الشرع و المقاتلين الأجانب و داعش تحديث 09 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
الشرع و المقاتلين الأجانب و داعش
——————————
“سورية الجديدة” وخرائط الشرعية السياسية/ محمد أبو رمان
08 يونيو 2025
بانضمام 3500 مقاتل من الحزب الإسلامي التركستاني (الأيغور الصينيين) إلى الجيش السوري الجديد، بمباركة أميركية وغربية، فإنّ إحدى أكبر العقبات والعقد التي كانت تقف في وجه النظام السوري الجديد، وكانت مطلباً رسمياً أميركياً وغربياً وعربياً، انتهت.
تبدو الطريق معبّدة أكثر من أيّ وقت مضى لاستكمال الشرعية السياسية الدولية للنظام الجديد في سورية، مع تجميد العقوبات ورفعها عن الدولة، ورفع أسماء قيادات هيئات تحرير الشام عن قوائم الإرهاب، وعن تجميد الأموال، وأغلب القيود التي جعلت سورية فترة طويلة تحت طائلة العقوبات الاقتصادية التي أضرّت بصورة كبيرة بالاقتصاد السوري.
لكن لماذا غيّرت أميركا موقفها من إدماج الأيغور في الجيش السوري؛ بخاصة أنّ هذه القضية، كما ذكرت أوساط دبلوماسية عربية، كانت “عقدة كبيرة” في مفاوضات الغرف السريّة بين دمشق وواشنطن وعواصم غربية وعربية؟
نقطة التحول المفصلية انفكاك السياسة الأميركية تجاه سورية من المنظور الإسرائيلي – اللوبي الصهيوني إلى المنظور التركي – السعودي (والأردني والقطري)، والتحرّر من رؤية بنيامين نتنياهو والتيار اليميني الإسرائيلي، الذي لم يكن يريد إلّا سورية مقسّمة وضعيفة ومجزّأة، وبالمناسبة لن ييأس من وضع التصورات والسياسات التي تحقق هذه الرؤية.
المتغيّر الثاني إدراك المسؤولين والسياسيين الأميركيين والغربيين والعرب كذلك أنّ مسألة الأيغور الصينيين بالنسبة للرئيس أحمد الشرع شخصياً كانت خطّاً أحمر، كما يؤكّد دبلوماسيون عرب شاركوا في النقاشات، إذ بالرغم من الضغوط الشديدة عليه، أصرّ على أنّه لن يتمكن من التخلي عنهم، بعد ما قدّموه من أدوار مهمة وأساسية في حماية إدلب في مرحلة حسّاسة، وفي إسقاط النظام السوري، فضلاً عن أنّ تخليه عنهم سيُضعف مصداقيته وسمعته في أوساط أبناء هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة السورية المسلّحة التي وقفت معه في المرحلة الماضية.
على الجهة المقابلة، لم تكن هنالك أيّ جهة دولية مستعدة لاستقبال هؤلاء المقاتلين، والذهاب نحو نموذج البوسنة في تخيير المقاتلين الأجانب بين الحياة المدنية ومغادرة البلاد أو “مدْننتهم”، كما يرى حسن جابر، (الباحث في معهد السياسة والمجتمع المتخصص بالشأن السوري) فيه مخاطرة كبيرة باستقطابهم من خلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يحاول استثمار الفرصة الحالية في سورية لإعادة بناء عملياته وتدشينها في مواجهة النظام السوري الجديد، ما قد يسهّل عملية استقطابهم، بخاصة أنّهم ينتمون إلى الحركة الجهادية العالمية، التي يمثّل “داعش” اليوم العمود الفقري الرئيس فيها، بعدما أصبح تنظيم القاعدة أشبه بالشبح العاجز، بخاصة بعد مقتل أيمن الظواهري وانقلاب حركة طالبان عليه.
لن ينهي حل مشكلة الأيغور كل الملفات العالقة في الحالة الداخلية، فهناك مسائل أخرى عديدة، أهمها ما يتعلّق بالاندماج الداخلي واستكمال حلقات الشرعية الدستورية والسياسية والتوافق على قواعد اللعبة السياسية الجديدة في البلاد، ومدى التوافق على تعزيز نموذج ديمقراطي – تعدّدي، يأخذ بالاعتبار الاختلافات والتنوعات الإثنية والدينية والطائفية، وهي مسائل تتطلب حواراً عميقاً وخطوات متدرّجة، لكن انزياح العقوبات الخارجية والانفتاح الاقتصادي للنظام الجديد، وتحوّل العامل الخارجي (بنسبة كبيرة جداً) إلى متغيّر مساعد ومساند للعملية السياسية الجديدة، هذه جميعاً بمثابة قوة دفع هائلة ومهمّة حصل عليها الشرع وحكومته لاستكمال عملية الانتقال المطلوبة.
من الضروري أن يتأسس فهم المرحلة السورية من الضروري على إدراك أنّ سقوط بشّار الأسد لم يكن بمثابة سقوط نظام واستبداله بآخر جديد، بل اكتشف الجميع أنّه لم يكن هنالك نظام أصلاً، ورثوا خراباً حقيقياً؛ إدارة بيروقراطية متضخّمة، بلا أيّ فعالية، آليات عمل ما تزال محكومة بمنطق عفا عليه الزمن، ومستوى بطالة كبير ومرعب، وما يقارب 90% من السكان تحت خط الفقر، بنية تحتية مدمّرة، وخدمات فاشلة، وأكثر من مليوني طالب خارج التعليم، وأنظمة تعليم مختلفة، بحسب السلطة والإقليم، بلا جيش وبلا أمن، مع ملايين السوريين المهجّرين إلى الخارج؛.. فجوهر المهمّة المطلوبة في المرحلة المقبلة يتجاوز مفهوم الانتقال السياسي من نظام سلطوي إلى نظام جديد، بل هو إعادة بناء دولة “من تحت الصفر”.
العربي الجديد
—————————–
لماذا غيرت الولايات المتحدة موقفها من المقاتلين الأجانب في سوريا؟/ باسل المحمد
2025.06.08
في لحظة بدت وكأنها تعكس تحولاً عميقاً في استراتيجية واشنطن تجاه الملف السوري، كشف مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا، توماس باراك عن وجود تفاهمات بين الولايات المتحدة والحكومة السورية الجديدة، بشأن خطة تسمح بانضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي – معظمهم من الإيغور القادمين من الصين والدول المجاورة – إلى الفرقة 84 في الجيش السوري المشكل حديثاً.
شكلت هذه التصريحات التي نقلتها وكالة رويترز مفاجأة سياسية، خاصة أن واشنطن كانت قد ربطت – وبشكل حازم – الاعتراف بشرعية حكومة الرئيس أحمد الشرع ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا بخروج هؤلاء المقاتلين من البلاد.
هذا التحول الأميركي لا يمكن قراءته كخطوة منفردة أو عابرة، بل يندرج ضمن إعادة تموضع واضحة في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا الجديدة، قد تكون مدفوعة بمتغيرات ميدانية، أو بتفاهمات غير معلنة مع أطراف إقليمية. فهل تخلت واشنطن عن شروطها مقابل استقرار مؤقت؟ أم أن انخراط المقاتلين الأجانب في مؤسسات الدولة الجديدة هو جزء من مقاربة أكثر براغماتية لاحتواء نفوذ قوى أخرى كروسيا والصين؟
واقعية أميركية جديدة.. الاستقرار أولاً
يبدو واضحا من خلال تعامل إدارة ترامب مع الملف السوري، أن سياسة واشنطن الجديدة تجاه سوريا تعتمد على مقاربة تقوم على دعم الاستقرار ومنع الفوضى الأمنية، بحيث لا تشكل سوريا أي خطر أو تهديد إقليمي أو دولي، ولو تطلب ذلك بحسب مراقبين التغاضي عن بعض الشروط السابقة، بل وحتى الانخراط في ترتيبات محلية لا تنسجم كليا مع المعايير الأميركية التقليدية.
وتتماشى هذه المقاربة أيضاً مع ما ورد في تقرير حديث لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي أكد أن: أهم ما يمكن أن تفعله واشنطن في سوريا حالياً هو دعم أي ترتيبات تؤدي إلى بسط الأمن المحلي ومنع الفوضى، حتى لو كانت غير مكتملة من حيث المعايير الديمقراطية”.
هذه الرغبة باستقرار الأوضاع في سوريا كانت واضحة جداً في التصريحات الأميركية التي رافقت رفع العقوبات، إذ أوضح ترامب في سياق حديثه خلال زيارته للسعودية أن ” هناك حكومة جديدة في سوريا نأمل أن تنجح بتحقيق الاستقرار”، إذ بدا واضحا من خلال تصريحات ترامب ولقائه مع الرئيس الشرع في الرياض أن واشنطن قد حسمت أمرها واختارت نهج التعاون مع الحكم الجديد في سوريا لتعطيه “فرصة للنمو”، وفق تعبير ترامب.
بدوره قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمام جلسة استماع في مجلس الشيوخ في 20 مايو/ أيار إن رفع العقوبات سيساعد سوريا في منع حرب أهلية شاملة وفوضى.
من هنا يمكن فهم التحول الأميركي حيال التعامل مع المقاتلين الأجانب ليس كتنازل سياسي، بل كجزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تثبيت الحد الأدنى من النظام والانضباط داخل سوريا، وتحويلها من ساحة مفتوحة للصراع إلى دولة قابلة للتعامل السياسي والاقتصادي.
سوريا ودبلوماسية التطمين والتهدئة
في مواجهة التوجّس الدولي من ملف المقاتلين الأجانب، سعت الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع إلى نزع فتيل المخاوف الدولية عبر تبنّي خطاب هادئ وتطميني، يبرز استعدادها لضبط هذا الملف ضمن إطار الدولة لا خارجه.
وقد جاءت هذه الرسائل – المعلنة والضمنية – في أكثر من مناسبة سياسية وأمنية، سواء من خلال بيانات وزارة الدفاع السورية أو عبر لقاءات رسمية مع وفود دولية. فخلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع الرئيس الفرنسي ماكرون أوضح الرئيس أحمد الشرع أن الحكومة السورية تضمن لجميع دول العالم، أن المقاتلين الأجانب الذين بقوا في سوريا لن يشكلوا خطرا على أي من الدول المجاورة، ولن يُلحقوا الضرر ببلدانهم التي جاؤوا منها.
وفي هذا السياق يشير الباحث في الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية أن التحول الأميركي الأخير في التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب في سوريا لا يمكن فصله عن البراغماتية المتبادلة بين واشنطن والحكومة السورية الجديدة، فدمشق – عبر رسائل طمأنة مدروسة وسلوك ميداني منضبط – نجحت في بناء قدر من الثقة مع الإدارة الأميركية.
ويضيف هنية في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن واشنطن باتت ترى في الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع شريكًا أكثر واقعية واستقرارًا، خاصة في ظل التوافق الإقليمي المتزايد على دعمها. ومن هنا، لم يعد شرط طرد المقاتلين الأجانب أولوية أميركية.
وفي تصريح للإخبارية السورية في منتصف أيار الماضي أكد وزير الدفاع مرهف أبو قصرة أن الوزارة تعمل على ضبط كل الجهات العسكرية تحت وزارة الدفاع حتى يأتمر الجميع بأمر الوزارة كقوات عسكرية”، مضيفاً “لن نسمح لأي تجمع عسكري أن يكون خارج سلطة وزارة الدفاع”.
وكان الرئيس الشرع قد ألمح سابقا خلال مقابلة أجرتها صحيفة نيويورك تايمز في نيسان الماضي، إلى أن حكومته قد تمنح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين عاشوا سنوات طويلة في سوريا و”ثبتوا إلى جانب الثورة” على حد قوله، إلّا أن هذا الطرح يثير مخاوف لدى عدد من الدول الغربية، التي تخشى من أن تتحول سوريا ملاذاً للمتطرفين، لكن الشرع سعى إلى طمأنتهم وفق الصحيفة، مؤكداً التزامه بمنع استخدام الأراضي السورية لتهديد أي دولة أخرى.
المقاتلون الإيغور.. بين الدمج والتطرف
لم يكن أمام الحكومة السورية الجديدة هامش كبير للمناورة في التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب، خصوصاً في ظل هشاشة المرحلة الانتقالية وخطورة ترك هذه القوى دون أفق واضح. فاستبعادهم أو ترحيلهم بالقوة لن يكن مجرد قرار سياسي صعبـ بحسب مراقبين ـ بل مخاطرة أمنية حقيقية قد تفتح الباب أمام عودة كثيرين منهم إلى أحضان تنظيمات جهادية عابرة للحدود.
وكان مصدران مقربان من وزارة الدفاع السورية قالا لوكالة رويترز إن الشرع والمقربين منه حاولوا إقناع مفاوضين غربيين بأن ضم مقاتلين أجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة من التخلي عنهم، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانضمام مجددا لتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة.
وفي هذا السياق يوضح الباحث حسن أبو هنية أن دمشق نجحت في إقناع واشنطن والعواصم الأوروبية بأن المرحلة تتطلب “حلولاً واقعية لا مثالية”، قائلاً: “أوضحت الحكومة السورية أنها أما احتمالين؛ إما أن تدمج هذه القوة ضمن وزارة الدفاع وتخضعها للقوانين السورية، أو أن تستجيب للضغوط بإخراجهم، فتدفعهم بذلك نحو التطرف، والانضمام إلى صفوف “داعش” أو “القاعدة”.
ومن الطبيعي في هذه الحالة ـ يتابع هنيةـ أن يعودوا للقتال في صفوف تنظيم داعش أو القاعدة أو حراس الدين. لهذا كان خيار الدمج هو الأكثر عقلانية، وهو ما أقنع واشنطن وحلفاءها بخفض سقف الشروط والتعامل بمرونة مع هذا الملف.
وفي خطوة فعلية في هذا الاتجاه قرر الحزب الإسلامي التركستاني، المؤلف في غالبية أفراده من الإيغور الصينيين حل الحزب والانضمام إلى وزارة الدفاع وفق شروطها. وقال عثمان بوغرا، وهو مسؤول سياسي في الحزب الإسلامي التركستاني، لرويترز في بيان مكتوب، إن الجماعة حلّت نفسها رسميا واندمجت في الجيش السوري، وأضاف أن الجماعة تعمل حاليا بالكامل تحت سلطة وزارة الدفاع، وتلتزم بالسياسات المتبعة في البلاد، وتحافظ على عدم الارتباط بأي كيانات أو جماعات خارجية.
ما علاقة الصين؟
لم يكن التحول الأميركي تجاه ملف المقاتلين الأجانب في سوريا نابعاً فقط من ضرورات محلية تتعلق بالمرحلة الانتقالية، بل عكس أيضاً موازين صراع أوسع بين القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين. إذ بات واضحاً أن واشنطن لا تنظر إلى الإيغور الموجودين في سوريا بوصفهم تهديدًا إرهابيًا صرفًا، بل ورقة جيوسياسية تستخدمها في مواجهة تمدد بكين ونفوذها الإقليمي والدولي.
ومن بين آلاف المقاتلين الأجانب الذين يُتوقع دمجهم في الفرقة 84 التابعة للجيش السوري الجديد، تنتمي النسبة الأكبر إلى “الحزب الإسلامي التركستاني”، وهو تنظيم جهادي إيغوري تعتبره الصين تهديدًا مباشرًا، في حين أزالت الولايات المتحدة اسمه من قوائم الإرهاب في عام 2020، في خطوة أثارت حينها الكثير من الجدل حول دوافعها السياسية.
ويؤكد الباحث في معهد كارنيغي، مهند الحاج علي، أن ملف المقاتلين الإيغور لا يمكن فصله عن التوتر الاستراتيجي المتصاعد بين واشنطن وبكين. فبحسب رأيه، تحظى قضية الإيغور باهتمام أميركي خاص، خصوصاً مع تركيز واشنطن المستمر على “الانتهاكات التي ترتكبها الصين ضد هذه الأقلية، ومساعيها لتغيير البنية الإثنية في إقليم شينجيانغ”.
ويرى الحاج علي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن “هذا التحول يعكس رغبة أميركية في استثمار وجود الحزب التركستاني كورقة ضغط في مواجهة نفوذ الصين. فبدلاً من مطالبة الحكومة السورية الجديدة بطرد هؤلاء المقاتلين، يبدو أن واشنطن فضّلت القبول بدمجهم في الجيش الجديد، لاعتبارات عديدة منها أن وجودهم في الجيش يمنح الولايات المتحدة فرصة لتوظيف هذا الملف ضمن معادلة تنافسها الاستراتيجي مع بكين”.
وبحسب تقرير صادر عن مجلة “فورين بوليسي” الأميركية فقد وصل آلاف الإيغور إلى سوريا عام 2012 قادمين من الصين عبر تركيا، وتقدر أعدادهم اليوم بنحو 15 ألف شخص، بينهم خمسة آلاف مقاتل، يتركزون في إدلب ومحيط جسر الشغور. ويطلق عليهم السوريون اسم “التركستان”، وقد أسسوا مدارس ومشاريع صغيرة من مطاعم ومحطات وقود، كما التحق المئات منهم بجامعة إدلب مجانًا، شأنهم شأن الطلاب السوريين.
تلفزيون سوريا
—————————————–
تجربة المقاتلين الأجانب في البوسنة/ حسام جزماتي
2025.06.09
في حين تحفل المكتبة الجهادية بالمذكرات الأفغانية فإن تجارب أخرى بقيت في الظل إلى هذه الدرجة أو تلك. ولعل من أقلها توثيقاً مشاركة متطوعين عرب، وقليل من سواهم، في القتال في صف البوسنيين إبان الحرب التي دارت هناك بين عامي 1992 و1995، إثر إعلان جمهورية البوسنة والهرسك استقلالها.
لكن جهادياً مصرياً، هو أحمد حازم، يروي هذه القصة بتفصيل كاف في جزء كبير من كتاب أشمل ألفه بعنوان «تجلية الراية».
في البداية يرصد حازم تزامن إعلان الاستقلال وبدء الحرب مع خيبة الجهاديين العرب بتجربة أفغانستان وقتئذ، بعد انسحاب القوات السوفييتية الغازية وانهيار حلفائها وبدء قتال الإخوة من فصائل المجاهدين الأفغان التي لم يرغب معظم المهاجرين في المضي معها في حربها الأهلية وفضّل المغادرة.
وفي ذلك الوقت كانت البوسنة مكاناً مجهولاً بالنسبة إليهم. فتشكك بعضهم في إمكانية الجهاد لإقامة دولة إسلامية، كما تساءل آخرون عن نقاء راية البوسنيين، وسرت تخمينات بأنها كمين أعدته أجهزة المخابرات الغربية لتجميع المجاهدين في قلب أوروبا وقتلهم. في حين استهان آخرون بالأمر وسارعوا إلى البوسنة.
