الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

يا عمال ومستهلكي سوريا.. اتحدوا/ إياد الجعفري

الإثنين 2025/06/09

هي ليست دعوة أيديولوجية- يسارية الطابع، بقدر ما هي دعوة لخلق توازن مبكّر في العلاقة بين الطبقة العاملة التي تشكّل الغالبية في المجتمع السوري، وبين أرباب العمل من القطاع الخاص، الذي ازداد نفوذه بصورة جليّة، منذ سقوط نظام الأسد، مع إعلان السلطات الجديدة عن توجهها الليبرالي.

وهنا، تجب الإشارة إلى أن حقوق العمالة لم تكن مصانة في سوريا، حتى يوم كانت السلطات السابقة ترفع شعارات يسارية، لم تتجاوز كونها بروباغندا، لا تطبيق عملياً لها على أرض الواقع. لكن هناك فارقاً نوعياً استجد بعيد سقوط نظام الأسد.

ففي السابق، كانت جميع أطراف العملية الإنتاجية والاقتصادية في سوريا، ضحايا لإجراءات النظام الاستثنائية في جمع المال، بعد جفاف مصادر التمويل، بعيد العام 2011. فأضرار إجراءات النظام الجبائية المبالغ بها، طالت مصالح أرباب الأعمال في سوريا، بصورة تجاوزت بأضرارها حقبة الصراع العسكري المسلح بين 2012 و2018. حتى أن أكبر ملامح الانهيار الاقتصادي في سوريا، تجلت بعيد العام 2018، ووصلت إلى ذروتها في الأعوام التي تلت 2021، جراء سياسات النظام حيال رأس المال الوطني الذي بقي في البلاد، فدفع الثمن غالياً.

ومع الأيام الأولى من سقوط النظام، وإبداء السلطات الجديدة مواقف إيجابية حيال رأس المال الوطني، بدا أن جانباً كبيراً من التجار والصناعيين، من المحتفين بشدة برحيل الأسد، ومن المرحبين بحفاوة بالتغيير الذي حصل. وبدأت التطورات اللاحقة تؤكد إيجابية هذا التغيير لصالحهم.

قبل أيام، أصدرت وزارة المالية السورية قراراً بتشكيل لجنة لإصلاح المنظومة الضريبية، وإعداد نظام ضريبي جديد. وضمت اللجنة في عضويتها، ممثلين عن غرف التجارة والصناعة في دمشق وحلب، في خطوة غير مسبوقة. إذ بات لممثلي القطاع الخاص القدرة على المشاركة في صياغة لوائح الضرائب والرسوم المفروضة عليهم. خطوة أشاد بها الكثيرون، وانتقدها البعض. لكنها كشفت عن ازدياد نفوذ رأس المال السوري، وطبيعة العلاقة الإيجابية التي باتت تربط بينه وبين ممثلي السلطة الجديدة.

من جانب كاتب هذه السطور، هي خطوة مرحب بها بالفعل. فسوريا اليوم بحاجة ملحة لتفعيل نشاط رأس المال الوطني فيها، وجذب المغترب منه، والعربي والأجنبي أيضاً، عبر إجراءات استثنائية، بغية خلق فرص عمل وتحسين القدرة الشرائية للسوريين، بأسرع وقت ممكن. من أبرز الإجراءات لتحقيق ذلك، وضع الضرائب بصورة تشاركية مع دافعيها الرئيسيين. لكن في الوقت ذاته، وفيما يمكن الترحيب بأية إجراءات لجذب رأس المال للاستثمار في سوريا، يجب الانتباه إلى حقوق العمالة، وعدم إتاحة المجال للتغول عليها.

وفيما يتهم البعض السلطة القائمة في دمشق اليوم، بأنها باتت شريكة لأصحاب رؤوس الأموال، وحليفة لهم، يمكن ملاحظة شيء من الارتباك في أداء صنّاع القرار الاقتصاديين، في محاولة خلق توازن في المصالح بين غالبية السوريين، وبين أرباب الأعمال في القطاع الخاص. من ذلك، القرار الذي صدر عن وزارة الاقتصاد والصناعة، ونص على تكثيف الجولات الميدانية لدوريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الأسواق، قبيل عطلة عيد الأضحى. ودوريات التجارة الداخلية المعروفة شعبياً باسم “التموين”، لطالما كانت مرادفاً للرشوة والابتزاز الموجه للتجار. وقد فشلت لعقود، خلال عهد النظام السابق، في تحقيق الهدف الرئيس منها، وهو ضبط الأسعار، لصالح المستهلك السوري. ورغم ذلك، لقي القرار ترحيباً ملحوظاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في أوساط السوريين الذين علّقوا عليه، جراء انفلات الأسعار غير المسبوق الذي تعيشه سوريا، منذ سقوط النظام السابق.

ورغم أن القرار المشار إليه، استهدف لجم المغالاة في رفع الأسعار من جانب “بعض ضعاف النفوس من أصحاب الفعاليات التجارية”، إلا أنه ناقض النهج الذي أعلنته السلطات الجديدة منذ أشهر، والقائم على التوجه نحو “اقتصاد السوق الحر التنافسي”، وعدم التدخل في فرض الأسعار.

هذا الارتباك في أداء السلطات، يُظهر عدم وضوح الرؤية لديها، حيال كيفية خلق توازن بين مصالح المستهلكين من جهة، والتجار والمنتجين من جهة ثانية. ينسحب ذلك على العلاقة بين الطبقة العاملة وأرباب العمل. هل من رؤية لدى السلطة، لخلق توازن في المصالح بينهما؟ كان لافتاً، قبل أيام، الإعلان عن توقيع اتفاق بين الاتحاد العام لنقابات العمال في سوريا، واتحاد نقابات موظفي القطاع العام في تركيا، لتعزيز التعاون في مجالات التدريب والدعم الفني وتبادل الخبرات النقابية.

وكما هو معلوم، كانت الحركة النقابية السورية إحدى أبرز ضحايا قمع نظام الأسد في حقبة السبعينات من القرن الفائت، قبل تدجينها لتصبح أداة سلطوية. واليوم باتت الفرصة ملائمة لاستعادة دور النقابات في سوريا. وقد لا يكون المدخل الأمثل لذلك، هو التعاون مع نقابات نظيرة في تركيا، المصنفة ضمن أسوأ 10 دول على صعيد حقوق العمال، وفق مؤشر الحقوق الدولي الصادر عام 2025. لكن، تجب الإشارة إلى أن سوريا في وضع أسوأ من تركيا، في تصنيفات المؤشر الدولي ذاته. ورغم ذلك، لفت معدّو المؤشر –الاتحاد الدولي للنقابات- إلى ظهور جهود مبكرة لتنظيم العمال واستعادة حقوقهم في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد.

ومع غياب إعلان السلطات الجديدة عن رؤية واضحة لموازنة المصالح بين القطاع الخاص، وبين المستهلكين والطبقة العاملة، قد يكون المدخل الأمثل لخلق هكذا توازن، هو في تحرك المجتمع المدني، تحديداً، النقابات وجمعيات حماية المستهلك، لتنظّم نفسها، وتتعاون، وتحاول خلق عوامل ضغط على السلطات وعلى القطاع الخاص، لاستدراج التنازلات، على صعيد خفض الأسعار ورفع الأجور، عبر استراتيجيات مبتكرة للمقاطعة مثلاً، وللإضراب في حالات أخرى. البديل عن ذلك، هو حصر الرهان على مواقف إيجابية من جانب السلطة، وحدها. والانتكاس إلى رهانات مجرّبة مراراً، من قبيل “دوريات التموين”، وتحديد الأسعار والأجور.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى