الناستشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

“الخوذ البيضاء”.. من توثيق جرائم الكيماوي إلى حضن الدولة/ منصور حسين

 

الأربعاء 2025/06/11

محتضناً ابنته، يجلس محمد الحسين (23 عاماً)، يتابع المؤتمر الصحافي الخاص بإعلان مؤسسة “الخوذ البيضاء” حلّ نفسها لصالح وزارة الطوارئ السورية، في لحظة تحمل وقعاً خاصاً على مشاعره.

محمد الذي صار اليوم صاحب أسرة، يعتقد أنه لم يكن ليحظى بهذه الحياة، لولا أحد عناصر الدفاع المدني الذي حمله بعيداً عن القصف، حيث كانت لتنتهي حياته بعمر 11 سنة في حلب، بعد غارات جوية متتابعة لطائرات النظام البائد استهدفت ضاحية المرجة جنوب المدينة، وأودت بحياة العشرات عام 2013.

وفي استحضاره اللحظة، يقول محمد لـ”المدن”: كنا نلعب قريباً من مكان القصف، لدرجة فقداننا السمع لحظات بعد الغارة الأولى، عندها بدأ الجميع الركض القريب يهرب والبعيد يأتي للمكان، بينما كنت أعيش وقع الصدمة منفصلاً عن الواقع، فبدأت الركض باتجاه مكان القصف، قبل أن ترميني شدة الغارة الثانية أرضاً”.

ويضيف “بعد الغارة استفقت على صوت شقيقي يبكي ممسكاً بقميص عنصر يحملني من الدفاع المدني بعيداً عن المكان الذي شهد وقوع ضحايا بسبب القصف المدفعي، وسقوط منازل جديدة، كنت فعلياً بجانبها”.

موقف ومؤسسة

محمد ليس الوحيد الذي يربط استمرار حياته اليوم بعناصر الخوذ البيضاء، إذ يشاركه الشعور أكثر من 128 ألف شخص من مختلف المناطق السورية، أنقذتهم المؤسسة منذ عام 2014، من تحت أنقاض القصف والكوارث التي ضربت البلاد.

قصة محمد، سبقت هذا التأسيس بأكثر من عام، حيث كان الدفاع المدني اسماً لفرق صغيرة من المتطوعين، تشكلت بعد منع نظام الأسد أحد فرق الدفاع المدني في حلب من الاستجابة لحريق سكني عام 2012، ذريعة وقوعه خارج مناطق سيطرته.

يومها تحدى مسؤول الفريق منير مصطفى القرار، واتجه نحو موقع الحريق، وأعلن في اليوم ذاته إنشاء مركز الدفاع المدني الأول في مناطق سيطرة المعارضة، ما شجع كثيرين على الانشقاق وإنشاء مراكز للاستجابة الإنسانية لخدمة الطوارئ.

ومع نجاح الفرق في  إثبات أهميتها ووجودها على الأرض، أصبحت قضية مأسسة المنظمة حاجة ملحة لتوسعة نشاطها، ليأتي الإعلان عن تشكيل الدفاع المدني خلال مؤتمر أضنة عام 2014، قبل أن توسم فرقه باسم “الخوذ البيضاء”، نسبة للخوذ التي يرتديها المتطوعون.

وارتبط اسمها بمشاهد متطوعيها ينقذون المدنيين من تحت الأنقاض، ويهرعون لأماكن القصف والاستجابة للكوارث ومساعدة الأهالي على النزوح، ما جعلها مثالاً ملهماً للعمل الإنساني في ظروف قاهرة، من تحديات العمل رغم نقص المعدات، وهي معضلة لازمت المؤسسة منذ تأسيسها وحتى إعلان حلها، فضلاً عن الدعاية المضادة التي أدارها نظام الأسد وروسيا والتحريض عليها أمام الإعلام، لتبرير استهدافها وتقويض نشاطها الإنساني.

ومما يؤكد تعمد النظام وروسيا، نسف فكرة الخوذ البيضاء، استهدافهم مقراتها بعمليات القصف الجوية، التي راح ضحيتها 308 متطوعين، نتيجة الاستهداف المتعمد، رغم غياب البعد العسكري وارتباطها بأهداف تخريبية، لزيادة الضغط على السكان.

فضح جرائم الكيماوي

ركز نظام الأسد وروسيا عام 2018، حملاتهم ضد الخوذ البيضاء، واتهموها بالتضليل وتمثيل مجازر كيماوية بأوامر مخابراتية، بعد كشفها استخدام غاز الكلور السام في قصف مدينة دوما بريف دمشق، في نيسان/أبريل من العام ذاته، مودياً بحياة ما لا يقل عن 65 شخصاً.

عندها خرج وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، متهماً المؤسسة بدعم الإرهاب، وتنفيذ “مسرحيات مفبركة” لاتهام الأسد وحلفائه باستهداف المدنيين في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة فصائل الثورة.

وبدا التحرك محملاً بحقد دفين، سببه توثيق الدفاع المدني وقوع هجمات كيماوية في مناطق اللطامنة بريف حماة، وخان شيخون بريف إدلب، نهاية آذار/مارس 2017، راح ضحيتها 84 مدنياً و520 مصاباً، بينهم 70 شخصاً ظهرت عليهم أعراض عامل كيماوي.

وكان لإنقاذ العشرات وإجلائهم من مواقع الغارات، عاملاً في الحفاظ على الشهود، وإكمال أدلة الجريمة، دفعت الولايات المتحدة لشن أكثر من 80 غارة بصواريخ من طراز “توماهوك”، استهدفت مطار الشعيرات التي خرجت منه طائرة التنفيذ.

ويعتبر مدير الشبكة السورية لحقوق الانسان فضل عبد الغني، أن الخوذ البيضاء لعبوا دوراً أساسياً في توثيق جرائم النظام البائد واستخدامه الأسلحة الكيماوية، وقدموا في طريقه تضحيات كبيرة. ويضيف أنه “يمكن ملاحظة هذا الدور في كشف فظائع النظام البائد وقتله المدنيين بالأسلحة الكيماوية وتوثيقها رغم المخاطرة في مجال لا يندرج فعلياً ضمن سياق مهامهم المختصة بالاستجابة الإنسانية”.

حوكمة وتنظيم

وحتى إعلان المؤسسة حلّ نفسها، ضمّت 3 ألاف و300 متطوعاً، وأدارت 6 برامج حيوية تخدم السوريين في مستويات عديدة، منها الصحة والبحث، والإنقاذ والإطفاء، وبرامج العدالة والمساءلة، والبنية التحتية، والخدمات الاجتماعية، وبرامج الحماية وإدارة مخلفات الحرب.

وفي بيان الاندماج ضمن وزارة الطوارئ، الأسبوع الماضي، الذي تلاه منير مصطفى مديراً للدفاع المدني، قال إ”ن أغلبية أعضاء الهيئة العامة أيدوا قرار الحل الكامل في جسد الحكومة السورية، بحيث تنقل البرامج التي تقوم عليها المؤسسة إلى الوزارات والجهات المعنية بحسب اختصاصها”.

وأكد مصطفى أن “القرار يأتي في سياق تحقيق المصلحة العليا للسوريين ويجسد الالتزام الصادق بميثاق المبادئ الذي وقعناه قبل 10 أعوام، وأكدنا فيه أن مهمتنا الإنسانية لا تتوقف عند إنقاذ الأرواح خلال الحرب، بل تستمر من خلال الإسهام الفاعل في بناء سوريا مستقرة، تحقق تطلعات الشعب بالعدالة والحرية ودولة المؤسسات”.

ولا يسع السياسي السوري درويش خليفة، إلا الوثوق بقرار إدارة الخوذ البيضاء التي استطاعت الارتباط بالذكرى والتاريخ في قلوب السوريين، حتى صارت رمزاً من رموز الثورة ونضالها.

ويقول خليفة لـ”المدن”: “اندماج المؤسسة في وزارة الطوارئ، يعني استمرار عملها السابق، لكن ضمن إطار حكومي، ما يعني انتقال دورها من العمل الإنساني كمنظمة مجتمع مدني إلى العمل الحكومي المنظّم”.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى