سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعمنوعات

سوق الإنتاج التلفزيوني في سوريا، نهاية للفوضى أم مزيدٌ منها؟/ علاء الدين العالم

كيف تتشكل ملامح ظروف إنتاج فنية جديدة في سوريا

04-06-2025

        بينما كان يُعلَنُ عن انطلاق (X ART) كشركة سورية جديدة للإنتاج الفني، وفي وقتٍ كان المتابعون يسألون عن ماهية الشركة وأصولها وبرنامج عملها،  كان مجلس الإدارة المُعيَّن في نقابة الفنانين يقيل النقيب مازن الناطور، الذي رفض قرار إقالته واعتبره غير شرعي. وفي اليوم ذاته الذي عُرضت فيه لافتات كفرنبل في ساحة الحجاز بالشام، وهي اللافتات التي شكلت واحدة من أميز التمظهرات الفنية في الثورة السورية، كان هناك هرج ومرج في نقابة الفنانين السوريين، وكان النقيب يُقيل مجلس إدارة النقابة، النقابة ذاتها التي يُفترَض أنها المسؤولة الأولى اليوم عن تنظيم وترتيب فعاليات فنية وأفعال ثقافية في المدن السورية، وتحديداً في العلاقة مع عنصر فني أساسي وفعّال في التراجيديا السورية كلافتات كفرنبل. إذن، النقابة في واد، والفعل الفني والمؤسسات الفنية في وادٍ آخر. لكن هل النقابة ضرورية للفنانين والعمل الفني إلى هذا الحد اليوم؟ ومن، وكيف، سيُنَظَّمُ العمل الفني والمؤسساتي في الحقل الفني السوري بعد السقوط؟

        عن نقابة لكل الفنون

        منذ توغل البعث في السلطة، لم تكن نقابة الفنانين السوريين نقابة لكل الفنانين، ولا لكل الفنون. ودون الدخول في أنطولوجيا لعمل النقابة منذ تأسيسها نهاية الستينيات إلى اليوم، يكفي ذكر حادثة الراحل رفيق سبيعي منتصف الثمانينات، عندما فاز في الانتخابات بمنصب النقيب، لكن التوجه الحزبي البعثي التفَّ حول الانتخاب و(عُيِّنَ) المخرج الإذاعي الحزبي سهيل كنعان لوضع النقابة -كأي نقابة في سوريا- تحت الوصاية الحزبية البعثية. بعد سقوط الأسد، وبعد المطالبة بتفعيل العمل النقابي، وبعد تَوافُد عدد كبير من الفنانين السوريين إلى سوريا، تفائل البعض بإعادة تشكيل النقابة كمظلة مؤسساتية رابطة للفنانين السوريين، وإعادة تكوينها وتفعيل دورها في حماية حقوق الفنانين وتنشيط عملهم وتسهيله وتنظيمه. إلا أن الأشهر الستة الماضية، لم تقدم إلا نموذجاً متخبطاً للعمل النقابي، وفوضى مؤسساتية عارمة اجتاحت النقابة. فلا انتخابات ولا اجتماعات ولا مؤتمرات تأسيسية، ولا محاولات جادة لإعادة هيكلة النقابة وتفعيل دورها الحقيقي. على العكس، بقيت المُماحكات الفردية، وابتعدت النقابة أكثر عن العمل المؤسساتي، وانفضَّ الفنانون عنها بدلاً من التوجه إليها.

        قبل كل ذلك، ليس هناك تعريفٌ واضحٌ للفن والفنان في النقابة، ولا أسئلة أو محاولات لإعادة التعريف اليوم. من هو الفنان الذي تعترف به نقابة الفنانين؟ وعلى أي أُسس، وهل هذه الأسس ثابتة لا تتغير ولا تتطور مع تطور الفنون؟ وهل التعريفات الموجودة في أدبيات النقابة منذ السبعينيات ما زالت صالحة الآن؟ هل هناك محاولات لإعادة تعريفها، وهل ذلك ممكن في كل هذا الهرج الحاصل في النقابة؟ وما هو الفن الذي تغطيه النقابة؟ وما الذي تعنيه بالفن. الغناء والتمثيل والموسيقى فحسب؟ هل الفنون الأخرى غير مشمولة؟ هل يحتوي دستور النقابة على أي تعريف للفن البصري والفيجوال آرت مثلاً؟ كل هذه الأسئلة مُبهمة في عمل النقابة وفي أدبياتها. لذلك، النقابة ليست بحاجة إلى تغيير على مستوى إداري فقط، وكأنَّ بنيتها صحية وإدارتها هي الخَرِبَة، بل إن نقابة الفنانين السوريين بحاجة إلى تغيير جذري في بنيتها، لا إلى تغيير سطحي يطال القشرة فقط. اصطلاحُ الفن ذاته ملتبس في هذه النقابة، وهي النقابة الفنية الحكومية الوحيدة في العالم ربما، التي يقتصر فيها مفهوم الفن على التمثيل والغناء!

        «وضعُ مقترح لقانون جديد للنقابة، يضمن استقلالها السياسي ودورها كمنظمة مهنية مطلبية بالتعاون مع قانونيين وخبراء آخرين حسب الحاجة، وبالتشاور مع نقابات أخرى ممّا يُسهِّلُ التعاون بين النقابات المختلفة مستقبلاً». ربما يكون الكلام السابق هو الأهم في بيان أطلقه بعض الفنانين منذ أيام تحت عنوان خارطة طريق لإعادة هيكلة نقابة الفنانين، وهو ليس البيان الأول من نوعه، فكثيرة هي البيانات التي دعت إلى تغيير هيكلية النقابة، وكلها بقيت حبراً على ورق. المطلوب اليوم قبل أي شيء، هو إعادة كتابة قانون جديد للنقابة، ووضع معايير جديدة للانتساب والقبول، ووضع تعريفات معاصرة للفن والفنان، وقبل كل ذلك، وضع شبكة مؤسساتية تحمي الفنان وتساهم في خلق بيئات تشغيل له وتسعى إلى التشبيك مع المؤسسات الفنية والشركات المنتجة، بحيث تكون النقابة هي المرجع القانوني بين الفنان وبين الجهة أو المؤسسة التي يعمل معها. وطبعاً للوصول إلى ذلك، أو إلى أول الطريق على الأقل، فيجب أن تكون النقابة مستقلة تماماً عن أي جهة سلطوية أو (ثورية) تتحكّمُ بها وبقراراتها، وألّا تخضع إلى أي تبعية سياسية أو أمنية كما كان الحال على زمن المخلوع.

        أسئلة كثيرة وأجوبة معلقة

        إن وجود نقابة فنية مستقلة وشفافة سيُتيح  تنظيم العمل الفني بكل أجزائه وتفاصيله بشكل أفضل، ولأنّ هذا العمل مُتشعّب وله أنواع متنوعة، ولأنه لا مجال هنا لمقاربة تعريف الفن، المفهوم الأكثر ميوعة، فسوف نقف عند جانب واحد من جوانب عمل النقابة الفنية، وهو العمل التلفزيوني، ونحاول استطلاع تجارب العمل المؤسساتي لهذا النوع من الفنون؛ كيف انتظمَ سابقاً؟ وما هي إشارات حضوره الجديد بعد السقوط؟ وكيف ستتعامل النقابة مع سوق العمل الفني السوري؟ وما هو شكل الشراكات الجديد بين شركات الإنتاج الخاصة، ونقابة الفنانين؟

        بعد رفع العقوبات المؤقت، سيتاح المجال لدخول شركات إنتاج عربية وأجنبية، وظهور شركات إنتاج محلية جديدة (دراما إكس مثلاً)، وإعادة تدوير شركات إنتاج قديمة، وعودة بعض شركات الإنتاج السورية إلى الداخل. نعم لن تكون الأمور بهذه السرعة، وقد يحتاج الأمر إلى سنوات عدة، ويُفترَضُ أن تكون هذه السنوات هي المجال الزمني الذي ستتطور فيه النقابة وتصبح على قدر التعامل مع انفتاح السوق الإنتاجي إن حصل. فالقوانين الناظمة لعمل هذه الشراكات، وحدود الأجور الدنيا والتأمينات والبحث في أصول هذه الشركات، وغيرها من تفاصيل العمل، يجب أن تكون «بمرجعية» النقابة، بمعنى أن تعمل النقابة كوسيط قانوني ومَرجِعٍ بين الفنانين من جهة والشركات من جهة أخرى. أما أن تستمر النقابة بأسلوبها البيروقراطي وصراعاتها الدونكيشوتية، فإن ذلك يعني فوضى في الإنتاج وفي عمل الشركات وعقودها واستثماراتها.

        تجارب مُلهِمة لمرحلة جديدة

        يدور أبرز الأحاديث في وسط الإنتاج التلفزيوني السوري اليوم عن عودة قناة MBC بمشروع خاص بسوريا، كأن تطلق قناة MBC سوريا، أو تُفعِّلَ الإنتاج التلفزيوني السوري وتزيد من عدد المسلسلات المُنتَجة. ورغم أن كل ذلك ما زال مجرد إشاعات وتكهنات ظهرت مع الحماسة لرفع العقوبات والدور السعودي الإيجابي فيها، دون أن يظهر في أي تصريح من الشبكة إلى الآن، إلا أنّ هذه الأخبار تطرح سؤالا كبيراً: هل هناك بيئة نقابية ومهنية ناظمة في سوريا تستقبل عملاً ضخماً بمثابة العمل المباشر مع شبكة ترفيهية هي الأضخم والأكثر احترافية عربياً؟ وهل ستتمكن MBC أو غيرها من العمل في خضمّ فوضى الإنتاج التلفزيوني السوري؟

        وعلى ذكر MBC وعلاقتها مع سوريا، هناك تجربتان يمكن الرجوع إليهما عند الحديث عن محاولات تنظيم العمل التلفزيوني السوري، وضبط العلاقة بين الفنان/العامل والشركة المُشغِّلة. الأولى هي تجربة الممثلة السورية لورا أبو أسعد في دبلجة الأعمال التركية إلى العامية السورية. فمشروع الدبلجة الذي أطلقته لورا بالشراكة مع شركة سما للمُنتِج الراحل أديب خير، وبإنتاج وعرض MBC، تمكَّنَ خلال سنوات من تشكيل بيئة عمل تخضع لضوابط وقوانين ناظمة، تُحدَّدُ فيها الحدود الدنيا للأجور لكل العاملين، ما ساهم في خلق بيئة عمل فنية احترافية إلى حد ما في مجال الدوبلاج.

        أما التجربة الاحترافية الأحدث، فكانت تجربة عمل المُنتِجة السورية سارة دبوس، التي شكلت مع MBC أيضاً، وبرفقة فريقها الإنتاجي، بيئة عمل احترافية عبر بوابة الأعمال المُعرَّبة. إذ شكلت هذه الأعمال مساحة عمل وتشغيل للفنانين السوريين (ممثلين، كتاب، مدربين ممثلين، مهندسي ديكور…إلخ) ضمن ظرف إنتاجي احترافي وجدَ فيه الفنان السوري نفسه، المُمثِّلُ على وجه الخصوص، في شروط عمل منصفة ومضبوطة وعملية. وتمكنت دبوس عبر أعمال مختلفة وخلال سنوات، من وضع الممثل السوري واللبناني في ظرف العمل التلفزيوني التركي الاحترافي الخاضع للقوانين النقابية الضابطة في تركيا، وبذلك عرفَ الفنانون العمل في بيئة فيها حقوق وواجبات، وصناعة وإنتاج، بدلاً من العمل في بيئة لا حقوق فيها لهم ولا واجبات واضحة ولا عقود ناظمة تحميها النقابات والجمعيات الفنية.

        في عهد الأسد، لم ينتظم عمل شركات الإنتاج الخاصة بشروط نقابية واضحة، وكانت الفوضى هي الوسيط بين الفنان والشركة التي يعمل لها، وكانت شركات الإنتاج الخاصة (وكان لبعضها مشروع فني فعلاً) تجد نفسها تتعامل مع أفرع الأمن والضباط أكثر من تَعامُلها مع النقابات وغرف الصناعة والوزارات. ولم يتم خلال عقود إنشاء أي اتحاد للممثلين أو لكتاب السيناريو أو للمُنتِجين كما هو الحال في الإنتاج الاحترافي (الحالة النقابية المصرية مثلاً). لذلك نحن اليوم أمام لحظة صفرية، فإما إنتاج فني مُنتظَم بقوانين وحقوق ومؤسسات، وإما دورة جديدة من الفوضى المؤسساتية والنقابية.

موقع الجمهورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى