تحدّيات الخروج من أزمة الكهرباء في سورية/ سمير سعيفان

11 يونيو 2025
الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم لبناء خمس محطات توليد كهرباء، باستطاعة خمسة آلاف ميغاواط (تشكّل أكثر من 60% من طاقة التوليد التي كانت مركّبة في سورية سنة 2010، وقدرها نحو 8500 ميغاواط)، باستثمار أجنبي تُقدّر قيمته بنحو سبعة مليارات دولار، شكّل حدثاً، ليس اقتصاديّاً واجتماعيّاً كبيراً وحسب، لأنّ الكهرباء تشكّل عصب الحياة المنزلية وعصب الاقتصاد، بل وشكّل حدثاً سياسيّاً أيضاً، لأنّ شركات قطرية وأميركية وتركية ستُشارك معاً في المشروع، ولأنّ مراسم التوقيع قد جرت بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، والقائم بأعمال سفارة قطر في دمشق خليفة عبد الله المحمود الشريف، وسفير تركيا في دمشق السفير برهان قور أوغلو، ومبعوث واشنطن الخاص إلى دمشق توماس باراك، الذي أشاد بالخطوة، وقال: “هدفنا تمكين التجارة لا الفوضى”. وسيوفّر المشروع أكثر من 50 ألف فرصة عمل مباشرة، بحسب الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون القابضة السوري – القطري، رامز الخياط، ما يسهم في دعم سوق العمل في سورية. ويشير هذا التجمّع الى الاهتمام بدفع سورية نحو طريق التعافي، الذي يأمل السوريون أن يستمرّ، ويتكلّل برفع كامل لكل العقوبات التي فُرضت على النظام السابق، بسبب جرائمه بحقّ الشعب السوري.
المشروع ومراحله
يتكوّن المشروع من بناء أربع محطّات توليد كهرباء، بتوربينات غازية تعمل بالدورة المركبة (CCGT) التي تتيح استخدام الحرارة الناتجة عن احتراق الغاز لتشغيل توربين بخاري إضافي، ما يزيد من كفاءة استهلاك الوقود ويخفض الانبعاثات. وتقع المحطات في مناطق: تريفاوي (حمص، ولعل المقصود جندر، حيث يوجد محطة توليد من قبل)، وزيزون (حماة – سهل الغاب)، ودير الزور (وآمل أن يكون في حقل التيم، فهو الموقع الأفضل)، ومحردة (في محافظة حماة)، بسعة توليد إجمالية تقدّر بنحو أربعة آلاف ميغا، إضافة إلى محطة طاقة شمسية بسعة ألف ميغا، في وديان الربيع جنوب دمشق.
يشترك في هذا الاستثمار تحالف من أربع شركات (المستثمر): أورباكون القابضة، من خلال شركتها التابعة “يو سي سي كونسيشنز إنفستمنتس”، وهي شركة قطرية متخصّصة في امتيازات الطاقة والإنشاءات، وهي قائدة هذا التحالف. “باور إنترناشيونال يو إس إيه، ذ.م.م”، وهي شركة أميركية متخصّصة في الاستثمارات الاستراتيجية في مجال الطاقة. “كاليون جي إي إس إنرجي ياتيريميلاري”، وهي شركة تركية مستثمرة ومطوّرة لمشاريع الطاقة المتجدّدة. “جينكيز إنرجي سان. في تيك”، وهي شركة تركية متخصّصة في تطوير مشاريع الطاقة وتشغيلها.
وقد وقّع مذكرة التفاهم، مع وزير الطاقة السوري محمد البشير، كلٌّ من محمد معتز الخياط رئيس مجلس إدارة أورباكون القابضة، ومحمد جنكيز رئيس مجلس إدارة جنكيز للطاقة، وأورهان جمال كاليونجو رئيس مجلس إدارة شركة كاليون للطاقة، ومازن السبيتي الرئيس التنفيذي لشركة باور إنترناشيونال يو إس إيه.
سيبني هذا التحالف المحطات المذكورة على نفقته الخاصة، ويكون نموذج الاتفاق مع الحكومة وفق ما يعرف بنموذج BOT أو BOOT، وهي اختصار للكلمات الإنكليزية Build, Operate/own and Transfer، وتعني: ابنِ المحطات وشغلّها واستثمرها لحسابك/ امتلكها، وفق معادلة متفّق عليها ولمدّة متفق عليها مع الحكومة، ثم أعد المحطة إلى الدولة، بعد انقضاء المدّة المتفق عليها، وهي عادة بحدود 20 – 25 سنة تبدأ من يوم وضع المحطّات الجديدة في الخدمة. وعلى المستثمر أن يعيد المحطات للحكومة، وهي بحالة جيدة، بعد انتهاء مدّة الاتفاق.
سيمرّ بناء المحطات الخمس بمراحل عدّة، تمتدّ إلى سنوات ثلاث وربما أكثر، إلى أن تصبح جاهرة لتزويد الشبكة بالكهرباء:
الأولى، التعاقد: إبرام العقد بين المستثمرين والحكومة السورية، فما تمّ مذكرة تفاهم (MOU)، وهي أشبه بخطاب النيات، أو “الخطوبة”، أي لا شيء ملزماً بها ما لم تتحوّل إلى عقد. … يتطلّب إبرام العقد إعداد ملفٍّ فنيٍّ ضخم، يتضمّن المواصفات الفنية العامة، والشروط التجارية والمالية، ويعدّ ملف العقد مهندسون وفنيون وماليون وتجاريون لديهم خبرات وافية، وربما يستغرق ذلك الأمر شهرين بمساعدة جهاتٍ ذات خبرة. وتالياً أهم مراحل التعاقد:
أ- تحديد نموذج الاتفاق أو ما يسمّى بالإنكليزية “Business Model”، وقد جرى اختيار نموذج BOT أو BOOT، كما ذُكر أعلاه، حيث يبني المستثمر المحطات، وتلتزم الدولة بتأمين الغاز للمحطّات الجديدة الأربع (الخامسة طاقة شمسية)، سواء من إنتاج حقول الغاز السورية أو استيراداً من تركيا أو من مصر عبر خط الغاز العربي القادم من مصر عبر العريش وخليج العقبة ثم إلى سورية عبر الأردن، وهو موجود، أو من العراق حيث توجد حقول غاز كبيرة في الأراضي العراقية قريبة من الحدود السورية، وربطها سهل من منطقة تقع الآن تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لأنّ إنتاج الغاز واستيراده بيد الدولة ومسؤوليتها. ويتم عادة وضع معادلة لتحديد سعر بيع الغاز من الدولة إلى المستثمر بالدولار بدلالة أسعار الفيول بالدولار. وفي الوقت نفسه، تشتري الدولة الكهرباء من المستثمرين بسعر محدّد، وتتولّى توزيع الكهرباء على المستهلكين وتقبض الثمن منهم، ولا يمكن جعل المستثمرين يوزّعون الكهرباء، لأكثر من سببٍ، منها أن لدى الدولة أيضاً محطات توليد كهرباء، وأنها تملك شبكة النقل والتوزيع ومحطات التحويل، كما يجب الاتفاق على عدد سنوات الاستثمار، إذ تعود المحطّات بعد ذلك للدولة السورية (ربما 25 عاماً)، ويستردّ المستثمر رأسماله عادةً خلال خمس إلى سبع سنوات.
ب- إصدار العقد بقانون، سيصدر الرئيس مرسوماً بتصديق القانون، (لعدم وجود مجلس شعب) ونشر العقد في الجريدة الرسمية، ويعدّ إصدار العقد بقانون أمراً ضروريّاً، كونه سينصّ على موضوعات عديدة تُخالف التشريعات النافذة الآن، مثل التشريعات الحالية الحاكمة التي تقيّد استقدام فنيين أجانب، إن لزم الأمر (هنا تضع الدولة نسبة صغيرة من إجمالي العاملين كسقف 5% مثلاً للمستثمر، وأكثر من ذلك للشركات التي تبني المحطّات لأنها تحتاج ذلك في فترة البناء)، ثم تُحدّد كيفية تسديد أجورهم وتحويلات رواتبهم، وإخضاعهم لضريبة دخل الرواتب، وإعادة تحويل الأرباح إلى خارج سورية، وإعفاء مستوردات المشروع من الرسوم الجمركية ومن قواعد الحظر والمنع، والإدخال المؤقّت للآليات والمعدّات، ووضع شرط بأن تنسحب تلك الإعفاءات على المقاولين الذين سينفذون المحطّات (متعهّد التنفيذ) وغيرها، وعلى الدولة أن تشترط تسديد الضرائب على الأرباح، من المستثمر والمقاولين العاملين معه. ويمكن الاتفاق على نسبة معينة لقاء الضريبة على الأرباح من قيمة ما يقبضه المستثمر من الدولة ثمن كهرباء (مثلاً 3% أو 4% مقطوعة من قيمة العقد، وتخصم من كل فاتورة تسدّدها الدولة إلى المستثمر)، وهذا أفضل من إجراءات التكليف والتحصيل المعتادة التي شابها فسادٌ واسعٌ وتهرّب ضريبي كبير.
