعاية، في المقابل، ليست دون أثمان. فقد استغلت القوى الجهادية، ومنها فصائل وأفراد كانوا – ولا يزالون ربما – جزءا من هيئة تحرير الشام، هذا الانفتاح على واشنطن لتصويره كخروج عن مبادئ الثورة، في محاولة لتقويض شرعيته أمام الحاضنة الشعبية الثورية. يضاف إلى ذلك أن الدعم الأميركي، بطابعه المشروط، يجعل مصير الشرع السياسي مرتبطا بأمزجة الخارج وتقلبات مراكز القرار فيه، ما يحد من قدرته على المناورة المستقلة. وفوق كل ذلك، يظل غياب التفويض الشعبي نقطة ضعف بنيوية: فالشرع – ولا يمكن أبدا أن ننسى ذلك – لم يأتِ عبر صناديق الاقتراع، ولا يمكن لأي دعم خارجي أن يملأ هذا الفراغ أو يضفي عليه شرعية داخلية كاملة.

وفي ظل هذه المعادلة الدقيقة، يجد الشرع نفسه أمام توازن هش بين الداخل والخارج. فهو مطالب بإرضاء شروط واشنطن دون أن يبدو تابعا لها، وبالحفاظ على حدّ أدنى من التأييد الشعبي في بيئة منقسمة ومتوترة، وبالتجاوب مع متطلبات أطراف إقليمية نافذة، كتركيا وإسرائيل ودول الخليج وروسيا. إنها معادلة دقيقة تجعل من الرعاية الأميركية درعا مؤقتا يحميه من السقوط، لكنها قد تتحول إلى قيد ثقيل إذا لم تُترجم إلى إنجازات ملموسة تبرر هذا الاحتضان الخارجي وتحوّله إلى دعم داخلي مستدام.

ولا شك في أن الرئيس أحمد الشرع وحكومته سيبذلان كل ما في وسعهما للاستفادة من الهامش الأميركي والدولي المتاح نتيجة رفع العقوبات أو التخفيف منها. وستتخذ هذه المساعي أكثر من مسار. أولها فتح السوق السورية أمام الشركات الأميركية والتركية والخليجية، وثانيها العمل على توفير حدّ أدنى من الاستقرار الأمني والسياسي والحدّ من العنف، وثالثها القيام ببعض الخطوات الشكلية التي ترسم مظهرا أكثر انفتاحا وأقل تشددا. وقد يعمد الشرع إلى تقليص اعتماده على المقاتلين الأجانب، من خلال تجنيس نسبة كبيرة منهم، لا يُعدّون أجانب، وتفادي منحهم مناصب عسكرية رفيعة في الجيش الجديد.

لكن هذا الطريق لن يكون مفروشا بالورود، فثمة عقبات جدية بانتظار الفريق الحاكم في دمشق. أبرزها اعتراض فصائل متشددة وشرائح من الجمهور على سياسة الانفتاح التي ينتهجها الشرع، فضلا عن أن الحوار مع قوات سوريا الديمقراطية لا يزال في بدايته، وينتظر الطرفين جولةٌ طويلة من التجاذب والمساومات قبل أن تتضح معالم العلاقة المستقبلية. ويضاف إلى ذلك حالة الانفلات الأمني والسياسي التي تعم البلاد، حيث لا تزال الجغرافيا السورية موزعة بين قوى وفصائل يتحكم كل منها بمنطقته على نحو أقرب إلى سلطة الأمر الواقع منه إلى الانضباط المركزي. ولا ننسَ الحادثة التي ما زالت ماثلة في الأذهان، حين أقدم أحد مسؤولي الأمن في حلب على الاعتداء بالضرب المبرّح على قاضٍ، ثم أُُجبِر القاضي على “الصفح” عنه، ليُفرج عن المعتدي ويعود ربما إلى هوايته في ضرب خلق الله وتعذيبهم.

وإلى جانب هذه التحديات، تبرز مسألة قد تكون الأكثر حساسية على الإطلاق: إن دخول الاستثمارات الحقيقية إلى سوريا مشروط بوجود بنية قانونية ضامنة، وهو ما لا يتوفر حاليا. فرأس المال، بطبيعته الحذرة، لا يخاطر في بيئة تفتقر إلى حماية قانونية واضحة، ناهيك عن سمعة البلاد كبيئة طاردة للاستثمار بفعل الفساد والمحاصصة والسمسرة والخوة. والتجربة الماضية ليست بعيدة، حين استحوذت أسماء الأسد، زوجة الرئيس المخلوع، على شبكتي الخليوي الرئيسيتين في البلاد.

وتغيير هذا الواقع ليس بالأمر اليسير. فغياب حكومة منتخبة ومجلس تشريعي فاعل يعني أن أي قوانين جديدة ستصدر بمراسيم رئاسية، وهي مراسيم تفتقر إلى الشرعية الديمقراطية، ما يجعل المستثمرين، سواء كانوا سوريين أم أجانب، مترددين في التعامل معها أو الوثوق بها. وفي ظل هذا المشهد المعقّد، لن يكون الانفتاح الاقتصادي مجديا ما لم يواكبه إصلاح قانوني عميق يمكن الركون إليه ووضع أمني مستقر يبدّد الشكوك، ويحوّل الهامش الدولي المؤقت إلى فرصة حقيقية للتعافي والاستقرار.

باختصار، قد تبدو اللحظة الراهنة فرصة نادرة لسوريا للخروج من عزلتها الطويلة، والانخراط مجددا في المشهدين الإقليمي والدولي، مدفوعة بانفتاح أميركي مشروط وتقاطعات مصالح متبدّلة. غير أن ما يُمنح على دفعات، وتحت المجهر، وبلغة مشبعة بالحذر والوصاية، لا يمكن أن يُبنى عليه مشروع سيادة أو ديمقراطية. فبين خطاب الواقعية الباردة الذي يلمّح إلى “عدم صلاحية” شعوب المنطقة للحكم الذاتي، وبين هشاشة الداخل السوري الذي يتلمس طريقه وسط خرائط نفوذ متنازعة، يبرز سؤال جوهري: هل يكفي أن يراهن الرئيس أحمد الشرع على دعم الخارج أو على مناخ دولي متقلب، أم عليه أن يتأكد من أنه يستطيع فعلا تحويل هذه اللحظة من اختبار مشروط إلى لحظة تأسيس وطنية؟ هل سيكتفي بلعب دور “المقبول دوليا” ضمن معادلات مرسومة سلفًا، أم سيغامر بخوض معركة الشرعية الشعبية من الداخل؟ وحدها الإجابة عن هذا السؤال، لا الترخيص رقم 25، هي التي ستحدد إن كانت المرحلة المقبلة بداية انعتاق حقيقي أم مجرد إدارة جديدة للهشاشة القديمة.

+963

———————————-

سورية ليست مجرّد عقار/ علي العائد

04 يونيو 2025

إعادة الإعمار، والتطوير العقاري، والتحوّل الحضري، مصطلحات عابرة للسياسة، والاقتصاد، والتنمية البشرية، بمندرجاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومتداخلة في ما بينها أحياناً، لكنها جميعها تندرج تحت الاصطلاح الأشمل “التنمية البشرية”؛ فإذا كان اصطلاح إعادة الإعمار يستخدم في الفترات التالية للكوارث، ومنها الحروب، يبقى مصطلح التطوير العقاري وتجديد الأبنية، لأسباب اقتصادية وتجارية، يخصّ أصحابها، وينعكس ذلك على الاقتصاد الوطني، بينما يشمل التحوّل الحضري كل ما سبق، سواء تلا ذلك حرباً ما، أو كان لمواجهة كوارث محتملة، كالزلازل، بإعادة بناء الأبنية القديمة تحسّباً من حدوث زلزال عالي الشدة لا تقاومه الأبنية المفتقدة للعناصر الهندسية المطلوبة في مثل هذه الحالة.

كانت سورية، حتى ما قبل عام الثورة (2011)، في حاجة لإعادة إعمار، وتطوير عقاري، وتحتاج الآن إلى التحول الحضري العاجل، فالنظام الأسدي هدم البلاد بقوة تفوق أي شدّة للزلازل على مقياس ريختر.

مدرسيّاً، نبني المصنع أولاً، أم نبني الطريق إليه؟ من شدّة تزاحم الأولويات في سورية، تبدو الإجابة عن هذا السؤال مستحيلة، فالبلاد في حاجة لكل شيء، وكل عرض سيجد له طلباً، من الطعام والشراب، إلى الألبسة، إلى الخدمات الطبية والدواء، وقبل كل شيء أهم بندين، الأمن والتعليم.

من وجهة نظر غير بعيدة عن الحقيقة، وبشيء من الإيمان بنظرية المؤامرة، كان لا بد من التدمير لتصبح تكلفة إعادة الإعمار مجال تسابق بين عشرات الدول، ومئات الشركات. وما يقال هنا يشبه ما يقال عن تجار السلاح الذين يشعلون حرباً لتصبح بضاعتهم مطلوبة بشدة… كان التدمير الممنهج الذي مارسه النظام الأسدي، في النتيجة، بالوكالة عن شركات التطوير العقاري، وعن الشركات المنتجة لكل ما يتعلق بالكهرباء، من أجهزة وكابلات، وأبراج، ومحولات، وعن المموّلين الذين يربحون في كل الأحوال، فهم يقرضونك المال لكي تشتري منتجاتهم، من إسمنت وحديد للبناء، إلى مفروشات، وإكسسوارات،… إلخ. حتى إن النظام الأسدي في حساباته المستندة إلى القضاء على الثورة كان يِعِد الدول الداعمة وشركاتها بمنحها عقود إعادة الإعمار مكافأة لها على مواقفها الداعمة له خلال 15 عاماً من الحرب المدمّرة، ولا سيما روسيا، وإيران، والصين.

الآن، وقد اقترب موعد رفع العقوبات المفروضة على سورية، والشركات استعدّت بملفاتها للحصاد، يبدو تطوير مرفأي طرطوس واللاذقية وإعادة تشغيلهما، أو بناء برج ترامب، أو إنشاء مشروع مترو في دمشق، مجرّد لقمة صغيرة في أفواه شركات كبيرة، خصوصاً بالقياس إلى حجم البنية التحتية المتهالكة في سورية، جرّاء الحرب، وجرّاء حكم المافيا الأسدية طوال 55 عاماً، إذ مانعت المافيا الأسدية قيام أي مشروع عصري في سورية إلا بالمشاركة مع النظام وأزلامه، ممن اشترطوا على المستثمرين أخذ حصة في أي استثمار من دون أي مقابل (!)…، فعطّلوا إنشاء مترو دمشق منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كما ساهموا في إحجام المستثمرين السوريين وغير السوريين عن الدخول في دورة الاقتصاد السوري الذي كان دائماً أحوج ما يكون لكل أنواع الاستثمار.

وإذا كتن هذا حال النظام المخلوع، فإن حال النظام الحالي لم تُعرف بعد، وإن كانت النيات تشير إلى نظافة الكف، لكن هذه وحدها لا تكفي لبناء بلد حاله حال سورية. الخشية هنا من أن تُمنح المناقصات استنسابيّاً، أو بشبهة تفتقد إلى الشفافية، وبالانحياز لشركاتٍ من دول معينة بناء على اعتبارات يغلب فيها السياسي المعيار الاقتصادي.

سورية التي في حاجة إلى كل شيء، وبشكل عاجل وإسعافي، في حاجة أيضاً إلى الأبراج التجارية، مع مراعاة الخشية على المدن القديمة، وخصوصاً دمشق، باختيار مناطق بعيدة نسبيّاً عن أسوار دمشق القديمة، ففي المدينة القديمة، ومحيطها القريب، أينما حفرت ستجد طبقة من مدن أقدم مما يظهر لنا اليوم من المدينة… الأبراج مشاريع تجارية عصرية ومهمة، بدءاً من كونها قاطرة تنمية تمتصّ عشرات آلاف فرص العمل من قطاعات مختلفة في مرحلة التأسيس والبناء. ثم إنها تحرض خدمات تابعة تستفيد منها قطاعات كثيرة في كل مراحل البناء والتشغيل. ولاحقاً، عند بدء التشغيل، وبالنظر إلى التوقّعات من حجم هذه الأبراج وارتفاعها، ونوعية الخدمات التي تقدّمها، ستوفر آلاف فرص العمل بشكل مباشر، أو غير مباشر، هذا عدا عن المكاتب التجارية لشركات إقليمية وعالمية ستستغل شهرة هذه الأبراج للترويج لعملها في سورية، وفي الإقليم، لتعزيز مكانتها التجارية، وعقد سلسلة صفقات تُولد سلاسل من صفقات تساهم في تشبيك الاقتصاد السوري مع اقتصاد الدول المحيطة، ومع الاقتصاد العالمي، بالضرورة.

في هذه المرحلة، تبدو الفرصة السورية مقترنةً بالرشد الاقتصادي، وبالشفافية، وبالتشريعات المناسبة للبلاد، وللمستثمر الوطني، أو الأجنبي، مغرية تماماً للمستثمرين، فحجم استيراد مواد البناء بالنسبة للمستثمر سيمكّنه من الحصول على أسعار تفضيلية مع استدامة شبكة التوريد إلى المورّد. كما أن انخفاض تكلفة اليد العاملة مقارنة مع الجوار، والإقليم، والعالم، ستعيد اليد العاملة المهاجرة إلى سورية، وقد تحتاج البلاد إلى استقدام كل أنواع اليد العاملة الماهرة من دول أخرى، نظراً إلى تنوّع مشاريع البناء التي تحتاجها البلاد، ولحجم (واستدامة) هذه العملية من البناء التي ستستغرق سنوات طويلة من العمل المتواصل. سيولّد هذا الإغراء للمستثمر سلسلة من الاستثمارات التابعة، فالآلات الثقيلة ستدشّن مراحل التأسيس، وستستهلك ملايين الأطنان من الطاقة، والأبنية ستستهلك مئات ملايين الأطنان من الحديد والإسمنت والخشب والمعادن والزجاج؛ وكم من مستفيد في سلسلة متوالية من العمليات بعضها إلى أجل، وبعضها مستمرٌّ إلى أجل طويل. بالطبع، المستفيد الأكبر والأول هو مستحدث المشروع، ومن ثم الدولة، وما بينهما سوريون كثيرون ممن عملوا، أو ساعدوا، أو استفادوا من هذه المشاريع بشكل مباشر، وغير مباشر، وممن ستنعكس عليهم أموال الضرائب لتحسين الخدمات البلدية، وتوفير جودة أعلى في التعليم، والصحة، وغيرها.

عصب تحويل كل تلك الآمال إلى واقع هو المال، ممثلاً في البنوك، والخاصة منها تحديداً. وتستعدّ هذه البنوك لطي صفحة طويلة من الصبر، إذ حولت شركات تحويل الأموال، وشركات الصرافة، إلى ما يشبه البنوك، بالالتفاف على العقوبات المفروضة على البنوك، كون تلك الشركات لا تحتاج نظام سويفت، فاشتغلت بـ”الأسود”، حسب التعبير الدارج، واستفادت وأفادت النظام الأسدي، خصوصاً أن تجارته واقتصاده أكثر سواداً بالاعتماد على تجارة الكبتاغون.

الاقتصاد السوري، ممثلاً في المصرف المركزي، سيشجع البنوك على القيام بدورها خدمة للمستثمرين القادمين، فور رفع العقوبات. كما أن الدول المانحة، والداعمة للنظام السوري الجديد، ستمنح، على الأغلب، سورية شروطاً ائتمانية متساهلة، خاصة إذا تلقى الاقتصاد السوري جرعة مالية كبيرة على شكل ودائع من دول خليجية، فمن شأن وديعة بحجم عشرة مليارات دولار، مثلاً، أن تشكل مصدر ثقة للمستثمرين، والمقرضين، والمورّدين، ما يُسهم في استدامة تدفق الأموال، واستدامة عمل مشاريع البنية التحتية، ومن ثم إعادة الإعمار.

قد تجد سورية كفرصة عقارية عملاقة تفسيرها الأكثر مباشرة في المثالين التاليين: لبنان منذ بدايات الحرب اللبنانية يفتقد إلى الكهرباء. والشائع أن اللبناني يدفع فاتورة “كهربة الدولة”، وفاتورة الاشتراك في المولدات الخاصة التي يملكها أقطاب الطوائف من السياسيين اللبنانيين. وخلال خمسين سنة، لم تستطع الدولة اللبنانية إزاحة عبء الفاتورتين عن المواطن اللبناني لأسباب تتعلق بنفوذ أصحاب تلك المولدات. المثال الثاني انتشار استعمال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في سورية، خلال السنوات الماضية، بتكلفة تصل إلى ألفي دولار للاستعمال المنزلي، وبأضعاف هذا المبلغ للاستعمال الصناعي. في المثالين، سنجد أن الفرصة كبيرة في الاستثمار في القطاعين في سورية ولبنان. ولو أن الدولة اللبنانية صاحبة قرارها لجرى حل مشكلة الكهرباء فيها منذ عقود. أما في سورية، فالمشكلة في طور الحل، لكن بعد أن دفع السوريون، بالمفرق، مبلغاً يقرب من خمسة مليارات دولار، كأفراد، لتأمين الكهرباء في منازلهم. هذا بافتراض أن نصف عدد البيوت السورية اعتمدت هذه الطريقة. بالطبع، قد يزيد المبلغ أو ينقص، لكنه، في كل الأحوال، يكفي لإنشاء ما لا يقل عن ست محطات عملاقة لتوليد الكهرباء، وحل مشكلة الكهرباء جذرياً.

وهنا أيضاً فرصة سانحة، لكن للدولة والأفراد معاً هذه المرّة، فأجهزة توليد الكهرباء للمنازل من الطاقة الشمسية شركات صغيرة جدّاً، ولكن مجموع هذه الشركات إن جرى ربطه بشبكة توزيع الكهرباء، وهذا متاحٌ باشتراطات تقنية، سيحول المنازل إلى محطات كهرباء، بحيث يبيع المواطن الكهرباء للدولة، فتزداد القدرة الكهربائية في محطات التوزيع، ليستفيد منها النصف الآخر من السوريين الأشد فقراً، بينما تكون الدولة قد حصلت على كهرباء رخيصة، من دون أن تستثمر أي أموال تُذكر في الحصول على طاقة إضافية.

من هنا، سورية تحت الشمس هذه المرّة، بسكانها، وعقاراتها الآدمية، وبشمسها التي قد تكون فرصةً اقتصادية لكل السوريين.

العربي الجديد،

—————————

دعم قوي لدمشق والباقي على الشرع/ رفيق خوري

دفعت “قوة الخوف” من فشل الإدارة السورية الجديدة واندلاع الفوضى والحرب الأهلية إلى الإسراع في رفع العقوبات

الأربعاء 4 يونيو 2025

لن يحدث تدفق استثمارات على بلد يحتاج إلى نحو 500 مليار دولار لكي يعود لما كان عليه قبل عام 2011 من دون نظام قضائي فاعل وضمانات قوية لحقوق الإنسان والحريات الاجتماعية وحرية تحويل الأموال.

في كتاب جيروم دريفون “من الجهاد إلى السياسة” شيء من اليقين بالنسبة إلى قدرة “هيئة تحرير الشام” الجهادية السلفية على التحول إلى حركة سياسية من دون التخلي عن البندقية. لكن الأسئلة المثارة هذه الأيام والتي قد يمر وقت طويل قبل الحصول على أجوبة موثوقة عنها، هي عن مسار التحول الذي مارسه “أبو محمد الجولاني”. هل بدأ في السجن الذي أدارته القوات الأميركية في بغداد أم في مرحلة ما بعد “جبهة النصرة” والقطع مع قيادة “القاعدة”؟، وهل كان للسفير الأميركي السابق روبرت فورد دور فعلي في التحول خلال لقاءاته مع “الجولاني” في إدلب أم أن ما أسهم في التحول البطيء مسلسل لقاءات وحوارات وترتيبات قام بها مع “أمير إدلب” وزير الخارجية التركي الحالي هاكان فيدان الذي كان رئيساً للاستخبارات، والبروفيسور إبراهيم قالين رئيس الاستخبارات الحالي الذي كان مستشاراً للرئيس رجب طيب أردوغان؟

مهما يكُن، فإن الرجل انتظر حتى الوصول إلى دمشق مع سقوط نظام بشار الأسد لاستعادة اسمه الفعلي أحمد الشرع. وما حدث ويحدث على الأرض خارج خطاب الشرع يطرح أسئلة عن حقيقة التحول لدى قادة وقواعد في فصائل جهادية سلفية انضمت إلى وزارة الدفاع وارتكب بعضها مجازر في حق الأقليات، ومارس بعضها الآخر التضييق على الحريات الاجتماعية في المطاعم والمقاهي والملاهي وثياب النساء.

وليس الدعم الأميركي والسعودي والقطري والإماراتي والتركي، بصرف النظر عن التصورات والتفاصيل، سوى رهان على فرصة مفتوحة ومواجهة خطر يلوح في الأفق. فما يلتقي عليه الأميركيون والعرب والأتراك والأوروبيون هو الاعتماد على ما يريد ويستطيع الرئيس الشرع تقديمه، وموجزه في ثلاثة أمور. أولها إبقاء إيران خارج سوريا وأي نفوذ فيها، وإغلاق الممر السوري لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله” في لبنان، إذ ما لا تقصفه إسرائيل من الصواريخ تتولى أجهزة الأمن السورية ضبطه ومصادرته. وثانيها الحفاظ على الأمن وتحقيق العدالة الانتقالية وضرورة الانفتاح على تنوع المجتمع السوري والبحث عن أصحاب المؤهلات بدلاً من أصحاب الولاءات من دون خبرة ولا كفايات. وثالثها الانتقال من “اقتصاد الشلة” في ثياب “اقتصاد اشتراكي” مزيف إلى الاقتصاد الليبرالي والانفتاح على العرب والغرب بعد عقود من تقليد موسكو وطهران والوقوع في كابوس حصار اقتصادي وعقوبات، مما جعل 90 في المئة من السوريين عند خط الفقر وتحته.

أما الذي تريده إدارة الرئيس دونالد ترمب، فإنه ترتيب علاقات بين سوريا وإسرائيل. وأما الذي يدفع إلى الإسراع في رفع العقوبات وبدء الدعم، فإنه “قوة الخوف” من فشل الإدارة السورية الجديدة واندلاع “الفوضى والحرب الأهلية” خلال أسابيع، كما قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمام الكونغرس دفاعاً عن رفع العقوبات.  لكن الباقي على الإدارة السورية الجديدة. فلا تدفق استثمارات على بلد يحتاج إلى نحو 500 مليار دولار لكي يعود لما كان عليه قبل عام 2011 من دون نظام قضائي فاعل وضمانات قوية لحقوق الإنسان والحريات الاجتماعية وحرية تحويل الأموال. ولا رهانات على تنمية اقتصادية من دون قوانين توضح نوع النظام، هل هو ليبرالي أم نيوليبرالي؟ وما هي ضمانات التشاركية والخصخصة ومدى التخلي عن القطاع العام لمصلحة القطاع الخاص السوري والعربي والدولي؟

مفهوم أنه لدى الإدارة السورية الجديدة خيارات سياسية واقتصادية واجتماعية محددة من نوع تجربة الحكومة في إدلب. لكن هذه الإدارة محكومة بالذهاب إلى خيارات أخرى لم تكُن تؤمن بها ولا خبرة لديها في تسييرها. ولا مهرب من الانفتاح على مواهب من خارج إطار النظرية الخطرة التي عنوانها “من يحرر يقرر”، ذلك أن القرارات المعلنة تحت ضغط الخارج والرأي العام السوري لا تزال مجرد عناوين من دون فاعلية لأية لجنة أو هيئة، من العدالة الانتقالية إلى البحث عن المفقودين والكشف عن المقابر الجماعية، ومن التحقيق في مجازر الساحل إلى الوقف الفعلي للفصائل التي تتصرف على مزاجها كأن السلاح هو القانون، وكأن كل من ليس من الأكثرية هو “كافر” يجب قتله. والأساس هو إعادة الاعتبار إلى الرجال والنساء والشبان والشابات الذين بدأوا الثورة السلمية الجامعة في الشارع، بالتالي إعادة الاعتبار للثوار وشعار”الشعب السوري واحد”، وسط المفاخرة بالثورة والتركيز على الفصل الأخير فيها. فالثورة هي التي دفع السوريون ثمنها اعتقالاً وقتلاً ودماراً ونزوح نصف الشعب عن مدنه وبلداته وقراه وبيوته، والثوار ليسوا فقط الذين نفذوا الضربة الأخيرة لإسقاط نظام انهار على مراحل من دون أن يدافع عنه جيش من مئات الألوف لا يزيد راتب العسكري فيه على 10 دولارات شهرياً.

 وليس أهم من الثورة سوى بناء الدولة، فالثورة الدائمة التي كان يصر عليها تروتسكي تعرقل قيام الدولة وتفتح طريق الصراعات والحرب الدائمة. وأخطر وضع في أي بلد فازت ثورته هو أن يصبح في حال هجينة، لا هو نظام، ولا هو دولة، ولا هو بقي ثورة.

 حتى ستالين كان يحذر من “دوار النجاح”.

—————————–

دمشق ورشة عمل للمستثمرين العرب والأجانب/ مصطفى عبد السلام

03 يونيو 2025

تحوّلت العاصمة السورية دمشق هذه الأيام إلى ورشة عمل كبيرة للمستثمرين العرب والأجانب، الباحثين عن فرص استثمارية جاذبة ورابحة في كل الأنشطة والقطاعات الاقتصادية والخدمية. وتحوّلت الوزارات السورية إلى قاعة اجتماعات كبيرة للوزراء وكبار المسؤولين الاقتصاديين العرب والأجانب الذين تدفقوا إلى دمشق لإبرام اتفاق، أو توقيع مذكرة تفاهم أو عقد شراكة، أو وضع اللمسات الأخيرة لصفقة تجارية، أو استثمارية، أو زراعية أو مشروع متخصّص في مجالات الطاقة والاتصالات والنقل وغيرها.

وزادت وتيرة تلك الزيارات في ظلّ تحركات عربية مكثفة نحو الانفتاح على فرص الاستثمار في سورية، عقب إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تخفيف العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري، ويبدو أن هذا الزخم دفع وزير المالية السوري محمد يسر برنية إلى الخروج قائلاً إن “عجلة الاقتصاد السوري بدأت بالتحرك، وأن سورية ستكون الأقل ضريبياً بين دول المنطقة”.

وخلال أقل من أسبوع جرى الإعلان في دمشق عن مشروعات جديدة تقدر كلفتها الاستثمارية بمليارات الدولارات، فيوم الخميس الماضي جرى توقيع اتفاق قطري تركي أميركي مع سورية لتطوير مشاريع طاقة بقيمة 7 مليارات دولار ضمن مبادرة “إحياء الطاقة في سورية”، وبهدف مضاعفة إنتاج الكهرباء عبر إنشاء محطات تعمل بتقنية الدورة المركبة، وإطلاق مشاريع للطاقة الشمسية. وتضمنت الاتفاقية تطوير أربع محطات توليد كهرباء بتقنية التوربينات الغازية من نوع “الدورة المركبة” (CCGT) موزعة في دير الزور، ومحردة، وزيزون بريف حماة، وتريفاوي بريف حمص، باستخدام تقنيات أميركية وأوروبية متقدمة.

وجاء اتفاق الطاقة الضخم بعد يوم واحد فقط من إعلان الحكومة السورية توقيع اتفاقيات مع أربع شركات تهدف إلى توسيع شبكة الكهرباء، بإضافة نحو 5 آلاف ميغاواط إلى الإنتاج، ما قد يؤدي إلى مضاعفة الإمدادات في الدولة التي تعاني من أزمة كهرباء حادة وانهيار في الشبكة منذ أكثر من عقد.

وبداية هذا الأسبوع استضافت دمشق اجتماعات مكثفة مع البنك الدولي للاتفاق على تمويل مشروعات لإصلاح خطوط نقل الكهرباء بين سورية والأردن وتركيا. وأبدت مؤسّسات تمويل دولية بارزة رغبتها بالتعاون مع الحكومة في قطاع النقل، في مقدّمتها البنك الدولي، الذي يدرس إمكانية تمويل مشاريع طرق وسكك حديدية.

ويوم السبت، زار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، دمشق على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى، في إطار دعم المملكة لاستقرار سورية وإنعاش الحياة الاقتصادي، وتنمية الاستثمارات الخارجية. صاحب الزيارة حديث عن ضخ مستثمرين خليجيين استثمارات ضخمة في سورية خلال الفترة المقبلة، بل إن هناك من تحدث عن أن حجم الاستثمارات السعودية المحتملة في إعادة إعمار سورية قد يصل إلى 200 مليار دولار. وهناك استثمارات أخرى مرشحة من قطر والكويت والإمارات، وقبلها أعلنت وزارتا المالية في السعودية وقطر، سداد متأخرات سورية لدى مجموعة البنك الدولي، التي تبلغ نحو 15 مليون دولار.

صاحب تدفق الاستثمارات الأجنبية على سورية تطورات اقتصادية داخلية، فقد انتهت الحكومة من وضع قانون جديد للاستثمار من المقرّر إصداره قريباً ويتضمن تسهيلات عديدة للمستثمرين، واستأنفت الخطوط الجوية السورية أمس رحلاتها إلى تركيا بعد انقطاع 14 عاماً، وأعيد افتتاح بورصة دمشق، بعد توقف دام نحو ستة أشهر، في خطوة وصفتها الحكومة بأنها رسالة حول بدء تحرك الاقتصاد الوطني، وسط تأكيدات رسمية على التوجه نحو دعم القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وأعادت سورية افتتاح المعابر الحدودية لتنشيط التجارة وجذب استثمارات لقطاع التجارة الداخلية، وأحدثها معبر العريضة الحدودي مع لبنان.

وأمس، زار وفد سوري رفيع الدوحة برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني، وضم وزراء المالية والاقتصاد والاتصالات لبحث سبل التعاون المشترك وفتح آفاق الاستثمار. وخرج علينا وزير السياحة السوري قائلاً: “نتوقع استثمارات سياحية بمليارات الدولارات بعد رفع العقوبات”، كما أبدى العديد من المستثمرين الأجانب رغبتهم بالدخول في مشاريع حيوية تشمل خدمات النقل الداخلي، والتاكسي الكهربائي المعتمد على الطاقة الشمسية، مؤكدًا أن هذه المشاريع سريعة التنفيذ وذات جدوى محلية عالية. وأبلغ مستثمرون أجانب الحكومة رغبتهم في إعادة تشغيل خطوط إنتاج الأدوية بالتعاون مع شركات عالمية، خاصّة وأن بوادر انتعاش في قطاع الصناعات الدوائية السوري تلوح بعد سنوات من التراجع، نتيجة العقوبات وقطع الصّلة مع الشركات والموردين الأجانب.

وزار وفد من رجال الأعمال الكويتيين دمشق قبل أيام، وبحث مع الرئيس السوري أحمد الشرع، فرص الاستثمار المتاحة خاصّة في مجالات البنية التحتية والاتصالات، وأجرت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي مشاورات مع اتحاد الغرف الخليجية لإقامة منتدى اقتصادي مشترك مع سورية.

العربي الجديد،

————————–

 فورين بوليسي: رفع العقوبات عن سوريا معقّد ومليء بالعراقيل

ربى خدام الجامع

2025.06.03

أوردت مجلة فورين بوليسي أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا مثّل تحوّلاً جذرياً في السياسة الأميركية تجاه هذا البلد، لكنه لا يعني بالضرورة نهاية تأثير تلك العقوبات.

واعتبرت المجلة أن الإعفاءات التي أُعلنت حتى الآن، رغم كونها الأوسع في تاريخ العقوبات الأميركية، لا تزال محدودة في أثرها العملي، ولا تكفي وحدها لإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي أو لإنهاء العزلة التي تعيشها.

وأضافت المجلة أن سوريا ما تزال تخضع لمجموعة متشابكة من العقوبات القانونية والسياسية التي فُرضت على مدى عقود، وأن تنفيذ رفع العقوبات بشكل فعلي يتطلب قرارات متوازية من وزارات الخارجية والخزانة والتجارة، إضافة إلى موافقة الكونغرس الأميركي.

كما حذّرت فورين بوليسي من أن بقاء هذه العقوبات أو مفاعيلها، حتى بعد إعلان الإعفاء، قد يثني المستثمرين والجهات الفاعلة الدولية عن التعامل مع سوريا.

يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بملف العقوبات المفروضة عاى سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية المجلة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.

وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:

رحب الجميع بخبر رفع العقوبات عن سوريا بموجب قرار أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ عند سقوط نظام بشار الأسد الديكتاتوري في كانون الأول الماضي، كانت البلد من البلدان التي فرضت عليها أقسى العقوبات في العالم، كما أن الوضع الاقتصادي الخانق الذي فرضته عليها واشنطن حرمها من فرص التعافي من الحرب المدمرة. ولئن اتخذ ترامب خطوات مهمة لتخفيف العقوبات الأميركية، فإن عملية رفع العقوبات بشكل كامل هي ومفاعيلها ليس بالأمر الهين، إذ أمام إدارة ترامب درب شاق في حال قررت أن تحقق ما وعد به هذا الرجل.

يعد ترامب أول رئيس أميركي يتخذ هذه الخطوة الجسورة المتمثلة برفع العقوبات، وذلك لأن الإدارات الأميركية السابقة رفعت العقوبات عن الدول المنبوذة بالتدريج، وقد أتى ذلك دوماً مقابل إجراءات مضنية جرى التفاوض عليها وأقدمت عليها الجهات الخاضعة للعقوبات، فتخفيف العقوبات عن إيران في زمن إدارة أوباما أتى عندما وقعت إيران الاتفاق النووي وقد أضحى هذا التخفيف غاية في التعقيد لدرجة تحوله إلى موضوع لكتاب كامل وهو “فن العقوبات” للمؤلف ريتشارد نيفيو. وبالمقابل، فإن التعهد الوحيد الذي قطعه ترامب في الرياض يوحي بأنه على استعداد لإنهاء العقوبات المفروضة على سوريا بصورة عملية ومن دون أي تحفظات.

ثم إن سرعة تحرك إدارته في تخفيف العقوبات يشير إلى أنه يعني ما يقول، فقد صدر أمر بإعفاء شامل من العقوبات في 23 أيار، وهذا ما سهل أمر تنفيذ الصفقات التي كانت محظورة في السابق مع سوريا، ومن بينها تلك التي أبرمها مستثمرون أجانب، كما أن الرخصة العامة الموسعة التي أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية والإعفاء من قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية ألغيا بشكل فعلي قسماً كبيراً من الحصار شبه الكامل الذي فرضته واشنطن على سوريا في السابق.

غير أن سوريا ما تزال تخضع لسلسلة متداخلة من نظم العقوبات الأميركية، بعضها فرض عليها منذ عام 1979، وتشمل تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، وتصنيف هيئة تحرير الشام ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، ثم قانون قيصر وقانون محاسبة سوريا اللذين فرضا مزيداً من العقوبات على هذا البلد.

ولإبطال مفعول هذين القانونين وغيرهما من العقوبات بشكل كامل، لابد لوزارة الخارجية ووزارة الخزانة ووزارة التجارة وللكونغرس تنفيذ إجراءات إضافية، بل يجب على الإدارة نفسها أن تمضي أبعد من ذلك إذا كانت تريد  رفع العقوبات وتخفيفها لتحسين الأوضاع على الأرض في سوريا.

اعتراضات مشروعة

هذا وستعترض الرئيس الأميركي عقبات سياسية على طول الطريق لاشك، فمن يقفون ضد تخفيف العقوبات بشكل فوري لديهم مخاوفهم المشروعة بشأن تقديم الكثير لقادة سوريا الجدد وبسرعة كبيرة، وذلك لأن ارتباط قادة سوريا في بداياتهم بتنظيم القاعدة، حتى بعد تبرؤ هيئة تحرير الشام من تلك الجماعة قبل عقد من الزمان، ومحاربتها لها منذ ذلك الحين، هو ما يجعل السياسيين الأميركيين يتريثون ولهم الحق في ذلك.

كما أن ستة أشهر تعتبر فترة قصيرة جداً بالنسبة للحكومة السورية الجديدة حتى تثبت انحيازها للقيم والمصالح الأميركية، على الرغم من أن نبرة الشرع بقيت مشجعة حتى الآن، فقد تعهد بتشكيل نموذج للحكم يراعي التنوع في سوريا، إلى جانب تعهده بإقامة علاقات سلمية مع دول الجوار، ومن بينها إسرائيل.

ولكن ثمة أمور أخرى تستوجب الحيطة، لأن الشرع استأثر بقدر كبير من السلطات ما جعل بعض السوريين يخشون من تحول النظام الجديد في بلدهم نحو الاستبداد، كما وقعت اشتباكات دموية في مطلع شهر آذار رافقتها مجازر نفذت بحق مدنيين ونفذتها فصائل موالية للحكومة، وعلى الرغم من أن هذه الفصائل تصرفت خارج نطاق الأوامر الصادرة عن الدولة، فإن ذلك يمثل تحديات تنتظر البلد مستقبلاً.

يبدو بأن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام لديه تحفظات بشأن موقف ترامب، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أنه استشعر معارضة إسرائيل لذلك، كما يقال بإن كثيراً من مستشاري ترامب نفسه يعارضون مسألة تخفيف العقوبات التي مُنحت للرئيس السوري نظراً لماضيه المرتبط بتنظيم القاعدة، وقد أعرب بعضهم عن تشكيكه وبكل صراحة بحكام سوريا الجدد.

ولعل ترامب قد يستشعر الضغط من داخل حزبه وإدارته، وهذا ما يمكن أن يدفعه للتراجع وفرض شروط قبل رفع مزيد من العقوبات، وهذه الشروط قد تأتي على غرار المطالب الخمسة التي قدمها للرئيس السوري خلال لقائهما في 14 أيار، فلقد اتُهم رؤساء أميركيون سابقون، بينهم ترامب نفسه بتغيير الأهداف الأساسية لرفع العقوبات في بلاد أخرى. ثم إن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، ترك الباب مفتوحاً أمام هذا الاحتمال عندما قال بإنه يتوقع لتخفيف العقوبات أن يُستتبع بإجراءات فورية تنفذها الحكومة السورية على صعيد أولوياتها السياسية، على الرغم من أنه لم يتطرق صراحة للحديث عن مسألة فرض شروط على عملية تخفيف العقوبات بحد ذاتها.

سيناريوهات محتملة

ولكن، ثمة أدلة كثيرة تشير إلى قدرة العقوبات في حال رفعها على تمهيد السبيل أمام سوريا لتحقيق مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً إلى جانب الحد من فرص انجراف البلد من جديد نحو حالة الفوضى وانعدام الاستقرار. فقد حرمت العقوبات سوريا من إعادة الإعمار وحدت من قدرة السلطات على تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان الذين يعيش 90% منهم في فقر، ناهيك عن ازدياد أزمة الجوع سوءاً، وتتلخص تلك الأساسيات بدفع رواتب موظفي وموظفات القطاع العام وتأمين الوقود والكهرباء، لأن فشل السلطات في تحقيق ذلك لن يفيد سوى المخربين في الداخل والخارج، كما أن سيعجل بانجراف البلد نحو حالة الفوضى.

من المنطقي اتخاذ احتياطات ضد حالة انعدام الاستقرار، وخاصة مع إمكانية التراجع عن عملية تخفيف العقوبات، إذ يمكن إعادة فرض العقوبات في حال عدم التزام قادة سوريا الجدد بالتزاماتهم تجاه شعبهم وتجاه المجتمع الدولي، وعلى أية حال، فإن أهمية معظم العقوبات الأميركية وعلاقتها بكل ذلك لهي موضع مساءلة وتشكيك نظراً لأن تلك العقوبات فرضت كرد فعل على الجرائم التي ارتكبها الأسد والذي لم يعد في السلطة اليوم.

الإعفاءات لوحدها لن تحل المشكلة

مع كل الزخم الذي حظي به قرار إنهاء العقوبات الأميركية عن سوريا، يبرز السؤال: هل بوسع ترامب فرض تخفيف كبير للعقوبات؟

هنالك دول أخرى لا سلطة للولايات المتحدة عليها، فرضت على سوريا عقوبات، ففي الوقت الذي رفع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة معظم القيود التي فرضاها على سوريا، ما يزال مجلس الأمن يحتفظ بعقوباته التي فرضها على هيئة تحرير الشام، والتي يفترض من كل الدول الأعضاء، ومن بينهم الولايات المتحدة، الالتزام بها. وبعض الدول مثل كندا يتعين عليها قبل كل ذلك أن تعدل قوانينها المعنية بالعقوبات، وبانتظار اتخاذ مزيد من الإجراءات، ستبقى العقوبات تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد السوري حتى بعد رفع العقوبات الأميركية.

كما أن إعفاءات إدارة ترامب التي تعتبر الأوسع في تاريخ الولايات المتحدة لا تشمل كل شيء، إذ ما تزال القيود المفروضة على الصادرات تمنع تصدير سائر السلع والبضائع تقريباً من الولايات المتحدة إلى سوريا، ويشمل ذلك السلع والبضائع القادمة من دول أخرى، لكنها تشتمل على نسبة 10% فقط من مواد أميركية المنشأ. ثم إن تلك الإعفاءات لم تقدم أي شيء لتخفف من العقوبات الجنائية المشددة المترتبة على تصنيف هيئة تحرير الشام ضمن التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وهذا بحد ذاته يعتبر لعنة على المستثمرين وعلى المنظمات غير الحكومية.

أي أن الإعفاءات لوحدها لن تحل المشكلة، إذ تكشف لنا الدروس المستفادة من أفغانستان بعد سيطرة طالبان عليها بأن المشاريع التجارية تخشى من الاستثمار في بلد يخضع لعقوبات شديدة، حتى وإن كانت الرخص تبيح مزاولة تلك الأنشطة عملياً. وفي أغلب الأحيان ترفض المصارف تحويل الأموال إلى بلد يخضع لعقوبات ثقيلة، بصرف عن النظر عن أي ترخيص، وفي أغلب الحالات، فإن تلك الجهات لا تعرف بوجود تلك الرخص.

ولهذا لابد من اتخاذ إجراءات إضافية حتى يتمكن الرئيس من رفع العقوبات عن سوريا بشكل كامل، وإلى أن تُتخذ تلك الخطوات الإضافية، ستبقى القيود الاقتصادية الأميركية تحوم فوق سوريا مثل غمامة سوداء، بصرف النظر عن الإعفاءات والرخص الممنوحة.

وهنالك مشكلة أعقد وهي أنه في حال رفع العقوبات، فإن مفاعيلها ستستمر في أغلب الأحيان، إذ إن القطاع الخاص لن يحبذ إقامة مشاريع تجارية في أماكن يعتبرها خطيرة، خاصة مع وجود احتمال فرض العقوبات من جديد. وهنا يمكن تشجيع التجارة مع سوريا، مع تقديم توجيهات واضحة وتطمينات صريحة حول مسألة السماح بممارسة تلك الأنشطة، إلى جانب تقديم المساعدات التنموية وغيرها من الدعم الذي تقدمه الحكومة الأميركية، بيد أن هذه الخطوات تحتاج إلى إجراءات مدروسة وتمويل من واشنطن، وفي حال تقصير الولايات المتحدة في اتخاذ تلك الخطوات، فإن الأثر الرهيب للعقوبات السابقة قد يستمر لفترة طويلة حتى بعد تغيير القوانين.

ترامب ودوره الكبير في رفع العقوبات

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن حظوظ ترامب في تحقيق ما وعد به مواتية، لأن غيره من الرؤساء عانوا من عقبات سياسية عندما حاولوا رفع العقوبات، فقد تعرض الرئيس الأسبق باراك أوباما لمعارضة شديدة عندما أعلن عن قراره الذي يقضي بتخفيف العقوبات عن كوبا، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن المسألة تتصل بالانتخابات، إذ توجد كتلة ناخبين قوية من الأميركيين الكوبيين في ولاية فلوريدا التي كانت ولاية متأرجحة آنذاك.

أما بالنسبة للحالة السورية، فإن ترامب مضى قدماً، غير هياب من الممانعة التي لقيها في إدارته وحزبه، ومن حسن حظه أن أبرز الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس انحازوا بالأصل لخطته، إذ بصرف النظر عن الهمهمات المعارضة التي أطلقها غراهام، فقد انضوى الجمهوريون في الكونغرس خلف الرئيس، وهذا ما نلمسه في التصريحات الأخيرة لزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، جون ثون.

عادة ما تحتاج العمليات البيروقراطية لزمن طويل، غير أن الرئيس تحرك بسرعة ليعطي سوريا مهلة فورية، ثم إنه يتمتع بسلطات واسعة تخوله تقديم المزيد، إذ بوسع وزير خارجيته أن يخرج سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب وذلك عبر تأكيده للكونغرس بأن سوريا خضعت لعملية تغيير أساسي في القيادة والسياسة، أو أنها لم تعد تدعم أي عمل إرهابي دولي مع تقديمها لتطمينات بأنها لن تشجع تلك الأعمال مستقبلاً. كما بوسع هذا الوزير إخراج هيئة تحرير الشام من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية بناء على تقييمه للظروف التي تؤكد تغير هذا التصنيف. ويمكن لوزارة التجارة الأميركية أن تقدم استثناءات وإعفاءات ترخص السماح بتدفق مزيد من البضائع من الولايات المتحدة واستيرادها في سوريا.

كما قد تزيد شهوة القطاع الخاص للمخاطرة في سوريا، بما أن هذا الأمر يعتبر نقطة خلافية كبرى، إذ في دول أخرى، شككت المشاريع التجارية بتطمينات واشنطن الفاترة وترددت في الاستثمار هناك، أما في سوريا، فإن إعلان ترامب هو وأعضاء حكومته وبملء حناجرهم عن التزامهم برفع العقوبات عن سوريا، قد يزيد من ثقة المستثمرين في هذا البلد، ناهيك عن الحماسة التي تبديها دول المنطقة تجاه الاستثمار في سوريا.

بيد أن تخفيف العقوبات ليس عصا سحرية بوسعها أن تنهي كل الويلات التي حلت بسوريا، إذ حتى لو تلاشت المخاوف بشأن العقوبات، ما تزال مشكلات أخرى كثيرة تنتاب هذا البلد الذي دمرته الحرب وسوء الإدارة على المستوى الاقتصادي، فالقضاء على مواطن الخلل والفساد التي أصابت أجهزة الدولة السورية منذ أمد بعيد يحتاج لسنوات، والمصرف المركزي السوري وغيره من المصارف السورية أمامهم مهمة صعبة تتمثل بتعزيز الشفافية والمصداقية والحد من قلق المصارف الأجنبية بشأن احتمال غسل الأموال أو تمويل إلإرهاب، فيما تحاول حكومة الشرع الهشة أن تسيطر على جهاز الأمن وأن تمنع البلد من الانجراف نحو العنف أو ظهور تمرد فيه من جديد.

غير أن التعهد الذي قطعه ترامب خلق فرصاً جديدة، إذ خلال ساعات من إعلانه عن رفع العقوبات، بدأ السوريون يتنعمون بأسعار أرخص للوقود كما قوى ذلك عملتهم، وأخذت الدول العربية الخليجية تناقش مع دمشق مشاريع استثمارية تخص البنية التحتية والاتصالات في سوريا، كما تعهدت شركة استثمارية إماراتية بإقامة استثمارات بقيمة 800 مليون دولار وذلك لتطوير ميناء طرطوس، ونظمت شركة قانونية مهمة في واشنطن ندوة لبحث الفرص الاستثمارية في سوريا.

أي أن الأمل زاد كثيراً بمجرد أن دخلت تلك الإعفاءات حيز التنفيذ، وتضاعف ذلك الأمل كثيراً بوجود مزيد من التعهدات الملموسة، مثل الاتفاقية التي ضمت أربع شركات، إحداها أميركية، وتنص على مساعدة سوريا في توسيع شبكة الكهرباء بالبلد.

قد تحمل الشهور المقبلة فيضاً من الاستثمارات الإقليمية والدولية، كما قد تجدد علاقات سوريا مع بقية أنحاء العالم، وبذلك لن تبق سوريا دولة منبوذة بعد اليوم. أما بالنسبة للشعب السوري الذي عانى كثيراً، فإن هذا التطور مهم للغاية، وفي هذه الأثناء، يتعين على ترامب أن يسعى بجد لتحقيق ما وعد به، ولكن عليه أن يستغل كل نفوذ له في واشنطن حتى يتم له ذلك.

المصدر: The Foreign Policy

ملفزيون سوريا

—————————–

 بعد رفع العقوبات.. سوق صناعة الدواء في سوريا يترقب انتعاشاً حقيقياً؟/ نور جوخدار

2025.06.04

لم يكن قطاع الأدوية في سوريا بمعزل عن الأزمات التي عاشها السوريون على مدار 14 عاماً بين نقص الأصناف الأساسية لا سيما الخاصة بالأمراض المزمنة وارتفاع الأسعار، وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

وتعاني “أم فراس” (52 عاما)، مصابة بمرض السرطان، من عدم قدرتها على تغطية تكاليف العلاج بسبب ارتفاع أسعار الصور الشعاعية والتحاليل المخبرية.

وتقول المرأة الخمسينية، “اضطر لطلب العون من أصحاب الخير والجمعيات الخيرية لتأمين تكاليف العلاج.

بدوره، يقول خير الله خير، صيدلاني في جرمانا، إن أسعار الأدوية ما تزال مرتفعة مقارنة بدخل المواطن، مضيفا أن “الدواء متوفر لكن المشكلة في ثمنه”.

وأشار الصيدلاني، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، إلى أن أدوية مرض السرطان تعتبر باهظة الثمن حتى وإن توفرت بعد رفع العقوبات.

رفع العقوبات.. آمال وتوقعات

يواجه قطاع صناعة الدواء بسبب العقوبات الدولية على سوريا تحديات كبيرة ابتداءً من صعوبة استيراد المواد الأولية، وعرقلة عمليات تحويل الأموال، بالإضافة لصعوبة تأمين قطع الغيار والصيانة اللازمة لمصانع الأدوية.

كما عانت هذه الصناعة من شبه انقطاع إنتاج العديد من الأصناف، بسبب العقوبات، فضلاً عن الارتفاع الكبير في أسعار أدوية الأمراض المزمنة، بما فيها التي توصف لأمراض القلب والسكري والسرطان والأدوية المناعية.

وبعد رفع العقوبات يترقب سوق الدواء انفراجا طال انتظاره يعيد الأدوية المفقودة إلى رفوف الصيدليات، وإعادة ضبط الأسعار التي أثقلت كاهل السوريين لسنوات.

ومن المتوقع أن يسهم رفع العقوبات في إدخال خطوط إنتاج حديثة وتجهيزات بتقنيات متطورة، وتوفير الأدوية التي كانت ممنوعة أو باهظة الثمن خلال السنوات الماضية.

ووفقاً للأمين العام للمجلس العلمي للصناعات الدوائية، التابع للحكومة، نبيل القصير، فإن أبرز التحديات تمثل في حظر استيراد الأجهزة المخبرية الأوروبية والأميركية المتطورة مما تضطر المصانع المحلية لاستيرادها من بلدان وسيطة مثل الأردن أو ماليزيا بتكاليف مضاعفة ويستغرق وصولها وقتا أطول.

وأشار القصير، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، إلى صعوبة كبير كانت تواجه سوق الدواء تتمثل بالقيود المفروضة على تحويل الأموال واللجوء إلى طرق التفافية تؤدي ضياع مبالغ كبيرة نتيجة إغلاق مكاتب التحويل والوسطاء.

الأسعار وتجربة إدلب

تعمل وزارة الصحة بالتعاون مع المجلس العلمي على وضع خطة لضمان تسعير عادل ومدروس لكل المستحضرات الدوائية في جميع المحافظات، بالإضافة إلى توحيد الأسعار مع محافظة إدلب، بحسب القصير.

وأشار الأمين العام للمجلس العلمي إلى أن تخفيض الأسعار يحتاج لوقت ريثما يحصل استقرار في سعر الصرف وتحرير الأموال المجمدة لدى البنوك لصالح المعامل الدوائية، موضحا أن المصانع باتت تتمتع بحرية أكبر في استيراد المواد الأولية ذات الجودة العالية.

قطاع عام محدود مقابل 98 مصنعاً خاصاً

يمتلك القطاع الحكومي العام في سوريا مصنعين لإنتاج الأدوية “تاميكو” و”الديماس”، في حين هناك 98 مصنعا خاصا.

مطلع العام الحالي، أعلنت شركة “تاميكو” بأنها تشغل حالياً 6 خطوط إنتاج تشمل الأقراص والكبسول والأشرِبة بأنواعها وأملاح تعويض الشوارد والمعقمات، بحسب وكالة الأنباء الرسمية “سانا”.

وبلغت الطاقة الإنتاجية لـ “تاميكو” 60 صنفاً دوائياً هذا العام بزيادة أكثر من 80 بالمئة مقارنة بالعام الماضية (35 صنفاً فقط)، وبقيمة إجمالية وصلت إلى 102 مليار ليرة سورية (أي ما يعادل 100 ألف دولار أميركي).

في غضون ذلك، يعتزم المجلس العلمي للصناعات الدوائية وضع خطة تطويرية بعد رفع معظم العقوبات الدولية، في أيار/مايو الماضي، تشمل تجديد شهادات الجودة الأوروبية للمصانع، والتعاون مع جهات مانحة جديدة لرفع سوية المعامل ورفع سوية المنتج المحلي.

ومن المتوقع أن تساهم الخطة في تسهيل عمليات التسويق وتحسين أداء المعامل الوطنية.

الأسعار لن تنخفض سريعاً

على الرغم من أن قطاع الأدوية لم يكن مشمولا بالعقوبات بشكل مباشر، وظل معفى منها حتى خلال سنوات الحرب، إلا أن صعوبات الاستيراد والقيود المفروضة على البنوك وارتفاع التكاليف استمرت في الحد من توفر الأدوية في الأسواق.

ويقول يونس الكريم، خبير اقتصادي، إن رفع العقوبات سيعمل على توفير الأدوية بشكل غير مباشر، مما سيُسهل عملية الدفع للمستوردين سواء للقطاع الحكومي أو القطاع الخاص أو منظمات المجتمع المدني أو الأفراد.

ويضيف الكريم، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، أن عملية الدفع عبر البنوك ستصبح أكثر مرونة لأن هناك موجة عالمية لتخفيض أسعار الأدوية، وبالتالي ستشجع هذه الخطوة العديد من المنظمات الدولية والعربية على توجيه الدعم للمجتمع السوري الذي يعاني عدد كبير منه من أمراض مزمنة كثيرة نتيجة 14 عاماً من الحرب.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن رفع العقوبات قد يفتح الباب أمام تدفق المعدات الطبية التي كان يُخشى من استخدامها المزدوج أو بيعها في السوق السوداء، مما قد يسهم في تحسين الوضع الصحي السوري بشكل عام.

ويستبعد الخبير انخفاض أسعار الأدوية بشكل فوري لعدة أسباب:

أولاً، لم يتم تفعيل نظام التحويلات المصرفية “سويفت” في سوريا، الأمر يتطلب وقتاً وبنية تحتية مصرفية.

ثانياً، استمرار اضطراب سعر صرف الدولار وتراجع القوة الشرائية لدى المواطن.

ثالثا، غياب تشريعات طبية واضحة، الأمر الذي ينعكس على الصناعة الدوائية وقطاع الاستشفاء، حتى إن وضع المستشفيات “السيئ” لم يرمم بعد، على حد وصفه.

بالإضافة إلى عدم تدفق المساعدات الدولية والعربية بالقدر الكافي حتى الآن.

تفعيل نظام سويفت.. وضبط الأسعار

علاوة على ذلك، فإن إعادة ربط سوريا بنظام “سويفت” (SWIFT)، وهو نظام مصرفي عالمي يربط البنوك والمؤسسات المالية، من شأنه أن يسهل بشكل كبير حركة تدفق الأموال وإتمام الصفقات التجارية، الأمر الذي يشكل عاملا حاسما في تهيئة بيئة استثمارية أكثر استقراراً لقطاع الأدوية والقطاعات الإنتاجية الأخرى.

ويرى الخبير الاقتصادي يونس الكريم على ضرورة سن تشريعات واضحة للصناعة الدوائية أو الاستشفائية، وتسهيل عملية الاستيراد من خلال وزارة المالية والبنك المركزي، دعم الصناعة الدوائية المحلية لتحسين الجودة والانتقال لصناعة دوائية لأمراض الحيوية مثل السرطان.

ويلفت إلى ضرورة إنشاء غرف تنسيق بين المنتجين المحليين والقطاع المدني ووزارة الصحة لضبط السوق ومتابعة الأصناف الدوائية الناقصة لتحقيق التكامل من دون أن يكون هناك تنافس قد يؤدي إلى طرد واستبعاد المنتج المحلي من جهة أو ارتفاع أسعار الأدوية من جهة أخرى

تلفزيون سوريا

—————————————-

رفع العقوبات يُربك الإقليم المرتعش/ محمد الشماع

من الرياض إلى دمشق: كيف غيّر إعلان ترامب ملامح النفوذ في الشرق الأوسط؟

2025-05-19

لم يكن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الرياض عن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا مجرد قرار إداري بحت، بل يمثل حركة سياسية ذات مدلولات إقليمية ودولية واضحة. فاختيار السعودية كمسرح للإعلان يعكس إعادة رسم الدور القيادي لها في المنطقة العربية وإعادة ضبط الاصطفافات السياسية التي تشكل المشهد الإقليمي منذ سنوات.

السعودية واستعادة الدور القيادي

لم يكن اختيار الرياض للإعلان عن رفع العقوبات الأميركية صدفة، بل هو جزء من استراتيجية سعودية متكاملة لإعادة تثبيت موقعها كقوة إقليمية مؤثرة، هذا التحرك يأتي بعد سنوات من التنافس على الهيمنة الإقليمية، خصوصاً مع تركيا وإيران، حيث يبدو أن المملكة تعمل على إعادة ترتيب التحالفات بما يتناسب مع مصالحها المستقبلية.

رفع العقوبات الأميركية عن سوريا من الرياض يمكن اعتباره بمثابة إعلان غير مباشر عن إعادة احتضان سوريا عربياً بعد مرحلة من التقارب السوري التركي الذي فرضته الضرورات السياسية والجغرافية. هنا يتضح أن السعودية تسعى إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية مركزية قادرة على احتواء المتغيرات وجذب سوريا إلى فضائها السياسي عبر دعم اقتصادي وسياسي متعدد الأوجه

إضعاف الدور الأوروبي

يأتي القرار الأميركي أيضاً في سياق تقليص النفوذ الأوروبي، وخاصة الفرنسي، الذي حاول جاهداً أن يستقطب السلطة السورية ضمن مساعي باريس لإعادة صياغة دورها في المنطقة. فمنذ سنوات، لعبت فرنسا دوراً واضحاً في استقطاب دمشق من خلال قنوات ديبلوماسية غير مباشرة. ومع تراجع الوزن الأوروبي في الشرق الأوسط، يبدو أن واشنطن قررت استعادة المبادرة ورسم مسار جديد لسوريا، بعيداً عن محاولات التأثير الأوروبية.

ويعكس هذا التحول إعادة التوازن داخل المحور الغربي، حيث تسعى واشنطن إلى احتواء المتغيرات الإقليمية عبر تحركات سياسية مباشرة، بدلاً من ترك المساحة للاعبين الأوروبيين الذين، وإن كانوا يسعون إلى الحفاظ على نفوذهم، لم يقدموا حلولاً ملموسة للمأزق السوري.

لقاء كرس النفوذ الأميركي

المقابلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري الجديد أحمد الشرع نقطة مفصلية في هذا التحول السياسي. هذا اللقاء، بغض النظر عن تفاصيله، يشكل تتويجاً لدور أميركي جديد في سوريا، حيث سيتم العمل على صياغة تفاهمات تضمن وجوداً أميركياً أكثر وضوحاً في الملف السوري.

وبعد 100 عام على تأسيس الدولة السورية الحديثة، ربما يكون هذا اللقاء علامة على دخول سوريا إلى دائرة النفوذ الأميركي، خصوصاً مع التغيرات الإقليمية التي تفرض خيارات جديدة على دمشق، بغض النظر عن شكل الاتفاقات التي أبرمت خلال اللقاء، مرجحٌ أن يعتمد هذا الاجتماع إشارة رسمية على تغير التموضع السوري في الخارطة السياسية والجغرافية للمنطقة.

نحو حل سياسي شامل

بين التحولات السياسية والإقليمية، تظل مصلحة الشعب السوري هي الاعتبار الأساسي في أي تحول يجري على الساحة الدولية. فرفع العقوبات، رغم كونه قراراً مرتبطاً بتوازنات سياسية، يشكل فرصة لتحسين الأوضاع الاقتصادية وإعادة تحريك عجلة التنمية، بما يتيح للسوريين فرصة للخروج من حالة الجمود التي فرضتها سنوات الحرب والعقوبات.

لكن هذه الفرصة لن تكون ذات جدوى إلا إذا تم استثمارها في إطار حل سياسي شامل يحقق الأمن والاستقرار والمواطنة لكافة السوريين. أي انخراط دولي في الملف السوري يجب أن يكون محكوما بضمانات تحفظ مصالح الشعب السوري، لا أن يتحول إلى مجرد تحرك سياسي يخدم أجندات القوى الكبرى في الختام.

إعلان ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا لم يكن مجرد قرار اقتصادي، بل هو جزء من إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية، حيث يبرز الدور السعودي القيادي، ويتراجع النفوذ الأوروبي، وتتجه سوريا نحو مرحلة جديدة من العلاقات الدولية. اللقاء المنتظر بين ترامب والشرع سيكون لحظة مفصلية تؤسس لتحول استراتيجي في المشهد السوري، وربما يكون بداية لمسار سياسي جديد يعتمد فيه الدور الأميركي كفاعل أساسي في الملف السوري.

تحقيق الأمن والاستقرار والمواطنة لكافة السوريين هو الهدف الأسمى الذي يجب أن توجه إليه هذه التحولات، لضمان مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا لسوريا والمنطقة.

———————–

الثمن السوري لرفع العقوبات الأميركية-الأوروبية/ مالك الحافظ

رفع العقوبات عن سوريا: نافذة انفتاح أم تكريس للفراغ السياسي؟

2025-06-01

منذ إعلان واشنطن وبروكسل عن تخفيف أو رفع العقوبات المفروضة على سوريا بسبب نظام الأسد، توالدت قراءات متضاربة حول ما يعنيه ذلك فعلاً في ميزان السياسة بالنسبة لـ “سوريا الجديدة”. بدا المشهد وكأنه انتقال من العزلة إلى الانفتاح، من الحصار إلى الإقرار بالواقع، ولكن تحت هذا السطح المتفائل، تلوح أسئلة أكثر تعقيداً تتعلق بطبيعة السلطة، وشكل الدولة، وشروط استعادة السياسة، وشرعية الداخل قبل شرعية الخارج.

لم تُصمم العقوبات المفروضة سابقاً على نظام الأسد لتكون مشروعاً سياسياً بذاته، فهي كانت أداة ضغط مؤقتة في انتظار تحوّل سياسي لم يأتِ. مع الوقت، تحوّلت هذه العقوبات من ورقة تفاوض إلى بنية قائمة بحد ذاتها، واليوم حين يُعاد تكييفها فإننا نكون أمام لحظة “إعادة تعريف” وظيفة العقوبات.

هنا تحديداً، يبدأ الثمن السوري بالتشكّل، من خلال ما سيرافق رفع العقوبات من إعادة توزيع غير معلن للفاعلين، والمواقع، ودوائر الشرعية الجديدة.

القرارات الأمريكية والأوروبية المعلنة لم تكن جزءاً من تسوية واضحة، ولا نتيجة لتحوّل بنيوي في شكل السلطة الجديدة، وإنما جاءت كترتيب مؤقت لإبقاء الوضع تحت السيطرة في المرحلة الجديدة التي تمر على سوريا، وتفادي الانهيار الكامل في ظل واقع إقليمي متغير.

ما حصل لا يمكن اعتباره إعادة دمج للسلطة الانتقالية في النظام الدولي ولا تطبيع سياسي بالمعنى الكامل، وإنما تموضع جديد ضمن نطاق ما يمكن تسميته بـ”الاعتراف الأدنى”، وهو شكل من الاعتراف الإجرائي يتيح التواصل مع سلطة أمر واقع، دون تقديم اعتراف سياسي مكتمل أو تمثيل دبلوماسي ثابت.

تجارب سابقة قدّمت نماذج مشابهة، ففي السودان عقب الإطاحة بعمر البشير، نشأت سلطة انتقالية نالت قبولاً دولياً واسعاً، لكنها لم تلبث أن انهارت تحت وطأة هشاشتها الداخلية وانعدام القدرة على التحوّل من الشرعية الدولية إلى شرعية محلية تمثيلية. وفي لبنان، مثّل اتفاق الطائف نوعاً من الاعتراف الخارجي التوافقي، لكنه لم ينجح في تأسيس نظام سياسي مستقر، بل أنتج نموذجاً هشّاً من تقاسم النفوذ الطائفي، تحوّل مع الوقت إلى ما يشبه الجمود المزمن.

اقرأ أيضاً: استرداد بشار الأسد لمحاكمته.. العدالة كإمكانية سياسية ضد منطق الإفلات والتدوير

ما يمكن استخلاصه من هاتين الحالتين أن الاعتراف أو الدعم الخارجي، حين لا يُرفق بعملية داخلية واسعة وحقيقية ومتكاملة لإعادة بناء الشرعية على أسس وطنية، يصبح عبئاً أكثر مما هو مكسباً، فبدلاً من أن يُطلق مسار التحوّل السياسي، يُكرّس مؤقتاً بنيات السلطة القائمة، ويمنحها هامشاً من الحركة دون مساءلة، ودون مؤسسات تضمن الاستمرارية والتوازن.

لا تزال البنية التمثيلية غير مكتملة في سوريا، والحياة السياسية غائبة، والمؤسسات خاضعة لتركيبة فوقية غير تشاركية، لذا فإن الرهان على هذا المستوى المنخفض من الاعتراف لا يكفي لبناء دولة، بل إن تحوّله إلى بديل عن إصلاح الداخل قد يعمّق منطق “الإدارة المؤقتة” ويُفرّغ المرحلة الانتقالية من مضمونها التأسيسي.وفق ما تُشير إليه نظرية الوظيفية الجديدة، فإن الإدماج التدريجي للكيانات السياسية في النظام الدولي لا يحدث دفعة واحدة، إنما يمر عبر ما يُعرف بـ”الزحف الوظيفي”، أي توسيع الاعتراف عبر آليات فنية وإجرائية تؤسس لاحقاً لاعتراف سياسي ضمني. غير أن هذه الآلية تفترض وجود دولة قابلة للاندماج، أي تملك مؤسسات مستقرة وبنية شرعية مرنة، وفي الحالة السورية، يبدو أن الخارج يتصرف وفق منطق وظيفي، في حين لا تزال البنية الداخلية عاجزة عن مواكبة هذا النمط، ما يجعل من هذا الاعتراف المؤقت حملاً زائداً على بنية السلطة التي تدور في فلك الفراغ.

رفع العقوبات لا يساوي تلقائياً بداية التعافي، إذ يتطلب استثمار هذه اللحظة بنية مؤسساتية وطنية قادرة على تحويل الفرص إلى سياسات، وفي غياب البيئة القانونية والمؤسساتية المناسبة، تبقى كل نافذة خارجية مجرّد تهدئة ظرفية، لا تنتج نمواً حقيقياً ولا استقراراً سياسياً.

من أبرز التحديات المعلقة؛ يبرز ملف المقاتلين الأجانب، والذين لا يزال وجودهم يثير مخاوف محلية مجتمعية وإقليمية. تجاهل هذا الملف لا يعني اختفاءه، وإنما ترحيله إلى مرحلة أخرى قد تكون أكثر تكلفة، والسلطة الانتقالية إن أرادت فعلاً أن تنال ثقة المجتمعات المحلية والدول الإقليمية، فإنها تحتاج إلى توضيح موقفها من هذا الملف، ليس فقط بوصفه معضلة أمنية، وإنما كعقد أخلاقي يتعلق بطبيعة الحكم وشروط التمثيل.

الفرصة المتاحة التي قد تنتج من الانفتاح الدولي، تكمن في استثماره لبناء شرعية من الداخل، لا في الاكتفاء باجتذاب تمويلات مشروطة، ولكن لا شرعية بدون عقد جديد تشارك في صياغته القوى المدنية، والمكونات المحلية. هذا العقد يولد من تفاهم سوري–سوري يحدد شكل الدولة، ومهام السلطة، وحدود المركز، وآليات الانتقال السلمي للسلطة.

واحدة من أثمان رفع العقوبات دون تحول داخلي حقيقي، هي تكريس الفراغ السياسي داخل البلاد، فغياب الحياة الحزبية واستمرار المشهد السياسي في صورته الرمزية، يمنع تشكّل عقد اجتماعي متين ويحول دون إنتاج سلطة تمثيلية حقيقية، فالدولة بحاجة إلى بنية سياسية حيّة تُفرز نخباً جديدة، وتعكس التعدديات القائمة في المجتمع.

في المحصلة، لا يُقاس الثمن السوري لرفع العقوبات بحجم الأموال التي ستُضخ، وإنما بكيفية استثمار هذه اللحظة لإعادة بناء الدولة. الفرصة قائمة، لكنها هشّة، والرهان سيكون على إرادة الداخل في أن لا يُهدر مرة أخرى ما كان يمكن أن يكون بداية حقيقية لـ “سوريا الجديدة”.

+963

————————

200 مليار دولار استثمارات سعودية محتملة في إعادة إعمار سورية/ نور ملحم

31 مايو 2025

تشهد العلاقات التجارية بين السعودية وسورية مرحلة جديدة من الانفتاح، مع تزايد الحديث عن فرص استثمارية واعدة قد تعيد ترتيب المشهد الاقتصادي بين البلدين، وبينما تستعد الرياض لضخ استثمارات ضخمة في السوق السورية، تشير التقارير إلى أن دمشق تسعى لتعزيز التبادل التجاري والاستفادة من التكامل الاقتصادي الإقليمي، خاصة في ظل التقديرات التي تشير إلى الحاجة إلى 700 مليار دولار لإعادة الإعمار. وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع زيارة رسمية يجريها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق اليوم، على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى، يضم كبار المسؤولين في القطاعات المالية والاستثمارية، بهدف بحث فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين، ودعم جهود إعادة الإعمار في سورية.

السعودية تتصدر المشهد

كشف الخبير الاقتصادي أيمن جمعة عن تطورات جديدة في العلاقات الاقتصادية بين السعودية وسورية، مشيراً إلى أن دمشق كانت وجهة واعدة للاستثمارات السعودية قبل عام 2011، نظراً لموقعها الاستراتيجي، وتوافر الأيدي العاملة بأسعار تنافسية، فضلاً عن قربها من الأسواق العالمية. وأكد جمعة في حديث خاص لـ “العربي الجديد” أن السعودية تستعد لضخ استثمارات ضخمة في سورية قد تصل إلى 100 مليار دولار، وذلك ضمن رؤية ولي العهد محمد بن سلمان، التي تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين سورية والأردن، وربط المنطقة بالبحر الأبيض المتوسط عبر محور استراتيجي يسهم في تأمين خطوط ترانزيت تربط المملكة بالعالم.

وفيما يتعلق بمستقبل الاستثمارات الخليجية في سورية، أوضح أن السعودية تتصدر المشهد الاستثماري نظرًا للعلاقات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي تجمعها بسورية، ما يمنحها الأفضلية في مشاريع إعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية التي تضررت خلال سنوات الحرب. وأضاف أن حجم الاستثمارات المحتمل في سورية قد يصل إلى 200 مليار دولار، مع استحواذ السعودية على الحصة الأكبر، كونها الدولة التي قادت جهود رفع العقوبات عن سورية، ما يعزز الروابط الاقتصادية بين البلدين، ويضع دمشق تحت مظلة الاستثمارات السعودية، وفق تعبيره. وأشار جمعة إلى أن هناك رغبة واضحة لدى قطاع الأعمال السوري في دخول السوق السعودية، والاستثمار بمختلف القطاعات الاقتصادية، مما يستدعي تكثيف زيارات الوفود التجارية، وعقد المنتديات الاقتصادية لضمان شراكة مستدامة بين الطرفين.

سورية توقع مذكرة تفاهم كبرى مع شركات دولية في مجال الطاقة بحضور الرئيس أحمد الشرع، دمشق، 29 مايو 2025 (العربي الجديد)

التبادل التجاري بين الرياض ودمشق

شهدت العلاقات التجارية بين السعودية وسورية تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، حيث انخفضت المبادلات التجارية مع المملكة والإمارات بنسبة 80% بين عامي 2010 و2020، وفقًا لبيانات رسمية. ففي عام 2010، بلغت قيمة التجارة بين سورية من جهة والسعودية من جهة أخرى نحو 1.724 مليار دولار، في حين لم تتجاوز 675 مليون دولار عام 2020. وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية والتي حصل عليها “العربي الجديد”، كانت السعودية من بين أهم 20 دولة استوردت منتجات سورية في عام 2019، حيث تجاوزت قيمة المستوردات السورية إلى 13 دولة عربية نحو 344.8 مليون يورو، مع تصدر السعودية للقائمة بواقع 74.5 مليون يورو، وهو ما يمثل زيادة قدرها 19 مليون يورو مقارنة بعام 2018، وذلك إثر إعادة تشغيل معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن، ما سهّل حركة السلع الزراعية والصناعية إلى الأسواق الخليجية.

وفي عام 2020، بلغت قيمة الصادرات السورية إلى السعودية نحو 140 مليار ليرة سورية، مقابل مستوردات بلغت 370 مليون ليرة سورية. ومع تحسن الظروف الاقتصادية في عام 2024، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 320 مليون دولار، بفائض تجاري لصالح سورية بلغ 36 مليون دولار. وبلغت الصادرات السعودية إلى سورية 1.206 تريليون ليرة سورية، حيث تصدرت اللدائن ومصنوعاتها القائمة بنحو 865.006 مليار ليرة، تلتها منتجات البن والشاي والبهارات بـ 148.989 مليار ليرة، ثم الخزف بـ 75.535 مليار ليرة، والفواكه بـ 60.541 مليار ليرة، ثم المنتجات الكيماوية غير العضوية بـ 30.150 مليار ليرة.

أما الصادرات السورية إلى السعودية، فجاءت محضرات الفواكه والخضار في الصدارة بقيمة 415.108 مليار ليرة، تلتها الفواكه بـ 284.920 مليار ليرة، ثم الشحوم والزيوت الحيوانية أو النباتية بـ 241.200 مليار ليرة، والبن والشاي والبهارات بـ 197.784 مليار ليرة، فيما بلغت صادرات الألبان والبيض ومنتجات حيوانية للأكل نحو 76.038 مليار ليرة.

فرص وتحديات

وبحسب هيئة الاستثمار السورية، لا تزال السعودية تحتل مرتبة متقدمة في الاستثمارات العربية داخل سورية، وتشمل قطاعات متعددة مثل البناء، الصحة، الصناعات الكيميائية والطبية، الغذاء، الزراعة والنقل. وبلغ حجم الاستثمارات السعودية في سورية قبل عام 2011 نحو 2.8 مليار دولار، وكان من أبرز الشركات المستثمرة مجموعة بن لادن، المهيدب، والنويصر، إضافة إلى مشاريع مشتركة بين الحكومتين، أبرزها الشركة السعودية-السورية للاستثمار التي ركزت على الصناعات الغذائية، التحويلية، والمفروشات.

إلا أن هذه الاستثمارات واجهت تحديات كبيرة بعد 2011، مما أدى إلى تراجع النشاط الاستثماري بشكل ملحوظ، وتوقف العديد من المشاريع أو تباطؤ تنفيذها، في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد. ومع تحسن الأوضاع مؤخرًا، تشير التوقعات إلى إمكانية استئناف التدفق الاستثماري السعودي، خاصة في مشاريع إعادة الإعمار، في إطار رؤية اقتصادية جديدة قد تعيد ترتيب المشهد التجاري بين الرياض ودمشق.

بوابة إعادة الإعمار

بدوره، بدوره أكد الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب اسمندر أن السعودية يمكن أن تكون بوابة رئيسية لعودة الإدارة السورية الجديدة إلى المشهد العربي والدولي، مشددًا على أن المستثمرين السعوديين يمتلكون فرصًا واعدة في قطاع النفط والغاز السوري، الذي يعتبر أحد أكثر القطاعات تضررًا بفعل الحرب، حيث تعرض 90% من بنيته للتعطيل، مع انسحاب الشركات الأجنبية المشغلة له. وأشار اسمندر في حديث خاص لـ ” العربي الجديد” إلى أن حجم الدمار الواسع الذي شهدته سورية يجعل جميع القطاعات الاقتصادية، من الصناعة والزراعة والخدمات إلى النقل والسياحة، بحاجة ماسة إلى استثمارات ضخمة، معتبرًا أن التكلفة التقديرية لإعادة إعمار البلاد تصل إلى 700 مليار دولار، ما يفتح المجال أمام المستثمرين للدخول بقوة في مشاريع إعادة بناء الاقتصاد السوري.

وفي سياق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، شدد اسمندر على أهمية تعزيز التبادل التجاري بين سورية والسعودية، معتبرًا أن توسيع حركة التجارة سيسهم في إعادة تنشيط الاقتصاد السوري، وخلق فرص استثمارية جديدة للشركات والمستثمرين الخليجيين. وأضاف أن زيادة الصادرات السورية إلى المملكة، لا سيما في القطاعات الزراعية والصناعية، ستساعد في تنويع مصادر الدخل وتحقيق انتعاش اقتصادي، مشيرًا إلى أن المملكة العربية السعودية تمثل بوابة رئيسية للأسواق الإقليمية، ما يجعلها شريكًا اقتصاديًا استراتيجيًا لسورية خلال المرحلة المقبلة.

وأوضح أن الأسواق الخارجة من الحروب غالبًا ما تمثل فرصة ذهبية للمستثمرين، حيث تكون المنافسة في مراحلها الأولى منخفضة، ما يمنح المستثمرين الأوائل إمكانية تحقيق مكاسب كبيرة، داعيًا رجال الأعمال إلى اغتنام الفرصة والمساهمة في إعادة إعمار سورية، حتى تستعيد مكانتها الاقتصادية في المنطقة والعالم.

العربي الجديد

————————

 هل ما زالت إسرائيل تنظر إلى رفع العقوبات عن سوريا كتهديد؟/ محمود سمير الرنتيسي

2025.06.05

اعتبر كثيرون في دولة الاحتلال الإسرائيلي قرار الرئيس ترامب رفع جميع العقوبات الأميركية عن سوريا، خلال حديثه في منتدى الاستثمار السعودي–الأميركي في أثناء جولته الخليجية الأخيرة، اعترافًا صريحًا بالوضع الجديد في سوريا، حيث أرفق ذلك بتأكيده أن إدارته قد اتخذت الخطوات الأولى لتطبيع العلاقات مع دمشق. وتُعدّ هذه التطورات، بالنسبة لصنّاع القرار في دولة الاحتلال، أمرًا يضع تحديات خطيرة على إسرائيل على المدى القصير والطويل.

وذكرت بعض التقارير الإعلامية أن حتى بعض أعضاء إدارة ترامب تفاجت بإعلانه رفض العقوبات، إذ لم تصدر سابقًا مذكرات أو توجيهات للتحضير لرفع العقوبات عن سوريا. وسارع كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة إلى النظر في كيفية تنفيذ هذا القرار. وفي الواقع، فإن رفع العقوبات، تاريخيًا، يُعد عملية معقدة نادرًا ما تتم بشكل مباشر وسريع، نظرًا لما تتطلبه من تنسيق بين مؤسسات ووزارات، بل وأحيانًا بين دول، خاصة حين يتعلق الأمر بأنظمة اقتصادية ومصرفية. ولعل هذا ما فاجأ دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما فاجأ عددًا من مسؤولي الإدارة الأمريكية الداعمين لإسرائيل، والذين لم يكونوا راضين عن هذا القرار.

مع أن مبررات دولة الاحتلال الإسرائيلي السابقة لتأييد العقوبات على سوريا قد سقطت تباعًا، والتي كانت تتمثل في تعزيز المحور الإيراني ونقل الأسلحة إلى حزب الله عبر الأراضي السورية، إلا أن إسرائيل استمرت في معارضة رفع العقوبات، حتى بعد سقوط النظام وعدم بقاء أي وجود إيراني في سوريا. ففي عام 2023، طالبت دولة الاحتلال واشنطن بعدم رفع العقوبات عن النظام من دون ضمانات بانسحاب إيران من سوريا، أما اليوم، فلم يعد هذا الشرط مطروحًا، ولم يعد هناك نقل أسلحة، ومع ذلك لم يتغير موقفها.

في البداية، تعتبر إسرائيل أن قرار ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يمهّد الطريق نحو الاستقرار، ما يقطع عليها القدرة على العبث بملف الأقليات في سوريا، خاصة أنها روّجت سابقًا لفكرة أن الحكم الجديد في سوريا يهدد الأقليات، وعلى رأسهم الدروز، وقدمت نفسها كحامٍ لهم في المنطقة. إلا أن سلوك الحكومة السورية في التعامل مع الدروز كمكون وطني، أولًا، ثم الرضا الدولي والإقليمي عن هذا النهج، أغلق الباب أمام الرواية الإسرائيلية المشوهة والساعية للتدخل في الشأن الداخلي السوري.

الأمر الآخر الذي تخشاه إسرائيل هو إمكانية تعرضها في المستقبل لضغوط في ملفات متعددة، ومنها ملف الجولان المحتل، إذ تخشى أن تعود الضغوط الأميركية بشأن التخلي عن الهضبة التي ضمتها في عام 1981، والتي اعترف ترامب في ولايته الأولى بسيادة إسرائيل عليها. وقد بذلت إسرائيل جهودًا كبيرة منذ عام 2011 لدفع واشنطن نحو هذا الاعتراف.

وتحاول إسرائيل حاليًا رفع عدد سكان المستوطنات في الجولان، بعد أن فشلت طوال العقود الماضية، وتحديدًا منذ عام 1982، في تجاوز عدد 25 ألف مستوطن. وقد أُعدّت مؤخرًا مجموعة من الخطط الهادفة إلى ذلك، وشُكّلت لجنة برلمانية من عدة أحزاب لتطوير المنطقة، ووضعت خططًا لتحفيز 10 آلاف مستوطن سنويًا على الانتقال إلى الجولان، مع وعود بتوفير بنية تحتية وفرص عمل واسعة.

لكن كما شهد العالم بأسره، فإن أحداث 7 أكتوبر 2023 أحدثت تغييرًا جذريًا في مفهوم الأمن لدى المستوطنين الإسرائيليين، الذين أصبحوا أقل اطمئنانًا للخطط الحكومية، وأكثر خوفًا من الاستيطان في المناطق الحدودية. وحتى الآن، لم يعودوا إلى الحدود مع لبنان أو غزة. بل إن بعض الجهات الإسرائيلية باتت تعتبر الاستيطان مجرد حزام أمني متقدم لحماية مدن العمق، ما يعني التضحية بهذا المكون في أي صراع محتمل مستقبلي، وهو ما يُضعف الحافز لدى المستوطنين للانتقال إلى المناطق الحدودية، مهما كانت الإغراءات.

وفي السياق ذاته، فإن الشيطنة والهجمات الإعلامية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية ضد الحكومة السورية الجديدة، والتعبئة السلبية المستمرة منذ سقوط نظام بشار الأسد، لا تؤدي إلا إلى تخويف المستوطنين من الاستقرار في الجولان.

لكن، من جهة أخرى، توجد مجموعات متطرفة جدًا في دولة الاحتلال، يمثلها كل من بن غفير وسموتريتش، وهي على استعداد تام لحث أنصارها على الانتقال إلى هذه المناطق، انطلاقًا من منطلقات أيديولوجية عدوانية وتوسعية تتجاوز حدود الجولان.

ومع ذلك، حتى بعض الليبراليين والمؤيدين لاتفاقيات أبراهام في إسرائيل يرون أن رفع العقوبات عن سوريا، وإن حمل سيناريو تطبيع محتمل، إلا أن هذا التطبيع من وجهة نظرهم سيأتي بكلفة كبيرة، ليس أقلها النقاش حول سيادة إسرائيل على الجولان.

على أي حال، ينظر هؤلاء جميعًا إلى استقرار سوريا كتحدٍ وتهديد، كما ينظرون إلى فوضى سوريا أيضًا كتحدٍ وتهديد. وبما أن سوريا اليوم أقرب إلى الاستقرار، بسواعد أبنائها وبرؤية جديدة تسعى للخلاص من الظلم وتتطلع إلى آفاق الحرية والبناء والعدالة، فإن هذه العوامل مجتمعة تُعدّ تهديدًا في نظر إسرائيل، التي ترى الجولان أرضًا أبدية لها وتتطلع إلى ما هو أكثر من ذلك.

وربما قدّم بيان البيت الأبيض بعض الشروط المعلنة لتخفيف العقوبات، من بينها التوقيع على اتفاقية أبراهام للتطبيع مع إسرائيل، وترحيل عناصر من الحركات الفلسطينية المسلحة، في مقابل تأكيد الرئيس السوري على التزامه باتفاقية فك الاشتباك مع إسرائيل الموقعة عام 1974، مع مرونة سياسية تسمح بعملية تعافٍ اقتصادي.

وفي كل الأحوال، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية لم تقم يومًا على الترحيب بسوريا موحدة ومستقرة، بل كانت دائمًا قائمة على السعي لإبقائها مجزأة ومفككة، ولا توجد حتى اللحظة مؤشرات على تغيّر هذه العقلية الإسرائيلية تجاه سوريا.

تلفزيون سوريا

————————

تركيا وليس إسرائيل.. تحوّل استراتيجي في مقاربة واشنطن للملف السوري/ علي أسمر

2025.06.05

تشير المعطيات السياسية الأخيرة إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، بصدد إعادة رسم أولوياتها في الملف السوري، مع ميلٍ واضح نحو تعزيز دور تركيا كفاعل رئيسي في مستقبل سوريا الجديدة، على حساب الدور الإسرائيلي التقليدي، الذي ظل متقدماً لسنوات في هذا الملف من زاوية أمنية بحتة.

ويُعزز هذا التوجّه القرار الأميركي بتعيين السفير لدى أنقرة، توم باراك، مبعوثًا خاصًا إلى سوريا، في مؤشر واضح على اعتماد واشنطن على أنقرة في صياغة معادلة الاستقرار في سوريا ما بعد سقوط النظام السابق.

تحول محسوب في هندسة التوازنات

لم تعد سوريا، بعد سقوط النظام السابق وتشكيل الحكومة السورية الجديدة، ساحة صراع مفتوحة كما في السابق، بل بات الملف السوري اليوم في مرحلة جديدة تتطلب ترتيب أولويات واضحة وبناء شراكات فاعلة لإعادة بناء الدولة السورية.

في هذا السياق، ترى الإدارة الأميركية أن تركيا، بحكم موقعها الجغرافي وارتباطها الوثيق بالمجتمع السوري، وبقدرتها على التأثير داخل الأراضي السورية، هي الشريك الإقليمي الأكثر قدرة على لعب هذا الدور، في مقابل تراجع الدور الإسرائيلي الذي ظل لفترة طويلة يركّز على البُعد الأمني.

ومن هنا جاء اختيار واشنطن لأنقرة كشريك رئيسي في هذه المرحلة الدقيقة، وهو اختيار مدفوع بحسابات استراتيجية تتجاوز المصالح الآنية إلى رؤية بعيدة المدى لسوريا الجديدة.

من وجود طارئ إلى حضور استراتيجي

من المهم فهم التحوّل في المقاربة التركية نفسها تجاه الملف السوري. ففي بدايات التدخل التركي، كان الوجود العسكري في سوريا مدفوعًا بدوافع طارئة تتعلق بحماية الحدود، ومنع تمدد الميليشيات الانفصالية، ودرء تهديدات أمنية مباشرة.

لكن مع التطورات الأخيرة وسقوط النظام السابق، بات صانع القرار التركي ينظر إلى هذا الوجود بعين استراتيجية أوسع. هناك توجه تركي واضح اليوم لتحويل هذا الوجود العسكري إلى حضور طويل الأمد، يقوم على تأسيس قواعد عسكرية دائمة في مواقع مختارة، ليس لغرض الهيمنة، بل لضمان الاستقرار ومنع عودة الفوضى.

أنقرة تدرك أن استقرار سوريا لا يخدم فقط المصالح التركية، بل يُشكّل أيضًا عنصر توازن في وجه محاولات بعض الأطراف، وعلى رأسها إسرائيل، لإبقاء سوريا ساحة مفتوحة للتجاذبات الأمنية.

ضغط متزايد على “قسد”

وفي خطوة متكاملة مع هذا التوجّه، كشفت مصادر دبلوماسية مطّلعة أن واشنطن أبلغت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بما وُصف بأنه “مهلة أخيرة” للانضمام إلى “الجيش السوري الوطني”، في إطار مسار إعادة بناء مؤسسات الدولة.

تعكس هذه الخطوة رغبة أميركية واضحة في إنهاء حالة الانقسام العسكري، وإعادة توحيد البنية الأمنية والعسكرية لسوريا الجديدة، بما يحول دون استمرار الكيانات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة.

وتتماهى هذه الرؤية مع الموقف التركي، الذي طالما دعا إلى إنهاء مظاهر التفلت المسلح في شمالي وشرقي سوريا، ودمج القوى المحلية في الجيش الوطني السوري الموحّد.

تباين متزايد مع إسرائيل

في المقابل، بدأت ملامح تباين متزايد بين واشنطن وتل أبيب في مقاربة الملف السوري تظهر بشكل جليّ. فعلى الرغم من استمرار الدعم الأميركي العام لأمن إسرائيل، فإن المقاربة الأميركية الجديدة باتت تُعطي الأولوية لبناء شراكة استراتيجية مع تركيا في سوريا.

ويعود ذلك إلى إدراك الإدارة الأميركية أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، لم تُقدّم حتى اليوم تصورًا متكاملاً لبناء سوريا الجديدة، واقتصرت تحركاتها على منع التموضع الإيراني، من دون الانخراط في مشروع سياسي فعّال يُسهم في استقرار البلاد.

أما تركيا، فقد أثبتت امتلاكها أدوات التأثير السياسي والمجتمعي القادرة على الدفع نحو حلّ مستدام، وهو ما جعلها تحظى بثقة واشنطن في هذه المرحلة المفصلية.

سوريا الجديدة: مشروع بناء دولة لا مناطق نفوذ

الملف السوري، وفق الرؤية الأميركية الحالية، لم يعد مجرّد ملف “إدارة مناطق نفوذ”، بل أصبح مشروع “بناء دولة”. ومن هنا جاء الضغط على “قسد” للالتحاق بمؤسسات الدولة، إلى جانب التشجيع الأميركي على تمكين الحكومة السورية الجديدة من بسط سلطتها على كامل الأراضي السورية.

وفي هذا السياق، يبرز الدور التركي كعامل دعم رئيسي لهذا المسار، سواء من خلال التنسيق مع المعارضة السورية لإعادة إدماجها في الدولة، أو من خلال ضبط الحدود وتأمين الاستقرار في المناطق الشمالية، إلى جانب إنشاء قواعد عسكرية تركية مدروسة تهدف إلى دعم جهود الاستقرار الإقليمي.

هذه القواعد لا تُوجَّه ضد طرف بعينه، لكنها تعبّر عن توجه تركي واضح لخلق بيئة آمنة، تمنع الانفلات الأمني، وتضع حدودًا لأي محاولات لإجهاض مسار إعادة بناء الدولة، بما في ذلك المحاولات الإسرائيلية لإبقاء سوريا مسرحًا للفوضى المستمرة.

مرحلة جديدة في المقاربة الدولية

يمكن القول إننا أمام مرحلة جديدة بالكامل في مقاربة المجتمع الدولي للملف السوري. وفي هذه المرحلة، برزت تركيا كلاعب رئيسي موثوق به من قِبل واشنطن، في حين بدأ الدور الإسرائيلي يفقد بريقه تدريجيًا.

وفي ظل “المهلة الأخيرة” التي وضعتها واشنطن لـ”قسد”، والتوجه التركي نحو تحويل وجوده إلى شراكة استراتيجية تسهم في استقرار سوريا، يبدو أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد شكل سوريا القادمة.

——————————–

التحول السوري الهش يحمل ملامح شرق أوسط مستقر ولكن بدعم أمريكا والغرب

إبراهيم درويش

نشر موقع مركز المجلس الأطلسي في واشنطن تحليلاً لتشارلس ليستر، رئيس المبادرة السورية في معهد الشرق الأوسط، قال فيه إن التحول السوري الهش يحمل بصيص أمل نحو شرق أوسط أكثر استقراراً.

وأوضح ليستر أن سوريا، وعلى مدى ما يقرب من نصف قرن، كانت جرحاً مفتوحاً في قلب الشرق الأوسط، ومصدراً دائماً لعدم الاستقرار، تغذي الصراعات وتقمع شعبها بوحشية. وزادت الحرب الأهلية، التي استمرت قرابة أربعة عشر عاماً، من تداعيات عدم الاستقرار على الدول المجاورة والعالم بأسره. وقد جسدت المقولة الشهيرة: “ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا” واقع الحال خلال العقد الماضي، في ظل أزمة بدت عصية على الحل.

إلا أن كل ذلك تغيّر في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، عندما فرّ بشار الأسد من قصره في دمشق متوجهاً على نحو مفاجئ إلى منفاه في روسيا. وفي هجوم مفاجئ وسريع، تمكن تحالف من جماعات المعارضة المسلحة من الإطاحة بالنظام، الذي انهار كبيت من ورق خلال عشرة أيام فقط. وهكذا، أُتيحت للمجتمع الدولي فرصة تاريخية واستراتيجية لإعادة تشكيل قلب الشرق الأوسط، ليغدو أكثر استقراراً وتكاملاً وبناءً.

وأشار ليستر إلى أن المرحلة الانتقالية في سوريا لا تزال هشة للغاية، وتواجه تحديات جسيمة، وتمثل في الوقت ذاته معضلة حقيقية للمجتمع الدولي. فمنذ اللحظة الأولى، قادت عملية التحول هيئة تحرير الشام، التي كانت في السابق فرعاً لتنظيم القاعدة، ونشأت من رحم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، ما أثار مخاوف حول التعامل مع السلطات الانتقالية.

لكن هيئة تحرير الشام اليوم تختلف تماماً عما كانت عليه قبل عقد من الزمن. فمنذ انفصالها عن تنظيم الدولة عام 2013، أعلنت فك ارتباطها الرسمي بالقاعدة في 2016، وسمحت بدخول آلاف من القوات التركية (العضو في حلف الناتو)، ووافقت على اتفاق وقف إطلاق نار رعته تركيا وروسيا. كما أنشأت “حكومة إنقاذ وطني” في شمال غرب سوريا، وقدمت خدمات أفضل مما هو متاح في بقية مناطق البلاد. وشنّت حملة ضد عناصر القاعدة وتنظيم الدولة، وبدأت اتصالات مع المجتمع الدولي، وإن كانت من خلف الأبواب المغلقة.

شهدت أيديولوجية الهيئة تحوّلاً جذرياً منذ انفصالها عن القاعدة، مبتعدةً عن خطاب “الجهاد العالمي” بل ومناهِضة له، ومتبنيةً شعار “الثورة الشعبية ضد نظام الأسد”. هذا التحول هو ما دفع معظم الدول إلى التواصل مع الحكومة الجديدة بقيادة الهيئة والرئيس أحمد الشرع، بناءً على قناعة بأن الانخراط والتفاعل أكثر فاعلية من العزل في توجيه نتائج مرحلة انتقالية هشة.

في هذا السياق، خفف الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وسويسرا العديد من العقوبات الاقتصادية، على أمل تحفيز إعادة الإعمار. أما إدارة بايدن المنتهية ولايتها، فقد أصدرت في كانون الثاني/يناير 2025 “ترخيصاً عاماً” مؤقتاً لمدة ستة أشهر، رفعت فيه بعض القيود، لكنه لم يُحدث تأثيراً ملموساً في تسهيل التعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا.

ومع ذلك، يبقى الوضع الاقتصادي كارثياً: يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويعتمد 70% منهم على المساعدات، فيما فقدت الليرة السورية 99% من قيمتها، ودُمرت نصف البنية التحتية، وانخفضت إمدادات الوقود إلى شبه الصفر. وعليه، فإن تجاوز هذه الظروف شبه مستحيل من دون رفع العقوبات، حتى ولو جزئياً.

تستعد دول مثل السعودية وتركيا وقطر لتقديم دعم مالي واستثماري في مجالات النفط والكهرباء، لكنها عاجزة عن ذلك في ظل القيود الأمريكية. ويرى ليستر أن الاستفادة من اللحظة التاريخية التي شهدت سقوط الأسد، تتطلب التخلّي عن السياسات قصيرة الأمد، وتبنّي رؤية طويلة المدى تركز على الاستقرار السوري والإقليمي.

فبينما انحصرت السلطة الانتقالية في 8 كانون الأول/ديسمبر في يد هيئة تحرير الشام، تغير المشهد بعد ثلاثة أشهر، حيث عُقد حوار وطني ومؤتمر تأسيسي شُكلت على إثره لجان لصياغة إعلان دستوري، وأُعلنت حكومة انتقالية موسّعة. لم تضم الحكومة سوى أربعة وزراء من الهيئة من أصل 23، فيما كان أكثر من نصف الوزراء من ذوي التعليم العالي والخبرة المهنية في أوروبا والولايات المتحدة، في خطوة نحو حكومة تكنوقراطية حقيقية.

لكن رغم هذا التقدّم، لا تزال التوترات الاجتماعية والطائفية والسياسية قائمة، وقد ظهرت في تصاعد العنف خلال يومي 7 و8 آذار/مارس 2025، وإن لم يدم طويلاً. وشُكلت لجنة تحقيق حكومية لتحديد المسؤولين عن أعمال العنف. كما بقيت تحديات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، والمقاتلين الأجانب، وتنظيم الدولة، والمقاومة المسلحة العلوية قائمة. ومع ذلك، يبقى هذا التحول الهش أفضل أمل لتحقيق استقرار تدريجي.

ويواجه الغرب خيارين: إما دعم العملية الانتقالية في سوريا بشروط واضحة على أمل تعزيز الاستقرار والتوسع في التمثيل، أو الانسحاب ومخاطرة بعودة الفوضى. لا يخلو أي من الخيارين من المخاطر، لكن الانخراط يقدم فرصة حقيقية لتجنّب الأسوأ.

يرى الكاتب أن إعلان الرئيس دونالد ترامب، خلال زيارته إلى السعودية في أيار/مايو 2025، عن رفع جميع العقوبات عن سوريا، يشير إلى عودة الاستراتيجيا إلى صدارة السياسة الأمريكية. وأكد وزير الخارجية ماركو روبيو أمام الكونغرس لاحقاً أن الفشل في رفع العقوبات سيعيد سوريا إلى دوامة الحرب الأهلية. ويكمن العامل الحاسم الآن في مدى سرعة إصدار الإعفاءات التنفيذية التي ترفع فعلياً القيود الاقتصادية.

وقد أعطى قرار الاتحاد الأوروبي في 20 أيار/مايو برفع كل العقوبات دفعة قوية لهذا المسار. وإذا عاد الدبلوماسيون الأمريكيون إلى دمشق، قد تبدأ سوريا فعلاً بالتعافي.

في الأثناء، واصلت القيادة المركزية الأمريكية دورها في تسهيل المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق، وضغطت لإبرام اتفاق في آذار/مارس. كما جرت منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر 2024 لقاءات بين القيادة المركزية والرئيس الشرع، إضافة إلى تنسيق أمني مع وزارتي الداخلية والدفاع لمكافحة تنظيم الدولة.

ومنذ كانون الثاني/يناير 2025، أحبطت الحكومة الانتقالية ثماني محاولات لتنظيم الدولة، وتعاونت مع الضربات الأمريكية بالطائرات المسيّرة التي استهدفت قيادات للقاعدة في شمال غرب سوريا.

في ظل اتجاه الولايات المتحدة لتقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط، وانشغال الناتو بالمخاوف الأوروبية، تبدو فرصة تحقيق استقرار في إحدى أكثر ساحات الصراع اضطراباً في التاريخ الحديث أمراً بديهياً. وعلى الرغم من حجم المخاطر، فإن الأولوية يجب أن تكون لتشكيل حكومة مركزية مستقرة، مندمجة في محيطها الإقليمي، وقادرة على حل أزماتها بشكل جماعي.

هذا هو الخيار الوحيد الواقعي المطروح. وهو الطريق الذي بدأت تسلكه أوروبا ودول المنطقة، ويجب على الولايات المتحدة أن تلتحق به. فإذا ما التزمت إدارة ترامب بهذا المسار، فإن احتمالات استقرار سوريا سترتفع بشكل كبير.

——————————

بقرار من ترامب.. السماح بدخول السوريين إلى الولايات المتحدة

الخميس 2025/06/05

شطب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سوريا من قائمة الدول المحظور السفر منها إلى الولايات المتحدة لمخاطر تتعلق بالأمن القومي الأميركي.

حظر 12 دولة

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مصدرين، تأكيدهما أن ترامب وقّع إعلان حظر سفر عدد من الدول إلى الولايات المتحدة، بسبب وجود “مخاطر أمنية”.

وقال بيان صادر عن البيت الأبيض، إن القرار يشمل حظر الدخول الكامل على مواطني، أفغانستان، بورما، تشاد، الكونغو، غينيا الاستوائية، إريتريا، هايتي، إيران، ليبيا، الصومال، السودان واليمن.

وأضاف البيان، أن القرار يتضمن حظر الدخول الجزئي لمواطني 7 دول أخرى هي، بوروندي، كوبا، لاوس، سيراليون، توغو، تركمانستان وفنزويلا، موضحاً أن القرار سيدخل حيز التطبيق في 9 حزيران/يونيو.

قيود شاملة

ولم تتضمن القائمة المُعلن عنها حظر دخول مواطني سوريا، وذلك عكس ما كانت عليه التوقعات في السابق، بحسب مذكرة داخلية اطلعت عليها “رويترز”، في آذار/مارس الماضي.

وبحسب الوثيقة، فإن إدارة ترامب كانت تدرس فرض قيود سفر شاملة على مواطني سوريا، إلى جانب عشرات الدول الأخرى.

وكان ترامب قد فرض حظر الدخول الشامل لمواطني سوريا إلى الولايات المتحدة، خلال ولايته السابقة، إلى جانب عدد من الدول المشمولة في القائمة الجديدة للبيت الأبيض.

وتُعد إجراءات ترامب الجديدة، جزءاً من حملته لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، والتي أطلقها خلال حملته الانتخابية، وكذلك خلال خطابه أثناء تسلّمه مقاليد البيت الأبيض رسمياً مطلع العام الحالي 2025.

كما يأتي إجراء ترامب الجديد في الجزء المتعلق بشطب سوريا من قائمة الدول المحظورة، ضمن النظرة المختلفة للرئيس الأميركي تجاه دمشق، والتي بدأها بقرار رفع العقوبات عن سوريا، ثم تعيين السفير توماس باراك، المقرب منه، كمبعوث خاص إلى سوريا.

———————————–

========================

الشرع و المقاتلين الأجانب و داعش تحديث 05 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

الشرع و المقاتلين الأجانب و داعش

————————–

حول موضوع الجهاديين الأجانب ومصيرهم/ بكر صدقي

05 حزيران 2025

قبل كل شيء يشير إعلان موافقة الإدارة الأمريكية على ضم الجهاديين الأجانب في سوريا إلى جيش حكومة أحمد الشرع إلى مدى الرهان الأمريكي عليها في إطار «الشرق الأوسط الجديد» في التصور الاستراتيجي للمنطقة. فلم يمض إلا وقت قصير على اللقاء الذي جمع ترامب إلى الشرع في الرياض بحضور ولي العهد السعودي حيث طالب الأول الثاني بالتخلص من أولئك الجهاديين. وبعد أشهر من التردد بشأن السياسة التي ينبغي اتباعها في سوريا، والانقسام بشأنها داخل الإدارة الأمريكية، غلبت الوجهة التي ترى في سوريا استثماراً سياسياً رابحاً يمكن التعويل عليه والعمل لتوفير شروطه، وأولها رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا في عهدي الأسدين الأب والابن. في هذا «التكويع» الأمريكي، إذا استخدمنا التعبير الشائع في سوريا ما بعد الأسد، ابتعاد عن ثوابت إيديولوجية ترسخت خلال عقود كالحرب على الإرهاب والدفاع عن القيم الديمقراطية، لمصلحة سياسة براغماتية قائمة على عقلية الربح وفقاً لما هو رائج عن أقوى الحوافز وراء سياسات ترامب «العقارية» كما سماها البعض. غير أن «الاستثمار» الأمريكي في سوريا يتجاوز مردوده المادي المحتمل إلى مردود سياسي ذي طابع استراتيجي يمكن وضع عنوان عريض له بوصفه نقلاً لسوريا من المحور الروسي ـ الصيني ـ الإيراني إلى المحور الغربي، ومن فوائده المتحققة فعلاً طرد إيران من سوريا، في حين أن ضماً محتملاً لسوريا إلى معاهدات أبراهام من شأنه أن يغير وجه الإقليم بكامله، الأمر الذي لا نعرف مدى استعداد إدارة الشرع للانخراط فيه.

من المحتمل أن أكثر ما شجع ترامب على هذا الانفتاح الواسع على إدارة الشرع هو التوجه الاقتصادي المعلن في تصورها لسوريا المستقبل، وهو توجه ليبرالي جديد عولمي على نموذج ما سمي بـ«النمور الآسيوية» يقلص تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي إلى ما يقارب الصفر. هذا النموذج الذي ترافق فيه النمو السريع مع مآسٍ اجتماعية مرعبة لا يمكن تصور تطبيقه في بلد خارج لتوه من حرب مدمرة، كحال سوريا، بدون نشوء طبقة محاسيب قد تشكل بعض بطانة نظام الأسد المخلوع قسماً منها (على غرار ما حدث في روسيا يلتسين بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار النظام الشيوعي) في حين يتشكل قسم آخر من أمراء الحرب من قادة فصائل المعارضة بما في ذلك هيئة تحرير الشام ومحاسيبهم من المنتفعين من سقوط نظام الأسد. هذا النموذج مما يغري الإدارة الأمريكية كوجهة للاستثمار والتجارة، إضافة إلى الاستثمار السياسي المشار إليه فوق.

ومن جهة إدارة الشرع التي قاومت الطلبات الأمريكية والأوروبية بشأن وجوب التخلص من الجهاديين، فقد ظفرت بما أرادت من تجنب الحرج تجاههم بعدما شاركوا هيئة تحرير الشام في مقاومة نظام الأسد وصولاً إلى الإطاحة به. ومن جهة ثانية إن من شأن ضمهم إلى الجيش الذي يجري تشكيله تجنب خوض معركة مكلفة ضدهم أو اتقاء لما يمكن أن يشكلوه من خطر جدي على السلطة الجديدة الهشة.

انقسم السوريون في ردود فعلهم على هذا التطور، فثمة من برروا ضم الجهاديين (وأغلبهم من الأيغور الصينيين) اتساقاً مع تبريرهم الدائم لكل ما يصدر عن السلطة الجديدة حتى لو تناقضت هذه مع نفسها بين قرار وضده في يومين متتاليين. في حين هاجمه آخرون على جري عادتهم في الهجوم على كل ما يصدر عن السلطة القائمة، بصرف النظر عن أي سياق أو شروط.

الواقع أنه لا شيء يبرر تمييز الجهاديين الأجانب عن إخوانهم السوريين من حيث الإيديولوجيا التي يتبنونها وما يمكن أن ينعكس منها على مسالكهم اليومية وخطرهم على السلم الأهلي. صحيح أنه شاع عن هؤلاء الأجانب أنهم أكثر من مارس القتل على الهوية في منطقة الساحل ضد العلويين في شهر آذار الماضي، ولكن لم تبرئ التقارير الإعلامية الجهاديين المحليين أيضاً من تلك الجرائم، وكذلك بعض فصائل الشمال من خارج التصنيف السلفي الجهادي، وحتى مدنيين ممن لبوا النداء إلى النفير العام. بهذا المعنى لم يشكل الجهاديون الأجانب خطراً على السلم الأهلي لأنهم أجانب، بل بسبب دوافع أيديولوجية متشددة ونزوع طائفي يشتركون فيهما مع سوريين يشبهونهم. هذا ليس للتقليل من خطرهم بل للإشارة إلى الخطر الأوسع الذي يضمهم مع سوريين. إن تشكيل الجيش السوري الجديد من الفصائل الجهادية وغير الجهادية بدون التخلي عن الإطار الإيديولوجي لمصلحة عقيدة دولة وطنية هو بذاته خطر على مستقبل سوريا الذي يتم رسمه من قبل مجموعة صغيرة من الثقاة بعيداً عن أي مشاركة من السوريين بكافة انتماءاتهم الفرعية ومشاربهم المتنوعة.

أضف إلى ذلك أن طرد هؤلاء الأجانب هو أمر متعذر عملياً، فبلدانهم الأصلية لا تريدهم، وقد يكون الحل الأفضل لهم هو تفكيك فصائلهم بصورة تدريجية وتحويلهم إلى مدنيين مع منحهم صفة اللاجئين، ومحاسبة من تورط منهم في انتهاكات ضد المدنيين في إطار محاسبة السوريين أيضاً. هذا ما لا يبدو أن إدارة الشرع بصدد القيام به.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————

مشكلة المقاتلين الأجانب في سورية/ حسان الأسود

05 يونيو 2025

مع اندلاع الثورة السورية في 18 مارس/ آذار 2011 من مدينة درعا، وبعد تعاظمها وامتدادها إلى بقية المحافظات والمدن والقرى السورية، ومع انتهاج الحلّ الأمني العسكري، وبعد تآكل قدراته على مواجهة الشعب والثوّار المسلّحين، استعان نظام الأسد بمقاتلين أجانب منظّمين في مليشيات طائفية مدعومة من قوى إقليمية. كان حزب الله اللبناني رأس حربة تلك المليشيات، وتعدّدت بقيّتها، فضمّت (مثلاً لا حصراً) لواء فاطميون الأفغاني ولواء زينبيّون الباكستاني، بالإضافة إلى مليشيات عراقية متنوّعة، بهدف تعزيز قدراته القتالية. وكان النظام قد اتّبع استراتيجيةً واضحةً منذ البداية لمحاربة الثورة السلمية، تقضي بإطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين المتشدّدين من سجونه، وسبق أن شارك بعضهم في الحرب ضدّ الأميركيين في العراق وأفغانستان، مقابل اعتقال الثوّار السلميين المدنيين. كان الهدف إغراق البلاد في دوامة عنف لوضع دول الإقليم، والمجتمع الدولي، بين خيارَين، فإمّا النظام وإمّا المتطرّفون من كلّ بقاع الأرض.

تفيد تقديرات متنوعة بأنّ عشرات الآلاف (ربّما تجاوز عددهم 40 ألف مقاتل من أكثر من مائة دولة) قد توافدوا إلى الأراضي السورية. لم تكن دوافع هؤلاء المتطوّعين متجانسةً، فمنهم من انضمّ إلى فصائل المعارضة المسلّحة المتنوعة، مدفوعاً بمزيج من التضامن مع الثورة الشعبية ضدّ نظام استبدادي، وشريحة أخرى حظيت بالقدر الأكبر من الاهتمام الإعلامي والسياسي، التحقت بتنظيم القاعدة. جبهة النصرة التي غيّرت اسمها لاحقاً إلى هيئة تحرير الشام (وغيرها) التحقت بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). جاء هؤلاء جميعاً حاملين برامجَ أيديولوجيةً عابرةً للحدود، تسعى إلى إقامة خلافة إسلامية أو تطبيق تفسيرات متشدّدة للشريعة الإسلامية. لم يقتصر تدفّق الأجانب على هذه الفئات، بل شهد الصراع العسكري لاحقاً أيضاً انخراط أفراد في صفوف وحدات حماية الشعب الكردية، بدوافع تراوحت بين التعاطف الأيديولوجي مع المشروع الكردي في شمال سورية، والرغبة في محاربة تنظيم داعش، أو حتى البحث عن مغامرة قتالية.

يثير ملفّ المقاتلين الأجانب وعائلاتهم في سورية كثيراً من الأسئلة، فهل يجب إعادتهم قسراً أو طوْعاً إلى بلدانهم الأصلية لمواجهة العدالة، أم الخضوع لبرامج إعادة تأهيل كما يُطالب فريقٌ سوري يرى فيهم قنبلة موقوتة في مجتمع متنوّعٍ لا يحتمل التشدّد الأيديولوجي؟ أم يمكن دمجهم (أو على الأقلّ دمج بعضهم) في النسيج المجتمعي السوري الهشّ والمثقل أصلاً بجراحات الحرب، كما يذهب أنصار فريق سوري آخر يرون فيهم قيمةً مضافةً لما قدّموه من خدمات لمصلحة إزاحة النظام الاستبدادي؟ أم يجب ترحيلهم إلى دول ثالثة، ومن ثمّ إنشاء محاكم دولية خاصّة لمحاكمة المتورّطين منهم في جرائم حرب والجرائم ضدّ الإنسانية؟

ليست الإجابة عن هذه التساؤلات بالأمر اليسير، ولا تقتصر على الأبعاد الأمنية والقانونية، بل تشمل اعتبارات إنسانية، اجتماعية وسياسية عميقة. يستدعي هذا استقراء تجارب شعوب أخرى للاستفادة منها، وذلك كلّه يجب أن يتم مع الأخذ في الاعتبار المصالح المتضاربة للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الملفّ السوري، والأهم من ذلك كلّه احتياجات (وتطلّعات) المجتمع السوري المنهك من طول فترة الصراع والحرب.

يفرض وجود المقاتلين الأجانب ذوي الانتماءات المتطرّفة تحدّيات عديدة على المستويات المحلّية والإقليمية والدولية. يشكّل هؤلاء الذين اكتسبوا خبرات قتالية متقدّمة، وتمرّسوا على تكتيكات حرب العصابات، وتلقّوا تدريبات على صنع المتفجّرات، تهديداً أمنياً جسيماً وطويل الأمد. هذا التهديد لا يقتصر على سورية فحسب، بل يمتدّ ليشمل دولهم الأصلية والمنطقة برمتها، وحتى دولاً لم تكن طرفاً مباشراً في النزاع. يعيد المشهد السوري الراهن إلى الأذهان تجربة الأفغان العرب، الذين تحوّلوا منظّرين وقادةً في تنظيم القاعدة بعد انسحاب السوفييت من أفغانستان، كما يذكّرنا أيضاً بالمقاتلين الشيشان الذين تشرّدوا في بقاع الأرض بعد هزيمتهم على يد الروس، وبعضهم حضر إلى سورية، وما زال موجوداً فيها.

استطاعت القيادة السورية الجديدة تغيير موقف الإدارة الأميركية من هذا الملفّ بشكل جذري، فبعد أن كانت المطالب واضحةً وحازمةً ومباشرةً بضرورة إخراج هؤلاء المقاتلين من سورية، أصبح الآن بإمكان الحكومة السورية دمجهم في الجيش السوري الجديد، حسب تصريحات متواترة أطلقها مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى، فقال مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سورية، توماس باراك، إن الولايات المتحدة وافقت على خطّة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف من المقاتلين الأجانب، الذين كانوا في السابق ضمن المعارضة، بالانضمام إلى الجيش السوري، شريطة أن يتم ذلك بشفافية. وتأتي زيارة وزير الدفاع الأميركي بيتر بيريان هيغسيث، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كين، المرتقبة إلى دمشق، لتعزيز هذا الاتجاه التصالحي والتغيّر الجذري في الموقف الأميركي من وجود هؤلاء المقاتلين، وبقائهم في سورية، ودمجهم في القوات المسلّحة السورية. لا شكّ أنّ هذين المسؤولَين رفيعَي المستوى لن يبحثا موضوع تسليح الجيش السوري الجديد فقط، بل سيناقشان بالتفصيل خطط إدماج هؤلاء المقاتلين ومنع تسرّبهم إلى بقايا “داعش”، وضمان عدم تشكيلهم أيّ خطر على إسرائيل، راهناً ومستقبلاً.

ما الذي ينتظره السوريون والسوريات من السلطة السياسية الجديدة في هذا الملفّ؟ وهل هم أصحاب القول الفصل في هذا الشأن؟ وهل استشيروا أو استطلعت آراؤهم؟ وأين تقف مصالحهم وحقوقهم وكرامتهم، وهم الذين عانوا الأمرَّين من هذا الصراع المدمّر؟… الإجابة عن هذه الأسئلة تفترض التعريج على عدد من النقاط المهمّة. فلا يمكن إقامة سلامٍ دائمٍ ولا مصالحة حقيقية في سورية من دون تحقيق العدالة، فلا بدّ من محاسبة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة، بمن فيهم المقاتلون الأجانب. لا بدّ من ملاحظ مشكلة هؤلاء المقاتلين الأجانب وعائلاتهم في خطط إعادة الإعمار، وإلا سيكون علينا توقّع انخراطهم في جماعات إرهابية أو قيامهم بأنشطة تخريبية، مثل التحاقهم بعصابات تهريب المخدّرات لتأمين فرص عيشهم. كذلك، يشكّل المقاتلون الأجانب تهديداً محتملاً لغالبية الفئات المجتمعية السورية، ليس للأقليات فقط، بل للأكثرية المسلمة السُّنية أيضاً. فهؤلاء لا ينتمون إلى الثقافة السورية، ولا يدركون سياقات تطوّر المجتمع السوري وتعايش أفراده ومجموعاته المتنوّعة دينياً وطائفياً ومذهبياً وقومياً. إضافة إلى ذلك، ثمّة مشاكل تتعلّق بالأولويات الوطنية السورية، وخاصّة تلك المتعلّقة بإعادة الضبّاط وصفّ الضباط والأفراد، المنشقّين عن الجيش خلال مرحلة الصراع مع النظام البائد إلى أماكنهم، أو أماكن تناسبهم. وهناك أولويات إعادة السوريين النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم. كذلك هناك تحدّيات دمج قوات سورية الديمقراطية وغيرها من التنظيمات المسلّحة. يجدر القول إنّ خطط إدماج المقاتلين الأجانب، وأغلبيتهم من الإيغور، ضمن فرقة عسكرية واحدة، أطلق عليها اسم “الفرقة 84″، يعطي حافزاً لبقية القوى للتمسّك بمطلبها أن تدخل الجيش كتلةً واحدةً.

في الختام، لا بدّ من النظر إلى هذه المشكلة بعيون جميع الأطراف، ولا بدّ من أخذ تجارب الشعوب بعين الاعتبار، حتى لا تكرّر الأخطاء التي ارتكبت سابقاً، وحتى نخفّف من الآثار المستقبلية السلبية المحتملة على المجتمعَين السوري والإقليمي.

العربي الجديد

———————–

اتفاق دمج المقاتلين الأجانب.. تحوّل في منطق إدارة الصراع أم اضطرار سياسي؟/ بشار الحاج علي

2025.06.04

في الثاني من يونيو الجاري، كشفت وكالة رويترز عن موافقة الولايات المتحدة على خطة تقدّمت بها السلطة الانتقالية في سوريا لدمج نحو 5000 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور، ضمن وحدة جديدة تحمل اسم “الفرقة 84” في إطار الجيش السوري الوطني.

خطوة أثارت تساؤلات حيوية حول أبعادها الأمنية والسياسية، خاصةً أن هذه الفئة من المقاتلين كانت – حتى وقت قريب – تُدرج في صلب لوائح الاستهداف الدولي، سواء بحجة الإرهاب أو الانتماء إلى تنظيمات عابرة للحدود، ما يجعل إدماجها اليوم في مؤسسة وطنية، تحت مظلة توافق دولي، تحوّلًا لافتًا في مقاربة إدارة الملف السوري.

هذه التطورات تفرض قراءة متأنّية تتجاوز منطق الإدانات المسبقة أو الترحيب المتسرّع. فالسلطة الانتقالية الناشئة في دمشق، التي وجدت نفسها أمام تركة أمنية بالغة التعقيد، لا تبدو وكأنها تعيد إنتاج الدولة وفق النموذج المركزي القديم، بل تسعى إلى بناء نموذج انتقالي قادر على احتواء ما أمكن من مفاعيل ما بعد الصراع، دون أن تدخل في مواجهات مباشرة مع قوى ما زالت تحتفظ بمشروعية السلاح أو رمزية النفوذ الميداني. من هذا المنظور، يمكن النظر إلى الاتفاق بوصفه تعبيرًا عن دولة تتشكّل على وقع الموازين لا المواقف، وتعيد رسم خارطتها المؤسسية من خلال التفاهم لا الحسم.

اللافت في هذا السياق ليس فقط طبيعة المقاتلين المعنيين، بل القبول الدولي بهذا الترتيب.

الولايات المتحدة، التي لطالما تبنّت نهجًا صارمًا في التعامل مع المقاتلين الأجانب، وافقت هذه المرة على إدماجهم داخل بنية الجيش الوطني، شريطة أن يخضعوا لرقابة أمنية صارمة، ويُسحب سلاحهم تدريجيًا في إطار عملية إعادة التأهيل العسكري.

هذا القبول الأميركي لا يعكس بالضرورة تحوّلًا في المبادئ، بقدر ما يعكس إدراكًا متزايدًا بأن الانخراط المباشر في مسارات العزل والتصفية لم يعد عمليًا أو قابلًا للتطبيق، لا سياسيًا ولا لوجستيًا، خصوصًا في ظل ما خلّفته سنوات النزاع من تشابك عضوي بين الفصائل، والجغرافيا، والمجتمعات المحلية.

بهذا المعنى، فإن التحوّل الذي نرصد ملامحه لا يتعلق فقط بالجانب السوري، بل بزاوية الرؤية الدولية إلى طبيعة الحل في سوريا. فبدلًا من التركيز على هندسة دولة مثالية من خارج السياق، يجري الآن الاستثمار في إدارة ما هو ممكن، حتى لو تطلّب ذلك إدماج عناصر كانت إلى عهد قريب تُعتبر جزءًا من المشكلة الأمنية. هذا لا يعني تبرئة هذه العناصر، بل يعني ببساطة تكييف منطق بناء الدولة مع تعقيدات الواقع، حيث لا يوجد فصل نقي بين العدو والحليف، ولا بين ما هو شرعي وما هو ممكن احتواؤه. وما يجري اليوم هو إعادة تعريف “الشرعية” ذاتها: ليس بوصفها مفهوماً قانونيًا صرفًا، بل كأداة تكيّف سياسي وظيفي.

لكن هذا الترتيب، على وجاهته السياسية، لا يخلو من مخاطر ميدانية وأمنية جدّية، فدمج مقاتلين سبق لهم الانتماء إلى تنظيمات ذات مرجعيات عقائدية مغلقة في مؤسسة وطنية يُفترض أنها تقوم على الولاء للدولة، يتطلب ما هو أكثر من إعادة توزيع للمهام أو إعادة هيكلة شكلية، إنه يتطلب إعادة صياغة للعقيدة القتالية، وتأهيلًا نفسيًا وسياسيًا يضمن انتقالهم من منطق الجماعة إلى منطق الدولة، وفي غياب هذا الجهد العميق، فإن “الفرقة 84” قد تتحوّل إلى كيان موازٍ داخل الجيش، لا يخضع بالضرورة لسلطة مركزية، بل يحتفظ بولاءات فرعية قد يُعاد تفعيلها عند أول أزمة.

الانعكاسات الإقليمية لهذا الاتفاق لم تتأخّر، فالصين، التي تعتبر ملف المقاتلين الإيغور مسألة أمن قومي، تتابع بقلق هذه التطورات، ولو من خلف الستار. وفي حال غياب ضمانات واضحة حول إخراج هؤلاء من الحلقات العابرة للحدود، فقد تعيد بكين النظر في طبيعة انخراطها المستقبلي في الملف السوري، لا سيما فيما يتعلق بالمشاركة في إعادة الإعمار أو تطبيع العلاقات مع السلطة الانتقالية.

أما تركيا، التي راكمت علاقات متشابكة مع فصائل المعارضة السورية، فتشعر بأن ترتيبات كهذه تُجرى خارج حساباتها، ما يضعها أمام معادلة جديدة: إما التكيّف مع بنية أمنية سورية لا تمر عبرها، أو إعادة تموضعها بشكل يضمن لها نفوذًا في مشهد آخذ بالتبلور دون العودة إلى خرائط النفوذ القديمة.

في هذا المناخ، تبرز السلطة الانتقالية كمحور تفاوضي لا كلاسيكي، تُدار فيه السلطة كمنظومة توافقات متعدّدة أكثر منها كهرم قرار واحد. من هنا، فإن الاتفاق الأخير لا يمكن فصله عن مشهد أوسع يتكوّن في دمشق؛ حيث يُعاد تشكيل الدولة على قاعدة براغماتية تحاول أن تجمع بين التهدئة الميدانية، والتفاهمات الخارجية، وإعادة إنتاج مؤسسات الأمن والجيش، ولكن بشكل يعترف ضمنًا بأن الدولة السورية – في شكلها الذي كان – قد انتهت، وأن المطلوب اليوم ليس استعادتها، بل إنتاج نسختها الممكنة.

وعلى ضوء كل ذلك، لا يمكن النظر إلى هذا الاتفاق كحدث تقني يخص هيكلية الجيش السوري فحسب، بل هو لحظة سياسية فاصلة في سياق إعادة بناء الدولة السورية. فمنذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من عقد، لم تكن المعضلة في “من يحكم”، بل في “كيف تُبنى الدولة” وسط تشظيات ما بعد الحرب. واليوم، تقدّم السلطة الانتقالية نموذجًا أوليًا لما يمكن تسميته “إدارة الفوضى المنتجة”، حيث يجري استيعاب التناقضات بدلًا من استئصالها، ويتم التفاوض مع الواقع لا تجاوزه.

مع ذلك، فإن نجاح هذا النموذج سيظل مشروطًا بقدرة النخبة الجديدة على ضبط إيقاع التوازن بين ضرورات الأمن ومتطلبات الشرعية. فلا الاستقرار وحده يكفي لبناء دولة، ولا الاحتواء وحده قادر على تحويل جماعات مسلّحة إلى نواة مؤسسة وطنية. وبين الأمرين، ستتحدّد ملامح سوريا الجديدة، لا بوصفها استعادة لماضٍ انتهى، بل كتحوّل هادئ – ومرن – نحو دولة تتّسع للواقع دون أن تذوب فيه.

تلفزيون سوريا

————————–

شروط إصلاح “الجهادية القتالية” في سوريا/ وليد فارس

كان قرار ترمب بتغيير سياسة واشنطن تجاه دمشق حاسماً وسريعاً

الأربعاء 4 يونيو 2025

صدر عن البيت الأبيض سلسلة قرارات لإعفاء عدد من المسؤولين في الإدارة، على خلفية كونهم مقربين من إسرائيل وممانعين للتواصل مع السلطة الجديدة في سوريا، وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي مايكل والتز. واستمرت حركة الإعفاءات لمسؤولين كبار كمورغان أورتاغوس، وإيريك تراغر مدير الشرق الأوسط، وغيرهم.

يشكل تطوران مهمان في الشرق والغرب منذ انطلاقة إدارة ترمب منطلقاً لنقاشات حول مستقبل سوريا بشكل عام وحكمها الحالي بشكل خاص. التطور الأول كان سيطرة “هيئة تحرير الشام” وحلفائها على معظم سوريا والعاصمة دمشق خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، وكان التساؤل المستمر حول مستقبل السلطة الجديدة: فهل ستصمد أم تتهاوى أم تسيطر على جزء من البلاد، أم إنها ستحظى بالاعتراف؟ أما التطور الثاني فحدث بعد أن تم الاعتراف بالسلطة الجديدة في دمشق من قبل القمم الخليجية- الأميركية خلال مايو (أيار) الماضي، وركزت التساؤلات حول التطور الثاني على شروط أميركا والغرب لاستكمال الاعتراف والدعم للحكم في دمشق. فلنستعرض تطور موقف الإدارة من التطورين.

جاء دخول المعارضة إلى العاصمة السورية في مرحلة فراغ سياسي في واشنطن، حيث لم يتسلم دونالد ترمب بعد، وحيث انتهت عملياً ولاية جو بايدن. فكانت المرحلة لمصلحة “المنتصر” على نظام الأسد. البيروقراطية الأميركية الخارجية سارعت إلى الاتصال والتواصل مع السلطات الجديدة في دمشق، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي. ومرت مرحلة ضبابية حول الموقفَين العربي والغربي من السلطات الجديدة. بالطبع، كانت الحكومة التركية التي يقودها حزب “العدالة والتنمية” أول المعترفين بقيادة الرئيس أحمد الشرع. الموقف العربي تطور بسرعة، حيث مرت مرحلة متأرجحة حتى وصول ترمب إلى المكتب البيضاوي في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي. إلا أن الدولة العربية الأولى التي اعترفت بسلطة الحكومة الجديدة كانت قطر، بتنسيق مع تركيا. أما الولايات المتحدة والغرب فقد تمهلا، وانقسمت طواقمهما بين مؤيد للاعتراف ومعارض له. فقد عارضت الأوساط المؤيدة لإسرائيل، وتلك الممثلة للإنجيليين، التواصل مع القوة العسكرية الإسلامية، وصرح مدير دائرة مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض سيباستيان غوركا بأن أميركا غير قادرة على التعاطي مع المتشددين، مضيفاً “إنهم على لوائحنا”. في المقابل، تحرك عدد من المقربين من الرئيس ترمب من أوساط رجال الأعمال، وطالبوا بالتواصل مع الحكم الجديد للتوصل إلى الموارد الهائلة التي أراد محور طهران- موسكو- وآل الأسد السيطرة عليها. وانقسم المستشارون الرسميون إلى جناحين، مما أجل البت في الاعتراف.

وجاءت أحداث الساحل مع العلويين، والاختلافات مع الأكراد، والصدام مع الدروز، والضربات الإسرائيلية في سوريا، وخصوصاً الجنوب، لتؤجل قرار التعاطي مع ملف سوريا في واشنطن. ولكن الموقف العربي بدأ يتغير، فقامت السعودية والإمارات والبحرين بدعوة الرئيس السوري واعترفت بشرعيته لحكم سوريا. أما في واشنطن، فصدر عن البيت الأبيض سلسلة قرارات لإعفاء عدد من المسؤولين في الإدارة، على خلفية كونهم مقربين من إسرائيل وممانعين للتواصل مع السلطة الجديدة في سوريا، وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي مايكل والتز. واستمرت حركة الإعفاءات لمسؤولين كبار كمورغان أورتاغوس، وإيريك تراغر مدير الشرق الأوسط، وغيرهم.

وكان ترمب قد طلب من مستشاره ستيف ويتكوف إدارة مفاوضات لإنهاء المواجهات مع الحوثيين و”حماس” و”حزب الله” والنظام الإيراني في نفس الوقت تقريباً. وفي هكذا أجواء، تم التوافق على إجراء ثلاث زيارات لترمب إلى الرياض والدوحة وأبوظبي لإرساء جسور التعاون الأميركي الخليجي. وفاجأ ترمب العالم بأنه استقبل الرئيس السوري خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، وأغدق عليه بالمدح وقرر رفع العقوبات عن الدولة السورية. وكان قرار ترمب بتغيير سياسة واشنطن تجاه دمشق حاسماً وسريعاً، فوجه إدارته لإسقاط القرارات التنفيذية بحق سوريا والعمل على دعم الحكم وتجهيزه وتسليحه ليتحول إلى شريك لواشنطن تدريجاً.

بالطبع، فإن أصواتاً تتعالى، لا سيما في الكونغرس، للمطالبة بضمانات حول من سيحكم البلاد ومصير “المقاتلين الأجانب” الملقبين بـ”الجهاديين الدوليين”. فتقدم السيناتور تيد كروز بمشروع قانون لوضع “الإخوان المسلمين” على لائحة العقوبات الأميركية، وإن حصل، فسيؤثر على الجماعات الإسلامية المقاتلة في العالم. ولكن هكذا مشروع قد يأخذ أكثر من عام ليتم مناقشته وإقراره، وعلى الرئيس أن يوقعه قبل اعتماده، وسيصعب استعماله ضد السلطة الجديدة في سوريا. أما البيت الأبيض، فيبدو مصمماً حتى الآن على أن يمضي بمشروع التطبيع مع الرئيس الشرع.

ومن أهم ما ترشح هو زيارة لدمشق من قبل وزير الدفاع الأميركي ووفد من “البنتاغون” للاطلاع على “حاجات الدولة السورية من السلاح”، مما يعني أن ترمب يضع العلاقات الجديدة مع الحكومة الجديدة فوق القلق السائد في واشنطن حول هوية السلطة العقائدية والتاريخية. أي، بكلام آخر، أن يكونوا على لائحة الإرهاب أم لا، فخيار البيت الأبيض هو تثبيت الاستثمار الخليجي، وخصوصاً في سوريا، بغض النظر عن هوية ونوايا المعارضة سابقاً والدولة حالياً.

إلا في موضوع واحد شددت عليه كل أجهزة الاستخبارات، وهو موقع الجماعات الأجنبية المقاتلة التي انضمت سابقاً إلى فصائل المعارضة قبل ذلك. فقد وضعت الولايات المتحدة شرطاً بإقصاء هذه المجموعات من مؤسسات الدولة السورية. إلا أن المفاوضات الأخيرة سمحت “للمقاتلين الأجانب” بأن يتم استيعابهم في وزارتي الدفاع والداخلية، ولكن ضمن شرط أخير وهو ألا يُسلَّموا مسؤوليات حساسة. فالجيش الأميركي قد يزود السلطة بمعلومات دقيقة تتعلق بتنظيم “داعش” وتنظيمات أخرى شبيهة بالجماعات الإسلامية القتالية في سوريا.

وهنا يختلط الحابل بالنابل، وسيُساءل الكونغرس الإدارة حول هذا الملف. والجدير بالذكر أن الحكومة الجديدة ستحصل على نتائج أفضل لأجندتها من نفس هذه القوى مقارنة بما حصلت عليه خلال مفاوضاتها مع إدارة أوباما. ولعل المصالح الاقتصادية باتت تطغى على مشاريع الأمن القومي في واشنطن.

——————————

 الإيغور كطبقة أنساب جديدة في سوريا/ محمد حجيري

الخميس 2025/06/05

الشرق الأوسط إقليم استراتيجي لا يهدأ ولا يستقر، مثل كثبان رملية، سواء في الحرب أو من خلال التغيير الديموغرافي. كثر يعتبرون بعض مناطقه مَوطن أديانهم وآلهتهم وأنبيائهم، وكثر ينسجون الحكايات السرديات حول مناطق أخرى باعتبارها موطن أجدادهم وجذورهم وثقافتهم، وكثر يبحثون عن أوطانهم الخيالية في هذا الإقليم الملتهب.

تقديس الأمكنة يجعل سرديتها مربكة. مَن يقرأ تاريخ تركيا المعاصر، يدرك حجم العواصف التي أصابتها وطاولت النسيج المسيحي والأرمني والكردي والسرياني. ولا يختلف واقع العراق في ظل حكم صدّام أو بعد سقوطه أو في مراحل أخرى. لبنان يعيش تحولات وأزمات في كل الأوقات، “بيت بمنازل كثيرة”، لوحات نهر الكلب دليلٌ على أنه طبقات من الشعوب والأجناس والحضارات. فلسطين لا تختلف عن لبنان، وفي زمن الاحتلال الإسرائيلي كانت ذروة التهجير القسري…

وإذا ما ركزنا الآن على سوريا، نلاحظ التالي: قبل أيام، اجتمع المئات من الشركس السوريين، في ساحة الأمويين وسط دمشق، لإحياء “يوم الحزن الشركسي”، في الذكرى الـ161 لنهاية الحرب الروسية الشركسية وبدء عمليات التهجير القسري لشعبهم من موطنه التاريخي في شمال القوقاز العام 1864. ففي 21 أيار/مايو 1864، أعلن القيصر الروسي نيكولاي الثاني، نهاية الحرب التي استمرت أكثر من قرن ضد شعوب القوقاز، معلنًا السيطرة الكاملة على بلاد الشركس. ولم تنتهِ المأساة بانتهاء المعارك، بل بدأت حينها عملية تهجير قسري ممنهجة بحق السكان الأصليين، حيث تشير التقديرات إلى أن نصف الشعب الشركسي أُبيد خلال الحرب، فيما تم تهجير 90% من الناجين قسراً إلى أراضي السلطنة العثمانية في دمشق ومناطق أخرى من سوريا والأردن. وطوال عقود، ظلَّ الشركس صامتين على حزنهم بسبب الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة.

“طوشة النصارى”

وفي العام 1860، قبل مجيء الشركس بأربع سنوات، شهدت دمشق “طوشة النصارى”. التحول الحداثي والحياتي والسياسي أدى إلى توتر ومجازر وتهجير ديموغرافي بحق المسيحيين، وفي تلك المرحلة برز الأمير عبد القادر الجزائري كحامٍ لهم. ولم تختلف طوشة النصارى عن واقع الشركس إعلامياً. يقول المؤرخ سامي مبيض في كتابه “نكبة نصارى الشام” أن السوريين بكل طوائفهم وخلفياتهم السياسية حاولوا “التعتيم على هذه الحقبة المظلمة من تاريخهم الحديث، ملقين اللوم في ما حدث إما على الدولة العثمانية الحاكمة يومها أو على الدول الأوروبية، رافضين الاعتراف بأن أجدادهم شاركوا في مذبحة شنيعة من هذا الحجم، يندى لها الجبين… وبقيت الفتنة الشنيعة خارج إطار الدراسات، فلم تأتِ كتب التاريخ (السورية) المدرسية أو الجامعية المطبوعة حكومياً منذ نهاية الحكم العثماني وحتى يومنا هذا على ذكرها”.

وفي بداية شهر أيار الفائت، وخلال محاضرة في  الجامعة الأميركية في بيروت، روى المؤرخ الأميركي يوجين روغان أحداث دمشق 1860 وكيف اندلعت الاضطرابات وأعمال العنف خلال لحظات في أنحاء الشام. وأدت إلى مجزرة بحق آلاف المسيحيين من سكان دمشق، والذين كانوا يشكلون 15% من مجموع سكانها. ولم تكن طوشة النصارى إلا جولة ثانية من الخلافات التي نشأت بين المسيحيين والدروز في جبل لبنان بداية العام 1860، وقد تركت تلك الأحداث انطباعاً خطيراً في السياسة والمجتمع في دمشق. ومع اندلاع الحرب في الجبل ودمشق وحلب العام 1860، شهدت بيروت توسّعاً، بسبب النزوح الكثيف إليها، وانتقل الكثير من مسيحيي دمشق وحلب إلى بيروت، التي حتى منتصف القرن التاسع عشر، كانت بلدة صغيرة لا تتعدّى مساحتها 15 هكتاراً، وعدد سكانها يقارب الـ4000. وبسبب الحروب والتهجير صارت “مدينة الغرباء”. يقول الروائي الياس خوري أنه خلال الحرب الأهلية الأولى العام 1860، استقبلت بيروت اللاجئين الهاربين من هول المذبحة في جبل لبنان، ثم استقبلت الهاربين من مذبحة دمشق. وجد اللاجئون فيها مدينتهم، لأنها من دونهم ما كان لها أن تصير مدينة. وتعاقبت عليها موجات اللاجئين”.

معركة عين دارة

قبل الحديث عن ذكرى 1860 ومدينة الغرباء والطوائف، كانت قضية الدروز في سوريا وعلاقتهم المتوترة مع النظام السوري الجديد. كثر لا يعرفون أنه في ربيع 1711 وفي شهر أيار تحديداً، تواجَه الحِزبان القيسي واليَمني في خراج قرية عين دارة في جبل لبنان، في معركة شرسة غيّرت الوجه السياسي والاجتماعي للمنطقة. يقول الباحث اللبناني مكرم رباح إن “معركة عين دارة انتهت بإعدام أمراء اليَمَنيين وجلاء العائلات اليمَنية من جبل لبنان إلى موطنهم الجديد في جنوب شرقي دمشق في محافظة السويداء”.

الحروب المتعاقبة وتبدل الأنظمة، أدت إلى تبدل جوهري في النسيج السكاني للمنطقة، سواء الغزوات الصليبية أو سلطة صلاح الدين الأيوبي أو سلطات الفاطميين والمماليك والعثمانيين، كلها أنظمة أدت إلى تغيير ديموغرافي. مئات العائلات الأيوبية الكردية والتركية والعربية والأرمنية والقوقازية، انصهرت في النسيج المديني الدمشقي والحلبي. لن أحكي عن التحول الديني وتقلباته وتشعباته، من المسلمين الذين يتكلمون السريانية في سوريا، إلى مناطق كسروان وطرابس والضنية التي كانت حواضر شيعية. والأضرحة والقبور في دمشق تحكي واقع التحولات السياسية والاجتماعية ولعبة الأنساب، من قبر صلاح الدين الأيوبي إلى قبر معاوية والسيدة زينب ويوحنا المعمدان ومولانا خالد وابن عربي وسائر الأسماء. وطوال القرن العشرين، لم تتوقف رياح التحولات الديموغرافية القسرية والطبيعة في سوريا. في زمن الحرب العالمية الأولى، سار الآلاف من الأرمن على أقدامهم في ظروف قاسية، هرباً من المجازر التركية. وأصدر الشريف حسين، وقتها، مرسوماً لجميع القبائل بإيواء الأرمن واستضافتهم وحمايتهم مما يتعرضون له من مذابح.

وفي زمن الحرب الإسرائيلية العربية، كانت سوريا -كما لبنان- مركزاً لنزوح جديد لآلاف الفلسطينيين الهاربين من جحيم الاحتلال. وفي زمن النظام البعثي الأسدي، كان حافظ الأسد يرعى بشكل ممنهج وخبيث، التغيير الديموغرافي. فعدا عن هجرة المسيحيين لأسباب اقتصادية ومعيشية، وتقلّص وجودهم إلى أدنى مستوياته، كان النظام يستولى على الأراضي بطريقة مُقنّعة ويصنع الضواحي الجديدة في المدن السورية من خلال إسكان الضباط العلويين الموالين له فيها. مع الثورات العربية، عاشت سوريا نوعاً جديداً من التحول القسري الديموغرافي. فعدا التهجير بالبراميل المتفجرة لسكان المدن والقرى، كان التوطين من خلال التجنيس لمجموعات من أفغانستان وإيران والعراق ولبنان.

ومع سقوط بشار الأسد وهروبه، برز تطوّر جديد تمثّل في المقاتلين الأجانب في صفوف القوى المسلحة التابعة للنظام الجديد، ولعل أبرزُهم القوقازيين الآتين من الشيشان، والإيغور الآتين من الصين عبر تركيا. منذ العام 2012، وصل آلاف الإيغور إلى سوريا، وتقدر أعدادهم اليوم بنحو 15 ألف شخص، بينهم خمسة آلاف مقاتل، وتمركزوا في إدلب ومحيط جسر الشغور وظهروا في المسجد الأموي بعد سقوط بشار الأسد. يطلق عليهم السوريون اسم “التركستان”، وقد أسسوا مدارس ومشاريع صغيرة من مطاعم ومحطات وقود، كما التحق المئات منهم بجامعة إدلب مجانًا، شأنهم شأن الطلاب السوريين.

بين بشار الأسد والحزب الشيوعي الصيني

ويحظى الإيغور بدعم معنوي من الجاليات الإيغورية حول العالم. ورغم شطب واشنطن لحركة تركستان الشرقية الإسلامية من لائحة العقوبات الأميركية، إلا أن الصين تقول إن الإسلامي التركستاني يُعد امتدادًا لحركة تركستان الشرقية، وتتهمه بتنفيذ هجمات داخل الصين، بالإضافة إلى تفجير السفارة الصينية في بيشيك عاصمة قيرغزستان. الإيغور جاؤوا إلى سوريا بحثًا عن مكان للاستقرار، وهم لمسوا “أوجه شبه بين نظام بشار الأسد القمعي ونظام الحزب الشيوعي الصيني، ولذلك انضموا إلى القتال إلى جانب السوريين”. والآن أُعلن ضمّ مقاتليهم إلى الجيش السوري، ربما يتحولون في المستقبل نقطة خلاف بين الصين والولايات المتحدة…

والحال أن الصين التي تغزو العالم بالبضائع والتفاصيل والديموغرافيا، وترفع شعار التفوق التكنولوجي للعام 2030، لم تستطع إيجاد حل لأقلية ضئيلة من سكانها، تمارس عليها شتى أنواع الانتهاكات الحقوقية. وبات جزء من الإيغور الآن، طبقة أنساب جديدة، في ظل النظام السوري الجديد وبموافقة أميركية.

المدن

—————————

الشارع السوري.. بين مرحب بتجنيس مَن قاتل إلى جانب الثوار وبين قلق على السلم الأهلي والتعايش المشترك/ جانبلات شكاي

بين مرحب بالإجراء باعتباره يمثل حالة من الوفاء لمن قاتل إلى جانب الثوار، وبين معارض ومنتقد له باعتباره غير قانوني ويفتح الباب أمام الأجانب، فيما يغلقه أمام شرائح مختلفة من المجتمع، برزت موجة جدل بين السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية إعلان الولايات المتحدة الأمريكية موافقتها على خطة لدمج آلاف من المقاتلين الأجانب ضمن صفوف الجيش السوري الجديد، وسط صمت رسمي، ظهر وكأنه مقصود.

واعتبر رئيس نقابة المحامين في سوريا أحمد دخان في تصريح لـ”القدس العربي” أن “الانتقادات الواسعة تعكس قلقاً شعبياً مشروعاً تجاه مسألة تتعلق بالسيادة الوطنية والأمن القومي”، معتبراً الوقت ذاته أن الأجراء “يمكن أن يُنظر إليه كخطوة نحو المصالحة الوطنية وتعزيز الوحدة”.

ضوء أخضر

وأعلن مبعوث الرئيس الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، الاثنين، أن الولايات المتحدة وافقت على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف من المقاتلين الأجانب، الذين كانوا في السابق ضمن المعارضة، بالانضمام إلى الجيش الوطني، شريطة أن يتم ذلك بشفافية.

ونقلت وكالة “رويترز” عن باراك قوله ردا على سؤال عما إذا كانت واشنطن وافقت على دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري الجديد: “أعتقد أن هناك تفاهما وشفافية”، وأضاف أنه من الأفضل إبقاء هؤلاء المقاتلين ضمن مشروع الدولة بدلا من إقصائهم، ووصف كثيرين منهم بأنهم “مخلصون للغاية” للإدارة السورية الجديدة.

كما نقلت الوكالة عن مسؤولين سوريين أن الخطة تنص على انضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور من الصين والدول المجاورة، إلى وحدة مشكّلة حديثاً، وهي الفرقة 84 من الجيش السوري، والتي ستضم سوريين أيضا.

وذكرت “رويترز” أن مصدرين مقرّبين من وزارة الدفاع السورية قالا إن (رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد) الشرع والمقربين منه، حاولوا إقناع محاورين غربيين بأن ضم مقاتلين أجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة على الأمن من التخلي عنهم، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانضمام مجدداً إلى تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال الشرع، بحسب الوكالة ذاتها، إن المقاتلين الأجانب وأسرهم قد يحصلون على الجنسية السورية لدورهم في محاربة الأسد.

والمقاتلون الإيغور من الصين ووسط آسيا، هم أعضاء في الحزب الإسلامي التركستاني، وهي جماعة تصنّفها بكين على أنها إرهابية. وقال المسؤول السياسي في الحزب الإسلامي التركستاني عثمان بوغرا، لـ”رويترز” في بيان مكتوب، إن الجماعة حلّت نفسها رسمياً واندمجت في الجيش السوري، وتعمل حالياً بالكامل تحت سلطة وزارة الدفاع، وتلتزم بالسياسات المتبعة في البلاد، وتحافظ على عدم الارتباط بأي كيانات أو جماعات خارجية.

لا مكان للأقليات

ومع تداول الخبر الذي يؤشر على إغلاق ملف المقاتلين الأجانب في سوريا، شن ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي حملة ضد ما وصفه البعض بتدخل صارخ في الشأن السوري الداخلي وبما يتناقض مع تصريحات سابقة لباراك ذاته أعلن فيها أن عصر التدخل الغربي بشؤون الآخرين قد انتهى.

وكتب رئيس حركة البناء الوطني أنس جودة عبر صفحته على “فيسبوك” إن تصريح باراك ليس زلة دبلوماسية، بل هو مؤشر خطير على شكل الدولة التي يُراد فرضها على السوريين تحت عنوان “الانتقال” أو “الاستقرار”.

وتابع: “بدل أن يكون الجيش القادم انعكاساً للتنوع السوري، وتعبيراً عن عقد اجتماعي جامع، يتم هندسة جيش بعقيدة جهادية سلفية طاغية، موالية أيديولوجياً لا وطنياً، ومنفتحة على استيعاب المقاتلين الأجانب لكنها مغلقة أمام السوريين المختلفين”.

وقال جودة: “نحن أمام جيش لا مكان فيه للأقليات، لأن وجودهم “يهدد الانسجام العقائدي”، ولا للعلمانيين، لأنهم لا يرفعون راية التمكين، ولا حتى لعموم السوريين الذين لا يتطابقون مع النسخة المفروضة من الهوية الدينية المقاتلة”، معتبراً أن الأبواب تُفتح لمجندين قاتلوا في كل بقاع الأرض وعبروا الحدود بدعم وتشجيع دول الجوار، ويُطلب من بقية السوريين الصمت، والاندماج في ظل دولة لا تعترف بوجودهم السياسي أو الثقافي.

واعتبر أن “هذا ليس مشروع دولة، بل إعادة تدوير لمنطق الغلبة ولكن بلباس جديد، وبمباركة دولية هذه المرة”، مؤكدا أن أي جيش يُبنى على ولاء عقائدي بدلاً من الولاء الوطني، هو جيش ميليشيا وأن الاستقرار القائم على تحالف الأمر الواقع هو قنبلة مؤجلة، لا مشروعا لبناء وطن.

بدوره، انتقد الكاتب والباحث السوري روجيه أصفر، آلية تسريب الخبر، مؤكداً أن دمج هؤلاء المقاتلين رسالة سيئة لنسبة كبيرة من السوريين، مشيراً إلى أنه ليس من حق سلطة منقوصة الشرعية، في دولة تعيش أوضاعاً معقدة وانقسامات عميقة أن تذهب وتأخذ مثل هذا القرار، ثم نسمع به من الخارج، مشدداً على أن سوريا “بلدنا ونحن لسنا غنيمة نصر تتصرفون بها كما تريدون”.

الكاتب والصحافي حسن عبد الله الخلف، انتقد التدخل الأمريكي، وتساءل: “ماذا لو قرّرت غداً دعم تجنيس مقاتلي قسد الأجانب بالطريقة نفسها؟ والسابقة أصبحت موجودة، والدعم العلني حصل، وإن قيل إن هناك فيتو من تركيا، فإنه كان هناك فيتو أمريكي وأوروبي من قبل وتبخر”، مشيراً إلى أن التحالفات في سوريا مؤقتة، والخطوط الحمراء تُرسم بقلم رصاص.

وفي الإطار ذاته، اعتبر الصحافي هاني هاشم، أن حساسية موضوع ضم الإيغور لصفوف الجيش السوري وتجنيسهم، منطلقها ليس سياسيا ومن الأمن القومي ومصالح دول وتوجسات دول أخرى فقط، وإنما هناك اعتبارات اجتماعية لا يدركها إلا الشعب السوري ككل، باعتبار أن الموضوع يتعلّق بالولاء والانتماء والحس الوطني والاندماج والتماهي مع كل فئات المجتمع السوري وخاصةً المختلفة عن الإيغور أيديولوجياً.

وتابع: “لست ضد منح الإيغور الجنسية السورية طالما هناك ضمانات حكومية وضمانات دولية، ولكن أن يتم كيل الموضوع بمكيالين من أجل مصالح ومكاسب سياسية فقط، فهذا الشيء حتماً سيهدد السلم الأهلي والتعايش المشترك”.

وتحدث الكاتب والصحافي عبد الله علي عن حلول أخرى يمكن اتخاذها تجاه المقاتلين الأجانب، مشيراً إلى أن من بينها إحالتهم إلى التقاعد مع إعطائهم رواتبهم المستحقة، أو توظيفهم في وزارة الكوارث على سبيل المثال، أو التفاوض مع تركيا حول ضرورة تحملها مسؤولية هؤلاء لدورها في إدخالهم، علماً أن تركيا لم تمنح الإيغور اللاجئين في أراضيها الجنسية التركية، بل تقوم أحياناً باعتقالهم بحسب علاقتها مع الصين.

ومن بين الحلول التي قدمها علي، التباحث مع أفغانستان لأخذهم إلى هناك بحيث ينضموا إلى حركتهم الأم، وبنفس الوقت، يصبحون أقرب إلى وطنهم الأم الذين تأسسوا لتحريره حسب قولهم، أو توظيفهم في سوريا، ولكن في وظائف مدنية، ويبقى السؤال بحسب عبد الله علي: “لماذا في مؤسسة الجيش حصراً؟”.

الشفافية وثقة المواطن

وفي أول موقف شبه رسمي ورداً على أسئلة “القدس العربي”، اعتبر رئيس نقابة المحامين في سوريا أحمد دخان، أن الانتقادات الواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي تعكس قلقاً شعبياً مشروعاً تجاه مسألة حساسة تتعلق بالسيادة الوطنية والأمن القومي، مشيراً إلى أنه من الطبيعي أن يثير إعلان المبعوث الأمريكي الخاص بعدم ممانعة واشنطن لضم المقاتلين الأجانب إلى الجيش السوري تساؤلات حول الأبعاد القانونية والسياسية لهذا القرار.

وقال: “نحن كممثلين عن الجسم الحقوقي، نؤكد على أهمية الشفافية في مثل هذه القرارات، وضمان توافقها مع القوانين الوطنية والمعايير الدولية، بما يحفظ استقرار البلاد ويعزز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة”.

واعتبر دخان أن دمج المقاتلين الذين ساهموا في الدفاع عن الوطن في مؤسسات الدولة يمكن أن يُنظر إليه كخطوة نحو المصالحة الوطنية وتعزيز الوحدة، مؤكداً ذات الوقت أن هذا الدمج يجب أن يتم وفقاً لضوابط قانونية واضحة، تضمن التحقق من خلفيات هؤلاء الأفراد والتزامهم بقيم الدولة المدنية، مشيراً إلى أن الهدف هو بناء جيش ومؤسسات أمنية تعكس تنوع المجتمع السوري وتحترم حقوق الإنسان، مما يسهم في تحقيق الاستقرار والسلام المستدام.

وتطرق دخان إلى الآليات القانونية التي يمكن اتباعها لتنفيذ دمج المقاتلين الأجانب بالجيش الوطني، وقال: “وفقاً للقانون السوري، يمكن منح الجنسية للأجانب عبر التجنيس، بشرط الإقامة المستمرة لمدة لا تقل عن خمس سنوات، والإلمام باللغة العربية، وحسن السيرة والسلوك، وفي حالات الزواج من مواطنات سوريات، لا يُمنح الزوج الأجنبي الجنسية تلقائياً، بل يجب عليه التقدم بطلب رسمي يُدرس وفقاً للمعايير القانونية، أما بالنسبة لعدد المقاتلين الأجانب الذين يُنظر في دمجهم وهو لا يتجاوز 3500 فرد، مع وجود حالات زواج من سوريات، فإنه من الضروري التعامل مع كل حالة على حدة”.

وشدد دخان على أن قضية تجنيس الأفراد ودمجهم في مؤسسات الدولة، يجب أن يتم وفقاً لمعايير قانونية واضحة، تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الدولة العليا، والأمن القومي، والتوازن المجتمعي.

وإن كان دمج هؤلاء الأجانب قد يفتح الباب أمام مطالبة “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” بدمج مقاتليها الأجانب من أعضاء حزب العمال الكردستاني أيضا ومنحهم الجنسية السورية، قال دخان: “يجب تقييم كل حالة بشكل منفصل، مع التأكيد على أهمية الالتزام بالقوانين الوطنية، واحترام سيادة الدولة، وعدم الانتماء إلى تنظيمات مصنفة كإرهابية”.

فرنسا وجيشها الرديف

حملة الانتقادات لموضوع دمج المقاتلين الأجانب، قوبلت برد من آخرين، بررت ورحبت بالدمج والتجنيس. وقال الصحافي سعيد هلال الشريفي، إن “الموضوع أثار حنق الفلول فراحوا ينفخون بقربة مثقوبة جديدة يهولون ويحذرون بالثبور وعظائم الأمور وبأن دمج أصحاب العقيدة الجهادية سوف يشكلون بؤرة خطرة، حسب زعمهم، على الحياة المدنية السورية”.

وتساءل الشريفي: “ألم يمنح الرئيس المخلوع الجنسية السورية (والتي تعمل الحكومة على شطبها) لنحو مليوني عنصر من ميليشيات إيران الطائفية ومرتزقتها العابرة للحدود، ولولا خلع ذاك النظام وطرد تلك الميليشيات لفقدت سوريا هويتها، ولظل حوالي 12 مليون سوري مهجرين خارج حدود الوطن إلى يوم الدين؟”.

وقال: “لمن لا يعرف، فإن لدى فرنسا منذ القرن التاسع عشر جيشاً رديفاً للجيش الفرنسي فوق أراضيها قوامه 100 ألف عنصر مؤلف حصرياً من مقاتلين أجانب يمنحهم القانون الحق في الحصول على الجنسية الفرنسية في نهاية خدمتهم المتعاقد عليها”.

وأضاف: “ضاق الفلول ذرعا بـ3500 مقاتل، لا حل أمام الدولة إلا بدمجهم تحت علم الوطن، في حين لم يسمع أحد صوت الفلول طوال سنوات الحرب عندما كانت الميليشيات الطائفية تسرح وتمرح في طول البلاد وعرضها، تفتك بالمدنيين، تقتل، تعتقل على الحواجز، تهجر، تعفش، تفرض الإتاوات، تنشر الكبتاغون وترتكب أبشع الموبقات، أم حلال عليهم.. حرام على غيرهم؟”.

الناشط الشركسي محمد بشموقة، دافع بدوره عن عملية الدمج، وقال: “إن الإيغور ليسوا أول قومية تحصل على الجنسية السورية عبر التاريخ، فقد سبقهم العديد من القوميات التي استقرت في سوريا وأصبحت جزءاً من نسيجها الاجتماعي”.

وأضاف: “الأرمن حصلوا على الجنسية السورية بعد المجازر التي تعرضوا لها في الدولة العثمانية ولجأوا إلى سوريا، حيث أسسوا مجتمعات قوية وشاركوا في بناء البلاد، وكذلك اليونانيون استقروا في مناطق مختلفة، خاصة في المدن الساحلية، وأصبحوا جزءاً من تاريخ سوريا التجاري والثقافي. والشراكسة، جاؤوا إلى سوريا بعد تهجيرهم من القوقاز في القرن التاسع عشر، وساهموا في حماية سوريا والدفاع عنها وكانوا جزءاً أساسياً من مؤسساتها”.

وأكد بشموقة أن التاريخ السوري قائم على التنوع والانفتاح، ولم تكن الجنسية يوماً محصورة بفئة واحدة، بل منحت لكل من ساهم في بناء هذا الوطن وسعى ليكون جزءاً منه، ومن يشعر بالضيق، فليعِد قراءة التاريخ، لأن سوريا لم تكن يوماً دولة مغلقة، بل كانت دائماً أرضا احتضنت الجميع.

رد للجميل

الحقوقي والقانوي عارف الشعال اعتبر في تصريح لـ”القدس العربي” أن القيام بدمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري هو نوع من المنطق ورد الجميل لأناس جاؤوا وجاهدوا وحاربوا مع مجموعة من الثوار وانتصروا، مؤكداً أنه من غير المنطق أن يتم رميهم بعدها وبما يدل على عدم وجود الوفاء في هذه الحالة.

وبين الشعال أن هناك سوابق كثيرة في مثل هذه الحالات وليست لدي مشكلة بهذه المسألة لأنه إذا ما تم إقصاء هؤلاء وطردهم فإنهم سيتجهون إلى القاعدة وداعش باعتبار أنهم يحملون الفكر الجهادي وبهذه الحالة فليبقوا تحت نظر الدولة وبكل الأحوال سيبقون في تشكيل واحد، بهدف سهولة مراقبتهم.

الشعال المرحب بعملية الدمج عبر ذات الوقت عن انتقاده لآلية الدمج والتعاطي القانوني مع الملف وقال: إن منح الرتب اليوم هو مخالف للقوانين، وهذا ربما لا يعتد به لأن الكثير من القوانين الإدارية يتم خرقها، وتابع: يقول نص قانون خدمة الشرطة رقم 1 لعام 2012 في المادة 15 أنه لا تمنح رتبة ضابط إلا لمن كان حاملاً الجنسية العربية السورية منذ خمس سنوات على الأقل أو معتبراً كالسوري من الفلسطينيين وفق القوانين النافذة، والحال ذاته بالنسبة لضباط الجيش، وخلال مشاركتنا في اجتماع وزارة الداخلية عند الإعلان عن إعادة هيكلة وزارة الداخلية قال حينها رئيس الدائرة القانونية في الوزارة إن الوزارة تطبق القانون.

وعبر الشعال عن اعتقاده بأن الأجانب سيمنحون الجنسية طبعاً ومنحهم الرتب العسكرية يشترط مرور خمس سنوات على حصولهم للجنسية، وبالتالي يمكن أن يأخذوا في البداية كأفراد.

واستبعد الشعال أن يشكل هؤلاء خطراً على الوضع الداخلي في سوريا وقال لن يؤدي دمجهم واستيعابهم ومنح الجنسية لهم أي تغيير ديموغرافي باعتبارهم من السنة والسنة في سوريا يشكلون الأغلبية المطلقة.

القدس العربي

—————————–

ضم المقاتلين الأجانب للجيش السوري من الرفض إلى الترحيب الأميركي/ إبراهيم العلبي

4/6/2025

وافقت الإدارة الأميركية على خطة للحكومة السورية تقضي بضم آلاف المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في القتال ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى الجيش الجديد، وذلك بعدما كان إبعاد هؤلاء المقاتلين أحد الشروط الرئيسية لواشنطن مقابل الانفتاح ورفع العقوبات عن دمشق.

وبحسب ما نقلت وكالة رويترز عن مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، فإن هناك “تفاهما وشفافية” بين الولايات المتحدة وسوريا حول خطة للسماح لحوالي 3500 من المقاتلين الأجانب، معظمهم من الإيغور ودول الجوار، بالانضمام إلى الفرقة 84 من الجيش السوري.

واعتبر باراك أيضا أنه من الأفضل ضم هؤلاء المقاتلين ضمن مشروع للدولة بدلا من إقصائهم، في عدول واضح عن شرط أميركي سابق في هذا الصدد، فما أبرز ملامح هذه الخطة؟ وكيف أقنعت دمشق واشنطن باحتواء المقاتلين الأجانب بدلا من إبعادهم؟

الموقف الأميركي من الاشتراط إلى الموافقة

لا توجد أرقام رسمية حول عدد المقاتلين الأجانب الذين لا يزالون في سوريا، وقد قاتل معظمهم تحت لواء هيئة تحرير الشام التي قادت معركة إسقاط النظام السابق في دمشق.

وسبق أن صرح الرئيس السوري أحمد الشرع أن معظم هؤلاء اندمجوا في المجتمعات المحلية وخاصة في شمال غرب البلاد وتزوجوا من سوريات وأنجبوا أطفالا، وأعلن مرارا بأنهم ينظرون في تجنيس هؤلاء أو من تنطبق عليهم شروط يفرضها القانون بعد إقرار دستور جديد للبلاد.

وللإشارة فإن تصريحات الشرع جاءت خلال زيارته الأخيرة إلى باريس، وأثناء المؤتمر الصحفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لم يطالب في المؤتمر نفسه بالمطلب الأميركي، وهو ما عده مراقبون تأكيدا ضمنيا لمطالبات أوروبية معاكسة تقضي بإبقاء المقاتلين الأجانب وعدم السماح لهم بالعودة إلى بلدانهم الأصلية.

وأوضح الشرع أن الحكومة السورية تضمن لجميع دول العالم، أن المقاتلين الأجانب الذين بقوا في سوريا لن يشكلوا خطرا على أي من الدول المجاورة، ولن يُلحقوا الضرر ببلدانهم التي جاؤوا منها.

وأثير هذا الملف الحساس لأول مرة بعد صدور قرار بترفيع عدد من الضباط المشاركين في غرفة إدارة العمليات العسكرية التي قادت معركة إسقاط النظام في ديسمبر/كانون الأول الماضي ليشكلوا نواة لأركان الجيش الجديد، 6 من بينهم أجانب، وهذا أثار قلقا داخليا وخارجيا حول هذه الخطوة تحديدا.

وفي أول اتصال دبلوماسي مباشر بين إدارة ترامب والحكومة السورية، سلمت ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد الشام، وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قائمة بشروط تريد من دمشق الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، منها ضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة والجيش.

وفي وقت لاحق، من أواخر أبريل/نيسان الماضي، ردت الخارجية السورية كتابيا على قائمة الشروط الأميركية، قائلة إنها طبقت معظمها لكن البعض الآخر يتطلب “تفاهمات متبادلة” ونقاشات أوسع مع واشنطن بينها ملف المقاتلين الأجانب الذين تم تعليق إصدار الرتب العسكرية لهم، وفقا لنسخة من الرسالة اطلعت عليها “رويترز”.

ومنذ الكشف عن الرد السوري، لم تعلق واشنطن على هذه القضية، لكن نهج واشنطن الحذر بشكل عام تجاه سوريا شهد تحولا كبيرا منذ زيارة ترامب  إلى الشرق الأوسط الشهر الماضي.

وقال مصدران مقربان من وزارة الدفاع السورية لرويترز إن الشرع والمقربين منه حاولوا إقناع مفاوضين غربيين بأن ضم مقاتلين أجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة من التخلي عنهم، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانضمام مجددا لتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية.

توازن حرج

يقول جيروم دريفون، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية إن الحكومة السورية حاولت عزل المقاتلين الأجانب، لكنها تواجه مشكلة حقيقية في تنفيذ المطلب الأميركي، وتحديدا في تعريف من هم “الإرهابيون”، وحتى إذا تم طردهم فإن بلدانهم لا تريد عودتهم.

وأفادت واشنطن بوست بأن الأكثر تشددا من بين المقاتلين الأجانب بدؤوا يصبون جام غضبهم على “رفيق سلاحهم السابق”، وذلك بسبب عدم فرضه الشريعة الإسلامية في سوريا حتى الآن، ويزعمون أنه يتعاون مع الولايات المتحدة والقوات التركية لاستهداف الفصائل المتطرفة.

ونقلت عن أحد المقاتلين الأوروبيين -الذي تحدث في مقابلة أُجريت معه في مدينة إدلب الشمالية شريطة عدم الكشف عن هويته- قوله إن “الجولاني يهاجمنا من الأرض، وأميركا من السماء”، مستخدما الاسم الحركي لأحمد الشرع عندما كان يقاتل النظام السابق.

ونسبت الصحيفة إلى محللين سياسيين ومقاتلين أن حكومة دمشق أمرت الأجانب بالتواري عن الأنظار وعدم التحدث علنا، في حين يعمل الشرع جاهدا لتحقيق توازن يبدو صعبا.

وأشارت إلى أن مراسليها التقوا -في 3 مناسبات منذ سقوط الأسد- مقاتلين أجانب في عدة مناطق من البلاد. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان مقاتلون أتراك متمركزين في الطريق المؤدية إلى مدينة حماة وسط البلاد، حيث مقام الإمام علي زين العابدين، بينما كان مقاتلون عراقيون يجوبون المدينة على أنهم سياح.

وفي مارس/آذار الماضي، كان مقاتلون من آسيا الوسطى يسيطرون على نقطة تفتيش في الطريق إلى جبل قاسيون الشهير في دمشق، ثم في أوائل مايو/أيار الماضي، اختفى جُلّهم من نقاط التفتيش وشوارع وسط وجنوب سوريا على الأقل.

ضم الحزب التركستاني وتشكيل الفرقة 84

في 17 من مايو/أيار الماضي، أعلن وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، مهلة 10 أيام للفصائل العسكرية التي لم تنضوِ بعد ضمن هيكلية وزارة الدفاع الجديدة.

ومع اليوم الثالث من مهلة العشرة الأيام، قرر الحزب الإسلامي التركستاني، المؤلف في غالبية أفراده من الإيغور الصينيين حل الحزب والانضمام إلى وزارة الدفاع وفق شروطها. وقال عثمان بوغرا، وهو مسؤول سياسي في الحزب الإسلامي التركستاني، لرويترز في بيان مكتوب، إن الجماعة حلّت نفسها رسميا واندمجت في الجيش السوري.

وأضاف أن الجماعة تعمل حاليا بالكامل تحت سلطة وزارة الدفاع، وتلتزم بالسياسات المتبعة في البلاد، وتحافظ على عدم الارتباط بأي كيانات أو جماعات خارجية.

وأصدر وزير الدفاع أبو قصرة، يوم الجمعة الفائت 30 مايو/أيار، لائحة للعاملين في الجيش والقوات المسلحة خاصة بالسلوك والانضباط، وهي، بحسب ما نقل موقع “الحل نت” المحلي عن مسؤول سوري، موجهة بالمقام الأول للعناصر الأجنبية في الجيش، لضمان تطويع هؤلاء المقاتلين والتزامهم بأوامر القيادة.

ووفقا للمصدر نفسه، فقد تم تشكيل الفرقة 84 قوات خاصة بقيادة كل من عبد العزيز داود خدابردي، المعروف باسم أبو محمد تركستان، وعمر محمد جفتشي المعروف باسم مختار التركي، وذو القرنين زنور البصر عبد الحميد، الملقب بعبد الله الداغستاني، وهو قائد جيش المهاجرين والأنصار.

وحول تعدادها، يقول المسؤول العسكري السوري إن “الفرقة 84 قوات خاصة” سيكون تعدادها 30 ألف مقاتل، ومقرها الرئيسي الكلية البحرية في محافظة اللاذقية، وسيكون انتشارها في شمال غربي سوريا. وتتألف من 6 ألوية عسكرية مختصة، لواء مدرعات ولواءي “قتال جبال” ولواء مداهمة ولواء مدفعية، إضافة إلى لواء “حرب شوارع”.

ردود فعل السوريين

وتباينت ردود أفعال السوريين من أنباء دمج آلاف المقاتلين الأجانب في الجيش ومنحهم في نهاية المطاف الجنسية السورية، فبينما أبدى البعض تخوفا من تأثير ذلك على توجهات الجيش والواقع الديمغرافي في البلاد، لا سيما في ظل مزاعم حول صلتهم بأحداث قرى الساحل السوري، برز تيار أوسع يبدي تقبلا واضحا لخطط الحكومة حول هذه القضية.

الصحفي السوري المقيم في تركيا، نضال معلوف، وهو رئيس تحرير موقع سيريا نيوز، اعتبر أن الموافقة على ضم 3500 مقاتل أجنبي إلى صفوف الجيش السوري “أمر خطير وغير مقبول، إن كانت الولايات المتحدة واقفت أم لم توافق، هذا ليس شأنها”.

وأضاف، في منشور على صفحته في فيسبوك: “أرى أنه تجاوز لصلاحيات الحكومة الانتقالية لا يمكن السكوت عليه، لأن هذا سيؤثر على مستقبل كل السوريين ويهدد أمنهم في الداخل ويؤثر على علاقاتهم مع الخارج”.

وفي منشور آخر، كتب معلوف “يمكن أن يتم تفهم القرار بأنه ضرورة تكيتيكية لدفع خطر إستراتيجي.. ولكن يجب أن نحذر بأن الجرائم التي ارتكبتها بعض عناصر الفصائل الأجنبية في الماضي، كانت توجه التهم وقتها لفصائل منفلتة واليوم بعد الدمج (…) أي تجاوز وأي جريمة ستقوم بها عناصر أجنبية، سيوجه الاتهام مباشرة إلى وزارة الدفاع وإدارة الرئيس الشرع”.

في المقابل، اعتبر الباحث والسياسي السوري، ومدير موقع الذاكرة السورية، عبد الرحمن الحاج، أن قرار ضم المقاتلين الإيغور (التركستان) إلى الجيش طبيعي، اعترافا بإسهاماتهم في عملية ردع العدوان، إضافة إلى أنه مبني على وجهة نظر سياسية منطقية.

ولفت إلى أن تعداد المقاتلين وهو نحو 3500  لا يشكل أي تغيير ديمغرافي، مؤكدا أن المنتقدين لهذا القرار لم يطلعوا على الأرجح على التجارب العالمية مع المقاتلين الأجانب في حالات شبيهة.

من جهته، اعتبر ياسر العيتي، رئيس تيار سوريا الجديدة، أنه لا مبرر لتخوف البعض من الخطوة طالما كانت العقيدة القتالية للجيش الجديد ملتزمة بالوطنية السورية والدفاع عن السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم وعدم التعدي على الحقوق والكرامات كما جاء في “لائحة قواعد السلوك والانضباط العسكري” التي أصدرتها وزارة الدفاع مؤخرا.

ويقول الخبراء في الجماعات الإسلامية إن المقاتلين بشكل عام أصبحوا أقل تطرفا بمرور الوقت، ويرى العيتي أن تجنيس المقاتلين الأجانب وإلحاقهم بالجيش السوري الجديد هو “الخيار الأفضل، وكان المعيق الأكبر رفض الدول ويبدو أنه زال بفضل جهود الحكومة”.

المصدر: الجزيرة

——————————–

كيف استقبل السوريون خطة دمج المقاتلين الأجانب بالجيش؟/ سنا الشامي

تنتقد الغالبية قرار توطين الإيغور وغضب من الموقف الأميركي الداعم وترقب للرد الصيني

الأربعاء 4 يونيو 2025

يقول الكاتب والمحلل السياسي السوري خلدون النبواني إن المسلحين الأجانب يجري تجنيسهم بينما أبناء الوطن يحتاجون إلى تأشيرة دخول.

فوجئ السوريون بإعلان المبعوث اﻷميركي الخاص إلى دمشق توم باراك، موافقة الولايات المتحدة على خطة مطروحة من قبل القيادة الجديدة للسماح لآلاف المقاتلين الأجانب الذين كانوا في السابق ضمن المعارضة، بالانضمام إلى الجيش الوطني الجديد شرط أن يُنجز ذلك بشفافية.

ثلاثة مسؤولين دفاعيين سوريين تحدثوا بدورهم عن أن الخطة تنص على انضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور من الصين والدول المجاورة، إلى وحدة مشكلة حديثاً، وهي الفرقة 84 من الجيش السوري التي ستضم سوريين أيضاً.

استياء وإحباط

هذا الخبر نزل كالصاعقة على بعض السوريين، فعبروا عن استيائهم وإحباطهم من الخطة المطروحة، إذ كانوا يعتقدون بأن الدول الغربية تعمل حتى لا يصبح ذلك حقيقة على أرض الواقع، ليأتي القرار من واشنطن نفسها.

الناشطة والمحللة السياسية السورية فرح يوسف كتبت على حسابها في “فيسبوك”، “كلما قلت لنفسي يجب أن أتفاءل قليلاً فربما من يحكمون دمشق اليوم تغيروا، لأقرأ بعدها خبراً كارثياً جديداً”.

وطرحت يوسف بعض الأسئلة، ما هذا العقاب الجماعي على الشعب السوري؟ ماذا يعني أن يتفق الرئيس السوري أحمد الشرع وأميركا على توطين المقاتلين الإرهابيين؟ ولماذا نضطر إلى البقاء مرعوبين من أننا بؤرة نزاع ومن وجود الإرهابيين بيننا في أرفع المناصب؟

وتنبه إلى أن الإدارة السورية تخشى من انقلاب المجموعات المسلحة عليها، مشيرة إلى أن السوريين هم من يدفعون فاتورة ذلك. وقالت “لا نريد الإيرانيين ولا ’حزب الله‘ ولا الإيغور ولا التركستان ولا الفرنسيين ولا السنغال ولا مخلوقاً ترك بلاده وحل علينا بمشروع عابر للحدود”.

أسلحة المأجورين

أما الكاتب والمحلل السياسي السوري خلدون النبواني فكتب أن المسلحين الأجانب يجري تجنيسهم بينما أبناء الوطن يحتاجون إلى تأشيرة دخول إلى بلدهم، ثم ألحقه بمنشور آخر للدلالة على فداحة هذا القرار، فاقتبس فقرة من كتاب “اﻷمير” لمكيافيلي، “أنا أرى أن الأسلحة التي يدافع بها أمير عن ممتلكاته إما أن تكون أسلحته الخاصة، أو أسلحة لقوات مأجورة أو أسلحة حلفاء له أو مختلطة، وأسلحة المأجورين والحلفاء بلا فائدة وخطرة، وكل من يقيم دولته على أسلحة قوات مأجورة لن يستطيع التأكد من قوة وثبات ولايته لأنها قوات مفككة ولها مطامعها الخاصة، وغير منظمة ولا عهد لها. وهي تبدو قوية أمام الأصدقاء، لكنها جبانة عند مواجهة الأعداء”.

أما الصحافية والمذيعة ريما نعيسة، فكتبت أن “‏ضم المقاتلين الأجانب إلى الجيش ‎السوري يعني منحهم الجنسية، يعني ما عادوا أجانب، نحن صرنا أجانب، أهلاً بالإيغور في الجيش السوري”. بينما قال المحامي زيد العظم، “من الآن فصاعداً، وداعاً للساحل السوري، وأهلاً بكم في الساحل الإيغوري، بعد السماح لانضمام 3500 مقاتل تركستاني متشدد إلى الفرقة 84 الموجودة في الساحل”، مشيراً إلى أن الساحل في سوريا يتحول تدريجاً إلى منتجع إرهابي فاخر.

بينما كشفت المذيعة ريم بو قمرة خلال برنامجها المسائي على القناة “عندما اجتمعنا مع الرئيس الشرع في لقاء مغلق في دمشق وبعيد من اﻹعلام، سألته عن عدد المقاتلين اﻷجانب، فقال لي أمام عدد كبير من الزملاء إنهم بالعشرات لنتفاجأ أنهم باﻵلاف”.

بين النكتة والتأييد والمعارضة

أما عن آراء السوريين، فكتب بعضهم على صفحاتهم ومن بينهم معارضون وآخرون مؤيدون حاولوا مقارنة الوضع بالسابق، فقال أحدهم، “الإيغور أسهموا في تحرير سوريا من بقايا الغزوات الصليبية وأبناء الزيف التاريخي وما يسمى ’شركاء الوطن الطائفيين‘ الذي قتلوا 2 مليون سوري خلال 14 عاماً وهجروا 13 مليوناً”.

وكتبت أخرى، “ناس وقفوا ودافعوا معنا وانتصرنا، أنقول لهم شكراً مع السلامة، فهذه قلة أصل ونحن شعب أصيل، أهلا بهم في بلدهم وهذا أقل شيء نستطيع أن نقدمه لهم بعدما قدموا أرواحهم”. بينما قالت إحدى السيدات المعارضات للخبر، “عوضاً عن محاسبتهم على إجرامهم في الساحل، جرت مكافأتهم بضمهم إلى الجيش النظامي ومنحهم الجنسية السورية، عليه العوض ومنه العوض، الله يرحمك سوريانا”.

فيما خرجت بعض النكات واﻷغاني التي تعبر عن استهزائها بهذا القرار وما وصلت إليه سوريا، فكتب أكرم خزام، “إرفع رأسك فوق أنت إيغوري حر”. وانتشرت أغنية شاركها كثير من الناشطين والفنانيين تقول، “مين إيغور إنّي لغيرك، أنا ليك ماني لغيرك، أنا متعلق مصيري، يا حبيبي في مصيرك”، وهي مأخوذة من أغنية للفنان راشد الماجد “من يقول إني لغيرك”.

أما الحساب الذي يدعى “ماغوط حوران”، فكتب “اليوم طالعتنا المواقع الإخبارية بالبشارات المقلقة وجاء عزيز قومهم بكتاب توطين أبناء إقليم شينجيانغ الصيني (تركستان الشرقية) ليندمجوا بالآلاف المؤلفة في جيش الوطن العربي السوري مكافأة لهم على دحر الطاغية في أخطر عبث بأخطر مؤسسات الوطن السوري”.

وفي لفتة مختلفة كتب رئيس التيار المدني السوري الحر في واشنطن عزيز وهبي بعد حديثه مع أحد كبار المسؤولين عن الملف السوري، تحديداً في وزارة الخارجية، فأجابه “نحن في النهاية لسنا مجبرين على حماية الشعب السوري ولكن من حقنا الطبيعي كقوة عظمى بأن نحمي مصالحنا الاستراتيجية في المنطقة وعلى الشعب السوري أن يتحمل مسؤوليته حول هذا الموضوع، فالشروط المفروضة تتضمن إبعاد هؤلاء المقاتلين من المشهد السوري، بخاصة بعد تورطهم الواضح في مجازر الساحل”.

ويعلق عزيز على هذا الكلام ضمن المنشور نفسه بالقول، “يبدو أن المشهد السوري يزداد تعقيداً بعد هذه التصريحات الرنانة من قبل المبعوث الرئاسي الأميركي، بخاصة بعد تأزم الأوضاع في الشأن الروسي- الأوروبي، فهذا التناقض الكبير والسريع ما بين شروط الحكومة الأميركية حول موضوع المقاتلين الأجانب وما بين تصريح المبعوث الأميركي الحالي، فإن دل على شيء فهو يدل على أنها ورقة ضغط حالية على الوجود العسكري الروسي في الساحل وليس قراراً تتبناه واشنطن وربما قد يكون من إحدى المحاولات السياسية الذكية لسحب ورقة المقاتلين الأجانب من يد السيطرة التركية الأكثر خطورة على وجود إدارة الحكومة الموقتة”.

من هم هؤلاء اﻹيغور؟

والإيغور هم مجموعة عرقية تعيش في منطقة شينجيانغ الواقعة شمال غربي الصين، ويتحدث الإيغور اللغة التركية، ويعتبرون أنفسهم ينتمون إلى دولة تركستان الشرقية وهي مقاطعة شينجيانغ الصينية، ولديهم حزب في سوريا منذ أن أتوا إليها وهو “الحزب الإسلامي التركستاني”.

وبررت مصادر مقربة من وزارة الدفاع السورية هذا التوجه، مشيرة إلى أن الشرع ودائرته المقربة كانا يجادلان محاوريهما الغربيين بأن دمج المقاتلين الأجانب في الجيش يشكل خطراً أمنياً أقل من التخلي عنهم، مما قد يدفعهم للانضمام إلى ’القاعدة‘ أو تنظيم ’داعش‘”.

وحول هوية بعض هؤلاء المقاتلين، أوضح مسؤول سوري ودبلوماسي أجنبي أن المقاتلين الإيغور الآتين من الصين وآسيا الوسطى أعضاء في “الحزب الإسلامي التركستاني” المصنف منظمة إرهابية من جانب بكين، وسعت الصين إلى تقييد نفوذ هذه الجماعة في سوريا.

وفي رد فعل على هذه التطورات، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، “نأمل في أن تعارض سوريا جميع أنواع الإرهاب والقوى المتطرفة، استجابة لمخاوف المجتمع الدولي”. في وقت أعلن المسؤول السياسي في “الحزب الإسلامي التركستاني” عثمان بُغرا خلال بيان مكتوب لـ”رويترز” أن “الجماعة جرى حلها رسمياً ودمجها في الجيش السوري. وفي الوقت الحالي، تعمل الجماعة بالكامل تحت سلطة وزارة الدفاع وتلتزم السياسة الوطنية، ولا تحتفظ بأية ارتباطات مع جهات أو مجموعات خارجية”.

——————————

 “ذا ناشيونال”: سوريا تجنّد نصف جيشها المرتقب ليكون قوامه 200 ألف جندي

2025.06.04

كشفت صحيفة “ذا ناشيونال” أن السلطات السورية تمكنت حتى الآن من تجنيد نحو نصف العدد المخطط للجيش الجديد، والمقدّر بـ 200 ألف جندي، ودمجت 3500 مقاتل أجنبي في لواء ضمن التشكيلة الجديدة للجيش السوري.

وقال مسؤول عسكري سوري للصحيفة

إن الجيش السوري الجديد يعتمد بشكل أساسي على مقاتلي الفصائل، من بينهم عناصر من “هيئة تحرير الشام” وفصائل متحالفة معها، إلى جانب 30 ألف عنصر من “الجيش الوطني السوري”، و15 ألفاً من “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”.

وذكر المصدر أنه، استجابةً لمطلب أميركي، تم إنشاء لواء جديد يضم 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور، ويقوده شخص يُعرف باسم “أبو محمد التركستاني”، التابع لقيادي آخر يُدعى “أبو دجانة”.

وأشار المسؤول إلى أن غالبية المقاتلين الأجانب، ومن ضمنهم الإيغور، سيُمنحون الجنسية السورية بحلول نهاية العام الجاري، موضحاً أن التشكيل الجديد يعتمد على عناصر ذات خبرة قتالية وليس على مجندين جدد.

وقال إن ثلثي القادة العسكريين الكبار المعينين حتى الآن ينتمون إلى “هيئة تحرير الشام”، بينما ينتمي الباقون إلى فصائل متحالفة معها، من أبرزها الجيش الوطني السوري، وفقاً لـ “ذا ناشيونال”.

وأوضح أن الرواتب المقدمة للعناصر العسكرية تتراوح بين 150 و500 دولا شهرياً، ويتم تمويلها من موارد اقتصادية، من ضمنها شركتا اتصالات كانتا مملوكتين للنظام المخلوع.

وأضاف أن قرار الإدارة الأميركية برفع العقوبات عن سوريا الشهر الماضي سيفتح الباب أمام دعم عربي محتمل لتمويل المؤسسة العسكرية الجديدة.

ويتكون الجيش الجديد من عدة فيالق، يُقدّر عدد عناصر كل فيلق بـ20 ألف جندي موزعين على خمسة ألوية: لواءان للمشاة، ولواء مدرع، ولواء قوات خاصة، ولواء “متعدد المهام”.

وأفاد المصدر بأن معظم هذه الألوية، باستثناء ألوية المشاة، لا تزال في مراحل التأسيس الأولى، حيث يقود عملية إعادة هيكلة الجيش كل من رئيس الأركان الجديد علي نور الدين النعسان، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة.

واشنطن تدعم دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري

في وقت سابق، قال المبعوث الأميركي توماس باراك إن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لخطة القيادة السورية الجديدة التي تهدف إلى دمج آلاف المقاتلين الجهاديين السابقين في الجيش السوري الجديد.

وأوضح المبعوث في تصريح لوكالة (رويترز) للأنباء أن واشنطن تدعم هذه الخطة بشرط الالتزام بالوضوح والشفافية في تنفيذها.

وأفاد ثلاثة مسؤولين دفاعيين سوريين بأن الخطة تتضمن دمج نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور القادمين من الصين ودول مجاورة، ضمن وحدة عسكرية جديدة تم تأسيسها حديثاً تحت اسم “الفرقة 84” في الجيش السوري. وستضم هذه الفرقة أيضاً مقاتلين سوريين.

وأضاف باراك أن من الأفضل الاحتفاظ بهؤلاء المقاتلين، الذين وصف كثيراً منهم بأنهم “موالون للغاية” للإدارة السورية الجديدة، ضمن مشروع الدولة، بدلاً من استبعادهم.

————————-

 جو ويلسون: وزارة الدفاع يجب أن تتحرك بحرية في كل أرجاء سوريا

2025.06.04

قال عضو مجلس النواب الأميركي جو ويلسون إن على الحكومة السورية الجديدة أن تضمن حرية تحرك وزارة الدفاع في جميع أرجاء البلاد، حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وأضاف ويلسون، في تغريدة نشرها على منصة “إكس” اليوم الأربعاء، أن المسؤولين السوريين أكدوا بوضوح أن سوريا لن تُشكّل تهديداً لإسرائيل، إلا أن تقييد وصول القوات الأمنية إلى بعض المناطق قد يُستغل من قبل أطراف معادية.

وكان ويلسون قد أعرب سابقاً عن امتنانه للرئيس دونالد ترامب ووزيري الخارجية والخزانة على قرار رفع العقوبات عن سوريا، معتبراً أن الوقت قد حان لبدء عملية إعادة الإعمار بقيادة أميركية.

وأضاف: “نأمل أن ترفع وزارة التجارة أيضاً قيود التصدير، ويجب أن تتولى البنية التحتية والاتصالات الأميركية مهمة إعادة إعمار سوريا، وليس الصين”.

الوجود الأميركي في سوريا

كشف مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة سحبت 500 جندي أميركي من سوريا، وأغلقت قاعدتين على الأقل، وسلمت قاعدة ثالثة لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، خلال الأسابيع القليلة الماضية.

والإثنين، كشف السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن توجه الولايات المتحدة لتقليص عدد قواعدها العسكرية في سوريا.

وأوضح باراك أنه “من 8 قواعد، سينتهي الأمر بقاعدة واحدة فقط”، في إشارة إلى رغبة الولايات المتحدة في تقليل انتشارها العسكري في سوريا.

القصف الإسرائيلي مستمر

وجدد الاحتلال الإسرائيلي قصفه الجوي على مناطق عدة في الجنوب السوري، فجر الأربعاء، وذلك بعد ساعات قليلة من استهدافه بالمدفعية ريف محافظة درعا.

وقال مراسل تلفزيون سوريا إن غارات جوية إسرائيلية استهدفت منطقة تل المحص والمال والفوج 172 في ريف درعا، وتل الشعار في ريف محافظة القنيطرة.

ودانت وزارة الخارجية والمغتربين السورية القصف الإسرائيلي، في حين أكدت عدم تثبّتها من صحة الأنباء المتداولة بشأن القصف باتجاه الجانب الإسرائيلي.

وشدد المكتب على أن سوريا لم ولن تُشكّل تهديداً لأي طرف في المنطقة، مشيراً إلى أن الأولوية القصوى في الجنوب السوري تتمثل في بسط سلطة الدولة، وإنهاء وجود السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار لجميع المواطنين.

————————-

خطّاب: «داعش» من أخطر التحديات الأمنية التي نواجهها

رأى وزير الداخلية السوري أنس خطاب أن تنظيم «داعش» هو من أخطر التحديات الأمنية التي تواجهها بلاده اليوم، مشيراً إلى إحباط محاولاته لاستهداف المسيحيين والشيعة.

الأربعاء 4 حزيران 2025

رأى وزير الداخلية السوري أنس خطاب أن تنظيم «داعش» هو من أخطر التحديات الأمنية التي تواجهها بلاده اليوم، مشيراً إلى إحباط محاولاته لاستهداف المسيحيين والشيعة.

وأشار خطاب، خلال مقابلة مع قناة «الإخبارية السورية»، إلى أن تلك التحديات تستدعي وجود «رأس واحد» للعمل الأمني في كل محافظة، لافتاً إلى استحداث «إدارة مكافحة الإرهاب المعنية بملاحقة فلول النظام وتنظيم داعش وإدارة أمن الطرق المعنية بحفظ السلامة على الطرق العامة»، إضافة إلى « إدارة حرس الحدود بعد أن كانت سابقاً من مهام وزارة الدفاع».

وعن أحداث الساحل التي وقعت في شهر آذار الماضي، قال وزير الداخلية إنّ هناك «محاولات مستمرة لزعزعة الأمن في الساحل، بدأت بمهاجمة وحصار النقاط الأمنية الموجودة في المنطقة»، مذكّراً بلجان التحقيق التي تم تشكيلها في هذا الشأن.

وأوضح خطاب أن الأجهزة الأمنية ستكون خاضعة «للرقابة والتفتيش والمحاسبة المسلكية»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى وجود«بعض التجاوزات من عناصر تابعين لوزارة الداخلية»، إلا أن عددها «سيقل بعد خضوع العناصر الجدد في الأمن للدورات التدريبية».

ونفى وزير الداخلية السوري أن تكون وزارته قد تلقت، «حتى الآن»، أي دعم مادي أو تجهيزات تقنية من الخارج.

في ما يخص السجون، كشف خطاب عن خطط لبناء سجون جديدة تخضع للمعايير الإنسانية والقانونية الحديثة، مشيراً إلى أن إدارة السجون ستعمل على إعادة تأهيل المحكومين بدل إيذائهم.

كما أعلن عن إلغاء غالبية قوائم المطلوبين أمنياً والإبقاء على المطلوبون لأسباب قضائية وجنائية، لافتاً إلى إلغاء كثير من الإجراءات القديمة وتقليل تدخل الأمن في الحياة اليومية.

—————————————

 انضمام الحزب الإسلامي التركستاني إلى الجيش السوري: مخالفة للمطالب الأميركية أم تمهيد لأدوار مستقبلية؟/ بدالله سليمان علي

يعتبر الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا فرعاً من فروع الحزب الأصلي الذي يتخذ من أفغانستان مقراً له بقيادة الشيخ عبدالحق.

المصدر: النهار

كشف الصحافي الأميركي داريل فيلبس قبل أيام عن انضمام الحزب الإسلامي التركستاني إلى صفوف وزارة الدفاع السورية. وفيما لاذت الأخيرة بالصمت ولم يصدر عنها تأكيد أو نفي للخبر، شكك سوريون في صحة الخبر من باب غرابته فقط، وليس استناداً إلى معطيات أو أدلة معينة.

وقال فيلبس الذي أصبح يُعرف باسم بلال عبد الكريم منذ اعتناقه الإسلام: “انضم الحزب الإسلامي التركستاني رسمياً إلى هيكلية الجيش السوري المشكّل حديثاً تحت مسمى الفرقة 84”. وأشار إلى أن الخطوة “تأتي استجابة لدعوة وزارة الدفاع جميع الفصائل المتبقية إلى الاندماج تحت القيادة الوطنية”.

وأضاف أنه “يُنظر إلى انضمام الحزب على أنه خطوة مهمة نحو توحيد الفصائل المسلحة تحت قيادة المرحلة الانتقالية في سوريا”، مشيراً إلى أنه لم يُكشف بعد عن مهمات الفرقة الجديدة أو مناطق انتشارها.

وأعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة الأسبوع الماضي عن “دمج كل الوحدات العسكرية ضمن وزارة الدفاع”، مشدداً على ضرورة التحاق ما تبقى من المجموعات العسكرية الصغيرة بالوزارة في مدة أقصاها 10 أيام من تاريخ الإعلان، استكمالاً لجهود التوحيد والتنظيم، مشيراً إلى أن “أي تأخير في هذا الصدد سيستلزم اتخاذ الإجراءات المناسبة وفق القوانين المعمول بها”.

ولم يستثن وزير الدفاع الحزب الإسلامي التركستاني ولا أي فصيل آخر من عملية الدمج، باستثناء ما سمّاها “المجموعات الصغيرة” التي أعطاها مهلة 10 أيام لحسم موقفها.

ولم يصدر عن وزارة الدفاع أي نفي للخبر الذي نشره الإعلامي الأميركي الذي سبق أن اعتقلته “هيئة تحرير الشام” قبل سنوات، بسبب عدم رضاها عن تغطيته لبعض التطورات في إدلب.

ويعزز ما سبق صحة انضمام الحزب الإسلامي التركستاني إلى وزارة الدفاع السورية، بل إن هذا الانضمام هو المسار الطبيعي الذي يمكن أن تتخذه الأمور، خصوصاً أنه سبق للقيادة العامة ترفيع القائد العسكري للحزب عبدالعزيز خرديرباري إلى رتبة عميد.

ويعتبر الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا فرعاً من فروع الحزب الأصلي الذي يتخذ من أفغانستان مقراً له بقيادة الشيخ عبدالحق.

ويقود الحزب في سوريا الأمير العام أبو عمر كوثر. وقائده العسكري هو عبد العزيز أبو محمد الذي يعرف أيضاً باسمه الحركي زاهد قاري. وفي آذار/مارس من العام الماضي صدر قرار من مجلس شورى التركستاني في أفغانستان بتعيين كل من عبدالعزيز والشيخ طوبى نائبين للقائد العام في سوريا.

وتختلف التقديرات في تحديد عدد المقاتلين العاملين تحت لواء الحزب التركستاني، وغالباً ما تتباين بحسب الظروف السياسية والعسكرية المحيطة.

وفي هذه المرحلة التي تشهد تركيزاً دولياً على قضية المقاتلين الأجانب، ثمة ميل عام إلى تقليل أعدادهم إعلامياً، إذ بدأ بعض وسائل الإعلام يتحدث عن رقم زهيد هو 1500 مقاتل، بينما كان “تلفزيون سوريا” يقدر العدد قبل سقوط النظام بقرابة 3000.

وقد ذهبت الدراسات والبحوث المعدة عن الحزب التركستاني إلى تقدير عديده بقرابة 5000 مقاتل.

ويتمركز مقاتلوه في ريف اللاذقية الشمالي وريف جسر الشغور، ولهم مستوطنات شبه مستقلة لكونهم اصطحبوا عائلاتهم معهم. ومعظم المنتسبين ينتمون إلى أقلية الإيغور المسلمة في الصين، وتحديداً من إقليم شينجيانغ.

واعتبر بعض المراقبين خطوة ضمّ الحزب إلى وزارة الدفاع بمثابة تحدّ للمطالب التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء لقائه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الرياض، وعلى رأسها طرد المقاتلين الأجانب.

لكن الخطوة تتسق مع خطاب الشرع من حيث وعده بمنح المقاتلين الأجانب الجنسية السورية تكريماً لهم، وتقديراً للأدوار التي قاموا بها في إسقاط النظام السوري السابق.

ورفعت الولايات المتحدة الحزب الإسلامي التركستاني من قائمة الإرهاب عام 2020، بسبب عدم وجود أدلة على استمرار وجوده وفق القرار الذي أصدره وزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو.

وكانت واشنطن قد وضعت الحزب على قوائم الإرهاب عام 2002 بسبب ارتباطه بتنظيم “القاعدة”.

في المقابل، تعتبر الصين الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية (إقليم شينجيانغ) خطراً يهدد أمنها القومي بسبب مطالبته باستقلال الإقليم. وتتهم السلطات الصينية الحركة بارتكاب أعمال عنف وهجمات إرهابية، بلغت بحسب إحصائها نحو 200 هجمة بين عامي 1990 و2001، مما أسفر عن مقتل أكثر من 162 شخصاً وإصابة نحو 440 بجروح متفاوتة.

وفي جلسة مجلس الأمن عن الوضع في سوريا المنعقدة الأربعاء، شدد المندوب الصيني الدائم على خطورة المقاتلين الأجانب ولا سيما منهم الإيغور، معتبراً أن وجودهم يشكل خطراً على استقرار المنطقة.

ولا يستبعد بعض المراقبين أن تغض الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الطرف عن انضمام التركستانيين إلى الجيش السوري، مشيرين إلى أنه قد تكون لبعض فئات المقاتلين الأجانب أدوار وظيفية في المستقبل للحد من النفوذ الصيني في إطار الصراع المتصاعد بين واشنطن وبكين.

النهار

—————————–

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى