الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

كيف يقضي السوري ليلة كاملة أمام الشاشة بحثا عن موعد جواز سفر.. وتنتهي بلا شيء؟/ خالد حمزة

2025.06.04

ما يزال استخراج جواز السفر بالنسبة للسوريين المقيمين في الخارج مهمة شاقة تتجاوز إطارها الطبيعي كإجراء إداري روتيني، فمنذ اعتماد نظام حجز المواعيد الإلكتروني عبر المنصة الرقمية

، بات الوصول إلى موعد متاح لتجديد الجواز تحديا متكررا يواجهه الآلاف شهريًا، في ظل تعقيدات تقنية وغموض تنظيمي يحيط بآلية الحجز ومواعيد فتح الخدمة.

رغم وضوح الهدف—طلب خدمة رسمية مدفوعة بالدولار الأميركي—يواجه المواطن السوري عراقيل تقنية وتنظيمية تبدأ من آلية الحجز الغامضة، ولا تنتهي عند أداء الموقع الإلكتروني المتعثر، مرورا بمواعيد غير معلنة بدقة، واكتظاظ “رقمي” لا يتناسب مع طبيعة الخدمة.

فلماذا يعجز كثيرون عن تأمين موعد رسمي رغم محاولات تستمر لساعات وأيام؟ ولماذا تُحصر المواعيد بشهر واحد من دون إتاحة الحجز للأشهر التالية؟ وما الذي يبرر ظهور وسطاء وسماسرة قادرين على تأمين مواعيد مقابل مبالغ مالية، في وقت تعجز فيه المنصة الرسمية عن تلبية الطلبات؟

هنا يمكن دمج التجربة الفردية وعكسها كحالة عامة لما يواجهه آلاف السوريين المغتربين ممن يسعون لتجديد جوازات سفرهم عبر القنوات الرسمية، لا يتعلق الأمر فقط بمشكلة تقنية عابرة، بل بنمط متكرر من الانتظار غير المجدي، والانقطاع المتواصل في الخدمة، والتعامل مع منصّة تبدو وكأنها عاجزة عن أداء “وظيفة أساسية” يفترض أن تكون في صلب العمل القنصلي.

فمن خلال متابعة شخصية لمحاولة حجز موعد لدى القنصلية السورية في إسطنبول، تتضح مجموعة من الممارسات والإشكالات التي تعيد طرح أسئلة ملحّة حول فعالية النظام المعتمد، وشفافيته، ومدى ارتباطه بسماسرة المواعيد الذين باتوا يقدمون “حلولا” بديلة مقابل الدفع النقدي.

فيما يلي، أستعرض تجربة شخصية امتدت على مدار أسبوع كامل، حاولت خلالها بشكل متواصل حجز موعد لتجديد جواز السفر عبر المركز القنصلي الإلكتروني وهي المنصة الوحيدة المعتمدة لحجز دور لتسيير العديد من المعاملات القنصلية وعلى رأسها استخراج جواز السفر. وخلال هذه المحاولات، تواصلت مع الرقم الرسمي للمركز القنصلي بحثا عن إجابات بشأن عدم تمكني من حجز دور خلال الأيام الخمسة الأولى من المحاولات، فجاء الرد  “سريعا” برسالة تحوي رابطا  (رابط فقط من دون أي إشارة أو توضيح حول ماهيته) واكتشفت بالضغط عليه أن يحيل إلى منشور على صفحة في “فيسبوك”.

المنشور كان تنويها رسميا على صفحة “مركز خدمة المواطن الإلكتروني” في “فيسبوك” بتاريخ 23 أيار، أعلن فيه عن إيقاف مؤقت لخدمات موقع المكتب القنصلي الإلكتروني لمدة يومين بسبب “أعمال الترقية والتطوير”. وقد تم تعليق الخدمات بدءا من منتصف ليل يوم 23 أيار وحتى مساء السبت 24 أيار.

وجاء في الإعلان: “نحيطكم علماً بإيقاف خدمات موقع المكتب القنصلي الإلكتروني بدءاً من يوم 23/5/2025 الساعة الثانية عشرة ليلاً ولغاية يوم السبت 24/5/2025، بسبب أعمال الترقية والتطوير”.

ليلة كاملة من المحاولات.. وانتهت بفشل

ومع دخول مساء السبت (26 أيار 2025)، عدت لمحاولة الحجز على المنصة معتقدا أن مشكلات ربما الحجز ربما حُلّت، لكن المنصة كانت على حالها رغم انتهاء فترة “الصيانة” وعند الساعة 23.30 تقريبا لاحظت منشورا في مجموعة غير رسمية على “فيسبوك” تحمل اسم القنصلية السورية في إسطنبول، يفيد بأن المواعيد لشهر حزيران قد فُتحت (ولم يمض على نشر المنشور أكثر من 10 دقائق).

كان واضحا فعلا حصول تغيّر ملموس في استجابة المنصة عبر أداء بطيء إلى حد التعطّل، وصفحات تحتاج وقتا طويلاً للتحميل، وأحيانا لا تفتح إطلاقا، حتى عندما كانت الصفحة تفتح، كانت بعض الحقول الضرورية معطّلة، أو لا تظهر بشكل كامل.

استمرت محاولة حجز دور لاستخراج جواز السفر طوال الليل، بالتزامن مع متابعة التحديثات على مجموعة “فيسبوك”، ولاحظت أن غالبية المعلقين يعانون من المشكلة ذاتها؛ لا أحد قادر على الوصول إلى موعد.

جرّبت التبديل بين المتصفحات—من ” جوجل كروم” إلى المتصفح الأساسي للجهاز فربما تكون تجربة التصفح أفضل، كما تحققت من الاتصال بالإنترنت وكانت السرعة تتجاوز 200 ميغابت في الثانية، وجرّبت أيضا من هاتفي المحمول وفي كل مرة، كانت النتيجة واحدة: صفحات بطيئة، خانات غير مفعلة، ونظام لا يستجيب.

استمرت المحاولات حتى قرابة الساعة الخامسة صباحا وفي ذلك الوقت، بدا الموقع وكأنه عاد إلى وضعه الطبيعي: الصفحات أصبحت تفتح بسلاسة، وواجهة المستخدم أصبحت أسرع، لكن المفاجأة كانت أن جميع المواعيد قد اختفت—تم الحجز بالكامل. لم يكن هناك أي موعد متاح، حتى للحجز في الأشهر التالية.

دخلت مجددا إلى المجموعة، ووجدت أن غالبية المشاركين يؤكدون أنهم لم يتمكنوا من حجز أي موعد.

الغريب في النظام أنه لا يسمح بالحجز المسبق لأشهر تالية، ولا يحدد وقتا رسميا لفتح المواعيد، بل يُترك الأمر لاجتهاد المستخدمين الذين باتوا “يعسكرون” على الموقع في الأيام الأخيرة من كل شهر، خوفا من تفويت الفرصة. هذا الغياب الكامل للتوضيح أو الجدولة، يدفع السوريين إلى حالة من الترقب المستمر والتوتر في الأيام الأخيرة من كل شهر.

كيف تفاعل السوريون مع أداء المنصة؟

في منشور مركز خدمة المواطن الإلكتروني الذي أعلن عن توقف المنصة ليومي الجمعة والسبت بسبب “أعمال الترقية والتطوير”، حصل على مجموعة واسعة من التعليقات الغاضبة وأحيانا المحبطة والتي تكشف حجم الفجوة بين ما يعلن رسميا وما يعيشه السوري في الخارج.

بعض المستخدمين تساءلوا بشكل مباشر عن نتائج هذا التحديث التقني، فقال أحدهم: “أين التحديث؟ لا مواعيد ولا تغيير، وكأن شيئا لم يحدث”. في حين علّق آخر: “المنصة تشتغل طول اليوم وما في مواعيد، ولما تفتح، يا بتفشل تسجيل الدخول، يا بتطلعلك رسالة خطأ”، وهذا ما حصل فعلا خلال ساعات الضغط.

أحد المعلقين اتهم المنصة مباشرة بـ”النصب والاحتيال”، مشيرا إلى أن الحجز بات حكرا على السماسرة، ومطالبا بمحاسبة المسؤولين عن ذلك. وعلّق آخر: “ليش ما بتحطوا موعد وتاريخ محدد لفتح المواعيد؟ بدنا نضل 24 ساعة صاحيين؟”.

ولم تخلُ التعليقات من دعوات لإصلاح شامل، كما قال أحدهم: “نتمنى إعادة برمجة البوابة، وفصل المرتشين من السفارات، ومراقبة من يحتكرون المواعيد”.

أمّا فئة أخرى، فبدت أقرب إلى اليأس، معتبرة أن الحل الوحيد أصبح عبر “شراء” موعد، أو ببساطة، “عدم المحاولة من الأساس”، كما عبّر أحدهم باختصار: “نباعت المواعيد كلها، خلص الواحد لا يتعذّب”.

تواصلت التعليقات من المستخدمين، لكن النبرة لم تتغير كثيرا، بل ازدادت حدة في بعض الأحيان. فقد أشار البعض إلى أن الموقع “عاد للعمل ظاهريا”، لكنه عمليا لم يقدّم أي فائدة، إذ بمجرد اختيار خدمة إصدار جواز السفر تظهر رسالة: “لا يوجد موعد متاح للخدمة المختارة”. كما قال يوسف الراوي في تعليقه على منشور المنصة.

وعلّق حذيفة حافظ بغضب على سرعة نفاد المواعيد قائلاً: “لاقوا حل لمنصة تفتح ربع ساعة وتنتهي فيها كل المواعيد. إيمتى بدكن تشوفوا الشعب بشر؟”.

التعليقات لم تخلُ من مطالب مباشرة بإصلاح عميق في البنية الإدارية، إذ أعاد أحد المستخدمين نشر دعوة واضحة إلى “إعادة برمجة بوابة الحجز”، وفصل من وصفهم بـ”أزلام النظام البائد”، وتنظيف السفارات من “المرتشين والفاسدين”.

خدمة دولارية بنتائج مخيبة

فهل من المنطقي أن يتطلب حجز موعد لجواز سفر مدفوع بالدولار—بمبالغ تصل إلى 800 دولار للإصدار السريع، و300 دولار للإصدار العادي—سهرا طوال الليل، وتجريب عشرات المحاولات التقنية؟ ولماذا ينجح من يدفع للسماسرة في ما يعجز عنه النظام الرسمي؟

ما يزيد من حدة هذه المفارقة أن خدمة استخراج جواز السفر ليست مجانية أو مدعومة، بل تُعد من أكثر الخدمات الحكومية كلفةً على الإطلاق بالنسبة للسوريين في الخارج. فالدولة تقدم هذه الخدمة لقاء رسوم مرتفعة تدفع بالدولار الأميركي، حيث يبلغ رسم الجواز المستعجل 800 دولار، في حين يصل رسم الجواز العادي إلى 300 دولار، تدفع أيضا بالعملة “الصعبة”.

ولا بد من الإشارة إلى أنّ هذه الأرقام تعد من الأعلى عالميا مقارنة برسوم الجوازات في دول أخرى، حتى تلك التي تتمتع بأنظمة أكثر كفاءة وخدمات أكثر تنظيما.

ومع ذلك، ورغم التكلفة العالية، لا تقابل هذه الخدمة بمستوى مقبول من الجودة أو التنظيم أو الشفافية، الأمر الذي يثير تساؤلات جوهرية حول مبررات هذا التفاوت، وأين تذهب الموارد المحصّلة، ولماذا لا يستثمر جزء منها على الأقل في تطوير نظام إلكتروني فعّال يلبي احتياجات المواطنين بحدها الأدنى.

أسئلة مشروعة؟

في ضوء ما سبق، تبرز سلسلة من الأسئلة المشروعة التي لا تجد حتى الآن إجابة رسمية واضحة، رغم تكرار الشكاوى وتفاقم المعاناة. فهل ما نشهده هو ببساطة عجز تقني عن تطوير منصة إلكترونية تدار بكفاءة، أم أن هناك خللًا أعمق مرتبطا بسوء الإدارة أو ربما بتواطؤ يسمح باستمرار وجود سماسرة يتقاضون مبالغ مقابل مواعيد يفترض أن تكون مجانية على المنصة؟

وإذا كانت الدولة تتقاضى رسوما مرتفعة جدا لقاء إصدار الجواز—800 دولار للجواز المستعجل و300 دولار للجواز العادي—فما المبرر لعجز المنصة عن تلبية الطلب، ولماذا لا يستثمر جزء من هذه الموارد في تحسين البنية التحتية الرقمية؟

ما الذي يفسّر أن مواعيد الحجز تظهر بشكل غير منتظم، وتختفي خلال ساعات، في حين تظل متاحة عبر وسطاء مجهولين طول الشهر؟ وكيف تترك هذه الثغرات قائمة من دون محاسبة، رغم معرفتها الواسعة بين السوريين؟

هل من المقبول أن يقضي مواطن ليلة كاملة، من الحادية عشرة مساء وحتى السابعة صباحا، في محاولة لحجز موعد تنتهي بإعلان فشله؟

وإذا قرر هذا المواطن التوجه مباشرة إلى السفارة من دون موعد، فهل من المنطقي ألّا يقدَّم له أي نوع من الخدمة؟

الأمر لا يقتصر على قنصلية واحدة أو دولة واحدة، بل يمتد ليشمل معظم البعثات الدبلوماسية السورية حول العالم فالمنصة تقدم الخدم لجميع البعثات المعتمدة، فهل القضية معقدة فعلا إلى هذا الحد، أم هناك جهات ربما تستفيد من هذه الفوضى؟

تعيينات جديدة تفتح الأمل مجددا

وفي ضوء التعيينات الجديدة التي طالت إدارات أساسية في وزارة الخارجية السورية—ومنها الإدارة القنصلية، وإدارة شؤون المغتربين، وإدارة نظم المعلومات والتحول الرقمي—تُطرح تساؤلات مشروعة حول ما إذا كان هذا التغيير الإداري سيمهد لتحسين فعلي في جودة الخدمات المقدمة للسوريين في الخارج، وعلى رأسها خدمات إصدار الجوازات.

وقد عُيِّن محمد يعقوب العمر مديرًا للإدارة القنصلية، ومحمد عبد السلام مديرا لإدارة شؤون المغتربين، بينما تولّى عزو المحمد إدارة نظم المعلومات والتحول الرقمي، وهي الإدارات الثلاث الأكثر صلة بملف المنصة القنصلية وحجز المواعيد، الذي يشكل مصدر معاناة يومية للسوريين المغتربين.

فهل ستكون هذه التعيينات إيذانا بمرحلة أكثر تنظيما وشفافية؟ أم أن الإشكالات ستبقى قائمة كما هي، بانتظار إرادة حقيقية لمعالجة الخلل في العلاقة بين الدولة ومواطنيها في الخارج؟

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى