الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 05 حزيران 2025

متابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

————————–

تركيا وليس إسرائيل.. تحوّل استراتيجي في مقاربة واشنطن للملف السوري/ علي أسمر

2025.06.05

تشير المعطيات السياسية الأخيرة إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، بصدد إعادة رسم أولوياتها في الملف السوري، مع ميلٍ واضح نحو تعزيز دور تركيا كفاعل رئيسي في مستقبل سوريا الجديدة، على حساب الدور الإسرائيلي التقليدي، الذي ظل متقدماً لسنوات في هذا الملف من زاوية أمنية بحتة.

ويُعزز هذا التوجّه القرار الأميركي بتعيين السفير لدى أنقرة، توم باراك، مبعوثًا خاصًا إلى سوريا، في مؤشر واضح على اعتماد واشنطن على أنقرة في صياغة معادلة الاستقرار في سوريا ما بعد سقوط النظام السابق.

تحول محسوب في هندسة التوازنات

لم تعد سوريا، بعد سقوط النظام السابق وتشكيل الحكومة السورية الجديدة، ساحة صراع مفتوحة كما في السابق، بل بات الملف السوري اليوم في مرحلة جديدة تتطلب ترتيب أولويات واضحة وبناء شراكات فاعلة لإعادة بناء الدولة السورية.

في هذا السياق، ترى الإدارة الأميركية أن تركيا، بحكم موقعها الجغرافي وارتباطها الوثيق بالمجتمع السوري، وبقدرتها على التأثير داخل الأراضي السورية، هي الشريك الإقليمي الأكثر قدرة على لعب هذا الدور، في مقابل تراجع الدور الإسرائيلي الذي ظل لفترة طويلة يركّز على البُعد الأمني.

ومن هنا جاء اختيار واشنطن لأنقرة كشريك رئيسي في هذه المرحلة الدقيقة، وهو اختيار مدفوع بحسابات استراتيجية تتجاوز المصالح الآنية إلى رؤية بعيدة المدى لسوريا الجديدة.

من وجود طارئ إلى حضور استراتيجي

من المهم فهم التحوّل في المقاربة التركية نفسها تجاه الملف السوري. ففي بدايات التدخل التركي، كان الوجود العسكري في سوريا مدفوعًا بدوافع طارئة تتعلق بحماية الحدود، ومنع تمدد الميليشيات الانفصالية، ودرء تهديدات أمنية مباشرة.

لكن مع التطورات الأخيرة وسقوط النظام السابق، بات صانع القرار التركي ينظر إلى هذا الوجود بعين استراتيجية أوسع. هناك توجه تركي واضح اليوم لتحويل هذا الوجود العسكري إلى حضور طويل الأمد، يقوم على تأسيس قواعد عسكرية دائمة في مواقع مختارة، ليس لغرض الهيمنة، بل لضمان الاستقرار ومنع عودة الفوضى.

أنقرة تدرك أن استقرار سوريا لا يخدم فقط المصالح التركية، بل يُشكّل أيضًا عنصر توازن في وجه محاولات بعض الأطراف، وعلى رأسها إسرائيل، لإبقاء سوريا ساحة مفتوحة للتجاذبات الأمنية.

ضغط متزايد على “قسد”

وفي خطوة متكاملة مع هذا التوجّه، كشفت مصادر دبلوماسية مطّلعة أن واشنطن أبلغت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بما وُصف بأنه “مهلة أخيرة” للانضمام إلى “الجيش السوري الوطني”، في إطار مسار إعادة بناء مؤسسات الدولة.

تعكس هذه الخطوة رغبة أميركية واضحة في إنهاء حالة الانقسام العسكري، وإعادة توحيد البنية الأمنية والعسكرية لسوريا الجديدة، بما يحول دون استمرار الكيانات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة.

وتتماهى هذه الرؤية مع الموقف التركي، الذي طالما دعا إلى إنهاء مظاهر التفلت المسلح في شمالي وشرقي سوريا، ودمج القوى المحلية في الجيش الوطني السوري الموحّد.

تباين متزايد مع إسرائيل

في المقابل، بدأت ملامح تباين متزايد بين واشنطن وتل أبيب في مقاربة الملف السوري تظهر بشكل جليّ. فعلى الرغم من استمرار الدعم الأميركي العام لأمن إسرائيل، فإن المقاربة الأميركية الجديدة باتت تُعطي الأولوية لبناء شراكة استراتيجية مع تركيا في سوريا.

ويعود ذلك إلى إدراك الإدارة الأميركية أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، لم تُقدّم حتى اليوم تصورًا متكاملاً لبناء سوريا الجديدة، واقتصرت تحركاتها على منع التموضع الإيراني، من دون الانخراط في مشروع سياسي فعّال يُسهم في استقرار البلاد.

أما تركيا، فقد أثبتت امتلاكها أدوات التأثير السياسي والمجتمعي القادرة على الدفع نحو حلّ مستدام، وهو ما جعلها تحظى بثقة واشنطن في هذه المرحلة المفصلية.

سوريا الجديدة: مشروع بناء دولة لا مناطق نفوذ

الملف السوري، وفق الرؤية الأميركية الحالية، لم يعد مجرّد ملف “إدارة مناطق نفوذ”، بل أصبح مشروع “بناء دولة”. ومن هنا جاء الضغط على “قسد” للالتحاق بمؤسسات الدولة، إلى جانب التشجيع الأميركي على تمكين الحكومة السورية الجديدة من بسط سلطتها على كامل الأراضي السورية.

وفي هذا السياق، يبرز الدور التركي كعامل دعم رئيسي لهذا المسار، سواء من خلال التنسيق مع المعارضة السورية لإعادة إدماجها في الدولة، أو من خلال ضبط الحدود وتأمين الاستقرار في المناطق الشمالية، إلى جانب إنشاء قواعد عسكرية تركية مدروسة تهدف إلى دعم جهود الاستقرار الإقليمي.

هذه القواعد لا تُوجَّه ضد طرف بعينه، لكنها تعبّر عن توجه تركي واضح لخلق بيئة آمنة، تمنع الانفلات الأمني، وتضع حدودًا لأي محاولات لإجهاض مسار إعادة بناء الدولة، بما في ذلك المحاولات الإسرائيلية لإبقاء سوريا مسرحًا للفوضى المستمرة.