وقد كان أنور شعبان من أوائل هؤلاء، قادماً من المركز الإسلامي الذي أسسه في مدينة ميلانو بعدما حاز الجنسية الإيطالية، إثر ملاحقته في بلده مصر لانتمائه إلى «الجماعة الإسلامية» التي كانت نشطة.
من هذين العنصرين؛ أعضاء «الجماعة الإسلامية» واللاجئين العرب في إيطاليا، سيأتي منبعان رئيسيان للجهاد البوسني. فقد كانت «الجماعة» تجد صعوبة في الإنفاق على كوادرها وعائلاتهم المهاجرة بعدما غادرت هيئات الإغاثة الخليجية مدينة بيشاور الباكستانية، المركزية في الجهاد الأفغاني، فقررت «الجماعة» إرسال أفراد منها إلى البوسنة كنوع من التجربة، سرعان ما تبعهم آخرون بحثاً عن متابعة الجهاد. ومن جهة أخرى استقطب مركز ميلانو أعداداً من المهاجرين من بلدان المغرب العربي على الأرجح، كانوا يبحثون عن طريق للخلاص الروحي بعد تجارب كان بعضها غير مشروع.
ومن الضفة الثالثة جاء المتطوعون الخليجيون؛ متبرعون ربما راودتهم فكرة أن يصبحوا بن لادن الساحة الجديدة، ومقاتلون استثارت حميتهم الانتهاكات المريعة التي ارتكبتها القوات الصربية من قتل واغتصاب. وكان الجهاد في البوسنة مرضياً عنه من الحكومات الخليجية ومن مؤسساتها الدينية، فكانت التبرعات تصل من رجال أعمال وشخصيات معروفة، وكانت أجهزة الجيش والشرطة تمنح منسوبيها إجازات بلا راتب للمشاركة في هذه المعارك.
في هذا السياق، وبعد استقرار النواة الأولى ببضعة أسابيع، وصل أبو عبد العزيز الجدّاوي (محمود باحاذق) أبرز مؤسسي كتيبة المجاهدين. وكان من قدامى المقاتلين في أفغانستان، كما اشتهر كأحد «مشايخ الحقيبة» القادرين على جمع التبرعات. وكان قد قام برحلات في كشمير وأريتريا وغيرها إلى أن وصل إلى البوسنة.
منذ البداية قرر أبو عبد العزيز إخضاع كتيبته لسلطات الحكم البوسني الوليد برئاسة علي عزت بيغوفيتش. وفي لقاء أجرته معه جريدة التايمز اللندنية في آب 1992 قال: «نحن تحت إشراف وسيطرة القوات البوسنية. تعليماتي لرجالي المجاهدين وشرطي عليهم هو أننا لسنا أصحاب قرار قيادي هنا وليست لنا جبهة عسكرية منفصلة، نحن نعمل تحت إشراف البوسنيين وسيطرتهم. متى انتهت الحرب عدنا إلى بلادنا». كما حدد الجدّاوي منذ البداية الإطار العام لمهمته وهو تخليص البوسنة من المحتل والرحيل فور توقف العمليات الحربية من دون الارتباط بإقامة دولة إسلامية أو دولة خلافة أو جعل البوسنة داراً للهجرة كما كانت الحال في أفغانستان قبل أشهر بالنسبة لآلاف المتطوعين من خارج الخليج، أي من الذين لا يستطيعون العودة إلى ديارهم. لكن الجداوي سرعان ما غادر، لأسبابه الخاصة ربما، بعدما وصل عدد أعضاء الكتيبة إلى العشرات، وبعد أن أرست تعاونها مع الجيش البوسني الوليد.
وتولى قيادتها بعده عدة أمراء كان أولهم شاب مصري أسمى نفسه وحي الدين، راسلَ، في صيف 1993 قيادة الجيش لاعتبار المتطوعين كتيبة من كتائبه. تلقى الجنرال راسم ديليتش، الذي دأب على الشكوى من عدم انضباط المتطوعين، الطلب وأصدر أمره بضمهم إلى «تشكيل مؤقت» مما يدل على نية حلهم في المستقبل. وأصبحت الكتيبة جزءاً من اللواء السابع في الفيلق الثالث.
في الحقيقة كان شباب ذوو ميول سلفية يُصدَمون بنمط الحياة الغربي الذي يعيشه المسلمون الذين أتوا لنصرتهم. وفي أكثر من مناسبة حاول بعضهم تحطيم محلات تبيع الخمور ومقاه للعب القمار وأماكن للدعارة. وحاول آخرون تدمير كنيسة فارغة كانت مركزاً سابقاً لقيادة قوات كرواتية فمنعهم جنرال بوسني وكاد الأمر أن يتطور إلى صدام. وفي إحدى المرات أرسل أحد الجنرالات كتاباً لقائد الجيش يتذمر فيه من «أساليب الحرب غير التقليدية الخارجة عن معاهدة جنيف التي يتبعها أعضاء كتيبة المجاهدين والتي قد تسبب أذى فادحاً لجمهورية البوسنة». وأخذت وحدات بوسنية مسلحة خارج العاصمة سراييفو، تعمل بشكل مستقل تقريباً، تتخذ اتجاهاً شبه إسلامي تأثراً بنجاحات كتيبة المجاهدين.
وعلى الرغم من أن المتطوعين لم يكونوا نسبة عالية من مجمل القوات، لكن أهميتهم أتت من استلامهم النقاط الحساسة.
انتهت الحرب البوسنية باتفاق دايتون الذي رفضته بعض قيادات الجهاديين في البداية، ليس فقط لأنه يشترط إخراجهم من البلاد بل لأنهم رأوا أنه مجحف في حق المسلمين. لكنهم سرعان ما رجعوا إلى قواعدهم التأسيسية بتنفيذ ما اختاره البوسنيون عبر زعيمهم بيغوفيتش.
في ذلك الوقت كان هناك عرب خارج الكتيبة الجهادية أكثر ممن هم في داخلها، وإن حوت أكبر عدد منهم. فاجتمع مجلس شورى الكتيبة مع المجموعات الأخرى وقرروا أن حل التشكيلات الجهادية هو أفضل الخيارات. وبناء على ذلك أعلن قائدها الأخير، أبو المعالي الجزائري، في احتفال بذلك حضره قائد الجيش، أنه «يتفهم القرار السياسي»، وطلب من الشعب البوسني «التسلح بالإسلام في الحرب القادمة التي لن تخاض بالسلاح». وخلال أيام بدأ خروج المتطوعين القادرين على مغادرة البلاد والراغبين في ذلك، بعد تقليدهم أوسمة رسمية تعبيراً عن الامتنان. وأحيل أبو المعالي على التقاعد بعد منحه رتبة رائد في الجيش. وسُمح له، ولاثنين فقط من أقرب معاونيه المتبقين، بحمل مسدسات مرخصة.
قرر أبو المعالي تحويل الكتيبة إلى جماعة اقتصادية لتستثمر ما كان في صندوقها من تبرعات، وما قدمته الهيئة العليا للإغاثة السعودية من مبالغ للمقاتلين السابقين الذين أقاموا في قرية منضبطة بأنظمة واضحة بعد أن خلت من سكانها في أثناء الحرب.
ورغم أن الجهاديين المتقاعدين لم يكونوا راضين عن الحياة العامة في البلاد التي دافعوا عنها، ثم اضطروا إلى الإقامة فيها، إلا أنهم التزموا بقوانينها طوال مدة سكنهم. لكن أعدادهم صارت تقل بالتدريج، ولا سيما مع مشاركة أحزاب لا تميل إليهم في الحكم، أخذت بالتضييق عليهم رغم زواج بعضهم من بوسنيات وحصولهم على الجنسية. غير أن الموضوع ظل في إطار القانون والتظلم والسلمية.
أما أبو المعالي نفسه فاقتنع باقتراح متبرع ثري بأن ينقل نشاطه الاقتصادي إلى أفغانستان. لكن التوقيت كان سيئاً حين صادف أشهراً فقط قبل عمليات 11 أيلول 2001 وملاحقة العرب هناك. فتسللت المجموعة إلى إيران حيث قبض عليها ثم أطلق سراحها، لتسافر إلى ماليزيا وتنقطع أخبار أفرادها..
تلفزيون سوريا
————————————-
بين دمج المقاتلين الأجانب وتصاعد التهديدات الإسرائيلية/ مالك الحافظ
2025.06.07
في واحدة من أكثر الخطوات إثارة للقلق في المرحلة الانتقالية السورية، وضمن سياق لم تُحسم فيه بعد أسئلة السيادة والتمثيل والمحاسبة، يُطرح الحديث عن توافق أميركي مع دمشق حول دمج المقاتلين الجهاديين المتشددين/الأجانب ضمن هيكل “الجيش الوطني الجديد” في سوريا.
تتجاوز هذه الخطوة بعدها الإداري أو العسكري لتطرح ضمناً، سؤالاً أكبر حول طبيعة البنية التي تُبنى باسم “الجيش الوطني”، فهل تستطيع المرحلة الانتقالية إنتاج نموذج وطني يستند إلى بناء مؤسسي جامع، لا إلى دمج التشكيلات العابرة للهويّة الوطنية في مؤسسات تُفترض أنها تمثل إرادة السوريين جميعاً وحماية أمنهم وحدودهم ضمن مبادئ ومنطلقات وطنية؟ وحتى هذه اللحظة، لا تظهر معالم واضحة لعقد وطني حقيقي يعيد تعريف الانتماء والتمثيل على أسس مدنية وشاملة.
هذا التوجه لا يستند إلى منطق الدولة المؤسسية وإنما ينطلق من ترتيبات ميدانية فرضها الواقع بعد انهيار نظام الأسد. فالمؤسسة العسكرية التي يُفترض أن تكون تجسيداً لسيادة جامعة، تبدو هنا وكأنها تُشكَّل كوعاء احتوائي لمجموعات مقاتلة ارتبطت بسياقات عابرة للهوية الوطنية، وليس كمؤسسة تُبنى على أسس تمثيلية تعبّر عن رؤية مشتركة لمستقبل سوريا.
يتكشّف خلف قرار دمج المقاتلين الأجانب ما هو أبعد من احتمالية تسوية مؤقتة؛ إنّه تموضع خطير خارج منطق الدولة ومفهوم الوطن، يستند إلى توازنات قسرية فرضتها خرائب ما بعد الحرب. فحين يُمنح مقاتلون أجانب، لم يخضعوا لأي مراجعة فكرية جذرية، موقعاً داخل البنية العسكرية السورية الجديدة، فإننا نشهد إعادة تعريف خطيرة لهوية المؤسسات.
إنّ السلطة الانتقالية، تُقدم على خطوة من هذا النوع وكأنها تملك تفويضاً سيادياً لا يملكه إلا برلمان منتخب، ولا يصدر إلا عن عقد اجتماعي ناضج. فقرار تجنيس أو إدماج مقاتلين غير سوريين، لا يمكن النظر إليه إلا كفعل تأسيسي يُسقط الحدود الفاصلة بين الدولة والتنظيم، وبين الوطن ومشروع “الأمّة” العابر له. إذ في غياب مساءلة حقيقية أو محاسبة عادلة، وفي ظل فراغ تشريعي شامل، يغدو كل قرار في هذا السياق متجاوزاً لصلاحيات المرحلة الراهنة.
المقاتل الذي يتبنّى عقيدة لا ترى في الوطن إطاراً سيادياً ولا في الدولة مرجعية سياسية، لا يمكن تجنيسه وإدماجه في مؤسسات يُفترض أنها تمثّل العقد الاجتماعي الجامع. إذ يتحوّل مثل هذا الإدماج إلى صيغة تعايش قسري بين مشروع الدولة ومشروع “الدولة–الظل”، بكل ما يحمله من مخاطر تقويضية للبنية المؤسسية الوليدة.
ذلك أنّ العقيدة التي يحملها كثير من هؤلاء المقاتلين لا تتأسس على مبدأ المواطنة، ولا على التراتب القانوني–الدستوري، وإنما على منطق الولاء للعقيدة العابرة، حيث تتحوّل “الأمة” إلى تصور ميتافيزيقي يغيب فيه الوطن كإطار سياسي وقانوني جامع، وتذوب الدولة أمام تصوّر أممي للشرعية، لا يعترف بالجغرافيا ولا يعوّل على السيادة، وإنما يختزل الانتماء في العقيدة العابرة للحدود.
في هذا السياق، يتعدى إدماجهم المشكلة الأمنية أو الديمغرافية، إلى أزمة تأويل للدولة ذاتها ومجالها الرمزي. فبُنية الجيش إن كانت حاملة لمشروع وطني، يجب أن تقوم على سردية سيادية داخلية، لا على مساكنة قسرية بين سرديات متضادة؛ سردية المواطن الذي يسعى لاستعادة الدولة، وسردية المقاتل الذي لم يدخل الحرب لأجل الوطن بل لأجل نصوص العبور إلى “التمكين”.
تُحذّر العديد من الأدبيات النقدية للدراسات الأمنية، خصوصاً تلك المتأثرة بأعمال باري بوزان وأوليه ويفر، من أنّ الدول الخارجة من النزاع تميل أحياناً إلى “أمننة” خياراتها من دون عقلنتها، أي تسويغ الاستثناء باسم الضرورة، حتى لو أدى ذلك إلى إعادة إنتاج شروط النزاع نفسه. وبهذا المعنى فإن دمج المقاتلين الأجانب من دون إعادة تفكيك مشروعهم العقدي–الذهني، بالإضافة إلى أنه لا يسهم في بناء الاستقرار، فإنه يتجه إلى خلق “أمننة متفجرة” قد تنفجر لاحقاً في وجه أي عملية سياسية.
المقصود بـ”الأمننة المتفجرة” هو أن يُعاد إنتاج الخطر كعنصر مكوّن داخل بنية النظام الأمني ذاته. ففي حالة إدماج المقاتلين الأجانب، تتشكل نواة صراعية داخل الجيش نفسه، تنتمي لعقيدة مغايرة أو مناقضة للعقيدة الوطنية. ما يعني أن الأمن هنا يُبنى على تساكن هش بين روايات متضادة، سرعان ما يمكن أن تنفجر على شكل صراعات داخلية، انشقاقات، أو حتى تمرّدات. وبذلك تتحول المؤسسة من ضمانة استقرار إلى بيئة كامنة للعنف المؤجل، ومن أداة ضبط إلى مسرح لاحق للفوضى المُمأسسة.
لقد بات واضحاً أنّ لدينا معضلة حقيقية تتجاوز مسألة دمج وتجنيس المقاتلين الأجانب وتتجه كمؤشر نفي صريح لأي محاولة لتأسيس دولة مدنية، وهو ما يُنذر في المستقبل القريب بعودة العنف، كعُرف جديد قد يتم تبنيه تحت غطاء الحاجة والاستقرار.
في هذا السياق، يمكن استحضار مفهوم تفكك السيادة كما تناولته دراسات الحوكمة العابرة للدولة، ولا سيما في أعمال ستيفن كراسنر حول “السيادة المفككة” التي تُمارس فيها السلطات من قِبل جهات متعددة خارج الإطار الوطني. فحين تُنتزع أدوات العنف من يد الدولة وتُوزّع على شبكات تتقاطع مصالحها ولا تتقاطع هوياتها، تغدو السيادة مجرد قشرة رمزية، ويبدأ الحقل الأمني في التآكل من الداخل.
لكن التحوّلات الحساسة في المشهد السوري لا تقف عند ملف دمج وتجنيس المقاتلين الأجانب. فالتصعيد الإسرائيلي الأخير في الجنوب السوري يبدو أنه يتجه نحو مرحلة أكثر تعقيداً وحساسية، فالضربات التي طالت مواقع متفرقة، لا يمكن قراءتها إلا كمؤشرات على محاولات متزايدة لإعادة ترتيب خطوط النفوذ الأمني والعسكري، بعيداً عن أي إطار تفاهم معلن.
هذا النمط من الاستهداف يعكس رغبة إسرائيلية واضحة في فرض وقائع جديدة على الأرض، من دون المرور عبر المسارات السياسية المعتادة. كما أن الحديث المتنامي في تقارير غير رسمية عن ترتيبات محتملة في الجنوب السوري، ومن ضمنها الحديث عن مناطق عازلة أو خطوط فصل، يعكس اتجاهاً إقليمياً تروج له وتتبناه إسرائيل لإعادة هندسة الجغرافيا الأمنية، في منطقة شديدة الهشاشة، لم تتبلور بعد فيها معادلات الاستقرار الدائم.
ما جرى ويجري هو تفكيك تدريجي لبنية الردع التقليدية التي كانت تُحيط بجنوب سوريا، مقابل بناء نمط جديد من “الضبط بالاختراق”، أي أن الأمن سيُفرض من خارج الحدود، ضمن توازنات إقليمية شديدة التعقيد. وفي ظل الفراغات السياسية والدستورية التي تشوب المرحلة الانتقالية، تُصبح الجغرافيا الجنوبية مرشّحة لتكون مسرحاً لتفاهمات فوق–وطنية، لا تعكس بالضرورة المزاج الشعبي، ولا تستند إلى عملية تفاوضية شاملة أو عقد وطني معلن.
وإذا كانت بعض الدول بعد النزاعات تعتمد على إعادة بناء مركز الثقل الوطني من أطرافها الحدودية، فإن ما يحدث في الجنوب السوري قد يُفهم في غياب مسار سيادي شامل كمحاولة لتثبيت نموذج أمني هش، يعتمد على توافقات صامتة أكثر مما يستند إلى عقد سياسي موحّد.
في هذا المعنى، فإن التحدي يندرج ضمن ضرورة الحفاظ على الجنوب بوصفه جزءاً من الجغرافيا الوطنية الجامعة، لا كمنطقة أمنية ملحقة بخارطة مصالح إقليمية.
ووسط هذه التطورات، يبرز الجنوب السوري كساحة اختبار حقيقية لتحديات الأمن والسيادة والاستقرار، ويضع الجميع أمام مسؤولية حماية هذه المساحة من الانزلاق إلى معادلات تتجاوز منطق الدولة، وتفتح المجال لتفاهمات تتشكّل خارج الأطر الوطنية الجامعة.
تلفزيون سوريا
——————————–
في السبب العميق للخشية من إدماج المقاتلين الأجانب/ إياد الجعفري
2025.06.06
في تفكيك مواقف السوريين المتضاربة حيال قضية إدماج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري، نلحظ أن معظم حجج الطرفين الرئيسيين، المؤيد بالمطلق، والمعارض بالمطلق، تنطلق أساساً من موقف مسبق حيال السلطة الحالية في سوريا، وليس من القضية ذاتها. إذ تبدو جميع تلك الحجج، ظرفية، تتعلّق بكيفية تعامل السلطة مع هذا الملف الشائك، أكثر مما تتعلّق بحيثيات الملف ذاته.
يمكن في هذا السياق أن نورد أمثلة على حجج المعارضين لهذا الإدماج. فالتركيز على الخلفية العقائدية الجهادية للمقاتلين الأجانب، يتجاهل الخلفية العقائدية القريبة، إن لم تكن المطابقة، التي تدين بها القاعدة القتالية من السوريين، والتي تستند إليها منظومة السلطة الحالية. وهي القاعدة الأكبر عدداً، مقارنة بنظرائها من الأجانب. كما أنها البيئة الحاضنة لهؤلاء الأجانب، التي تشكّل أحد الدوافع الرئيسة التي تجعل السلطة تعمل على إدارة هذا الملف الشائك، بحذر كبير. فتلك البيئة الحاضنة، لن تقبل مطلقاً، المساس بشركاء الجبهات والدم المسفوك المشترك على الأرض، حتى لحظة إسقاط النظام البائد.
في السياق ذاته، يركّز كثيرون على مصير العقيدة القتالية للجيش السوري، في ضوء إدماج المقاتلين الأجانب، متجاهلاً أيضاً، أن تلك العقيدة القتالية تُصاغ بالفعل، باتجاه إسلامي منسجم مع تركيبة مكونات السلطة، التي تشكّل “هيئة تحرير الشام” –سابقاً-، عمودها الفقري. فإدماج مقاتلين أجانب، من خلفية جهادية، بأعداد تتراوح بين 3500 و 5000 مقاتل، لن يشكّل فرقاً جوهرياً في جيشٍ يضم عشرات آلاف المقاتلين، غالبيتهم العظمى من السوريين ذوي الخلفية الجهادية، أيضاً.
أما الحديث عن منح المقاتلين الأجانب المدمجين، الجنسية السورية، فيبدو أقل الحجج وجاهة، نظراً للبعد “التوطيني” المتعلق بالحاجة لخلق انتماء لهؤلاء الأفراد، يحثهم على الخضوع للسلطة في سياق محلي، لا عابر للحدود، بعد أن فقدوا القدرة على العودة لأوطانهم، نظراً لأنهم مدانون فيها. فخلق أفق للاستقرار بعيد المدى، لدى هؤلاء الأفراد، من أبرز العوامل التي تساعد على تشذيب خلفيتهم الجهادية غير المرغوب في بروزها، إلا في سياق يخدم مصالح السلطة. ومن هنا، تتوضح إحدى أبرز مصادر القلق حيال عملية الإدماج تلك. فالجانب الشائك هنا، يأتي من زاوية: كيف ستستغلهم السلطة القائمة؟ وفي أي اتجاه؟
وفي السياق أيضاً، يتم التركيز على العقيدة العابرة للحدود، التي تحكم عقلية هؤلاء المقاتلين الأجانب، بوصفها مسماراً في نعش “الوطنية السورية” المأمول تجسيدها في مؤسسة الجيش الجديد. ومن المستغرب معالجة هذا الملف، من هذه الزاوية. فتجربة قيادة هيئة تحرير الشام –سابقاً- في ضبط الإيقاع الجهادي، للمقاتلين الأجانب المتحالفين معها، على مدار الأعوام التي تلت الـ 2017، ونجاحها في نزع سمة –العابر للحدود- من نشاطهم القتالي، وإخضاعهم لأولويات “الهيئة” في إقناع الغرب، منذ ذلك التاريخ، بأنها لا تشكّل تهديداً له.. تلك التجربة، على مدار السنوات السبع الفائتة –على الأقل-، تشكّل ركيزة قبول الغرب، اليوم، بالرهان على سلطة الرئيس أحمد الشرع، في إدارة المشهد السوري الشديد التعقيد. فخلال تلك الحقبة، أثبتت “هيئة تحرير الشام” قيمتها النوعية بالنسبة لكثير من اللاعبين الإقليميين والدوليين، حيال ملفَّين مهمَّين: ضبط الجهاديين في منطقة سيطرتها، والإمساك بملف المهاجرين منهم، الذين لا ترغب دولهم في عودتهم. هذا النجاح السابق، هو ما يُبنى عليه الآن، وهو سبب تراجع الأميركيين عن شرط إبعاد المقاتلين الأجانب عن الجيش السوري الجديد، والقبول برؤية الشرع لإدماجهم.
ولا يعني هذا النجاح السابق، أن لا مخاطر في المرحلة المقبلة. لكنه يعني، أنه يتم البناء على خبرة سابقة في إدارة تعقيدات العلاقة مع أصناف الجهاديين، وتحييد أو عزل أعتاهم، وتطويع الباقي بما يخدم مصالح قيادة هيئة تحرير الشام – سابقاً-. وهي القيادة التي ينحدر منها، اليوم، جلّ أصحاب المواقع الأكثر حساسية في تركيبة السلطة الراهنة.
أما من زاوية المعترضين على هذا الإدماج، من جراء غياب الأساس القانوني له. فيمكن الإقرار بوجاهة هذه الحجة بالتأكيد. لكنها تبدو أقرب للترف، في مشهد تستفرد فيه السلطة الحالية، بالفعل، بمصادر الحكم والتشريع، وسط سيولة قانونية جليّة في كل الملفات الشائكة التي تعيشها سوريا. وليس في ملف إدماج المقاتلين الأجانب، فحسب. ومن هنا، يتبدى أيضاً السبب العميق لمخاوف المعترضين، المتمثّل في الخشية من أن تكون هذه السيولة القانونية، هي السمة التي ستحكم أداء السلطة الحالية لسنوات مقبلة، لا لفترة مؤقتة محدودة زمنياً وخاضعة لاعتبارات الانتقال السياسي والأمني القائم.
هل من حلول أفضل لهذا الملف الشائك؟ يحيلنا هذا السؤال مجدداً إلى الدوافع العميقة للمعترضين على إدماج المقاتلين الأجانب. فهم، في معظم الحالات، لا ينطلقون من المعطيات الواقعية المجرّدة، بقدر ما ينطلقون من مواقف مسبقة من السلطة، التي يخشون أنها بصدد التأسيس لرأس حربة “أصمّ” مستعد للانخراط ضد مناوئي السلطة، بشراسة وانضباط مشهود له بالأوامر، مقارنة بنظرائهم من السوريين. وهذا ما يحيلنا إلى النقطة ذاتها. فإن كان موقفك إيجابياً –أو حتى حيادياً- من السلطة، فستجد أن الحل المطروح –إدماج المقاتلين الأجانب- هو أفضل المتاح. أما إن كنت تخشى من الاستفراد بمستقبل البلاد من جانب سلطة الشرع، بناء على مشاهداتك اليومية لكيفية توزيع المناصب والمواقع الحسّاسة على المقرّبين من قيادة “الهيئة” سابقاً، فسترى في لواء المقاتلين الأجانب، المزمع تشكيله، “رأس حربة” مستقبلي ضدك.
تلفزيون سوريا
—————————
معضلة الجهاديين الأجانب في الجيش/ لمى قنوت
شكل تصريح مبعوث الرئيس الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، حول موافقة الولايات المتحدة على خطة طرحتها سوريا للسماح لآلاف من المقاتلين الأجانب بالانضمام للجيش السوري الجديد، “بشرط أن يحدث ذلك بشفافية”، بعدًا إضافيًا، لا يقبل الشك، حول طبيعة المرحلة ونوع نظام الحكم الذي تكرسه الإدارة الانتقالية، فعهد “الازدهار” الذي يتم الترويج له، مشروع مركزي أحادي فئوي، يتشكل على أسس فوقية، بعيدًا عن عقد اجتماعي وعملية سياسية تضمينية تشاركية شاملة، وفي غياب لسيادة القانون ومناخ بعيد عن الشفافية، ولولا ما تنشره أو تسربه وسائل الإعلام الغربية لما علم السوريون، رجالًا ونساء بتنوعاتهن، بمعظم السياسات التي تنوي السلطة اعتمادها والمشاريع والخطط التي تقدمها للدول، على قاعدة أولوية إرضاء الخارج، طمعًا بالاعتراف والشرعية واستكمال رفع العقوبات.
ورغم معرفة السلطة الحاكمة بقلق سوريين من المنهج الذي تتبعه بشأن بناء جيش وطني، وخطورة ضم جهاديين أجانب في بنيته كفرقة واحدة، لما في ذلك من أبعاد تتعلق بمأسسة العقلية الجهادية العابرة للحدود، وتهديد للأمن الوطني، أو تحولهم مستقبلًا كأداة للصراعات، بدل حل معضلة وجودهم إنسانيًا وبشكل قانوني، وتحديدًا لمن لا يستطيعون العودة إلى بلادهم بسبب الاضطهاد، وقاتلوا في صفوف عملية “ردع العدوان”، ولم تتلطخ أيديهم بقتل المدنيين، فبإمكان الإدارة منحهم حق اللجوء الإنساني وإعادة تأهيلهم وتمكينهم من الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والتدريب المهني والحق في العمل، أو منحهم إقامات يمكن تجديدها بناء على التزامهم بالقانون أسوة بالعديد من الدول، بدلًا من سعيها لضمهم للجيش وتبريرها لذلك بالخشية من انضمامهم لـتنظيمي “داعش” و”القاعدة”، والذي هو إقرار صريح من السلطة، بتطرف بعضهم على الأقل، ورغبتها في بناء جيش مؤدلج ولاؤه للسلطة ورئيسها لا للدولة السورية.
وعلاوة على ذلك، فإن اتخاذ السلطة قرار ضمهم وتجنيسهم قبل صدور تقرير ونتائج عمل لجنة التحقيق وتقصي الحقائق التي شكلها أحمد الشرع في 9 من آذار 2025، من أجل الكشف عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت منذ 6 من آذار الماضي في الساحل السوري ضد المدنيين من منبت علوي، ومؤسسات عامة ورجال من الجيش والأمن العام، والتي يعتقد أن يكونوا جزءًا من الفصائل التي تورطت فيها، يعني حمايتهم من المحاسبة بأحسن تقدير، وخاصة أن جرائم قتل مواطنين، نساء ورجالًا، من منبت علوي لم تتوقف حتى يومنا هذا، وتنتقل من مكان لآخر، من عش الورور إلى الربيعة، والدالية، وبيت عانا، ومشقيتا وغيرها من المناطق، وتستباح ممتلكات أسر ويحتجز شبان تعسفيًا وتختطف نساء من الطائفة نفسها، دون أن تضع السلطة حدًا لجرائم العنف الطائفي وتُحاسب مرتكبيها من فصائل وأفراد ينضوون تحت سلطتها.
وفضلًا عن ذلك، فإن ضم جهاديين كانوا أعضاء في شركات مقاولات عسكرية جهادية خاصة، أو ما زالوا فيها، مثل “ملحمة تكتيكال -Malhama Tactical ” والتي كان يرأسها أوزبكي يعرف باسم “أبو رفيق”، وكانت في سوريا منذ عام 2016، وشركة “أويغور يورتوغ تاكتيكال” التي تأسست في 2018، وشركتي “مهاجر تاكتيكال” ذات القيادة الأوزبكية و”ألبانيان تاكتيكال” اللتين تأسستا في عام 2022، فإن أعضاء هذه الشركات هم بمثابة مرتزقة بحسب العرف العسكري، ولكن بأيديولوجيا جهادية قد ترقى في بعض الأحيان لأيديولوجيا تكفيرية لا يمكن لحملتها التعايش بسلام مع شعب متنوع مثل الشعب السوري.
إن إصرار السلطة الانتقالية على ضم الجهاديين الأجانب في الجيش، ككتلة واحدة في الفرقة 84، قُدّر عدد الإيغور منهم بـ3500 مقاتل ينتمون إلى “الحزب الإسلامي التركستاني”، وقبول الأمريكي به، بدل مطلبهم السابق في إبعادهم عن أي مناصب قيادية حساسة في هيكل السلطة، ثم طلب إخراجهم من سوريا كأحد الشروط لتخفيف العقوبات الأمريكية، فتح الباب أمام تدخل الأمريكي العميق في تركيبة وبنية الجيش وإملاءات لن تتوقف، بعد شرط الشفافية الذي ورد في تصريح توماس باراك، والذي أوحت صيغته وكأنه يمنح موافقة على شأن يتعلق بجيشهم لا بجيش دولة أخرى، ومن جهة أخرى سيؤدي إلى توتر العلاقة الدبلوماسية مع الصين وإحجام شركات صينية عن المشاركة في إعادة الإعمار، بالإضافة إلى أن وجود جهاديين من آسيا الوسطى في الجيش أيضًا، سيعقد العلاقة مع روسيا، وخاصة بعد تصريح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، جيم ريش، بضرورة طرد روسيا من سوريا، وهو يتعارض مع المقاربة المتوازنة التي تنتهجها الإدارة الانتقالية مع روسيا.
تغامر وتخاطر السلطة الانتقالية في النهج الذي تتبعه في بناء جيش وطني، سواء كان في تسريح من لم تتلطخ أيدهم بدماء السوريين والسوريات خلال حرب النظام البائد على الشعب، أو في عدم استدعاء الضباط الذين انشقوا عن النظام، وقرار ضم الجهاديين الأجانب ضمن كتلة في الجيش هو استكمال لمروحة الأخطاء، وخاصة أنها تتخذ قرارات بغياب مجلس تشريعي، وأي شكل من الرقابة والمساءلة المدنية، مما يجعلها معضلة مركزية في مأسسة التطرف ضمن جيش عقائدي يوالي السلطة، ويحمي مرتكبي الجرائم والانتهاكات ويعزز ثقافة الإفلات من العقاب، ويطبع مع استمرارية عنف المعسكر الطائفي في سوريا بدلًا من إقامة دولة حديثة قائمة على شرعة حقوق الإنسان والحرية والتعددية السياسية وسيادة القانون.
عنب بلدي
———————————
المقاتلون الأجانب وعقدة المنشار/ غزوان قرنفل
في حمأة انقسام السوريين، كما هو معتاد، بين رافض لتجنيس المقاتلين الأجانب وبين مؤيد لتجنيسهم وضمهم لبنية الجيش السوري الجديد، ومؤيد لخطوة السلطة وقرارها بهذا الاتجاه، خصوصًا بعد أن حصلت على الضوء الأخضر الأمريكي بهذا الشأن، سها الجميع عن قرار كانت أصدرته السلطة الانتقالية فعلًا قبل ذلك بكثير، قضى بتعيين ستة مقاتلين أجانب من جنسيات مختلفة في مراكز قيادية عليا ضمن بنية الجيش، وقبل تجنيسهم حتى، وكذلك صدور قرار بضم المقاتلين الأجانب جلهم لبنية الجيش الجديد ضمن لواء خاص بهم، وأيضًا قبل أن يتم تجنيسهم، وهي سابقة ربما لم نسمع بها أو نقرأ عنها في أي دولة من دول العالم التي تقيم وزنًا واحترامًا للقانون ولشعبها، أو تزعم أنها تفعل ذلك!
وأنا هنا لم أناقش بعد مسألة تجنيسهم من عدمها، وإنما أحاول القول إن أي سلطة انتقالية اعتمدت قواعد دستورية وادعت أنها ستحترم القانون وتمتثل في كل ما تتخذه من قرارات، وما تقوم به من إجراءات لموجبات القانون، باعتبارها انتقلت من الشرعية “الثورية”، كما يقال، إلى الشرعية الدستورية، تجسيدًا لتصريحها بالانتقال من مرحلة الثورة الى مرحلة بناء الدولة، فلا يحق لها والحال كذلك أن تتخذ إجراء من هذا القبيل وتقوم بتعيين أجانب لا يحملون الجنسية السورية في مراكز قيادية عليا بالجيش أو القوى الأمنية، ولا حتى قبول ضم المقاتلين الأجانب للجيش السوري قبل تمتعهم قانونيًا ودستوريًا بجنسية الدولة السورية، احترامًا لمبدأ السيادة الوطنية التي لا يجوز التهاون بها أو العبث فيها. وبالتالي فإن كل ما اتخذته السلطة الحالية من إجراءات في هذا السياق هو انتهاك للقانون وخرق لقواعد الدستور، لا يصححه “فرمان” بتجنيسهم الآن.
أما ما يتعلق بأحقية منح هؤلاء الجنسية السورية أو حجبها عنهم والمسوغات التي يسوقها طرفا الانقسام السوري بهذا الشأن، دعمًا لوجهة نظرهم وطعنًا بوجهة نظر الطرف الآخر المغاير، فأتمنى أولًا أن نعتاد على آلية تفكير مختلف عما نتبعه حتى الآن، في كل قضايانا التي تكون مثار خلاف وانقسام في الرأي. تفكير يأخذ بالاعتبار أنه لا يتعين أن يتبنى كل الناس وجهة نظر أو رؤية أو موقف واحد من أي قضية، سواء تلك المتعلقة بتجنيس المقاتلين الأجانب أو غيرها من القضايا المهمة التي غالبًا تكون مثار خلاف وانقسام، وأن تعدد هذه الرؤى والمواقف هو مسألة غاية في الإيجابية لأنها تنبئ باهتمام عام وحرص على أن يكون بلدنا نموذجًا إيجابيًا وبارزًا وفاعلًا إيجابيًا لشعبه ومحيطه، وليس مدعاة للطعن بالآخر والتشكيك بوطنيته، وأن نضع كل القضايا مثار الخلاف والانقسام ضمن ميزان مصلحتنا الوطنية العليا، وضمن هذا المنظور يقدم كل صاحب رأي رأيه ويفسر للآخرين كيف أن ذلك هو الأصوب لتعزيز وخدمة تلك المصلحة العليا.
ضمن هذا المعيار، أعتقد أن خيار تجنيس المقاتلين الأجانب من حيث المبدأ وضمن سياق المرحلة الحالية ليس خيارًا صائبًا وفي غير محله ووقته أبدًا، وأن ثمة خيارات أخرى أعتقد أنها أكثر نجاعة بما يخدم المصالح السورية العليا وبما لا يتنكر لإسهام هؤلاء بشكل أو بآخر في دعم خيار إسقاط النظام السابق، رغم إيماني الشخصي أن هؤلاء ما جاؤوا أصلًا نصرة لثورة السوريين ولا لدعم خياراتهم في التحول الديمقراطي، ولا انتصارًا لقيمة الإنسان الذي كانت تسحقه آلة الموت الإجرامية والطائفية، وإلا فإنه كان الأولى بهم أن “يجاهدوا” لفعل ذلك في بلدانهم ابتداء، حيث يعانون هم أنفسهم وأبناء جلدتهم من الاضطهاد.
هؤلاء بشكل عام سيبقون غرباء عن المجتمع السوري وثقافته وتراثه وعاداته وأفكاره، وهم يحملون فكرًا جهاديًا متطرفًا عابرًا للحدود، لا يؤمنون بالوطنية السورية ولا يملكون الاستعداد لاحترامها ولا لاحترام ظروف السوريين وخياراتهم الوطنية، وسيبقون في نظر كثير من الدول مصدر تهديد وستبقى سوريا في نظر تلك الدول دولة راعية وحاضنة للإرهاب، وسيعاني السوريون أينما توجهوا بجوازات سفرهم من النبذ والرفض والشك.
لا يغرينا الآن الضوء الأخضر الأمريكي بهذا الشأن، ويجب ألا نعوّل أو نتكئ عليه لنحصل على قبول عالمي في هذا الشأن تحديدًا، فكثيرًا ما كان الضوء الأخضر الأمريكي يقودنا إلى ما لا يحمد عقباه، ولا تنسوا في هذا السياق زيارة السفير الأمريكي السابق روبرت فورد في تموز 2011، التي اعتبرت بمثابة ضوء أخضر لثورة السوريين ودعمها، ثم كيف تبدلت السياسات والمواقف للدرجة التي لم يستوجب لديها استخدام السلاح الكيماوي ضد السوريين أي تدبير أو إجراء لدعم المعارضة في إسقاط النظام، بل قادتهم نحو مسارات سياسية تدرك مسبقًا أنها لا تفضي إلى حل حقيقي وجذري للصراع بينما كان عداد موت السوريين لا يتوقف، فما الذي ومن يضمن ألا يتبدل في لحظة أخرى موقف الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة من هذا الأمر، وألا يدفع السوريون فاتورة ذلك مرة أخرى؟
ثم إن هذا الأمر ستكون له حساسية وارتدادات على مستوى العلاقات مع كل من الصين وروسيا، وهي قوى دولية وازنة لا يمكننا تجاهل أهميتها، فقط لأننا نريد وضع بيضنا السوري كله في السلة الأمريكية، فهذه دول وازنة سياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا وسنحتاج إليها اليوم أو غدًا، فلماذا نحرق جسورنا معها دون حاجة أو ضرورة لفعل ذلك.
لكل ما تقدم فأنا أعتقد أن اتخاذ خطوة التجنيس غير صائبة ولا تتسم بالحكمة ولا بعد النظر، بل يمكن اتباع خيار آخر كمنح هؤلاء إقامة لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد، تقونن لهم وجودهم وإقامتهم وعملهم في سوريا، سواء في مرافق مدنية أو حتى كمدربين ومستشارين عسكريين متعاقدين، لكن لا يجوز بأي حال تجنيسهم ومنحهم فرصة تسلّم مناصب عليا في الدولة وأجهزة السلطة وهم يحملون صفة مواطنين، إذا كنا حقًا نتجه نحو تأسيس دولة مدنية لا موطن أو بؤرة جهادية.
سيقول قائل: ولكن لدينا من السوريين من هم ربما أكثر سلفية وجهادية من هؤلاء. ولا أملك تجاه ذلك إلا القول: نعم صحيح هناك من السوريين من هم أكثر تطرفًا، ولكن هؤلاء هم سوريون، ولا نملك الحق في إنكار سوريتهم، وربما نتمكن بالحوار والمناصحة والبحث عن مشترك وطني أعلى بيننا وبينهم أن نخفف من غلوائهم واستيعاب تحولاتهم، لكننا لسنا مضطرين أبدًا أن نجنّس متطرفين جددًا نضيفهم إلى قوائم السوريين ثم نبحث عن حلول معهم بشأن خياراتنا الوطنية.
عنب بلدي
——————————–
“المسألة الأويغوريّة” في سوريا: خيطٌ بمئات العُقد/ صهيب عنجريني
6/6/2025
خلال السنوات الأخيرة، لم يعد “الحزب الإسلامي التركستاني” جماعة جهاديّة عرقيّة صرفة، ومن غير الواضح بعد ما إذا كان قرار الإدماج المزعوم في الجيش السوري مصمّمًا لاستيعاب جميع مقاتليه بمختلف جنسياتهم.
“.. بايعت المجموعة الملّا محمد عمر بيعة عامة، فطلب إليهم وقف برنامجهم العملي ضد الصين والاكتفاء بتربية من يلحق بهم، نظرًا لحاجة طالبان إلى علاقات جيدة مع الصين تُوازن الضغوط الأميركية، فالتزموا ذلك”.
ترِد الفقرة أعلاه في الكتاب المرجعي الضخم “دعوة المقاومة الإسلامية” الذي كتبه واحدٌ من أهم مؤرّخي ومُنظري الجهاد العالمي، هو أبو مصعب السوري (مصطفى ست مريم/نصّار).
يستعرض أبو مصعب في أحد فصول كتابه تجربة “الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية”، الذي وُلد ونشأ في تسعينيات القرن الماضي تحت رعاية حركة “طالبان” في أفغانستان، وهي تجربة لافتة لا يتسع المجال لاستعراضها هنا، لكن الاستشهاد بها باختصار مفيدٌ بالتأكيد ليكون مدخلًا إلى تشريح “المسألة الأويغورية” في سوريا. فبرغم اختلافات عديدة بين التجربتين في السياقات والتفاصيل، ثمة تطابق لافت بين المآل الذي يشير إليه أبو مصعب في الحالة الأفغانية، وبين اللحظة السورية الراهنة، إذ يجد مقاتلو “الحزب الإسلامي التركستاني” أنفسهم مطالَبين بمراعاة حسابات الإدارة الجديدة في دمشق، وحاجتها إلى الانفتاح على الغرب، وربما أخذ الهواجس الصينية في الاعتبار أيضًا.
في النسخة الأفغانيّة، التزم مؤسس “الحزب” توجيهات أميره (الملا عمر)، وانصبّ تركيزه على “التربية الجهادية” لمنتسبي حزبه، برغم طموحاته بأن تحين لحظة تُمكنه من الحصول على “دعمٍ من الولايات المتحدة تقدّمه لحركته في إطار برنامج سري أقرّه الكونغرس العام 1995 لتفكيك الصين باستخدام النزعات العرقيّة والدينيّة فيها”، وفق أبو مصعب.
التجربة السورية ابنة الأفغانيّة
في أواخر تسعينيّات القرن الماضي، أعلن حسن معصوم (أبو محمّد التركستاني) تأسيس “الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية”، بهدف “الجهاد من أجل تحرير تركستان الشرقية (الانفصال عن الصين) وإقامة الدولة الإسلامية”. وتركستان الشرقية هو إقليم في أقصى شمال غرب الصين، تسكنه غالبية تركية مسلمة، وتطلق عليه بكين اسم “شينغيانغ”، ومعناه الأرض الجديدة.
كان معصوم (المولود في كشغر عام 1964) قد تلقّى علومًا دينيّة في مسقط رأسه، وفي العام 1997 توجّه إلى مكّة، وبالتزامن مع امتداد حركة “طالبان” وسيطرتها على كابل والعديد من مدن أفغانستان، سافر التركستاني إلى أفغانستان مع آخرين من المتأثرين بالأفكار “الجهاديّة”.
في تشرين الأول/أكتوبر 2003، أعلن الجيش الباكستاني مقتل حسن معصوم في عملية على الحدود مع أفغانستان، وخلفه عبد الحق التركستاني. كان “الحزب الإسلامي التركستاني” قد أنشأ معسكرات عدّة في مناطق سيطرة “طالبان” وبإشرافها، وتخصّص بعضها في تدريب “الجهاديين الفتيان”، وهم مقاتلون تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عامًا. لاحقًا، تحوّل هؤلاء إلى رأس حربة في “المشروع الجهادي التركستاني” في سوريا.
اتُّخذ قرار استحداث “فرع سوري” لـ”الجهاد التركستاني” في مرحلة مبكرة من عمر الحدث السوري، وبدأ توافد جماعات من مقاتليه إلى سوريا في النصف الثاني من العام 2012، أي بعد بضعة أشهر من إعلان تأسيس “جبهة النصرة لأهل الشام”. اختير للتركستاني أول الأمر اسم “الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشّام”، في تطابق لافت مع تسمية الجبهة التي ستغدو لاحقًا حليفه الأهم، ولاحقًا حُوّر اسم الحزب ليغدو “الحزب الإسلامي التركستاني في بلاد الشام”.
المنابع الثلاث
وفد “الجهاديون التركستان” إلى سوريا من ثلاث وجهات أساسيّة: الصين، وأفغانستان، وتركيا. ولعبت أنقرة دورًا محوريًّا في تجنيدهم وتدريبهم وتوجيههم. شكّلت مظلوميّة “تركستان الشرقيّة” أرضيةً خصبة لاستقطاب “الجهادييّن”، لا سيّما مع اعتماد سرديّة مفادها أنّ “نظامَي الحكم (السابق) في دمشق وبكين ركنان أساسيّان من أركان جبهة كفر واحدة”. و”إذا كانت الصين لديها الحق بدعم الأسد في سوريا، فنحن لدينا الحق بدعم السوريين المسلمين”، وفقًا لما جاء في عدد آذار/مارس 2013 من “مجلّة تركستان الإسلاميّة”.
أتاح العدد الكبير لأفراد الجالية التركستانية في تركيا (نحو 20 ألفًا) بيئة مثاليّة لاستقطاب شبّان الجالية، وكان “الحزب” قد دشّن نشاطه في استقطاب “المجاهدين التركستان” داخل الأراضي التركيّة بإطلاق موقع إلكتروني “جهادي” باللغة التركيّة. وقال بيان إطلاقه إنه “أول موقع جهادي باللغة التركية، علّه يكون سببًا في إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله في نفوس شباب الإسلام في تركيا وغيرها”.
كذلك؛ شكلت “أرض الشام” فرصة للجهاديين التركستان في أفغانستان لإعادة شحذ همّتهم، وإحياء آمالهم. أما الوافدون من الصين فكانوا هاربين من الاضطهاد الممارس ضدّهم على أسس عقائدية وعرقيّة، وكثرٌ ممن وفدوا في مرحلة التأسيس (2012 ـــ 2013) هم ممن سبق أن اعتُقلوا في الصين.
من الملاحظات الجديرة بالاهتمام أن الحكومة الصينية قد خفّفت منذ مطلع العام 2014 القيود المفروضة على إصدار جوازات سفر للأويغور، ما يبدو أنّه شكّل عاملًا مساعدًا لسفر الرّاغبين في الانضمام إلى “الجهاد” في سوريا. وكان معظم هؤلاء يفِدون مصطحبين عائلاتهم، برغم المسار الشاق الذي يقطعونه.
أمسك “المهاجرون” الذين قدموا من تركستان (الصين) سريعًا بمعظم المناصب القياديّة في “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا، برغم وجود عناصر من أصحاب الخبرة الأكبر وفدوا من أفغانستان، وهذا يُردّ على الأرجح إلى أن ولاء القادمين من الصين لخوض تجربتهم “الجهاديّة” يبدو مضمونًا بشكل أكبر بكثير من نظرائهم القادمين من تجربة “جهاديّة” سابقة أخضعتهم لروابط تنظيميّة مع “حركة طالبان”، وللاحتكاك مع أجهزة استخبارات داعمة لـ”طالبان”.
“الربيع التركستاني في الشام”
لعبت “التجربة السوريّة” دورًا محوريًّا في تشكيل ملامح “الجهاد التركستاني”، وبصورة تفوق التجربة الأفغانيّة بأشواط، خصوصًا أنّ جاذبية “الجهاد الأفغاني” قد انخفضت بشكل كبير بعد هزائم “الإمارة” عقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر. لم يعاصر “التركستان” الحقبة الأفغانيّة الذهبيّة، لا سيّما فترة انسحاب الاتحاد السوفياتي وإعلان “الإمارة الإسلاميّة”. كما أنّ قدرات “الماكينة الإعلاميّة الجهاديّة” كانت أقلّ بكثير من قدراتها في “الحقبة الشامية”.
منحت سوريا “التركستان” عددًا كبيرًا من “الانتصارات” التي أُجيد استثمارها لاستقطاب مزيد من “الجهاديين”، وجُيّر دعم مالي استثنائي لـ”المهاجرين” وعائلاتهم. أما انفراد “العائلات التركستانيّة” بقرى وبلدات سوريّة بأكملها وتحويلها إلى مجتمعات مغلقة، فقد شكل إغراءً إضافيًّا زاد من عديد المستقطبين.
عملت “الماكينة الشرعيّة” على تحديث “السرديّة الجهاديّة التركستانيّة” بصورة تتناسب مع الرغبة في تحويل سوريا إلى أولوية. في الحقبة الأفغانيّة، كان الأويغور يُبشّرون بأنّ “هجرتهم إلى أفغانستان ستضمن لهم العودة إلى بلادهم وتحريرها”. أما في الحقبة السوريّة، فقد تطوّرت السرديّة لتصبح “هجرة أفغانستان مشابهة لهجرة المسلمين الأوائل إلى الحبشة، أما الهجرة الثانية إلى سوريا فهي تكرار لسيناريو الهجرة إلى يثرب”، ما يعني أنّ “الفتح” الموعود سيحين بمجرّد انتصار “الجهاد الشّامي”، ويعود التركستان لتحرير بلادهم من “الاحتلال الشيوعي”.
بذور “الإدماج”
في أواخر العام 2017، دخلت “المسألة الأويغورية” في سوريا حقبة جديدة، مع تحولات في الخطاب أسست لفرز “مجاهدي تركستان” إلى فئتين: واحدة تطمح إلى تدشين “الجهاد ضد البوذيين” وعدّه أولوية من باب “مجاهدة العدو القريب”، وأخرى ترى “المكوث في الشام أولوية”.
في تلك المرحلة، دخلت “الفتوى” على الخط، وحرصت على إمساك العصا من المنتصف. خصّصت مجلّة “تركستان الإسلاميّة” التي يُصدرها “التركستاني” ثلاث صفحات من عددها 23 (رمضان / 2018) لمناقشة هذه المسألة “شرعيًّا” تحت عنوان “في أي ثغر يجاهد التركستان؟”.
استُهلّت “الفتوى” التي خطّها “الشيخ أبو عبد الرحمن الشامي” بالتأكيد على أنّ “الواجب أن يقاتل أهل كل دارٍ من يليهم (أي الأقرب إليهم) من العدو الصائل”. لكنّ الشامي لم يُغلق الباب نهائيًّا أمام الآراء الأخرى، فأشار إلى وجود “استثناءات” تفرضها المعطيات “الجهاديّة” بشكل عام من دون أن يعدم “الأدلّة الشرعيّة” التي تؤكّد “صواب” كلّ من الموقفين المتناقضين.
شدّدت “الفتوى” على وجوب “إتمام الجهاد في الشام حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا”، مبيحةً في الوقت نفسه لمن لم “يهاجر” بعد أن يبقى في بلاده استعدادًا لـ”مجاهدة العدو القريب”.
الخلاصة التي حاولت “الفتوى” الخروج بها تتمحور حول تخيير الأويغور المقيمين في الصين بين “النفير” إلى الشام، أو الاستعداد لـ”الجهاد” في بلادهم متى دقّت ساعته. أما الموجودون في سوريا وقتذاك، فقد حرصت “الفتوى” على تأكيد وجوب التزامهم قرار “أمراء الجماعة” في شأن “الثغور” وأولوياتها، مع التركيز على تحريم “التحوّل من ثغر إلى ثغر من دون إذن الأمير”.
وُقّعت تلك الفتوى باسم مستعار/ حركي هو “أبو عبد الرحمن الشامي”، ورجّحت مصادر عديدة وقتذاك أن المفتي لم يكن سوى د.مظهر الويس (وزير العدل في حكومة دمشق حاليًًا) الذي كان ينشط في تلك المرحلة باسم أبو عبد الرحمن الشامي.
“أنصار” ومناوئون
في تلك المرحلة، أفرز التحول في خطاب “الإسلامي التركستاني” انقسامات في صفوفه، لا سيما مع دخول واحد من أبرز دعاة “الجهاد ضد البوذيين” على الخط لانتهاز الفرصة، وهو “جهادي” يُعرف باسم أبو ذر عزام، كما يُعرف بأسماء أخرى منها “أبو ذر الباكستاني”، و”أبو ذر البورمي”، وينتمي إلى العرق الروهينغي. وكان قبل سنوات المتحدث باسم “الحركة الإسلاميّة في أوزبكستان”.
وفد أبو ذر إلى سوريا في 2014 وانضم إلى صفوف تنظيم “داعش”، ثم انفصل عنه وغادر مناطق سيطرته سرًّا في النصف الثاني من 2016، ثم شرع في تشكيل “مجلس أعلى لتنسيق الجهاد ضد البوذيين، يتصدى لمهمة التنسيق بين الجهاديين التركستان والأوزبك وسائر جهاديي آسيا، بهدف وضع خطط للجهاد ضد البوذيين في كل مكان”.
بمرور الوقت، أدت هذه التطورات إلى حركة انشقاقات في صفوف “الحزب الإسلامي التركستاني”، خصوصًا بعد مشاركته المباشرة إلى جانب “هيئة تحرير الشام/النصرة» في الاقتتالات الداخلية ضد مختلف المجموعات الأخرى. كما دخل في قطيعة مع “كتيبة غرباء التركستان” التي كانت منذ نشأتها تعمل بتنسيق تام مع “الحزب”.
واجه “الحزب” تلك التطورات بالحرص على ترميم صفوفه مغيّرًا أدبيّاته بشكل لافت، فشكّل “كتيبة أنصار التركستان” من السوريين المتعاونين معه، كما راح يجيّر جزءًا من “إصداراته الإعلامية” لإبراز عناصر من “الجهاديين الأجانب” قال إنهم انضموا إلى صفوفه، ومن بينهم فرنسيّون.
أفضت كل تلك المجريات إلى تحولَين بارزين، يطبعان مشهد “الجهاد التركستاني” في سوريا حتى اليوم، أولهما نزع “حصرية التمثيل” من “الحزب الإسلامي التركستاني” بعدما احتكرها بشكل شبه تام منذ اضمحلال تنظيم “داعش”، وثانيهما أن “الحزب” الذي قيل إنه حلّ نفسه تمهيدًا لإدماج مقاتليه في “الجيش السوري الجديد”، لم يعد منذ سنوات “جماعة جهاديّة عرقيّة صرفة”، ومن غير الواضح بعد إذا ما كان قرار الإدماج المزعوم مصمّمًا لاستيعاب جميع مقاتليه بمختلف جنسياتهم.
موقع أوان
—————————————
===================