ت- إلزام المستثمر بتسجيل جميع العاملين لديه في التأمينات الاجتماعية، أي عكس ما ذهب إليه وزير الاقتصاد السوري أخيراً، فحقوق العمال لا يجوز المساومة عليها، ولا يجوز تقديمها هدية مجانية للمستثمرين. ويجب أن توضع في العقد/ العقود شروط جزائية على كلّ من المستثمر والدولة، في حال الإخلال بالتزاماتهما العقدية (كأن تتوقّف المحطّات عن إنتاج الكهرباء أكثر من عدد محدد من الأيّام في السنة، منفصلة أو متصلة، وهذا يعدّ إخلالاً من المستثمر، أو أن تتأخّر الدولة بتوريد الغاز الكافي لتشغيل المحطات، ويعدّ ذلك إخلالاً من الحكومة، وهنا يحدّد مقدار التعويض عن التأخير أو طريقة حسابه. وهذا يعني أنّ على الحكومة أن تتأكّد من توفير الغاز للمحطات الخمس.
ث- الاتفاق على كيفية حلّ الخلافات بين الحكومة والمستثمر، وعلى القانون الذي تخضع له اتفاقية الاستثمار والمحكمة التي تقضي بحل الخلافات.
المرحلة الثانية، بناء المحطات الخمس: بعد تصديق العقد ونشره، تُصدر الوزارة أمر المباشرة وتسليم مواقع بناء المحطات جاهزة وخالية من أيّة عوائق، ويكون المستثمر قد قدّم كفالة حسن التنفيذ (Performance Bond)، ويستكمل المستثمر إقامة مكاتبه وطاقم العاملين في إدارة المشروع ويؤسّس مكاتبه في دمشق وفي مواقع المحطّات الخمس، ويمرّ إنشاء المحطات بالمراحل التالية:
أ- إعداد ملف فني مفصّل مع الرسومات الهندسية، وإعداد ملف مالي وتجاري للإعلان عن استدراج عروض أسعار لتنفيذ المحطات الخمس، وهذا موضوع يحتاج أسابيع من العمل، ومئات الصفحات الفنية والمالية والتجارية، وعلى المستثمر أن يختار بين إعلان واحد يشمل المحطّات الخمس، أو خمسة إعلانات متفرّقة، وبالتالي خمس شركات منفّذة، وهذا أفضل، لأنّ الإعلان الواحد يعني أنّ عدداً قليلاً جدّاً من الشركات سيتنافس على الفوز بالمشروع، وتعطى عادة مهلة ستة أشهر لتقديم الشركات الأجنبية المتخصّصة العروض، ويحتاج ثلاثة أشهر أخرى لتقييم العروض وإرساء العرض أو العروض على الشركات التي قدّمت أفضل العروض الفنية والمالية والتجارية، ويحتاج تقييم العقود وكتابة العقد إلى مختصّين من ذوي الخبرة ويقوم بها المستثمر عادة.
ج- إبرام العقود مع الشركات الفائزة الخمس، ووضعها قيد التنفيذ وإعطاؤها أمر المباشرة، ويستغرق هذا الأمر عادة ثلاثة أشهر، وهنا توجد كفالاتٌ بنكيةٌ ابتدائية حين تقديم العروض وكفالات بنكية لحسن التنفيذ بعد إرساء العقود.
ح- يستغرق بناء المحطات قرابة السنتين من تاريخ المباشرة، لأن العنفات (The Turbine) لا تتوفّر في المستودعات، بل يُطلب تصنيعها من عدد محدود من الشركات العالمية التي تصنع العنفات/ التوربيات، ويستغرق تصنيع العنفة سنة، ثم تأتي عملية نقلها وتركيبها واختبارها، ثم التسليم والاستلام، وتبدأ المرحلة التجريبية وتكون ربما لشهر. ومن ثم ستبلغ المدة بين التعاقد وبدء إنتاج الكهرباء أكثر من ثلاث سنوات للمحطّات الأربع التقليدية المعتمدة على الغاز، أما محطّة الطاقة الشمسية، فتكون أقلّ من ذلك.
المرحلة الثالثة: التشغيل: مع بدء تشغيل المستثمر المحطات الخمس، بعد سنوات ثلاث تقريباً، يجب أن تكون الدولة قد ضمنت توريد كمية كافية من الغاز لتشغيل المحطّات، ويضمن المستثمر تشغيل المحطات بكفاءة، وسيتم تحويل الطاقة المُنتجة إلى الشبكة، حيث تتولى شركة توزيع الكهرباء إيصالها إلى المستهلكين، من منازل ومصانع ومشاغل ومحلات تجارية ومزارع وغيرها، وستحصِّل الشركة الحكومية قيمة الكهرباء بالليرات السورية، لكنها ستسدّد قيمة الكهرباء المولّدة للمستثمر بالدولار، بعد خصم قيمة الغاز المورد وخصم الضرائب، وأي استحقاقاتٍ أخرى، أي يجب أن يكون لدى الدولة موارد كافية بالدولار، كي تستطيع الالتزام بالتسديد من دون تأخير، كي لا يفرض عليها غرامات.
يظهر من كلّ ما تقدم أن إدارة هذا الاستثمار والإيفاء باحتياجاته أمرٌ في غاية التعقيد، ويحتاج كفاءاتٍ لديها خبرات طويلة، ولكن وزارة الطاقة (أسوة ببقية الوزارات والمؤسّسات الحكومية) كانت قد صرفت أصحاب هذه الخبرات من الخدمة، فما العمل سوى إعادة هؤلاء لخدمة وطنهم.
كي لا ننتظر ثلاث سنوات
بالطبع، يجب عدم الانتظار ثلاث سنوات، فلدى سورية حقول إنتاج غاز ومحطّات توليد، وهي تحتاج إلى صيانة، ويمكن القيام بإجراءات عاجلة تزيد من توليد الكهرباء خلال بضعة أشهر، حتى السنة. وتعمل وزارة الطاقة الآن لتأمين زيادة ساعات وصول الكهرباء إلى أربع ساعات، ثم ست ساعات، لتصل في العام القادم إلى عشر ساعات كلّ 24 ساعة، بدلاً من ساعتين حالياً، ويمكن أن يتحقّق هذا عبر مجموعة إجراءات:
أ- صيانة حقول الغاز، ويقع معظمها غرب تدمر وجنوبها وشمالها، وقد كانت سورية تنتج نحو 25 مليون متر مربع في اليوم، سنة 2010 من كل حقول الغاز والنفط أيضاً، حيث يخرج بعض الغاز مع النفط ويسمّى الغاز المصاحب، بما يؤدّي إلى زيادة الإنتاج الحالي ليبلغ ربما نحو 40% من الكمية المنتجة 2010 من الغاز، وتأمين ما يكفي لعشر ساعات من الكهرباء يوميّاً.
ب- تخطّط الوزارة لاستكمال صيانة عدّة محطات توليد، منها محطة توليد اللاذقية (526 ميغاواط)، والمرحلة الثانية من محطة دير علي (750 ميغاواط)، ولإعادة تأهيل محطة توليد حلب (600 ميغاواط). ويمكن أن تؤدي صيانة حقول الغاز ومحطات التوليد إلى رفع إنتاج محطات التوليد إلى أربعة آلاف ميغاواط، يمكن أن تؤمن إمداد بالكهرباء لنحو 12 ساعة، في حال تنفيذها حتى العام المقبل.
ت- صيانة شبكات نقل الكهرباء التي لحق بها دمار كثير خلال سنوات الحرب.
ث- صيانة عدة محطات للتحويل وبناء محطّات تحويل جديدة.
ج- معالجة الفاقد، وأسبابه كثيرة، وهو لا يقل عن 25% من الطاقة المولدة.
ولكن هذا كله يتطلب تمويلاً يبلغ مئات ملايين الدولارات، ولا تملك الخزينة حالياً هذه المبالغ، ويمكن تأمينها عبر مساعدات أو قروض.
من جهة أخرى، تبادر تركيا لزيادة توليد الطاقة في أمد قصير عبر طريقين: أ- تزويد سورية بالغاز الطبيعي من شبكتها الداخلية، وربطها بالشبكة السورية الداخلية للغاز، وقد صرّح وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، بانتهاء ربط خط أنابيب الغاز بين كلّس التركية وحلب السورية، إذ ستبدأ أنقرة توريد مليارَي متر مكعب من الغاز سنويّاً إلى سورية، لتغذية محطات توليد الكهرباء. ب- تعمل وزارة الطاقة السورية على استكمال ربط خط كهرباء باستطاعة 400 كيلوفولت، بين تركيا وسورية، مع توقعات بدخوله الخدمة بحلول نهاية العام الجاري.
نتيجة كل هذه الجهود، ستشهد سورية تحسّناً في أوضاع الكهرباء على ثلاث مراحل: الأولى، تحسّن جزئي تدريجي خلال الشهور المقبلة وحتى نهاية العام، حيث يمكن زيادة الأوقات إلى ست إلى ثماني ساعات خلال 24 ساعة، حسب التوقعات اليوم. الثانية، تحسين ملحوظ خلال سنة 2026، إذا نجحت الحكومة بصيانة حقول الغاز، واستطاعت تأمين غاز كاف، ونجحت في صيانة محطات التوليد واستعادة الجزء الأكبر من قدرات التوليد في سورية التي كانت 2010 وقدرها ثمانية آلاف ميغا. الثالثة تبدأ بعد ثلاث سنوات، بعد تركيب الخمسة آلاف ميغاواط المعلن عنها. وقد تبلغ الطاقة المركبة حينها 13 ألف ميغاواط، وسيكون هذا كافياً لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة نتيجة الفورة التنموية المتوقّعة في سورية في حال رفع العقوبات.
الدلالات
يحمل هذا المشروع الساعي إلى استعادة قدرة سورية على تأمين احتياجاتها من الكهرباء دلالاتٍ متعدّدة، فإلى جانب الدور الذي ستلعبه زيادة إنتاج الكهرباء ووصولها إلى البيوت في تحسين نوعية الحياة، والدور الذي سيلعبه وصول الكهرباء إلى المصانع والشركات والمحلات والمزارع في زيادة الإنتاج، فهو يحمل دلالة سياسية، ولعلها الأهم، إذ تفيد بأنّ هذا التصميم الدولي حالياً على مساعدة سورية في استعادة عافيتها، قد يستمر الى حين بلوغ إزالة كل العقوبات التي فرضت على النظام القديم وما زالت مستمرة، رغم سقوطه، ومن دون إزالتها، لن تفتح أبواب التعافي أمام سورية من مختلف الجوانب.
يبقى احتمال إزالة العقوبات رهن الإرادة الأميركية، سواء البيت الأبيض أو الكونغرس، وقد أزيلت بعضها، وجُمدت عقوبات قانون قيصر ستة أشهر، وهي العقوبات الأشد، ومن ثمَّ من المهمّ أن يستمر الزخم الحالي لرفع العقوبات، وإذا كنّا نضمن استمرار دعم الرياض والدوحة وأنقرة، فمن الصعب ضمان دونالد ترامب بمزاجه المتقلّب، وسلوكه الاستعراضي، فهو لا يعطي شيئاً بلا مقابل، وإن كان قد قبض ثمناً باهظاً فجاء قبوله الإعلان عن رفع العقوبات ومقابلة الرئيس أحمد الشرع كهدية البائع، فمن المتداول أنه طالب الشرع بتلبية شروط كي يتلافى النقد الذي سيوجّه له في الولايات المتحدة. وإذا كان بعض تلك الشروط ممكن التنفيذ، فإن بعضها الآخر يشكّل تحديّاً للشرع لأكثر من سبب، وقد يصعب الالتزام ببعضها خلال أجل قصير.
ضمن هذا الوضع المعقّد، مصلحة السوريين جميعاً في إزالة العقوبات بغضّ النظر عن مواقفهم من السلطة الحالية. ويعتقد أن إزالة العقوبات ستُسهم في دفع الأوضاع نحو الاعتدال، بينما ستدفع عودة العقوبات الأوضاع نحو التشدّد.
العربي الجديد