هل تنهي زيارة قصيرة إلى سوريا الحماية في ألمانيا؟/ مصطفى الدباس

05.06.2025
تتّجه السياسة الألمانية بشكل عامّ تدريجياً، خاصّة بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، نحو تشديد التعامل مع ملفّ اللاجئين السوريين، مع تصاعد الدعوات لتكثيف العودة الطوعية أو حتى الإلزامية، شرط توفّر ظروف آمنة في سوريا.
فتحت السلطات الألمانية في الآونة الأخيرة ملفّات عدد من اللاجئين السوريين الحاصلين على حماية مؤقتة، بعد أن تبيّن لها قيامهم بزيارة بلدهم الأصلي، ما يُعدّ وفق قانون اللجوء الألماني (AsylG) مؤشّراً على زوال أسباب الحماية.
وينصّ القانون على أن العودة إلى الوطن، حتى لو كانت قصيرة أو بغرض الإجازة، تُعدّ سبباً كافياً لمراجعة وضع اللجوء، إذ يفترَض قانوناً أن الشخص لم يعدْ معرّضاً للاضطهاد الذي استندت إليه الحماية. ويتيح القانون استثناءات محدودة لما يعرَف بـ”الأسباب الأخلاقية القهرية”، مثل وفاة قريب أو مرضه الشديد، إلا أن هذه الحالات تتطلّب موافقة مسبقة من سلطات الأجانب، وأي مخالفة قد تؤدّي إلى بدء إجراءات سحب الحماية.
وكثّفت السلطات الألمانية رقابتها على اللاجئين الذين قاموا بزيارات مؤقتة إلى بلدانهم الأصلية، في الفترة التي تلت سقوط النظام السوري (بين كانون الأول/ ديسمبر 2024 حتى آذار/ مارس 2025) في مخالفة واضحة لشروط الحماية. ووفقاً لتقرير “Tagesschau” الذي يُعرض على التلفزيون الرسمي الألماني، أعلن “المكتب الاتّحادي للهجرة واللاجئين” (BAMF) عن فتح أكثر من 2,000 إجراء مراجعة بحقّ لاجئين عادوا مؤقتاً إلى أوطانهم، من بينهم 734 حالة تتعلّق بسفر إلى سوريا، ما يجعلها ثاني أكثر بلد منشأ بعد العراق في هذا السياق.
وتندرج هذه المراجعات ضمن خطوات قانونية تهدف إلى التحقّق من استمرار الحاجة إلى الحماية، التي قد تُفضي إلى إلغاء الإقامة، ومع ذلك، لا تزال هذه الإجراءات في مراحلها الأوّلية، إذ يتطلّب الفصل في كلّ حالة وقتاً، إضافة إلى إمكانية الطعن القضائي من قِبل اللاجئين المعنيّين.
ولم تتّخذ حتى الآن قرارات جماعية بسحب الحماية من السوريين، الذين زاروا بلدهم خلال تلك الفترة، إذ أوضح متحدّث باسم المكتب “الاتّحادي للاجئين والمهاجرين” أن معالجة هذه الملفّات مؤجّلة مؤقتاً، ريثما يتمّ تقييم المشهد الأمني والسياسي في سوريا بشكل شامل.
لم تُسحَب صفة اللجوء من أحد
ولم تسجَّل حتى نهاية شهر نيسان/ أبريل 2025، أي حالات مؤكّدة لسحب صفة اللجوء بشكل نهائي نتيجة زيارة سوريا، غير أن التهديد القانوني ما يزال قائماً. فقد أكّدت وزارة الداخلية الألمانية السابقة، أن مستقبل الحماية الممنوحة للسوريين سيعتمد على تطوّرات الأوضاع في بلدهم، موضحة أنه في حال اعتُبرت سوريا آمنة ومستقرّة، فسيتمّ إلغاء الحماية لأولئك الذين لم يعودوا بحاجة إليها.
وكانت وزيرة الداخلية السابقة نانسي فيزر صرّحت بأن “المكتب الاتّحادي للهجرة واللاجئين”، سيراجع قرارات الحماية ويلغيها متى ما انتفت الحاجة إليها، نتيجة تحسّن الأوضاع في سوريا، إلا أن الحكومة الألمانية بشكل عامّ تتبنّى موقفًا حذراً.
مشروع “زيارة سوريا” مقترح يثير الجدل السياسي في ألمانيا
وسط تصاعد النقاش حول مستقبل الحماية الممنوحة للاجئين السوريين، طرحت وزارة الداخلية الألمانية بقيادة نانسي فيزر (SPD) مبادرة مثيرة للجدل، عُرفت إعلامياً باسم “مشروع زيارة سوريا” (Erkundungsreisen) ويقوم المقترح على منح السوريين الحاصلين على حماية مؤقتة في ألمانيا، فرصة استثنائية للقيام بزيارة قصيرة ومنظّمة إلى بلدهم بهدف “استطلاع الأوضاع” هناك، من دون أن يؤدّي ذلك تلقائياً إلى فقدان وضع الحماية.
ورأت الوزارة حينها أن الكثير من السوريين لا يستطيعون اتّخاذ قرار بالعودة النهائية إلى وطنهم، من دون التأكّد شخصياً من واقع مناطقهم، كمعرفة ما إذا كانت منازلهم لا تزال قائمة، والاطمئنان على أسرهم، ومدى استقرار البيئة الأمنية. لذلك، اقترح المشروع السماح بزيارة واحدة لمدّة تصل إلى أربعة أسابيع، أو بزيارتين لا تتجاوزان أسبوعين إجمالاً، بشرط الحصول على موافقة مسبقة من السلطات، وضمن ضوابط صارمة تحول دون اعتبار الزيارة دليلاً على زوال أسباب الحماية.
وجاء الهدف المعلن من المشروع باعتباره تهيئة الظروف لعودة طوعية مستندة إلى تقييم واقعي من قِبل اللاجئين أنفسهم، بما يتماشى مع السياسة الألمانية التي تفضّل حلولاً منظّمة ومستندة إلى قرار فردي مدروس.
الفكرة المغامرة!
وقوبل مقترح “زيارة سوريا” في بدايات طرحه، برفض شديد من قِبل حزبي الاتّحاد المسيحي (CDU /CSU) المعارضين آنذاك، اللذين اعتبراه مدخلاً خطيراً للتحايل على نظام اللجوء، ووصف السياسيون المحافظون المشروع بأنه يحوّل “رحلات استطلاع الأوضاع” إلى عطلات شخصيّة، ما يقوّض أسس الحماية القانونية.
ووصف وزير داخلية ولاية بايرن يواخيم هيرمان آنذاك، الذي ينتمي إلى الحزب “المسيحي الديموقراطي” (CSU) المقترح بـ”الفكرة المغامرة”، منتقداً منح اللاجئين حرّية تقرير العودة بأنفسهم، مؤكّداً أن تقييم الوضع في سوريا يجب أن يبقى من اختصاص السلطات الألمانية وحدها، كما حذّر من تسهيل إساءة استخدام هذا النظام، وكأن العودة المؤقتة تصبح وسيلة لاختيار بلد الإقامة حسب الرغبة.
من جهته، شدّد تورستن فراي السكرتير التنفيذي السابق لكتلة الاتّحاد في البوندستاغ (البرلمان الاتّحادي) على أن تقييم الأوضاع الأمنية يجب أن يتمّ حصرياً من قِبل وزارتي الخارجية والداخلية، وليس بناءً على قرارات فردية من اللاجئين. هذا الموقف تعزّز بتصريحات رئيس الحزب فريدريش ميرتس آنذاك والمستشار الألماني الحالي، الذي قال عقب سقوط النظام السوري البائد إن “من لا يعمل ولا يساهم في المجتمع، فالكثير منهم يمكنهم ويجب عليهم العودة”، في إشارة واضحة إلى ربط مستقبل الإقامة في ألمانيا بالاندماج الاقتصادي.
إلا أن وصول ميرتس نفسه إلى المستشارية بعد فوز الاتّحاد المسيحي في الانتخابات العامّة، وتشكيله ائتلافاً حكومياً مع الحزب “الاشتراكي الديمقراطي”، غيّر المشهد، فقد بدأت الحكومة بالفعل بأخذ فكرة الزيارة على محمل الجدّ، وقد تخصَّص هذه الزيارات لأغراض محدّدة، مثل الاطمئنان على أفراد الأسرة أو التحقّق من سلامة الممتلكات، وتخضع لمراقبة صارمة لضمان عدم إساءة استخدامها.
ويعكس هذا التحوّل محاولة لتحقيق توازن دقيق بين تشجيع العودة الطوعية والمحافظة على النظام القانوني، ضمن رؤية جديدة تأخذ في الاعتبار المتغيّرات السياسية والأمنية في سوريا، من دون المساس بمسؤولية الدولة في حماية نظام اللجوء.
– صحافي سوري مقيم في برلين
درج