مرحلة جديدة في المقاربة الدولية

يمكن القول إننا أمام مرحلة جديدة بالكامل في مقاربة المجتمع الدولي للملف السوري. وفي هذه المرحلة، برزت تركيا كلاعب رئيسي موثوق به من قِبل واشنطن، في حين بدأ الدور الإسرائيلي يفقد بريقه تدريجيًا.

وفي ظل “المهلة الأخيرة” التي وضعتها واشنطن لـ”قسد”، والتوجه التركي نحو تحويل وجوده إلى شراكة استراتيجية تسهم في استقرار سوريا، يبدو أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد شكل سوريا القادمة.

——————————–

 فيدان: نقترب من حلّ ملف قسد وإعادة إعمار سوريا تتقدّم بخطى ثابتة

2025.06.04

أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن ملف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) يقترب من الحلّ عبر مسار سياسي وأمني متكامل، مشدداً على أن جهود إعادة الإعمار في سوريا تسير بخطى ثابتة، في ظل رفع العقوبات الدولية وتزايد التنسيق الإقليمي.

وقال فيدان إن سوريا، بعد نظام الأسد، تواجه “دماراً كاملاً وانقطاعاً عن العالم”، لافتاً إلى أن إعادة تأهيلها تتطلب “جهداً مهنياً ومنسقاً ومتعدّد الأطراف” على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، بحسب وكالة “الأناضول”.

وأضاف أن أنقرة شاركت في اجتماعات عديدة بشأن هذا الملف، بالتوازي مع لقاءات مع دول المنطقة والعالم.

ولفت إلى أن النشاط الدبلوماسي الذي يقوده الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يلعب دوراً محورياً في هذه العملية، مشيراً إلى أن رفع العقوبات بدأ يُثمر من خلال تحسّن في النظام المصرفي، وفتح مجالات للاستثمار وتطوير الخدمات الأساسية.

اقرأ أيضاً

543

ديلي صباح: الشركات التركية تترقب فرصاً استثمارية كبرى في سوريا بعد رفع العقوبات

كما تحدث عن إجراء مناقصة طاقة ضخمة مؤخراً، شاركت فيها شركات من تركيا وسوريا وقطر والولايات المتحدة، مما يعكس – بحسب تعبيره – بداية مرحلة جديدة من الانتعاش الاقتصادي.

وأضاف: “نتوقع في المرحلة المقبلة التركيز على إعادة الإعمار، وإنعاش البنية التحتية، وتأمين الخدمات الأساسية، مما سيسمح بعودة السوريين إلى بلادهم. وكلما عاد المزيد، انتعش الاقتصاد أكثر، ونأمل أن نعيش إلى جانب سوريا طبيعية يعود فيها الاستقرار”.

ملف “قسد”

وفي تعليقه على الاتفاق الموقّع في 10 آذار بين “قسد” والحكومة السورية، قال فيدان: “من الناحية الظاهرية، لم يحدث شيء كبير منذ الاتفاق، لكن خلف الكواليس تجري تطورات كثيرة”.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة ودمشق وأنقرة أصبحت أكثر تنسيقاً من ذي قبل، معتبراً أن تقارب الرؤى بين الأطراف الثلاثة قد يمهّد لحلّ سلس من دون أزمات، مضيفاً: “نأمل أن نجد طريقاً لتجاوز هذا البلاء بسلاسة، ونحن نسير في هذا الاتجاه”.

تنسيق إقليمي ضد “داعش”

وتحدث وزير الخارجية التركي عن انطلاق آلية إقليمية بين تركيا والعراق وسوريا والأردن ولبنان لمكافحة تنظيم داعش، مؤكداً: “بدأنا باتخاذ خطوات ملموسة”.

وأوضح أن لقاءات جرت في أنقرة بين وزيري خارجية الأردن وسوريا، وتم الاتفاق على تفعيل خلية الاستخبارات والعمليات، إلى جانب تشكيل فرق أمنية من الدول الثلاث، معتبراً ذلك تطوراً مهماً لأمن المنطقة.

وأشار فيدان إلى أن هناك أكثر من 40 ألف شخص في مخيمات تحت سيطرة “قسد”، ويتم التنسيق حالياً مع دمشق وبغداد لإخلائها، مع وجود مقترح أميركي مؤقت بأن تتولى الأمم المتحدة إدارة تلك المخيمات ريثما تُعاد السيطرة السورية عليها.

الموقف من القوات الأميركية

وفي ما يتعلّق بالوجود الأميركي في سوريا، أوضح فيدان أن “المشكلة لم تكن في وجود القوات الأميركية بحد ذاته، بل في دعمها لحزب العمال الكردستاني”، وأضاف: “نريد أن يتوقف هذا الدعم، فوقف التعاون مع هذه المجموعات هو أمر مهم جداً بالنسبة لتركيا”.

وأمس كشف مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة سحبت 500 جندي أميركي من سوريا، وأغلقت قاعدتين على الأقل، وسلمت قاعدة ثالثة لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، خلال الأسابيع القليلة الماضية.

والإثنين، كشف السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن توجه الولايات المتحدة لتقليص عدد قواعدها العسكرية في سوريا.

وأوضح باراك أنه “من 8 قواعد، سينتهي الأمر بقاعدة واحدة فقط”، في إشارة إلى رغبة الولايات المتحدة في تقليل انتشارها العسكري في سوريا.

——————————–

القضية الكردية: اختبار دمشق الأصعب في إعادة بناء الدولة السورية/ سلام حسن و عبد الله البشير

03 يونيو 2025

تبقى القضية الكردية بمثابة التحدي الأصعب في طريق استعادة السلطة المركزية في دمشق نفوذها على كامل الأراضي السورية، وظهرت بوادر مرونة من قبل دمشق تجاه هذا الملف الحساس من خلال اتفاق مباشر جرى في مارس/ آذار الماضي ما بين الرئيس السوري أحمد الشرع، مع قائد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، تضمن خريطة طريق لدمج المؤسسات العسكرية والمدنية في مناطق شمال شرق البلاد ضمن هيكلية الدولة المركزية قبل نهاية العام الجاري.

ولا يزال الطريق أمام هذه المفاوضات مليئًا بالعقبات، إذ تسيطر “قسد” وذراعها السياسية والإدارية المتمثلة في “الإدارة الذاتية” على نحو 33% من مساحة البلاد، تشمل كامل محافظة الحسكة والرقة مع أجزاء كبيرة من ريفها، وأجزاء من ريف دير الزور، بالإضافة إلى مناطق واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي. وعلى الرغم من أن القوات الكردية تمثل عماد هذه السيطرة، إلا أن شرعية تمثيل هذه الإدارة محل خلاف داخلي بين القوى الكردية السورية، رغم المؤتمر الذي وحّد رؤيتها السياسية في سورية، كما لا تعترف الحكومة السورية في دمشق بها وتعدها سلطة أمر واقع جاءت نتيجة تحالفها مع قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، خاصة في ظل غياب أي انتخابات حرة ونزيهة، شأنها شأن بقية المناطق السورية.

ورغم توقيع وثيقة وحدة الصف الكردي في مؤتمر القامشلي بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي يقود “قسد” ومجلس سورية الديمقراطية (مسد)، فإن الخلافات الفكرية والسياسية لا تزال قائمة، لا سيما فيما يتعلق برؤية كل طرف لمستقبل سورية وشكل الدولة والدستور، إذ يطالب المجلس الوطني الكردي بفيدرالية تضمن “حقوقًا كردية ما فوق دستورية”، ويرى نفسه معنيًا فقط بالمناطق ذات الغالبية الكردية، ما يصفه بـ”كردستان سورية”، من دون السعي لأي نفوذ في المناطق العربية مثل دير الزور والرقة، وهو ما يجعله أقرب في رؤيته إلى ما تسعى إليه الحكومة في دمشق.

في المقابل، تُصر “قسد” على الاحتفاظ بهيكليتها العسكرية ككتلة موحدة تحت إشراف وزارة الدفاع السورية ضمن منظومة مركزية، مع الحفاظ على استقلالية مؤسساتها الإدارية، خاصة تلك المعنية بإدارة الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والمعابر الحدودية. وترفض “قسد” ضم قوات “بيشمركة روج” التابعة للمجلس الوطني الكردي بشكل كتلة واحدة إلى مؤسساتها، رغم أن هذه القوات تضم حوالي سبعة آلاف مقاتل تلقوا تدريبات على أيدي التحالف الدولي، ولهم سجل قتالي في مواجهة تنظيم “داعش”، ويتمركزون حاليًا في إقليم كردستان العراق.

ما بين التنافس وانعدام الثقة

يرى الكاتب والمفكر السوري عمار ديوب أن انعدام الثقة هو السمة الأبرز للعلاقة بين “قسد” والحكومة السورية، إذ يقول لـ”العربي الجديد”: “لا تثق قسد بالحكومة السورية، كما أن الحكومة لا تملك ثقة حقيقية بها، وكل طرف يتعامل مع الآخر كتهديد مستتر”. ويضيف: “تحاول قسد تقديم نفسها كياناً سياسياً متماسكاً في مواجهة هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على الشمال الغربي، لتُظهر نفسها طرفاً قابلاً للشراكة، ويمتلك مؤسسات ومشروعًا وطنيًا، لا مجرد سلطة أمر واقع عسكرية”. لكن ديوب يلفت إلى أن هذه المقارنة ليست دقيقة من وجهة نظره، موضحًا: “الهيئة لا تتقبل وجود أي كيان آخر على قدم المساواة، لا كردي ولا عربي، بل تتعامل مع الجميع على أنهم أفراد بلا أي تمثيل حقيقي، ما يجعل مشروعها مختلفًا تمامًا عن مشروع قسد”.

ويتابع ديوب: “تحاول الإدارة الذاتية وقسد كسب شرعية خارجية عبر إبراز دورها المحوري في التحالف الدولي ضد داعش، خاصة أن السلطة في دمشق لم تحظَ بشرعية دولية مكتملة حتى الآن، فيما تبقى هيئة تحرير الشام مدرجة على لوائح الإرهاب”. ويشير إلى أن “قسد قد تبقى لاعبًا محوريًا في سورية بفعل الدعم الدولي، وقد تتمكن من فرض شروطها حتى على القيادة المدنية الجديدة في الشمال ممثلة بأحمد الشرع”. ويضيف: “الإدارة الذاتية، وقسد، وهيئة تحرير الشام، جميعها لا تؤمن بأن الانتخابات الحرة، سواء بلدية أو برلمانية، هي المسار الحقيقي نحو انتقال ديمقراطي”.

اللامركزية أسّاس الخلاف

أما الكاتب والمحلل السياسي الكردي عبد الحليم سليمان، المقيم في مناطق الإدارة الذاتية، فيقول لـ”العربي الجديد”: “الإشكالية الرئيسية تتمحور حول بنية الدولة، فبينما ترى قسد أن سورية يجب أن تكون دولة لا مركزية تسمح بوجود قوى حماية محلية مرتبطة بوزارة الدفاع، تُصر الحكومة السورية على الإبقاء على مركزية القرار وتوحيد كافة القوات تحت سلطة العاصمة”. ويشير سليمان إلى أن “هناك اتفاقًا مبدئيًا بين قسد وعدد من الأحزاب الكردية على مبدأ اللامركزية، ولكن الخلافات تكمن في التفاصيل، كطبيعة النظام السياسي المنشود، فبعض الأحزاب تميل إلى نموذج فدرالي برلماني، فيما تتجنب قسد الخوض في هذه التفاصيل وتعتبرها من اختصاص القوى السياسية لا العسكرية”.

وفي سياق متصل، يوضح سليمان أن “مسألة قبول التعددية لا تزال نقطة خلافية بين قسد ودمشق”، متسائلًا: “هل ستعترف سورية الجديدة بالتنوع القومي والإثني والديني، أم ستبقى دولة بطابع أحادي كما كانت؟”. ويضيف: “خلال السنوات الماضية، دار جدل واسع حول شكل الدولة وتوزيع السلطات، خاصة في مؤتمرات مثل مؤتمر الحوار الوطني والإعلان الدستوري، وهذه مسائل لا تزال دون حسم”. ويختم سليمان بالقول: “قسد لم تنشأ كقوة تمثل الأكراد فقط، بل كوّنت نفسها كقوة دفاعية لجميع مكونات المنطقة في خضم أحداث الثورة السورية، وهي تتبنى حلًا ديمقراطيًا يتقاطع مع رؤية معظم الأحزاب الكردية، بما فيها المجلس الوطني الكردي، الذي يطالب بحل عادل ومشاركة حقيقية للكرد ضمن دولة ديمقراطية تشاركية”.

وفي السياق، يرى رئيس حزب الوسط الكوردي، أحد أحزاب المجلس الوطني الكردي، شلال كدو، أن الخلافات بين المجلس والإدارة الذاتية تراجعت بعد مؤتمر 26 إبريل/ نيسان، الذي أسهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الكردية. ويقول لـ”العربي الجديد”: “في السابق، كان المجلس الوطني الكردي يطالب بفدرالية واضحة، في حين أن حزب الاتحاد الديمقراطي كان يتبنى خطابًا فضفاضًا وطوباويًا دون وضوح في ما يتعلق بالقضية السورية”.

ويضيف كدو: “لكن المؤتمر الأخير أسّس لرؤية موحدة نسبيًا، حيث جرى تبني وثيقة سياسية نالت موافقة إقليمية ودولية، وأصبحت مرجعية لجميع الأطراف. خرق هذه الوثيقة من أي طرف سيكون خرقًا للتفاهمات العامة التي بُنيت عليها”. ويختم كدو بتأكيد أن “القضية الكردية اليوم تحظى بتفاهم سياسي غير مسبوق بين الفاعلين الكرد، ضمن رؤية تطالب بحل عادل وشراكة فعلية في القرار السياسي السوري، من خلال دولة لا مركزية ديمقراطية تضمن تمثيل الجميع على أساس المساواة والحقوق”.

—————————–

خبز السوريين: سطوة الجفاف والهبات الخارجيّة ومناقصات الحكومة الجديدة!

مصعب الياسين – صحافي سوري

04.06.2025

لم تكن أراضي ريف إدلب الجنوبي الوحيدة التي أصابها الجفاف هذا العام، إذ حالها كحال الحقول في محافظات حماة، وإدلب، وحلب، وحمص، والرقة، وغيرها من المحافظات السورية، التي لم يعد أصحابها يأملون بموسم سخي، أو حتى موسم يعوّض لهم ما خسروه على الزراعة لهذا العام.

يفرك عبد القادر الراشد بيديه المتعبتين بعضًا من سنابل القمح من حقله في ريف إدلب الجنوبي للاطمئنان على نتاج المحصول، لكن هذا العام لا يقع في يدي الراشد إلا بعض الحبات العطشى، التي لم ترتوِ على مدار العام بماء السماء.

أثناء تجوّله بين سنابل القمح بالقرب من بلدة الهبيط جنوب إدلب، يقول المزارع الراشد لـ”درج”: “حال محصول القمح هذا العام بالنسبة لي كالطفل الرضيع الجائع وثديا أمه فارغان من الحليب، وهذا ما حصل معنا في هذا الموسم، حيث كنا نرى حقولنا عطشى ولم تحصل على كميات أمطار كافية، ولا نملك حيلة لريّها، بخاصة بعد سرقة ميليشيات النظام السابق تجهيزات آبار المياه وردمها وغياب الكهرباء عن المنطقة، عوامل ساهمت جميعها في تدهور المحصول هذا العام، الذي لا أتوقع أن تصل إنتاجيته إلى 10 في المئة مقارنة بالسنوات الماضية”.

لم تكن أراضي ريف إدلب الجنوبي الوحيدة التي أصابها الجفاف هذا العام، إذ حالها كحال الحقول في محافظات حماة، وإدلب، وحلب، وحمص، والرقة، وغيرها من المحافظات السورية، التي لم يعد أصحابها يأملون بموسم سخي، أو حتى موسم يعوّض لهم ما خسروه على الزراعة لهذا العام.

وفي بلدة كفرنبودة شمال غربي محافظة حماة، وجد المزارع حسين أبو محمد نفسه مضطرًا إلى ترك حقله المزروع بالقمح للأغنام، بعد تدهور حال النباتات بسبب انحباس الأمطار، وعجزه عن ريّ أرضه بسبب افتقاره الى الأموال اللازمة لذلك، لا سيما أنه عاد حديثًا إلى أرضه بعد موجة نزوح طويلة في المخيمات.

يقول حسين: “يومًا بعد آخر، كانت نباتات القمح تتراجع خضرتها حتى وصلت إلى اللون الأصفر في منتصف شهر نيسان/ أبريل، وبدت السنابل الفارغة أصلًا من الحب تتساقط على الأرض، وبالرغم من مكابرتي لأكثر من شهرين على حال حقل القمح، وحزني المتواصل عليه، لم أجد حلًا غير تأجير الحقل لرعاة الأغنام، علّي أستطيع شراء خبز لعائلتي التي كانت تنتظر محصول القمح لترميم منزلنا المدمّر بفعل براميل نظام الأسد البائد”.

الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر في سوريا

حذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) من أن الجفاف الحاد الذي تتعرض له سوريا في عام 2025 قد يؤدي إلى فشل ما يصل إلى 75 في المئة من محصول القمح المحلي، ما يهدد الأمن الغذائي لملايين السكان.

وقال توني إيتل، ممثل الفاو في سوريا، في تصريح نقلته وكالة “رويترز”، إن المنظمة تتوقع عجزاً غذائياً يُقدّر بـ2,7 مليون طن من القمح هذا العام، وهو ما يعادل الكمية اللازمة لإطعام نحو 16,3 مليون شخص لمدة عام كامل.

توقعات الفاو سبقها تصريحات وُصفت بـ”المخيفة” من الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب بخروج آلاف الهكتارات من المساحة المزروعة بالقمح في مجال إشراف الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب والبالغة 52541 هكتاراً، بسبب انحباس الأمطار خلال الموسم الزراعي الحالي فيما تعتبر منطقة سهل الغاب من السلل الزراعية الاستراتيجية في سوريا.

لم يكن انحباس الأمطار السبب الوحيد في تدهور محصول القمح، وإن كان هو الأكبر، بحسب الأستاذ عبد العزيز القاسم، المدير العام لهيئة تطوير الغاب.

وفي حديثه لـ”درج”، قال القاسم إن خروج سد أفاميا عن الخدمة بسبب سرقة قوات النظام السابق وميليشياته معداته وتجهيزاته، أدى إلى تدهور المخزون المائي في المنطقة، إضافة إلى ارتفاع أسعار تجهيزات الريّ من الآبار، وارتفاع أسعار الديزل، وتخريب قنوات الري وعدم صيانتها منذ فترة طويلة. هذه الأسباب اجتمعت هذا العام على محصول القمح، وأدت إلى تدهوره في المنطقة.

لا أرض ولا دار

عادت عائلة هزاع الهواري إلى سراقب بعد نزوح قسري عن أرضها لسنوات طويلة، والأمل يحدوها بزراعة الأرض حتى تتمكن الأسرة من ترميم منزلها من نتاج محصول القمح. ومنذ الأيام الأولى لتحرير المنطقة، وصل الهواري إلى أرضه، وعمل على تهيئتها وحراثتها وزراعتها بالقمح في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024.

يقول الهواري إن منزله مدمّر بنسبة 60 في المئة، ويضيف: “مع عودتي وعائلتي إلى المنطقة، أمضينا كل فصل الشتاء والبرد في غرفة تفتقر إلى الشبابيك والأبواب، استعَضْنا عنها ببعض البطانيات، وننتظر بفارغ الصبر محصول القمح حتى نشتري تجهيزات ومواد بناء للمنزل، لكن مع تأخر الأمطار وعجزنا عن ريّ القمح، تراجع المحصول بشكل مخيف أمام أعيننا، ولم نستفد منه بليرة واحدة، لا سيما أن مساحة حقلي تفوق الـ100 دونم”.

يضيف الهواري: “اضطررت إلى بيع 20 دونمًا من أرضي حتى نشتري الطعام والشراب وبعض أساسيات المعيشة. أما ترميم المنزل فلم يعد الهدف الرئيسي لنا، ولا أعلم إن كنت سأضطر إلى بيع المزيد من الأرض حتى العام المقبل لنبقى على قيد الحياة ولا نجوع فقط”.

موسم كارثي والحكومة تتحرك

بحسب الناشط في أبحاث المناخ والبيئة، المهندس أنس رحمون، فإن محصول القمح المزروع بعلًا يحتاج إلى كمية هطول مطري تزيد عن 235 ملم سنويًا، وكلما زاد الهطول زاد الإنتاج. أما الواقع الحالي، فيُظهر أن غالبية المناطق البعلية في سوريا لم تتجاوز كمية الهطولات المطرية فيها 250 ملم، وبالتالي خرجت مساحات القمح من الخدمة، وكان الموسم كارثيًا.

وبحسب مسؤول في وزارة الزراعة السورية، فإن توقعات الإنتاج للعام الحالي لا تغطي سوى 19 في المئة من احتياج السوريين من الخبز. وقد دفع التدهور الكبير في موسم القمح والجفاف المتفاقم في المنطقة الحكومة السورية إلى قبول شحنات من القمح العراقي لتغطية عجز إنتاج الخبز.

وفي حديث خاص لـ”درج”، قال مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في محافظة إدلب، الأستاذ ضياء العلي، إن منحة القمح المقدمة من العراق ساهمت في زيادة وزن ربطة الخبز في المحافظة، في حين تبلغ الكمية الإجمالية من التبرع العراقي 220 ألف طن تصل تباعًا إلى سوريا، وتُوزّع على المحافظات ليصار إلى توزيعها على المطاحن، ومن ثم المخابز.

وبالتوازي مع المنحة العراقية، قدّمت دولة قطر 734 طنًا من القمح إلى محافظة حمص، لسدّ حاجة المخابز في المحافظة، بحسب تصريحات مسؤولين لوسائل إعلام رسمية.

وقد كانت سوريا، حتى عام 2011، دولة مكتفية ذاتيًّا بل ومصدّرة للقمح، إذ بلغت المساحات المزروعة بالقمح عام 2007 نحو 1.7 مليون هكتار، بمعدل إنتاجي يزيد عن 4 ملايين طن.

خطوات حكومية تجاه القمح

منذ سقوط النظام اختلفت الأنباء عن القمح في سوريا، إذ وصلت شحنة روسية استثنائية لمرة واحدة، في حين أعلنت وزارة الزراعة أن تكلفة شراء القمح من المزارعين خلال عام 2025 بلغت نحو 1.2 تريليون ليرة سورية. وأضاف مدير عام المؤسسة العامة للحبوب في سوريا، حسن العثمان، أن التقديرات المتوقعة لمحصول القمح لهذا العام تبلغ أكثر من 750 ألف طن.

 مقارنة مع عام 2024 استوردت الحكومة كميات من القمح بلغت 1.400 مليون طن لسدّ الفجوة بين الإنتاج المحلي والحاجة الفعلية للاستهلاك، صرح حينها المدير العام لمؤسسة الحبوب السورية، سامي هليل: “لدى الحكومة كميات تكفي حتى حزيران/ يونيو 2024، والذي يبدأ معه موسم شراء المحصول المحليّ”.

النقص يتضح في  الحاجة للاستيراد التي نتلمسها في  طرح مناقصة دولية طلبت فيها الحكومة السورية الجديدة شراء 100 ألف طن، سبقتها أخرى بالكميّة ذاتها، في ما وصف بـ “أول عملية شراء كبرى في مناقصة دولية منذ وصول الإدارة الجديدة”. لكنْ يبدو أن هناك تكتيك آخر قد تتبناه الحكومة، إذ أشارت نشرة the syria report، على لسان مصدر من وزارة الزراعة، أن الوزارة أخذت بالاعتبار التخلي عن دعم زراعة القمح، والسبب حسب المصدر “أن القمح يستهلك المياه بشكل كثيف”، الكلام ذاته الذي نقلته رويترز، إذ أشار مصدر إلى “الحد من المزروعات التي تحتاج إلى الكثير من المياه”.

وأضاف جهاد يازجي، الصحافي والخبير الاقتصادي: “من المحتمل أن الحكومة لن تصرّح علنًا عن توقفها عن دعم القمح. بدلاً من ذلك، سيُباع المازوت بأسعار السوق (وقد بدأ ذلك فعلاً في 8 كانون الأول/ ديسمبر)؛ ومن المحتمل أيضًا أن تعرض الحكومة شراء المحصول بأسعار أقل من السوق؛ كما ستتوقف عن تمويل البنية التحتية وعن تقديم القروض”.

من جهتها، أعلنت الحكومة السورية، عبر وزارة الزراعة، عن تسعيرة القمح الذي ستشتريه من المزارعين للعام الحالي، إذ بلغ سعر الطن الواحد 420 دولارًا أميركيًا. وقال حسن عثمان، المدير العام لمؤسسة الحبوب، في تصريح لوسائل إعلام محلية: “إن المؤسسة بانتظار الموافقة الرسمية على التعرفة التي قدمتها للجهات الوصائية”، مشيرًا إلى أنها “قدمت اقتراحًا بخصوص تسعيرة القمح لهذا الموسم، والمقدرة بنحو 420 دولارًا للطن الواحد”.

التسعيرة المطروحة من الحكومة وصفها مزارعون بأنها مرضية ومشجعة على زراعة القمح خلال المواسم المقبلة، مطالبين في الوقت نفسه بإيجاد آلية لدعم ري القمح حتى لا يكون المزارع ضحية للجفاف وانحباس الأمطار، لا سيما في المناطق التي يمر بها نهر العاصي، الذي يُعد موردًا مائيًا مهمًا.

أبلغت الجمعيات الفلاحية في 4/6/2025 مزارعي سهل الغاب عن البدء بتسليم منحة مالية لدعم زراعة القمح على مجرى نهر العاصي حيث كانت الدفعة الأولى تقدر بحوالي 100 دولار أمريكي وهي دفعة أولى من عدة دفعات

الجدير بالذكر أن محصول القمح هذا العام في منطقة سهل الغاب لم يمر بسلام، إذ أدّت الحرائق التي اندلعت في المساحات الزراعية إلى تلف 184 دونمًا، بينها 145 دونمًا مزروعة بالقمح، وتوزعت هذه الحرائق في الحقول التابعة لأقسام السقيلبية، الزيارة، عين الكروم، وشطحة.

درج

—————————–

تركيا لإنهاء مشكلة دمج «قسد» بالتعاون مع دمشق وواشنطن

استبعدت سحب قواتها وتواصل المحادثات مع إسرائيل لتجنب الصدام في سوريا

أنقرة: سعيد عبد الرازق

4 يونيو 2025 م

أكدت تركيا أنها تعمل مع الحكومة السورية والولايات المتحدة على حل مشكلة تنفيذ اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الجيش السوري الجديد، لافتة إلى أنه ليس لديها خطط الآن لسحب قواتها من شمال سوريا.

وبينما تواترت تقارير عن لقاءات مباشرة بين تركيا و«قسد» بوساطة أميركية، لبحث تنفيذ الاتفاق مع دمشق على الاندماج في الجيش السوري، ونقل السيطرة على سجون ومخيمات عناصر تنظيم «داعش» وعائلاتهم إلى الحكومة السورية، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن بلاده تأمل في أن تجد طريقة لتنفيذ الاتفاق الموقع بين دمشق و«قسد»، في مارس (آذار) الماضي، بالتعاون مع الحكومة السورية والولايات المتحدة.

ولمح فيدان إلى مماطلة «قسد» في تنفيذ الاتفاق، وهو ما أشار إليه أيضاً الرئيس رجب طيب إردوغان الأسبوع الماضي، قائلاً: «حتى الآن، بعد الاتفاقية التي أبرموها في مارس، لم يحدث الكثير عملياً بمعنى آخر كل شيء واضح، لكن هناك الكثير خلف الكواليس».

وأضاف فيدان، في مقابلة تلفزيونية، ليل الثلاثاء – الأربعاء: «مع تعزيز وحدة وجهات النظر بين دمشق وأنقرة وواشنطن سنجد سبيلاً للتغلب على (هذا البلاء) دون أي مشاكل، نحن نسير نحو ذلك».

التنسيق ضد «داعش»

وعن آلية التنسيق الخماسية بين «تركيا والعراق وسوريا والأردن ولبنان» لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، التي اتفق على تشكيلها خلال اجتماع في عمان في مارس الماضي، قال فيدان إن وزيري الخارجية الأردني والسوري، أيمن الصفدي وأسعد الشيباني، زارا أنقرة الشهر الماضي، وتم اتخاذ قرار «جوهري» بأن «الهيئات العسكرية والاستخبارية ستشكل خلية المخابرات والعمليات».

وأضاف أنه تم تشكيل فرق من الأردن وسوريا وتركيا لمكافحة التنظيم، عادا إياها خطوة مهمة على صعيد الأمن الإقليمي. وشدد على ضرورة انتزاع ورقة مكافحة «داعش» من يد «وحدات حماية الشعب الكردية» (أكبر مكونات «قسد» والحليفة لأميركا في الحرب على «داعش») لمنعها من ابتزاز المجتمع الدولي.

اجتماع لوزراء خارجية تركيا والأردن وسوريا في أنقرة الشهر الماضي لبحث التنسيق ضد «داعش» (الخارجية التركية)

اجتماع لوزراء خارجية تركيا والأردن وسوريا في أنقرة الشهر الماضي لبحث التنسيق ضد «داعش» (الخارجية التركية)

وأوضح فيدان أن هذا يتطلب عملاً مكثفاً، مشيراً إلى أن هناك مسألتين في موضوع «داعش» هما: المخيمات التي يعيش فيها عائلات وأطفال أعضاء التنظيم الإرهابي، والسجون التي تسيطر عليها «قسد» في شمال شرقي سوريا، وأنهم يعملون على هاتين المسألتين.

وقال إن هناك أكثر من 40 ألف شخص في المخيمات، وإنهم يعملون على إخلائها مع الإدارتين العراقية والسورية، والموضوع مطروح من جانب الأمم المتحدة على جدول الأعمال، ولدى الأميركيين اقتراح يتعلق بإدارة المخيمات من قبلهم حتى إخلائها.

وأضاف فيدان: «هناك مسألة عودة المناطق التي تقع فيها هذه المخيمات إلى الإدارة السورية، وهناك دراسات جارية بشأن السجون، المهم الآن هو أنه إذا تم تشكيل فرق متخصصة بهذا الموضوع، تتكون من 3 إلى 4 دول، وإذا تم العمل على هذا الموضوع باستمرار وتوافرت الإرادة، فإننا سنصل إلى هدف محدد».

وعبر عن أمله في الوصول إلى نقطة ما من خلال العمل المنسق بين الأطراف، لا سيما الولايات المتحدة وسوريا وتركيا والعراق.

وعن آخر مستجدات انسحاب القوات الأميركية من سوريا، قال فيدان إن «مشكلتنا الرئيسية لم تكن متعلقة بالوجود الأميركي، فالولايات المتحدة موجودة في أماكن عديدة بالمنطقة، مشكلتنا الرئيسية كانت تعاون واشنطن مع (وحدات حماية الشعب الكردية – قسد) والدعم المقدم لها، نريد أن ينتهي هذا الدعم، كان من المهم لنا إنهاء هذا التعاون».

تعاون عسكري

في سياق متصل، قال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، إن تركيا تدرب وتُقدّم المشورة للقوات المسلحة السورية، وتُساعد في تحسين دفاعاتها، نافياً أن يكون لدى تركيا خطط فورية لسحب أو نقل قواتها المتمركزة في شمال سوريا.

وأكد غولر أن الأولوية العامة لتركيا في سوريا هي الحفاظ على سلامة أراضيها ووحدتها، والقضاء على الإرهاب، وأنها تدعم دمشق في هذه الجهود، مضيفاً: «بدأنا بتقديم خدمات التدريب والاستشارات العسكرية، مع اتخاذ خطوات لتعزيز القدرة الدفاعية لسوريا».

وتابع أنه من السابق لأوانه مناقشة إمكانية انسحاب أو نقل أكثر من 20 ألف جندي تركي في سوريا.

وأكدت تركيا مراراً أنها لا تفكر حالياً في مسألة الانسحاب، وأنها قد تعيد انتشار قواتها في سوريا، وذلك في ضوء مخاوف من عدم التزام «قسد» بتنفيذ الاتفاق مع دمشق، وعدم حل «وحدات حماية الشعب الكردية» وإخراج عناصرها الأجنبية من سوريا، وهو ما تعتبره مصدر تهديد أمنياً على حدودها الجنوبية.

وقال غولر إنه «لا يمكن إعادة تقييم هذا إلا عندما تحقق سوريا السلام والاستقرار، وعندما يزول خطر الإرهاب في المنطقة تماماً، وعندما يُضمن أمن حدودنا بالكامل، وعندما تتم العودة الكريمة للأشخاص الذين اضطروا إلى الفرار».

ووعدت تركيا بالمساعدة في إعادة إعمار سوريا المجاورة وتسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين من الحرب الأهلية، ولعبت دوراً بارزاً الشهر الماضي في رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا.

محادثات مع إسرائيل

لكن نفوذ تركيا الذي اتسع في ظل الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، أثار مخاوف إسرائيل، وهدد باندلاع مواجهة، أو ما هو أسوأ، بينهما في سوريا.

وفي هذا الصدد، قال غولر، في رده على أسئلة لوكالة «رويترز»، إن تركيا وإسرائيل تواصلان محادثات خفض التصعيد لتجنب وقوع حوادث عسكرية في البلاد؛ في إشارة إلى محادثات تتوسط فيها أذربيجان، التي استضافت منذ مارس الماضي وحتى الآن 3 جولات منها.

ووصف غولر المحادثات بأنها «اجتماعات على المستوى الفني لإنشاء آلية لفض النزاع لمنع الأحداث غير المرغوب فيها» أو الصراع المباشر، بالإضافة إلى «هيكل للتواصل والتنسيق».

وقال: «تستمر جهودنا لتشكيل هذا الخط وتشغيله بالكامل. ومع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن آلية فض النزاع ليست تطبيعاً».

الشرق الأوسط

———————–

البوصلة الكردية… صمّام الأمان السوري/ مها حسن

04 يونيو 2025

تكاد سورية اليوم تخرج كالعنقاء من وسط الدمار والخراب، محاولةً أن تصبح دولةً لديها مؤسّسات ونظام سياسي وعسكري ومواطنون آمنون. في هذه اللحظة السورية المعلّقة بين الركام والمجهول، وبين قوى الأمر الواقع والارتباطات الإقليمية والدولية، تظلّ البوصلة الكردية واحدة من القِبلات القليلة التي لم تنكسر، بل إنها اليوم، وسط هذا الغرق الجماعي، تشير إلى برٍّ محتمل، نحو وطن لم يولد بعد.

ليست البوصلة الكردية ناطقةً باسم مكوّن واحد، بل هي مشروع متكامل يعكس حرصاً على التنوّع، ورفضاً للعنجهية والانغلاق، فالتلوّن الكردي (سياسياً وإثنياً، ونسوياً) لم يكن أبداً أداة تمزيق، بل كان درعاً صلبةً لصيانة ما تبقّى من فسيفساء سورية المهدّدة بالتشظّي. منذ بدايات الثورة السورية، لم ينخرط الكرد في نزعات الثأر ولا الشعارات الانتقامية، بل سلكوا طريقاً ثالثاً، صعباً ودموياً أحياناً، لكنّه ثبت أنه الأكثر عقلانية على المدى البعيد. ومن هذا المنظور، أيّ رفض للكرد أو استبعاد لهم من المشهد السياسي، لن يكون مجرّد إقصاء، بل خيانة لمعنى الوطن المشترك. رفض البوصلة الكردية يقود المركب السوري نحو الغرق لا محالة. ولأننا نعيش في مناخٍ من التطبيع مع قوىً كانت حتى الأمس القريب تُصنّف إرهابيةً، فمن المشروع أن نُعيد التفكير في المعايير. تغاضى الغرب (على سبيل المثال) عن الماضي الجهادي لأبو محمد الجولاني، وفتح خطوطاً سياسية معه للتخلّص من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كما سبق وصنع الغرب أسامة بن لادن، الذي تحوّل أكبر خصم له، ها هو اليوم يختار الجولاني، الخبير بالبنية الجهادية والقتالية للتنظيمات التي تهدّد الغرب، لكنّه يتمتّع بعقلية حيوية واقعية، قادرة على التحوّل مشروعاً سياسياً، فيضع الغرب، مجدّداً، ثقته فيه، ويستدعي الشرع بوصفه الشخص القادر على “تنظيف” الساحة من المقاتلين المتشدّدين. لكن، هل يستطيع الشرع وحده القيام بهذه المهمة الصعبة؟… الإجابة بسيطة: يحتاج الشرع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي.

سورية اليوم أمام معضلة مستعصية؛ وجود آلاف المقاتلين الأجانب، إرهابيين أو تابعين لقوى إقليمية، موزّعين بين سجون “قسد” في الشرق ومواقع النظام والمليشيات في الغرب. وحده التعاون الحقيقي بين الطرفَين يمكن أن يؤدّي إلى حلّ جذري يُنهي الوجود غير السوري، ويُمهّد لقيام جيش وطني قوي غير عقائدي. وهنا، لا بد أن نتوقّف عند خطوةٍ محوريةٍ تغيّر مسار تفكير “قسد” وسلوكها، وهي قرار حزب العمّال الكردستاني حلّ نفسه، الأمر الذي لاقى ترحيباً من مظلوم عبدي، وأبدى استعداده وفتحه للحوار مع تركيا. وهذه ليست مجرّد أخبار هامشية، بل تحوّلات استراتيجية تحمل طموحاً إلى تجاوز العسكرة نحو السياسة، وتجاوز الحرب نحو السلام. إنها رغبة في إغلاق الجبهات لا فتحها، لبناء سورية من دون قتال، بسلاح لا يُشهَر إلا للدفاع عن السيادة. وفي خضم هذا المشهد السوري المتداخل، تبرز “البوصلة الكردية”، ليس حالةً محلّيةً معزولةً، بل مشروعاً سياسياً وأخلاقياً ناضجاً، يشكّل ركيزةً ممكنةً لإعادة بناء الوطن، فما الذي تحمله هذه البوصلة من ملامح؟ وما الذي يجعلها صمّام أمان حقيقي وسط انهيارات المعنى والانتماء؟

لا بدّ، أولاً، من احترام التنوّع بوصفه أساساً للوطن، لا تهديداً له، فالتجربة الكردية قامت، منذ بدايتها، على فكرة الاعتراف بالآخر، العربي والسرياني والآشوري والمسلم والمسيحي، جزءاً من النسيج المشترك. هذا التنوع الذي يتسم به المشهد الكردي، وتجربة الإدارة الذاتية، تؤمّن حمايةً تلقائيةً وإحساساً بالأمان للأقلّيات في سورية، وتمنعها من اللجوء إلى قوىً خارجيةٍ تحقّق لها الأمان. على سبيل المثال، جاء توقيع الاتفاق بين الشرع وعبدي في مارس/ آذار الماضي مترافقاً مع مجازر الساحل، التي أظهرت النظام في دمشق يبدو غير قادر على ضبط انتهاكات عناصر لا تأتمر بإمرته، وكان ذلك التوقيع بمثابة ورقة أمان لعلويّي الساحل الذين ناشدوا جيش “قسد” للتدخل. وبغضّ النظر عن استجابة المقاتلين الكرد، فإن وجود هذه القوى العسكرية والسياسية، الخالية تماماً من أيّ احتمالات عدائية تجاه الأقلّيات، فهي بذاتها تشكّل جزءاً من المكوّن الأقلّوي السوري ضمن المفهوم العام. لهذا يشكّل وجودها الرسمي (والاعتراف بها) بوصلةَ أمان لباقي المكوّنات السورية. وثانياً، ينبغي رفض عسكرة المجتمع، رغم قوة التشكيلات العسكرية، فالقوة هنا ليست أداة هيمنة، بل حماية، ولم تُستخدم لبناء إمارة أو فرض وصاية. حين تندمج القوى العسكرية للطرفَين، فهذا يعني إنهاء العسكرة القومية أو العرقية، وتنتصر مجدّداً فكرة الجيش السوري الواحد، البعيد عن الأدلجة الدينية أو الطائفية أو الإثنية. وهناك (ثالثاً) تمكين النساء في أدوار غير مسبوقة. إن وحدات حماية المرأة، ليست رمزاً للكفاح المسلّح فقط، بل هي إعادة تشكيل لصورة المرأة السورية المقاتلة القائدة المتكلمة باسم نفسها، إنها صورة تنسف نماذج الدعوات المتطرّفة التي جعلت من جسد المرأة أداةَ خوف أو عار، وتطرح بديلاً نسوياً شجاعاً يعيد تعريف الحرّية والكرامة.

رابعاً، خبرة ميدانية سياسية وعسكرية لا يمكن الاستهانة بها، فالكُرد لم يقاتلوا دفاعاً عن أرضهم فحسب، بل قاتلوا عن العالم كلّه حين هزموا “داعش”. وهناك (خامساً) رؤية لسورية خالية من المقاتلين الأجانب من الطرفَين، واستعادة الهُويَّة الوطنية المستقلّة. وأخيراً نموذج إداري مدني يقدّم مقترحاً جادّاً لسورية المستقبل، لامركزية علمانية تُبنى من الأسفل إلى الأعلى. ناهيك عن إعادة العلاقة مع تركيا على أسسٍ جديدة، خصوصاً بعد الحوار أخيراً مع مظلوم عبدي عبر محطّة شمس الفضائية، الذي أبدى فيه استعداده للتحاور مع تركيا، وكذلك على التخلّي عن اللباس العسكري والعودة إلى العمل السياسي في حال لم تعد هناك تهديدات تطاول المنطقة.

يمكننا أن نكون أمام حقبة متغيّرة تنقل سورية من الحرب الداخلية وتحميها من حروب أهلية محتملة عبر الترحيب والانفتاح على التجربة الكردية، بشقّيها السياسي والعسكري، والاستفادة منها لحماية سورية. وحده اعتراف دمشق بهذه البوصلة، وتحويلها جزءاً من قلب الدولة السورية، قد يمنع انهيار المركب، أمّا مواصلة الإنكار والتجاهل، فستقودنا إلى القاع الذي بدأنا نلمسه جميعاً.

العربي الجديد

———————————

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى